الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 100952
تحميل: 5502

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100952 / تحميل: 5502
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

صيَغ الشهادة الثالِثة

يتّضح ممّا تقدّم: أنّ للشهادة الثالثة في الأذان والإقامة أو الصلاة هي بأشكال متعدّدة وصيغ مختلفة:

الأولى، والثانية، والثالثة: ما ذكرها الصدوق في الفقيه (1) من متون الروايات: (محمّد وآل محمّد خير البريّة) مرّتين، ولم يحدِّد لها الصدوق في الرواية الواردة موضعاً خاصّاً في الأذان ولعلّها بعد (حيّ على خير العمل)، كما في كلمات السيّد المرتضى وابن برّاج وغيرهما: (وأشهد أنّ عليّاً وليّ الله) مرّتين، وقد ذكر الصدوق موضعها بعد الشهادة الثانية، وصيغتها مكرّرةً كبقيّة فصول الأذان، و (أشهدُ أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين، وظاهر الصدوق أنّ الوارد في الروايات الأخرى هذه الصيغة بعد الشهادة الثانية.

الرابعة: الصيغة التي رواها السيّد المرتضى في كتابه (مسائل المبافارقيات)، بعد حيّ على خير العمل وهي: (أشهد أنّ محمّد وعليّاً خير البشر) (2).

الخامسة: الصيغة التي بنى عليها العلاّمة الحلّي في المنتهى (3)، ممّا رواه من صحيحة الحَلَبي وهو: تسمية الأئمّة بالإجمال في الصلاة كذكرٍ من أذكارها.

____________________

(1) الفقيه: ج1، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة، ص290 طبعة قم.

(2) المبارقيات: ص257.

(3) المنتهى: ج5، ص292 طبعة الأستانة الرضويّة.

٤١

السادسة: الصيغة التي ذكرها علي بن بابويه في التشهّد في كتابه الفقه الرضوي حيث قال: (فإذا تشهّدت في الثانية فقل: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلّها لله، أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله،... فإذا صلّيت الرابعة فقل في تشهّدك: بسم الله وبالله،... أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله،.. وأشهدُ أنّك نِعمَ الربُّ، وأنّ محمّداً نِعمَ الرسول، وأنّ عليّ بن أبي طالب نِعم الولي، وأنّ الجنّة حق....) (1).

السابعة: الصيغة التي ذكرها كلّ من: علي بن بابويه، والنراقي، والميرزا النوري:

(اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعلى الأئمّة الراشدين...) (2) .

الثامنة والتاسعة: وهما الصيغتان المذكورتان في دعاء التوجّه في فتاوى القدماء؛ تَبعاً لمَا ورد في النصوص وهما: (ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، و (منهاج علي بن أبي طالب) و(هدي علي).

العاشرة: ما ورد في قضيّة كُدير الضبّي بقوله في صلاته: (اللهمّ صلِّ على النبيّ والوصيّ).

____________________

(1) الفقه الرضوي: ص108.

(2) (فقه الرضا، المستند، مستدرك الوسائل).

٤٢

سيرةُ العلماء المتقادمة وفتاواهم بجواز الشهادة الثالثة

* الأولى: فتوى السيّد المرتضى بالجواز

في رسالة له (المسائل المبافارقيّات) المسألة الخامسة عشر: هل يجب في الأذان بعد قول: (حيّ على خير العمل) محمّد وعلي خير البشر؟

الجواب: إن قال: محمّد وعلي خير البشر على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة، وإن لم يكن فلا شيء عليه) (1) .

أقول: ولا يخفى أنّ الشق الثاني من جوابه من قوله: (وإن لم يكن فلا شيء عليه) المراد منه: أي إن لم يقل ذلك على أنّه من خارج لفظ الأذان، أي جعله من داخل لفظ الأذان وفصوله فلا شيء عليه، فحكمهُ (قدِّس سرّه) فتوى صريحة بمضمون الروايات التي أوردها الصدوق (الفقيه) المتضمنّة بكون صيغ الشهادة الثالثة من فصول الأذان.

ثُمّ إنّ سؤال السائل من مدينة مبّافارقي (2) - وهي مدينة كبيرة عند إيل من بلاد الجزيرة وفي معالِم العلماء مبافارقي - وقعَ عن وجوب ذلك في الأذان، وسواء كان السائل من العوام أو من أهل الفضل؛ فإنّ سؤاله يبني عن وقوع التأذين بالشهادة الثالثة في الأذان عند الشيعة والمفروغيّة من مشروعيّتها لديهم، وإنّما ترديدهم في لزومها على نحو الوجوب أو الندب، وهذا يؤكّد ما تفيده عبارة الصدوق في الفقيه المتقدّمة من وجود ظاهرة عمل وسلوك الشيعة وسيرتهم بذكر الشهادة الثالثة في الأذان في زمن الصدوق، وزمن السيّد المرتضى،

____________________

(1) رسالة المسائل: مطبوعة بضميمة جواهر الفقه لابن برّاج، طبعة جماعة المدرّسين، وفي رسائل السيّد المرتضى: طبعة السيّد المرعشي، ج1، ص279.

(2) المبّافارقي: بفتح الميم وتشديد الباء الموحّدة والفاء بين الألفين، وآخرها الراء والقاف، قريبة من الموصل.

٤٣

حيث يُعد الصدوق من مشايخ السيّد المرتضى (قدِّس سرّه) في الرواية، كما هو من مشايخ الشيخ المفيد في الرواية، وبذلك نقف بالدلائل على وجود السيرة بالشهادة الثالثة في الأذان لدى الشيعة في بدايات الغيبة الكبرى، وسيأتي في مبحث سيرة المتشرّعة من الطائفة الشيعيّة أنّ سيرتهم في بغداد، وشمال العراق، وجنوب إيران، وحلب، ومصر، وكذلك الدولة الحمدانيّة، وآل بويه، والدولة العبيديّة، والفاطميون كانت على التأذين بالشهادة الثالثة (محمّد وعلي خير البشر)، وهي أحد الصيغ القريبة من الطوائف الثلاث التي رواها الصدوق في الفقيه، كلّ ذلك بالنصوص التأريخيّة العديدة على ذلك، وهذه السيرة متقدّمة على الصدوق بطبقة أو طبقتين.

أقول: فيُعلم أنّ مبدأ السيرة لديهم ليس في ابتداء الغيبة الكبرى، بل المراد أنّ مقدار ما تعطيه العبارة المتقدّمة للصدوق وعبارة الشيخ الطوسي: هو الدلالة على ما هو أقدم، وهو وجود جملة من طوائف الروايات الواردة عن الرواة، وبذلك يفيد أنّ هذه السيرة كانت لدى رواة الأئمّة قبل الغيبة الصغرى؛ لأنّ دأب ودَيدن الرواة العمل والفتوى بما يروونه، وإلاّ فيستثنون وينبّهون على عدم اعتمادهم على مضمون الرواية عند روايتهم لها في ذيلها، كما هو واضح للمتتّبع لكتب الحديث وأبواب الروايات.

* الثانية: فتوى الشيخ الطوسي بالجواز

وتتبيّن فتواه بالجواز من خلال المقارنة بين عبارته في النهاية وعبارته في المبسوط المتقدّمتين، حيث قال في المبسوط: بأنّ العامل بالروايات المتضمنّة للشهادة الثالثة بكونها من فصول الأذان غير مأثوم، ونظير هذا التعبير عبّر به الشيخ في النهاية فيمَن عملَ بأحد طوائف الروايات المختلفة مفاداً في عدد الفصول، حيث ذهب أنّ العامل بأحدها غير مأثوم،

٤٤

وهذا يقضي بفتواه بالجواز، إذ هو (قدِّس سرّه) كان في صدد عدم ارتضاء الجمع بين الروايات المتضمنّة للشهادة الثالثة والخالية منه، بحمل المتضمنّة منها على الاستحباب؛ لأنّه يبني على استحكام التعارض لا الجمع الدلالي بينهما، فمن ثُم تصل النوبة إلى الترجيح بينهما عنده، نظير ما صرّح به في الروايات الواردة في عدد فصول الأذان المختلفة في تحديده؛ فإنّه لم يَجمع بينهما بحمل المتضمنّة للزيادة على الندب بل بنى على استحكام التعارض بينهما، ومن ثُمّ قال بالتخيير في العمل بها، حيث قال في كتاب النهاية:

(مَن عَمل بإحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً)، الذي هو عين التعبير في المبسوط في روايات الشهادة الثالثة حيث قال: (لو فعله الإنسان لم يأثم)، وقد مرّ أنّ رواية رواة الأئمّة لتلك الروايات اعتماداً منهم عليها، وإلا لذيلّوا بقولهم المُعترض على مضمونها بصورة لفظ استثناء ونحوه، ولو كان مثل ذلك الذيل في كلام الرواة لتلك الروايات موجوداً لَنقلهُ الصدوق والشيخ الطوسي (قدِّس سرّهما)، ولأشارا إليه لاسيّما وإنّهما كانا - بحسب عبارتهما - في مقام تقييم درجة اعتبار الروايات، فظهرَ من ذلك دلالة عبارة الصدوق والشيخ - حيث لم يصفا الروايات بالإرسال، ولا بكونها مقطوعة، ولا بكونها مضمرة، ولا بكونها معلّقة - على كون الروايات متّصلة الإسناد إلى المعصومين (عليهم السلام)، وبكونها سيرة روائيّة لدى جملة من الرواة؛ لأنّهم قد وصفوها بوصف الجمع ممّا يدلّ على تعدّد مضامينها وطرقها - كما نقلَ تعدّد المتون وتعدّد طُرقها وبالتالي تعدّد سلسلة الرواة لها.

ثُمّ إنّ هناك في فتوى السيّد المرتضى (قدِّس سرّه) ما يعزِّز فتواه بالجواز - وإن أتى بها على أنّها من فصول الأذان - أمرين:

٤٥

الأوّل: إنّ فتواه كما مرّ صَدرت في ظل سيرة الشيعة في بغداد، وشمال العراق، وجنوب إيران، ومصر، ودولة الحمدانيين، وآل بويه، والفاطميين، والعبيديّة، على التأذين بالشهادة الثالثة بنفس الصيغة التي أفتى بها السيّد فتكون فتواه مساندة لهذه السيرة ودعم لها.

والثاني: هو فتواه المتصلة بالعبارة السابقة حيث سُئل: (المسألة السادسة عشر: من لفظ أذان المخالفين يقولون في أذان الفجر: (الصلاة خير من النوم) هل يجوز أن نقول ذلك أم لا؟

الجواب: مَن قال ذلك في أذان الفجر قد أبدعَ وخالف السنّة؛ لإجماع أهل البيت على ذلك) انتهى.

ففتواه ببدعيّة (الصلاة خير من النوم) - مع ورود الروايات المتضمنّة لها الصادرة تقيّة، بل وفتوى جماعة من المتقدّمين بجوازها عند التقيّة - يدلّ بوضوح - بمقتضى المقابلة مع فتواه السابقة المتصلة بالشهادة الثالثة - بناءه على استفادة المشروعيّة للشهادة الثالثة في فصول الأذان من الروايات الواردة فيها، وبنفس التقريب سيأتي في فتوى الشيخ الطوسي، حيث تعرّض فيها للشهادة الثالثة وسنبيّن إفادتها للجواز، غاية الأمر أنّه يُحكم بخطأ مَن عملَ بمضمونها الذي هو كون الشهادة الثالثة من فصول الأذان، أي تخطئة اجتهاديّة في مقام الترجيح بين الروايات المتعارضة لا التخطئة القطعيّة كما هو الحال في التثويب، حيث قال قبل فتواه الآتي نقلها في الشهادة الثالثة: (ولا يجوز التثويب في الأذان، فإن أراد المؤذِّن إشعار قوم بالأذان جاز له تكرار الشهادتين، ولا يجوز قول: (الصلاة خير من النوم) في الأذان، فمَن فعلَ ذلك كان مُبدعاً) (1) .

____________________

(1) النهاية: ج1/ 29 ط. قم مؤسّسة النشر الإسلامي.

٤٦

فنلاحظ الشيخ الطوسي كالسيّد المرتضى، قد اختلف حكمهما على التثويب عن حكمهما على الشهادة الثالثة، فإنّهما حَكما (بالبدعيّة) أي: التخطئة القطعيّة على ذِكر التثويب في فصول الأذان، مع أنّ الروايات الواردة في التثويب - كفصل من الأذان - متعدّدة قد وصلَ إلى عصرنا إسنادها المتصل، إلاّ أنّها حيث وردت في التقيّة بشهادة روايات أخرى صريحة دالّة على ذلك، فَحكما على التثويب بالبدعيّة.

وأمّا الشهادة الثالثة إذا أُتي بها على أنّها من فصول الأذان، فقد حَكم السيّد المرتضى بنفي المحذور في ذلك، فضلاً عمّا لو أتى بها في الأذان على أنّها خارجة منه، بينما الشيخ الطوسي حَكم بالخطأ بصناعة الترجيح لو أتى بها على أنّها من فصول الأذان، وقد ذهبَ العلاّمة الحلّي إلى التفرقة في الحُكم بين التثويب (1) والشهادة الثالثة، بعين ما صنعهُ الشيخ الطوسي، فبينَ حُكم التثويب وحكم الشهادة الثالثة في الأذان بون بعيد، كما لا يخفى على المتحذلق في صناعة الاستدلال.

وممّا يدلّ على ذهابه للتخيير والجواز للعمل بها، ويُعضد قوياً استظهار فتواه بالجواز قوله عقيب عبارته في المبسوط: (غير أنّه ليس من فضيلة الأذان، ولا كمال فصوله) فإنّ هذا الاستثناء لا يصلح التعبير به إلاّ في سياق سَبق الحُكم فيه بالجواز؛ لأنّ هذا الاستثناء بمعنى الاستدراك فهو يستدرك على شيء قد مضى، ولو كان يفتي بالحرمة لمَا صحّ الاستدراك.

____________________

(1) التذكرة: ج3، ص45، وص47.

٤٧

ثُمّ إنّ فتوى الشيخ - كما تقدّم في فتوى السيّد المرتضى - مُساندة وداعمة لسيرة الشيعة في بغداد، وشمال العراق، وجنوب إيران، ومصر، وحلب، والدول الشيعيّة: كالحمدانيين في شمال العراق، وحلب، وآل بويه، والعبيديين، والفاطميين، كما سيأتي في بحث السيرة استعراض النصوص التاريخيّة في ذلك.

* الثالثة: فتوى ابن برّاج بالجواز في المهذّب

قال ابن البرّاج في المهذّب: (ويستحبّ لمَن أذّن أو أقامَ أن يقول في نفسه عند حيّ على خير العمل: آلُ محمّد خير البريّة مرّتين) (1).

وصريحهُ: العمل والفتوى بأحد الطوائف التي ذكرها الصدوق والتي تقدّم نَقل متنها، وهو يقضي أنّ الروايات كانت واصلة لديه، فاعتمدَ وأفتى بمضمونها خلافاً لموقف الصدوق من تلك الروايات، وخلافاً لموقف الشيخ الطوسي حيث بنى على التعارض والتخيير، فابن البرّاج قد بنى على الجمع بينها بحملها على الإسرار، فكأنّه حملَ الروايات الخالية منها أي من الشهادة الثالثة على التقيّة، وفهمَ منها مطلوبيّة التقيّة والتقيّة بالتالي تقتضي الإسرار بها، لاسيّما مع ما سيأتي من حصول الصدامات عقوداً من الزمن بين الشيعة وسنّة جماعة الخلافة في بغداد قبله بطبقتين أو ثلاث، على كيفيّة فصول الأذان وإدراج الشهادة الثالثة وحيّ على خير العمل فيه، ولاسيّما وإنّ ابن برّاج قد انتقلَ وهاجر إلى الشام في ظلّ الدولة الشيعيّة هناك آنذاك.

____________________

(1) المهذّب: ج1، ص90 طبعة جماعة المدرّسين.

٤٨

فالتقيّة تقتضي الإسرار بقراءتها دون الإجهار بها أمام العامّة هذا، مع أنّ الإسرار سيأتي أنّه أحد كيفيّات الأذان في بعض الموارد، كما أنّ الإجهار من كيفيّاته المطلوبة بحسب غالب الموارد، فيكون بذلك قد جمعَ بين دلالة الطائفتين، كما أنّه يظهر من صريح فتواه الفتوى في ذلك في كلّ من الأذان والإقامة لا خصوص الأذان.

كما أنّ تقييده هذا القول بالمرّتين: هو الآخر صريح بالإتيان بها على أنّها من فصول الأذان، كما أنّه شاهد على عمله بمضمون متون الروايات التي أشار إليها في الفقيه، حيث نصّت على كونها من فصول الأذان مرّتين.

* الرابعة: فتوى المتقدّمين والمتأخّرين بالشهادة الثالثة في محاكاة الأذان

وفتواهم هذه وإن كان مصبّها في حكاية الأذان لمَن سمعهُ من غيره، إلاّ أنّه سيأتي في الفصول اللاحقة فتواهم الأخرى المعتمدة من لزوم مطابقة حكاية الأذان ومحاكاته لمتن فصول الأذان، وبهذه الضميمة تُشعر فتواهم الأولى بتضمّن فصول الأذان للشهادة الثالثة.

منها: قول الشيخ الطوسي في المبسوط: (ويستحبّ للإنسان أن يقول مع نفسه مثلَ ما يسمع من فصول الأذان. إلى أن قال: ورويَ أنّه إذا سمعَ المؤذِّن يقول: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله - أن يقول: وأنا أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبد الله ورسوله، رضيتُ بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رسولاً، وبالأئمّة الطاهرين أئمّة) ويصلّي على النبيّ وآله (1).

____________________

(1) المبسوط: المجلّد الأوّل، ص144-145، طبعة جماعة المدرّسين.

٤٩

ومنها: ما قاله العلاّمة في التذكرة: (رويَ أنّه يستحبّ إذا سمعَ المؤذِّن يقول: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله، أن يقول: (وأنا أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد رسولاً، وبالأئمّة الطاهرين أئمّة) ثُمّ يُصلي على النبيّ وآله (1) ، وأفتى بذلك في المنتهى أيضاً (2).

ومنها: ما قاله الشهيد في الذكرى في أحكام الأذان، المسألة الرابعة عشر: (قال ابن البرّاج: يستحبّ لمَن أذّن أو أقامَ أن يقول في نفسه عند (حيّ على خير العمل): (آلُ محمّد خير البريّة) مرّتين (3).

ويظهر من الشهيد تقرير ابن برّاج في المهذّب (4) على فتواه، والتي هي عمل بمضمون الطوائف التي استضعفها الصدوق في الفقيه المتضمنّة لجزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان.

نعم، الظاهر من الشهيد أنّه فهمَ من فتوى ابن برّاج: أنّ الشهادة الثالثة من أذكار الأذان التابعة له المندوبة بالندب الخاص، لا جزء فصوله، وكأنّ ابن برّاج بنى على ذلك إلاّ أنّ بناء الشهيد على بعض مضمون تلك الطوائف - لاسيّما وإنّه ذَكر في كثير من كتبه وصول الروايات المزبورة ووقوفه عليها - دال على اعتماده على صدورها، وفاقاً لابن برّاج، والطوسي، والعلاّمة، خلافاً للصدوق، ولا يخفى التنبيه في المقام على أنّ الاستحباب هنا قد جعله للمؤذِّن والمقيم نفسه، لا للسامع في حكايته لمَا يسمعه في الأذان.

____________________

(1) التذكرة: ج3، ص84 طبعة مؤسّسة أهل البيت، قم المقدّسة.

(2) المنتهى: ج4/ 343، ط مشهد المقدّسة.

(3) ذكرى الشيعة: ج3، ص241 طبعة مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام).

(4) المهذّب: ج1/90.

٥٠

ومنها: فتوى المحقّق في المعتبر.

قال: (مسألة: من السنّة حكاية قول المؤذّن؛ لمَا روي عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (إذا سمعتم النداء، فقولوا كما يقول المؤذِّن) قال الشيخ في المبسوط: مَن كان خارج الصلاة قطعَ كلامه وحكى قول المؤذِّن، وكذا لو كان يقرأ القرآن قطعَ وقال كقوله؛ لأنّ الخبر على عمومه، وقال في المبسوط أيضاً: رويَ إذا قال المؤذِّن أشهدُ أن لا إله إلاّ الله أن يقول: (وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربّاً، بالإسلام ديناً، وبمحمّد رسولاً، وبالأئمّة الطاهرين أئمّة...) (1) .

وظاهره: تقريره فتوى الشيخ مُشعر أيضاً بأنّ الشهادة الثالثة من الأذان بمقتضى قاعدة تطابق حكاية الأذان مع الأذان المستحبّة، ولا أقلّ من دلالتها على أنّ الشهادة الثالثة من توابع الأذان، ومن ثُمّ أدرجَ الفقهاء استحباب الحكاية بالشهادات الثلاث عند سماع الأذان في نفس مسألة الحكاية لسماع الأذان.

* الخامسة: الفتوى بذكريّة أسمائهم في الصلاة

أي ذِكر أسمائهم في الصلاة، مع وصفهم بالإمامة الذي هو نحو من الشهادة بالولاية.

منها: فتوى الصدوق في الفقيه

فإنّه قد أوردَ صحيح الحَلَبي المتقدّم في موضعين من الفقيه: أحدهما في قنوت صلاة الوتر (2) ، والآخر في مطلق باب القنوت في الصلاة (3) ، ويظهر منه كلا الموضعين الإفتاء بها؛ لأنّه لم يعلِّق عليها برد أو توقّف مع أنّه قد علّق على روايات قبلها وبعدها،

____________________

(1) المعتبر: ج2، ص146 الطبعة القديمة.

(2) الفقيه: ج1، ص493 طبعة قم.

(3) الفقيه: ج1، ص317 طبعة قم.

٥١

بل قد قال قبل هذه الصحيحة بعد حكاية شيخه لفتوى سعد بن عبد الله أنّه كان يقول: لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسيّة، وكان محمد بن الحسن الصفّار يقول: إنّه يجوز والذي أقول به إنّه يجوز ثُمّ استدلّ لذلك بروايتين، ثُمّ أورد صحيحة الحَلَبي، فلاحظ ثمّة كلامه.

ومنها: فتوى الشيخ المفيد بمضمون صحيح الحَلَبي

حيث قال في دعاء قنوت الوتر بذكر لفظ الشهادات الثلاث قال: (... اللهمّ فإنّي أشهدُ على حين غفلة من خلقك: أنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت، وأنّ محمّداً عبدك المرتضى ونبيّك المصطفى، أسبغتَ عليه نعمتك، وأتممتَ له كرامتك، وفضّلت لكرامته آله، فجعلتهم أئمّة الهدى، ومصابيح الدُجى، وأكملتَ بحبّهم وطاعتهم الإيمان، وقبلتَ بمعرفتهم والإقرار بولايتهم الأعمال، واستعبدتَ بالصلاة عليهم عبادك وجعلتهم مفتاحاً للدعاء،.... اللهمّ صلِّ على محمّد عبدك ورسولك وآله الطاهرين،.... اللهمّ صلِّ على أمير المؤمنين وصيّ رسول ربّ العالمين، اللهمّ صلِّ على الحسن والحسين سِبطَي الرحمة وإمامَي الهدى، وصلِّ على الأئمّة من وِلد الحسين، عليّ بن الحسين،.... والخلف الحجّة (عليهم السلام)، اللهمّ اجعلهُ الإمام المنتظر....) (1) .

ومنها: فتوى الشيخ الطوسي بذلك

حيث أورد صحيح الحَلَبي في موضعين أيضاً، أوّلهما: في دعاء قنوت الوتر حيث قال: (وممّا وردَ في الحث على الدعاء في الوتر)، ثُمّ أورد جملةً من الروايات ومن ضمنها صحيح الحَلَبي المتقدِّم) (2) .

____________________

(1) المقنعة: ص125 - 126 - 130 طبعة قم - جماعة المدرّسين.

(2) التهذيب: ج2، ص130 - 131، ح506.

٥٢

وثانيهما: ما وردَ في باب (1) كيفيّة الصلاة وصِفتها، حيث أوردها بعد ذكر روايةٍ في مطلق ذكر الله في الصلاة، ولم يعلِّق عليها بردٍ أو توقف كما هو دأبه فيما لا يرتضيه في مضامين بعض الروايات، حتّى أنّه أوردَ في الموضع الثاني قَبل ذلك رواية في النهي عن الصلاة والإزار محلول، وعلّق عليها: بأنّ هذا الأمر محمول على الاستحباب واستشهدَ برواية أخرى.

منها: فتوى العلاّمة، كما في كتاب المنتهى الفصل الثالث: في التروك، حيث استثنى من الكلام المبطل في الصلاة كلّ كلام هو من ذِكر الله، وجعلَ منه ذكر أسماء الأئمّة مستنداً في ذلك إلى صحيح الحَلَبي الدال بالخصوص على ذلك.

قال: المطلب الثاني عشر (لا بأس بأصناف الكلام الذي يناجي به الربّ تعالى؛ لمَا رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة، بكلّ شيء يناجي ربه؟ قال: (نعم)) (2).

وعن الحلبي: قال: (قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) أسمّي الأئمّة (عليهم السلام) في الصلاة؟ قال: (أجمِلهم) (3) ، ومن هذا الباب كلّ ذكرٍ يُقصد به تنبيه غيره) (4).

____________________

(1) التهذيب: ج2، ص326، ح1338.

(2) منتهى المطلب: ج5، ص292 طبعة الأستانة الرضويّة.

(3) أبواب القنوت: باب 14 الحديث الأوّل، التهذيب: ج2، ص326، الحديث 1338.

(4) أبواب قواطع الصلاة: باب 13، الحديث الأوّل.

٥٣

وما أشار إليه من صحيحة الحَلبي، سيأتي ورود عدّة صِحاح قريب من مضمونها: كصحيح عبد الله بن سنان (1)، وصحيح زرارة (2) ، وصحيح محمد بن مسلم (3) ، وموثّق سماعة (4) ، وموثّق أبي بصير (5)، وعلى كلّ حال فيظهر من فتوى العلاّمة: أنّ ذِكر أسماء الأئمّة في الصلاة، وبوصفهم أئمّة للدين - الذي هو نمط من الشهادة بولايتهم - هو من أذكار الصلاة الخاصّة، ومن ثُمّ لا يكون من الكلام المبطل للصلاة، وسيأتي تحرير وتنقيح كلامه بشكل مبسوط في الوجه الثاني، وملخّص بيان كون التوصيف بالإمامة لهم هو شهادة بإمامتهم؛ وذلك لكون الواصف في كلامه في مقام الإخبار يلتزم ويقرّ ويعترف بثبوت الوصف للموصوف، كما هو الحال في باب الأقارير: يؤخذ المتكلم في مقام الإخبار بمدلول كلامه التضمنّي والالتزامي، فالتركيب النعتي في هيئة الجملة الخبريّة موازية في المعنى للفظ الإقرار والالتزام.

____________________

(1) أبواب الركوع: باب 20، ح1.

(2) أبواب الأذان والإقامة: باب 42، ح1.

(3) أبواب صلاة الجمعة: باب 25، ح1.

(4) المصدر السابق: ح2.

(5) أبواب الذكر من أبواب الصلاة: باب 3، ح3.

٥٤

ومنها: فتوى المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان

حيث قال بعد حكاية كلام الصدوق في الفقيه: والذي أستعملهُ وأفتي به ومضى عليه مشايخي (رحمة الله عليهم): هو أنّ القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها، في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع، ثُمّ قال المقدّس الأردبيلي وقال في صحيحة الحَلَبي، قال في قنوت الجمعة: (اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى أئمّة المؤمنين (المسلمين)، اللهمّ اجعلني ممّن خلقته لدينك وممّن خلقته لجنّتك. قلتُ: أسمّي الأئمّة؟ قال: سمِّهم جملةً) (1).

قال في المنتهى: إنّه صحيح كما قلنا، مع وجود أبان كأنّه ابن عثمان ولا يضر؛ لمَا عرفتَ مراراً وهو مؤيّد لمَا قلناه (2) .

والرواية التي تعرّض لها الأردبيلي: هي صحيحة أخرى للحَلَبي غير متن الصحيحة التي تعرّض لها العلاّمة في المنتهى في الموضع الذي أشرنا إليه، بل وعلى أيّ تقدير فهذه الصحيحة في قنوت صلاة الجمعة لا في خُطبتي صلاة الجمعة، فيظهر منه العمل بمضمونها، ولا يخفى أنّ توصيفهم بالإمامة هي نمط من الشهادة لهم بذلك وبالولاية، كما مرّ وسيأتي بسط بيان ذلك.

ومنها: فتوى المحقّق النراقي في المستند

قال المحقّق النراقي في المستند، المسألة الثالثة في بحث التشهّد في الصلاة: وتجب فيه الصلاة على النبي وآله في كلّ من التشهّدين،... ثُمّ استدلّ بجملة من الروايات وقال:

____________________

(1) أبواب القنوت: باب 14، ح2.

(2) مجمع الفائدة والبرهان: ج2، ص393 - 394 طبعة قم.

٥٥

يستفاد من الروايتين الأولى والأخيرة وجوب إضافة الآل أيضاً، كما عليه الإجماعات المحكيّة وتدلّ عليه صحيحة القدّاح،... وصحيحة الحلبي: أسمّي الأئمّة في الصلاة قال: (أجمِلهم).... الأمر دلّ على الوجوب ولا وجوب في غير موضع النزاع بالإجماع (1).

وظاهره: الإفتاء بصحيح الحلبي، إلاّ أنّه فسّر عنوان الصلاة الوارد في الصحيحة بغير تفسير العلاّمة في المنتهى، حيث فسّرها في المنتهى بمجموع الأركان والأجزاء، فجعلَ ذِكر أسماء الأئمّة (عليهم السلام) من أذكار مجموع الصلاة ومن الكلام غير المبطل لها، وبغير تفسير الصدوق في الفقيه، حيث فسّر الصدوق عنوان الصلاة بالصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة (عليهم السلام) في قنوت الصلاة، ونظير الصدوق المقدّس الأردبيلي: حيث فسّر عنوان الصلاة في صحيح الحلبي الآخر بالصلاة على أئمّة المؤمنين في قنوت صلاة الجمعة، بينما ظاهر فتوى النراقي وعمله بصحيحة الحلبي تفسير عنوان الصلاة بالصلاة في التشهّد، وهذه احتمالات أربع في معنى الصحيحة إلاّ أنّها تشترك في ذِكر أسمائهم (عليهم السلام) في الصلاة ولو بالإجمال، ووصفهم بالإمامة وهو نحو شهادة لهم بالإمامة وشهادة لهم بالولاية.

* السادسة: الفتوى بالشهادة الثالثة في التشهّد والتسليم للصلاة

منها: فتوى علي بن بابويه في الفقه الرضوي قال: فإذا تشهّدت في الثانية فقل: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلّها لله، أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله،...

____________________

(1) المستند: ج5، ص329 - 332 طبعة آل البيت (عليهم السلام).

٥٦

فإذا صلّيت الركعة الرابعة فقل في تشهّدك: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلّها لله، أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله،... أشهدُ أنّك نِعم الرب، وأنّ محمّداً نِعم الرسول، وأنّ عليّ بن أبي طالب نِعم الولي، وأنّ الجنّة حق، والنار حق.... (1).

ومنها: فتوى سلاّر أبو يعلي حمزة بن عبد العزيز الديلمي الطبرستاني: (وأمّا التشهّد الثاني الذي يتعقّبه التسليم في الرابعة من.... فهو: (بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلّها لله،... وأشهدُ أنّ ربّي نِعم الرب، وأنّ محمّداً نِعم الرسول، وأنّ عليّاً نِعم الإمام، وأنّ الجنّة حق والنار حق،... اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد...) (2).

ومنها: فتوى النراقي في المستند.

(قال: المسألة الرابعة: يستحبّ أن يزيد في تشهّده في الركعتين الأوليين ما في رواية عبد الملك،.... والأكمل منه للتشهّدين ما في موثّقة أبي بصير،... أو ما في الفقه الرضوي، ثُمّ أوردَ عين النص الذي نقلناه للفقه الرضوي المتضمِّن للشهادة الثالثة، إلى أن قال: ثُمّ إنّه لا شكّ في جواز الاكتفاء بالتشهّد بما في روايةٍ.

وهل يجوز التبعيض بأن يُذكر بعض ما في رواية واحدة فيه؟ لا ريب في جوازه (التبعيض) من حيث إنّه دعاء، وأمّا من حيث وروده واستحبابه بخصوصه (التبعيض) فمحلّ نظر، نعم، يجوز الاكتفاء بأحد التشهّدين بأن يُذكر ما ورد فيه دون الآخر، ويجوز الاكتفاء بافتتاح التشهّد خاصّة كما في رواية بدء الأذان (3).

____________________

(1) الفقه الرضوي: ص108.

(2) المراسم العلويّة: ص73.

(3) مستند الشيعة: ج5، ص334 - 336.

٥٧

ومنها: ما يظهر من الميرزا النوري في المستدرك، حيث أورد ما في الفقه الرضوي من دون أن يعلِّق عليه بردٍ أو غيره مع أنّ دأبه - كما يظهر في المستدرك (1) - التعليق بالإشكال أو المعارضة بروايات أخرى على ما لا يتمّ عنده من الروايات.

ومنها: فتوى علي بن بابويه، والنراقي، والنوري أيضاً بالشهادة الثالثة في صيغة الصلاة في التشهّد، حيث أوردوا رواية علي بن بابويه وفيها زيادة على ما سبقَ وفيها هذا النص: (اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعلى الأئمّة الراشدين من آل طه وياسين، اللهمّ صلِّ على نورك الأنور، وعلى حبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الكريم، وعلى جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط) (2).

ووجهُ عدُّ هذه المسألة من الشهادة الثالثة وهو الشهادة بالولاية: هو نَعتهم بالأئمّة التي تقدّم أنّها نحو من الإقرار بالإمامة والولاية لهم وهو مفاد الشهادة الثالثة، ومضافاً إلى ذلك: تخصيصهم بالأسماء الخاصّة لهم في الصلوات في رديف اسم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاهد على خصوصيّة مقامهم بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي أنّهم خير البريّة، وهو أحد صيغ الشهادة الثالثة التي مرّت في الروايات التي نقلها الصدوق في الفقيه، ومن ذلك يُستشفَ من فتاوى المشهور هذا المطلب كما سنتعرّض إليه.

____________________

(1) مستدرك الوسائل: أبواب التشهد، باب 2، ج5، ص6.

(2) لاحظ المصادر الثلاثة السابقة: (فقه الرضا، مستند النراقي، مستدرك الوسائل).

٥٨

ومنها: فتوى علي بن بابويه، والنراقي، والنوري أيضاً بالشهادة الثالثة في صيغة التسليم في الصلاة، حيث أوردوا رواية علي بن بابويه وفيها النص التالي في التسليم: (السلامُ عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين، السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثُمّ سلِّم) (1).

ومنها: فتوى الصدوق محمد بن علي بن بابويه في التسليم، وفي كتابه المقنع (2) (أبواب الصلاة)، وكذلك ورد في الفقيه قال: (ثُمّ سلِّم وقل: اللهمّ أنت السلام، ومنك السلام، ولك السلام، وإليك يعود السلام، والسلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام على الأئمّة الراشدين المهديين،...) (3) .

وقد أفتى الشيخ الطوسي في النهاية بذلك، حيث قال في صيغة التسليم: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على جميع أنبياء الله وملائكته ورسله، السلام على الأئمّة الهاديين المهديين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثُمّ يسلِّم على حسب ما قدّمنا) (4) .

وبعين هذه الألفاظ أفتى ابن برّاج في التسليم في كتابه المهذّب (5)، وأفتى سلاّر في التسليم بقوله: (ويومئ بوجهه إلى القبلة فيقول: (السلام على الأئمّة الراشدين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (6)، وأفتى المفيد (قدِّس سرّه) في المقنعة بذلك في التسليم حيث قال: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويومئ بوجهه إلى القبلة ويقول: السلام على الأئمّة الراشدين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وينحرف بعينه إلى يمينه، وإذا فعلَ ذلك فقد فرغَ من صلاته وخرج منها بهذا التسليم).

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) المقنعة: ص96، طبعة قم/ مؤسّسة الإمام الهادي.

(3) الفقيه: ج1، ص319، ح944 طبعة قم.

(4) النهاية: ج1، ص311، طبعة مؤسّسة النشر، قم.

(5) المهذّب: ج1، ص95، طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي.

(6) المراسم العلويّة: ص73.

٥٩

ومنها: فتوى الحَلَبي في الكافي قال: (السلام عليك أيها النبيّ ورحمه الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على محمدٍ وآله المُصطفين، ثُمّ تُسلِّم التسليم الواجب).

وقال قبل ذلك في فروض الصلاة: الفرض الحادي عشر: السلام عليكم ورحمة الله، يعني محمّداً وآله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحفظة.

ومنها: فتوى المشهور (1) شهرة عظيمة، بما في موثّقة أبي بصير (2) وغيرها بالشهادة الثالثة في صيغة الصلاة في التشهّد، حيث ورد فيها: (اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، وسلِّم على محمّد وعلى آل محمّد، وترحّم على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد)، إذ التقابل في الصلاة على آل محمّد مع الصلاة على آل إبراهيم - في رديف الصلاة على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى إبراهيم - دال بوضوح على ما في قوله تعالى: ( إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3) ، أي على الاصطفاء والإنتجاب لهم بالولاية والإمامة كما في قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (4)،

____________________

(1) مستند النراقي: ج5، ص334.

(2) الوسائل: أبواب التشهّد، باب 3، ح2.

(3) آل عمران: 33، 34.

(4) البقرة: 124.

٦٠