الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة9%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107149 / تحميل: 6452
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

٣٠١

الطائفةُ الخامسة

اقترانُ الشهادات الثلاث في الزيارات

ما ورد في جملة الزيارات في اقتران الشهادات.

الأولى: ما رواه في كامل الزيارات من زيارة الرضا (عليه السلام) المعروفة وفيها: (وقل حين تدخل: بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ عليّاً وليّ الله).

الثانية: ما رواه ابن طاووس في الزيارة المعروفة بزيارة آل ياسين قال: وهي المعروفة بالندبة، خَرَجت من الناحية المحفوفة بالقدس إلى أبي جعفر محمد بن عبد الله الحِميري ومنها: (أشهد يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله لا حبيب إلاّ هو وأهله، وأنّ أمير المؤمنين حجّته...) (١) .

ورواها الطبرسي في الاحتجاج وغيرها من الزيارات العديدة المتضمّنة للشهادات الثلاث فلاحظ.

____________________

(١) مصباح الزائر: الفصل ١٧ الزيارة الثانية لمولانا صاحب الزمان.

٣٠٢

٣٠٣

الطائفةُ السادسة

إقرارُ الأئمّة عند الولادة بالشهادات الثلاث وكذا بقيّة أهل البيت (عليهم السلام)

الأولى: ما رواه الصدوق (١)، قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدّثنا أبو عبد الله عبد السلام بن محمد بن هارون الهاشمي قال: حدّثنا [ محمد بن ] عقبة الشيباني، قال: حدّثنا أبو القاسم الخضر بن أبان عن أبي هدية إبراهيم بن هدية البصري عن أنس بن مالك قال: أتى أبو ذر يوماً إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة؟ قال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببابه، فخرج ليلاً فأخذَ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخرجا إلى البقيع، فما زلتُ أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكّة، فعدلَ إلى قبر أبيه فصلّى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبد الله جالس وهو يقول: (أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله) فقال له: مَن وليّك يا أبه؟ فقال: وما الولي يا بني؟ فقال: هو هذا علي فقال: وأنّ عليّاً وليي.

قال: فارجع إلى روضتك، ثُمّ عدلَ إلى قبر أمّه آمنة فصنعَ كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا هي تقول: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك نبي الله ورسوله) فقال لها: مَن وليّك يا أماه؟ فقالت: وما الولاية يا بني؟ قال: هو هذا علي بن أبي طالب فقالت: وأنّ عليّاً وليّي، فقال: ارجعي إلى حفرتك وروضتك،

____________________

(١) معاني الأخبار: باب معنى قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما أظلّت الخضراء، ولا...)، ص ١٧٨.

٣٠٤

فكذّبوه ولبّبوه وقالوا: يا رسول الله كذبَ عليك اليوم. فقال: (وما كان ذلك؟ قالوا: إنّ جُندب حكى عنك كيت وكيت، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر...) الحديث.

أقول: وهذه الرواية تؤيّد ما يُحكى عن بعض الكتب، من تأذين أبو ذر بالشهادات الثلاث بعد حادثة بيعة الغدير، وأنّ جملة من الصحابة اعترضوا عليه وشكوه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأجابهم: (وعلامَ بايعتموني في الغدير).

وهاهنا أيضاً في ما رواه الصدوق في معاني الأخبار، كذّبوا أبا ذر وتناوشوه بأيديهم (لببوه)، لمَا حكاه لهم من أنّ حقيقة الشهادة والإقرار، هي باقتران الشهادات الثلاث إلاّ ما خرج بالدليل عن عموم هذا المعنى، كما في الحُكم بظاهر الإسلام، وبعبارة أخرى: إنّ الأصل في كلّ معنى إذ يُحمل على معناه الحقيقي لا التنزيلي الظاهري، وههنا تؤكّد هذه الرواية الحقيقة الشرعيّة في معنى الإقرار بالشهادة، وهذا يُعزِّز تقادم السيرة في الشهادة الثالثة على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فتعضد ما حكاه العامّة عن كدير الضبّي، وما رويناه عن عبد الله بن عبّاس وغيره من الصحابة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أمره بالشهادات الثلاث مقترنة.

الثانية: ما رواه الحافظ البرسي في كتاب مشارق أنوار اليقين قال: ومن أسراره (عليه السلام) أنّه لمّا ولِدَ في البيت الحرام خرّ ساجداً، ثُمّ رفع رأسه فأذّن وأقام وشهد لله بالوحدانيّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، ولنفسه بالخلافة والولاية...) (١) .

____________________

(١) إثبات الهداة: ج٢، ص ٤٦٥ فصل ٢٢.

٣٠٥

الجهةُ الرابعة

في بيان السيرة الشرعيّة للشهادة الثالثة

وهذه السيرة يمكن الوقوف على حصولها في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عند جملة من الصحابة: كعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبي الحمراء، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وكدير الضبّي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.

وقد مرّ في الطوائف العامّة والخاصّة ذِكر جملة الطرق والمصادر عن أولئك الصحابة، وهذا ممّا يُنبأ أنّ البناء على ندبيّة اقتران الشهادات الثلاث، كان متقارب العهد منذ عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث قد حرّض عليه في عدّة مواطن، وما رواية الصحابة لهذه الروايات إلاّ عمل وبناء منهم على الاقتران بينها، كما هو المعروف في علم الرجال والدراية أنّ مذهب الراوي يُعرف ممّا يرويه، هذا فضلاً عمّا روتهُ العامّة نفسها من ضمّ كدير الضبّي (١) الشهادة للوصي بالشهادتين، وهو يُنبئ عن سيرة وديدن عملي ممّن كان يشايع أمير المؤمنين، كما تقدّم في المدخل الإشارة إلى أنّ سيرة الطالبيين في حلب، والشام، ومصر هو التأذين بالشهادة الثالثة، عندما حكموا تلك البلاد في أواخر القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع حتى أواخره،

____________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: مادّة كدير.

٣٠٦

وقد تقدّم ذلك مفصّلاً وذكرنا المصادر التاريخيّة في ذلك، وكذلك في العَلَويين الذين حكموا اليمامة في القرن الخامس.

وعموماً فهذه السيرة في الأذان في تلك البلدان، قد كانت جارية قبل ولادة الشيخ الصدوق، سواء من الدولة العبيديّة والفاطميّة في الشام ومصر، وكذلك دولة الحمدانيين في شمال العراق والشام، وكذا الدولة البويهيّة في جنوب إيران والعراق وبغداد، فهي سيرة جارية في الغيبة الصغرى وطوال القرن الرابع والخامس، وكانت تلك السيرة متجذّرة بتشدّد كتقيّدهم بالتأذين بفصل حيّ على خير العمل، وقد وقعت مصادمات عديدة بين طائفة الشيعة وأهل سنّة جماعة الخلافة والسلطان على كلّ من الفَصلين في الأذان.

ومن ثُمّ احتملنا فيما تقدّم أنّ موقف الصدوق من طوائف الروايات الواردة في الأذان، يُحتمل فيه تهدئة الموقف تجاه تلك الصدامات الدامية، وأنّه محمول على التقيّة بحكم علاقته بآل بويه (١) ، حيث إنّ عبارة الصدوق في الفقيه هي الأخرى تُنبئ عن وجود سيرة لدى جملة من الشيعة في زمانه كانوا يؤذّنون بها، عاملين بتلك الطوائف من الروايات، وكذلك الحال في الاستفتاء الموجّه للسيّد المرتضى من شيعة جزيرة المبافارقيات؛ فإنّ مؤدّى السؤال لدى السائل أنّ المشروعيّة مفروغ منها عندهم، وإنّما تردّدهم في اللزوم على حذو بقيّة الفصول، هذا مضافاً إلى أنّ عبارة الصدوق في الفقيه، والشيخ الطوسي في التهذيب والمبسوط،

____________________

(١) وقد ذكرنا جملة من الشواهد على هذا الاحتمال من عبارة الصدوق، في الفصل الأوّل عند التعرّض للطوائف الثلاث، مضافاً إلى فتوى الصدوق بالشهادة الثالثة في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام وفي القنوت وفي التسليم.

٣٠٧

ظاهرة في أنّ هذا الطوائف من الروايات متلقّاة من أصول الأصحاب، وذكرنا الشواهد على ذلك في الفصل الأوّل، بل كانت متداولة رواية وعملاً لدى الرواة في الطبقات السابقة زمناً على الشيخ الصدوق، ومن ثُمّ وصَفَ الصدوق سلسلة رواتها بأنّهم متّهمون بالتفويض، بينما لم يطعن عليها بأنّها مقطوعة أو مرسلة أو مرفوعة، ممّا يؤكّد ويدلِّل على اتصال أسانيدها، إلاّ أنّه (قدِّس سرّه) حذفَ الأسانيد في عبارته في الفقيه فصيّر الروايات بالإضافة إلينا مرسلة، لكنّ شهادة الشيخ الطوسي بتعدّدها وكثرتها ووصفه لها بالشذوذ، يؤكّد اتّصال أسانيدها وكونهم من الثقاة، وأنّها غير مقطوعة ولا مرسلة ولا مرفوعة، ويؤكّد هذه الحقيقة إفتاء السيّد المرتضى، وابن برّاج، والشهيد بمضمون هذه الروايات، وكذا ما يقرب من مضمونها المحقّق الحلّي في المعتبر، والعلاّمة في التذكرة والمنتهى كما مرّ.

٣٠٨

٣٠٩

الجهةُ الخامسة

في إثبات الجزئيّة (الندبيّة الخاصّة) بحسب قاعدة التسامح في أدلّة السُنن

وهذه القاعدة وإن اشتهرَ عند متأخّري العصر عدم دلالتها على الاستحباب، بل هي عندهم إرشاد إلى رجاء الاحتياط، إلاّ أنّ الأقوى والأظهر في مفاد روايات القاعدة، هو ما ذهب إليه مشهور الفقهاء من الطبقات المتقدّمة وذلك:

أولاً: لأنّ تحديد الثواب الخاص كما بلغ، يعني الجعل الخاص ولو بسبب الانقياد الخاص في مورد البلوغ، وإلاّ لو كان لا خصوصيّة للقاعدة ولا جَعل خاص في البين، لكان اللازم هو كون الثواب في الانقياد على نمط واحد ووتيرة متّفقة، مع أنّ صريح الصحاح الواردة في القاعدة هو ثبوت الثواب الخاص نفسه الذي بلغهُ كلّ مورد بحسبه.

ثانياً: لو كان الثواب من باب الاحتياط، لكان ثبوت الثواب ليس على الإطلاق، بل فيما لو أصاب الخبر الوارد الواقع، كما هو الشأن دائماً في الاحتياط والوظائف الظاهريّة، مع أنّ صريح الصحاح الواردة في القاعدة هو ثبوت الثواب الخاص، ولو لم يكن كما بلغه أي ولو لم يكن في الواقع مطابقاً لمَا بلغهُ.

ثالثاً: أنّ هذه الروايات حيث إنّها في صدد الوعد في ثبوت الثواب على كلّ تقدير، فهي في صدد الحثّ والتحضيض والبعث والتحريك، وهو معنى الأمر الشرعي والطلب الندبي.

٣١٠

رابعاً: أنّ الانقياد بنفسه طاعة عندما يكون مضافاً إلى الرسول والأئمّة (عليهم السلام)؛ لأنّ حُسنه العقلي ذاتي وإن لم يكن هناك في البين حسن ذاتي في الفعل، وحسن الانقياد بدرجاته عن النيّة والعزم والشوق، وحركة الجوانح والجوارح كلّها تنصبغ وتتلوّن بحسن الانقياد، فالفعل في نفسه وإن لم يكن راجحاً في نفسه، إلاّ أنّه يطرأ عليه عنوان الانقياد فيجعلهُ راجحاً بسبب هذا الطرو، نظير ما ذُكر في قبح التجرّي، وامتداد هذا العنوان من الجوانح إلى الجوارح وتلوّن الفعل به، وملخّص هذا الوجه: أنّه مدرك عقلي لقاعدة التسامح في أدلّة السُنن، مستقل ومُعاضد لاستظهار المشهور من الروايات، هذا ملخّص كبرى إفادة قاعدة التسامح في أدلّة السُنن الندب الشرعي الخاص.

أمّا انطباقها على المقام، فبلحاظ الطوائف الروائيّة الثلاث التي رواها الصدوق في الفقيه، هذا إن لم تتم سنداً بعدما مرّ من إفتاء جملة من المتقدّمين بمضمونها، ونفى الشيخ الإثم عن العامل بها وإن خطّئه اجتهاداً، وقد تقدّم ما فيه الكفاية في المدخل، وفي الفصل الأوّل من الشواهد للوثوق بصدورها.

أمّا الخدشة في ذلك - لدعوى الوضع في الخبر أو الشذوذ ممّن نقلَ منه الخبر، وأنّه على ذلك لا مجرى لقاعدة التسامح - فمدفوعة لوجوه:

أولاً: أنّ الناقل وهو الصدوق قد تقدّم عدم جزمه بالوضع؛ وإنّما جَعَل مَن يروي مثل هذه الأحاديث متّهم بالغلو لا متيقّن الغلو، وأنّ الغلو عند الصدوق (قدِّس سرّه) والقمّيَين حدّه معروف الخدشة، وأنّ الشهادة الثالثة ليس فيها ما يدلّ على الغلو،

٣١١

بل قد استفاضت الروايات لرجحان إتيانها مطلقاً في كلّ مورد يتشهّد بالأولتين، وإنّ الشيخ الطوسي نفى الإثم عن العامل به ممّا يظهر منه اعتبار سندها، بل يظهر منه الإفتاء بجواز العمل بها، كما مرّ قرائن وشواهد من كلامه دالّة على ذلك، وإن أَشكلَ في حجيّتها باعتبار الشذوذ في المضمون بسبب خلو بقيّة روايات الأذان عنها، وكذا العلاّمة والشهيد في البيان، وأنّ القاضي ابن برّاج قد أفتى ببعض مضمونها، وأنّ الشذوذ في المصطلح الأشهر هو الخبر المعتبر غير المعمول به لانفراد متنه عن بقيّة متون الروايات، وأنّ الشذوذ - على ماله من معنى مصطلح - لا يتنافى مع جريان قاعدة التسامح بعدما كان غاية ما يصنعه الشذوذ إسقاط الخبر عن الحجيّة لا الجزم بالوضع، وبعدما كان مقتضى العمل به بتوسط القاعدة بعد جريانها لا يحافظ على مضمون الخبر الشاذ، الدالّ على الجزئيّة في الماهيّة الأوليّة بل بعنوان الجزئيّة الندبيّة، سواء فسّرنا الجزء المندوب بمعنى العوارض الفرديّة على الطبيعة، أو صوّرنا الجزء المندوب بمعنى المطلوب الندبي في ظرف المطلوب والمتعلّق الأصلي وهو الطبيعة.

هذا، وقد جمعَ الفاضل المحقّق السيّد عبد الرزاق المقرّم (قدِّس سرّه)، في رسالته التي ألّفها في الشهادة الثالثة وغيره ممّن تطرّق إلى المسألة، ما يربو على المائة من فتاوى الفقهاء من عهد المجلسين (قدِّس سرّهما) إلى يومنا الحاضر باستحبابها في الأذان والإقامة من دون قصد الجزئيّة، بل ذهب صاحب المستمسك إلى احتمال الوجوب من جهة صيرورته شعيرة إيمانيّة من دون قصد الجزئيّة قال: (لا بأس بالإتيان بالشهادة بالولاية بقصد الاستحباب المطلق؛ لمَا في خبر الاحتجاج... بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيّع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً لكن لا بعنوان الجزئيّة من الأذان) (١) .

____________________

(١) مستمسك العروة الوثقى: ج٥، ص٥٤٥.

٣١٢

ثانياً: ضعف منشأ تضعيف الصدوق لروايات الشهادة الثالثة، كما تقدّم مفصّلاً في الفصل الأوّل.

ثالثاً: أنّ الروايات المزبورة حيث قد وصِفت بالشذوذ وعدم العمل، وهما وصفان يتعارف ويصطلح إطلاقهما على الروايات المعتبرة من حيث السند، كما تقدّم ذلك مفصّلاً في التذييلين المُلحقين بالفصل الأوّل، ومرّ فيهما عمل وفتوى جملة من الأكابر بأخبار شاذّة في أبواب فقهيّة عديدة فلاحظ، فكيف بالعمل بالشاذ من باب قاعدة التسامح، وتقدّم أنّ ابن برّاج وغيره قد عمل وأفتى ببعض مضمونها، فالوسوسة في العمل بقاعدة التسامح في ما وصف بالشذوذ غفلة صناعيّة واضحة.

الرابع: إنّ بعض الشيعة في زمان الصدوق (قدِّس سرّه) كان يؤذِّن ويقيم بالشهادة الثالثة، كما تقدّم ذِكر ذلك، وهذا يظهر أيضاً من كلام الشيخ في المبسوط والنهاية، كما لا يخفى لمَن أمعنَ التدبّر، وكذا من فتوى الشريف المرتضى في مسائل المباقارقيات، وكذا الظاهر من كلام ابن برّاج في المهذّب والشهيدين، وصرّح المجلسي الأوّل بأنّ ذلك عمل الشيعة في قديم الزمان وحديثه، وقد ذكرَ ذلك في السيرة بشكل مفصّل.

الخامس: ذهاب جماعة من القدماء إلى عدم الحرمة والإثم بذكرها في الأذان والإقامة، كالشيخ في المبسوط، بل إنّ نظرَ الشيخ في ذلك إلى مَن ذكرها بقصد الجزئيّة كما لا يخفى،

٣١٣

والظاهر أنّ حكمهُ بعدم الحرمة لإمكان استناد الفاعل إلى تلك الروايات، وإن لم يجزم هو (قدِّس سرّه) بها، لكن قد مرّ استظهار فتواه بجواز العمل بمضمونها بقرائن من كلامه في المبسوط، فلاحظ ما مرّ في الفصل الأوّل، كما يظهر ذلك من الشهيد في البيان، وكذا العلاّمة في المنتهى.

وذهب الشهيد الثاني في الروضة إلى ذلك مع عدم قصد الجزئيّة، ويَستظهر ذلك مع عدم قصد الجزئيّة من كلّ مَن عبّر عنها أنّها من أحكام الإيمان لا من أجزاء الأذان، كما تقدّم حيث إنّه دالّ على رجحانها في نفسها تلو الشهادتين، إذ المجموع يتمّ به الإيمان، فمقتضى تلك العبائر استحباب الإتيان بها لا بقصد الجزئيّة، كما في الصلوات على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد الشهادة الثانية.

السادس: أنّ منشأ الإعراض الحاصل من أكثر القدماء عن الفتوى بها، هو العمل بصحيحة زرارة، وأبي بكر الحضرمي، وكليب الاسدي، المشار إليها في كلام الصدوق (قدِّس سرّه)، حيث لم يذكر فيها ذلك بل الحصر في عدد مخصوص، مع أنّ روايات فصول الأذان والإقامة مختلفة جدّاً وبكثرة في عدد الفصول، بل حتّى الصحيح المزبور قد جُعل فيه عدد فصولهما متّحد، فلا يصلح الصحيح ليكون منشأ للإعراض وإن كان متيناً بالإضافة إلى غيره، ولعلّه بلحاظ الفصول الواجبة في الصحّة لا المستحبّة.

السابع: أنّه من المطمئنّ به أو المقطوع كما تقدّم، أنّ تلك الروايات مرويّة في أصول أصحابنا، وإلاّ لمّا تعرّض له الصدوق، لعدم وضع كتاب مَن لا يحضره الفقيه للمقابلة مع روايات وكتب الفِرق المنحرفة الغالية المفوّضة،

٣١٤

ولا ذلك دأبه، وإلاّ لمَا اقتصر على ذلك الموضع، بل لشوهدَ منه في أبواب أخر.

الثامن: أنّه لو سلِّم الطعن بكذب الراوي، فهو لا يمنع من احتمال الصدق الموجِب لاحتمال المطلوبيّة، كما ذَكر ذلك غير واحد من الأساطين.

٣١٥

الفصلُ الثالث

في إثبات شعاريّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة

وفيه جهتان:

الأولى: شعاريّة الشهادة الثالثة

الثانية: أقوال نادرة في حكمها

٣١٦

٣١٧

الجهةُ الأولى

شعاريّة الشهادة الثالثة للإيمان في الأذان والإقامة، وبيان كبرى قاعدة الشعائر وصغراها في المقام

الأقوالُ في الشعاريّة

قد ذهبَ إلى شعاريّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة أكثر المتأخّرين ومتأخّريهم، وهو كونها من شعائر الإيمان، وهو ما أشار إليه كثير من الأصحاب في عبائرهم بأنّها من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان، حيث صرّحوا بعدم الحرج في إتيانها لا بقصد الجزئيّة كالشهيد الأوّل (١) في الدروس، والثاني في الروضة (٢) ، وصاحب الرياض (٣) ، ولذلك حملَ المجلسي الأوّل في الروضة العبارة المزبورة منهم على رجحان ذكرها من دون قصد الجزئيّة.

أذانُ الإعلام (الشعيرة الإلهيّة) واجب كفائي

وقال الشيخ البهائي في الحبل المتين (في تفسير قوله (عليه السلام): (ولكنّها معصية - أي ترك نوافل الظهر -) والضمير يعود إلى ما دلّ عليه الكلام السابق،

____________________

(١) الدروس: ج١، ص١٦٢ طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي.

(٢) الروضة البهيّة: في بحث الأذان.

(٣) رياض المسائل: ج١، ص ١٥١.

٣١٨

أي أنّ هذه الخصلة معصية، ولعلّ إطلاق المعصية عليها للمبالغة وتغليظ الكراهة، أو أنّ ترك النوافل بالمرّة معصية حقيقة لمَا فيه من التهاون، كما قال الأصحاب من أنّه لو أصرّ أهل البلد على ترك الأذان قوتلوا، وكذا لو أصرّ الحجّاج على ترك زيارة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما في آخر الحديث التاسع من قوله: (ولكن يُعذَّب على ترك السُنّة) محمول على هذا) (١).

وقال العلاّمة في منتهى المطلب: (ذهبَ بعض أصحاب الشافعي إلى وجوب الأذان والإقامة كفاية، وذهب مالك إلى وجوبه في مساجد الجماعة التي يُجمع فيها للصلاة، وذهب أحمد بن حنبل إلى وجوب الأذان على أهل المصر، واستدلّوا ببعض الروايات (٢) بأنّه من شعائر الإسلام فأشبهَ الجهاد، وناقَشهُ العلاّمة بالفرق بين الأصل وهو الإسلام وبين الفرع وهو الأذان: بأنّ الأصل وضِعَ للدخول في الدين وهو من أهم الواجبات، فكان الطريق إليه واجباً، والأذان وضِعَ للدخول في الجماعة وهي غير واجبة، فالأَولَى بالوسيلة أن لا تكون واجبة) (٣) .

وقال في التذكرة (مسألة: لا يجوز الاستيجار على الأذان وشبهه من شعائر الإسلام غير المفروضة... إلى أن قال: وللشافعيّة في الأجر على الشعائر غير المفروضة في الأذان تفريعاً على الأصحّ عندهم ثلاثة أوجه،

____________________

(١) الحبل المتين للشيخ البهائي: ص١٣٣- ١٣٤ الطبعة القديمة (بصيرتي).

(٢) مصادر أهل سنّة الجماعة والخلافة (المغني: ج١، ص ٤٦١، المجموع: ج٣، ص ٨١ المدوّنة الكبرى: ج١، ص ٦١، بداية المجتهد: ج١، ص ١٠٧، عمدة القارئ: ج٥، ص ١٠٤، نيل الأوطار: ج٢، ص ١٠).

(٣) منتهى المطلب: ج٤، ص ٤١١ طبعة جماعة المدرّسين.

٣١٩

فإن جوّزوه فثلاثة أوجه في أنّ المؤذّن يأخذ الأجرة: أحدهما أنّه يأخذ على رعاية المواقيت، والثاني على رفع الصوت، والثالث على الحيّعلتين فإنّهما ليستا من الأذان، والأصحّ عندهم وجه رابع أنّه يأخذ على الأذان بجميع صفاته، ولا يبعد استحقاق الأجرة على ذكر الله، كما لا يبعد استحقاقها على تعليم القرآن إن اشتمل على تعلّم القرآن) (١).

أقول: ويستفاد من كلام العلاّمة وأقوال المذاهب الأخرى، أنّ الأذان تنطبق عليه عدّة طبايع مندوبة، فمضافاً إلى خصوصيّة الأذان تنطبق عليه أيضاً الطبيعة العامّة لشعائر الإسلام، فيندرج في قاعدة تعظيم الشعائر كما تنطبق عليه طبيعة ذِكر الله المندوب، ولعلّه باللحاظ الثالث تخرج الحيّعلات عن بقيّة الفصول، إذ ليس هي بذكر.

ومن ثُمّ لم يسوِّغ الشيخ الطوسي في المبسوط حكايتهنّ عند سماع الأذان لمَن كان في أثناء الصلاة، وقال: إنّهنّ من كلام الآدمي وإن كنّ مستحبّات من حيثيّة أذان الإعلام، وبالتالي فطبيعة الأذان قد اجتمعَ فيها عدّة طبايع شرعيّة، ولكلّ منها حكم يستحبّ عليها دون الطبيعة الأخرى، كما هو واضح من أمثلة الأحكام الآنفة، ومن ثُمّ يتبيّن تعدّد وجه مشروعيّة الشهادة الثالثة في الأذان تصل إلى ثلاثة وجوه أو أكثر، ومن تلك الوجوه جهة الشعيرة والشعائر الإيمانيّة.

وقال السيّد المرتضى في رسائله (المسألة الثالثة عشر: [ وجوب (حيّ على خير العمل) في الأذان ].

استعمال (حيّ على خير العمل) في الأذان، وأنّ تركهُ كترك شيء من ألفاظ الأذان.

____________________

(١) التذكرة: فصل الأذان والإقامة.

٣٢٠

والحجّة أيضاً اتّفاق الطائفة المحقّة عليه، حتّى صار لها شعاراً لا يُدفع وعلماً لا يُجحد (1)، وقال في المستمسك: (ومجرّد الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق الموجِب لاحتمال المطلوبيةّ، كما أنّه لا بأس بالإتيان به بقصد الاستحباب المطلق؛ لمَا في خبر الاحتجاج: (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين)، بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيّع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً لكن لا بعنوان الجزئيّة من الأذان، ومن ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ، والعلاّمة، والشهيد وغيرهم...) (2).

وقال في المستند: (ولكنّ الذي يهوّن الخطبَ أنّنا في غنى من ورود النص، إذ لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من متمّمات الرسالة، ومقوّمات الإيمان، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) بل من الخَمس التي بُني عليها الإسلام، ولاسيّما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر، وأبرز رموز التشيّع وشعائر مذهب الفرقة الناجية، فهي إذاً أمر مرغوب فيه شرعاً وراجح قطعاً في الأذان وغيره) (3).

وقال السيّد الخوئي في معرض الجواب عن سؤالٍ وجّه إليه: (وقد جرت سيرة العلماء والأبرار على الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة،

____________________

(1) رسائل السيّد المرتضى: 1/ 219.

(2) مستمسك العروة الوثقى: ج5، ص545.

(3) مستند العروة: ج13، ص259 - 260.

٣٢١

لا يُقصد الجزئيّة منذ عهد بعيد من دون نكير من أحدهم، حتّى أصبح ذلك شعاراً للشيعة ومميّزاً لهم عن غيرهم، ولا ريبَ في أنّ لكلّ أمّة أن تأخذ ما هو سائغ في نفسه، بل راجح في الشريعة المقدّسة شعاراً لها...) (1).

أقول: قد ذَكر (قدِّس سرّه) الضابطة في قاعدة الشعاريّة موضوعاً ومورداً، فموضوعها: اتّخاذ شيء سائغ فضلاً عن الراجح علامة ومعلماً لباب من أبواب الدين، هذا بيان الموضوع على صعيد الكبرى الكليّة.

وأمّا على صعيد الصغرى وبيان المورد في المقام: فبيّنَ في صدر جوابه الإشارة إلى أنّ الشهادة بالولاية مكمّلة للشهادة بالرسالة، وأنّ الإيمان بها لا يتمّ إلاّ بالإيمان بالولاية، ثُمّ بيّن وقوع اتّخاذ الشهادة الثالثة في الأذان شعاراً للمذهب، كما هو الشأن في طبيعة اتّخاذ العلامات الوضعيّة أنّها تُتخذ للتباني والتواضع، فتشمل عموم القاعدة المورد في المقام، ونظير هذا الكلام ما ذكره الميرزا باقر الزنجاني في معرض جوابه عن هذا السؤال نفسه قال:

(.... وقد بَلَغنا عن أئمّتنا الهداة (صلوات الله عليهم) الأمر عقيب قول لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أن يقول: عليٌّ أمير المؤمنين بنحو الإطلاق، وبه أخذ الإماميّة خَلَفاً عن سلف فجهروا بتلك الشهادة عقيب الشهادتين في الأذان على المآذن، وفي المساجد، وأوقات الصلاة حتى صار ذلك شعاراً لهم... فالإماميّة يعلمون أنّ هذه الشهادة كالصلاة على النبي وآله عقيب ذِكر اسمه الشريف في خروجها عن فصول الأذان،

____________________

(1) شرح رسالة الحقوق: ج2، ص127.

٣٢٢

وإنّما هما من الآداب المطلوبة المرغوب فيهما بمقتضى الأخبار،... فعلى أبناء الشيعة (ثبّتهم الله تعالى بالقول الثابت)، أن يقتفوا أثر أسلافهم التابعين لفتاوى علمائهم الأبرار، أن لا يتركوا هذا الشعار المشروع الذي لا مطعن فيه ولا مغمز، وليستقيموا كما أُمروا) (1).

شعاريّة ذِكرهم في الأذان

وقال العلاّمة في المنتهى: (ويستحبّ إذا فرغَ من التلبية أن يصلّي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)لقوله تعالى: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) قيل في التفسير: لا أُذكَر إلاّ وتُذكَر، يعني ولأنّ كلّ موضع شُرِّع فيه ذِكر الله تعالى شُرِّع فيه ذِكر نبيّه كالصلاة والأذان) (2).

أقول: وقد قال تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ له فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لاّ تُلهيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله... ) (3).

فأمرَ في تعظيم تلك البيوت التي هي ليست من الحجر والمَدَر، بل هي رجال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع، بمقتضى عطف الآية الثانية على الآية الأولى، وأنّ نور الله المخلوق هو في تلك البيوت التي هي الرجال الذي لا تلهيهم تجارة ولا بيع، وقد وردَ التنبيه على تفسير ظاهر هذه الآيات لهذا المفاد روايات عديدة من الفريقين، وأنّ بيت علي وفاطمة من أفاضلها.

ومن ذلك: ما روى السيوطي في الدرّ المنثور في ذيل الآية قال: (وأخرجَ ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قال:

____________________

(1) شرح رسالة الحقوق: نقلاً عن كتاب سرّ الإيمان للسيّد عبد الرزاق المقرّم، ج2، ص125 - 126.

(2) منتهى المطلب: ج2، ص 681.

(3) النور: 36.

٣٢٣

قَرأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ ) فقامَ إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: (بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها لبيت علي وفاطمة؟ قال: نعم، من أفاضلها).

فكما ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله تعالى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، وقد فُسِّرت باقتران ذِكره بذكر الله تعالى في الأذان، كما ورد في بعض الروايات تأويلها بذلك، وكذلك ورد تأويل ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) بعلي صهرك.

وفي رواية الطبرسي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم السلام)، في حديثه لليهودي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام) في شرح قوله ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) : (فمَن هذا الذي يُشركه في هذا الاسم، إذ تمّ من الله به الشهادة فلا تتمّ الشهادة إلاّ أن يقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ينادى على المنار، فلا يُرفع صوت لذكر الله عزّ وجل إلاّ رُفع بذكر محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معه)، وكذا ذُكر في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل نفس الآية.

فكذلك ورد فيهم (عليهم السلام): ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، يُسَبّحُ له فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ... ) (1) .

ومن ثُمّ ورد في الروايات المعتبرة التي تقدّمت أنّ ذكرهم من ذكر الله، كما في موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: ما اجتمعَ في مجلس قوم لم يذكروا الله ولم يذكرونا، إلاّ كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة... ثُمّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ ذِكرنا من ذكر الله، وذِكر عدوّنا من ذِكر الشيطان) (2).

____________________

(1) النور: 36.

(2) الوسائل: أبواب الذكر باب 36، ح1.

٣٢٤

فتقرّر من آية النور: أنّ إقامة ذِكرهم مقروناً بذكر الله وبذكر نبيّه، فكما أخبرَ تعالى بترفيع ذِكر النبي بذكره تعالى، كذلك أمرَ تعالى في آية النور - المعتضد مفادها بالنصوص - بترفيع ذِكرهم مع ذكره تعالى، فتكون الآية مع النصوص دليلاً خاصّاً على شعاريّة ذِكرهم في الأذان، بل عند التدبّر - وبضميمة ما في قوله تعالى: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) وما وردَ في ذلك أنّه في الأذان، بالإضافة إلى عمومات الاقتران الدالّة على الحقيقة الشرعيّة في الشهادة - يُستَشعر الجزئيّة في الأذان.

وقد روى الفضل بن شاذان بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي وقال: كنّا مع سيّدنا رسول الله وهو متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: (اللهمّ اعضُدني، واشدُد أزري، واشرح صدري، وارفع ذكري، فنزلَ عليه جبرئيل (عليه السلام) وقال: اقرأ يا محمّد؟ قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ: ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) مع عليّ بن أبي طالب صهرك)، فقرأها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأثبَتها عبد الله بن مسعود في مصحفه، فأسقطها عثمان بن عفان حين وحّد المصاحف) (1).

أقول: والمراد بإثباتها في مصحف عبد الله بن مسعود: أنّه مشتمل على التنزيل والتأويل، وعلى أيّ تقدير تكون دلالة الرواية نصّاً في رفع ذِكر النبي ورفع ذِكر الوصي، وقد ورد في روايات الفريقين أنّ تفسير ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) هو جَعل اسمه الشريف في الأذان، فتكون هذه الرواية كالنص في جَعل الشهادة الثالثة في الأذان.

____________________

(1) الفضائل لابن شاذان: ص151.

٣٢٥

وهناك جملة من الروايات وردت في أنّ تلك البيوت هي بيوت آل محمّد، فقد روى علي بن إبراهيم بسنده المتصل عن جابر عن أبي جعفر في قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله... ) قال: (هي بيوت الأنبياء وبيت علي منها) (1) .

وروى الكليني عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث في ذيل الآية -: (والتَمسوا البيوت التي أذِنَ الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه؛ فإنّه أخبَركم أنّهم ( رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) ) (2) .

وفي صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام)، في حديث دخول قتادة بن دعامة البصري حيث قال له أبو جعفر (عليه السلام): (ويحك يا قتادة، إنّ الله عزّ وجل خلقَ خلقاً من خلقه، فجعلهم حُججاً على خلقه، منهم أوتاد في أرضه، قوّام بأمره، نُجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلةّ عن يمين عرشه، قال: فسكت قتادة طويلاً ثُمّ قال: أصلحكَ الله، والله لقد جلستُ بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عبّاس، فما اضطربَ قلبي قدّام واحد منهم ما اضطربَ قدّامك، فقال أبو جعفر (عليه السلام): (ويحكَ أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ... ) فأنتَ ثَمّ، ونحن أولئك) فقال له قتادة: صدقتَ والله، جَعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين... (3) الحديث.

وغيرها من الروايات أوردها صاحب تفسير البرهان ونور الثقلين عن المصادر الحديثيّة، فلاحظ ما ذَكراه في ذيل الآية.

____________________

(1) تفسر القمّي: ج2، ص 79.

(2) الكافي: ج1، ص 139.

(3) الكافي: ج6، ص 256.

٣٢٦

ومن هذه الآيات والروايات يتبيّن: أنّ أبرز المصاديق التي ينصرف إليها الإطلاق في ترفيع الذكر هو الأذان والإقامة، ومنه تُستشعر الجزئيّة، ونحوهما تشهّد الصلاة، وأنّ الحال كذلك في العمومات الواردة التي تقدّمت الإشارة إليها في الفصل السابق، الدالّة على استحباب اقتران الشهادات الثلاث عموماً، وأنّ أبرز المصاديق المنصرف إليها هذه العمومات هو الأذان والإقامة، لاسيّما وأنّ طوائف روايات الاقتران دالّة بمجموعها على تقرير الحقيقة الشرعيّة للشهادة، وأنّ بدون الثلاث معاً لا يتقرّر ولا يتحقّق أصل التشهّد؛ لأنّ الثالثة بتبع الاثنتين ركن قوامي في حقيقة الإقرار والتشهّد أيضاً.

شعاريّةُ الأذان والشهادة الثالثة:

قال تعالى: ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ اتّخَذُوهَا هُزُوا ًوَلَعِباً ذلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ ) (1).

وقوله تعالى: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى‏ ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (2) .

وقد ورد في نزول هذه الآية أنّ بعض المنافقين أو أهل الكتاب من الكفّار، إذا سمعوا المؤذّن يقول: (أشهد أن محمّداً رسول الله) شتمَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فدخَلَت خادمتهُ بنار ذات ليلة وهو نائم، فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترقَ البيت، واحترق هو وأهله.

وقد قُرّر أنّ في الآية دليل على ثبوت الأذان بنصّ الكتاب، لا بالمنام لبعض الصحابة كما روته العامّة، وفي الآية دلالة على إطلاق عنوان النداء على الأذان،

____________________

(1) المائدة: آية 58.

(2) الجمعة: آية 9.

٣٢٧

وأنّ من قوام ماهيّته جهة الشعيرة فيه، حيث إنّ في الشعيرة إعلام وهو نتيجة النداء، والنداء نحو أعلام، وكذلك تقرير دلالة الآية الثانية، فإنّه أُطلقَ على أذان الظهيرة يوم الجمعة ِ ( إذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ... ) بأنّه أذان ونداء للصلاة، ثُمّ إنّ في الآية الأولى - مع ما تقدّم من مورد نزولها وسياق الآيات التي قبلها - دلالة واضحة على أنّ شعيريّة الأذان لا يقتصر على كونه إعلاماً للصلاة فقط، بل هو شعار ونداء للتوحيد والنبوّة والإسلام، وأنّ سبب استهزاء المنافقين والنصارى في مورد نزول الآية الأولى هو تضمّن الأذان للإقرار بالنبي والولاية له، ومن ثُمّ كان سياق الآيات في سورة المائدة قبل هذه الآية، هي كلّها في الموالاة لله ولرسوله ولأمير المؤمنين (عليه السلام)، وذمّ الذين يتوّلون اليهود والنصارى والمنافقين، وقال تعالى:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى‏ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلهم مِنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ * فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاَءِ الّذِينَ أَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنّمَا وَلِيّكُمُ الله وَرَسُولهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلّ الله وَرَسُوله وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِباً مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتّقُوا الله إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ اتّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ ) (1).

____________________

(1) المائدة: 52 - 58.

٣٢٨

فجملة هذه الآيات النازلة في تولّي الله، ورسوله، وعلي (عليه السلام) - الذي تصدّق وهو راكع - وحصرُ الولاية بهم، وأنّ تلك الولاية هي ولاية حزب الله، بخلاف الذين في قلوبهم مرض الذين اندّسوا في صفوف المسلمين منذ أوائل البعثة، كما تشير إلى ذلك سورة المدّثر (1) ، وهم الذين تنبّأ القرآن بسيطرتهم على مقاليد الأمور بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما أشارت إلى ذلك سورة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فجملة الآيات في سياق التولّي والتبرّي، وجَعل حرمة الأذان من شعار التولّي ومقتضيات الولاية، وأنّ من مقتضيات التبرّي، التبرّي من أعداء الإسلام وأعداء الإيمان، والتبرّي من المستهزئين بحرمة الأذان.

وبعبارة جامعة: أنّ النداء إلى الصلاة - وهو الأذان - مظهر للتولّي والتبرّي ومن توابعه، ومن ثَمّ قد ورد أنّ مصحّح ابن أبي عمير عن أبي الحسن، أنّه علّة حذف حيّ على خير العمل من الثاني، هو لئلاّ يقع حث على الولاية، ولئلاّ يقع دعاء إليها (2) .

وممّا وردَ من الآيات المُعاضدة لكون النداء للإيمان أيضاً، قوله تعالى: ( رَبّنَا إِنّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا ) (3) .

وفي معتبرة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (بُنيَ الإسلام على خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يُنادَ بشيء كما نوديَ بالولاية) (4).

____________________

(1) المدّثر: آية 31.

(2) أبواب الأذان والإقامة: ب19/ 16.

(3) آل عمران: 139.

(4) أبواب مقدّمات العبادات: الباب 1، ح10.

٣٢٩

وروى البرقي (1) في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي مثله، ورواه الكليني بطريق معتبر آخر عن الفضيل (2) .

وقد مرّ في معتبرة الفضل بن شاذان قوله في عِلل الأذان: (ويكون المؤذِّن... مجاهراً بالإيمان، مُعلناً بالإسلام) (3).

وفي صحيح ابن أبي عمير المتقدّم عن أبي الحسن (عليه السلام) (4)، أنّ خير العمل في الأذان هو الولاية، وأنّ الأذان حثٌ على الولاية ودعاء إليها، فتقرّر في جملة هذه الأدلّة عدّة أمور:

أولاً: تقرير النصوص القرآنيّة والروائيّة أنّ الأذان شعيرة وشعار أي: موضع للإعلام بأصول الدين.

الثاني: إنّ الأذان كما هو شعار للإسلام فهو شعار وشعيرة للإيمان أيضاً، والولاية للأئمّة (عليهم السلام) من أهل البيت، وقد تقدّم في المدخل في عنوان ماهيّة الأذان ما يُعاضد أدلّة المقام، فلاحظ.

الثالث: إنّ جملة هذه الأدلّة هي من الأدلّة الخاصّة، والدلالة بالخصوص على شعيريّة الأذان للإيمان والولاية، وبالتالي على جزئيّة الشهادة للثالثة في الأذان، فالشعيريّة على ذلك للشهادة الثالثة في الأذان يقرِّر عليها الدليل الخاص وأنّه تشعير خاص.

____________________

(1) المحاسن: ج1، ص286، ح429.

(2) الكافي للكليني: ج1، ص21، باب دعائم الإسلام، ح8، طبعة طهران.

(3) أبواب الأذان والإقامة: ح14، الباب 9.

(4) أبواب الأذان والإقامة: الباب 19، ح16.

٣٣٠

الرابع: إنّ هناك أدلّة عامّة أخرى تفيد شعيريّة الأذان للإيمان والولاية، ويتمّ تقريبها ببيان صغرى وموضوع قاعدة الشعائر، ومن ثُمّ كبرى القاعدة، هذا مع الغضّ عن الدلالة الخاصّة على الجزئيّة التي استشعرنا منها تشعير الشهادة الثالثة في الأذان من الآيات السابقة.

أمّا الموضوع: فهو أنّ الشعار والشعيرة الدينيّة لغةً: كلّ ما كان علامةً ورمزاً على حقيقة، أو حكم اعتقادي، أو فرعي من الدين، وهي تارةً تكون مخترعةً من الشارع المقدّس: كالحَرَم المكّي والمدني، والكعبة، والبيت الحرام، والمشاعر، والمقام، وبيت المسجد الأقصى، ومسجد الكوفة، وبيوت المشاهد المشرّفة للمعصومين (عليهم السلام)، وأخرى يتعارف على وضعها المتشرّعة في حدود تطبيق العمومات المشروعة ضمن مصاديق جزئيّة، كما في مراسم إحياء ذكر أهل البيت (عليهم السلام)، ومراسم إحياء التمسّك بالقرآن الكريم كعقد المسابقات لحفظه وتفسيره وعلومه وغير ذلك، والضابطة ورود الأذن الشرعي باتخاذ ذلك ولو كان مستفاداً من العمومات.

وبعبارةٍ أخرى: إنّ الشعيرة في اللغة كلّ ما جُعلَ عَلَماً لطاعة الله، ومَعلماً على معنى من الدين وهو الإعلام من طريق الحس، ومن ثُمّ فهو الإعلام للمعاني الشرعيّة بآلات ووسائل حسيّة.

نعم، يظهر من بعض أدلّة قاعدة الشعائر: أنّ حيثيّة الإعلاء مأخوذة في موضوع القاعدة، وعلى ضوء تقرّر المعنى اللغوي - وعدم ورود الدليل التعبّدي الناقل عن المعنى اللغوي إلى الحقيقة الشرعيّة - يصحّ التمسّك بإطلاق أدلّة قاعدة الشعائر لكلّ وسيلة وآلة مباحة، تُتخذ من قِبَل العرف لإعلام معنى شرعي وديني، فدلالة الوسيلة والآلة على المعنى بالوضع والجَعل والاتّخاذ، فالشعيرة كما هي آلة إعلام، هي أداة إعلاء، وإحياء، وتجديد عهد،

٣٣١

ومن ثَمّ يُتمسّك بإطلاق قوله تعالى: ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) ، وقوله تعالى: ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (2).

ومفادهُ: الحثّ على نشر نور الله في مقابل الإطفاء، وقوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (3)، أي: رَفع لتلك البيوت، ولكلمة الله ونشر حكمه، وقوله تعالى: ( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‏ وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا ) (4).

مُتعلّق موضوع القاعدة

أمّا مورد الشعيرة: فموضوعه هو الفعل المحلّل بالمعنى الأعم في نفسه، لا بلحاظ الطواري التي تُتخذ دالاًّ وعلامة على معنىً ديني، سواء كان مباحاً أو مستحبّاً في نفسه، والوجه في ذلك: أنّ الشعار والشعيرة - المتّخذة من العمومات لا من الدليل الخاص على خصوصيّتها - حالها حال العناوين الثانويّة: كالنذر، واليمين، والشروط، وطاعة الوالدين وغيرها من العناوين المثبتة لأحكام ثانويّة، من أنّها إنّما تَعرض على الفعل المحلّل في نفسه، ولا تُعارِض العناوين الأوّليّة الإلزاميّة، بخلاف العناوين الثانويّة الرافعة: كالضرر، والحرج، والجهل، والنسيان ونحوها.

____________________

(1) الحجّ: 32.

(2) التوبة: 32.

(3) النور: 36.

(4) البراءة: 40.

٣٣٢

محمولُ القاعدة

أمّا أدلّة كبرى المحمول فهي: عموم تعظيم الشعائر وأنّها من تقوى القلوب، وغير ذلك بعد فرض وجود الإذن الشرعي من عموم رجحان الإقرار بالولاية باللسان لعلي والأئمّة (عليهم السلام)، وكفى في ذلك قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) ، فإنّ كمال الدين بها، وإتمام النعمة والهداية بها، وهي شرط الرضا والقبول للدين والأعمال، مضافاً إلى العمومات الأخرى المتواترة بين الفريقين في الأمر بالتسليم لهم (عليهم السلام) بالولاية، وقوله تعالى: ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ الله وَرَسُوله وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) وغيرها من آيات الولاية.

ومن أبرز مظاهر التسليم لولايتهم الإقرار باللسان بها، كما صنعَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالمسلمين في غدير خم بالتسليم والإقرار والشهادة لعلي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين والولاية، فكثرة الإقرار باللسان بالولاية مطلوبيّته من الضروريّات البديهيّة.

فإذا اتّضحت هذه المقدّمات الثلاثة، ففي ما نحن فيه المقدّمات تامّة الحصول، أمّا الأولى: فقد شاعَ وذاع شعار الطائفة بالشهادة الثالثة في الأذان والإقامة علامةً ورمزاً للعقيدة الحقّة، وهي إمامة أهل البيت (عليهم السلام)، التي هي سفارة إلهيّة غير النبوّة والرسالة وخلافة لله في أرضه، التي بيّنها في كتابه بقوله تعالى: ( إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ( وَعَلّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلّها ) ( قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ) عِلماً لدُنيّاً من عنده وإقراراً بالإيمان بها.

٣٣٣

ثُمّ إنّ المشهور المنصور بين الأصحاب إباحة التكلّم في الأذان والإقامة؛ لورود النصوص الصحيحة السند بذلك، ولاسيّما قبل الفصل (قد قامت الصلاة) وإن كان مكروهاً محلاً، إلاّ أنّك عرفتَ الرجحان الذاتي للذكر نفسه، وهو الإقرار بالشهادة بالولاية، بل الصحيح المتعيّن عدم شمول عدم الكراهة للتكلّم في أثناء الأذانين للشهادة الثالثة، كما لا يشتمل الصلوات على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ذكره، كما عرفتَ في تنصيص صحيح زرارة المتقدّم بذلك، حيث إنّها من المستحبّات للشهادة الثانية، وأفضل أفرادها المتشخّص بتعقّب الصلوات والشهادة الثالثة له.

أمّا عموم الآيات الآمرة بالولاية لهم (عليهم السلام)، والروايات المتواترة الآذنة والآمرة بكثرة الإقرار اللساني بولايتهم، فكلاهما محقّقة للإذن والطلب فيكون ما أُخذ شعاراً من الطائفة المحقّة الإماميّة، تطبيقاً لتلك العمومات، واتّخاذاً للشعيرة منها فيعمّه ( وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) .

والذي يتناول الواجب والمستحبّ، كما في تناول وطرو عنوان النذر وغيره من العناوين الثانويّة اللازمة لكلّ من المستحبّ والواجب، والتي هي معالم وإعلام للدين في قبال الاستخفاف والاستهانة بها - والعياذ بالله تعالى - وأيّ شعيرة بمثل أهميّة المكمّلة للدين والشرط في الرضا والقبول للدين والعمل، فهي قد تمّ اتّخاذها شعيرة بالخصوص في الأذان لا في غيره، وإن كان رجحانها لولا طرو عنوان التشعير بنحو العموم، ومنه يظهر وجه مَن مالَ للوجوب مضافاً للعناوين الأخرى الطارئة المُعاضدة لذلك،

٣٣٤

هذا، فضلاً عمّا ذكرناهُ أوّلاً من تقريب تشعيرها في الأذان من قِبَل الشارع نفسه، في قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه... ) ، ونظير قوله تعالى: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) فلاحظ.

هذا كلّه فيما عليه جمهور فقهاء الإماميّة.

٣٣٥

الجهةُ الثانية

الأقوالُ النادرة في حُكم الشهادة الثالثة

قال في المستند: (وكرّهها بعضهم مع عدم الاعتقاد بمشروعيّتها وحرّمها معه، ومنهم مَن حرّمها مطلقاً لخلوّ كيفيّتهما المنقولة) (1).

هذا بعد أن حكى قول المشهور بالمشروعيّة، وقول البعض كالمجلسي بنفي البعد عن كونها من الأجزاء المستحبّة، والظاهر أنّ القول الذي حكاه بالتفصيل بالكراهة والحرمة، إشارة إلى الفيض الكاشاني في المفاتيح، حيث قال في مفتاح ما يُكره في الأذان والإقامة:

(وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّاً، بل كان من أحكام الإيمان؛ لأنّ ذلك كلّه مخالف للسُنّة، فإن اعتقدهُ شرعاً فهو حرام) (2).

ويشير القول الثاني (قول التحريم) لصاحب الذخيرة السبزواري حيث قال: (وأمّا إضافة أنّ عليّاً وليّ الله، وآل محمّد خير البريّة وأمثال ذلك، فقد صرّح الأصحاب بأنّها بِدعة وإن كان حقّاً صحيحاً، إذ الكلام في دخولها في الأذان، وهو موقوف على التوقيف الشرعي، ولم يثبت) (3).

____________________

(1) المستند للنراقي: ج4، ص486.

(2) مفاتيح الشرائع1: 118.

(3) الذخيرة للسبزواري: ص254.

٣٣٦

وردّ عليهما في المستند قال: (أمّا القول بالتحريم مطلقاً، فممّا لا وجه له أصلاً، والأصل ينفيه، وعمومات الحثّ على الشهادة تردّه، وليس من كيفيّتهما اشتراط التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتى يخالفها الشهادة، كيف؟ ولا يحرم الكلام اللغو بينها فضلاً عن الحقّ، وتوهّم الجاهل الجزئيّة غير صالح لإثبات الحرمة، كما في سائر ما يتخلّل بينها من الدعاء، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم، بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعيّة، إذ لا يُتصوّر اعتقاد إلاّ مع دليل، ومعه لا إثمَ إذ لا تكليف فوق العلم، ولو سُلِّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة القول، ولا يكون ذلك القول تشريعاً وبدعة، كما حقّقنا في موضعه.

وأمّا القول بكراهتها: فإن أُريد بخصوصها فلا وجه له أيضاً، وإن أُريد دخولها في التكلّم المنهي عنه في خلالهما فله وجه لولا المُعارض، ولكن تعارضهُ عمومات الحثّ بالشهادة مطلقاً، والأمر بها بعد ذِكر التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام) (1) ، ثُمّ ذكرَ رواية الاحتجاج المتقدّمة.

ثُمّ استَظهرَ من كلام الشيخ، والعلاّمة، والشهيد، وصريح المجلسي، بورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه.

ويمكن تلخيص أدلّة الحرمة كالتالي:

1- بأنّها بدعة وزيادة في العبادة التوقيفيّة الموظّفة من قِبَل الشارع.

2- الإيهام بالجزئيّة وهو تغيير لرسم الأحكام الدينيّة؛ وذلك بسبب تشاكل وتماثل صورة التكرار عدداً لفصول الأذان.

____________________

(1) المستند: ج4، ص 486 - 487.

٣٣٧

3- لزوم جواز الشهادة الثالثة في الصلاة أيضاً، وحيث يُعلم انتفاء ذلك فالمقدّم والملزوم مثله.

* ويُردّ عليه:

بعد غضّ النظر عن ورود الأدلّة الحاصلة على الجزئيّة، ولو الأعم من الواجب أو الندبيّة، وغضّ النظر عن الأدلّة العامّة التي أشار إلى بعض نماذجها المحقّق النراقي (قدِّس سرّه)، وقد عقدَ هذا الكتاب كلّه إشارة إلى الأقسام الثلاثة من الأدلّة في الفصول السابقة، مع غضّ النظر عن ذلك كلّه.

* يَرد عليه:

أوّلاً: أنّ الإذن باتّخاذ الشعائر والأمر بتعظيمها، ليس من الإحداث في الدين، ولو بُنيَ على عدم المشروعيّة من الأوامر العامّة لعُطّلت معظم أدلّة الشريعة، ممّا كانت بصيغة العموم والإطلاق ولانحسرَ التشريع؛ لأنّ الأدلّة الخاصّة لا تستوعب كلّ الجزئيات وما لا يتناهى من الجزئيات والصغريات المترامية، فمن الغريب مَن يرفع هذه الراية والمنهج في الاستدلال، فهو أشبه باستدلال الجماعة التي تَحكم ببدعيّة الاحتفال بالمواليد والمناسبات الدينيّة، وبدعيّة الاحتفاء بالأماكن الشريفة والمشاهد المشرّفة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته، والأماكن الجغرافيّة التي شهدت أحداثاً تاريخيّة ووقائع للرسول وأهل بيته، تحت ذريعة أنّ كلّ ذلك لم يرد فيه نصّ خاص فهو بدعة ومُحدث فهو رد، وكلّ ذلك بسبب الضعف في صناعة الاستدلال، وعدم التفطّن إلى تحليل قاعدة الشعائر الدينيّة والتعمّق في مفادها، وحقيقة موضوع قاعدة الشعائر وحقيقة المحمول فيها، فإنّ قاعدة الشعائر شأنها شأن بقيّة الأدلّة الشرعيّة التي يؤخذ في موضوعها ومتعلّقها بعض العناوين المعيّنة،

٣٣٨

وكلّ عنوان وارد في الأدلّة الشرعيّة إذا لم يَجعل الشارع لمعناه حقيقة شرعيّة، فيؤخذ بمعناه اللغوي وحقيقتهُ العرفيّة أو التكوينيّة، أمّا لو أخذَ الشارع في معناه حقيقة شرعيّة ما، فإنّه يُقتصر على المقدار الذي تصرّف فيه الشارع، ويبقى الباقي على حقيقته اللغويّة، وهذا أمر مُطرّد في صناعة الاستنباط، فكذا الحال في قاعدة الشعائر كقوله تعالى: ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1).

وغيرها من الآيات الدالّة على معنى الإعلام والنشر لمعالم الدين، ممّا هو بمضمون الشعيرة كقوله تعالى: ( يُرِيدُونَ ليُطفِئوُا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (2) ، وقوله تعالى: ( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا ) (3).

حيث إنّه من خاصّة الشعيرة الإعلاء لمعالم الدين وترويجها، والشعيرة في أصل الوضع اللغوي هي العلامة، ومنها الشعار الذي هو رمز لمعنى، فهي في مقام التحقّق تتوقّف على الاعتبار الحاصل من الوضع، واتّخاذ شيء علامة ودلالة على شيء آخر، فهي في الأصل تحقّقها بالدلالة الوضعيّة، والمفروض أنّ في هذا العنوان ليس هناك حقيقة شرعيّة فيبقى على المعنى اللغوي، وليس اتخاذ الشارع لبعض الأمور شعيرة في بعض الأبواب أنّ معنى الشعيرة حقيقة شرعيّة وسقطت عن الحقيقة اللغويّة.

بل غاية ذلك اعتبار بعض الأفراد والعلامات شعيرة على معانٍ ومعالم خاصّة كقوله تعالى: ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِر الله ) (4)، وقوله تعالى: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ الله ) .

____________________

(1) الصف: 8.

(2) البراءة: 40.

(3) الحج: 32.

(4) الحج: 36.

٣٣٩

وكما في اتخاذ الأذان شعيرة للصلاة، لكنّ ذلك لا يعني أنّ المعنى العام الكلّي قد نُقل عمّا هو عليه، ويتّضح من ذلك: أنّ أيّ علامة مباحة فضلاً عمّا كانت راجحة إذا اتُّخذت من قِبَل المتشرّعة علامة على معنى ومَعلم ديني، فإنّها بالاتّخاذ والتباني على العلاميّة والتواضع فيما بينهم، تصبح شعيرة ومَعلماً للدين، ويكون إحياءً لذلك المَعلَم الديني وإقامة لرُكنه.

ومن ذلك يظهر وجه آخر لبقاء لفظ الشعيرة على معناه اللغوي، وهو ما دلّ ووردَ من أوامر على إقامة معالم الدين وتشييد أركانه في كلّ باب من أبواب الدين الحنيف، وكما ورد أيضاً الأمر بإحياء أمرهم (عليهم السلام)، حيث إنّ الإحياء كالإقامة والتشييد؛ إنّما يتمّ بالإعلام والنشر والإعلاء والتذكير، وهذه الأمور كلّها من خاصيّة معنى الشعيرة، إذ مقتضاها الإعلام والنشر والإعلاء والتذكير.

ومن ذلك يظهر الاستدلال ممّا ورد في المستفيض: (مَن سَنّ سُنّة حَسَنة كان لهُ أجرها وأجرَ مَن عَمَل بها إلى يوم القيامة)، وغيرها من أدلّة قاعدة الشعائر لا يسع المقام ذكرها (1) .

هذا كلّه من حيث كبرى قاعدة الشعائر محمولاً واقتضاءً، وأمّا من جهة الموضوع: فموردها وموضوعها، أي الآية التي تُتخذ علامة ومَعلماً شرعيّاً، فهو ما كان مباحاً أو راجحاً أي ممّا هو غير محرّم، وقد عرفتَ تضافر الأدلّة لاستحباب واقتران الشهادات الثلاث، واستحباب اقتران ذكرهم بذكره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذكرهم بذكر الله تعالى.

____________________

(1) ذكرناها مفصّلاً والجهات المتعدّدة في قاعدة الشعائر في كتابَي: الشعائر الحسينيّة، والشعائر الدينيّة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420