الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 100998
تحميل: 5502

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100998 / تحميل: 5502
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

* نظرةُ العلاّمة المجلسي الثاني (قدِّس سرّه):

قال في البحار - بعدما نقل عبارة الصدوق في روايات الشهادة الثالثة في الأذان -: (لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ، والعلاّمة، والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها، قال الشيخ:...) (1) ، ونقلَ كلامَي الشيخ المتقدّمين .

* نظرة صاحب الحدائق (قدِّس سرّه):

قال صاحب الحدائق: (وفي المقام فوائد: الأولى.... - ثُمّ نَقل كلام الصدوق في الفقيه، ثُمّ قال -: ثُمّ إنّ ما ذكرهُ (قدِّس سرّه) من قوله (والمفوّضة لعَنهم الله....) ففيه ما ذكره شيخنا في البحار، حيث قال: ونِعم ما قال - ثُمّ نقلَ كلام المجلسي المتقدّم في البحار إلى آخره - وقال: وهو جيّد) (2).

* نظرةُ صاحب الجواهر (قدِّس سرّه):

وقال في الجواهر - بَعدما نَقل كلام الشيخ في النهاية، وكلام الصدوق في الفقيه، ثُمّ نَقل كلام المجلسي في البحار، ثُمّ نَقل كلام العلاّمة الطباطبائي في المنظومة -: (بل لولا تسالم الأصحاب، لأمكن دعوى الجزئيّة بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوصيّة، والأمر سهلٌ) (3).

____________________

(1) البحار: ج81، ص111.

(2) الحدائق الناظرة: ج7، ص403 - 404.

(3) الجواهر: ج9، ص86 - 87.

١٤١

ويريد (قدِّس سرّه) بإمكان دعوى الجزئيّة للشهادة الثالثة في الأذان - بعدما نَقل كلام الشيخ، والصدوق، والمجلسي المنصبّ حول الروايات الخاصّة في الشهادة الثالثة في الأذان، ثُمّ ذيل كلام العلاّمة المجلسي، والعلاّمة الطباطبائي في مشروعيّة الشهادة الثالثة بنحو الاستحباب العام في الأذان والإقامة استناداً إلى عمومات - أن لا معارضة بين الروايات الخاصّة المتضمّنة للشهادة الثالثة في الأذان والخالية عنها، وأنّه لو فُرض التعارض بينهما لكان الترجيح للروايات المتضمّنة للشهادة الثالثة في الأذان والإقامة دون الخالية منها؛ وذلك لاعتضاد الروايات الخاصّة المعتضدة بالعمومات الدالّة على استحباب اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين، لكنّك عرفتَ فيما مرّ عدم تسالم الأصحاب على عدم الجزئيّة للشهادة الثالثة فيما نقلناه من طوائف فتاويهم في المدخل، حيث تُشعر جملة منها بالجزئيّة نظير ما نقلناه من فتوى السيّد المرتضى، والطوسي، وابن برّاج، بل والشهيد (قُدِّست أسرارهم)، فلاحظ ثمّة.

* نظرةُ الحرّ العاملي (قدِّس سرّه)

قال الحرّ العاملي (قدِّس سرّه) في الهداية: إنّ المجلسي ذهبَ إلى كون الشهادة بالولاية فيهما من الأجزاء المستحبّة، وقال: إنّ ما ذكرهُ شيخنا في البحار قوي.

* نظرةُ الشيخ حسين العصفور (قدِّس سرّه)

قال في الفرحة الإنسيّة (1): (وأمّا الفصل المروّي في بعض الأخبار المرسلة وهو (أشهدُ أنّ عليّاً وليُّ الله) فممّا نفاه الأكثر، وظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به، وإن كان غير لازم وهو الأقوى،

____________________

(1) الفرحة الإنسيّة: ج2، ص16 طبعة بيروت.

١٤٢

والطعنُ فيه بأنّه من أخبار المفوّضة والغلاة - كما وقعَ للصدوق في الفقيه - ممّا يشهد بثبوته وهو غير محقّق، فلا بأسَ بما ذهبَ إليه الشيخ وليس من البِدع، ويؤيّده: أخبار عديدة آمرة بأنّه كلّما ذُكر محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شُهد له بالنبوّة، فليُذكر معه علي (عليه السلام) وليُشهد له بالولاية).

أقول: وما استظهرهُ من اختلاف موقف الشيخ الطوسي واختلاف فتواه عن فتوى الصدوق متين جدّاً، كما أنّ استظهار فتوى الشيخ الطوسي في المبسوط بثبوت الشهادة الثالثة في الأذان، وتجويز الشيخ العمل بتلك الروايات، هو الصحيح الذي مرَّ استظهاره بقرائن عديدة من كلام الشيخ في المبسوط والنهاية، وإن خَفي ذلك وغَفل عنه كثير من الأصحاب؛ لعدم ملاحظة مجموع كلمات الشيخ، فظنّ من ذلك اتّحاد مذهب الشيخ مع الصدوق في هذه الروايات.

* نظرةُ صاحب القوانين (قدِّس سرّه)

قال في الغنائم (1): (وأمّا قول: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله)، (وأنّ محمّداً وآله خير البريّة)، فالظاهر الجواز - ثُمّ نَقل كلام الصدوق في الفقيه، وكلامَي الشيخ في النهاية والمبسوط، وأشار إلى عبارة العلاّمة في المنتهى - وقال: ويظهر من هؤلاء الأعلام ورود الرواية، فلا يبعد القول بالرجحان).

____________________

(1) الغنائم: ج2، ص422 - 423، طبعة مشهد المقدّسة.

١٤٣

* نظرةُ الشيخ محمّد رضا نجف (قدِّس سرّه)

قال (قدِّس سرّه) في العدّة النجفيّة - وهو شرحٌ للّمعة -: (الذي يقوى في النفس، أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان؛ إنّما هو التقيّة، ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطرد).

* نظرةُ الشيخ النراقي (قدِّس سرّه)

قال (قدِّس سرّه) في المستند: (بل الظاهر من شهادة الشيخ، والفاضل، والشهيد - كما صرّح به في البحار - ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضاً، ثُمّ نَقل كلام الشيخ في المبسوط والنهاية، وقال: وعلى هذا فلا بُعد في القول باستحبابها فيه للتسامح في أدلّته، وشذوذُ أخبارها لا يمنع عن إثبات السُنن بها كيف؟‍ وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ فيحملونها على الاستحباب) (1).

أقول: وما ذُكر إلزام صناعي في الاستدلال لمشهور المتأخّرين، حيث بنوا على الاستحباب الخاص في جملة موارد ورود الروايات الموصوفة بالشذوذ.

* نظرةُ السيّد الحكيم (قدِّس سرّه)

قال - بعدما ذَكر عبارة الصدوق في الفقيه، وعبارة الشيخ في النهاية والمبسوط، والعلاّمة في المنتهى، حيث وُصفت الروايات بالشذوذ -: (لكنّ هذا المقدار لا يمنع من جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميّتها في نفسها،

____________________

(1) مستند الشيعة: ج4، ص487.

١٤٤

ومجرّد الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق الموجِب لاحتمال المطلوبيّة،... ومن ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ، والعلاّمة، والشهيد، وغيرهم بورود الأخبار بها، وأُيّد ذلك بخبر القاسم بن معاوية المروّي عن احتجاج الطبرسي عن الصادق (عليه السلام)) (1) .

أقول: ويستفاد من كلامه:

أولاً: تقريره لشهادة القدماء بورود أخبار الأذان بالشهادة الثالثة.

ثانياً: أنّه رَغم طعن الصدوق بها لا يَمنع احتمال صدق الرواة.

ثالثاً: استفادتهُ من الروايات الدالّة على استحباب الاقتران، أنّها مؤيِّدة لمضمون جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان.

* نظرةُ السيّد الخوئي (قدِّس سرّه)

قال: (ولعلّ ما في البحار من كون الشهادة من الأجزاء المستحبّة، مُستند إلى هذه الرواية، أو ما عرفتهُ من شهادة الصدوق والشيخ وغيرهما من ورود النصوص الشاذّة) (2).

أقول: وهذا إشارة إلى ما ذكره الصدوق من متون في الفقيه، أنّها متون روايات، وأنّ صفة مضمونها شاذ.

____________________

(1) مستمسك العروة الوثقى: ج5، ص545.

(2) المستند في شرح العروة الوثقى: ج13، ص259.

١٤٥

* نظرةُ السيّد الخميني (قدِّس سرّه)

قال (قدِّس سرّه) في كتابه الآداب المعنويّة للصلاة: (قد ورد في بعض الروايات غير المعتبرة، أن يقال بعد الشهادة بالرسالة في الأذان: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله) مرّتين، وفي بعض الروايات: (أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين، وفي بعضٍ آخر: (محمّد وآل محمّد خير البريّة)، وقد جعلَ الشيخ الصدوق (رحمه الله) هذه الروايات من موضوعات المفوّضة وكِذبها.

والمشهورُ بين العلماء (رضوان الله عليهم) عدم الاعتماد على هذه الروايات، وجَعل بعض المحدِّثين هذه الشهادة جزءاً مستحبّاً من جهة التسامح في أدلّة السُنن، وهذا القول ليس ببعيد عن الصواب، وإن كان أداؤه بقصد القربة أولى وأحوط....

وبالجملة: هذا الذِكر الشريف يستحبّ بعد الشهادة بالرسالة مطلقاً، وفي فصول الأذان لا يبعد استحبابه بالخصوص، وإن كان الاحتياط يقتضي أن يؤتى به بقصد القربة المطلقة لا بقصد الخصوصيّة في الأذان؛ لتكذيب العلماء الأعلام لتلك الروايات) (1).

أقول: ظاهر كلامه العمل والفتوى بمضمون روايات الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، على نحو ما ذهبَ إليه المحقِّق النراقي، وما ذهبَ إليه العلاّمة المجلسي في البحار، الذي أشار إليه في كلامه بقوله: (بعض المحدِّثين)، نعم، الاحتياط الاستحبابي - الذي لا يتنافى مع الفتوى السابقة بالجزئيّة الندبيّة، عملاً بمضمون الروايات المزبورة - الذي ذهبَ إليه أن يؤتى بنيّة وقصد الاستحباب المطلق عملاً بقاعدة التسامح في أدلّة السُنن؛ لرواية الاحتجاج، وسيأتي نقل هذا المقطع من كلامه في الوجه الثالث.

____________________

(1) الآداب المعنويّة للصلاة: ص264 - 265، طبعة قم، دار الكتاب.

١٤٦

ويظهر منه: أنّه لولا إعراض المشهور بين العلماء عن تلك الروايات، لَبنى على الجزئيّة الأوّليّة في الأذان والإقامة كبقيّة فصول الأذان والإقامة، إلاّ أنّه قد مرّ - كما عرفتَ - أنّ مشهور المتقدِّمين لم يعرضوا عن تلك الروايات عدا الصدوق، وأنّ موقفهم منها يختلف عنه، نعم، جملة من المتأخّرين ومتأخّري المتأخّرين قد أعرضوا عنها، دون جملة أخرى ممّن قد تقدّمت فتاواهم: كالفاضلَين، والشهيد الأوّل، والأردبيلي، والمجلسيين، وصاحب الحدائق، والحرّ العاملي، والنراقي، قد بنوا عليها في الجملة كما مرّ تفصيل كلماتهم وفتاويهم.

* نظرةُ السيّد السبزواري (قدِّس سرّه)

قال - بعد أن ذَكر رواية الاحتجاج، وما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الكافي وغيرها من الأخبار -: (التي يقف المتتبّع عليها أنّ الروايات الواردة في الموارد المتفرّقة، التي يستفاد من مجموعها تلازم تشريع الشهادات الثلاث، مع استظهار جمع من الأساطين: كالشهيد، والشيخ، والعلاّمة، رجحانه بالأذان، وهذا المقدار يكفي - بعد التسامح في أدلّة السنن، وهم يتسامحون في الحكم بالاستحباب في جملة من الموارد - بأقلّ قليل من ذلك، كما لا يخفى) (1).

أقول: يظهر منه - من تخصيص ذِكر الشيخ، والعلاّمة، والشهيد - استظهاره منهم القول برجحانها في الأذان، رُغم وصفهم للروايات الواردة فيها بالشذوذ،

____________________

(1) مهذّب الأحكام: ج6، ص20.

١٤٧

ومن ثُمّ سوّغ جريان قاعدة التسامح في الروايات الواردة فيها بالأذان، وأنّ تلك الروايات محتملة الصدور رغم وصفها بالشاذّة، وأنّ دَيدن الضعفاء احتمال الصدور في روايات هي أدون في صفة الطريق من روايات المقام، كما أنّه استظهرَ من روايات اقتران الشهادات الثلاث في نواميس الخِلقة الإلهيّة، الحثّ على اقترانها التشريعي، فتَعضد مضمون روايات الأذان المتضمّنة للشهادة الثالثة والموصوفة بالشذوذ.

* نظرةُ السيّد الروحاني

قال السيّد الروحاني في حاشيته على العروة - عند قول الماتن (أنّها ليست جزءاً منهما) -: لكنّها راجحة بلا إشكال، ومن شعائر التشيّع، والقول بجزئيّتها قريب.

دَعمُ المضمون

وممّا يَدعم مضمون طوائف الروايات الخاصّة - التي رواها الصدوق في الفقيه في الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، وأشار إليها المرتضى، والطوسي، وابن برّاج، والفاضلان، والشهيد - أمور:

الأوّل: ما مرّ من بيان السيرة المتقادمة عند الشيعة من زمان الصحابة، حيث ذَكر العامّة في كتب تراجمهم في ترجمة صحابي الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كدير الضبّي، أنّه كان يأتي بالشهادة الثالثة (1) في تشهّده في الصلاة،

____________________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة: في حرف الكاف، القسم الأول في باب ك د، لسان الميزان لابن حجر: ج4، ص486، تحت عنوان (مَن اسمه كدير وكديرا)، رقم الترجمة 1539،=

١٤٨

وقد أشار إلى ذلك صاحب الجواهر (1) ، كما أنّه قد تقدّم في المدخل في مبحث السيرة، استعراض عدّة مصادر تاريخيّة أشارت إلى أنّ الشيعة في بغداد، وحلب، وشمال العراق، وجنوب إيران، ومصر، قد كانوا يؤذِّنون بالشهادة الثالثة في الأذان، وبحيّ على خير العمل في ظل دولة آل بويه، ودولة الحمدانيين، والعبيدين، والفاطميين؛ لأنّه قد جرت كثير من المصادمات من أهل سنّة الجماعة لصدّ ومنع الشيعة عن التأذين بذلك، لاسيّما في بغداد، وحلب، ومصر.

وقد مرّ أنّ فتوى السيّد المرتضى لأهالي شمال العراق كانت مسانَدة فتوائيّة، داعمة لسيرتهم تجاه ضغط سنّة جماعة الخلافة، وكذلك فتوى الشيخ الطوسي، وفتوى ابن برّاج، ففي ظلّ هذه السيرة التي لاقت هذه المواجهات الصعبة، يجب تحليل ودراسة فتاوى السيّد المرتضى، والشيخ الطوسي، وابن برّاج وحقيقة موقفهم.

____________________

= ميزان الاعتدال للذهبي: ج5، ص497، تحت رقم 6961،

العقيلي في كتاب الضعفاء: ج4، ص13، تحت رقم 1568،

مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي القاضي، المتوفّى ثلاثمائة هجري قمري، والرواية بسنده ص386 تصحيح المحمودي.

وهذا الفصل من كدير مع كونه من الصحابة، لاحظ مبسوط ترجمته في التذييل الثالث.

يُعزِّز ما يُحكى عن كتاب السلافة في أمر الخلافة للشيخ عبد الله المراغي (من علماء العامّة)، أنّه نَقل أنّ بعد واقعة الغدير أذّن أبو ذر الغفاري بالشهادة الثالثة، فاعترضَ عليه جماعة من المنافقين عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال لهم: (أمَا وعيتم خطبتي يوم الغدير لعلي بالولاية، أمَا سمعتم قولي في أبي ذرّ: ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، إنّكم لمنقلبون بعدي على أعقابكم).

(2) قد مرّ في المدخل ذِكر مصادر ذلك، وسيأتي بسط ترجمته في التذييل الثالث، المُلحق بالفصل الأوّل.

١٤٩

كما أنّه قد مضت عبارة الصدوق المتضمّنة لوجود السيرة لدى جملة من الشيعة، كانوا يؤذِّنون في الأذان والإقامة، بل يظهر من عبارته وعبارة الشيخ الطوسي: أنّ رواة هذه الروايات في أصول الأصحاب متداولة، أي معمول بها في طبقات سابقة على الصدوق، وكذلك مرّت (1) عبارة السيّد المرتضى في المبافارقيات (2) ، حيث يظهر منها مفروغيّة التأذين بها في جملة من مناطق الشيعة وممارستهم لها، ووضوح ارتكاز مشروعيّتها لهم، وأنّهم كانوا متردّدين في عزيمتها ولزوم الإتيان بها، كما يظهر من عبارة ابن الجُنيد التي حكاها الشهيد (قدِّس سرّه) في الذكرى (3) ، اختلاف المسلمين بحسب البلدان في صورة فصول الأذان بحسب مذاهبهم، وكما مرّ عبارة المجلسي الأوّل المتضمّنة لعمل الشيعة في قديم الزمان لذلك.

الثاني: قد تقدّم في المدخل (4) : أنّ لدى الأصحاب في رواياتهم ما يقرب من تسع صيغ من صيغ الشهادة الثالثة، كما مرّ استعراض جملة المتون الروائيّة (5) ، وبالأحرى سيأتي ضمن جهات الفصل الأوّل ذِكر بقيّة الطوائف الخاصّة الدالّة على الشهادة الثالثة، زيادة على الطوائف الثلاث التي أوردها الصدوق، فلاحظ.

____________________

(1) المدخل: ص54.

(2) المبارقيات: ص257.

(3) الذكرى: ج3، ص214.

(4) صيغ الشهادة الثالثة: ص51، المدخل.

(5) المدخل: 43 وما بعدها.

١٥٠

الثالث: أنّه قد تقدّم في المدخل (1) : أنّ هناك ثمانية موارد ومواطن لفتاوى الأصحاب بالشهادة الثالثة في مواضع من الصلاة، وقد استعرضنا في كلّ مورد وموطن جملة من فتاوى المتقدّمين والمتأخّرين ومتأخّريهم.

الرابع: إنّ خلو الروايات الكثيرة عن الشهادة الثالثة في الأذان الواردة في فصول الأذان والإقامة، لا يبعد كونه لأجل التقيّة؛ لعدّة قرائن منها - مضافاً إلى ما تقدّم من قرائن على التقيّة في المدخل (2) فلاحظ -:

1 - خلو جملة من الروايات من فصل (حيّ على خير العمل)، وقد حَمل الأصحاب هذا الخلو على التقيّة في مقابل الروايات المتضمّنة لها.

2 - ما يظهر في جملة من الروايات: أنّ الحكّام والولاة قد أسقطوا من الأذان جملة من الفصول، وغيّروا من هيئة فصوله كما هو الحال المعروف في (حيّ على خير العمل)، ففي مصحّح ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن (حيّ على خير العمل) لِمَ تُركت في الأذان؟..... فقال (عليه السلام): (أمّا العلّة الباطنة؛ فإنّ خير العمل الولاية، فأرادَ من أمْر بترك حيّ على خير العمل من الأذان، أن لا يقع حثٌ عليها ودعاء إليها) (3).

____________________

(1) المدخل: ص55، وما بعدها.

(2) مواضع متعدّدة في المدخل.

(3) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، الباب 17، ح16.

١٥١

وفي رواية (1) أخرى ليزيد بن الحسن، قد تضمّنت فصول الأذان وتَركَ الراوي فيها حيّ على خير العمل، فقال الصدوق في ذيلها: إنّما تركَ الراوي (حيّ على خير العمل) للتقيّة.

وروى الصدوق في الفقيه (2) قال: (قال الصادق (عليه السلام): (كان اسم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُكرّر في الأذان، فأوّل مَن حذفهُ ابن أروى).

وروى المجلسي عن كتاب العِلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم: (أنّ آخر الأذان محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)) بعد التهليل إلاّ أنّه ألقاه معاوية، وقال: أمَا يرضى محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يُذكر في أوّل الأذان حتّى يُذكر في آخره) (3) ، وإن قال صاحب الجواهر في ذيل الخبر أنّه من الغرائب، ويُبعّده - زيادة على ما عرفتَ - أنّه لو كان الأمر هكذا لكان ذلك محفوظاً، كما حفظَ إسقاط عمر (حيّ على خير العمل)، بل هو أولى منه بذلك خصوصاً بعد فرض استمراره، كذلك إلى زمان معاوية الذي كان معروفاً في زمانه بالفسق والفجور، والله أعلم) (4) انتهى.

أقول: قد عرفتَ في رواية الصدوق أنّ بدء الإسقاط المذكور أوّل مَن ارتكبه ابن أروى وهو عثمان، فيُحمل ما في الرواية الأخيرة على أنّ معاوية دَعم هذا التغيير في الأذان، كما ورد في صلاة معاوية تماماً في مِنى دَعماً لإتمام عثمان الصلاة في السفر، كما ورد في صحيح زرارة (5).

____________________

(1) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، الباب 19، ح18.

(2) الفقيه: ج1، ص299، ح913، طبعة قم.

(3) البحار: ج81، ص169 - 17، مستدرك الوسائل: ج4، ص73 - 74، أبواب الأذان والإقامة، باب 37، ح7.

(4) الجواهر: ج9، ص89.

(5) وسائل الشيعة: أبواب صلاة المسافر، باب 3، ح9.

١٥٢

الخامس: دَعمُ هذه الطوائف الثلاث بما سيأتي من طوائف روائيّة أخرى خاصّة مختلفة، في درجات خصوص الدلالة وسنتعرّض لها تِباعاً.

السادس: اعتراف جملة المتقدّمين والمتأخّرين باختلاف الروايات الكثيرة المعتبرة في عدد فصول الأذان، أي اختلاف في الروايات في مقدار الفصول المتضمِّن لها الأذان كأجزاء، لاسيّما وأنّ بعض تلك الروايات اقتصرت على ذِكر العدد من دون أن تُصرّح بعناوين تلك الفصول، فهي يمكن أن تكون بذلك داعمة لطوائف الروايات المتضمّنة للشهادة الثالثة، حيث إنّ بعض روايات العدد لم تفصح بأسماء تلك الفصول، فلعلّ بعضها هو الشهادة الثالثة، ومنه يُعلم اختلاف عدد الفصول في الأذان والإقامة في الروايات، ولأجل ذلك قال الشيخ الطوسي في النهاية:

(قد رويَ سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الروايات، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلاً، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلاً، فأمّا مَن روى سبعة وثلاثون فصلاً، فإنّه يقول في أوّل الإقامة أربع مرّات (الله أكبر)، ويقول في الباقي كما قدّمناه.

ومَن روى ثمانية وثلاثين فصلاً، يُضيف إلى ما قدّمناه من قول: (لا إله إلاّ الله) مرّة أخرى في آخر الإقامة.

ومَن روى اثنين وأربعين فصلاً، فإنّه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرّات، وفي أوّل الإقامة أربع مرّات، وفي آخرها أيضاً مثل ذلك أربع مرّات ويقول: (لا إله إلاّ الله) مرّتين في آخر الإقامة، فإن عَمل عاملٌ على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً) (1).

____________________

(1) النهاية ونُكتها: ج1، ص293، طبعة قم، جماعة المدرّسين.

١٥٣

وقال أيضاً في كتابه مصباح المتهجّد: (وروي اثنان وأربعون فصلاً، فيكون التكبير أربع مرّات في أوّل الأذان وآخره، وأوّل الإقامة وآخرها، والتهليل مرّتين فيهما) (1).

أقول: وفتوى الشيخ بعدم الإثم بالعمل بأيّ منها عين لفظ فتواه في المبسوط، في روايات الشهادة الثالثة بنصّ هذه الفتوى.

وعلى أيّة حال، فتقريب دَعم هذا الشاهد لمضمون روايات الشهادة الثالثة بنحوين:

أ - إنّ تجويز الأصحاب وجمعهم بين اختلاف روايات عدد فصول الأذان بالتخيير بالعمل بأيّ منها، سواء أرادوا التخيير الفقهي أو الأصولي، كما صرّح بهذا الجواز جملة (2) عديدة من الأصحاب غير الشيخ الطوسي، كما يظهر للمتتبّع، وهذا يقضي بأنّ الشارع جَعل عدد فصول الأذان له حدّ أدنى وحدّ أقصى، ولم يحصره بنحو التعيين في مرتبة عدد، بل خيّر بين المراتب لاسيّما على القول بالتخيير الفقهي، بل حتّى على القول بالتخيير الأصولي، فإنّه تخيير ظاهري أيضاً.

____________________

(1) مصباح المتهجّد: في ذِكر الأذان والإقامة، ص39، طبعة بيروت، مؤسّسة الأعلمي.

(2) وقرّر ذلك العلاّمة في المنتهى: ج4، ص386، وذَكر الشهيد في الذكرى كلام الشيخ، إلاّ أنّه مالَ إلى الترجيح بينها وحَمل بعضها على حالات أخرى من السفر ونحوه، ج3، ص200، وقد مرّ ذِكر غيرها من كلمات الأصحاب فراجع.

١٥٤

وعلى هذا النحو من التقريب، ترتفع المعارضة بين الروايات الخالية عن الشهادة الثالثة والروايات المتضمّنة لها، حيث يتبيّن أنّ عدد فصول الأذان ليست عند الشارع بنحو التعيين عدداً، بل التخيير شرعاً بين مراتب العدد، فلا تكون روايات الشهادة الثالثة في الأذان متضمّنة لأمر غريب عن ماهيّة الأذان، وهذا هو الذي أشار إليه المجلسي الأوّل في روضة المتّقين، ويؤيّد ذلك: ما ورد من تقصير (1) الأذان والإقامة في السفر مرّة مرّة، بدل مثنى مثنى في الفصول، وكذلك في حالة العجلة أو ضيق الوقت (2) ، وكذلك للمرأة (3) ، بل ورد عند ضيق الوقت الاكتفاء بالفصول الأخيرة (4) .

ب - إنّ تفسير اختلاف العدد في روايات فصول الأذان - كما في عبارة الشيخ الطوسي في النهاية - ليس هو من مضمون كلّ روايات العدد، بل هو من تفسير الشيخ الطوسي، ويشهد بذلك: عبارته في المصباح التي مرّت آنفاً، حيث عطفَ على العدد بالفاء بقوله: (فيكون التكبير أربع مرّات...)، ممّا يُدلِّل على أنّ بسط العدد بهذا النحو من الفصول في تفسير الشيخ استظهاراً من بعض الروايات، ممّا ورد فيها تكرار بعض الفصول، ولكنّ ذلك لا يُحتّم كون المراد ذلك من العدد اثنين وأربعين مثلاً، فالاحتمال قائم فيها على الانطباق على ما تضمّنته الروايات الأخرى الواردة في الشهادة الثالثة.

____________________

(1) باب 21، من أبواب الأذان والإقامة.

(2) باب 21، من أبواب الأذان والإقامة.

(3) أبواب الأذان والإقامة: باب 34.

(4) أبواب الأذان والإقامة: باب 14.

١٥٥

وقد يوجّه التعارض بين الطوائف الثلاث - التي رواها الصدوق في الجزئيّة في الفقيه، والروايات الأخرى الصحيحة الواردة في فصول الأذان - بأنّ روايات الصِحاح التي حصرت فصول الأذان، أو التي ذَكرت تعداد فصول الأذان من غير عدّ الشهادة الثالثة في ضمنها، بأنّها مسوقة لبيان الفصول الواجبة في الصحّة لا المستحبّة.

السابع: اعتضاد مضمون هذه الطوائف الثلاث - بما أشار إليه الميرزا القمّي في كتابه الغنائم، والشيخ حسين العصفوري في كتابه الفرحة الإنسيّة - بالعمومات المستفيضة الآتي الإشارة إليها، والآمرة بقرن واقتران الشهادات الثلاث البالغ من العدد حدّ السنّة القطعيّة، ووجه الاعتضاد بهذا يبتني على بيان مقدّمة وهي: أنّ حجيّة الخبر عند الأكثر لا تدور مدار حجيّة خبر الثقة فقط، بل تدور مدار الوثوق بالصدور.

وبعبارة أخرى: أنّ العمدة لدى مشهور الفقهاء في حجيّة الخبر، هو على صحّة مضمونة؛ لمَا ورد من روايات مستفيضة من عرض مضامين الخبر الوارد عنهم على الكتاب والسنّة، فما وافق منه الكتاب والسنّة أُخذَ به، وما خالفَ الكتاب والسنّة طُرح، فالموافقة للكتاب والسنّة من الشرائط الأوّليّة لحجيّة الخبر، وهي مقدّمة على شرائط الصدور وليس حجيّة الصدور هي تمام حجيّة الخبر، بل ما هو الركن منه هو صحّة المضمون وموافقته، والمراد بالموافقة ليس المطابقة التفصيليّة بل الموافقة الإجماليّة، فإذا تبيّن ذلك عُلمَ أنّ مضمون الروايات التي ذَكرها الصدوق المتضمّنة لجزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، هي مطابقة لأصول المذهب وقواعده، إذ الشهادة الثالثة من أصول الإيمان وقواعده، والأذان هو من الإعلام والنداء بأصول الإيمان والدعوة إليها، فمضمون هذه الروايات موافق للكتاب والسنّة.

١٥٦

وقد اعترفَ الصدوق بذلك بل كلّ المشهور، وعلى ذلك فأيّ تأثير في ضعف الصدور بعد انجباره بقوّة المضمون، كيف وأنّ الحال في المقام هو صحّة الصدور، حيث إنّ الشيخ، والعلاّمة، والشهيد، وصفوها بالشذوذ، أي الصحيحة سنداً، الشاذّة والغريبة مضموناً - كما مرّت الإشارة إليه، وسيأتي له تتمّة -.

وهذا الوصف من الغرائب منهم (قدِّس سرّهم)؛ لأنّ مطابقة الخبر لمضمون السنّة لا يقتصر على المطابقة التفصيليّة، بل تعمّ المطابقة الإجماليّة العامّة وهي حاصلة في البين، بل إنّ المطابقة التفصيليّة أيضاً حاصلة بمعنىً ما؛ وذلك لأنّ حيّ على خير العمل - كما في صحيحة ابن أبي عمير، عن أبي الحسن (عليه السلام) - (حثٌ على الولاية ودعاء إليها) (1) ، ومثلها معتبرة الفضل بن شاذان، ومحمد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) (2) .

هذا، مضافاً إلى أنّ الروايات الخاصّة الواردة في عدد فصول الأذان مختلفة بشدّة في العدد، ممّا يُستفاد منها - كما استظهر غير واحد من المتقدّمين والمتأخّرين ومتأخّري المتأخّرين - أنّ ماهيّة فصول الأذان ليست محدودة بعدد واحد مؤقّت، بل هي بين حدّ الأدنى وحدود عُليا، فأيّ شذوذ للمضمون يبقى حينئذٍ، ومن ثُمّ أخذ غير واحد من الأعلام على الصدوق بتدافع كلامه، حيث إنّه من جانب يعترف بأنّ المضمون في نفسه حق، ومن جانب آخر يتّهم رواة الأحاديث بالمفوّضة ويترفّع إلى الجزم بالوضع.

____________________

(1) أبواب الأذان: باب 19، حديث 16.

(2) أبواب الأذان: باب 19، حديث 14، 15.

١٥٧

هذا، وسيأتي في الفصل الثالث بيان دلالة آية النور بضميمة سورة الضحى، وما ورد في الآيتين ما يؤيّد أو يعضد الجزئيّة في الأذان، كما قد تقدّم في المدخل قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ... ) بتقريب المضمون بما يؤيّد ذلك، وغيرها من الآيات في المدخل، وكذلك آية الأذان وغيرها فلاحظ.

١٥٨

الطائفةُ الرابعة

الرواياتُ المتضمّنة لكون الشهادة الثالثة من الأذان

الروايةُ الأولى: مُعتبرة الفضل بن شاذان فيما ذكرهُ عن العِلل عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّما أُمرَ لناس بالأذان لِعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيراً للناسي [ للساهي ]، وتنبيها للغافل، وتعريفاً لمَن جهل الوقت واشتغل عنه، ويكون المؤذِّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ومُرغباً فيها، مُقرّاً له بالتوحيد، مجاهراً بالإيمان، مُعلناً بالإسلام، مؤذِّناً لمَن ينساها،.... وجَعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً،.... وجَعل بعد التكبير الشهادتان؛ لأنّ أوّل الأيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة، وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان؛ ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان، فجَعل الشهادتين شهادتين كما جَعل في سائر الحقوق شاهدان، فإذا أقرّ العبد لله عزّ وجل بالوحدانيّة، وأقرّ للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الأيمان؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله، وإنّما جَعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة) (1)، وهذه الرواية رواها الصدوق في الفقيه (2) .

____________________

(1) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، باب 19، حديث 14.

(2) الفقيه: ج1، ص99، ح914، طبعة قم.

١٥٩

أقول: وتقريب دلالة هذه الرواية حيث إنّها متعرّضة لماهيّة وفصول الأذان كما يلي:

أولاً: إنّه قد وقعَ المقابلة بين قوله (المجاهرة بالإيمان، والإعلان بالإسلام)؛ فإنّ هذين العنوانين كانا يُستعمل كلّ منهما في معنى الآخر إذا أنفرد كلّ منهما عن الآخر، إلاّ أنّهما يستعملان في مقابل بعضهما البعض، لاسيّما إذا اقترنا بنحو المقابلة، كما في هذا الحديث نظير قوله تعالى: ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (1) .

ثانياً: إنّ المعنى المعهود المستعمل في رواياتهم (عليهم السلام) في مقابل الإسلام: هو الاعتقاد بولايتهم، مضافاً إلى التوحيد، والنبوّة، والمعاد، فيستفاد من إطلاقهم (عليهم السلام) له - لاسيّما مع مقابلته مع عنوان الإسلام - ينسبق منه معنى إرادة الإقرار بولايتهم.

ثالثاً: يَدعم هذا المفاد لهذه المعتبرة، ما سيأتي من رواية معتبرة ابن أبي عمير (2)، من تضمّن الأذان الحثّ على الولاية، وأنّه دعاءٌ إلى الولاية في فصل (حيّ على خير العمل)، ممّا يُدلّل على أنّ ماهيّة الأذان هي الدعوة إلى الإيمان والولاية أيضاً، كما هو دعوة إلى الإسلام والشهادتين.

رابعاً: ما تضمّنت المعتبرة بموضع آخر من التعبير، بأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد، والتعبير الثاني (الإقرار للرسول بالرسالة) تلويح بأنّ هناك فقرات أخرى للأيمان، فيكون الأذان دعاءً إليه ومجاهرة به،

____________________

(1) الحجرات: 14.

(2) الوسائل: أبواب الأذان، باب 19.

١٦٠