الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة14%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107315 / تحميل: 6467
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه: (برُّ فاطمة ووِلدها (عليهم السلام))، وتَركها العامّة ظاهراً وباطناً، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وليس هذه أوّل قارورة كُسرت في الإسلام) (١).

وقال المجلسي الثاني:(وتأويل خير العمل بالولاية، لا ينافي في كونها من فصول أذان الله؛ لأنّها من أعظم شرائط صحّتها وقبولها) (٢).

وذَكرَ ما يُماثل ذلك أو ما يقرُب منه ابن شهرآشوب في المناقب (٣) ، وسيأتي نقل الروايات في ذلك مخصوصاً والكلمات في ذلك، وهي دالّة على أنّ ماهيّة الأذان متضمّنة للدعاء لولاية أهل البيت (عليهم السلام)، كما أنّه دعاء للإسلام والإقرار بالشهادتين.

* عدّة طبايع

أقول: ويستفاد من كلام العامّة وأقوال المذاهب الأخرى: أنّ الأذان تنطبق عليه عدّة طبايع مندوبة، فمضافاً إلى خصوصيّة الأذان تنطبق عليه أيضاً الطبيعة العامّة لشعائر الإسلام فيندرج في قاعدة تعظيم الشعائر، كما تنطبق عليه طبيعة ذِكر الله المندوب، ولعلّه باللحاظ الثالث تخرج الحيّعلات عن طبيعة بقيّة الفصول إذ ليس هي بذكر، ومن ثُمّ لم يُسوِّغ الشيخ الطوسي في المبسوط حكايتهنّ في الصلاة عند سماع الأذان وقال: إنّهن من كلام الآدمي، وإن كنّ مستحبّات من حيثيّة الأذان، أي حيثيّة الإعلام، وبالتالي فطبيعة الأذان قد اجتمع فيها عدّة طبايع شرعيّة، ولكلّ منها حكم ينسحب عليها دون الطبيعة الأخرى كما هو واضح من أمثلة الأحكام الآنفة، ومن ثُمَّ يتبيّن تعدّد وجه مشروعيّة الشهادة الثالثة في الأذان، والتي تصل إلى ثلاثة وجوه أو أكثر:

____________________

(١) روضة المتّقين: ج٢، ص٢٣٧ - ٢٣٨.

(٢) البحار: ج٨٤، باب ٣٥ من أبواب الأذان والإقامة، ذيل ح٢٤.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب: ج٣، ص٣٢٦.

١٠١

الأوّل: كونهُ جزء طبيعة الأذان من حيث هو، أي من حيث الأذانيّة ومن خصوص عنوان الأذان كجزء منه.

الثاني: الاستحباب العام من جهة قاعدة الاقتران.

الثالث: من جهة الشعيرة والشعائر الإيمانيّة.

الرابع: من جهة كون الشهادة الثالثة ذِكر الله، كما أشار إليه جملة من فحول أعلام النجف في فتياهم.

ومثله ما قاله الشيخ الطوسي (١) قال: لو فرغَ من صلاته ولم يحكه فيها، كان مخيّراً بين الحكاية وعدمها.

قال الشيخ: لا مزيّة لأحدهما من حيث كونه أذاناً، بل من حيث كونه تسبيحاً وتكبيراً.

وفي موضعٍ من الذكرى (٢) استدلّ على مشروعيّة الأذان للصلاة الثانية عند الجمع، قال: وكذلك في المغرب والعشاء في المزدلفة وهل يكره الأذان؟ لم أقف فيه على نص ولا فتوى، ولا ريب في استحضار ذِكر الله على كلّ حال، ولو أذّن من حيث إنّه ذِكر الله فلا كراهيّة.

وقال أيضاً: (واحتجّ الشيخ للكراهيّة بما ذكرناه من جَمع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وظاهره أنّه لا تصريح فيه بالكراهيّة، والأقرب الجزم بانتفاء التحريم، وأنّه يكره في مواضع استحباب الجمع، أمّا لو اتّفق الجمع مع عدم استحبابه (أي في موارد عدم استحبابه)؛ فإنّه يسقط أذان الإعلام ويبقى أذان الذِكر والإعظام) (٣) .

____________________

(١) المبسوط: ج١، ص٩٧.

(٢) الذكرى: ص٢٣١.

(٣) الذكرى: ص٢٣٢.

١٠٢

وأفتى الفقهاء بتعدّد موارد يُستحب فيها الأذان في غير الصلاة منها: الفلوات الموحشة، ومنها: أذان المولود، ومنها: مَن ساء خُلقه، ومنها: الأذان المقدّم لدخول الفجر للاستعداد والتهيّؤ له، وبعض الموارد الأخرى.

* غاياتهُ:

وهو يعطي: أنّ حقيقة الأذان غير خاصّة بالصلاة فقط، بل هو يتضمّن معاني وغايات أُخر من التذكّر بالإيمان والموعظة، وكونهُ من الأذكار الشريفة، وأنّه ممّا يُحترز به كبقيّة الأحراز الشرعيّة، وهذه المعاني قد وردت أنّها من خصائص الشهادة الثالثة والولاية لعلي (عليه السلام)، نظير ما ورد (١) في بعض المصادر الدالّة على خصائص الولاية المطابقة لتلك الموارد التي يُستحب فيها الأذان.

وقال الشهيد الثاني في الروضة - في مسألة سقوط الأذان في موارد الجمع وغيرها، حيث استدلّ البعض على مشروعيّة الأذان في كونه ذِكراً -: وأمّا تقسيم الأذان إلى القسمين؛ لأنّه عبادة خاصّة أصلها الإعلام، وبعضها ذِكر، وبعضها غير ذِكر، تؤدّي وظيفته بإيقاعه سرّاً ينافي اعتبار أصله، والحيّعلات تنافي ذكريّته، بل هو قسم ثالث وسُنّة متّبعة، ولم يوقعها الشارع في هذه المواضع - أي مواضع الجمع - فيكون بدعة، نعم، قد يقال: إنّ مطلق البدعة ليس محرّماً، بل ربّما قسّمها بعضهم إلى الأحكام الخمسة ومع ذلك لا يثبت الجواز.

____________________

(١) نظير ما رواه الشيخ في مصباح المتهجّد في تعقيب صلاة الصبح، ثُمّ قل: (أصبحتُ اللهمّ مُعتصماً بذِمامك المنيع الذي لا يُطاول ولا يحاول،... في جُنّة من كلّ مخوفٍ بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيّك محتجباً... بجدارٍ حصين الإخلاص في الاعتراف بحقّهم والتمسّك بحبلهم،...).

١٠٣

وقال في مسالك الإفهام - في مسألة أخذ الأجرة على الأذان، من أنّه هل يكون الأذان محرّماً وغير مشروع كما ذهب إليه العلاّمة في المختلف؟ -: وهو متّجه، لكن يُشكل بأنّ النيّة غير معتبرة فيه، والمحرّم هو أخذ المال لا نفس الأذان؛ لأنّه عبادة أو شعار) (١).

وقال في المدارك (٢) : (وذكرَ الشهيد في الدروس: أنّ استحباب الأذان من القاضي لكلّ صلاة ينافي سقوطه عمّن جمع في الأداء، وهو غير جيّد؛ لعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلها، ثُمّ احتملَ كون الساقط مع الجمع أذان الإعلان دون الأذان الذكري، وهو احتمال بعيد؛ لأنّ الأذان عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار وغيرها، ولا ينحصر مشروعيّته في الإعلام بالوقت، إذ قد ورد في كثير في الروايات أنّ من فوائده: دعاء الملائكة إلى الصلاة، وكيف كان فهو وظيفة شرعيّة فيتوقف على النقل، ومتى انتفى سقط التوظيف مطلقاً، وأمّا الفرق بين الأذان الذكري وغيره فلا أعرف له وجهاً).

وأيضا ً (٣) قال: (الثالثة: لو فرغَ من الصلاة ولم يحكِ الأذان، فالظاهر سقوط الحكاية؛ لفوات محلّها وهو ما بعد الفصل بغير فصل أو معه).

____________________

(١) مسالك الإفهام: ج٣، ص١٣١.

(٢) المدارك: ج٣، ص٢٦٣.

(٣) المدارك: ج٣، ص٢٩٥.

١٠٤

وقال العلاّمة في التذكرة (١): إنّه يكون مخيّراً بين الحكاية وعدمها.

وقال الشيخ في الخلاف (٢): يؤتى به لا من حيث كونه أذاناً، بل من حيث كونه ذِكراً، وهما ضعيفان.

وقال: ذهبَ بعض أصحاب الشافعي إلى وجوب الأذان والإقامة كفايةً، وذهبَ مالك إلى وجوبه في مساجد الجماعة التي يُجمع فيها للصلاة، وذهب ابن حنبل إلى وجوب الأذان على أهل المصر، واستدلّوا ببعض الروايات (٣) بأنّه: من شعائر الإسلام فأشبهَ الجهاد، وناقشهُ العلاّمة بالفرق بين الأصل وهو (الإسلام) وبين الفرع وهو (الأذان): بأنّ الأصل وضِعَ للدخول في الدين، وهو من أهمّ الواجبات فكان الطريق إليه واجباً، والأذان وضِع للدخول في الجماعة وهي غير واجبة، فالأَولى بالوسيلة أن لا تكون واجبة) (٤).

أقول: ويتحصّل من كلمات الأعلام في الأذان: ذهابهم إلى كونه متضمّناً لعدّة طبايع، وأنّها منطبقةٌ عليه، كما أنّ له غايات شرعيّة متعدّدة، ومن ثُمّ تترتّب عليه أحكام مختلفة بحسب الماهيّات المنطبقة عليه وبحسب اختلاف غاياته، كما أنّهم حرّروا ما هو الركن فيه ممّا ليس بركن ورتّبوا على ذلك اختلاف حالاته، فهذه المقامات المتعدّدة في الأذان يجدها المتتّبع في كلمات الأعلام، أمّا الطبايع التي ذكروها فهي: (الإعلام، الذِكر، التشهّد، الدعاء للصلاة، الشعاريّة).

____________________

(١) التذكرة: ج٣، ص٨٣.

(٢) التذكرة: ج٣، ص٨٣، المبسوط: ج١، ص ٩٧.

(٣) المغني: ج١، ص٤٦١، المجموع: ج٣، ص٨١، المدوّنة الكبرى: ج١، ص٦١.

(٤) منتهى المطلب: ج٤، ص٤١١ طبعة جامعة المدرّسين.

١٠٥

وقد بنوا على حقيقة هذه الطبايع لا من باب الاحتمال، بل على نحو التحقيق، فرتّبوا آثاراً وأحكام كلّ طبيعة عليه، كما تُلاحظ ذلك في كلماتهم المتقدّمة المُقتطفة ويجدها المتتبّع في مظان تلك المسائل، ويشير إلى تعدّد طبايع الأذان ما في معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّما أُمرَ الناس بالأذان لِعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيراً للناس، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لمَن جهلَ الوقت واشتغل عنه، ويكون المؤذِّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ومرغِّباً فيها، مُقرّاً له بالتوحيد، مجاهراً بالإيمان، مُعلناً بالإسلام، مؤذِّناً لمَن ينساها، وإنّما يقال له: مؤذِّن؛ لأنّه يؤذّن بالأذان بالصلاة، وإنّما بدأ فيه بالتكبير وختمَ بالتهليل؛ لأنّ الله أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه، واسم الله في التكبير في أوّل الحرف، وفي التهليل في آخره.

وإنّما جَعل مثنى مثنى؛ ليكون تكراراً في آذان المستمعين مؤكّداً عليهم إن سهى أحدٌ عن الأوّل لم يسهى عن الثاني؛ ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جَعل الأذان مثنى مثنى، وجَعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدو غفلةً وليس قبله كلام يُنبّه المستمع له، فجَعل الأوليان تنبيهاً للمستمعين لمَا بعده في الأذان، وجَعل بعد التكبير الشهادتان؛ لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان؛ ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان فجعلَ شهادتين شهادتين، كما جَعل في سائر الحقوق شاهدان، فإذا أقرّ العبد لله عزّ وجل بالوحدانيّة، وأقرّ للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الإيمان؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله، وإنّما جَعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؛ لأنّ الأذان إنّما وضِع لموضع الصلاة، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان، ودعاء إلى الفلاح، وإلى خير العمل، وجَعل ختمُ الكلام باسمه كما فُتح باسمه) (١).

____________________

(١) الوسائل: الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة ح١٤.

١٠٦

فالمحصّل: أنّ الرواية بيّنت أنّ في الأذان ذِكر الله، ودعوى إلى التوحيد، ودعوى إلى الإسلام، ودعوى إلى الإيمان، وهذا العنوان الأخير سيأتي أنّ أحد طبايع الأذان، اشتماله على الدعوة إلى الإيمان والولاية، كما أشارت الرواية إلى الإقرار والتشهّد.

كما أنّ الأذان نداء ودعوى إلى الصلاة، وسيأتي شرح كامل لدلالة الرواية على الشهادة الثالثة في الأذان في الفصل الأوّل، ثُمّ إنّ ممّا مرّ من كلمات الفقهاء يظهر أنّ ما ذكروه من غايات في الأذان - وموارد مستحبّة له غير الصلاة (تأكيداً لمَا سبق) - أنّهم يبنون على ترتيب الآثار على الحقائق الأخرى المنطبقة على الأذان، وأنّه ليس تمام حقيقته النداء للصلاة والإعلام لها، هذا فضلاً عن انطباق عناوين طارئة أخرى عليه كالشعاريّة وغيرها من العناوين التي رتّبوا آثارها على الأذان، كما أنّهم بيّنوا ما هو الرُقي في الأذان وهو ماهيّة الذِكر بالتكبير، وماهيّة التشهّد بالشهادتين دون بقيّة الماهيّات المتضمّن الأذان لها.

١٠٧

المبحثُ الأوّل

الشهادةُ الثالثة في الأذان وأجزاء الصلاة

وفيه ثلاثة فصول:

الفصلُ الأوّل

تقريبُ إثبات جزئيّة الشهادة الثالثة والإقامة فضلاً عن مشروعيّتها فيهما

١٠٨

الفصل الأوّل

تقريبُ إثبات جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة فضلاً عن مشروعيّتها فيهما

ويُستدلّ لذلك بعدّةٍ من طوائف الروايات الخاصّة الدالّة مطابقةً على ذلك بالصراحة أو الظهور، والبحث يقع في جهات:

الجهةُ الأُولى: البحث في طوائف الروايات الخاصّة التي روى متونها الصدوق في الفقيه سنداً ودلالة وأقوالاً، وهي ثلاث طوائف، ثُمّ تُتبع بذكر طوائف روائيّة خاصّة أخرى.

الجهةُ الثانية: البحث في مقتضى قاعدة شرطيّة الولاية، والإيمان في صحّة الأعمال، والعبادات لشرطيّة الشهادة الثالثة في الأذان.

١٠٩

الجهةُ الأُولى

البحثُ في طوائف الروايات الخاصّة التي روى متونها الصدوق في الفقيه سنداً ودلالةً وأقوالاً

نصُ الطوائف الثلاث الأُول: لقد جاء في كتاب مَن لا يحضره الفقيه للصدوق في باب الأذان والإقامة، بعد استعراضه لصورتيهما قال: (هذا هو الأذان الصحيح لا يُزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (محمّداً وآل محمّد خير البريّة) مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله) مرّتين، ومنهم مَن روى بدل ذلك: (أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنّما ذكرتُ ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا) (١).

وهذه المتون التي ذكرها الصدوق بنحو الإرسال هي ثلاث طوائف بالأحرى كما مرّ توضيحه في المدخل.

____________________

(١) الفقيه: ج١، ص٢٩٠ طبعة قم.

١١٠

* البحثُ في سند الطائفة:

نظرةُ الصدوق: ويُلاحظ ويُستشفى من كلام الصدوق عدّة أمور:

١ - وجود روايات واردة في الشهادة الثالثة وأنّها متعدّدة ذات طوائف.

٢ - إنّ تلك الروايات كانت في أصول أصحابنا لا في كتب الفِرَق المنحرفة - فِرق المفوضة -، وإلاّ لمَا أشار إليها الصدوق؛ لعدم دأبه بالتعرّض لروايات الفِرق الأخرى، ويَعضد هذه الحقيقة ما سيأتي من كلام الشيخ الطوسي (قدِّس سرّه) حول هذه الروايات الدال على ذلك أيضاً.

٣ - حكاية الصدوق بوجود جملة من الشيعة يمارسون الأذان بالشهادة الثالثة في زمانه، ويعملون بتلك الروايات وكانوا من جملة أبناء الطائفة وفي مُدنهم، بل إنّ التدبّر في كلام الصدوق - حيث وَصفَ سلسلة الرواة لطرق تلك الروايات بأنّهم متّهمون بالتفويض - يقتضي كون تلك الروايات متداولة في الطبقات السابقة عليه روايةً وعملاً، فيظهر من ذلك أنّ السيرة المزبورة متقادِمة على عصر الصدوق.

٤ - إنّ الصدوق قد عَقد في كتاب التوحيد (١) باباً تحت عنوان (تفسير حروف الأذان والإقامة)، ثُمّ نقلَ رواية طويلة في تفسير الأذان لم تتضمّن (حيّ على خير العمل)، فعلّقَ عليها بقوله: إنّما تَرك الراوي لهذا الحديث (حيّ على خير العمل) للتقيّة، ثُمّ قال: وقد رويَ في خبر آخر أنّ الصادق (عليه السلام) سُئل عن معنى (حيّ على خير العمل)؟ فقال: (خيرُ العمل الولاية)، وفي خبرٍ آخر: (خيرُ العمل برّ فاطمة وولدها (عليهم السلام)) انتهى كلامه.

____________________

(١) باب ٣٤، ص٢٣٨ - ٢٤١، التوحيد، طبعة قم.

١١١

فيظهر من الصدوق: البناء على أنّ بعض فصول الأذان قد تُترك في روايات الأذان لأجل التقيّة، فمِن الغريب بعد ذلك استنتاجه لوضع الشهادة الثالثة في الروايات المتقدّمة لأجل ترك ذِكرها في كثير من الروايات الأخرى، حسب سياق كلامه في كتاب الفقيه، فلاحظ كلامه المتقدِّم على العبارة التي نقلناها.

كما أنّه يظهر منه في كتابه التوحيد: أنّ الأذان مشتمل على فصل كنائي عن ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وهو حيّ على خير العمل، فهذا ممّا يَعضد تضمّن الأذان لذكر الولاية، بل قد روى الصدوق في العِلل (١) في المصحّح عن ابن عمير، عن أبي الحسن أنّه سأله عن (حيّ على خير العمل) لِمَ تُركت من الأذان؟ قال: (تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً، فقال: أمّا العلّة الظاهرة؛ فلئلاّ يدع الناس الجهاد أو اتكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة (٢) ؛ فإنّ خير العمل الولاية، فأراد من أمْر بترك حيّ على خير العمل من الأذان، أن لا يقع حثٌ عليها ودعاء إليها) انتهى.

ممّا يدلّ على بناء الصدوق على كون فصل (حيّ على خير العمل): هو عنوان لولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وصيغة من صيغ الشهادة الثالثة الكنائيّة، ثُمّ إنّه يُلاحظ على كلام الصدوق في الفقيه جملة من الأمور.

أولاً: إنّ الصدوق قد اعتمد وروى في كتاب التوحيد (٣)، رواية في الأذان بسند متّصل تتضمّن نداء مَلك من الملائكة العظام - إذا حضر وقت الصلاة - بالشهادات الثلاث،

____________________

(١) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، باب ١٩، ح١٦.

(٢) أي: الخفيّة التي لم يفصح الثاني عنها عَلناً.

(٣) التوحيد: باب ٣٨، ص٢٨١، ح١٠.

١١٢

وإنّه لأجل ذلك تصيح الديكة في أوقات الصلاة كما سيأتي نقلها مفصّلاً، مع أنّه قد روى أيضاً في عِلل الشرائع - كما سيأتي - أنّ هذا النداء ذا صلة بالأذان، كما سيأتي مفصّلاً بحسب الروايات التي رواها الصدوق نفسه (قدِّس سرّه).

ثانياً: إنّ الصدوق في الفقيه قد بنى وروى ذِكر أسمائهم (عليهم السلام) بوصف الإمامة في قنوت الصلاة، وقنوت صلاة الوتر، حيث أورد في باب قنوت الصلاة الرواية بقوله: وقال الحَلبي له (للصادق (عليه السلام)): أسمّي الأئمّة (عليهم السلام) في الصلاة؟ قال: (أجمِلهم) (١).

مع أنّه أوردَ في الموضع الأوّل الفتوى لسعد بن عبد الله، بعدم جواز الدعاء في القنوت بالفارسيّة، ممّا يظهر منه أنّ الحال في القنوت توقيفي غير موسع، ومع ذلك أفتى برجحان ذِكرهم بالإمامة فيه.

وكذلك أفتى الصدوق بالشهادة الثالثة في المقنع، في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام قال: ثُمّ تُكبّر تكبيرتين وقل: وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض، عالِم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، على ملّة إبراهيم، ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حنيفاً مسلماً) (٢).

ثالثاً: إنّ والد الصدوق علي بن بابويه (قدِّس سرّه) ذَكر الشهادة الثالثة في عدّة مواضع:

____________________

(١) الفقيه: ج١، ص٣١٧ طبعة قم، وص٤٩٣.

(٢) المقنع: ص٩٣، طبعة قم، مؤسّسة الإمام الهادي.

١١٣

منها: في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام، نظير ما مرّ في عبارة الصدوق.

ومنها: في التشهّد حيث قال: (أشهدُ أنّك نِعم الرب، وأنّ محمّداً نِعم الرسول، وأنّ عليّ بن أبي طالب نِعم الولي) (١) .

ومنها: في صيغة الصلاة على النبي وآله في تشهّد الصلاة حيث قال: (اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعلى الأئمّة الراشدين من آل طه وياسين، اللهمّ صلِّ على نورك الأنور، وحبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الكريم، وعلى جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط) (٢).

ومنها: ما ذكرهُ علي بن بابويه في صيغة التسليم في الصلاة حيث قال: (السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (٣) ، وقريب منه ما تقدّم.

ويأتي من اعتماد الصدوق في الفقيه ذلك في التسليم للصلاة، فلم توجِب رواية كلّ هذه المواضع التُهمة بالتفويض عند الصدوق، فما الوجه في تخصيص رواة الشهادة الثالثة في الأذان بتهمة التفويض، مع أنّ عبارة الصدوق متدافعة بين الصدر والذيل؛ حيث إنّه في الصدر وَصفَ رواة هذه الروايات بالمفوّضة على نحو التحقيق، وفي الذيل وَصفهم بأنّهم متّهمون بالتفويض أي يظنّ بهم ذلك، ومنشأ هذا الظن ليس إلاّ تخرّصاً ورَجماً بالغيب، بعد كون الشهادة الثالثة مضمونها من ضروري المذهب، ومُكمِّلة للدين، ولقبول ورضا الرب بالأعمال واشتراط الإيمان بها،

____________________

(١) الفقه الرضوي: ص١٨ طبعة آل البيت (عليهم السلام).

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١١٤

وبعدما اتّضح رواية الصدوق نفسه لروايات في موارد عدّة في الصلاة يذكرها بصيغ مختلفة للشهادة الثالثة، فأي التقاء لذلك مع التفويض؟

ويُحتمل قريباً أنّ الصدوق ذَكر ذلك تقيّة، نظراً للأحداث والفتن الدامية التي حصلت بين الشيعة وسنّة جماعة الخلافة في بغداد وغيرها من البلدان، قَبل ورود الصدوق لبغداد بعقود من السنين، وكذلك أثناء وروده إليها وقد استعرَضَت الكتب التاريخيّة (١) ذلك بتفصيل، ويَعضد هذا الاحتمال قرائن منها:

أ - الصلة الوثيقة بين الصدوق وآل بويه، مع أنّهم هم الذين رفعوا شعار التشيّع في الأذان: كالشهادة الثالثة، وحيّ على خير العمل - كما مرّ تفصيله - في بغداد، وجنوب إيران، مع أنّ آل بويه من الشيعة الاثنى عشريّة، ولم يكونوا من فِرق الغلاة والمفوّضة.

ب - قول الصدوق في الفقيه في باب الوضوء، وفي صفة وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: وقد فوّض الله عزّ وجل لنبيّه أمر دينه، ولم يُفوّض إليه تعدّي حدوده (٢).

وقال المجلسي في البحار بعد نقل الكلام المتقدّم للصدوق: ولعلّ الصدوق عندما نفى المعنى الأوّل حيث قال في الفقيه: وقد فوّض الله عزّ وجب إلى نبيّه أمر دينه، ولم يفوّض إليه تعدّي حدوده)، وأيضاً هو (رحمه الله) قد روى كثيراً من أخبار التفويض في كتبه (٣) ولم يتعرّض لتأويلها) (٤).

____________________

(١) قد مرّ تفصيل المصادر في ذلك في المدخل في مبحث السيرة، فلاحظ.

(٢) ثواب الأعمال: باب عقاب العُجب ص٣٥١، اعتقادات الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج٢، ص٢٠٢، مَن لا يحضرهُ الفقيه: ج١، ص٢٠١، طبعة جماعة المدرّسين، حديث ٦٠٥.

(٣) الفقيه: ج١، ص٤١ طبعة قم، منشورات جماعة المدرّسين.

(٤) البحار: ج٢٥، ص٣٤٧.

١١٥

قال الصدوق في كتابه الاعتقادات: (وقد فوّض الله تعالى إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر دينه فقال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، وقد فوّض ذلك إلى الأئمّة (عليهم السلام)....) (١).

قال الصدوق في الفقيه، وقال زرارة بن أعين، قال أبو جعفر (عليه السلام): (كان الذي فرضَ الله تعالى على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهمٌ - يعني السهو - فزاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبعاً فيهنّ السهو....) (٢).

أقول: فمع هذه التصريحات من الصدوق بالتفويض، أو صحّة بعض أقسام التفويض، كالتفويض في التشريع من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحدود التي رسمها الله تعالى له، مع فتوى الصدوق بالشهادة الثالثة في مواضع من الصلاة، كما في: ضمن دعاء التوجّه (٣) ، وفي قنوت الصلاة (٤) ، وفي التسليم (٥) ، بل في الفقه الرضوي - الذي هو رسالة والده علي بن بابويه - ذَكر الشهادة الثالثة في تشهّد الصلاة (٦) .

ومع ما تقدّم - من وقوع الفتن الدامية بين الشيعة وأهل سنّة الجماعة في بغداد، وحلب، ومصر، وبين آل بويه وغيرهم، كما مرّ مفصّلاً في بحث السيرة - لا يبعد كون حكم الصدوق بالتفويض على رواة هذه الروايات أنّه من باب التمسّك بالتقيّة، ولزوم الاتّقاء على الشيعة،

____________________

(١) اعتقادات الصدوق: ص١٠٩ - ١١١.

(٢) مَن لا يحضرهُ الفقيه: ج١ باب فرض الصلاة، ح٦٠٥، ص٢٠١ طبعة جماعة المدرّسين.

(٣) المقنع: ص٩٣، طبع قم - مؤسّسة الإمام الهادي.

(٤) الفقيه: ج١، ص٤، ص٣، وص٣١٧، طبعة قم.

(٥) المقنع: ص٩٦، طبع قم - مؤسّسة الإمام الهادي والفقيه: ج١، ص٣١٩.

(٦) الفقه الرضوي: ص١٠٨، طبعة آل البيت.

١١٦

وقد يكون التدافع بين صدر عبارته وذيلها تعريض وإيماء وتلويح بالتقيّة، حيث حَكم في صدر عبارته بأنّها من وضع المفوّضة، ثُمّ ذَكر في ذيل عبارته: أنّ مَن يتعاطى هذه الروايات ويعمل بها فهو متّهم بالتفويض، مع أنّ الجزم بالوضع متوقف على الجزم أيضاً بالتفويض، وعلى الجزم بمنافاة المضمون؛ لمسلّمات وأصول المذهب، فكيف يتلائم ذلك مع عدم الجزم بالتفويض، بل المظنّة بأنّهم مفوّضة ومتّهمون.

رابعاً: إنّ ميزان التفويض والغُلو عند الصدوق (قدِّس سرّه) - وشيخه ابن الوليد، ومدرسة الرواة والمحدّثين القميّين - يختلف عن ميزان ذلك لدى الشيخ المفيد، والمرتضى، والطوسي، والمدرسة البغداديّة والكوفيّة؛ فإنّ الأولى اتّصفت بالحدّة والإفراط في ذلك، فإنّ بعضهم - كالصدوق في كتابه المزبور - يجعل نفي السهو عن المعصوم في الأفعال ذات الحكم الإلزامي أوّل درجات الغلو، ووقائع المدرسة الأولى - مع كبار وجوه وفقهاء ومتكلمي الطائفة والبرقي وغيرهم - معروفة، فلاحظ رجال الكشّي وغيره، ونحن وإن نُعطي النصفة والحق للمدرسة الأولى في ذلك، نظراً لأخذ الحيطة في تراث الروايات، ودَحراً لأيدي الوضّاع والمدلّسين عن الطمع في الجعل، إلاّ أنّ ذلك كلّه في إطار الوقاية والحماية، لا أنّه يعني صحَّة كلّ تشدّدهم وحدّتهم في صرامة المباني الرجاليّة والدرائيّة، التي تُضيّع هي الأخرى قسماً من التراث الروائي الديني.

ولذلك خطّأ جمهور أصحابنا - حتّى ابن الغضائري البغدادي المتشدّد - طعْنَ الصدوق وشيخه في عدّة مواضع، كما في طعنه على أصلَي زيد الزرّاد، وزيد النرسي، بأنّهما موضوعان من قِبَل محمد بن موسى الهمداني: بأنّ هذين الأصلين قد رواهما الأصحاب بأسانيد مختلفة أخرى صحيحة.

١١٧

وكما في تخطئة النجاشي وغيره من الرجاليّين المحدِّثين، في استغرابهم بعض ما استثناه ابن الوليد، وبتبعه الصدوق من نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد الأشعري القمّي، حيث حكى النجاشي عن شيخه أبي العبّاس بن نوح تعجّبه من استثناء روايات محمد بن عيسى بن عبيد من الكتاب المزبور، مع أنّه كان على ظاهر العدالة والثقة.

وقد استثنى الصدوق وشيخه من الكتاب المزبور روايات سهل بن زياد الآدمي، مع أنّ الكليني أدمنَ الرواية عنه في الكافي، مع أنّ الصدوق أيضاً قد اعتمده في طريق المشيخة، وكذا استثنيا روايات أحمد بن هلال العبرتائي، مع أنّ الشيخ في العدّة ادّعى إجماع الطائفة على العمل برواياته في حال استقامته، وغيرها من الموارد التي امتنعَ الصدوق من نقل رواية الرواة الموجودة في الأصول المعتبرة لمسلكه الخاصّ به وبشيخه، بل تراهما يمتنعان من نقل رواية كتابين (أصلَين) معتبرَين عند الأصحاب لذلك.

ومن موارد وأمثلة التشدّد بحدّة التي تفرّد بها الصدوق: ما ذهبَ إليه في الفقيه من أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً، وذَكر جملة من الروايات بهذا المضمون، ثُمّ قال: (مَن خالفَ هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامّة في ردّها اتُّقي كما يُتّقى من العامّة، ولا يُكلّم إلاّ بالتقيّة كائناً مَن كان، إلاّ أن يكون مسترشداً فيرشد ويَبين له، فإنّ البدعة إنّما تُماث وتبطل بترك ذِكرها ولا قوّة إلاّ بالله) (١).

وقال أيضاً في الخصال بعدما أورد الروايات: (إنّ إكمال العدّة ثلاثين يوماً، مذهب خواص الشيعة وأهل الاستبصار في شهر رمضان أنّه لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً،

____________________

(١) الفقيه: كتاب الصوم، باب النوادر، ص١٧١، ج٢، طبعة قم.

١١٨

والأخبار في ذلك موافِقة للكتاب ومخالفة للعامّة، فمَن ذَهب من ضَعفة الشيعة إلى الأخبار التي وردت للتقيّة، في أنّه ينقص ويصيبه ما يصيب الشهور من النقصات والتمام اتُقي كما تُتّقى العامّة، ولم يُكلّم إلاّ بما يُكلّم به العامّة، ولا قوّة إلاّ بالله) (١).

مع أنّه قد رجعَ عن ذلك في كتابه المُقنع، فقال في باب رؤية هلال شهر رمضان: (وقد يكون شهر رمضان تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين، ويُصيبه ما يصيب الشهور من النقصان والتمام) (٢) .

____________________

(١) الخصال: ج٢، ص٥٣١، طبعة قم.

(٢) المقنع: ص١٨٣، طبعة قم.

١١٩

نظرةُ الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى (قدِّس سرّهما)

وقد اختلفَ موقف الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى عن الصدوق في اعتبار طرق هذه الروايات، ومثلهما ابن برّاج، والعلاّمة، والشهيد الأوّل، ولنذكر جملة من عبائرهما:

قال السيّد المرتضى في رسالته (مسائل مبّافارقيات) في المسألة الخامسة عشر: هل يجب في الأذان بعد قول (حيّ على خير العمل) محمّد وعلي خير البشر؟

الجواب: إن قال: محمّد وعلي خير البشر على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز؛ فإنّ الشهادة بذلك صحيحة، وإن لم يكن فلا شيء عليه) (١) .

أقول: وظاهر جوابه في الشق الثاني أنّه إن أتى به على أنّه من داخل الأذان وفصوله فلا شيء عليه، أي فيسوغ ذلك، وهي فتوى منه (قدِّس سرّه) بمضمون إحدى الروايات التي أوردها الصدوق في الفقيه، والتي مرّ نقل متونها، كما أنّ سؤال السائل - من مدينة كبيرة من بلاد الجزيرة وهي مبّافارقي - هو عن وجوب أداء الشهادة الثالثة في الأذان، وهو يفيد المفروغيّة من مشروعيّتها، كما أنّه يكشف عن ممارسة وقيام السيرة بالتأذين بها في الأذان عند الشيعة آنذاك؛ وإنّما وقعَ الترديد في لزومها، وهذا يدعم ما تقدّم من عبارة الصدوق في الفقيه: من وجود السيرة لدى الشيعة آنذاك على التأذين بالشهادة الثالثة، وهي سيرة في بداية الغيبة الكبرى، مضافاً إلى ما قدّمناه في عبارة الصدوق من دلالتها على كون هذه السيرة لدى رواة تلك الطوائف قَبل الغيبة الصغرى؛ لدلالة رواياتهم لها على عملهم بها،

____________________

(١) رسالة المسائل: ص٢٥٧ مطبوعة بضميمة جواهر الفقه لابن برّاج، طبعة جماعة المدرّسين، ورسائل المرتضى: طبعة السيّد المرعشي، ج١، ص٢٧٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

«عند اللّه احتسب نفسي وحماة اصحابي»(1)

مصرع الحر :

وبرز البطل العظم الحر بن يزيد الرياحي الذي استجاب لنداء الحق وآثر الآخرة على الدنيا فاستقبل الموت بثغر باسم وسرور بالغ لنصرة ريحانة رسول اللّه (ص) وجعل يقاتل اعنف القتال واشده وهو يرتجز :

اني أنا الحر ومأوى الضيف

أضرب في اعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

اضربكم ولا أرى من حيف(2)

لقد دلل بهذا الرجز على كرمه وسخائه وان بيته كان مأوى للضيوف وموطنا للقاصدين ، كما أعلن انه انما يضرب في اعناقهم بسيفه حماية عن الامام العظيم الذي هو خير من استوطن بلاد الخيف ، وهو بذلك لا يرى بأسا أو حيفا في قتاله لهم.

وكان الحر يقاتل ومعه زهير بن القين ، وكان اذا شد أحدهما واستلحم شد الآخر واستنقذه وداما على ذلك ساعة(3) واصيب فرس الحر بجراحات فلم ينزل عنه وانما ظل يقاتل عليه وكان يتمثل بقول عنترة :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه حتى تسربل بالدم

وكانت بين الحر وبين يزيد بن سفيان عداوة قديمة ومتأصلة فاستغلها الحصين بن نمير فقال له : هذا الحر الذي كنت تتمنى قتله ، وحمل عليه يزيد فشد عليه الحر فقتله ، وسدد ايوب بن مشرح سهما لفرس الحر

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 292 ، تأريخ الطبري 6 / 251

(2) الفتوح 5 / 185

(3) البداية والنهاية 8 / 183

٢٢١

فعقره وشب به الفرس فوثب عنه كأنه الليث ، ولم يصب بضرر وجعل يقاتل ببسالة وهو راجل حتى قتل فيما يقول بعض المؤرخين نيفا واربعين رجلا(1) وحملت عليه الرجالة بسيوفها ورماحها فاردته إلى الأرض صريعا يتخبط بدمه الزاكي ، وبادر اصحاب الامام فحملوه ووضعوه أمام الفسطاط الذي كانوا يقاتل دونه ، ووقف عليه الامام فجعل يتأمل وجهه الوديع بنظرات ملؤها نور اللّه ، ووقف اصحابه في خشوع وانبرى الامام فجعل يمسح الدم من وجهه وهو يؤبنه بهذه الكلمات.

«أنت الحر كما سمتك أمك ، وأنت الحر في الدنيا والآخرة»

لقد كان الحر حرا حينما تغلب عقله على هواه واختار الشهادة على الحياة فنصر سيد شباب أهل الجنة ، ومات ميتة كريمة في سبيل الحق ، وانبرى بعض أصحاب الامام فرثاه بخشوع :

لنعم الحر حر بني رياح

صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحر اذ فادى حسينا

وجاد بنفسه عند الصباح(2)

اداء فريضة الصلاة :

وبالرغم مما كان الامام يعانيه من الخطوب الفادحة التي تتصدع من هولها الجبال فان فكره كان مشغولا بأداء فريضة الصلاة التي هي من أهم العبادات في الاسلام ، وطلب من أعدائه أن يمهلوه ليصلي لربه ، فاستجابوا له ، واقبل على اللّه بقلب منيب فصلى بمن بقي من اصحابه

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 183

(2) المناقب 4 / 217

٢٢٢

صلاة الخوف(1) وكانت صلاته في تلك اللحظات الرهيبة من اصدق مظاهر الاخلاص والطاعة للّه ، وانبرى امام الحسين سعيد بن عبد اللّه الحنفي يقيه بنفسه السهام والرماح التي تواجهه من معسكر الأعداء الذين خاسوا ما عاهدوا الامام عليه من ايقاف عمليات الحرب حتى يؤدي فريضة اللّه فقد اغتنموا الفرصة فراحوا يرشقون الامام واصحابه بسهامهم ، وكان سعيد الحنفي فيما يقول المؤرخون ـ يبادر نحو السهام فيتقيها بصدره ونحره ، ووقف ثابتا كأنه الجبل ألم تزحزحه السهام التي اتخذته هدفا لها ، ولم يكد يفرغ الامام من صلاته حتى اثخن بالجراح فهوى إلى الأرض يتخبط بدمه ، وهو يقول بنبرات خافتة :

«اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، وابلغ نبيك مني السلام ، وابلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت بذلك ثوابك ونصرة ذرية نبيك».

والتفت الى الامام ليرى هل أدى حقه ووفى له بعهده قائلا :

«أوفيت يا ابن رسول اللّه (ص)؟»

فأجابه الامام شاكرا له :

«نعم أنت امامي في الجنة»

واترعت نفسه بالرضا والمسرات حينما سمع قول الامام ثم فاضت نفسه الزكية إلى بارئها ، وقد تخرق جسده من السهام والرماح فقد اصيب بثلاثة عشر سهما عدا الضرب والطعن(2) لقد كان حقا هذا هو الوفاء الذي لا يبلغه وصف ولا اطراء.

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) مقتل الحسين للمقرم (ص 297)

٢٢٣

مصرع زهير :

ومن انصار الامام الحسين الذين صهر نفوسهم الايمان باللّه زهير بن القين فقد كان يتعجل الرواح الى الجنة لمصافحة الرسول (ص) وقد اتجه صوب الامام وهو جذلان مسرور بما يقوم به من التضحية في سبيله ، ووضع يده على منكب الحسين وهو يخاطبه بهذا الرجز :

اقدم هديت هاديا مهديا

فاليوم القى جدك النبيا

وحسنا والمرتضى عليا

وذا الجناحين الفتى الكميا

واسد اللّه الشهيد الحيا

وكشف هذا الرجز عن ايمانه الراسخ فانه على يقين لا يخامره شك انه سيحظى بملاقاة النبي (ص) ووصيه الامام امير المؤمنين والحسن وجعفرا وحمزة ، وكان ذلك من اروع ما يصبو إليه. واجابه الامام :

«وأنا القاهم على أثرك»(1)

وحمل البطل على معسكر ابن زياد وهو يرتجز :

أنا زهير وانا ابن القين

اذودكم بالسيف عن حسين

لقد عرفهم بنفسه ، واعلن لهم انه انما يناجزهم الحرب دفاعا عن سيده الحسين ، وقاتل كاعنف واشد ما يكون القتال ، وقد قتل فيما يقول المؤرخون مائة وعشرين رجلا(2) وابلى فى المعركة بلاء يتعاظم عنه الوصف ، وشد عليه المهاجر بن اوس ، وكثير بن عبد اللّه الشعبي فقاتلاه ومشى لمصرعه الحسين وهو مثقل بالهموم والأحزان فألقى عليه نظرة الوداع الأخير ، وراح يؤبنه قائلا :

__________________

(1) تأريخ الطبري 6 / 253

(2) مقتل المقرم (ص 299)

٢٢٤

«لا يبعدنك اللّه يا زهير ، ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير ..»(1) .

مصرع نافع بن هلال :

وممن وهب حياته للّه نافع بن هلال الجملي(2) فقد انبرى بايمان وصدق فجعل يرمي اعداء اللّه بسهام مسمومة كان قد كتب عليها اسمه وهو يقول :

ارمي بها معلمة أفواقها

مسمومة تجري بها اخفاقها

ليملأن أرضها رشاقها

والنفس لا ينفعها اشفاقها

ولم يزل يرميهم بسهامه حتى نفدت ثم عمد إلى سيفه فسله وحمل عليهم وهو يرتجز :

أنا الغلام التميمي البجلي

ديني على دين حسين بن علي

ان اقتل اليوم وهذا عملي

وذاك رأيي ألاقي عملي

لقد عرفهم بنفسه ، وعرفهم بعقيدته فهو على دين الحسين ريحانة رسول اللّه (ص) وهو انما يقاتل دفاعا عن عقيدته ومبدئه.

وجعل يقاتل بعزم شامخ قد استمد من وحدة سيده الحسين وغربته النشاط والحماس ، وقد قتل منهم اثني عشر رجلا سوى المجروحين(3) وأحاط به اعداء اللّه فجعلوا يرشقونه بالسهام ويقذفونه بالحجارة حتى كسروا

__________________

(1) تأريخ الطبري 6 / 253

(2) وفي الطبري نافع بن هلال البجلي

(3) مقتل الخوارزمي 2 / 21

٢٢٥

عضدية ، فلم يتمكن أن يقل سيفه فبادروا إليه وأخذوه اسيرا إلى ابن سعد فقال له :

«ما حملك على ما صنعت بنفسك؟»

فأجابه جواب المؤمن بربه قائلا :

«ان ربي يعلم ما أردت»

والتفت إليه بعض أصحاب ابن سعد وقد رأى الدماء تسيل على وجهه ولحيته فقال له :

«أما ترى ما بك؟»

فقال مستهزئا ومثيرا لغضبهم :

«واللّه لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ، وما الوم نفسي على الجاهد ، ولو بقيت لي عضد ما اسرتموني».

وثار الابرص الخبيث شمر بن ذي الجوشن فعمد إلى سيفه فسله ، فصاح به نافع :

«واللّه يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى اللّه بدمائنا فالحمد للّه الذي جعل منايانا على أيدي شرار خلقه».

اجل واللّه لو كان عند الشمر مسكة من الدين لما اقترف تلك الجرائم التي لا يقترفها إلا من لا علاقة له باللّه ، واندفع الوغد الى نافع فضرب عنقه(1) وبذلك انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي اخلص لدينه ، واخلص في الدفاع عن ابن رسول اللّه (ص) وهو من اعظم رجال الاسلام صلابة في الحق وصدقا في الدفاع عنه.

__________________

(1) تأريخ ابن كثير 8 / 84 ، انساب الاشراف ق 1 ج 1

٢٢٦

عابس مع شوذب :

ولما رأى البطل الملهم عابس بن شبيب الشاكري وحدة الامام واجتماع أهل الكوفة على قتله أقبل على رفيقه في الجهاد شوذب مولى شاكر(1) فقال له :

«يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟»

فانبرى شوذب يعلن ما صمم عليه من الفداء والتضحية قائلا :

«اقاتل حتى اقتل»

فشكره عابس وأثنى عليه قائلا :

«تقدم بين يدي أبي عبد اللّه حتى يحتسبك كما احتسب غيرك فان هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه».

فأي ايمان مثل هذا الايمان؟ انه كان يسعى جاهدا بجميع طاقاته ليظفر بما يقربه إلى اللّه زلفى ، وتقدم شوذب فأدى التحية الى الامام وحمل على معسكر ابن سعد فقاتل قتال الأبطال حتى استشهد بين يدي أبي عبد اللّه(2) .

مصرع عابس الشاكري :

وعابس الشاكري كان من اسرة عريقة في الشرف والنبل ، عرفت بالشجاعة والاخلاص للحق ، وفيهم يقول الامام علي (ع) : «لو تمت عدتهم الفا لعبد اللّه حق عبادته» وكانوا يلقبون «فتيان الصباح» وكان عابس

__________________

(1) ورد في الزيارة الرجبية (سويد مولى شاكر)

(2) تأريخ الطبري 6 / 254

٢٢٧

في طليعة اسرته ، ومن افذاذهم وهو الذي حمل رسالة مسلم الى الحسين التي يطلب فيها قدومه الى العراق ، وظل ملازما للامام من مكة إلى كربلا وكان من ألمع أصحابه في الولاء والاخلاص له ، وقد تقدم إليه يطلب منه الاذن في القتال وخاطب الامام فأعرب له بما يحمله في نفسه من الولاء العميق قائلا :

«ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي منك ، ولو قدرت أن أدفع الضيم عنك بشيء اعز علي من نفسي لفعلت السلام عليك اشهد اني على هداك وهدى أبيك»(1) .

ثم هجم على معسكر ابن سعد ، وطلب منهم المبارزة فلم يجبه أحد فقد جبنوا جميعا عن مقابلته لأنهم كانوا يعرفونه من اشجع الناس ، فجعلوا يتصايحون وقد ملأ الذعر قلوبهم واختطف الخوف الوانهم قائلين :

«هذا اسد الاسود ، هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم ..».

وصاح ابن سعد بجيشه :

«ارضخوه بالحجارة»

وعمدوا إلى الحجارة فجعلوا يرضخونه بها من كل جانب ، ولما رأى البطل جبنهم واحجامهم عن مقابلته القى درعه ومغفره وشد عليهم كالليث فكان يطرد ما بين يديه أكثر من مائة فارس ثم انعطفوا عليه من كل جانب فأردوه صريعا ، واحتزوا رأسه الشريف ، وجعلوا يتخاصمون فيما بينهم كل واحد منهم يدعي انه قتله ليحظى بالجائزة وانكر ابن سعد أن يكون قد قتله واحد منهم وانما اشترك في قتله جماعة منهم(2) وقد انتهت بذلك حياة

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) تأريخ الطبري 6 / 254

٢٢٨

هذا البطل العظيم الذي أبلى في الدفاع عن الاسلام بلاء حسنا ، وجاهد جهاد النبيين.

هزيمة الضحاك :

وكان الضحاك بن عبد اللّه المشرفي من اصحاب الامام إلا انه لما رأى كثرة القتلى من أصحاب الحسين صمم على الهزيمة والفرار ، وجاء إلى الحسين فقال له :

«لقد كنت رافقتك على أن اقتل معك ما وجدت مقاتلا ، فأذن لي في الانصراف فاني لا أقدر على الدفاع عنك ، ولا عن نفسي».

واذن له الإمام في الانصراف فولى منهزما ، وعرض له قوم من اصحاب ابن سعد الا انهم خلوا سبيله فمضى هاربا فلم يرزق الشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه (ص)(1) .

شهادة جون :

وجون(2) من أفذاذ الاسلام ، وهو مولى لأبي ذر الغفاري ، وكان شيخا كبيرا قد اترعت نفسه الشريفة بالتقوى والايمان ، ولم يمنعه سواد بشرته وتواضع حسبه أن يتبوأ المكان الرفيع ، ويكون من اعلام المسلمين فينال من الاكبار والتعظيم ما لم ينله أحد من أبطال التأريخ ، ويقول المؤرخون انه تقدم ضارعا الى الامام ليمنحه الاذن فيستشهد بين

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1 ، تأريخ الطبري 6 / 255

(2) قيل اسمه حوي

٢٢٩

يديه فقال له الامام :

«يا جون انما تبعتنا طلبا للعافية فأنت في اذن مني»

وهوى جون على قدمي الامام يوسعهما تقبيلا ودموعه تتبلور على خديه وهو يقول :

«أنا في الرخاء الحسن قصاعكم وفي الشدة اخذلكم ، ان ريحي لنتن وحسبي للئيم ، ولوني لأسود فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ، ويبيض لوني لا واللّه لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ..»(1) .

أية عظمة عبرت عنها هذه الكلمات المشرقة؟ واي شرف انطوت عليه نفسه؟ ان لونه الأسود لأشرق وانضر من الوان اولئك العبيد وهو الحر بما يحمل من سمو النفس ، وشرف الذات ، وان ريحه لأطيب من ريحهم ، وان حسبه هو الحسب الوضاح ، وان اهل الكوفة هم المغمورون فى احسابهم فقد تنكروا لانسانيتهم ، وصاروا وصمة عار وخزي على البشرية بأسرها.

لقد حفل كلام جون بمنطق الأحرار فانه ليس من الانسانية في شيء أن ينعم في ظلال الامام أيام الرخاء ، ويخذله امام هذه المحنة القاسية ، لقد كان الوفاء من العناصر المميزة لكل فرد من أصحاب الامام أبي عبد اللّه على بقية شهداء العالم.

وأذن له الامام فبرز مزهوا وهو يرتجز :

كيف ترى الفجار ضرب الأسود

بالمشرفي القاطع المهند

بالسيف صلنا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد

__________________

(1) مثير الاحزان لابن نما (ص 23)

٢٣٠

ارجو بذاك الفوز يوم المورد

من الاله الواحد الموحد

إذ لا شفيع عنده كأحمد(1)

ودلل بهذا الرجز على بسالته وشجاعته ، وهو انما يدافع عن ابناء النبي (ص) ويذب عنهم بلسانه ويده لا يبتغي في ذلك أي شأن من شئون الدنيا ، وانما يرجو الفوز في الدار الآخرة والشفاعة من النبي العظيم (ص).

وقاتل جون قتال الأبطال فقتل فيما يقول المؤرخون خمسة وعشرين رجلا ، وحمل عليه أعداء اللّه فأردوه قتيلا ، وخف إليه الامام فجعل ينظر إلى جثمانه المخضب بالدماء واخذ يدعو له قائلا :

«اللهم بيض وجهه ، وطيب ريحه واحشره مع محمد ، وعرف بينه وبين آل محمد».

واستجاب اللّه دعاء الامام فكان من يمر بالمعركة يشم منه رائحة طيبة أذكى من المسك(2) .

شهادة حنظلة الشبامي :

وحنظلة الشبامي ممن صاغ حياته على الايمان باللّه حتى بلغ أعلى مستويات القيم الانسانية تقدم إلى الامام بلهفة وشوق ليأخذ مكانه العالي مع الشهداء من اصحاب الامام وطلب منه الاذن ، فسمح له ، وتقدم الى ساحة القتال فجعل يعظ القوم ويذكرهم الدار الآخرة قائلا :

__________________

(1) الفتوح 5 / 198

(2) مقتل المقرم (ص 204)

٢٣١

«يا قوم : اني اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما اللّه يريد ظلما للعباد ، يا قوم إني اخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من اللّه من عاصم ، ومن يضلل اللّه فماله من هاد يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب وقد خاب من افترى».

ولم يع أولئك الاوغاد كلامه وانما راحوا سادرين في طيشهم وضلالهم قد ختم اللّه على قلوبهم واسماعهم فهم لا يبصرون ، وشكر له الامام مقالته ، وقال له :

«رحمك اللّه انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحين؟».

«صدقت يا ابن رسول اللّه ، أفلا نروح الى الآخرة؟»

واذن له الامام فانطلق الى ساحة المعركة بشوق ليفوز بالشهادة ، وقاتل قتال الأبطال حتى استشهد(1) وقد وفى بما عاهد عليه اللّه من نصرة الحق والفداء في سبيل الاسلام.

مصرع الحجاج :

ومن بين صفحات الفداء الباهرة التي تحمل العظمة الانسانية الحجاج ابن مسروق الجعفي ، فقد برز إلى ساحة الحرب ، وجعل يقاتل اعنف القتال وأشده حتى خضب بدمائه الزكية ، فقفل راجعا الى الامام الحسين وهو جذلان مسرور بما قدمه من الفداء والتضحية في سبيله ، وأخذ

__________________

(1) تأريخ الطبري 6 / 254

٢٣٢

يخاطب الامام بهذا الرجز :

اليوم القى جدك النبيا

ثم أباك ذا الندى عليا

ذاك الذي نعرفه وصيا

إنه ليقدم على رسول اللّه (ص) وهو مرفوع الرأس بما قدم من التضحية في سبيل ريحانته ، وقد اجابه الامام.

«وأنا على أثرك القاهما»

ورجع إلى حومة الحرب فجعل يقاتل ببسالة وصمود حتى استشهد(1) دفاعا عن الحق فلذكره المجد والخلود.

مصرع عمرو بن جنادة :

وبرز الفتى النبيل عمرو بن جنادة الأنصاري وهو اصغر جندي في معسكر الحسين ولكنه كان يفوق في عقله ودينه من في معسكر ابن سعد ، ويقول المؤرخون انه كان يبلغ من العمر احدى عشرة سنة ، وقد استشهد ابوه في المعركة ، فلما طلب الاذن من الامام لم يسمح له بذلك وقال :

«هذا غلام قتل ابوه في الحملة الأولى ولعل أمه تكره ذلك»

واندفع الفتى يلح على الامام ويقول له :

«إن أمي امرتني»

فاذن له الامام ، ومضى الفتى متحمسا إلى الحرب فلم يلبث الا قليلا حتى استشهد ، واحتزّ رأسه الشريف اوغاد اهل الكوفة ورموا به صوب مخيم الحسين فبادرت إليه السيدة أمه فأخذته وجعلت توسعه تقبيلا ، ثم مسحت عنه الدم ، ورمت به رجلا قريبا منها فصرعته وسارعت إلى

__________________

(1) مقتل المقرم (ص 306)

٢٣٣

المخيم فأخذت عمودا وحملت على اعداء اللّه وهي ترتجز :

أنا عجوز في النساء ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

واصابت رجلين فبادر إليها الامام وردها الى المخيم(1) لقد اثرت غربة الامام ووحدته على عواطف هذه السيدة الكريمة ، فقدمت فلذة كبدها فداء له ، ثم انعطفت هي في ميدان القتال لتفديه بنفسها ، فكان ـ حقا ـ هذا منتهى الايمان والاخلاص.

مصرع أنس الكاهلي :

وانس بن الحارث الكاهلي من صحابة النبي (ص) وقد شهد معه بدرا وحنينا ، وقد سمعه يقول : «ان ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض كربلا ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره»(2) وقد لازم الحسين وصحبه من مكة ، وكان شيخا كبيرا طاعنا في السن وقد استأذن من الامام أن يجاهد بين يديه فاذن له ، وقد شد وسطه بعمامته نظرا لتقوس ظهره كما رفع حاجبيه بالعصابة فلما نظر إليه الامام ارخى عينيه بالبكاء ، وقال له : شكر اللّه لك يا شيخ ، وقاتل ـ على كبر سنه ـ قتال الأبطال فروي أنه قتل ثمانية عشر رجلا ثم استشهد(3) وسمت روحه الطاهرة الى الرفيق الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا.

__________________

(1) مقتل الخوارزمي 2 / 140

(2) اسد الغابة 1 / 349 ، الاصابة 1 / 68 ، كنز العمال 6 / 223

(3) مقتل المقرم

٢٣٤

مصرع أبي الشعثاء :

وابو الشعثاء هو يزيد بن زياد بن المهاجر الكندي ، وكان من ابطال العرب وفرسانهم ، وكان ممن خرج مع ابن سعد لحرب الامام ، ولما عرض الامام على ابن سعد الشروط التي اشترطها وأبى ابن سعد مال الى الحسين(1) وجعل يرشق القوم بسهامه ويقول المؤرخون انه رماهم بمائة سهم فما سقط منها غير سهم ، وكلما رمى يقول له الامام.

«اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة»

ولما نفدت سهامه جرد سيفه وحمل عليهم وهو يرتجز :

أنا يزيد وأبي مهاجر

اشجع من ليث بغيل خادر(2)

يا رب اني للحسين ناصر

ولابن سعد رافض وهاجر

وقاتل قتال الأبطال حتى قتل(3) وانتهت بذلك حياته مدافعا عن دين اللّه ومناصرا لريحانة رسول اللّه (ص).

مصرع الجابريين :

ومن المع أنصار الامام (ع) الجابريان ، وهما : سيف بن الحارث ابن سريع الجابري ومالك بن عبد بن سريع الجابرى وكانا اخوين من أم وابني عم ، وقد تقدما بين يدي أبي عبد اللّه ، وعيناهما تفيضان دموعا فقال لهما الامام :

«ما يبكيكما اني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين؟»

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، تأريخ ابن الأثير 3 / 293 وجاء فيه انه اول من قتل من أصحاب الامام.

(2) وفي الفتوح 5 / 199 «ليث عبوس في العرين جاذر»

(3) انساب الأشراف ق 1 ج 1

٢٣٥

فاسرعا قائلين :

«جعلنا اللّه فداك ، ما على انفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك قد أحيط بك ، ولا نقدر أن تنفعك».

لقد امتلأت قلوب أصحاب الامام بالولاء الباهر والاخلاص العميق له فكانوا لا يفكرون إلا به ، ويتحرقون ألما وحزنا عليه.

وقاتل الجابريان قتال الأبطال ، وقد تناهبت أشلاءهما السيوف والرماح في وحشية قاسية ، واستشهدا بالقرب من الامام(1) .

مصرع الغفاريين :

وبرز إلى ساحة الجهاد الاخوان عبد اللّه وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاري فجعلا يقاتلان باستبسال نادر حتى استشهدا بين يدي الامام(2) .

مصرع الانصاريين :

ولما استغاث الامام وجعل يطلب الناصر والمعين لحماية عقائل النبوة ومخدرات الوحي اثر ذلك في نفوس الأنصاريين ، وهما سعد بن الحارث واخوه ابو الحتوف وكانا مع ابن سعد فمالا بسيفيهما على معسكر ابن سعد وقاتلا حتى قتلا(3) .

شهادة انيس :

وانبرى إلى ساحات الجهاد بين يدي أبي عبد اللّه انيس بن معقل الأصبحي وهو يرتجز :

أنا أنيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف مصقل

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 292

(2) تأريخ ابن الأثير 3 / 292

(3) الحدائق الوردية

٢٣٦

اضرب به في الحرب حتى ينجلي

اعلي به الهامات وسط القسطل

عن الحسين الماجد المفضل

ابن رسول اللّه خير مرسل

وقد مثل هذا الرجز الحماس الديني الذي سيطر عليه فقد عرفهم بنفسه وأعلن انه انما يقاتلهم دفاعا عن ابن رسول اللّه ، وهو لا يبغي بذلك أي مطمع سوى رضاء اللّه : وقاتل البطل قتالا عنيفا حتى استشهد(1) .

مصرع قرة الغفاري :

ومن اصحاب الامام الذين استشهدوا للحق قرة بن أبي قرة الغفاري فقد برز وهو يرتجز :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأنني الليث لدى الغبار

لأضربن معشر الفجار

بكل عضب ذكر بتار

ضربا وحتفا عن بني المختار

رهط النبي السادة الأبرار(2)

وهذا الرجز يتدفق بالحيوية والحماس للدفاع عن عترة النبي (ص) وقد دلل على بطولته بأن بني غفار وخندف وبني نزار كلهم يشهدون ببسالته وشجاعته ، وهو انما يجاهد دفاعا عن السادة الابرار ابناء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقاتل البطل الغفاري قتالا شديدا حتى هوى جسده الشريف الى الأرض تحت ضرب السيوف وطعن الرماح ، وسمت روحه الى الرفيق الأعلى.

__________________

(1) الفتوح 5 / 198

(2) الفتوح 5 / 195

٢٣٧

مصرع يحيى المازني :

وبرز إلى حومة الحرب يحيى بن سليم المازني ، وهو يرتجز :

لأضربن القوم ضربا فيصلا

ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا فيها ولا مولولا

ولا اخاف اليوم موتا مقبلا

لكنني كالليث أحمي مشبلا

واعلن بهذا الرجز عن شجاعته فهو سينزل بالأعداء الضربات القاسية وانه سيحاربهم ببسالة وصمود لا عاجزا ، ولا مولولا ، ولا خائفا من الموت ، وانما هو كالليث يصول فيهم ليحمي عترة رسول اللّه ، وشد عليهم كأنه جيش ، وقاتلهم أعنف القتال واشده حتى استشهد بين يدي أبي عبد اللّه(1) .

الامام مع اصحابه :

وكان الامام يبعث في نفوس اصحابه روح العزم والصمود ، ويوصيهم بالصبر على ملاقاة الأهوال قائلا لهم :

«صبرا بني الكرام فما الموت الا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة ، والنعم الدائمة ، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ، ان أبي حدثني عن رسول اللّه (ص) انه قال : ان الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم ، وجسر هؤلاء الى جحيمهم. ما كذبت ، ولا كذبت»(2) .

وقد الهبت هذه الكلمات عواطفهم فخاضوا الموت في استبسال عاصف ليصلوا الى مراتبهم في الفردوس الأعلى.

__________________

(1) الفتوح 5 / 194

(2) مقتل الحسين لعبد اللّه نور اللّه

٢٣٨

شهادة عبد اللّه اليزني :

وخرج إلى ميدان القتال عبد اللّه اليزني فقاتل ببسالة نادرة وهو يرتجز :

انا ابن عبد اللّه من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

اضربكم ضرب فتى من اليمن

ارجو بذلك الفوز عند المؤتمن

لقد عرفهم بنفسه وأسرته وبلده ، وعرفهم أنه على دين سيده الحسين ، وهو اذ يضحي بنفسه في سبيله فانما يرجو بذلك الفوز عند اللّه وقاتل كما قاتل اخوانه الشهداء ببسالة وعزم ثم استشهد(1) .

الامام مع الشهداء :

وكان الامام العظيم يقف على الشهداء الممجدين من أصحابه وهو يتأمل بوجهه الوديع فيهم فيراهم مضمخين بدم الشهادة ، ومعطرين بنفحات من روح اللّه ، فانطلق يؤبنهم باعجاب قائلا :

«قتلة كقتلة النبيين وآل النبيين»(2)

مصرع سويد :

وكان آخر من استشهد من أصحاب الامام البطل الشجاع سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي فقد سقط في المعركة جريحا وظنه القوم أنه قد قتل فلم يجهزوا عليه ، وكان فد غامت نفسه من ألم الجروح ونزيف الدماء فلما سمع القوم ينادون :

«قتل الحسين»

فانتفض كما ينتفض الأسد الجريح غير حافل بما هو فيه من ألم الجروح فانبرى يفتش عن سيفه فلم يجده وظفر بمدية فحمل عليهم يطعن فيهم ففروا

__________________

(1) الفتوح 5 / 194

(2) مقتل الحسين لعبد اللّه

٢٣٩

مذعورين ، وقد ظنوا أن الموتى من اصحاب الحسين قد عادت إليهم أرواحهم ليستأنفوا الجهاد ثانيا ، ولما أيقنوا خطأهم انعطفوا عليه فقتلوه وقد قتله عروة بن بطان الثعلبي. ولم يعرف التأريخ الانساني اصدق ولا انبل من هذا الوفاء ، فكان حقا هذا هو المجد في معسكر الحسين ، فقد ظلوا على الوفاء لامامهم حتى الرمق الأخير من حياتهم.

هؤلاء بعض اصحاب الامام ، وقد ابلوا في المعركة بلاء يقصر عنه كل وصف واطراء ، فقد جاهدوا جهادا لم يعرف له التأريخ نظيرا في جميع عمليات الحروب التي جرت في الأرض ، فقد قابلوا على قلة عددهم وما بهم من الظمأ القاتل تلك الجيوش المكثفة ، وانزلوا بها افدح الخسائر.

إن تلك الكوكبة من ابطال الايمان قد صارعوا الأهوال ، وخاضوا تلك المعركة الرهيبة ، وقد وقفوا وقفة الرجل الواحد ، وقادوا حركة الايمان ، ولم تضعف لأي رجل منهم عزيمة ، ولم تلن لهم قناة ، وقد خضبوا جميعا بالدماء وهم يشعرون بالغبطة ويشعرون بالفخار ، وقد دللوا بتضحياتهم الهائلة النبيلة على عظمة الاسلام الذي منحهم تلك الروح الوثابة التي استطاعوا بها أن يقاوموا بصبر وثبات تلك الوحوش الكاسرة التي ساقتها الأطماع الى اقتراف افظع جريمة في تأريخ البشرية كلها.

لقد سمت ارواحهم الطاهرة الى الرفيق الأعلى وهي انضر ما تكون تفانيا في مرضاة اللّه واشد ما تكون إيمانا بعدالة قضيتهم التي هي من انبل القضايا في العالم وان اعطر تحية توجه لذكراهم كلمات الامام الصادق (ع) في حقهم.

«بأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم واللّه فوزا عظيما».

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420