الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 100946
تحميل: 5502

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100946 / تحميل: 5502
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الثاني:

ما دلّ بالخصوص بالتنصيص على ذِكر الشهادة الثالثة في التشهّد، وهو ما رويَ عن كدير الظبّي، وما رواه علي بن بابويه، وما أفتى به أبو يعلى سلاّر الديلمي في المراسم العلويّة، والنراقي في المستند، وغيرها من الروايات والفتاوى كما سيأتي ويندرج في الدلالة الخاصّة ما ورد في تشهّد صلاة الجنازة بعدَما ورد أنّها تضمّن التشهّد.

ومنها: ما في موثّق سُماعة الوارد في بيان التشهّد والصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في صلاة الميّت في حديث (قال: سألتهُ عن الصلاة على الميّت؟ فقال: (خمس تكبيرات يقول إذا كبّر: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وعلى أئمّة الهدى) (1) الحديث.

ومنها: ما في موثّق عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألتهُ عن الصلاة على الميّت؟ فقال: (تُكبّر ثُمّ تقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إنّ الله وملائكته يُصلّون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلِّموا تسليماً، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد..... اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى أئمّة المسلمين، اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى إمام المسلمين....)) الحديث (2).

فتدلّ هاتان الموثّقتان على جواز الشهادة الثالثة في كلّ من صلاة الميّت، لاسيّما بعد ورود أنّه ليس في تشهّدها والدعاء فيها شيئاً مؤقّتاً،

____________________

(1) الوسائل: أبواب صلاة الجنازة، الباب 2، ح6.

(2) الوسائل: أبواب صلاة الجنازة، الباب 2، ح11.

١٨١

كما تدلّ الموثّقتان أيضاً على جواز الثالثة في تشهّد عموم الصلاة، ولعلّه يُعترض أنّ هاتين الموثّقتين واردتان في صلاة الميّت، وهي ليست إلاّ دعاء وليست صلاة حقيقيّة، مع أنّ الذي ورد منهما إنّما هو بصيغة الصلاة على النبي وآله لا بصيغة التشهّد ولا في ضمنه.

أولاً:

يندفع هذا الاعتراض: بأنّ الصلاة على الميّت هي صلاة أيضاً، ومن ثُمّ اعتُبرَ فيها جملة من شرائط صلاة الجماعة، غاية الأمر أنّه وردَ في الروايات أنّها ليست الصلاة ذات الركوع والسجود، فالمنفي عنها ليس حقيقة الصلاة بل المنفي عنها نمط من أنواع الصلاة، وهو النمط الذي فيه الركوع والسجود، كما في معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: (إنّما جوّزنا الصلاة على الميّت بغير وضوء؛ لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود، وإنّما هي دعاء ومسألة، وقد يجوز أن تدعو الله وتسأله على أيّ حال كنتَ، وإنّما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود) (1)، ومثلها روايات أخرى (2).

ثانياً:

أنّ التشهّد الوارد في صلاة الجنازة قد أُمر فيها بعنوان التشهّد، كما في الصحيح إلى محمّد بن مهاجر: (كبّر وتشهّد) (3).

____________________

(1) أبواب صلاة الجنازة: باب 21، ح7.

(2) أبواب الجنازة: باب 8.

(3) أبواب صلاة الجنازة: الباب2، ح1.

١٨٢

وبضميمة ما ورد في معتبرة الفضل بن شاذان الواردة في تشهّد الصلاة ذات الركوع والسجود، الدالّة على أنّ التشهّد في الصلاة هو التشهّد في الأذان والإقامة، ففي معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: (وإنّما جَعل التشهّد بعد الركعتين؛ لأنّه كما قدّم قبل الركوع والسجود مِن الأذان والدعاء والقراءة، فكذلك أخّر بعدها التشهّد والتحيّة والدعاء) (1).

فماهيّة التشهّد في هذه المواضع واحدة متّحدة.

ثالثاً:

أنّ الصلاة على النبيّ وآله مِن توابع التشهُّد، والصورة المذكورة في موثّق سُماعة، وموثّق عمّار هُما أيضاً مِن صِيَغ الإقرار والتشهُّد؛ وذلك لأنّ عبارة: (اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى أئمّة المسلمين، أو على إمام المسلمين، أو على أئمّة الهُدى) وإنْ كانت بصيغةِ الصلاة، إلاّ أنّ ذِكر آل محمّد ينعتهم بأئمّة المُسلمين ونحوه، وهذا النصّ والتوقيف مؤدّاه إقرار وتَشهّد؛ لأنّ المُتكلّم الذي يأتي بصورة الترتيب النعتي هو مدلول خَبري يلتزم بالإخبار به، ويأخذ به كإقرار، ألا ترى أنّ القائل أو الداعي لزيد بقوله:

(اللهمّ ارحَم زيداً الذي أقرَضني مئة ديناراً)، فإنّه يؤخذ به كاعتراف منه بالإقرار أنّه مدين لزيد بمئة دينار، ويكون هذا التركيب بهيئة الجملة الخبريّة وإن كان معناً حرفيّاً لا اسميّاً، إلاّ أنّ هذا المعنى الحرفي يوازي المعنى الاسمي بلفظه: أعترف، أو ألتزم، أو أقرّ، أو أشهدُ؛ فإنّ جملةً من المعاني كما يمكن أن يُتلفظ بها أو تؤدّى بصورة المعنى الاسمي، يمكن أن تؤدّى بصورة المعنى الحرفي الموازي المطابق لها، وكما يمكن أن تؤدّى بألفاظ الهجاء يمكن أن تؤدّى بهيئات الجمل والتراكيب،

____________________

(1) أبواب التشهّد: باب 3، ح6.

١٨٣

وهذا لا يُضعّف من الدلالة وإن كان يخفى وجه الدلالة على غير المتأنّي وغير المتدرّب بالإمامة، فيتبيّن من ذلك: أنّ صيغة الصلاة على النبي وآله - مع التركيب النعتي والمجيء بنعتهم في الصلاة عليهم - ليست صيغة دعاء فقط، بل هي صيغة دعاء بهم، وصيغة تشهّد بإمامتهم، ومن ثُمّ ستأتي روايات معتبرة عدّة، كالتي وردت في خطبة صلاة الجمعة، وكالتي وردت في القنوت داخل الصلاة، وقد أفتى بها جملة المشهور، وقد تضمّنت الصلاة على آل محمّد بنعتهم بأئمّة المسلمين، أو أئمّة الهدى.

إنّ هذه الصياغات في تلك الروايات المعتبرة المفتى بها عند عامّة علماء الطائفة، هي ليست صياغات في كيفيّة الصلاة عليهم والدعاء لهم، بل هي صياغات تشهد بإمامتهم أيضاً، وكذلك ورد في روايات التسليم في الصلاة صيغة التسليم عليهم بنعت أئمّة الهدى (السلامُ على أئمّة الهدى)؛ فإنّ هذه الصيغة وإن كانت صيغة تسليم نُدبي قبل التسليم الواجب المخرَج من الصلاة، إلاّ أنّها صيغة تشهّد أيضاً وإقرار واعتراف بإمامتهم، وقد أفتى بها الصدوق نفسه في الفقيه وغيره من كتبه وجملة من المتقدّمين كما سيأتي، وكذلك النراقي في المستند وصاحب الجواهر (3).

ويمكن تقريب دلالة هذه الطائفة ببيان آخر، قال في المستمسك في ذيل قول العروة الوثقى للسيّد اليزدي، في مبحث الاكتفاء بسماع الأذان عند الأذان والاكتفاء بالحكاية، قال:

____________________

(1) وهذا ما أشار إليه صاحب الجواهر في بحث الشهادة الثالثة في الأذان بقوله: (لولا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئيّة بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوص، والأمر سهل)، أي أنّ الأمر العام وإن كان في دلالته المطابقيّة عامّ الدلالة، إلاّ أنّه بفذلكة القرائن يمكن أن تصاغ دلالته ولو الالتزاميّة على المفاد والمؤدّى الخاص.

١٨٤

(ويحتمل أن يكون الوجه في ذلك: أنّ الحكاية أذان بقصد المتابعة، نظير صلاة المأموم، فلو لم يدلّ على الاكتفاء بالسماع دليل أمكنَ الاكتفاء بها؛ لأنّها مصداق حقيقي للأذان، ودعوى أنّ الحكاية ليست من الأذان؛ لأنّ المؤذِّن يقصد معاني الفصول والحاكي يقصد لفظ الفصول، فيها: أنّ التعبير بالحكاية إنّما كان في كلمات الأصحاب، وأمّا النصوص فإنّما اشتملت على أن يقول مثلما يقول المؤذِّن، وفسّرها بذلك الأصحاب، والظاهر إرادتهم معنى الفصول، كما يظهر ذلك ممّا ورد أنّه ذِكر الله تعالى لكن في ظهور نصوص الحكاية لكونها أذاناً بقصد المتابعة، نظير صلاة المأموم تأمّلاً أو منعاً، بل الظاهر منها أنّ استحبابها من باب الذِكر فلاحظ، ولو سُلِّم لم يناسب قوله (رحمه الله) - ماتن العروة - (له أن يكتفي...)، الظاهر في الرخصة، مضافاً إلى أنّه ينبغي تخصيص الاكتفاء بصورة حكاية جميع الفصول من دون تبديل بالحوقلة، فلاحظ) (1).

أقول: ما أفاده (قدِّس سرّه) متين في تحليل ماهيّة الحكاية للأذان، وأنّ ما عدى الحوقلة مطابق لمتن ما في فصول الأذان.

____________________

(1) المستمسك: ج5، ص575.

١٨٥

الطائفةُ السابعة

الروايات المتضمّنة لندبيّة أسمائهم (عليهم السلام) في الصلاة بوصف الإمامة والولاية

ومجمل التقريب بهذه الطائفة من الروايات التي هي على ألسن متعدّدة، وكلّها متضمّن للأمر الخاص بذكر الشهادة الثالثة بصيَغ معيّنة: إمّا بنحو الندب الخاص في مطلق الصلاة كما في اللسان الأوّل، أو في خصوص دعاء التوجّه كما في اللسان الثالث، أو في خصوص التشهّد، أو الصلاة التي فيه على النبي وآله، أو في التسليم كما في اللسان الرابع، أو الأمر بصيغة من صيَغ الشهادة الثالثة بنحو العزيمة كما في اللسان الثاني في خطبتي صلاة الجمعة.

ويتحصّل من مجموعها - كما سيأتي تفصيل مفاد كلّ واحد منها -: أنّ الشهادة الثالثة من الأذكار الخاصّة في الصلاة وتوابعها، وأنّ اقترانها بالشهادتين من الكيفيّة الراجحة بالخصوص في مطلق الصلاة، فجملة لسان هذه الأدلّة شامل للأذان والإقامة، لاسيّما وأنّ الإقامة كما في الحديث (1) من الصلاة، وفي صحيح (2) زرارة: (إذا أُقيمت الصلاة حرُمَ الكلام...) الحديث، وإن كانت بمعنى شدّة الكراهة فيستفاد منها الرجحان الخاص في الصلاة والورود الخاص، أي الجزء الندبي فضلاً عن استفادة الإشعار الخاص بخصوص الشهادات الثلاث في الأذان والإقامة منها، الروايات على عدّة ألسن:

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: باب 10، ح1.

(2) أبواب الأذان والإقامة: باب 10، ح12.

١٨٦

اللسانُ الأوّل: الروايات الواردة بذكر أسمائهم في الصلاة

الروايةُ الأولى: ما ورد في صحيح الحلبي الذي رواه كلّ من الصدوق (1) ، والشيخ (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال له: أسمّي الأئمّة في الصلاة؟ فقال: (أجمِلهم) (3).

قال المجلسي في ملاذ الأخبار (4): أي اذكُرهم مُجملاً كأئمّة المسلمين مثلاً، ولعلّه اتقاءً وإبقاءً عليهم وقيل: أي اذكرهم بالجميل، والأوّل أظهر.

وقال المجلسي الأوّل في روضة المتّقين في شرح الحديث الذي أورده الصدوق في الفقيه: (أي اذكُره مُجملاً كالأئمّة الطاهرين، أو الراشدين المهديّين، والظاهر أنّه للتقيّة وإن كان الأحوط الإجمال، وفسّره بعضٌ بوصفهم بالجميل) (5) .

وقد أفتى بمضمونه العلاّمة الحلّي في المنتهى (6)، حيث جَعل ذِكر أسمائهم في الصلاة من أذكار الصلاة، واستثناه من الكلام المبطل في الصلاة حيث قال: (المطلب الثاني عشر: لا بأس بأصناف الكلام الذي يُناجي به الربّ تعالى، لمَا رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار، قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي ربّه؟ قال: (نعم)،

____________________

(1) الفقيه: ج1، ص493، ح14، 15، و ج1، ص317، ح938، طبعة قم.

(2) التهذيب: ج2، ص313، ح506، ج2، ص326، ح1338.

(3) الوسائل: أبواب القنوت، باب 14، ح1.

(4) ملاذ الأخبار: ج4، ص499.

(5) روضة المتّقين: ج2، ص349.

(6) منتهى المطلب: ج5، ص292، طبعة الأستانة الرضويّة.

١٨٧

وقال: وعن الحلَبي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) أسمّي الأئمّة (عليهم السلام) في الصلاة؟ قال: (أجمِلهم)، ومن هذا الباب كلّ ذِكر يُقصد به تنبيه غيره).

الروايةُ الثانية: وفي صحيح آخر للحلَبي رواه الشيخ الطوسي (1) ، قال في قنوت الجمعة: (اللهمّ صلِّ على وعلى أئمّة المؤمنين [ المسلمين ]، اللهمّ اجعلني ممّن خَلقتهُ لدينك وممّن خَلقته لجنّتك، قلتُ: أسمّي الأئمّة؟ قال: سمِّهم جملةً).

وذيل هذه الرواية الثانية وإن احتُمل حمله على خصوص القنوت في أثناء وضمن صلاة الجمعة، إلاّ أنّه يُحتمل الإطلاق كما في الصحيح السابق.

والظاهر من الصدوق: الإفتاء بالصحيح السابق، حيث أورده في باب قنوت صلاة الوتر وباب القنوت في الصلاة، وقد أوردنا مبسوط كلامه في المدخل عند استعراض فتاوى الأعلام (2) في الشهادة الثالثة، وكذلك أفتى بمضمون صحيح الحَلَبي الشيخ المفيد (3) ، وبَسَط أسماء الأئمّة (عليهم السلام) واحداً واحداً في قنوت صلاة الوتر، وقد مرّ في المدخل (4) استعراض مبسوط فتواه، وكذلك أفتى الشيخ الطوسي به حيث أورده في موضعين من التهذيب:

____________________

(1) التهذيب: ج3، ص18، ح63، الوسائل: أبواب القنوت، باب 14، ح2.

(2) المدخل: ص54 وما بعدها.

(3) المقنعة: ص125 - 126 - 13، طبعة قم، جامعة المدرّسين.

(4) المدخل: ص64.

١٨٨

أحدهما : (1) في باب كيفيّة الصلاة وصفتها. والثاني : (2) في باب دعاء قنوت الوتر، وقد بسطنا نقل كلامه في المدخل عند استعراض فتاوى الأعلام فلاحظ.

وكذلك أفتى المحقِّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان بمضمون صحيح الحَلَبي الثاني، وقد تعرّضنا في المدخل لنقل عبارته بتمامها، فلاحظ.

كما أفتى المحقِّق النراقي في المستند بمضمون صحيحة الحلَبي الأوّل، وقد تقدّم في المدخل نَقل عبارته بتمامها، والذي يتحصّل من فتاوى الأصحاب بمضمون الصحيحين أربع وجوه في تفسير الصحيحين المتقدّمين:

الوجهُ الأوّل: ما ذهبَ إليه العلاّمة في المنتهى من تفسير الصلاة بمجموع الأركان، وإنّ ذِكر أسماء الأئمّة (عليهم السلام) فيها من أذكار الصلاة.

الوجهُ الثاني: ما ذهب إليه الصدوق والمفيد (قدِّس سرّهما) من تفسير الصلاة بالصلاة على النبيّ والأئمّة: إمّا في قنوت الصلاة مطلقاً، أو في قنوت صلاة الوتر.

الوجهُ الثالث: ما ذهبَ إليه المقدّس الأردبيلي، حيث فسّر الصلاة بالصلاة على أئمّة المؤمنين، وتسميتهم في قنوت صلاة الجمعة، أي: أثناء ركعتي صلاة الجمعة.

الوجهُ الرابع: ما ذهبَ إليه المحقِّق النراقي في المستند من تفسير الصلاة بالصلاة على الأئمّة، وتسميتهم في تشهّد الصلاة، ولا يخفى أنّ هذه الاحتمالات الأربعة كلّها متّفقة على أنّ ذِكر أسماء الأئمّة ووصفهم بالإمامة في الصلاة، هو من الأذكار الخاصّة في الصلاة، والذي هو نوع ونحو من الشهادة الثالثة في أثناء الصلاة.

____________________

(1) التهذيب: ج2، ص131، ح506.

(2) التهذيب: ج2، ص326، ح1338.

١٨٩

وممّا يدعم فتوى الأصحاب بمضمون الصحيحين المتقدّمين:

الروايةُ الثالثة: موثّق أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما اجتمعَ قوم في مجلس لم يذكروا الله عزّ وجل ولم يذكرونا، إلاّ كان ذلك المجلس حسرةً عليهم يوم القيامة، ثُمّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ ذِكرنا من ذِكر الله، وذِكر عدوّنا من ذِكر الشيطان) (1) .

الروايةُ الرابعة: ومثلها رواية علي بن أبي حمزة (2).

الروايةُ الخامسة: صحيحة الحلَبي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (كلّما ذَكرتَ الله عزّ وجل والنبيّ صلّى الله عليه وآله فهو من الصلاة) (3).

وبضميمة صحيحة الحَلَبي إلى موثّق أبي بصير، ورواية علي بن أبي حمزة، يُستنتج عين مفاد الصحيحين الأوّليين من أنّ ذِكر أسمائهم في الصلاة بوصف الإمامة والولاية - وهي صيغة من صيغ الشهادة الثالثة - هو من أذكار الصلاة.

____________________

(1) أبواب الذكر من الوسائل: باب 3، حديث 3، الكافي: المجلّد 2، ص496، ح2.

(2) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب تذاكر الإخوان، ح1، ص186.

(3) الوسائل: ج6، الباب 20 من أبواب الركوع، الحديث 4، الكافي: ج3، ص337، ح6، والتهذيب: ج2، ص316، الحديث 1293 بإسناده عن الحسين بن سعيد، وفي موضع آخر من الوسائل، أبواب التسليم، أبواب قواطع الصلاة، باب 13، حديث 2.

١٩٠

اللسانُ الثاني: الروايات الواردة بذِكر أسمائهم في خطبة صلاة الجمعة

وممّا وردَ بهذا المضمون ويُعد ويندرج في هذه الطائفة، الروايات الواردة في ذِكر أسمائهم وبوصف الإمامة في خطبة صلاة الجمعة، وفيه عدّة روايات:

الروايةُ الأُولى: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في خطبة يوم الجمعة، وذَكرَ خطبة مشتملة على حمد الله والثناء عليه، والوصيّة بتقوى الله والوعظ، إلى أن قال: (واقرأ سورة من القرآن، وادعُ ربّك وصلِّ على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وادعُ للمؤمنين والمؤمنات، ثُمّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة، ثُمّ تقوم وتقول، وذَكرَ الخطبة الثانية - وهي مشتملة على حمد الله والثناء عليه، والوصيّة بتقوى الله والصلاة على محمد وآله، والأمر بتسمية الأئمّة (عليهم السلام) إلى آخرهم، والدعاء بتعجيل الفرج - إلى أن قال: ويكون آخر كلامه ( إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) ) الآية (1) .

الروايةُ الثانية: موثّقة سُماعة، قال أبو عبد الله (عليه السلام): (يَخطب - يعني إمام الجمعة - وهو قائم، يحمد الله ويثني عليه، ثُمّ يوصي بتقوى الله، ثُمّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة، ثُمّ يجلس، ثُمّ يقوم فيحمد الله ويثني عليه، ويصلّي على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى أئمّة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا فرغَ من هذا أقام المؤذِّن، فصلّى بالناس ركعتين: يقرأ في الأولى بسورة الجمعة، وفي الثانية بسورة المنافقين) (2).

الروايةُ الثالثة: صحيحة الحَلَبي، قال في قنوت الجمعة: (اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى أئمّة المؤمنين، اللهمّ اجعلني ممّن خلقته لدينك، وممّن خلقتهُ لجنّتك، قلتُ: أسمّي الأئمّة؟ قال: سمِّهم جملةً) (3).

____________________

(1) أبواب صلاة الجمعة وآدابها: الباب 25، الحديث 1.

(2) أبواب صلاة الجمعة وآدابها: الباب 25، الحديث 2.

(3) أبواب القنوت: الباب 14، ح2.

١٩١

خطبةُ صلاة الجمعة واستبعادات الأعلام

تتضمّن خطبة الجمعة للإمام التي هي عوض ركعتي الظهر، والتي هي شرط في ركعتي صلاة الجمعة، بل هي من الأجزاء الواجبة لأسماء الأئمّة (عليهم السلام)، ففي مفتاح الكرامة قال:

(وفي الجعفريّة، وكشف الالتباس، وحاشية الإرشاد وجوب الصلاة فيهما على أئمّة المسلمين، وفي فوائد الشرائع أنّه أولى واعتمدَ في المدارك والشافية على صحيح محمد الطويل، وظاهر الدروس أو صريحها أنّ الصلاة على أئمّة المسلمين من وظائف الثانية كالنافع والمعتبر، وكأنّه مالَ إليه في إرشاد الجعفريّات، وفي موضعٍ من السرائر والمنقول عن مصباح السيّد أنّه يدعو لأئمّة المسلمين في الثانية، وظاهر النهاية أنّه يدعو لأئمّة المسلمين، وقد تضمّنت صحيحة محمّد بن مسلم الأمرَ بذِكر أسماءهم (عليهم السلام)) (1).

وقال في جواهر الكلام: (لكنّ ظاهره (الموثّق)، وظاهر صحيحة ابن مسلم إيجاب الصلاة على الأئمّة في الثانية، بل في الثاني منهما ذكرهم (عليهم السلام) تفصيلاً، فمقتضى الجمع بين النصوص ذلك فيهما معاً، إلاّ أنّ ندرة الفتوى بها وما سمعتهُ من إجماع الشيخ وغيره على الاجتزاء بدونه، وسَوق النصوص للأعم من الواجب والمندوب، ونحو ذلك ممّا لا يخفى يمنع من الجزم بالوجوب وإن كان الوجوب في الجملة ظاهر ما سمعته في مصباح السيّد، ونهاية الشيخ، والنافع، والمعتبر وغيرها، بل ربّما استَظهر من موضع من السرائر، إلاّ أنّه استظهرَ منه الندب؛ لحصر الواجب في الخطبة في أربع أصناف) (2).

____________________

(1) مفتاح الكرامة: ج3، ص114.

(2) جواهر الكلام: صلاة الجمعة.

١٩٢

أقول: والحاصل أنّ مشروعيّة ذِكر أسماء الأئمّة ورجحانه بالخصوص في خطبة الجمعة لا خلاف فيه، والخطبة - كما مرّ - عِوض الركعتين وبمنزلة الجزء المقدّم على ركعتي صلاة الجمعة، فهي أدخل في الصلاة من الأذان والإقامة، وقد تضمّنت لكلّ من الشهادات الثلاث، وإن كانت بصورة الحمد لله والثناء والصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالتوصيف والصلاة على الأئمّة بوصف الإمامة، لاسيّما وأنّه قد أُمر ندباً ووجوباً بذِكر أسمائهم بالتفصيل، كما في صحيح محمّد بن مسلم ومجموعاً في موثّق سُماعة.

وهذا التشريع الخاصّ بذكرهم (عليهم السلام) في خطبة الجمعة، يدفع كثيراً من الاستبعادات والإشكاليّات التي ذَكرها جماعة: من أنّ صورة الأذان لو كانت متضمّنة للشهادة الثالثة على عهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتوفّرت الدواعي لنقلها، ونحوه ممّا ذُكر في استبعاد تضمّن الأذان للشهادة الثالثة كفصل؛ فإنّ هذه الاستبعادات بعينها تتأتّى في خطبة صلاة الجمعة، وليس من وجه في الجواب إلاّ تدريجيّة التشريع وبيان الأحكام، ولو بسبب عدم استجابة الناس وتقبّلهم لذلك، كما في إبلاغ أصل الولاية بنحو عام لكلّ المسلمين كما في واقعة غدير خم، حيث كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخشى تمرّد المنافقين، فَطمئنهُ الله تعالى ( وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

أمّا صحيحة الحَلَبي: فيظهر من عنوان باب الوسائل استحباب ذِكر أسماء الأئمّة (عليهم السلام) في القنوت وغيره في الصلاة، لا خصوص التشهّد فضلاً عن خصوص الصلاة في التشهّد.

١٩٣

قد يقال: بوحدة الرواية الواردة في قنوت صلاة الجمعة والرواية المطلقة في الصلاة، فهي من باب اتّحاد الراوي والمروّي، ولكن الذي يُبعّده إطلاق رواية الحَلَبي الأولى - وظهورها وظاهر متنها - عدم التقطيع، ومن ثَمّ أوردها الصدوق في موردَين لا ربْطَ لهما بصلاة الجمعة، وهو القنوت في مطلق الصلاة والقنوت في صلاة الوتر، ولو كانت متضمّنة لتسميتهم في قنوت الجمعة لأوردها في باب صلاة الجمعة، ومن ثُمّ أوردها الشيخ في موضعين في باب كيفيّة الصلاة وصفتها أي: مطلق طبيعي الصلاة، وأوردَ في موضع ثالث في صلاة الجمعة الرواية الثانية هذه.

مع أنّه لو كان السؤال عن خصوص الصلاة عليهم في القنوت يوم الجمعة، لكان الأَولى في تعبير السائل: (أصَلِّي على الأئمّة بأسمائهم؟)، هذا مع أنّ تسميتهم في قنوت صلاة الجمعة أيضاً دالٌ على نفس المؤدّى، من جواز ذِكرهم في الصلاة؛ لأنّ فرض السؤال في الرواية الثانية ليس عن ذِكرهم في خطبَتَي الجمعة، بل عن القنوت في صلاة الجمعة، وهو داخل الصلاة على كلّ حال.

ويظهر من كلام الشيخ في التهذيب: الاعتماد على مفاد الرواية الأولى في مطلق الصلاة، وهذا يؤكّد ويُعزِّز تعدّد الرواية، ثُمّ إنّه هل المراد من الصلاة في الرواية الأولى خصوص التشهّد (أي: الصلاة عليهم في التشهّد)، كما استظهرهُ المراد التفريشي في حاشيته على الفقيه، أو في مطلق الصلاة كما قد يُشعر به كلام المجلسيين، وصريح كلام الوسائل، أو خصوص القنوت كما يظهر من الصدوق في الفقيه، والشيخ في التهذيب، وهل أنّ الأمر بالإجمال عزيمةٌ، أو للتقيّة، أو أنّه الأَولى كما يظهر من الصدوق والشيخ؟

وفي صحيح محمّد بن مسلم (1) الوارد في كيفيّة خطبة الجمعة، مشتمل على الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى الأئمّة بذكر أسمائهم بالتفصيل.

____________________

(1) أبواب صلاة الجمعة: الباب 25، ح1.

١٩٤

وكما مرّ في موثّق سُماعة (1) الواردة في ذلك أيضاً: (ويصلّي على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى أئمّة المسلمين)، وهما وإن كانا واردَين في خُطبتي صلاة الجمعة لا في قنوت الجمعة، إلاّ أنّ خُطبتي الجمعة هما بدل عن الركعتين في أربع الظهر، وهما شرط أو جزء من صلاة الجمعة.

وعلى أيّ تقدير يُفهم منهما عدم العزيمة في الأمر بالإجمال بأسماء الأئمّة، وبالتالي مشروعيّة ذِكر أسماءهم بالتفصيل، وعلى تقدير العزيمة فأيضاً يستفاد مشروعيّة ذِكر أسمائهم بصورة الإجمال في الصلاة وتوابعها كالقنوت، والأذان والإقامة أَولَى بالتبعيّة للصلاة من القنوت، ولاسيّما الإقامة، فقد ورد في رواياتها أنّه في الصلاة.

وقال العلاّمة في منتهى المطلب (2) ، المطلب الثاني عشر: (لا بأس بأصناف الكلام الذي يُناجي بها الربّ تعالى؛ لمَا رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي ربّه؟ قال: (نعم)، وعن الحَلَبي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) أسمّي الأئمّة (عليهم السلام) في الصلاة؟ قال: (أجمِلهم)).

ويظهر منه عموم مشروعيّة ذِكر أسماءهم بالإجمال في أجزاء الصلاة، كما هو الحال في الدعاء، نظير ما تقدّم استظهاره من عبارة الشيخ في التهذيب.

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: باب 13، ح9، ح10.

(2) منتهى المطلب: ج1، ص310، طبعة قم.

١٩٥

وقال النراقي في المستند (1) - في معرض استدلاله على الصلاة على النبيّ وآله في التشهّد في الصلاة -: ويستفاد من الروايتين الأولى والأخيرة وجوب إضافة الآل أيضاً، كما عليه الإجماعات المحكيّة وتدلّ عليه،... ثُمّ ذَكر صحيحة القدّاح وقال: وصحيحة الحَلَبي (أسمّي الأئمّة في الصلاة؟ قال: (أجمِلهم))، الأمرُ دلّ على الوجوب، ولا وجوب في غير موضع النزاع بالإجماع، ويظهر من كلام النراقي: أنّه استظهرَ انطباق الرواية على الصلاة على النبيّ وآله في التشهّد، وهذا الاستظهار يدعم مفاد الرواية على العموم في أجزاء الصلاة.

فيتحصّل من كلام الشيخ في التهذيب، والنراقي في المستند: أنّ ذِكر أسماءهم بالصلاة عليهم، أو التشهّد بولايتهم في الصلاة، نظير المناجاة والدعاء في الصلاة، أي أنّه من الأذكار الصلاتيّة الخارجة عن الكلام المبطل للصلاة، وبالتالي فيعمّ توابع الصلاة أيضاً من الأذان والإقامة، غاية الأمر يكون من الأذكار المستحبّة في الصلاة، بل إنّ ذلك يظهر من الصدوق أيضاً، حيث بنى على رجحان ذِكرهم في قنوت الصلاة، وكذلك يظهر من عبارة المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة (2) ، وإن ذَكر الرواية واستشهد بها في خصوص قنوت الجمعة.

والوجه في هذا الاستظهار من كلام الشيخ في التهذيب في موضع آخر - أي استظهار بنائهم على كونه من أذكار الصلاة مطلقاً المستثناة من الكلام المبطل في الصلاة -: هو أنّ ذِكرهم في قنوت الجمعة، أو قنوت مطلق الصلاة، أو صلاة الوتر.

____________________

(1) المستند: ج5، ص331 - 332.

(2) مجمع الفائدة والبرهان: ج2، ص392 - 393.

١٩٦

ثُمّ إنّ القنوت كونٌ صلاتي، فلو أتى المصلّي بأحد مبطلات الصلاة في أثنائها؛ فإنّ ذلك يوجب بطلان الصلاة، فلو بَنينا على أنّ القنوت ليس جزءاً مستحبّاً في الصلاة وأنّه مستحب مستقل ظرفه الصلاة، فإنّ ذلك لا يضرّ بالاستدلال لمَا عرفتَ من أنّ ظرفهُ الكون الصلاتي، هذا فضلاً عمّا لو بُني على أنّه جزء مستحبٌ كما هو مسلك المشهور المنصور، وعلى ذلك فما يُشرّع ذكرهُ في القنوت - أيّ قنوت، أيّ صلاة، ولو صلاة الجمعة (دون خطبتي صلاة الجمعة) - لابدّ أن يكون من الأذكار المساغة بحسب طبيعتها في مطلق طبيعي الصلاة، وإلاّ لكان الإتيان به في القنوت موجِب للكلام الآدمي المبطل للصلاة.

فيتبيّن من ذلك: أنّ رواية الحَلَبي الثانية المتقدّمة - والواردة في خصوص قنوت الجمعة (لا خُطبتي الجمعة) أيضاً - يمكن الاستدلال بها على المطلوب، وهو كون ذِكر أسمائهم (عليهم السلام) سواء بالشهادة بولايتهم أو الصلاة عليهم، من الأذكار الخاصّة بالصلاة.

فتحصّل من ذلك: أنّ ذِكرهم (عليهم السلام) في الصلاة بالصلاة عليهم أو بالتشهّد بولايتهم، من الأذكار الراجحة بالدليل الخاص في باب الصلاة، ومنه يستفاد مشروعيّة الشهادة الثالثة في تشهّد الصلاة، كما سيأتي البحث عن ذلك في القسم الثاني من الكتاب.

ثُمّ إنّه يَدعم ما ذهبَ إليه العلاّمة في المنتهى صريحاً وغيره، ظاهراً من كون ذكرهم (عليهم السلام) من أذكار الصلاة، ما استدلّ به جمهرة (1) من أعلام العصر، وذهبوا إليه من أنّ ذِكر الأئمّة (عليهم السلام) ذِكر لله عزّ وجل، كرواية وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما اجتمعَ في مجلس قوم لم يذكروا الله عزّ وجل ولم يذكرونا، إلاّ كان ذلك المجلس حسرةً عليهم يوم القيامة، ثُمّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ ذِكرنا من ذِكر الله، وذِكر عدوّنا من ذِكر الشيطان) (2) .

____________________

(1) رسالة سرّ الإيمان للسيّد عبد الرزّاق المقرم: ص78.

(2) الوسائل: أبواب الذكر، باب 3، حديث 3، الكافي: ج2، ص496.

١٩٧

وروى الحَلَبي عن الصادق (عليه السلام) قال: (كلّما ذَكرتَ الله والنبيّ فهو من الصلاة، فإن قلتَ: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد انصرفتَ) (1).

اللسانُ الثالث: الروايات الواردة المتضمّنة للشهادة الثالثة في دعاء التوجّه

ما ورد من الروايات المتضمّنة للشهادة الثالثة في دعاء التوجّه وفي عدّة روايات، وهي على صيغتين:

1 - ما وردَ في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام:

أ - ما رواه الصدوق في كتابه المقنع في أبواب الصلاة قال: (ثُمّ كبِّر تكبيرتين، وقل: وجّهتُ وجهي للذي فَطر السموات والأرض، عالِم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم على ملّة إبراهيم، ودين محمّد صلّى الله عليه وآله، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حنيفاً مسلماً....) الحديث (2)، بل رواه في الفقيه أيضاً.

ب - ورواه المفيد (3) في كتابه المقنعة وأفتى به، وكذا الشيخ الطوسي رواه في كتابه الاقتصاد (4) وأفتى به.

____________________

(1) عوالي اللآلي: ج2، ص42، ح104.

(2) المُقنع: ص93، طبع قم، مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السلام). الفقيه: 1/ ص304، ح916، في باب وصف الصلاة.

(3) المقنعة: ص13 - 104، طبعة قم، جماعة المدرّسين.

(4) الاقتصاد: ص260 - 261، منشورات جامع جهلستون.

١٩٨

ج - ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، أنّه كتبَ إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن التوجّه للصلاة يقول: على ملّة إبراهيم ودين محمّد؟ فإنّ بعض أصحابنا ذَكر أنّه إذا قال: على دين محمّد، فقد أبدعَ؛ لأنّه لم نجده في شيء من كُتب الصلاة، خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمد عن جدّه، عن الحسن بن راشد أنّ الصادق (عليه السلام) قال للحسن: (كيف تتوجّه؟ فقال: أقول: لبيّك وسعديك، فقال له الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا أسألك، كيف تقول: وجّهتُ وجهي للذي فطرَ السماوات والأرض حنيفاً مسلماً؟ قال الحسن: أقوله، فقال الصادق (عليه السلام): إذا قلتَ ذلك فقل: على ملّة إبراهيم (عليه السلام)، ودين محمّد، ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمّد حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين).

فأجاب (عليه السلام): التوجّه كلّه ليس بفريضة، والسنّة المؤكّدة فيه التي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: (وجّهت وجهي للذي فطرَ السماوات والأرض، حنيفاً مسلماً على ملّة إبراهيم، ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهدى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين) (1).

____________________

(1) وسائل الشيعة: أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح، الباب 8، ح3.

١٩٩

و - ما رواه السيّد ابن طاووس عن كتاب ابن خانبه (قال: ويقول بعد ثلاث تكبيرات من تكبيرات الافتتاح.... ثُمّ يكبِّر تكبيرتين، ويقول.... ثُمّ تكبيرتين أخريين ويقول: (وجهتُ وجهيَ للذي فطر السموات والأرض) على ملّة إبراهيم، ودين محمّد، ومنهاج علي صلواتك عليهم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) (1).

ورواه أيضاً الميرزا النوري في مستدركه (2).

ن - وكذا ما روي في كتاب فقه الرضا (3) (عليه السلام): (ثُمّ تكبِّر مع التوجّه ثلاث تكبيرات، ثُمّ تقول.... ثُمّ تكبّر تكبيرتين وتقول... ثُمّ تكبِّر تكبيرتين وتقول: (وجّهتُ وجهيَ للذي فطرَ السموات والأرض، حنيفاً مسلماً على ملّة إبراهيم، ودين محمّد، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم.... لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمّ تقرأ الحمد).

هـ - ما رواه الصدوق أيضاً في الفقيه عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: قال الصادق (عليه السلام): (وقل:

____________________

(1) فلاح السائل: ص132، طبعة دفتر تبليغات إسلامي.

(2) المستدرك: ج4، ص141، الباب 6 من أبواب تكبيرات الإحرام.

(3) فقه الرضا: ص104، باب الصلوات المفروضة، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام).

٢٠٠