الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 100973
تحميل: 5502

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100973 / تحميل: 5502
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه: (برُّ فاطمة ووِلدها (عليهم السلام))، وتَركها العامّة ظاهراً وباطناً، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وليس هذه أوّل قارورة كُسرت في الإسلام) (1).

وقال المجلسي الثاني:(وتأويل خير العمل بالولاية، لا ينافي في كونها من فصول أذان الله؛ لأنّها من أعظم شرائط صحّتها وقبولها) (2).

وذَكرَ ما يُماثل ذلك أو ما يقرُب منه ابن شهرآشوب في المناقب (3) ، وسيأتي نقل الروايات في ذلك مخصوصاً والكلمات في ذلك، وهي دالّة على أنّ ماهيّة الأذان متضمّنة للدعاء لولاية أهل البيت (عليهم السلام)، كما أنّه دعاء للإسلام والإقرار بالشهادتين.

* عدّة طبايع

أقول: ويستفاد من كلام العامّة وأقوال المذاهب الأخرى: أنّ الأذان تنطبق عليه عدّة طبايع مندوبة، فمضافاً إلى خصوصيّة الأذان تنطبق عليه أيضاً الطبيعة العامّة لشعائر الإسلام فيندرج في قاعدة تعظيم الشعائر، كما تنطبق عليه طبيعة ذِكر الله المندوب، ولعلّه باللحاظ الثالث تخرج الحيّعلات عن طبيعة بقيّة الفصول إذ ليس هي بذكر، ومن ثُمّ لم يُسوِّغ الشيخ الطوسي في المبسوط حكايتهنّ في الصلاة عند سماع الأذان وقال: إنّهن من كلام الآدمي، وإن كنّ مستحبّات من حيثيّة الأذان، أي حيثيّة الإعلام، وبالتالي فطبيعة الأذان قد اجتمع فيها عدّة طبايع شرعيّة، ولكلّ منها حكم ينسحب عليها دون الطبيعة الأخرى كما هو واضح من أمثلة الأحكام الآنفة، ومن ثُمَّ يتبيّن تعدّد وجه مشروعيّة الشهادة الثالثة في الأذان، والتي تصل إلى ثلاثة وجوه أو أكثر:

____________________

(1) روضة المتّقين: ج2، ص237 - 238.

(2) البحار: ج84، باب 35 من أبواب الأذان والإقامة، ذيل ح24.

(3) مناقب ابن شهرآشوب: ج3، ص326.

١٠١

الأوّل: كونهُ جزء طبيعة الأذان من حيث هو، أي من حيث الأذانيّة ومن خصوص عنوان الأذان كجزء منه.

الثاني: الاستحباب العام من جهة قاعدة الاقتران.

الثالث: من جهة الشعيرة والشعائر الإيمانيّة.

الرابع: من جهة كون الشهادة الثالثة ذِكر الله، كما أشار إليه جملة من فحول أعلام النجف في فتياهم.

ومثله ما قاله الشيخ الطوسي (1) قال: لو فرغَ من صلاته ولم يحكه فيها، كان مخيّراً بين الحكاية وعدمها.

قال الشيخ: لا مزيّة لأحدهما من حيث كونه أذاناً، بل من حيث كونه تسبيحاً وتكبيراً.

وفي موضعٍ من الذكرى (2) استدلّ على مشروعيّة الأذان للصلاة الثانية عند الجمع، قال: وكذلك في المغرب والعشاء في المزدلفة وهل يكره الأذان؟ لم أقف فيه على نص ولا فتوى، ولا ريب في استحضار ذِكر الله على كلّ حال، ولو أذّن من حيث إنّه ذِكر الله فلا كراهيّة.

وقال أيضاً: (واحتجّ الشيخ للكراهيّة بما ذكرناه من جَمع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وظاهره أنّه لا تصريح فيه بالكراهيّة، والأقرب الجزم بانتفاء التحريم، وأنّه يكره في مواضع استحباب الجمع، أمّا لو اتّفق الجمع مع عدم استحبابه (أي في موارد عدم استحبابه)؛ فإنّه يسقط أذان الإعلام ويبقى أذان الذِكر والإعظام) (3) .

____________________

(1) المبسوط: ج1، ص97.

(2) الذكرى: ص231.

(3) الذكرى: ص232.

١٠٢

وأفتى الفقهاء بتعدّد موارد يُستحب فيها الأذان في غير الصلاة منها: الفلوات الموحشة، ومنها: أذان المولود، ومنها: مَن ساء خُلقه، ومنها: الأذان المقدّم لدخول الفجر للاستعداد والتهيّؤ له، وبعض الموارد الأخرى.

* غاياتهُ:

وهو يعطي: أنّ حقيقة الأذان غير خاصّة بالصلاة فقط، بل هو يتضمّن معاني وغايات أُخر من التذكّر بالإيمان والموعظة، وكونهُ من الأذكار الشريفة، وأنّه ممّا يُحترز به كبقيّة الأحراز الشرعيّة، وهذه المعاني قد وردت أنّها من خصائص الشهادة الثالثة والولاية لعلي (عليه السلام)، نظير ما ورد (1) في بعض المصادر الدالّة على خصائص الولاية المطابقة لتلك الموارد التي يُستحب فيها الأذان.

وقال الشهيد الثاني في الروضة - في مسألة سقوط الأذان في موارد الجمع وغيرها، حيث استدلّ البعض على مشروعيّة الأذان في كونه ذِكراً -: وأمّا تقسيم الأذان إلى القسمين؛ لأنّه عبادة خاصّة أصلها الإعلام، وبعضها ذِكر، وبعضها غير ذِكر، تؤدّي وظيفته بإيقاعه سرّاً ينافي اعتبار أصله، والحيّعلات تنافي ذكريّته، بل هو قسم ثالث وسُنّة متّبعة، ولم يوقعها الشارع في هذه المواضع - أي مواضع الجمع - فيكون بدعة، نعم، قد يقال: إنّ مطلق البدعة ليس محرّماً، بل ربّما قسّمها بعضهم إلى الأحكام الخمسة ومع ذلك لا يثبت الجواز.

____________________

(1) نظير ما رواه الشيخ في مصباح المتهجّد في تعقيب صلاة الصبح، ثُمّ قل: (أصبحتُ اللهمّ مُعتصماً بذِمامك المنيع الذي لا يُطاول ولا يحاول،... في جُنّة من كلّ مخوفٍ بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيّك محتجباً... بجدارٍ حصين الإخلاص في الاعتراف بحقّهم والتمسّك بحبلهم،...).

١٠٣

وقال في مسالك الإفهام - في مسألة أخذ الأجرة على الأذان، من أنّه هل يكون الأذان محرّماً وغير مشروع كما ذهب إليه العلاّمة في المختلف؟ -: وهو متّجه، لكن يُشكل بأنّ النيّة غير معتبرة فيه، والمحرّم هو أخذ المال لا نفس الأذان؛ لأنّه عبادة أو شعار) (1).

وقال في المدارك (2) : (وذكرَ الشهيد في الدروس: أنّ استحباب الأذان من القاضي لكلّ صلاة ينافي سقوطه عمّن جمع في الأداء، وهو غير جيّد؛ لعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلها، ثُمّ احتملَ كون الساقط مع الجمع أذان الإعلان دون الأذان الذكري، وهو احتمال بعيد؛ لأنّ الأذان عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار وغيرها، ولا ينحصر مشروعيّته في الإعلام بالوقت، إذ قد ورد في كثير في الروايات أنّ من فوائده: دعاء الملائكة إلى الصلاة، وكيف كان فهو وظيفة شرعيّة فيتوقف على النقل، ومتى انتفى سقط التوظيف مطلقاً، وأمّا الفرق بين الأذان الذكري وغيره فلا أعرف له وجهاً).

وأيضا ً (3) قال: (الثالثة: لو فرغَ من الصلاة ولم يحكِ الأذان، فالظاهر سقوط الحكاية؛ لفوات محلّها وهو ما بعد الفصل بغير فصل أو معه).

____________________

(1) مسالك الإفهام: ج3، ص131.

(2) المدارك: ج3، ص263.

(3) المدارك: ج3، ص295.

١٠٤

وقال العلاّمة في التذكرة (1): إنّه يكون مخيّراً بين الحكاية وعدمها.

وقال الشيخ في الخلاف (2): يؤتى به لا من حيث كونه أذاناً، بل من حيث كونه ذِكراً، وهما ضعيفان.

وقال: ذهبَ بعض أصحاب الشافعي إلى وجوب الأذان والإقامة كفايةً، وذهبَ مالك إلى وجوبه في مساجد الجماعة التي يُجمع فيها للصلاة، وذهب ابن حنبل إلى وجوب الأذان على أهل المصر، واستدلّوا ببعض الروايات (3) بأنّه: من شعائر الإسلام فأشبهَ الجهاد، وناقشهُ العلاّمة بالفرق بين الأصل وهو (الإسلام) وبين الفرع وهو (الأذان): بأنّ الأصل وضِعَ للدخول في الدين، وهو من أهمّ الواجبات فكان الطريق إليه واجباً، والأذان وضِع للدخول في الجماعة وهي غير واجبة، فالأَولى بالوسيلة أن لا تكون واجبة) (4).

أقول: ويتحصّل من كلمات الأعلام في الأذان: ذهابهم إلى كونه متضمّناً لعدّة طبايع، وأنّها منطبقةٌ عليه، كما أنّ له غايات شرعيّة متعدّدة، ومن ثُمّ تترتّب عليه أحكام مختلفة بحسب الماهيّات المنطبقة عليه وبحسب اختلاف غاياته، كما أنّهم حرّروا ما هو الركن فيه ممّا ليس بركن ورتّبوا على ذلك اختلاف حالاته، فهذه المقامات المتعدّدة في الأذان يجدها المتتّبع في كلمات الأعلام، أمّا الطبايع التي ذكروها فهي: (الإعلام، الذِكر، التشهّد، الدعاء للصلاة، الشعاريّة).

____________________

(1) التذكرة: ج3، ص83.

(2) التذكرة: ج3، ص83، المبسوط: ج1، ص 97.

(3) المغني: ج1، ص461، المجموع: ج3، ص81، المدوّنة الكبرى: ج1، ص61.

(4) منتهى المطلب: ج4، ص411 طبعة جامعة المدرّسين.

١٠٥

وقد بنوا على حقيقة هذه الطبايع لا من باب الاحتمال، بل على نحو التحقيق، فرتّبوا آثاراً وأحكام كلّ طبيعة عليه، كما تُلاحظ ذلك في كلماتهم المتقدّمة المُقتطفة ويجدها المتتبّع في مظان تلك المسائل، ويشير إلى تعدّد طبايع الأذان ما في معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّما أُمرَ الناس بالأذان لِعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيراً للناس، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لمَن جهلَ الوقت واشتغل عنه، ويكون المؤذِّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ومرغِّباً فيها، مُقرّاً له بالتوحيد، مجاهراً بالإيمان، مُعلناً بالإسلام، مؤذِّناً لمَن ينساها، وإنّما يقال له: مؤذِّن؛ لأنّه يؤذّن بالأذان بالصلاة، وإنّما بدأ فيه بالتكبير وختمَ بالتهليل؛ لأنّ الله أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه، واسم الله في التكبير في أوّل الحرف، وفي التهليل في آخره.

وإنّما جَعل مثنى مثنى؛ ليكون تكراراً في آذان المستمعين مؤكّداً عليهم إن سهى أحدٌ عن الأوّل لم يسهى عن الثاني؛ ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جَعل الأذان مثنى مثنى، وجَعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدو غفلةً وليس قبله كلام يُنبّه المستمع له، فجَعل الأوليان تنبيهاً للمستمعين لمَا بعده في الأذان، وجَعل بعد التكبير الشهادتان؛ لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان؛ ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان فجعلَ شهادتين شهادتين، كما جَعل في سائر الحقوق شاهدان، فإذا أقرّ العبد لله عزّ وجل بالوحدانيّة، وأقرّ للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الإيمان؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله، وإنّما جَعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؛ لأنّ الأذان إنّما وضِع لموضع الصلاة، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان، ودعاء إلى الفلاح، وإلى خير العمل، وجَعل ختمُ الكلام باسمه كما فُتح باسمه) (1).

____________________

(1) الوسائل: الباب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح14.

١٠٦

فالمحصّل: أنّ الرواية بيّنت أنّ في الأذان ذِكر الله، ودعوى إلى التوحيد، ودعوى إلى الإسلام، ودعوى إلى الإيمان، وهذا العنوان الأخير سيأتي أنّ أحد طبايع الأذان، اشتماله على الدعوة إلى الإيمان والولاية، كما أشارت الرواية إلى الإقرار والتشهّد.

كما أنّ الأذان نداء ودعوى إلى الصلاة، وسيأتي شرح كامل لدلالة الرواية على الشهادة الثالثة في الأذان في الفصل الأوّل، ثُمّ إنّ ممّا مرّ من كلمات الفقهاء يظهر أنّ ما ذكروه من غايات في الأذان - وموارد مستحبّة له غير الصلاة (تأكيداً لمَا سبق) - أنّهم يبنون على ترتيب الآثار على الحقائق الأخرى المنطبقة على الأذان، وأنّه ليس تمام حقيقته النداء للصلاة والإعلام لها، هذا فضلاً عن انطباق عناوين طارئة أخرى عليه كالشعاريّة وغيرها من العناوين التي رتّبوا آثارها على الأذان، كما أنّهم بيّنوا ما هو الرُقي في الأذان وهو ماهيّة الذِكر بالتكبير، وماهيّة التشهّد بالشهادتين دون بقيّة الماهيّات المتضمّن الأذان لها.

١٠٧

المبحثُ الأوّل

الشهادةُ الثالثة في الأذان وأجزاء الصلاة

وفيه ثلاثة فصول:

الفصلُ الأوّل

تقريبُ إثبات جزئيّة الشهادة الثالثة والإقامة فضلاً عن مشروعيّتها فيهما

١٠٨

الفصل الأوّل

تقريبُ إثبات جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة فضلاً عن مشروعيّتها فيهما

ويُستدلّ لذلك بعدّةٍ من طوائف الروايات الخاصّة الدالّة مطابقةً على ذلك بالصراحة أو الظهور، والبحث يقع في جهات:

الجهةُ الأُولى: البحث في طوائف الروايات الخاصّة التي روى متونها الصدوق في الفقيه سنداً ودلالة وأقوالاً، وهي ثلاث طوائف، ثُمّ تُتبع بذكر طوائف روائيّة خاصّة أخرى.

الجهةُ الثانية: البحث في مقتضى قاعدة شرطيّة الولاية، والإيمان في صحّة الأعمال، والعبادات لشرطيّة الشهادة الثالثة في الأذان.

١٠٩

الجهةُ الأُولى

البحثُ في طوائف الروايات الخاصّة التي روى متونها الصدوق في الفقيه سنداً ودلالةً وأقوالاً

نصُ الطوائف الثلاث الأُول: لقد جاء في كتاب مَن لا يحضره الفقيه للصدوق في باب الأذان والإقامة، بعد استعراضه لصورتيهما قال: (هذا هو الأذان الصحيح لا يُزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (محمّداً وآل محمّد خير البريّة) مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله) مرّتين، ومنهم مَن روى بدل ذلك: (أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنّما ذكرتُ ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا) (1).

وهذه المتون التي ذكرها الصدوق بنحو الإرسال هي ثلاث طوائف بالأحرى كما مرّ توضيحه في المدخل.

____________________

(1) الفقيه: ج1، ص290 طبعة قم.

١١٠

* البحثُ في سند الطائفة:

نظرةُ الصدوق: ويُلاحظ ويُستشفى من كلام الصدوق عدّة أمور:

1 - وجود روايات واردة في الشهادة الثالثة وأنّها متعدّدة ذات طوائف.

2 - إنّ تلك الروايات كانت في أصول أصحابنا لا في كتب الفِرَق المنحرفة - فِرق المفوضة -، وإلاّ لمَا أشار إليها الصدوق؛ لعدم دأبه بالتعرّض لروايات الفِرق الأخرى، ويَعضد هذه الحقيقة ما سيأتي من كلام الشيخ الطوسي (قدِّس سرّه) حول هذه الروايات الدال على ذلك أيضاً.

3 - حكاية الصدوق بوجود جملة من الشيعة يمارسون الأذان بالشهادة الثالثة في زمانه، ويعملون بتلك الروايات وكانوا من جملة أبناء الطائفة وفي مُدنهم، بل إنّ التدبّر في كلام الصدوق - حيث وَصفَ سلسلة الرواة لطرق تلك الروايات بأنّهم متّهمون بالتفويض - يقتضي كون تلك الروايات متداولة في الطبقات السابقة عليه روايةً وعملاً، فيظهر من ذلك أنّ السيرة المزبورة متقادِمة على عصر الصدوق.

4 - إنّ الصدوق قد عَقد في كتاب التوحيد (1) باباً تحت عنوان (تفسير حروف الأذان والإقامة)، ثُمّ نقلَ رواية طويلة في تفسير الأذان لم تتضمّن (حيّ على خير العمل)، فعلّقَ عليها بقوله: إنّما تَرك الراوي لهذا الحديث (حيّ على خير العمل) للتقيّة، ثُمّ قال: وقد رويَ في خبر آخر أنّ الصادق (عليه السلام) سُئل عن معنى (حيّ على خير العمل)؟ فقال: (خيرُ العمل الولاية)، وفي خبرٍ آخر: (خيرُ العمل برّ فاطمة وولدها (عليهم السلام)) انتهى كلامه.

____________________

(1) باب 34، ص238 - 241، التوحيد، طبعة قم.

١١١

فيظهر من الصدوق: البناء على أنّ بعض فصول الأذان قد تُترك في روايات الأذان لأجل التقيّة، فمِن الغريب بعد ذلك استنتاجه لوضع الشهادة الثالثة في الروايات المتقدّمة لأجل ترك ذِكرها في كثير من الروايات الأخرى، حسب سياق كلامه في كتاب الفقيه، فلاحظ كلامه المتقدِّم على العبارة التي نقلناها.

كما أنّه يظهر منه في كتابه التوحيد: أنّ الأذان مشتمل على فصل كنائي عن ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وهو حيّ على خير العمل، فهذا ممّا يَعضد تضمّن الأذان لذكر الولاية، بل قد روى الصدوق في العِلل (1) في المصحّح عن ابن عمير، عن أبي الحسن أنّه سأله عن (حيّ على خير العمل) لِمَ تُركت من الأذان؟ قال: (تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً، فقال: أمّا العلّة الظاهرة؛ فلئلاّ يدع الناس الجهاد أو اتكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة (2) ؛ فإنّ خير العمل الولاية، فأراد من أمْر بترك حيّ على خير العمل من الأذان، أن لا يقع حثٌ عليها ودعاء إليها) انتهى.

ممّا يدلّ على بناء الصدوق على كون فصل (حيّ على خير العمل): هو عنوان لولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وصيغة من صيغ الشهادة الثالثة الكنائيّة، ثُمّ إنّه يُلاحظ على كلام الصدوق في الفقيه جملة من الأمور.

أولاً: إنّ الصدوق قد اعتمد وروى في كتاب التوحيد (3)، رواية في الأذان بسند متّصل تتضمّن نداء مَلك من الملائكة العظام - إذا حضر وقت الصلاة - بالشهادات الثلاث،

____________________

(1) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، باب 19، ح16.

(2) أي: الخفيّة التي لم يفصح الثاني عنها عَلناً.

(3) التوحيد: باب 38، ص281، ح10.

١١٢

وإنّه لأجل ذلك تصيح الديكة في أوقات الصلاة كما سيأتي نقلها مفصّلاً، مع أنّه قد روى أيضاً في عِلل الشرائع - كما سيأتي - أنّ هذا النداء ذا صلة بالأذان، كما سيأتي مفصّلاً بحسب الروايات التي رواها الصدوق نفسه (قدِّس سرّه).

ثانياً: إنّ الصدوق في الفقيه قد بنى وروى ذِكر أسمائهم (عليهم السلام) بوصف الإمامة في قنوت الصلاة، وقنوت صلاة الوتر، حيث أورد في باب قنوت الصلاة الرواية بقوله: وقال الحَلبي له (للصادق (عليه السلام)): أسمّي الأئمّة (عليهم السلام) في الصلاة؟ قال: (أجمِلهم) (1).

مع أنّه أوردَ في الموضع الأوّل الفتوى لسعد بن عبد الله، بعدم جواز الدعاء في القنوت بالفارسيّة، ممّا يظهر منه أنّ الحال في القنوت توقيفي غير موسع، ومع ذلك أفتى برجحان ذِكرهم بالإمامة فيه.

وكذلك أفتى الصدوق بالشهادة الثالثة في المقنع، في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام قال: ثُمّ تُكبّر تكبيرتين وقل: وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض، عالِم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، على ملّة إبراهيم، ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حنيفاً مسلماً) (2).

ثالثاً: إنّ والد الصدوق علي بن بابويه (قدِّس سرّه) ذَكر الشهادة الثالثة في عدّة مواضع:

____________________

(1) الفقيه: ج1، ص317 طبعة قم، وص493.

(2) المقنع: ص93، طبعة قم، مؤسّسة الإمام الهادي.

١١٣

منها: في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام، نظير ما مرّ في عبارة الصدوق.

ومنها: في التشهّد حيث قال: (أشهدُ أنّك نِعم الرب، وأنّ محمّداً نِعم الرسول، وأنّ عليّ بن أبي طالب نِعم الولي) (1) .

ومنها: في صيغة الصلاة على النبي وآله في تشهّد الصلاة حيث قال: (اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعلى الأئمّة الراشدين من آل طه وياسين، اللهمّ صلِّ على نورك الأنور، وحبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الكريم، وعلى جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط) (2).

ومنها: ما ذكرهُ علي بن بابويه في صيغة التسليم في الصلاة حيث قال: (السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (3) ، وقريب منه ما تقدّم.

ويأتي من اعتماد الصدوق في الفقيه ذلك في التسليم للصلاة، فلم توجِب رواية كلّ هذه المواضع التُهمة بالتفويض عند الصدوق، فما الوجه في تخصيص رواة الشهادة الثالثة في الأذان بتهمة التفويض، مع أنّ عبارة الصدوق متدافعة بين الصدر والذيل؛ حيث إنّه في الصدر وَصفَ رواة هذه الروايات بالمفوّضة على نحو التحقيق، وفي الذيل وَصفهم بأنّهم متّهمون بالتفويض أي يظنّ بهم ذلك، ومنشأ هذا الظن ليس إلاّ تخرّصاً ورَجماً بالغيب، بعد كون الشهادة الثالثة مضمونها من ضروري المذهب، ومُكمِّلة للدين، ولقبول ورضا الرب بالأعمال واشتراط الإيمان بها،

____________________

(1) الفقه الرضوي: ص18 طبعة آل البيت (عليهم السلام).

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

١١٤

وبعدما اتّضح رواية الصدوق نفسه لروايات في موارد عدّة في الصلاة يذكرها بصيغ مختلفة للشهادة الثالثة، فأي التقاء لذلك مع التفويض؟

ويُحتمل قريباً أنّ الصدوق ذَكر ذلك تقيّة، نظراً للأحداث والفتن الدامية التي حصلت بين الشيعة وسنّة جماعة الخلافة في بغداد وغيرها من البلدان، قَبل ورود الصدوق لبغداد بعقود من السنين، وكذلك أثناء وروده إليها وقد استعرَضَت الكتب التاريخيّة (1) ذلك بتفصيل، ويَعضد هذا الاحتمال قرائن منها:

أ - الصلة الوثيقة بين الصدوق وآل بويه، مع أنّهم هم الذين رفعوا شعار التشيّع في الأذان: كالشهادة الثالثة، وحيّ على خير العمل - كما مرّ تفصيله - في بغداد، وجنوب إيران، مع أنّ آل بويه من الشيعة الاثنى عشريّة، ولم يكونوا من فِرق الغلاة والمفوّضة.

ب - قول الصدوق في الفقيه في باب الوضوء، وفي صفة وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: وقد فوّض الله عزّ وجل لنبيّه أمر دينه، ولم يُفوّض إليه تعدّي حدوده (2).

وقال المجلسي في البحار بعد نقل الكلام المتقدّم للصدوق: ولعلّ الصدوق عندما نفى المعنى الأوّل حيث قال في الفقيه: وقد فوّض الله عزّ وجب إلى نبيّه أمر دينه، ولم يفوّض إليه تعدّي حدوده)، وأيضاً هو (رحمه الله) قد روى كثيراً من أخبار التفويض في كتبه (3) ولم يتعرّض لتأويلها) (4).

____________________

(1) قد مرّ تفصيل المصادر في ذلك في المدخل في مبحث السيرة، فلاحظ.

(2) ثواب الأعمال: باب عقاب العُجب ص351، اعتقادات الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج2، ص202، مَن لا يحضرهُ الفقيه: ج1، ص201، طبعة جماعة المدرّسين، حديث 605.

(3) الفقيه: ج1، ص41 طبعة قم، منشورات جماعة المدرّسين.

(4) البحار: ج25، ص347.

١١٥

قال الصدوق في كتابه الاعتقادات: (وقد فوّض الله تعالى إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر دينه فقال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، وقد فوّض ذلك إلى الأئمّة (عليهم السلام)....) (1).

قال الصدوق في الفقيه، وقال زرارة بن أعين، قال أبو جعفر (عليه السلام): (كان الذي فرضَ الله تعالى على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهمٌ - يعني السهو - فزاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبعاً فيهنّ السهو....) (2).

أقول: فمع هذه التصريحات من الصدوق بالتفويض، أو صحّة بعض أقسام التفويض، كالتفويض في التشريع من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحدود التي رسمها الله تعالى له، مع فتوى الصدوق بالشهادة الثالثة في مواضع من الصلاة، كما في: ضمن دعاء التوجّه (3) ، وفي قنوت الصلاة (4) ، وفي التسليم (5) ، بل في الفقه الرضوي - الذي هو رسالة والده علي بن بابويه - ذَكر الشهادة الثالثة في تشهّد الصلاة (6) .

ومع ما تقدّم - من وقوع الفتن الدامية بين الشيعة وأهل سنّة الجماعة في بغداد، وحلب، ومصر، وبين آل بويه وغيرهم، كما مرّ مفصّلاً في بحث السيرة - لا يبعد كون حكم الصدوق بالتفويض على رواة هذه الروايات أنّه من باب التمسّك بالتقيّة، ولزوم الاتّقاء على الشيعة،

____________________

(1) اعتقادات الصدوق: ص109 - 111.

(2) مَن لا يحضرهُ الفقيه: ج1 باب فرض الصلاة، ح605، ص201 طبعة جماعة المدرّسين.

(3) المقنع: ص93، طبع قم - مؤسّسة الإمام الهادي.

(4) الفقيه: ج1، ص4، ص3، وص317، طبعة قم.

(5) المقنع: ص96، طبع قم - مؤسّسة الإمام الهادي والفقيه: ج1، ص319.

(6) الفقه الرضوي: ص108، طبعة آل البيت.

١١٦

وقد يكون التدافع بين صدر عبارته وذيلها تعريض وإيماء وتلويح بالتقيّة، حيث حَكم في صدر عبارته بأنّها من وضع المفوّضة، ثُمّ ذَكر في ذيل عبارته: أنّ مَن يتعاطى هذه الروايات ويعمل بها فهو متّهم بالتفويض، مع أنّ الجزم بالوضع متوقف على الجزم أيضاً بالتفويض، وعلى الجزم بمنافاة المضمون؛ لمسلّمات وأصول المذهب، فكيف يتلائم ذلك مع عدم الجزم بالتفويض، بل المظنّة بأنّهم مفوّضة ومتّهمون.

رابعاً: إنّ ميزان التفويض والغُلو عند الصدوق (قدِّس سرّه) - وشيخه ابن الوليد، ومدرسة الرواة والمحدّثين القميّين - يختلف عن ميزان ذلك لدى الشيخ المفيد، والمرتضى، والطوسي، والمدرسة البغداديّة والكوفيّة؛ فإنّ الأولى اتّصفت بالحدّة والإفراط في ذلك، فإنّ بعضهم - كالصدوق في كتابه المزبور - يجعل نفي السهو عن المعصوم في الأفعال ذات الحكم الإلزامي أوّل درجات الغلو، ووقائع المدرسة الأولى - مع كبار وجوه وفقهاء ومتكلمي الطائفة والبرقي وغيرهم - معروفة، فلاحظ رجال الكشّي وغيره، ونحن وإن نُعطي النصفة والحق للمدرسة الأولى في ذلك، نظراً لأخذ الحيطة في تراث الروايات، ودَحراً لأيدي الوضّاع والمدلّسين عن الطمع في الجعل، إلاّ أنّ ذلك كلّه في إطار الوقاية والحماية، لا أنّه يعني صحَّة كلّ تشدّدهم وحدّتهم في صرامة المباني الرجاليّة والدرائيّة، التي تُضيّع هي الأخرى قسماً من التراث الروائي الديني.

ولذلك خطّأ جمهور أصحابنا - حتّى ابن الغضائري البغدادي المتشدّد - طعْنَ الصدوق وشيخه في عدّة مواضع، كما في طعنه على أصلَي زيد الزرّاد، وزيد النرسي، بأنّهما موضوعان من قِبَل محمد بن موسى الهمداني: بأنّ هذين الأصلين قد رواهما الأصحاب بأسانيد مختلفة أخرى صحيحة.

١١٧

وكما في تخطئة النجاشي وغيره من الرجاليّين المحدِّثين، في استغرابهم بعض ما استثناه ابن الوليد، وبتبعه الصدوق من نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد الأشعري القمّي، حيث حكى النجاشي عن شيخه أبي العبّاس بن نوح تعجّبه من استثناء روايات محمد بن عيسى بن عبيد من الكتاب المزبور، مع أنّه كان على ظاهر العدالة والثقة.

وقد استثنى الصدوق وشيخه من الكتاب المزبور روايات سهل بن زياد الآدمي، مع أنّ الكليني أدمنَ الرواية عنه في الكافي، مع أنّ الصدوق أيضاً قد اعتمده في طريق المشيخة، وكذا استثنيا روايات أحمد بن هلال العبرتائي، مع أنّ الشيخ في العدّة ادّعى إجماع الطائفة على العمل برواياته في حال استقامته، وغيرها من الموارد التي امتنعَ الصدوق من نقل رواية الرواة الموجودة في الأصول المعتبرة لمسلكه الخاصّ به وبشيخه، بل تراهما يمتنعان من نقل رواية كتابين (أصلَين) معتبرَين عند الأصحاب لذلك.

ومن موارد وأمثلة التشدّد بحدّة التي تفرّد بها الصدوق: ما ذهبَ إليه في الفقيه من أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً، وذَكر جملة من الروايات بهذا المضمون، ثُمّ قال: (مَن خالفَ هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامّة في ردّها اتُّقي كما يُتّقى من العامّة، ولا يُكلّم إلاّ بالتقيّة كائناً مَن كان، إلاّ أن يكون مسترشداً فيرشد ويَبين له، فإنّ البدعة إنّما تُماث وتبطل بترك ذِكرها ولا قوّة إلاّ بالله) (1).

وقال أيضاً في الخصال بعدما أورد الروايات: (إنّ إكمال العدّة ثلاثين يوماً، مذهب خواص الشيعة وأهل الاستبصار في شهر رمضان أنّه لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً،

____________________

(1) الفقيه: كتاب الصوم، باب النوادر، ص171، ج2، طبعة قم.

١١٨

والأخبار في ذلك موافِقة للكتاب ومخالفة للعامّة، فمَن ذَهب من ضَعفة الشيعة إلى الأخبار التي وردت للتقيّة، في أنّه ينقص ويصيبه ما يصيب الشهور من النقصات والتمام اتُقي كما تُتّقى العامّة، ولم يُكلّم إلاّ بما يُكلّم به العامّة، ولا قوّة إلاّ بالله) (1).

مع أنّه قد رجعَ عن ذلك في كتابه المُقنع، فقال في باب رؤية هلال شهر رمضان: (وقد يكون شهر رمضان تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين، ويُصيبه ما يصيب الشهور من النقصان والتمام) (2) .

____________________

(1) الخصال: ج2، ص531، طبعة قم.

(2) المقنع: ص183، طبعة قم.

١١٩

نظرةُ الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى (قدِّس سرّهما)

وقد اختلفَ موقف الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى عن الصدوق في اعتبار طرق هذه الروايات، ومثلهما ابن برّاج، والعلاّمة، والشهيد الأوّل، ولنذكر جملة من عبائرهما:

قال السيّد المرتضى في رسالته (مسائل مبّافارقيات) في المسألة الخامسة عشر: هل يجب في الأذان بعد قول (حيّ على خير العمل) محمّد وعلي خير البشر؟

الجواب: إن قال: محمّد وعلي خير البشر على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز؛ فإنّ الشهادة بذلك صحيحة، وإن لم يكن فلا شيء عليه) (1) .

أقول: وظاهر جوابه في الشق الثاني أنّه إن أتى به على أنّه من داخل الأذان وفصوله فلا شيء عليه، أي فيسوغ ذلك، وهي فتوى منه (قدِّس سرّه) بمضمون إحدى الروايات التي أوردها الصدوق في الفقيه، والتي مرّ نقل متونها، كما أنّ سؤال السائل - من مدينة كبيرة من بلاد الجزيرة وهي مبّافارقي - هو عن وجوب أداء الشهادة الثالثة في الأذان، وهو يفيد المفروغيّة من مشروعيّتها، كما أنّه يكشف عن ممارسة وقيام السيرة بالتأذين بها في الأذان عند الشيعة آنذاك؛ وإنّما وقعَ الترديد في لزومها، وهذا يدعم ما تقدّم من عبارة الصدوق في الفقيه: من وجود السيرة لدى الشيعة آنذاك على التأذين بالشهادة الثالثة، وهي سيرة في بداية الغيبة الكبرى، مضافاً إلى ما قدّمناه في عبارة الصدوق من دلالتها على كون هذه السيرة لدى رواة تلك الطوائف قَبل الغيبة الصغرى؛ لدلالة رواياتهم لها على عملهم بها،

____________________

(1) رسالة المسائل: ص257 مطبوعة بضميمة جواهر الفقه لابن برّاج، طبعة جماعة المدرّسين، ورسائل المرتضى: طبعة السيّد المرعشي، ج1، ص279.

١٢٠