المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14280%

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 73

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 73
المشاهدات: 15654
تحميل: 5408


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 73 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15654 / تحميل: 5408
الحجم الحجم الحجم
المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

منِ ابْنِ سُميَّةْ، فإنْ لم تنْصُروهُمْ فأُعيذُكُمْ باللهِ أنْ تقتُلُوهُمْ، فخَلُّوا بينَ هذا الرجُلِ وبينَ ابْنِ عمِّهِ يزيدَ بنِ مُعاوِيةْ، فَلَعَمْري إنَّ يزيدَ لَيَرْضى مِنْ طاعتِكُمْ بدونِ قَتْلِ الحسينِ عليهِ السلام».

قالَ الراوي:

فَرَماهُ شِمرُ بنُ ذي الجوشَنِ بسهمٍ وقالْ: اُسْكُتْ، أسْكَتَ اللهُ نَأمَتَكَ، أَبْرَمْتَنا بكَثرةِ كلامِكْ.

فقالَ لَهُ زهيرْ:

«ما إيَّاكَ أخاطِبُ، إنَّما أنتَ بَهيمةٌ واللهِ، ما أظنُّكَ تُحْكِمُ منْ كتابِ اللهِ آيتَيْنِ، فأبشِرْ بالخِزْيِ يومَ القيامةِ والعذابِ الأليمْ».

فقالَ لهُ شِمرْ: إنَّ اللهَ قاتلُكَ وصاحِبَكَ عنْ ساعةْ.

قال:

«أفَبِالموتِ تخوِّفني؟ فواللهِ، لَلْموتُ معَهُ أحَبُّ إليَّ مِنَ الخُلْدِ معكُمْ».

ثُمَّ أقبلَ زهيرٌ على الناسِ رافِعاً صوتَهُ فقالْ:

«عبادَ اللهِ، لا يَغُرَّنَّكُمْ عنْ دِينِكُمْ هذا الجَلِفُ الجَافي وأشباهُهُ فواللهِ، لا تَنالُ شفاعةُ محمَّدِا صلى الله عليه وآله وسلم قوماً أراقُوا دِماءَ ذرَّيتِهِ وأهلِ بيتِهِ وقتَلُوا مَنْ نصَرَهُمْ وذبَّ عنْ حريمِهِمْ».

فناداهُ رجلٌ فقالَ لَهْ: إنَّ أبا عبدِ اللهِ عليهِ السلام يقولُ لكْ:

«أقبِلْ، فلَعَمْري لئنْ كانَ مؤمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ نصَحَ لقومِهِ وأبلَغَ في الدُعاءِ، لقَدْ نصحْتَ لهؤلاءِ وأبلغْتَ لو نَفَعَ النُّصْحُ والإبلاغْ»(1) .

____________________

1- الطبري، ج3، ص320.

٢١

٢٢

خطبة بُرَير بن خُضَير

وروِيَ أنَّ الحسينَ عليهِ السلام قالَ لبُريْرِ بنِ خُضيرٍ الهمداني(1) :

«كلِّمِ القومَ يا بُريرُ وعِظْهُمْ».

فتقدَّمَ بُرَيرٌ حتَّى وقَفَ قريباً منَ القومِ، والقومُ قَدْ زحَفُوا إليهِ عنْ بِكرةِ أبيهِمْ، فقالَ لهُمْ بريرْ:

«يا هؤلاءْ! إتَّقُوا اللهَ، فإنّ ثِقْلَ محمّدٍ قدْ أصبحَ بينَ أظْهُرِكُمْ، هؤلاءِ ذرْيتُهُ وعِتْرَتُهُ وبناتُهُ وحُرَمُهْ! فهاتُوا ما عندَكُمْ! وما الذي تريدُونَ أنْ تَصْنَعُوا بهِمْ؟!».

فقالوا: نُرِيدُ أنْ نمكِّنَ منهُمُ الأميرَ عُبيدَ اللهِ بنَ زيادٍ فيرَى رأيَهُ فيهِمْ

فقالَ بريرْ:

«أفلا ترْضَوْنَ منْهُمْ أنْ يَرْجِعُوا إلى المكانِ الذي أقبَلُوا منهْ؟ ويلَكُمْ يا أهلَ الكوفةْ! أنسيتُمْ كُتُبَكُمْ إليهِ وعُهُودَكُمُ التي أعطيتُمُوها منْ أنفسِكُمْ وأشهَدْتُمُ اللهَ علَيْها؟ وكفَى باللهِ شهيداً! وَيْلَكُم، دعَوْتُمْ أهلَ بيتِ نبيِّكُمْ وزعَمْتُمْ أنَّكُمْ تقتُلُونَ أنفسَكُمْ منْ دونِهِمْ، حتَّى إذا أتَوْكُمْ أسْلَمْتُمُوهُمْ لعُبَيْدِ اللهْ! وحلَأْتمُوهُمْ عن ماءُ الفُراتِ الجاري! بْئِسَما

____________________

1- أشار إليه السيد في اللهوف، ص57.

٢٣

خلَفْتُمْ محمّداً في ذرِّيَّتِهْ! ما لكُمْ! لا سَقاكُمُ اللهُ يومَ القيامةْ! فبئِسَ القومُ أنتُمْ!».

فقالَ لهُ نفَرٌ منهم: يا هذا ما نَدْرِي ما تقولْ؟

فقالَ بريرْ:

«الحمدُ للَّهِ الذي زادَني فيكُمْ بصيرةْ، أللَّهُمَّ إنّي أبرأُ إليكَ منْ فِعالِ هؤلاءِ القومْ! أللّهُمَّ أَلْقِ بأسَهُمْ بينَهُمْ حتى يَلْقُوْكَ وأنتَ عليهِمْ غَضْبانْ!».

فجعَلَ القومُ يَرْمُونَهُ بالسِّهامِ، فَرجَعَ بريرٌ إلى وَرائِهْ(1) .

____________________

1- مقتل الخوارزمي،(أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم. الوفاة: 568هـ) ج1، ص356 ـ 357.

٢٤

خطبة الحسين عليه السلام الثانية

وتقدَّمَ الحسينُ عليهِ السلام ورأَى صفوفَهُمْ كالسَّيْلِ فخطَبَ فقالْ:

«الحمدُ للَّهِ الذي خلَقَ الدنيا فجعَلَها دارَ فَناءٍ وزَوالْ، مُتصرِّفةً بأهلِها حالاً بعدَ حالْ، فالمغرورُ مَنْ غرَّتْهُ، والشقيُّ من فتَنَتْهُ، فلا تغرَّنَّكُمُ الحياةُ الدنيا ولا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرورْ».

وممَّا قالْ:

فنِعْمَ الربُّ ربُّنَا وبئِسَ العِبادُ أنتُمْ، أقرَرْتُمْ بالطاعةِ وآمنتُمْ بالرَّسولِ محمَّدٍ، ثُمَّ أنتُمْ رجَعْتُمْ إلى ذُرّيَّتِهِ وعِتْرتِهِ تريدُونَ قتلَهُمْ، لقدِ استحْوَذَ عليكُمُ الشيطانُ فأنساكُمْ ذِكْرَ اللهِ العظيمْ، فتَبّاً لكُمْ ولمِا تُرِيدُونْ، إنَّا للَّهِ وإنَّا إليهِ راجعونْ، هؤلاءِ قومٌ كفَرُوا بعدَ إيمانِهِمْ فبُعْداً للقَوْمِ الظالمين(1) .

تبَّاً لكم أيَّتُها الجَماعةُ وتَرْحاً، إسْتَصْرَخْتُمونا والِهينْ، فأصرَخْناكُمْ مُوجِفينْ، سَلَلْتُمْ علَيْنا سيفاً لنا في أيمانِكُم، وحَشَشْتُمْ علينا ناراً اقْتدَحْناها على عَدُوِّنا وعدوِّكُم، فأصبحتُمْ إلْباً لأعدائِكُمْ على أوليائِكُمْ، بغيرِ عَدْلٍ أفشَوْهُ فيكُمْ، ولا أملٍ أصبحَ لكُمْ فيهِمْ. فهلا لكُمُ الويلاتْ، تركْتُمُونا والسيفُ مَشِيمٌ، والجأْشُ طامِنٌ، والرأيُ لمَا يُستحْصَفْ، ولكنْ أسرعْتُمْ إلَيْها كطَيْرةِ الدُبى، وتداعيتُمْ

____________________

1- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 3 ـ 249.

٢٥

إلَيْها كتهافُتِ الفَراشْ، فَسُحْقاً يا عبيدَ الأمّةِ وشُذَّاذَ الأحزابْ، ونَبَذَةَ الكِتابْ، ومُحرِّفي الكَلِم، وعصبةَ الآثامِ ونفثَةَ الشَيطانْ، ومُطْفئِي السُّنَنْ، أهؤلاءِ تَعْضُدُونَ وعنَّا تتخاذَلُونْ؟ أجلْ واللهْ، ألغَدْرُ فيكُمْ قديمْ، وشَجَتْ إليهِ أصولُكُمْ وتأزَّرَتْ عليهِ فُروعُكُمْ، فكُنتُم أخبثَ ثَمَرٍ، شجّاً للناظرِ وأُكْلةً للغاصِبْ، ألاَ وإنَّ الدَعِيَّ ابنَ الدعيِّ قدْ رَكَزَ بينَ اثنتينْ، بينَ السَّلَّةِ والذِلَّةْ، وهيهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، يأبى اللهُ ذلكَ لنا ورسولُهُ والمؤمنونْ، وحُجورٌ طابَتْ وطهُرَتْ، وأنوفٌ حَميةٌ ونفوسٌ أبيَّةٌ، مِنْ أنْ نُؤْثِرَ طاعةَ اللئامِ على مَصارِعِ الكرامْ، ألا وإني زاحفٌ بهذهِ الأُسرةِ معَ قِلَّةِ العددِ وخُذلةِ الناصرْ.

فـإنْ نَـهزِمْ فهزَّامُونَ قِدْمَاً

وإن نُـغلَبْ فـغيرُ مُغلَّبينا

ومـا إنْ طِـبُّنَا جُبنٌ ولَكِنْ

مـنَايانا ودولـةُ آخـرينا

إذا ما الموتُ رَفَّعَ عن أُناسٍ

كَـلاكِـلَهُ أنـاخَ بـآخرينا

فَـأفنى ذلِكُم سَرواتِ قَومي

كـما أفنَى القُرونَ الأوَّلينا

فـلو خَلَدَ المـُلوكُ إذاً خَلَدْنَا

ولـو بـقيَ الكِرامُ إذاً بقينا

٢٦

فقُل للشامتينَ بنا أَفِيقُوا

سيَلقَى الشامِتونَ كما لَقينا

ثمَّ أيْمُ اللهِ، لا تَلْبَثُونَ بعدَها إلاَّ كرَيْثِما يُركَبُ الفرَسْ، حتَّى تدورَ بكُمْ دَوْرَ الرَّحى وتقلقَ بكُمْ قلَقَ المِحْوَرْ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إليَّ أبي عنْ جدِّي. فأَجْمِعُوا أمرَكُمْ وشُركاءَكُم، ثمَّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرونْ، إنّي توكَّلْتُ على اللهِ ربِّي وربِّكُمْ، ما منْ دابَّةٍ إلاّ هوَ آخذٌ بناصِيتِها، إنَّ ربّي على صراطٍ مستقيْم.

أللَّهمَّ احبِسْ عنْهُمْ قَطْرَ السماءِ وابعَثْ عليهِمْ سِنينَ كسِنِي يُوسُفْ، وسلِّطْ عليهِمْ غُلامَ ثَقيفٍ فيَسُومَهُمْ كأساً مُصَبَّرةً، فإنَّهُمْ كذَبُونا وخذَلُونا، وأنتَ ربُّنا عليكَ توكَّلْنا وإليكَ أنَبْنا وإليكَ المصير(1) .

ثُمَّ نزَلَ عليهِ السلام ودعا بفَرَسِهِ، فركِبَهُ وعَبَّأ أصحابَهُ للقِتالِ، واستدعَى عُمَرَ بنَ سعدٍ ـ وكانَ كارِهاً لا يُحِبُّ أنْ يأتيَهُ ـ فلمَّا حَضَرَ قالَ لهُ عليهِ السلام:

«أيْ عُمَرْ، أتزْعُمُ أنَّكَ تقتُلُني ويُولِّيكَ الدَعِيُّ ابنُ الدَعِيِّ بلادَ الريِّ وجَرْجانْ؟ واللهِ لا تَهْنَأُ بذلكَ أبداً، عهدٌ معهودْ، فاصنَعْ ما أنتَ صانعْ، فإنَّكَ لا تفرَحُ بعدي بدُنيا ولا آخرةْ، وكأنّي برأسِكَ على قَصَبةٍ قدْ نُصِبَ بالكوفْة، يترامَاهُ الصِبيانُ ويتَّخِذُونَهُ غرَضَاً بينَهُمْ»(2) .

فغصِبَ ابنُ سعدٍ منْ كلامِهِ، وصَرَفَ وَجْهَهُ عنهُ، ثُمَّ نادى بأصحابِهْ: ما تنتظِرُونْ، إحمِلُوا بأجمَعِكُمْ، إنَّما هيَ أكْلةٌ واحدةْ(3) .

____________________

1- اللهوف، ص42 ـ 43، ابن عساكر، ص317.

2- مقتل الخوارزمي، ج2، ص 108.

3- اللهوف، ص59 ـ 60.

٢٧

موقف الحر الرياحي

وجاءَ الحرُّ بنُ يزيدَ الرياحيُّ، إلى عُمرَ بنِ سعدٍ، فقالَ لهْ: «أمقاتلٌ أنتَ هذا الرجلْ؟».

قالَ: إيْ واللهِ قتالاً أيْسَرُهُ أنْ تسقُطَ الرؤوسُ وتَطِيحَ الأيدي.

قالَ الحرّ:

«أفما لكُمْ في واحدةٍ منَ الخصالِ التي عرَضَ عليكُمْ رضىً؟».

قالَ عمرُ بنُ سعدْ: أما واللهِ، لو كانَ الأمرُ إلَيَّ لفعَلْتُ، ولكنَّ أميرَكَ قد أبى ذلكْ.

فأقْبلَ الحُرُّ حتَّى وقَفَ منَ الناسِ موقِفاً، ومعَهُ رجلٌ منْ قومِهِ يُقالُ له قُرَّةُ بنُ قيسْ، فقال:

يا قرةُ، هل سقَيْتَ فرسَكَ اليومْ؟

قالَ: لا.

قالْ: أما تُرِيدُ أنْ تَسْقِيَهْ؟

قالْ: فظنَنْتُ - واللهِ - أنَّهُ يريدُ أنْ يتنحَّى فلا يشهدَ القتالَ، وكرِهَ أنْ أراهُ حينَ يصنَعُ ذلكْ.

فقلتُ لهْ: لمْ أسقِهِ وأنا منطلِقٌ فأَسقِيهْ.

قالْ: فاعتزلْتُ ذلكَ المكانَ الذي كانَ فيهِ، فأخَذَ يدنُو منْ حسينٍ

٢٨

قليلاً قليلاً.

فقالَ لهُ رجُلٌ من قومِهِ يُقالُ لهُ المهاجرُ بنُ أوْسْ: ما تريدُ يا ابنَ يزيدْ؟ أتريدُ أنْ تَحْمِلْ؟

فسكَتَ وأخذَتْهُ رَعْدةْ.

فقالَ لهُ صاحبُهْ: يا ابنَ يزيدْ، واللهِ، إنَّ أمْرَكَ لمَريبٌ، واللهِ، ما رأيتُ منكَ في موقِفٍ قطُّ مثلَ شيءٍ أراهُ الآنْ، ولو قِيلَ لي من أشجَعُ أهلِ الكوفةِ رجلاً ما عدَوْتُكْ، فما هذا الذي أرَى منكْ؟

قالَ الحرّ:

«إنّي - واللهِ - أخيِّرُ نفسي بينَ الجنَّةِ والنارْ، وواللهِ لا أَختارُ على الجنَّةِ شيئاً ولو قطِّعْتُ وحرِّقْتْ».

ثُمَّ ضرَبَ فرسَهُ فلحقَ بالحسينِ عليهِ السلام وقالَ لهْ:

«جَعَلنِيَ اللهُ فِداكَ يا ابنَ رسولِ اللهْ، أنا صاحِبُكَ الذي حبَسْتُكَ عنِ الرجوعِ وسايَرْتُكَ في الطريقْ، وجعْجَعْتُ بكَ في هذا المكانْ. واللهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ، ما ظننْتُ أنَّ القومَ يَرُدُّونَ عليكَ ما عرَضْتَ عليهِمْ أبداً ولا يبلُغُونَ منكَ هذهِ المَنْزِلةْ. فقلْتُ في نفسي: لا أبالي أنْ أُطِيعَ القومَ في بعضِ أمرِهِمْ ولا يرَوْنَ أنّي خرَجْتُ من طاعتِهِمْ. وأمَّا هُمْ فسيَقْبَلُونَ منْ حسينٍ هذهِ الخِصالَ التي يَعْرِضُ عليهِمْ، وواللهِ، لو ظنَنْتُ أنَّهُمْ لا يقبَلُونَها منكَ ما رَكِبْتُها منكْ، وإني قدْ جئتُكَ تائباً ممَّا كانَ منّي إلى ربّي، ومُواسِياً لكَ بنفسي حتَّى أموتَ بينَ يديْكْ، أفترَى ذلكَ لي توبةْ؟».

قال عليهِ السلام:

٢٩

«نعَمْ يَتُوبُ اللهُ عليكَ ويغَفِرُ لكْ. ما اسمُكْ؟».

قالْ:

«أنا الحرُّ بنُ يزيدْ».

قالَ عليهِ السلام:

«أنتَ الحرُّ كما سمَّتْكَ أمُّكْ، أنتَ الحرُّ إنْ شاءَ اللهُ في الدنيا والآخرةْ، إنزِلْ».

قالْ:

«أنا لكَ فارِساً خيرٌ مِنّي راجلاً، أقاتِلُهُمْ على فرَسي ساعةً وإلى النُزولِ ما يَصِيرُ آخرُ أمري».

قالَ الحسينُ عليهِ السلام:

«فاصنَعْ - يرْحَمُكَ اللهُ - ما بدا لكْ»(1) .

فاستقدمَ أمامَ أصحابِهِ ثُمَّ قالْ:

أيُّها القومْ، ألا تقبَلُونَ منَ الحسينِ خَصْلةً منْ هذهِ الخِصالِ التي عرَضَ عليكُمْ فُيعافِيَكُمُ اللهُ منْ حرْبِهِ وقِتالهْ؟

قالوا: هذا الأميرُ عمرُ بنُ سعدٍ فكلِّمْهْ، فكلَّمَهُ بمثلِ ما كلَّمَهُ بهِ من قَبْلُ وبمثلِ ما كلَّمَ بهِ أصحابَهْ.

قالَ عُمَرْ: قد حرَصْتُ، لو وجَدْتُ إلى ذلكَ سبيلاً فعَلْتْ.

فقالْ:

«يا أهلَ الكوفةْ، لأُمِّكُمُ الهَبَلُ والعِبرُ إذْ دعَوْتُموهُ حتَّى إذا أتاكُمْ

____________________

1- الطبري، ج3، ص320، الإرشاد، ج2، ص100.

٣٠

أسْلَمتُمُوهْ، وزعَمْتُمْ أنَّكُمْ قاتلُو أنفسِكُمْ دونَهُ ثُمَّ عَدَوْتُمْ عليهِ لِتَقْتلُوهْ. أمسكتُمْ بنفسِهِ، وأخذْتُمْ بكَظْمِهِ، وأحطْتُمْ بهِ منْ كلِّ جانبْ فمنَعْتُمُوهُ التوجُّهَ في بلادِ اللهِ العريضةِ حتَّى يأْمَنَ ويأمنَ أهَلُ بيتِهِ، وأصبحَ في أيديكُمْ كالأسيرِ لا يَمْلِكُ لنفسِهِ نَفْعاً ولا يَدْفَعُ عنْها ضَرَّاً، وحَلأْتُموهُ ونساءَهُ وصِبْيَتَهُ وأصحابَهُ عنْ ماءِ الفراتِ الجاري (...)، وها هُمْ قد صَرَعَهُمُ العطَشْ، بِئْسَما خَلفْتُمْ مُحمَّداً في ذريَّتِهْ، لا أسْقاكُمُ اللهُ يومَ الظَمَأِ إنْ لم تتُوبوا وتَنْزِعُوا عمَّا أنتُمْ عليهِ منْ يومِكُمْ هذا في ساعتِكُمْ هذِهْ».

فحمَلَتْ عليهِ رَجَّالةٌ لهُمْ ترميهِ بالنَّبْلِ، فأقبلَ حتَّى وقَفَ أمامَ الحسينِ عليهِ السلام(1) .

____________________

1- الطبري، ج3، ص320، الإرشاد، ج2، ص99 ـ 101.

٣١

٣٢

بداية الحرب

وتقدَّمَ عمرُ بنُ سعدٍ فرمَى نحوَ عسكَرِ الحسينِ عليهِ السلام بسهمٍ وقالْ: إشهَدُوا لي عندَ الأميرِ أنّي أوَّلُ مَنْ رمى. وأقْبلَتِ السِّهامُ مَن القومِ كأنَّها المطَرْ.

فقالَ عليهِ السلام لأصحابِهْ:

«قومُوا رحِمَكُمُ اللهُ إلى الموتِ الذي لا بدَّ منهْ، فإنَّ هذهِ السهامَ رُسُلُ القومِ إليكم»(1) .

فلَمَّا ارْتَمَوْا بالسهامِ خرَجَ يَسارٌ مولَى زيادِ بنِ أبي سفيانْ، وسالِمٌ مولى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زيادْ، فقالا: مَنْ يُبارِزْ؟ لِيخْرُجْ إلينا بعضُكُمْ!

فوثَبَ حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ وبريرُ بنُ خُضَيرٍ، فقالَ لهما الحسينُ عليهِ السلام:

«إِجلسا...».

فقامَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَيرٍ الكلبيُّ، فقالْ:

«أبا عبدِ اللهْ! رَحِمَكَ اللهْ، إِئذَنْ لي فأَخْرُجَ إلَيْهِما».

فأذِنَ لهُ فشدَّ عليهِما وقتلَهما.

فأخذَتْ أمُّ وهبٍ امرأتُهُ عمُوداً ثُمَّ أقبلَتْ نحوَ زوجِها تقولُ لهْ:

____________________

1- اللهوف، ص158.

٣٣

«فِدَاكَ أبي وأمي! قاتِلْ دونَ الطيِّبينَ ذريَّةِ مُحمَّدْ».

فأقبلَ إليها يردُّها نحوَ النساءْ، فأخذَتْ تُجَاذِبُ ثوبَهُ، وهي تقول:

«لن أدعَكَ دونَ أن أموتَ معَكْ».

فناداها الحسينُ عليهِ السلام:

«جُزِيتُمْ منْ أهلِ بيتٍ خيراً، إِرجِعِي رحِمَكِ اللهُ إلى النساءْ، فإنَّهُ ليسَ على النساءِ قتالْ»(1) .

____________________

1- الطبري، ج3، ص323، الإرشاد، ج2، ص101.

٣٤

الحملة الأولى

وكانتِ الحملةُ الأُولى على مُعَسكرِ الإمامِ الحسينِ عليهِ السلام، فحمَلَ عمرُو بنُ الحَجَّاجِ في مَيْمَنةِ جيشِ عُمَرَ بنِ سعدٍ من نَحْوِ الفُراتِ فاضطربُوا ساعةْ، وما ارتفعَتِ الغَبَرَةُ إلا ومُسلِمُ بنُ عوسجةَ الأسدِيُّ صريعْ، فمشَى إليهِ الحسينُ عليهِ السلام فإذا بهِ رَمَقٌ، فقالَ لهْ:

«رحِمَكَ اللهُ يا مُسلِمْ،( فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) ».

ودَنا منهُ حبيبُ بنُ مظاهرٍ، فقالْ:

«عزَّ عليَّ مصرَعُكَ يا مُسلِمْ! أبشِرْ بالجنَّةْ!».

فقالَ لهُ مسلمٌ قولاً ضعيفاً:

«بشَّرَكَ اللهُ بخيرْ».

فقالَ لهُ حبيبْ:

«لولا أنّي أعلَمُ أني في أثَرِكَ لاحِقٌ بكَ منْ ساعتي لأحببْتُ أنْ تُوصِيَني بكلِّ ما أهمَّكْ»(1) .

فقالَ لهُ مسلمْ:

«فإنّي أُوصِيكَ بهذا ـ وأشارَ إلى الحسينِ عليهِ السلام ـ فقاتِلْ دونَهُ حتَّى تموتْ».

فقالَ لهُ حبيبْ:

____________________

1- الإرشاد.

٣٥

«لأُنعِمَنَّكَ عيناً».

ثُمَّ فاضَتْ روحُهُ الطاهرةُ، رِضوانُ اللهِ عليهْ(1) .

وهجَمَ شمرُ بنُ ذي الجوشَنِ في أصحابِهِ، على خِيَمِ الحسينِ عليهِ السلام، فحمَلَ عليهِمْ زهيرُ بنُ القينِ رحمه الله في عشَرَةٍ منْ أصحابِ الحسينِ عليهِ السلام فكشَفَهُمْ عنِ الخِيَمْ، وقُتِلَ بعضُهُمْ وتفرَّقَ الباقون(2) .

وخَرَجَ يزيدُ بنُ معْقِلٍ منْ جيشِ ابْنِ سعدٍ، فقالْ: يا بريرَ بنَ خضيرْ كيفَ ترَى اللهَ صنَعَ بكْ؟

قالْ:

«صنَعَ اللهُ - واللهِ - بي خيراً وصنَعَ اللهُ بكَ شرّاً».

قالَ: كذَبْتَ وقبلَ اليومِ ما كنتَ كذّاباً.

فقالَ لهُ بُرَيرْ:

«.. لِنَدْعُ اللهَ أنْ يلعنَ الكاذبَ وأنْ يقْتُلَ المـُبْطِلَ ثُمَّ اخرُجْ فلأُبارِزْكْ».

قالْ: فخَرَجا فرفَعا أيديَهُما إلى اللهِ يَدْعُوانِهِ أنْ يلعنَ الكاذبَ وأنْ يَقْتُلَ المُحِقُّ المُبطِلَ. ثُمَّ برَزَ كلُّ واحدٍ منْهُما لصاحبِهِ فاختلَفا ضرْبتَيْنِ فضرَبَ يزيدُ بنُ مَعْقِلٍ بريرَ بنَ خضيرٍ ضربةً خفيفةً لمْ تَضُرَّهُ شيئاً، وضرَبَهُ بريرُ بنُ خضيرٍ ضربةٍ قدَّتِ المِغْفَرَ وبلَغَتِ الدِماغْ، فخَرَّ كأنَّما هوَى من حالِقٍ، وسيفُ ابْنِ خضيرٍ لَثابتٌ في رأسه(3) .

ثُمَّ تراجَعَ القومُ إلى الحسينِ عليهِ السلام، فحمَلَ شمرُ بنُ ذي الجوشَنِ –

____________________

1- اللهوف، بتصرف يسير.

2- الإرشاد، والطبري، ص334.

3- الطبري، ج3، ص322.

٣٦

لعَنَهُ اللهُ - على أهلِ المَيْسَرةِ فَثَبتُوا لَهُ فطاعَنُوهُ، وأُحِيطُ بالحسينِ عليهِ السلام وأصحابِهِ من كلِّ جانِب، وكانَ أصحابُ الحسين عليهِ السلام أطوادَ بصيرةٍ وهدىً وثَباتٍ، يقتُلونَ كلَّ مَنْ يَبْرُزُ إليهِمْ.

فقالَ عمرُو بنُ الحجَّاجِ ـ وكانَ على الميمنةْ ـ ويلَكُمْ، يا حُمَقاءْ.

مهلاً! أتدْرُونَ مَنْ تُقاتِلونْ؟ إنَّما تقاتلُونَ فرسانَ المِصرِ، وأهلَ البصائرِ وقوماً مستمِيتينَ، لا يبرُزُ لهُمْ منكُمْ أحدٌ إلاَّ قتلُوهُ على قِلَّتِهِمْ، واللهِ، لو لم ترْمُوهُمْ إلاَّ بالحجارةِ لقتَلْتُمُوهُمْ.

فقالَ ابنُ سعدٍ: صدَقْتْ. الرَّأيُ ما رأيْتْ، فأرْسَلَ في العسكَرِ يعزُمُ عليهمْ أنْ لا يبارِزَ رجلٌ منْكُمْ، فلو خرجْتُمْ وُحْداناً لأَتَوْا عليكُمْ مُبارزَةْ(1) .

فأخذَتِ الخيلُ تحمِلُ، وأصحابُ الحسينِ يَثْبُتُونَ، وإنَّما هُمُ اثنانِ وثلاثونَ فارساً(2) ، ولم يكونُوا يحمِلونَ على جانبٍ من هذا الجيشِ إلا كَشفُوهْ.

فلمّا رأى عَزْرةُ بنُ قيسٍ - وهُوَ على خيلِ أهلِ الكوفةِ - أنَّ خيلَهُ تنكشِفُ منْ كلِّ جانبٍ، بعَثَ إلى عُمَرَ بنِ سعدٍ فقالْ: أما ترَى ما تلقَى خيلي مُذِ اليومَ منْ هذهِ العِدَّةِ اليسيرةْ؟، إِبعَثْ إليهِمُ الرِّجالَ والرُّماةْ (..)، فبَعَثَ المجَفِّفةَ ـ وهيَ قوةٌ كانَتْ تحتمِي معَ خُيولِها بالدُروعِ وخمسَمِئةٍ منَ الرُّماةِ، فأقبَلُوا حتى إذا دنَوْا من الحسين عليهِ السلام وأصحابِهِ رشقُوهُمْ بالنَّبْلِ، فلم يَلْبَثُوا أنْ عَقَرُوا خيولَهُمْ وصاروا رَجَّالةً كلُّهُمْ(3) .

____________________

1- الخوارزمي مقتل الحسين، ت: الشيخ محمد السماوي، ن: دار أنوار الهدى، قم، ط: أولى، 1418 هجرية، وقد أورده الطبري في تاريخه 4 ـ 331، باختلاف يسير.

2- مسكويه، تجارب الأمم، 2 ـ 71.

3- الطبري، ج4، ص332 ـ 333.

٣٧

صلاة الظهيرة

وبقيَ القِتالُ على أَشُدِّهِ حتَّى انتصفَ النهارْ، فكانَ إذا قُتِلَ الرجُلُ والرجلانِ من أصحابِ الحسينِ عليهِ السلام يَبِينُ ذلكَ فيهِمْ لِقلَّتِهِمْ، ولا يَبينُ القتْلُ في جيشِ عُمَرَ بْنِ سعدٍ معَ كَثْرةِ مَنْ يُقتَلُ منْهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ(1) .

وكان قد قُتلَ منْ أنصارِ الإمامِ عليهِ السلام أكثرُ منْ أربعينْ(2) .

واقتربَ وقتُ زَوالِ الشمسِ، فقالَ أبو ثُمامةَ الصائدِيّ:

«يا أبا عبدِ اللهْ! نفسِي لكَ الفِداءْ، إنّي أرَى هؤلاءِ قدِ اقتربوا منكْ، لا واللهِ، لا تُقْتَلُ حتَّى أُقتلَ دونَكَ إنْ شاءَ اللهْ، وأُحِبُّ أنْ ألقَى ربِّيَ وقد صلَّيْتُ هذهِ الصلاةَ التي قد دَنا وقتُها».

فرفَعَ الحسينُ عليهِ السلام رأسَهَ ثم قالْ:

«ذَكرْتَ الصلاةَ، جعلَكَ اللهُ من المُصلِّينَ الذاكرين، نعَمْ هذا أوَّلُ وقتِها».

ثُمَّ قالَ عليهِ السلام:

«سَلُوهُمْ أنْ يَكُفُّوا عنَّا حتّى نصلّي».

ففعلوا(3) .

____________________

1- الإرشاد والطبري، 4 ـ 334.

2- ابن شهر آشوب، المناقب 3 ـ 259، وقد عد منهم اثنين وأربعين شهيداً.

3- الطبري، ج3، ص326.

٣٨

فقالَ لهُمُ الحُصَينُ بنُ تميمْ: إنَّها لا تُقْبَلْ.

فردَّ عليهِ حبيبُ بنُ مُظاهِرْ:

«زعمْتَ الصلاةَ منْ آلِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِمْ وسلم لا تُقْبَلُ، وتُقْبَلُ منكَ يا خَمَّار!»(1) .

فحمَلَ عليهِ الحصينُ بنُ تميمٍ فخرَجَ إليهِ حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ فضرَبَ وجْهَ فرسِهِ بالسيفِ، فشَبَّ ووقَعَ عنهْ، وحمَلَهُ أصحابُهُ فاستنقذُوهْ.

وأخذَ حبيبٌ يقولْ:

أُقسِمُ لو كنا لكم أعدادا

أو شَطْرَكُمْ ولَّيْتُمُ أكتادا

يا شرَّ قومٍ حسَبَاً وآداً

وجعَلَ يقولُ يومَئذٍ:

أنتُمْ أعدُّ عُدَّةً وأكثرُ

ونحنُ أوفَى منكُمُ وأصْبَر

ونحنُ أعلى حُجَّةً وأظهَرُ

حقاً وأتقَى منكُمُ وأعْذَرُ

وقاتلَ قتالاً شديداً حتّى استُشْهِدَ، فهدَّ ذلكَ الحسينَ عليهِ السلام، وقال:

«عندَ اللهِ أَحتسِبُ نفسي وحُماةَ أصحابي»(2) .

وكانَ حبيبٌ منْ خواصِّ أميرِ المؤمنِينَ عليهِ السلام، ومنَ السبعينَ الذين نصَرُوا الحسينَ عليهِ السلام ولَقُوا جبالَ الحديدِ واستقبَلُوا الرِماحَ

____________________

1- تؤكده عدة أمور منها ما في مثير الأحزان للشيخ الخليل ابن نما، ص49، (... وتقبل منك وأنت تشرب الخمر).

2- الطبري، ج3، ص327، الكامل في التاريخ، ج3، ص292.

٣٩

بصُدورِهِمْ والسيوفَ بوُجوهِهِمْ، وهمْ يُعْرَضُ عليهِمُ الأمانُ والأموالُ فيأبَوْنَ ويقولُونَ لا عُذْرَ لنا عندَ رسولِ اللهِ إنْ قُتِلَ الحسينُ وفينا عَيْنٌ تَطْرِفُ حتَّى قُتلوا حولَهْ..

ولما قُتِلَ حبيبٌ أخَذَ الحرُّ يقاتِلُ راجلاً، فحمَلَ على القومِ معَ زهيرِ بنِ القَيْنْ، فكانَ إذا شَدَّ أحدُهُما فاستلْحَمَ شدَّ الآخرُ واستنقذَهْ، ففعَلا ذلكَ ساعةْ.

فبَيْنا الناسُ يتجاوَلُونَ ويقْتتِلُونَ والحُرُّ يَحْمِلُ على القومِ مُقْدِماً، فبرَزَ لهُ يزيدُ بنُ سُفيانْ، فما لَبِثَ الحرُّ أنْ قتلَهُ(..)(1) .

واستبسَلَ يضربُهُمْ بسيفِهِ وتكاثَرُوا عليهِ حتَّى استُشهِدَ رِضوانُ اللهِ عليهْ، فحمَلَهُ أصحابُهُ ووضعُوهُ بينْ يدَيْ الإمامِ الحسينِ عليهِ السلام وبهِ رَمَقٌ، فجعَلَ الحسينُ عليهِ السلام يمسَحُ وجهَهُ ويقولْ:

«أنتَ الحرُّ كما سمَّتْكَ أمُّكْ، وأنتَ الحرُّ في الدنيا وأنتَ الحرُّ في الآخرةْ»(2) .

وصلَّى الحسينُ عليهِ السلام بأصحابِهِ صلاةَ الظُّهرْ.

فوصَلَ إلى الحسينِ عليهِ السلام سهمٌ فتقدَّمَ سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الحنَفِيُّ ووقَاه بنفسِهِ ما زالَ ولا تخَطَّى حتَّى سقَطَ إلى الأرضِ وهُوَ يقولْ:

«أللَّهُمَّ العنْهُمْ لعنَ عادٍ وثمودْ، اللهمَ أَبْلِغْ نبيَّكَ عنّي السلامَ وأبْلِغْهُ ما لَقِيتُ من ألَمِ الجِراحِ فإنّي أردْتُ ثوابَكَ في نَصْرِ ذريَّةِ نبيِّكْ».

____________________

1- الطبري، 4 ـ 330 ـ 331، والإرشاد.

2- اللهوف 62، ورواه الطبري، ولكن عند التحاق الحر بالإمام عليه السلام.

٤٠