الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 101016
تحميل: 5502

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 101016 / تحميل: 5502
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولذا مورِست التقيّة وبشكلٍ شديد اتّجاه الإعلان بذكر فضائل علي (عليه السلام) وولده، ولاسيّما ذكرهُ (عليه السلام) في الأذان منذ عهد رسول الله، فلم يكن بدٌ من تبليغ الشهادة الثالثة إلى خواص الأصحاب والمؤمنين والمسلمين بولايته، بل إنّ الحكومة آنذاك أحسّت وعَلمت بوجود ذِكر لعلي وولده بغير صيغة وفصل الشهادة لعلي في الأذان، ولذا أقدَمت على حذف فصل (حيّ على خير العمل) من الأذان، مع الإيهام والتمويه بعلّة أخرى للحذف في أوساط المسلمين، وقد أشارت إلى ذلك رواية الإمام موسى بن جعفر حيث سأله ابن أبي عمير فقال:

(حيّ على خير العمل، لِمَ تُركت من الأذان؟ قال: (تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً، فقال: أمّا العلّة الظاهرة فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة فإنّ خير العمل الولاية، فأرادَ من أمُر بترك حيّ على خير العمل من الأذان، أن لا يقع حثّ عليها ودعاء إليها) (1).

الشهادةُ الثالثة والتقيّة:

إنّ من أظهر مصاديق التقيّة وأبرزها هو: الاتّقاء عن ذِكر فضائل علي (عليه السلام) وولده، وحيث كانت الشهادة الثالثة هي اقتران ذكر علي بذكر الله ورسوله في الأذان، يعني الإقرار بولايته ووصايته بعد رسول الله، ولهذا لا معنى أن يسكت عليه الناصبون العداوة لعلي وأولاده؛ لأنّه يعني الهدم لحكومتهم وتسلّطهم على الناس؛ لأنّ عليّاً (عليه السلام) بعدُ لم يمت فكيف يُذكر اسمه في كلّ يوم خمس مرّات وهو في معزل عن إدارة المسلمين وقيادتهم في الظاهر، هذا مضافاً إلى ما ذكرهُ لنا التاريخ من تجريدهم من كلّ أسباب القوّة الظاهريّة، أو إثبات إمامتهم بعد رحيل رسول الله من خلال الهجوم على الدار وإجبار علي (عليه السلام)

____________________

(1) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، باب 19، ح16.

٢١

على البيعة، ومنع رواية الحديث عن النبي لمَا فيه من أحاديث الفضائل الكثيرة في علي (عليه السلام)، ولذا بَقيت هذه السيرة من ذكر علي (عليه السلام) في الأذان والصلاة عند المتمسّكين بوصايا النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما سيأتي في رواية كدير الضبّي وبعض الصحابة المخلصين خوفاً من إظهارها؛ لمَا كانوا يجدوا في أنفس الناس من حرج ذكر علي (عليه السلام)، فقد روى علي بن إبراهيم القمّي مُعتبرة أبي بصير: سمعتُ أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ( الّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي ) (1) ، فقال: (يعني بالذكر ولاية علي (عليه السلام) وهو قوله: ذِكري، قلت: قوله ( لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) قال: كانوا لا يستطيعون إذا ذُكر علي (عليه السلام) عندهم أن يسمعوا ذكره، لشدّة بغض له وعداوة منهم له ولأهل بيته) (2).

ولذلك عمدَ أولئك الأعداء إلى كتمان الشهادة لعلي في الأذان، بل مَنع كلّ ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد، فقد رويَ في التفسير المنسوب للإمام العسكري في تفسير قوله تعالى: ( إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) (3) (فوجّهوا اللعنتين إلى اليهود الكاتِمين نَعت محمّد وصفته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذِكر علي (عليه السلام) وحُليته، وإلى النواصب الكاتمين لفضل علي والرافضين لفضله.

____________________

(1) الكهف، آية: 101.

(2) تفسير القمّي: ج2، ص47.

(3) البقرة، آية: 159.

٢٢

ثُمّ قال الله: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ ) من كتمانه ( وَأَصْلَحُواْ ) أعمالهم، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه بسوء التأويل، فيجحدوا به فضل الفاضل واستحقاق المُحق، ( وَبَيَّنُواْ ) ما ذكرهُ الله تعالى من نعت محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وصفته من ذِكر علي (عليه السلام) وحليته وما ذكره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ( فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) أقبل توبتهم ( وَأَنَا التّوّابُ الرّحِيمُ )) (1) الحديث.

فكان هذا الظرف العصيب أحد الأمور التي ساعدت في عدم التفات البعض إلى عدم وصول النصوص الصريحة، أو خفاء النصوص الصريحة وبقاءها في صدور الذين آمنوا سيرة دينيّةً في صلواتهم وعباداتهم، وهكذا إلى أن أصبحت وكأنّها من المسلّمات الفقهيّة عند جماعة من عدم جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان، وكان قبلُ دورَ الصدوق (رحمه الله) في إيهام الراويَين والمصرّحين بالروايات الذاكرة لعلي (عليه السلام) في الأذان، ولعلّه للتقيّة أو لغلبة مسلك القمّيين في علم الرجال.

وهذا أيضاً ساعدَ على عدم وضوح الحقيقة واستبهامها، بل دفعَ البعض إلى الاعتقاد بالبدعيّة لاعتقاد جزئيّة الشهادة الثالثة، ولكن مع ذلك كانت هناك فتاوى من علمائنا السابقين كالسيّد المرتضى المعاصر للصدوق (رحمهم الله)، من دَفع الذاكرين لعلي (عليه السلام) في الأذان إلى الأمام من خلال فتواه في كتابه المسائل المبافارقيّة:

____________________

(1) التفسير المنسوب للإمام العسكري: ص571.

٢٣

بأنّ المُعتقِد بجزئيّة الشهادة الثالثة غير مأثوم، وكذا فتوى الشيخ ابن برّاج في المهذّب، بل وكذا شيخ الطائفة الطوسي (قدِّس سرّه) في المبسوط بعدم الإثم للعامل بتلك الروايات مع تلك القراءة الدقيقة لفتواه، كما سيأتي في تحليلات أستاذنا المحقّق لفتوى الشيخ، وكذا الشهيد في الذكرى وغيرهم ممّا سيأتي استعراضه.

فاللازم على الباحث التريّث والتدبّر والتمعّن في مواد البحث، وتجنّب القراءة السطحيّة العابرة وعدم الغفلة عن الفَذلكات الصناعيّة، وقد تنوّعت دلالة الأدلّة في هذا البحث بين ما هو صريح: كالطوائف الروائيّة التي أشار إليها الصدوق في الفقيه، وبين ما هو بالدلالة الالتزاميّة وبالتعريض ممّا ينظم إلى شواهد أخرى فتتكوّن دلالة الاقتضاء، وبين ما هو دالّ لبّاً كالسيرة المتقادمة، كما اختلفت درجات الدلالة بتقريب الصياغات المختلفة لها على وجه الجزئيّة الخاصّة في الأذان والتشهد، أو الجزئيّة المختصّة ببيان الصلاة، أو الجزئيّة الندبيّة الخاصّة والعامّة أو الشعاريّة.

فهذا الكتاب مشتمل على عدّة أبحاث:

1- تخريج الفذلكة الصناعيّة الدقيقة للمشروعيّة وفق ميزان وجوه متعدّدة أصوليّة وفقهيّة وحديثيّة درائيّة، مع تبيان حقيقة مؤدّى أقوال أعلام الطائفة.

2- الالتفات إلى كون الروايات الواردة في ضمن فصول الأذان - المشار إليها من قِبَل الصدوق (قدِّس سرّه) - هي موجودة في أصول الأصحاب المعتبرة.

3 - كون هذه الأخبار معتبرة في نفسها بشهادة وصفها بالشذوذ لا الضعف، وإنّهم متّهمون بالغلو لا أنّه متحقّق من غلوّهم.

٢٤

4 - فتوى ابن برّاج (قدِّس سرّه) في مهذّبه، بإحدى طوائف تلك الروايات التي أشار إليها الصدوق (قدِّس سرّه) في الفقيه ممّا يعزِّز النقطتين السابقتين.

5 - التنويه إلى أنّ منشأ إعراض الصدوق والعديد من القدماء عن تلك الروايات هو: صحيحة زرارة وهي لا تقوى على المعارضة، بل لا توجد معارضة لطبيعة ونمط لسان الروايات الواردة في فصول الأذان.

6 - إقرار الصدوق (قدِّس سرّه) - كما يظهر ذلك من الشيخ أيضاً - بوجود قطّاعات من الشيعة في زمانه تؤذِّن بالشهادة الثالثة.

7 - الإشارة إلى روايات عديدة لم يُستدلّ بها من قَبل في المقام، ذات دلالة قريبة المرمى من المطلوب مع بيان الفنيّة الفقهيّة للدلالة.

8 - التنبيه على وجود روايات دالّة على الاستحباب المطلق للقرآن في الأذان، بين الشهادة الثالثة والأولتين وتكرارها بعدد تكرارهما.

9 - التنبيه على أنّ التشهّد بالثالثة باللسان وزانه وزان التشهد بالشهادتين، في كونهما سبباً للدخول في حظيرة الإسلام، وهي كذلك في كونها سبباً للدخول في الإيمان بمقتضى تعريفه أنّه: (الاعتقاد بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان)، وهو مراد المشهور في تعبيرهم - في فصول الأذان -: (أنّها من أحكام الإيمان بلا خلاف بمقتضى المذهب الحق)، وهذا مدلول الروايات المتواترة والمستفيضة ذلك أيضاً.

10 - تحليل مغزى ورود الكم الغفير المستفيض من الروايات الحاكية عن اقتران الشهادات الثلاث، في مواطن شريفة عديدة من مدارج الخلقة.

٢٥

11 - نَقل كلام المتقدّمين في جواز واستحباب ذِكر الشهادة الثالثة في تشهّد وتسليم الصلاة، وبيان الفذلكة الصناعيّة في ذلك وارتباطها بالأذان وإنّها - أي ذِكر الشهادة الثالثة في التشهّد - من المشهور المُفتى به عند المتقدّمين من علمائنا، كأمثال: الصدوق ووالده، والمفيد، والشيخ في النهاية، ومصباح المتهجّد، وابن برّاج (رحمهم الله) وغيرهم.

هذا، وأخيراً أسأل الله تعالى أن يوفّقنا للإخلاص في ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وأن يجعلنا من العارفين بحقيقة مقامهم والمتمسّكين بولايتهم، وأن يحفظ أستاذنا الأجل في نشر معارف الدين والحمد لله ربّ العالمين.

علي الشكري

10/ ربيع الأول/ من عام 1426 هجريّة

على مهاجرها آلاف التحيّة والسلام

في جوار السيّدة الجليلة الطاهرة

فاطمة المعصومة - قم المقدّسة

٢٦

لَمحةٌ عن المَسار العَملي للمَسألة

لقد كُتب واستُدلّ لمشروعيّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، في ضمن رسائل عديدة لأعلام الطائفة في الأعصار الأخيرة، بل إنّ المسألة مثارةٌ علميّاً في كُتب الأقدمين والمتقدّمين، بل هي ظاهرة عمليّة ثابتة مارستها أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، كما يشير إلى ذلك الصدوق في كتابه الفقيه (1)، بل قد عُزي في بعض المصادر إتيان بعض صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بها.

فقد قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة: (كدير) بالتصغير الضبّي يقال: هو ابن قتادة،... روى حديثه زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن كدير الضبّي، أنّه أتى النبي (2) ....

وقال البخاري في الضعفاء: (كدير الضبّي روى عنه أبو إسحاق، وروى عنه سميك بن سلمة، وضعّفه لمّا رواه مغيرة بن مقسم عن سمّاك بن سلمة قال: دخلتُ على كدير الضبّي أعودهُ فوجدتهُ يصلّي وهو يقول: اللهمّ صلّي على النبيّ والوصيّ، فقلت: والله، لا أعودك أبداً) (3).

وروى العقيلي في الضعفاء بسنده عن سمّاك بن سمكة قال: دخلتُ على كدير بعد الغداة فقالت لي امرأته: ادنوا منه فإنّه يصلّي حتى يتوكّأ عليك، فذهبتُ ليعتمد عليّ، فسمعته وهو يقول في الصلاة: سلامٌ على النبيّ والوصيّ فقلت...) (4) .

____________________

(1) سيأتي التعرّض إلى كلامه مفصّلاً.

(2) الإصابة في تمييز الصحابة: في حرف الكاف القسم الأول في باب ك د، وسيأتي ذكر مصادر أخرى تشير إلى ذلك في ص52 من المدخل.

(3) لاحظ: الملحق 1.

(4) الضعفاء: ج3، ص1184 رقم المسلسل 1571، طبعة دار الصنيعي.

٢٧

وبالرغم من ذلك، فإنّ كلمات متأخّري المتأخّرين لم يستوفوا فيها النظر حقّه في الروايات الواردة بحثاً ودراسة، ولم يكثروا التأمّل كفايته في كلام المتقدّمين فبنوا على الظاهر البدوي من كلامهم، وجعلوا مؤدّى كلماتهم (أي كلمات المتقدّمين) على مفاد واحد مع أنّها مختلفة، وتقييمهم لاعتبار الروايات متباين، فنظرةُ الصدوق حول تلك الروايات مختلفة تماماً عن نظرة الشيخ الطوسي، فضلاً عن المرتضى وابن برّاج، فلم يُنجَز البحث الدرائي حول الروايات كما هو حقّه، كما لم يُعالج السبب للموقف الفقهي للصدوق والشيخ اتّجاه تلك الروايات، مع أنّ ذلك السبب مدركي اجتهادي لا تعبّدي، بل لم يتمّ تحليل رأي الصدوق ومغزى مرامه الذي هو أشدّ المتقدّمين طعناً اتّجاه تلك الروايات بحسب الظاهر المترائى، مع أنّ حقيقة موقف الصدوق ليس ما يوحيه ظاهر كلامه بموجب قرائن عدّة آتية في تحليل كلامه، وهذه النقاط في كلام المتقدّمين مؤثرة مصيريّاً في تقييم واعتبار حجيّة الروايات صدوراً.

هذا، مضافاً إلى نضوب البحث والاختزال في الاستدلال في المسألة، في الجهات الصناعيّة للوجوه المختلفة، فلم يوردوا في المقام طوائف الروايات الأخرى التي لا يخلو مضمونها من ربط وصلة متوسطة أو بعيدة، لكنّها غير أجنبيّة عن المقام من رأس ولا مقطوعة الصلة بتاتاً.

٢٨

أضف إلى ذلك: أنّ هناك جملة من الفتاوى لبعض المتقدّمين أو المتأخّرين مواتية لإثبات الحكم في المسألة، لم يُنبّه عليها في الكتب المطوّلة الراصدة لأقوال الفقهاء، وهذا ممّا أوجبَ استيحاش جملة - ممّن مالَ إلى تقرير الحُكم - عن مخالفة ظاهر المشهور، وقد صرّح جملة من الأساطين بذلك، ولم يقف الأمر والحال عند ذلك، بل آلَ عند بعض متأخّري العصر إلى الاستشكال في المسألة وتقريب وجوه المنع والحرمة غفلةً عن ما تقدّم.

٢٩

٣٠

المُتون الروائيّة الخاصّة بالشهادة الثالثة في الأذان

إنّ من الأمور المهمّة في المقام اللازم الالتفات إليها: أنّ متون الروايات المتضمنّة لجزئيّة الشهادة الثالثة في فصول الأذان، قد ذكرها الصدوق نصّاً في كتابه مَن لا يحضره الفقيه (1)، مع أنّ الملاحَظ في الكثير من الكلمات الغفلة عن ذلك، وتُوّهِم أنّ الصدوق قد أشار إليها إجمالاً من دون أن يروي متونها، لا كما صنعَ الشيخ الطوسي في المبسوط والنهاية، حيث أشار إليها إجمالاً من دون أن يورد متونها لكنّه بيّن بنحو واضح حال أسانيدها، عكس الصدوق الذي بيّن متونها من دون أن يفصح تفصيلاً عن طُرقها.

وهذا ما غفلَ عنه جُلّ المتأخّرين في المقام، غاية الأمر أنّ الصدوق لم يورد مصادر تلك الطوائف من الروايات، ولا طرق رواياتها؛ وإنّما ألفاظ متونها بنحو المراسيل، لكنّه أشار إلى تعدّدها وتعدّد ألسنتها وتطويفها إلى ثلاث طوائف، كما هو دَيدن الصدوق في كثير من الأبواب الفقهيّة الروائيّة من كتاب مَن لا يحضره الفقيه، حيث يورد العديد من المراسيل مع أنّها مسانيد في التهذيب والكافي، والشيخ في المبسوط قد نبّه بكلامه الآتي على أنّها مسانيد معتبرة، غاية الأمر أنّها مبتلاة بروايات أخرى معارضة بحسب نظره الشريف ونظر الصدوق.

____________________

(1) الفقيه: ج1، كتاب الصلاة أبواب الأذان والإقامة ص290، طبعة قم.

٣١

وسيأتي نصّ عبارة الصدوق في الفقيه التي تُعد رواية منه لتلك الروايات بنحو الإرسال، كما أشار إلى ذلك في الجواهر (1) ، وإن حَكمَ عليها هو بالضعف، وسيأتي أنّه ليس ضعفاً في السند بل هو ضعف من جهة أخرى في نظره، كما سيأتي بيانه مفصّلاً حيث قال: (ومع ذلك كلّه فعن المجلسي: أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة في الأذان؛ استناداً إلى هذه المراسيل التي رُميت بالشذوذ) (2).

وممّن نبّه على وصول المتون الروائية أيضاً: المجلسي الأوّل في شرح الفقيه في كتابه روضة المتقين، حيث قال في ذيل عبارة الصدوق - التي تضمّنت حكمه بأنّ تلك الروايات من وضع المفوّضة -:

(الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكل، مع أنّ الأخبار التي ذكرنا مختلفة الزيادة والنقصان، وما لم نذكره كثيراً، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضاً كانت في الأصول، وكانت صحيحة أيضاً كما يظهر من المحقّق والعلاّمة والشهيد؛ فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ والشاذ ما يكون صحيحاً غير مشهور) (3).

وكذلك المجلسي الثاني في البحار، قال في ذيل عبارة الصدوق: (لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة في الأذان؛ لشهادة الشيخ، والعلاّمة، والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها) (4).

____________________

(1) الجواهر: ج9، ص86.

(2) الجواهر: ج9، ص86.

(3) روضة المتقين: ج2، ص245، طبعة بنياد فرهنكي إسلامي.

(4) البحار: ج84، ص111.

٣٢

فمن الغريب بعد الالتفات إلى ذلك - أي إلى أنّ الصدوق قد روى هذه الروايات الدالّة على جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان بنحو الروايات المرسلة، وأنّ الروايات تلك مرويّة في كتاب الفقيه بمتونها وألفاظها -: تشبّث جملة من الأعلام لاستحباب الشهادة الثالثة في الأذان بنمط ندبيّة المقارنة العامّة بين الشهادتين والشهادة الثالثة، يتشبّثون بمرسلة الاحتجاج الآتية الدالّة على استحباب مقارنة الشهادة الثانية بالشهادة الثالثة في مطلق الأحوال من دون تعرّضها للأذان، فبينَ المَتنين بونٌ بعيد، كما أنّ بينهما بوناً كبيراً في المأخذ الروائي؛ فإنّ المُرسل في الأولى هو الصدوق الأقرب عهداً بصدور النص مضافاً إلى روايته لها وإنّها على طوائف ثلاث، بينما مرسلة الاحتجاج هي رواية واحدة والمرسل لها الطبرسي المتأخّر عهداً بثلاث طبقات أو أكثر عن عهد الصدوق، فهذه قيمة درائيّة حديثيّة.

وممّن تنبّه إلى وصول متون الروايات بالشهادة الثالثة إلينا: العلاّمة المحدِّث الشيخ حسين العصفوري البحراني، حيث قال في الفرحة الأنسيّة: (وأمّا الفصل المروّي في بعض الأخبار المرسلة وهو (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله)، فممّا نفاه الأكثر، وظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به، وهو الأقوى) (1).

وممّن أشار إلى ذلك أيضاً صاحب القوانين في كتاب الغنائم حيث قال: (ويظهر من هؤلاء الأعلام ورود الرواية بها، فلا يبعد القول برجحان الشهادة بالولاية) (2).

____________________

(1) الفرحة الإنسيّة: ج2، ص16، طبعة بيروت.

(2) غنائم الأيام: ج2، ص423 مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي - قم.

٣٣

وممّن أشار إلى ذلك أيضاً، المحقِّق الهمداني في مصباح الفقيه قال: (ولولا رَمي الشيخ والعلاّمة لهذه الأخبار بالشذوذ وادّعاء الصدوق وضعها، لأمكنَ الالتزام بكون ما تضمّنته هذه المراسيل من الشهادة بالولاية والإمرة، وإنّ محمّداً وآله خير البريّة من الأجزاء المستحبّة للأذان والإقامة لقاعدة التسامح، كما نفى عنه البُعد المحدِّث المجلسي في المحكي تعويلاً على هذه المراسيل) (1).

* المتونُ الروائيّة:

ثُمّ إنّه يُعدّ ممّن نقلَ متون هذه الروايات أيضاً: ابن برّاج، والسيّد المرتضى؛ وذلك لكون فتاوى المتقدّمين هي متون روايات، كما أشار إلى ذلك الشيخ الطوسي في مقدّمة المبسوط: بأنّ الأصحاب كانوا يستوحشون من الفتوى بغير ألفاظ الروايات، ومن ثَمّ عُرف عن السيّد البروجردي أنّه كان يقول: إنّ كُتب المتقدّمين هي متون روايات وهي بمنزلة الأصول المتلقاة، وعلى ذلك ففتوى ابن برّاج في المهذّب، والسيّد المرتضى في رسائله، بمثابة النقل لمتون الروايات لاسيّما وإنّها متطابقة مع المتون التي رواها الصدوق في الفقيه، واليك نصّ المتن الروائي في فتوى ابن برّاج حيث قال: (يستحبّ لمَن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند (حيّ على خير العمل): (آل محمّد خيرُ البريّة) مرّتين).

وهذا المتن: هو عين أحد متون طوائف الروايات التي استعرضها الصدوق في الفقيه كما مرّ.

والمتن الروائي في فتوى السيّد المرتضى، حيث سُئل هل يجب في الأذان بعد قول (حيّ على خير العمل): (محمّد وعلي خير البشر)؟ فأجاب: إن قال: (محمّد وعلي خير البشر) على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز؛ فإنّ الشهادة بذلك صحيحة، وإن لم يكن فلا شيء عليه) (2) .

____________________

(1) مصباح الفقيه: كتاب الصلاة فصل الأذان.

(2) المسائل المبافارقيّة: ص257، ورسائل السيّد المرتضى: ج1، ص279، طبعة المرعشي.

٣٤

ومراده من الذيل - كما سيأتي شرح ذلك -: إن قال على أنّه من فصول الأذان فلا شيء عليه، والملاحَظ في هذا المتن الذي أفتى به مغايرته مع المتون الثلاثة التي ذكرها في الفقيه، وإن كان مقارباً لأحدها لاسيّما مع متن ابن برّاج حيث خصّ الموضع ما بعد حيّ على خير العمل، بل قد يُستكشف من ذلك أنّ الشهادة الثالثة لها موضعان:

أحدهما: بعد الشهادة الثانية وهو الشهادة بالإمرة والولاية، والموضع الآخر: بعد (حيّ على خير العمل) وهو القول بأنّ: (محمّد وآله خير البشريّة)، أو قوله: (محمّد وعلي خير البشر).

* المتون الروائيّة التي رواها الصدوق:

وإليك متن في عبارة الصدوق في الفقيه: وقال مصنّف هذا الكتاب (رحمه الله): هذا هو الأذان الصحيح لا يُزاد فيه ولا يُنقص فيه، والمفوّضة (لعنهم الله) قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (محمّد وآل محمّدٍ خير البريّة) مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أنّ محمّداً رسول الله: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله) مرّتين، ومنهم مَن روى بدل ذلك: (أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان؛ وإنّما ذُكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلِّسون أنفسهم في جملتنا) (1) انتهى كلامه (قدِّس سرّه).

____________________

(1) الفقيه: ج1.

٣٥

وعبارته وإن كانت كما سيأتي في الفصل الأوّل تحليلها وتقييمها بنحو مفصّل، إلاّ أنّ الذي يُعنينا في المقام هو تنصيص الصدوق على كونها روايات لا رواية واحدة، وتنصيصه على كونها ثلاثة طوائف وروايته لمتونها بألفاظها.

* المتونُ التي رواها الشيخ في النهاية والمبسوط:

لاسيّما وأنّ النهاية كلّها متون روايات كما هو معروف، بل قد نصّص الشيخ فيها بلفظ الرواية فقال: (وأمّا ما رويَ في شواذ الأخبار من قول: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله)، و (وآل محمّد خير البريّة).....) (1) ، وسيأتي تتمّة كلامه عند استعراض فتواه، وقال في المبسوط: وأمّا قول: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين)، و (وآل محمّد خير البريّة) على ما ورد في شواذ الأخبار.....) (2) وسيأتي تتمّة كلامه عند استعراض فتواه.

* لمحةٌ عن أسانيد المتون الخاصّة:

إنّ الظاهر المنسبق من عبارة الصدوق السابقة، وإن كان يتبادر منه حُكمه بالوضع في صدور تلك الروايات مع أنّه روى متونها، إلاّ أنّه سيأتي أنّ ذيل عبارته ينافي ذلك، إلاّ أنّه يناسب مقدّمة البحث، ذكرَ عبارة المبسوط وتقييمه لدرجة صدور تلك الروايات الدالّة على كون الشهادة الثالثة من فصول الأذان، وهو يخالف بذلك موقف الصدوق من صدور الروايات، وقد وافق الشيخ في ذلك: العلاّمة الحلّي، والشهيد الأوّل، كما سيأتي لاحقاً في استعراض الأقوال واليك نص عبارة المبسوط:

____________________

(1) النهاية: ج1، ص293 طبعة جماعة المدرّسين.

(2) المبسوط: ج1، ص293 طبعة جماعة المدرّسين.

٣٦

قال في كتاب الصلاة منه في فصل الأذان: (ففصول الأذان أربع تكبيرات في أوله،... فأمّا قول: (أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين، وآل محمّد خير البريّة) على ما ورد في شواذ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله) (1) ، انتهى كلامه (قدِّس سرّه).

فقد حُكم عليها بالشذوذ وعدم الإثم بالعمل بها، وقد عَقدنا تذييلين (2) فيهما بحثٌ مفصّل في خاتمة الفصل الأوّل، في بيان معنى الشاذ لدى الشيخ والمحدّثين وعلماء الدراية هو المعتبر سنداً المُعرض عنه عملاً.

وقال في النهاية في كتاب الصلاة: (وهذا الذي ذكرناه من فصول الأذان والإقامة هو المختار المعمول عليه، وقد روي سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الروايات وفي بعضها،... وفي بعضها،... فإن عَمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً، وأمّا ما رويَ عن شواذ الأخبار من قول: (أشهد أنّ عليّاً وليُّ الله، وآل محمّد خير البريّة) فممّا لا يُعمل عليه في الأذان والإقامة فمَن عملَ بها كان مخطئاً)، انتهى كلامه (قدِّس سرّه) (3) .

____________________

(1) المبسوط: ج1، ص148، طبعة جماعة المدرّسين - قم المقدّسة.

(2) راجع: ص240.

(3) النهاية: ص293، طبعة جماعة المدرّسين - قم المقدّسة.

٣٧

وشرح كلامه سيأتي مفصّلاً لاحقاً، لكن نشير إجمالاً إلى أنّ تعبيره في المبسوط أنّ العامل بها غير مأثوم، قد عبّر به في النهاية عن العمل بطوائف الروايات المختلفة الواردة في عدد فصول الأذان، التي هي مسألة أخرى غير الشهادة الثالثة، وجملة تلك الروايات طوائفها معتبرة، ممّا يؤكّد اعتبار صدور الروايات في الشهادة الثالثة في فصول الأذان، غاية الأمر أنّه وصفها بالشذوذ بمعنى الإعراض عن العمل بها.

* فتحصّل:

أولاً: الالتفات إلى كون الروايات الواردة المتضمّنة لكون الشهادة الثالثة من فصول الأذان، قد أشار إلى متونها الصدوق في كتابه مَن لا يحضره الفقيه وغيره من المتقدّمين في كتبهم، كما مرّ وهي موجودة في أصول الأصحاب المعتبرة في الطبقات السابقة عليه.

ثانياً: إنّ هذه الأخبار معتبرة في نفسها عند الشيخ وجملة من الأصحاب، كما سيأتي شرح ذلك مفصّلاً بشهادة وصفها بالشذوذ لا الضعف، وإنّ العامل بها غير مأثوم وغير ذلك من عباراتهم الآتية، وإنّ الصدوق - بمقتضى ذيل كلامه كما مرّ وسيأتي شرحه - لم يجزم بالوضع لها صدوراً؛ وإنّما طرحها لكونهم من المتّهمين بالتفويض عنده لا أنّه (قدِّس سرّه) متحقّق من تفويضهم ومن وَصفها.

والجدير بالالتفات أيضاً: أنّ عبارة الصدوق في الفقيه ناصّة على تكثّر روايات الشهادة الثالثة في الأذان، فعبّر بلفظ (أخباراً)، وعبّر أيضاً بلفظ (وفي بعض رواياتهم) عن ورود الصيغة الثانية في تلك الروايات، وعبّر أيضاً ومنهم مَن روى بدل ذلك عن الصيغة الثالثة للشهادة الثالثة، والتفنّن بهذه التعبيرات منه حكاية واضحة عن كثرة طرق تلك الأخبار، وممّا يشهد لكثرة الطرق أيضاً: اختلاف صيغ الشهادة الثالثة في الأذان المرويّة في تلك الروايات وسيأتي بيان ذلك لاحقاً.

٣٨

وسيأتي أنّ الشيخ وغير واحد، بل وكذا الصدوق - وإن اختلف رأيه في اعتبار الروايات عن الشيخ وأتباعه - إنّما أطرحوا هذه الروايات لدعوى المعارض الراجح، ممّا يقضي بكونها حجّة في نفسها لولا المُعارض، ومن ثُمّ لم يحكموا بأثم العامل بتلك الأخبار أي على أنّها من فصول الأذان، وإنّما حكموا بخطئه بحسب صناعة الترجيح أي أنّ كِلا طرفي الروايات معتبر في نفسه، وإنّما طُرحت روايات الشهادة الثالثة لأرجحيّة معارضه (1) ، وقد تبعَ الشيخ في موقفه وتقييمه للروايات ومعالجته لها في كلّ ذلك كلّ من: العلاّمة، والشهيد الأوّل، كما سيأتي نقل كلامهم.

____________________

(1) وسيأتي أنّ دعوى أصل المعارضة من متقدّمي الأصحاب، ليس في محلّه، كما نبّه عليه المجلسي الأوّل في روضة المتّقين لشرح كتاب الفقيه، فضلاً عن أرجحيّة الروايات الخالية من الشهادة الثالثة.

٣٩

٤٠