الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 100955
تحميل: 5502

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100955 / تحميل: 5502
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نعم، المجيء بهذا الفرد - من الشهادة الثالثة المُقارن للأذان بعد تحقّقه فيما سبق - يكون من باب تكرير السبب، ومنه يتّضح أنّ المشهور القائل بالجواز للشهادة الثالثة في الأذان، وأنّها من أحكام الإيمان أي: راجحة لسببيّتها للإيمان، والإيمان لديهم شرط في الصحّة، فلا محالة يستلزم ذلك القول منهم بأنّها راجحة ندبيّة بالخصوص في الصحّة على أقلّ تقدير، وكذلك الحال عند مَن قال بأنّ الإيمان شرط في القبول.

وببيانٍ رابع: إنّ مقتضى قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (1) : هو أنّ الشهادة الثالثة مُكمّلة للشهادتين، كما أنّ مقتضى اشتراط الرضا والقبول للإسلام بالولاية في الآية هو اشتراط الولاية في الرضا والقبول بالصلاة، فالأذان الذي هو نداء للصلاة ودعوة إليها، وأنّها الفلاح، وأنّها خير العمل، إذا كانت مقرونة بالولاية وإلاّ فهي مردودة، كما لو كانت بلا توحيد ولا نبوّة فإنّها مردودة أيضاً، وسيأتي في الروايات ما يشير إلى ذلك.

ورويَ في تفسير العسكري (عليه السلام) قال: (وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ العبد إذا توضّأ فَغَسل وجههُ تناثرت ذنوب وجهه... وإن قال في آخر وضوئه، أو غسله من الجنابة: سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلاّ أنت، أستغفركَ وأتوبُ إليك، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأشهدُ أنّ عليّاً وليّك وخليفتك بعد نبيّك، وأنّ أوليائه خلفائك وأوصيائه...) (2) الحديث.

____________________

(1) المائدة: 3.

(2) تفسير الإمام العسكري: ص239، البحار: ج80، ص317.

٢٢١

أقول: وهذه الرواية صريحة في أنّ الإقرار بالولاية ضمن العبادات، يؤكّد شرط الصحّة، ويُعزِّز شرط القبول والكمال لها، والرواية واردة في كلّ من الوضوء والغسل، ويؤكّد مفادها الرواية التالية.

ورويَ في التفسير المنسوب إلى العسكري (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، لا يقبل الله تعالى صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول، وإنّ أعظمَ طهورُ الصلاة - التي لا تُقبل الصلاة إلاّ به، ولا شيئاً من الطاعات، مع فقده - موالاة محمّد وأنّه سيّد المرسلين، وموالاة علي وأنّه سيّد الوصيين، وموالاة أوليائهما ومعاداة أعدائهما) (1).

والموالاة والبراءة - كما تقدّم - وإن كانتا قلبيّة، إلاّ أنّ من درجاتهما النازلة اللازمة أيضاً، هو الإقرار والتولّي اللساني، والتبرّي اللساني.

وببيان خامس: إنّ الأذان المفروض فيه أنّه نداء للصلاة ودعوى لها، ليس هو لأجل الدخول في ظاهر الإسلام، وإن كان متضمّناً للإقرار بالإسلام، لذا فإن قُصرَ الإقرار بظاهر الإسلام فيه دون الإقرار بالإيمان، يلزم من ذلك أن تكون ماهيّة الأذان نداءً ودعوى لظاهر الإسلام، لا نداءً ودعوى للإيمان الذي هو واقع الإسلام، وقد مرّ في معتبرة الفضل بن شاذان في الطائفة الرابعة: أنّ ماهيّة الأذان ليس هي النداء للإسلام الظاهري، بل هو نداء الواقع وحقيقة الإسلام والإيمان.

هذا، مضافاً إلى أنّ العمل بالأركان ومنها الصلاة، ليست من أحكام ظاهر الإسلام، بل من أحكام الإيمان، إذ لظاهر الإسلام أحكام: كحقن الدم، وحُرمة المال والعَرض، ونحوها من أحكام التعايش في دار الدنيا، بخلاف الالتزام بالدين،

____________________

(1) تفسير الإمام العسكري: ص239، البحار: ج8، ص317.

٢٢٢

فإنّه من أحكام الإيمان نظير قوله تعالى: ( اتَّقُوا الله وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (1) ، فإنّه علّق الالتزام بترك الربا على الإيمان، ومثله قوله تعالى: ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ ) (2).

____________________

(1) البقرة: الآية 278.

(2) الأنعام: الآية 118.

٢٢٣

التذييلُ الأوّل

أقوال أرباب عِلم الدراية في الشاذ

1 - قال الشهيد الثاني في شرح البداية في علم الدراية - عند تقسيمه لأقسام الحديث وصفاته - في الشاذ: (الثاني عشر الشاذ: وهو ما رواه الثقة مخالفاً لمَا رواه الجمهور أي الأكثر، سُمّي شاذّاً باعتبار ما قابله، فإنّه مشهور، ثُمّ إن كان المخالِف له الراجح أحفَظ، أو أضبَط، أو أعدَل من راوي الشاذ، فشاذٌ مردود؛ لشذوذه ومرجوحيّته لفقد أحد الأوصاف الثلاث، وإن انعكسَ فكان الراوي للشاذ أحفظ للحديث، أو أضبط، أو أعدل من غيره من رواه مقابله، فلا يُرد؛ لأنّ في كلّ منهما صفة راجحة وصفة مرجوحة فيتعارضان فلا ترجيح، وكذا إن كان المُخالف، أو راوي الشاذ مثله أي: مثل الآخر في الحفظ والضبط والعدالة، فلا يُرد؛ لأنّ ما معه من الثقة يوجب قبوله ولا رجحان للآخر عليه من تلك الجهة.

ومنهم مَن ردّه مطلقاً؛ نظراً إلى شذوذه وقوّة الظن بصحّة جانب المشهور.

ومنهم مَن قَبَله مطلقاً؛ نظراً إلى كون راويه ثقة في الجملة، ولو كان راوي الشاذ المخالف لغيره غير ثقةٍ، فحديثه مُنكر مردود؛ لجمعه بين الشذوذ وعدم الثقة، ويقال لمقابلة المعروف، ومنهم مَن جَعلهما أي: الشاذ والمنكر مرادفين لمعنى الشاذ المذكور، وما ذكرناه من الفرق أضبط.

2 - قال والد الشيخ البهائي، الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي في كتابه (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار) (1) ، في تقسيم الحديث بحسب الصفات، قال:

____________________

(1) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: ص18.

٢٢٤

(الثالث عشر: الشاذ والنادر والمنكر، أمّا الشاذ والنادر: فهو عندنا وعند الشافعي ما خالفَ المشهور، وإن كان راويه ثقةً لا أن يروي ما يرويه غيره، وقد عَمل به بعضهم، كما اتّفق للشيخين في صحيحة زرارة في مَن دخل بالصلاة بتيمّم ثُمّ أحدثَ، أنّه: يتوضّأ حيث يُصيب الماء ويبني على الصلاة) (1) ، وإن خصّاها في حالة الحدث تأسيّاً، وأمّا المُنكر: فما خالفَ المشهور وكان راويه غير ثقة، وقد يُطلق (الشاذ) عندنا خاصّة على ما لم يَعمل بمضمونه العلماء، وإن صحّ إسناده ولم يعارضه غيره أو تكرّر.

وقال بعض العامّة: الشاذ ما ليس له إلاّ إسناد واحد تفرّد به ثقة أو غيره، وهو مُشكل؛ فإنّ أكثر أحاديثنا وأحاديثهم من هذا القبيل، ولم يُطلق عليها أحد اسم الشاذ.

3 - قال المامقاني في مقباس الهداية في استعراض الأقوال في العمل في الشاذ (أحدها: عدم ردّه.... ثانيها: ردّه مطلقاً؛ لأنّ نفس اشتهار الرواية من أسباب قوّة الظن بصدقها وسقوط مقابلها، مضافاً إلى تنصيص المعصوم (عليه السلام) بكون الشهرة مرجّحة، وأمْرهُ بردّ الشاذ النادر من دون استفصال.

ويمكن الجواب عن الأوّل: بمنع سببيّة الشهرة لقوّة الظن، حتّى في صورة كون الراوي الشاذ أحفظ، أو أضبط، أو أعدل، بل قد يقوى الظن حينئذٍ بصدق الشاذ، فالكليّة لا وجهَ لها، بل اللازم الإدارة مدار الرجحان في الموارد الجزئيّة.

وأمّا تنصيص المعصوم (عليه السلام) بردّ الشاذ، فمنصرف إلى غير صورة حصول الرجحان له، فتأمّل جيّداً) (2).

____________________

(1) التهذيب: ج1، ص205.

(2) مقباسُ الهداية: ص255.

٢٢٥

4 - وقال الملاّ علي كني في توضيح المقال: (إنّ المشهور قد يُطلق على ما اشتهرَ في الفتوى به وإن لم يَشتهر نقله، فكذا الشاذ قد يُطلق على ما يندر الفتوى به وإن اشتهرَ نقله، ومن هنا يظهر لو شملَ قوله (عليه السلام) - (خُذ بما اشتهرَ بين أصحابك) - ما اشتهرَ في النقل والفتوى أيضاً، فكذا الشاذ يشمل ما شذّ نقله من الفتوى به) (1).

وقال أيضاً: (وكيف كان، يقال لمقابله الذي هو المشهور المحفوظ، فإن كان راوي المحفوظ في كل مرتبة أحفظ، أو أضبط، أو أعدل من الراوي الشاذ، فذاك شاذ مردود، وإلاّ فلا يُرد بل يُرجّح) (2).

____________________

(1) توضيح المقال: ص271، طبعة دار الحديث، قم.

(2) المصدر السابق: ص271.

٢٢٦

التذييلُ الثاني

وفيه أمران:

1- الأمرُ الأوّل: الشاذ في كلام الشيخ الطوسي في كتابيه: التهذيب، والاستبصار

كتابُ التهذيب:

1- في التهذيب: باب الأحداث الموجِبة للطهارة، ج1، ص18:

قال الشيخ عن صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام)، المتضمّن للأمر بالوضوء في المذي قال (قدِّس سرّه): (وهذا خبر ضعيف شاذ، والذي يكشف عن ذلك....)، ثُمّ ذَكر خبر إسحاق بن عمّار النافي للوضوء، وفي هذا المورد استعملَ الشيخ الشاذ كوصف للمتن لا للضعف في الطريق؛ لمعارضته للروايات الأخرى.

2 - التهذيب: باب الحيض، ج1، ص15:

أوردَ الشيخ صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، المتضمّنة لكون أكثر الحيض ثمانية، ثُمّ قال: (فهذا الحديث شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل به، ولو صحّ كان معناه....)، ثُمّ ذَكر تأويلاً للرواية، وفي هذا المورد أيضاً استعمال الشاذ صفةً للمتن لا للطريق.

3 - التهذيب: باب المياه، ج1، ص218:

أوردَ الشيخ رواية عن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام)، المتضمّنة لجواز الوضوء بماء الورد، وليس في طريقها مَن يُتوقف فيه إلاّ سهل بن زياد، والأمرُ فيه سهل كما هو معروف،

٢٢٧

مع أنّ الشيخ عَمل بروايته في أبواب عديدة، ثُمّ قال الشيخ: (فهذا خبرٌ شاذ شديد الشذوذ، وإن تكرّر في الكُتب والأصول؛ فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) ولم يرويه غيره، وقد أجمَعتْ العصابة على ترك العمل بظاهره، وما يكون هذا حكمه لا يُعمل به)، وفي هذا المورد أيضاً استعملَ الشيخ الشاذ وصفاً لمتن الخبر لا لطريقه؛ لكونه مخالفاً لمضمون الروايات الأخرى ولإجماع الطائفة.

4 - ما قاله فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس، أمّا ما رواهُ محمّد بن محمّد بن أبي يحيى، عن أحمد بن محمد عن داود الصرمي، قال: سألتهُ عن الصلاة في الخز... الحديث: (فهذا حديث شاذ ما رواه غير داود الصرمي، ومع تفرّده بروايته تختلف ألفاظه؛ لأنّ في هذه الرواية.....)، فترى في هذا المقام وصَفَ الشيخ الحديث بالشذوذ؛ لتضمّن الحديث جواز الصلاة في وبر الأرانب، فلم يكن الطعن في السند، وداود الصرمي وإن لم يوثّق، ولكن لم يُطعن عليه، وقد روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وأخوه، وبنان، ومحمّد بن عيسى اليقطيني في طريق المشيخة في الصدوق، وهي قرائن على حُسن حاله، ج2، ص213، الحديث 833.

5 - ما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وساقَ الحديث الذي تضمّن تأخير المغرب الفائتة عن العشاء عند حضور وقت العِتمة فقال: (هذا الخبر شاذ، والأصل ما قدّمناه من أنّه إذا كان الوقت واسعاً ينبغي أن يبدأ بالفائتة)، فترى أنّ الشيخ أطلقَ وَصف الشاذ على الخبر الموثّق، ممّا يُعزِّز أنّ هذا الوصف وصف للمضمون لا للطريق، ج2، ص271، الحديث 1079.

6 - ما رواه الشيخ في الموثّق، عن عمّار بن موسى الساباطي، المتضمّن لعدم قضاء النافلة والفريضة في النهار، قال عنه: (فهذا خبر شاذ، لا يُعارَض به الأخبار التي قدّمناها مع مطابقتها لظاهر القرآن)، ج2، ص272، الحديث 1081.

٢٢٨

7 - ما رواه الشيخ بطريق الزيديّة المعروف، عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام)، عن علي (عليه السلام) المتضمّن لصحّة الصلاة بزيادة ركعة مع السجود لسجدتي السهو، فقال: (هذا خبر شاذ لا يُعمل عليه؛ لأنّا قد بيّنا أنّ مَن زاد في الصلاة وعَلمَ ذلك، يجب عليه استئناف الصلاة)، فترى الشيخ يصرِّح بأنّ علّة الشذوذ ليس ضُعف السند، بل مخالفة المضمون لمَا هو ثابت، ج2، ص350، الحديث 1449.

8 - ما رواه في الصحيح الأعلائي عن العلاء، حيث تضمّن عدم إعادة الصلاة لناسي النجاسة، قال: (فإنّه خبر شاذ لا يُعارض فيه الأقوال التي ذكرناها)، ج2، ص360، الحديث 1492.

9 - ما رواه في الصحيح عن عبد الرحمان العزرمي، أو الرزمي عن أبيه، المتضمّن لإعادة المأمومين في صلاة الجماعة إذا كان إمام الجماعة على غير طهر (قال: هذا خبر شاذ مخالف للأخبار كلّها، وما هذا حكمه لا يجب العمل به على أنّ فيه ما يبطله، وهو أنّ أمير المؤمنين أدّى فريضة على غير طهر ساهياً عن ذلك، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته).

10 - الباب 24، وهناك موارد عديدة في كتابه التهذيب يستطيع المتتبّع ملاحظتها، ونورد قائمة لجملة منها:

التهذيب: ج3 ص235، ج4 ص273، ج6 ص254، ج6 ص256، ج7 ص253، ج7 ص278، ج7 ص318، ج9 ص253، ج7 ص278، ج7 ص318، ج9 ص119، ج9 ص345، ج10 ص73، ج10 ص92، ج10 ص96.

٢٢٩

كتابُ الاستبصار:

1 - وفي الاستبصار روى الشيخ في المصحّح عن يونس، جواز الاغتسال والوضوء بماء الورد، فقال: (فهذا خبر شاذ شديد الشذوذ وإن تكرّر في الكُتب؛ فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) ولم يرويه غيره، وقد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره، وما يكون هذا حكمه لا يُعمل به، ولو ثبتَ لاحتُمل أن يكون المراد بالوضوء في الخبر التحسين، وقد بيّنا ذلك في كتاب تهذيب الأحكام، إلى أن قال: ويحتمل أن يكون المراد بالماء الورد، الماء الذي وقعَ فيه الورد؛ لأنّ ذاك الذي يسمّى الورد وإن لم يكن مُعتصراً منه).

فترى أنّ الخبر مع أنّه شاذ شديد الشذوذ، تكلّف الشيخ في توجيه مضمونه، ج1، الباب الخامس من أبواب المياه، ج2، ص14.

2 - وفي الاستبصار ما رواه في الموثّق عن إسحاق بن عمّار، المتضمّن لعدد نزح البئر من موت الدجاجة ومثلها، قال: (فلا ينافي ما قدّمناه؛ لأنّ هذا الخبر شاذ وما قدّمناه مطابق للأخبار كلّها، ولأنّا إذا عَملنا على تلك الأخبار نكون قد عَملنا على هذه الأخبار؛ لأنّها داخلة فيها، وإنْ عَملْنا على هذا الخبر، احتجنا أن نُسقط تلك جملة؛ ولأنّ العلم يحصل بزوال النجاسة مع العمل بتلك الأخبار، ولا يحصل مع العمل بهذا الخبر).

فترى أنّ الشيخ لا يمنع من العمل بالخبر الشاذ مطلقاً، بل فيما إذا امتنعَ العمل بكلّ منه وما يقابله أي: يمتنع الجمع في العمل، ويُعزِّز كون الشاذ حجّة في نفسه عند الشيخ بنحو الاقتضاء: أنّه يرتكز الترجيح بينه وبين ما يقابله الأخبار، إذ الترجيح فرع الحجيّة الاقتضائيّة في الطريق، ج1، ص38، الباب 2، أبواب حكم الآثار أو المياه ص38، ح9.

٢٣٠

3 - الباب 24 من أبواب المياه، ج3، ص45 في الاستبصار، ما رواه الشيخ في الصحيح عن كردويه (وهو حَسن الحال)، المتضمّنة لتقدير النزح عن البئر لسقوط بعض النجاسات فيها، قال: (فهذا خبر شاذ نادرٌ، وقد تكلّمنا عليه فيما تقدّم؛ لأنّه تضمّن ذِكر الخمر والنبيذ المسكر الذي يوجِب نزح جميع الماء، مضافاً إلى ذِكر الدم، وقد بيّنا الوجه فيه، ويمكن أن يُحمل فيما يتعلّق بقطرة دم أن نحمله على ضربٍ من الاستحباب، وما قدّمناه من الأخبار على الوجوب لئلاّ تتناقض الأخبار).

فترى أنّ الشيخ يتكلّف وجه الجمع بين الخبر الشاذ النادر وبقيّة الأخبار المعمول بها، ممّا يدلّ على أنّ الشاذ متّصف بالحجيّة الاقتضائيّة، غاية الأمر أنّه وصِفَ بالشذوذ بسبب المعارضة لأخبار كثيرة معمول بها، وهذا يوقفنا على تعريفٍ أدق وأعمق لمعنى الشاذ.

4 - الباب 57 من أبواب ما ينقص الوضوء وما لا ينقص ج5، ص96 من الاستبصار، ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطي، من تضمّنه إعادة الصلاة لترْك المسح بالماء لمَن مسّ الحديد، قال: (فالوجه في هذا الخبر أن نحملهُ على ضربٍ من الاستحباب دون الإيجاب؛ لأنّه خبر شاذ مخالف للأخبار الكثيرة، ما يجري هذا المجرى لا يُعمل عليه على ما بيّنا).

والتقريب في هذا الكلام ما سبق.

واليك قائمة بموارد استعمال الشاذ في الاستبصار لمزيد الاطلاع.

5 - 14ص22، ج1 ح2، ج1 ص289 ح8، ج2 ص83 ح، ج3 ص161 ح7، ج4 ص239 ح9، ج1 ص288 ح6، ج1 ص367 ح2، ج3 ص59 ح6، ج 3 ص198 ح23، ج4 ص233 ح2.

٢٣١

الأمرُ الثاني: كلامُ الشيخ المفيد

وفيه عدّة أمور:

الأوّل: إنّ الشاذ قد توصَف به مجموعة من الأحاديث، أي: أنّ مجموع جملتها يوجِب الوثوق بالصدور، وإن لم يوجِب الاستفاضة، إلاّ أنّها مع ذلك توصَف بالشذوذ من جهة مضمونها.

الثاني: إنّ الشيخ الصدوق وإن ذَكر حديثاً مع حذف إسناده، إلاّ أنّ مُعوله ومُعتمده - كما نبّه على ذلك الشيخ المفيد - هو على جملة أحاديث شاذّة لا على خصوص الحديث المفرد الذي ذكرهُ.

الثالث: إنّ الصدوق يعمل بالأخبار الشاذّة في نظر الشيخ المفيد.

الرابع: إنّ الأحاديث الشاذّة قابلة للحمل والتوجيه والتصوير بما يلائم بقيّة الأخبار، فينتهي ذلك إلى العمل بها.

الخامس: إنّ الأخبار الشواذ لا تُنافي وصف إسنادها بالصحّة والثبوت.

1 - ما ورد في شرح اعتقادات الصدوق في بحث القضاء والقدر (فصل، قال الشيخ أبو جعفر في القضاء والقدر: والكلام في القدر منهي عنه)، وروى حديثاً لم يَذكر له إسناداً، قال الشيخ المفيد: (عَمل أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذ، لها وجوه يعرفها العلماء، متى صحّت وثبتَ إسنادها ولم يقل فيه قولا محصّلاً) (1).

2 - قال الصدوق في تصحيح الاعتقاد في نزول الوحي: (اعتقادنا في ذلك أنّ بين عَيني إسرافيل...) (2).

قال الشيخ المفيد: (أخذهُ أبو جعفر من شواذ الحديث، وفيه خلاف لمَا قدّمه من أنّ اللوح مَلَك من ملائكة الله تعالى).

____________________

(1) تصحيح اعتقادات الإماميّة للشيخ المفيد: ص54، طبعة دار المفيد، بيروت.

(2) المصدر السابق: ص120.

٢٣٢

وهذا موضع آخر عند الشيخ المفيد: أنّ الصدوق يعمل بالأخبار الشاذة، وفيه يتّضح أنّ العمل بالشاذ عندهم ليس ممتنعاً إذا وجَد العامل به لذلك وجهاً أو سبيلاً.

3 - قال المفيد في كتابه الإفصاح ص125: (فإن قالوا: كيف يصحّ إكفار أهل البصرة والشام؟ وقد سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: (إخواننا بَغوا علينا)، لم ينفي عنهم الإيمان، ولا حَكمَ عليهم بالشرك والاكفار قيل لهم: هذا خبرٌ شاذ لم يأتِ به التواتر من الأخبار، ولا أجمعَ على صحّته رواة الآثار، وقد قابله ما هو أشهر منه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأكثر نَقَلة وأوضح طريقاً في الإسناد:

وهو أنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين بالبصرة والناس مُصطفون للحرب، فقال له: علامَ تقاتل هؤلاء القوم يا أمير المؤمنين ونستحلّ دمائهم، وهم يشهدون شهادتنا ويُصلّون إلى قبلتنا؟ فتلا (عليه السلام) هذه الآية رافعاً بها صوته: ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) ، فقال الرجل حين سمعَ ذلك: كفّار وربّ الكعبة، وكسرَ جفن سيفه، ولم يزل يقاتل حتى قُتل.

وتظاهرَ الخبر عنه (عليه السلام) أنّه قال يوم البصرة: (والله، ما قوتلَ أهل هذه الآية حتّى اليوم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ).

4 - ما ذكرهُ المفيد (رحمه الله) في كتابه الفصول المختارة ص274، عندما أوردَ رواية استدلّ بها العامّة قال: (أوّل ما في هذا الكلام أنّ الأخبار لا تتقابل ويحكم ببعضها على بعض، حتّى تتساوى في الصفة، فيكون الظاهر المستفيض مقابلاً لمثله في الاستفاضة، والمتواتر مقابلاً لمثله من التواتر، والشاذ مقابلاً لمثله في الشذوذ، وما ذكرناه عن مولانا (عليه السلام) مستفيض قد تواتر به الخبر على التحقيق، وما ذكره هذا الرجل عنه (عليه السلام) من الحديثين.

٢٣٣

أحدهما: شاذ وارد من طريق الآحاد، غير مرضي الإسناد.

والآخر: ظاهر البطلان؛ لانقطاع إسناده وعدم وجوده في نقل معروف في الثقات، وليس يجوز المقابلة في مثل هذه الأخبار، بل الواجب إسقاط الظاهرَ منها الشاذ، وإبطال المتواتر ما ضادّه من الآحاد.

وها هنا استعملَ الشيخ المفيد في قبال المتواتر تارة، وأخرى بمعنى الشذوذ في المضمون، وقد غايرَ بين معنى الشاذ ومعنى ضعيف الإسناد، فَجَعلهما وَصفين متعدّدين لا وصفاً واحد لمعنى واحد.

وغيرها من الموارد من هذا القبيل، ولم يَطلق على الضعيف أحد اسم الشاذ.

5 - ما ذكرهُ الشيخ المفيد ردّاً على الشيخ الصدوق في رسالته (1) العدديّة في الردّ عليه، حيث اعتمدَ الصدوق الحديث النادر أو الشاذ لترادفهما في مسألة: (أنّ شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقص)، فقال (رحمه الله): إنّ النوادر هي التي لا عَمل عليها، أشار بذلك إلى رواية حذيفة، كما يكشف عن ذلك وعن ترادفهما، قول الشيخ في التهذيب في هذه المسألة أنّه: (لا يصلح العمل بحديث حذيفة؛ لأنّ متنها لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة، بل هو موجود في الشواذ من الأخبار ) (2).

____________________

(1) لاحظ مقباس الهداية: ج1، ص253.

(2) تهذيب الأحكام: ج4، ص169.

٢٣٤

الأمر الثالث: كلامُ السيّد ابن طاووس

قال السيّد ابن طاووس في فتح الأبواب ص287، طبعة آل البيت، بعدما نقل روايات استخارة ذات الرقاع تعرّض لمناقشة حول رواياتها في كتاب المقنعة فقال: (وهذا آخر ما تضمّنته نسخته المشار إليها، ولم يُذكر عن شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان طعناً عليها، وهي أقرب إلى التحقيق؛ لأنّ جدّي أبا جعفر الطوسي لمّا شرحَ المقنعة بتهذيب الأحكام، لم يَذكر عند ذكره لهذه الرواية أنّ المفيد طعن، وإنّما وجدنا بعض نِسخ المقنعة فيها زيادة، ولعلّها كانت من كلام غير المفيد على حاشية المقنعة فنقلها بعض الناسخين فصارت في الأصل، ونحن نذكر الزيادة في بعض نِسخ المقنعة ونجيب عنها، وهذا لفظ الزيادة:

(وهذه الرواية شاذّة، ليست كالذي تقدّم، لكنّا أوردناها على وجه الرخصة، دون تحقيق العمل بها)، هذا آخر ما وجدناه عنه في بعض نِسخ المقنعة رضي الله جلّ جلاله عنه وأرضاه.

أقول: اعتَبِر هذه الرواية واعتَبر ما قيّد به قوله (رحمه الله)، أنّها شاذّة وقد ظهر لك حقيقة الحال ومعنى المقال، (هذه الرواية شاذّة) فإنّه لم يقل: كلّ رواية وردت في الاستخارة شاذّة، ولا قال: إنّ سبب شذوذها كونها يُعمل فيها بالرقاع، ولا قال: إنّ العمل بها شاذ، فقد ظهر بذلك أنّ قوله (هذه الرواية شاذّة) مُحتمل لعدّة وجوه:

الوجهُ الأوّل: لعلّ مراده (رحمه الله) أنّ هذه شاذّة؛ لأجل أنّه عَرف أنّ راويها عن الأئمّة (صلوات الله عليهم) لم يروِ غيرها عنهم، فإنّه ما ذَكر اسم رواتها.

الوجهُ الثاني: لعلّ مراده أنّ هذه الرواية شاذّة؛ لأجل أنّ راويها خاصّة كان رجلاً مجهولاً، لا يعرف بالرواية عن أهل البيت (عليهم السلام).

٢٣٥

الوجهُ الثالث: لعلّ مراده أنّ هذه الرواية شاذّة؛ لأجل كونها تضمّنت لفلان بن فلان ولم تتضمّن فلان بن فلانة، فإذا ذَكر فلان بن فلانة هو المألوف المعروف.

الوجهُ الرابع: لعلّ المراد أنّ هذه الرواية شاذّة، أنّها تضمّنت بسم الله الرحمن الرحيم....

الوجهُ الخامس: لعلّ المراد أنّ هذه الرواية شاذّة، كونهُ ذَكر فيها أوّلاً: (فإن خَرَجت....)، فإنّه كشفَ بذلك أنّ قوله (رحمه الله): (هذه الرواية شاذّة، وليست كالتي تقدّمت) مُحتمل لهذه الوجوه كلّها ولغيرها من التأويلات التي تدخل تحت الاحتمالات.

وأمّا قوله رضوان الله عليه: (لكنّا أوردناها على سبيل الرخصة، دون تحقيق العمل بها)، فاعلَم أنّ المفهوم من قوله (على سبيل الرخصة): أنّ العمل بها جائز وأنّها ليست كالروايات التي قدمّها قبلها، وهذا الجواز كافٍ مع ما ذكرناه من وجوه احتمالات شذوذها وضُعف نقلها، فإنّه لو لم يكن العمل بها جائزاً كانت بدعة وزيادة في شريعة الإسلام، وحاشا ذلك الشيخ العظيم المقام أن يودِع كتابه بدعة ليست من الشريعة المحمديّة، بل كان يُسقطها أصلاً ويحرِّمها على عادته في المجاهرة وترك التقيّة؛ ولأنّ الشيخ المفيد ذَكر في خطبة كتاب المقنعة أنّه ألّف ذلك، ليكون إماماً للمسترشدين ودليلاً للطالبين) انتهى.

ويظهر من كلام كلّ من المفيد، وابن طاووس عدّة أمور:

الأمرُ الأوّل: إنّ معنى الشاذ في الغالب هو غرابة المضمون، أو منافاته لمضامين بقيّة الأخبار، وقد يُستخدم فيما إذا قلّت رواية الراوي عن الأئمّة أو تفرّد هو بها، والوجوه الثلاثة الأخيرة التي ذكرها هي من الشذوذ في المضمون، بخلاف الوجهين الأوّليين، ومراده من كون الرجل مجهولاً أنّه لا يعرف بالرواية عنهم (عليهم السلام).

٢٣٦

الأمرُ الثاني: إنّه قد صرّح كلّ من المفيد وابن طاووس، أنّ الرواية الشاذّة يُرخّص في العمل بها والعمل بها جائز، ولا يكون العمل بها لزوماً تعينيّاً، وهذا الذي ذكره الشيخ المفيد، وشرحهُ ابن طاووس ووافَقهُ عليه، ينطبق بالدقّة على الذي صرّح به الشيخ الطوسي في المبسوط في روايات الشهادة الثالثة في الأذان، وهو ينطبق بالدقّة أيضاً على ما ذهبَ إليه العلاّمة الحلّي، والشهيد الأول.

الأمرُ الثالث: قد استدلّ السيّد ابن طاووس بقوله (يُرخّص العمل به): بأنّ الشيخ المفيد قد أودعَ في كتابه المقنعة رواية الرقاع وأوردها فيه، وذلك يدلّ على جواز العمل بها بنحو الرخصة، إذ لو لم يكن حُكم ذلك كذلك، كان بدعة وزيادة في الشريعة، وللزمَ إسقاطها وتحريم العمل بها، هذا مع أنّ الشيخ المفيد في المقنعة لم يَذكر سند الرواية، وإنّما قال: (ورويَ)، ثُمّ ذَكر مضمون الرواية ووَصَفها بالشاذّة في بعض النِسخ، وهذه الصورة بعينها قد أتى بها الشيخ الصدوق في الفقيه، والشيخ الطوسي في المبسوط، والعلاّمة في كتبه، والشهيد الأوّل في كتبه، ممّا يُعزِّز أنّ إيرادهم وإيداعهم لمضمون الروايات لا رواية واحدة في كتبهم، يقتضي الرخصة في العمل بها، كما صرّح بذلك الشيخ في المبسوط حيث قال: (فأمّا قول أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين، وآل محمّد خير البريّة، على ما ورد في شواذ الأخبار، فليس بمعوّل عليه في الأذان، ولو فعلهُ الإنسان لم يأثم به).

أقول: يُلاحظ في كلام المفيد (قدِّس سرّه)، أنّه استعملَ الخبر الشاذ في قبال المتواتر، وفي مقابل ما أُجمِع على صحّته، وفي مقابل ما هو أشهر وأكثر نَقَلة،

٢٣٧

وفي مقابل ما هو أوضح طريقاً (أي: أصحّ طريقاً)، فهذه أربعة معاني للشاذ، بل ولو قسّمنا الشهرة إلى العمليّة والروائيّة، لأصبحت المعاني خمسة، ويطابق بعض هذه المعاني ما وردَ في مصحّحة عمر بن حنظلة في قوله (عليه السلام): (المُجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حُكمنا، ويُترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المُجمع عليه لا ريب فيه) الكافي: ج1، ص67.

الأمرُ الرابع: كلامُ الشيخ المامقاني

قال الشيخ المامقاني في كتابه مقباس الهداية: ج1، ص255: (الشاذ: وهو على الأظهر الأشهر بين أهل الدراية والحديث هو ما رواه الثقة، مخالفاً لمَا رواه جماعة ولم يكن له إلاّ إسناد واحد، فخرج بقيد الثقة المُنكر والمردود، وبقيد المخالفة المفرد بأوّل معنييه المزبورين،... وهناك أقوال أُخر شاذّة ساقطة، وما ذكرناه تبَعاً للأكثر هو الفصل).

ويلاحَظ ممّا ذُكِر عن عبارات وأقوال أرباب علم الدراية:

1 - أنّ التعريف الشاذ لديهم، هو ما رواه الثقة مخالفاً لمَا رواه الأكثر.

2 - ذهاب الشهيد الثاني إلى العمل بقسمين من الأقسام الثلاثة للشاذ، وهناك مَن ردّ الشاذ مطلقاً، ومنهم مَن قبله مطلقاً.

3 - أنّه قد حصلَ الخلط بين الشاذ والمنكر، وقد أوجب تسرية أحكام المنكر إلى الشاذ ممّا سبب الخلط في صفة الحجيّة، مع أنّ الشاذ أقرب إلى النادر منه إلى المنكر.

4 - أنّه قد اتّفق وحصلَ لجملة من أعلام الطائفة العمل بالخبر الشاذ، كما حصل للصدوق في روايات العدد في شهر رمضان، والمفيد، والشيخ الطوسي كما في رواية التوضؤ في أثناء الصلاة والبناء على ما سبق.

٢٣٨

5 - أنّ أحد معاني الشاذ عدم وجوده في الأصول الروائيّة المصنّفة المشهورة، وإن كان فرديّاً بطريق الثقاة.

6 - قد صرّح جملة منهم بحجيّة العمل بالشاذ إذا تحلّى بصفات مرجّحة، وبعض منهم بنى على العمل به إن لم يكن فيه صفات المزبورة.

٢٣٩

٢٤٠