مقتل العباس (عليه السلام)

مقتل العباس (عليه السلام)0%

مقتل العباس (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 394

مقتل العباس (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم
تصنيف: الصفحات: 394
المشاهدات: 73818
تحميل: 10679

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 394 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73818 / تحميل: 10679
الحجم الحجم الحجم
مقتل العباس (عليه السلام)

مقتل العباس (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومن جلالته، أنّه لمـّا وقعت الفتنة بعد وفاة أبي محمّد العسكريعليه‌السلام ، وكثر الفحص والطلب من زبانية الإلحاد وطواغيت الوقت على بيت الإمامة ونسائه، وجواريه وإمائه؛ حذار وجود البقيّة منه أو وجود حامل منهم تلده، لِما بلغ الطاغية أنّ الخلف بعد أبي محمّد العسكريعليه‌السلام يُدمّر دولة الباطل، فحسبه في العاجل وهو آجل، فعند ذلك انتقلت الكريمة الطاهرة اُمّ الإمام المنتظر عجّل الله فرجه ( نرجس ) سلام الله عليه وعليها إلى بيت أبي عبد الله هذا، كما نصّ به النّجاشي؛ للحفظ من عادية المـُرجفين(١) .

وإنّ الاعتبار لا يدعنا إلاّ أنْ نقول: بأنّ بيتاً يحوي اُمّ الإمامعليه‌السلام لا بُدّ أنْ يكون مُختلف وليِّ الدهر وصاحب العصر، النّاهض بعبء خلافة الله الكبرى، ومحطّ أسراره ومرتكز أمره، ومجرى علومه ومصبّ معارفه، ليتعاهد الحُرّة الطيِّبة اُمّه نرجس، ويكونعليه‌السلام هو المجتبى في صدر ذلك الدست، والمـُتربّع على منصّة عزّه.

ولا شكّ أنّ أبا عبد الله هذا يقتبس من علومه ويستضيء بأنواره، وحينئذٍ فدون مقامه إطراء العلماء له، كقول النّجاشي والعلاّمة: ثقة جليل، وكقول ابن داود: عين في الحديث، صحيح الاعتماد(٢) ، كتوثيقات الوجيزة، والبلغة، والمشتركات، وحاوي الأقوال.

____________________

(١) رجال النّجاشي / ٣٤٧، ولكنْ في كمال الدِّين وتمام النّعمة للصدوق / ٤٥٩، ح٧، قال: فماتت [ يعني اُمّ الإمام الحُجّة ] في حياة أبي محمّدعليه‌السلام .

(٢) رجال النّجاشي / ٣٤٧، ٩٣٨، وهذه عبارته وليست عبارة ابن داود، وارجع إلى رجال الحلّي / ٣٦٠، ١٠٦، ونقد الرجال ٤ / ٢٧٤، ٤٩٢٦، ٥٧٠، وغيرها.

٣٢١

وقال ابن عنبة في العمدة: نزل البصرة، وروى الحديث عن علي بن موسى الكاظمعليه‌السلام وغيره، بها وبغيرها، وكان مُتوجّهاً عالماً شاعراً. وقال النّجاشي: له رواية عن أبي الحسن وأبي محمّدعليهما‌السلام ، وإنّ له مكاتبة، وله مقاتل الطالبيِّين(١) . فحسبُ سيّدنا المـُترجَم أبو يعلى من الشرف أنْ يكون معماً بمثله، وناهيه من الفضيلة أنْ يكون خرِّيجاً لمدرسته.

ووالد أبي عبد اللّه هذا فهو علي بن حمزة بن الحسن، نصّ النّجاشي والعلاّمة الحلّي وفي الوجيزة والبلغة على ثقته.

وأبو حمزة الشبيه بجدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام جليل القدر عظيم المنزلة، خرج توقيع المأمون بخطهِ: يُعطى لحمزة بن الحسن لشبهه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب مئة ألف درهم. قاله ابن عنبة في العمدة(٢) .

وأبو حمزة هذا [ هو ] الحسن بن عبيد اللّه، فذكر النّسّابة العمري في المجدي: أنّه كان لاُمّ ولد، روى الحديث، وعاش سبعاً وستِّين سنة(٣) . ووافقه على عمره أبو نصر البخاري في سرّ السّلسلة، وذكر أنّ العدد والثروة في ولده، وأنّ اُمّه واُمَّ شقيقه عبد اللّه بنت عبد اللّه بن معبد بن العبّاس بن عبد المـُطّلب(٤) .

قلتُ: والظاهر أنّ في النّسخة غلط نسياني؛ فإنّ أبا نصر نفسه

____________________

(١) مُعجم رجال الحديث للخوئي ١٧ / ٣٥١، ١١٣٢١ ت.

(٢) عمدة الطالب لابن عنبة / ٣٥٨.

(٣) المـُجدي في أنساب الطالبيِّين / ٢٣١.

(٤) سرّ السّلسلة العلويّة للبخاري / ٩٠.

٣٢٢

ذكر أنّ التي كانت تحت عبيد اللّه بن العبّاسعليه‌السلام هي اُمّ أبيها بنت معبد بن العبّاس لا ابنة ابنه.

وعبيد اللّه بن العبّاس أبو الحسن، ذكر الشيخ العلاّمة علي بن يوسف بن المـُطهّر - أخو آية اللّه العلاّمة الحلّي - في العدد القويّة، عن الزبير بن بكار: أنّه من العلماء.

وقال أبو نصر البخاري: تزوّج أربع عقائل كرام: رقية بنت الإمام الحسن السّبطعليه‌السلام ، واُمّ عليٍّ بنت السّجادعليه‌السلام لم تلد منه، واُمّ أبيها بنت معبد بن العبّاس بن عبد المـُطّلب، وابنة المـُسوّر بن مخزوم الزُّبيري(١) .

وأمّا سيّدنا أبو الفضل العبّاس قمر بني هاشم، الذي هو بمنقطع الفضل ومنتهى الشرف، وغاية الجلالة وقصارى السّؤدد، فالبيان يتقاعس؛ إنّه جاء ممدوحاً بلسان أئمّة الدِّينعليهم‌السلام كابن أخيه الإمام السّجادعليه‌السلام ، ثُمّ الإمام الصادقعليه‌السلام .

ولسيّدنا المـُترجَم أبي يعلى في أرض الجزيرة بين الفرات ودجلة من جنوب الحلّة السّيفيّة مشهدٌ معروف في قرية تُعرف باسمه ( قرية الحمزة )، بالقرب من قرية المزيديّة؛ يُقصد بالزيارة، وتُساق إليه النّذور، ويُتبرّك به، وتُعزى إليه الكرامات، تتناقلها الألسن ويتسالم عليها المشاهدون وتخبت بها النّفوس، وكان في ذي قبل يُعرف بمشهد ( حمزة بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ).

وبمّا أنّ الثابت في التاريخ والرجال أنّ قبر حمزة المذكور في الرَّي، إلى جنبِ مشهد السيّد الأجلّ عبد العظيم الحسني سلام اللّه عليهما،

____________________

(١) سرّ السّلسلة العلويّة للبخاري / ٩٠.

٣٢٣

كان سيّد العلماء والفقهاء المـُجاهدين سيّدنا المهدي القزويني، بعد أنْ هبط الحلّة الفيحاء، وأقام فيها دعامة الدِّين وشيّد أركان المذهب، يمرّ بهذا المشهد حين وفوده إلى بني زبيد للإرشاد والهداية، ولا يزوره؛ ولذلك قلَّت رغبةُ النّاس في زمانه.

فصادف أنْ مرّ به مرّة، فطلبَ منه أهلُ القرية زيارة المرقد المـُطهّر، فاعتذر بما قدّمناه، وقال: لا أزور مَن لا أعرفه. فبات ليلةً وغادر القرية من غدٍ إلى المزيديّة وبات بها، حتّى إذا قام للتهجُّد في آخر الليل وفرغ من عمله، طفق يراقب طلوع الفجر، إذْ دخل عليه رجلٌ في زيٍّ علوي شريف من سادة تلك القرية، يعرفه المهدي بالصلاح والتقوى، فسلّم وجلس، وقال له: استضفت أهل الحمزة، وما زرت مشهده؟! قال: نعم. قال: ولم ذلك؟ فأجابه بما قدّمناه من جوابه لأهل القرية.

فقال العلوي المذكور:رُبَّ مشهورٍ لا أصل له . وليس هذا قبر حمزة بن موسى الكاظمعليه‌السلام كما اشتُهر، وإنّما هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العبّاسي، أحد علماء الإجازة وأهل الحديث، وقد ذكره أهل الرجال في كتبهم وأثنوا عليه بالعلم والورع.

فحسبَ سيّدنا الحجّة المهدي أنّه أخذ هذا من أحد العلماء؛ لأنّه كان من عوام السّادة، وأين هو من الاطّلاع على الرجال والحديث؟! فاغفل عنه ونهض لفحص الفجر، وخرج العلوي من عنده.

٣٢٤

ثمّ أدّى السيّد الفريضة وجلس للتعقيب حتّى مطلع الشمس، وراجع كُتب الرجال التي كانت معه، فوجد الأمر كما وصفه الشريف العلوي الداخل عليه قُبيل الفجر، ثُمّ ازدلف أهلُ القرية إليه مُسلّمين عليه، وفيهم العلوي المـُشار إليه، فسأله عن دخوله عليه قُبيل الفجر وإخباره إيّاه عن المشهد وصاحبه، عمّن أخذه، ومن أين له ذلك.

فحلف العلوي باللّه أنّه لم يأته قبل الفجر، وأنّه كان بائتاً خارج القرية في مكان سمّاه، وأنّه سمع بقدوم السيّد فأتاه زائراً في وقته هذا، وأنّه لم يره قبل ساعته تلك. فنهض السيّد المهدي من فوره وركب لزيارة المشهد، وقال: الآن وجب عليَّ زيارتُهُ - وإنّي لا أشكّ أنّ الداخل عليه هو الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه) - وركب الطريق معه أهل المزيديّة(١) .

ومن يومئذ اشتهر المرقد الشريف بالاعتبار والثبوت، وازدلفت الشيعة إلى زيارته والتبرك والاستشفاع إلى اللّه تعالى به. وبعد ذلك نصَّ سيّدنا المهدي عليه في فلك النّجاة، وتبعه على ذلك من بعده العلاّمة النّوري في تحيّة الزائر، والعلاّمة المامقاني في تنقيح المقال، وشيخنا المحدّث القمّي في الكنى والألقاب(٢) .

أخذنا هذا النّبأ العظيم من جنّة المأوى للعلاّمة النّوري.

هذا ما كتبه شيخنا العلاّمة ميرزا محمّد علي الاُوردبادي أيَّده اللّه.

____________________

(١) الكنى والألقاب ١ / ١٨٦.

(٢) شجرة طوبى للحائري / ١٧٣.

٣٢٥

عمارةُ المشهد:

تمهيد:

لا شكّ في رجحان عمارة قبور الأولياء المـُقرّبين، لا سيما مَن حظي منهم بشرف المنبت النّبوي الطاهر الذي هو معدود من أكبر الفضائل؛ لأنّه لا يزال بمجرّده مُتواصل العرى، يحدو بصاحبه إلى أوج العظمة، وكُلّ سببٍ ونسب مُنقطع يوم القيامة إلاّ نسبه وسببهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو مُشرِّف مَن تحلَّى به في الدُّنيا والآخرة، فكيف به إذا كان مشفوعاً بعلم وتقىً، ومآثر ومفاخر؟!

١ - لأنّه من تعظيم شعائر اللّه:( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) . ومن موارد حرماته المـُعيّنة بقوله تعالى:( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) (٢) .

وإذا كانت البُدن من الشعائر له سبحانه:( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ) (٣) . وليست البُدن إلاّ بهيمة تُنحر في مرضات اللّه سبحانه وفي سبيل طاعته، والشعار فيها نحره، فلماذا لا يكون عملُ الوليِّ المـُقرَّب، الشَّهيد الصدِّيق المنحور على الدعوة الإلهيّة، والمراق دمه الطاهر على مجزرة الشّهادة، من مستوى القدس، من جملة الشعائر والحُرمات التي يجب تعظيمها؛

____________________

(١) سورة الحج / ٣٢.

(٢) سورة الحج / ٣٠.

(٣) سورة الحج / ٣٦.

٣٢٦

بتعاهد مرقده الأطهر، وقصده بالزيارة والعبادة فيه، وعمارته عند الانهدام؛ ليأوى إليه الزائر ويتفيّأ بظلّه للتعبُّد، كما أنّ الأمر بطواف البيت يستدعي عمارته كُلّما أوشك أنْ يتضعضع بنيانه؟!

٢ - على أنّ رجالات بيت النّبوَّة هم:( فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (١) . والمـُراد من البيت: ما كان مسقوفاً؛ ولذلك أطلقه في الكتاب المجيد على الكعبة المـُعظَّمة، حيث يقول:( الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) (٢) . لكونها مسقوفة، ولم يُرد من البيوت مطلق المساجد أو المساجد الأربعة، وهي: المسجّد الحرام، ومسجد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة، والبصرة.

فالمساجد كُلّما ذُكرت في القرآن اُطلق عليها المسجّد دون البيت، مثل قوله تعالى:

( لَمَسْجِدٌ اُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ) (٣) .

( عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدِ ) (٤) .

( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ) (٥) .

( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ) (٦) .

( شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (٧) .

( وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (٨) .

____________________

(١) سورة النّور / ٣٦.

(٢) سورة المائدة / ٩٧.

(٣) سورة التوبة / ١٠٨.

(٤) سورة الأعراف / ٢٩.

(٥) سورة التوبة / ١٠٧.

(٦) سورة الكهف / ٢١.

(٧) سورة البقرة / ١٤٤.

(٨) سورة البقرة / ١٩١.

٣٢٧

والمساجد بمقتضى تشريعها مكشوفة، والسّقف الموجودة فيها حادثة؛ لقصد أنْ يأوي إليها الوفود من المرامي السّحيقة الذين لا مأوى لهم، لتكنّهم من قائض الحرّ وقارص البرد، فلا يُناسب إطلاق البيت عليها؛ لأنّه عبارة عن المحلّ المسقوف، ولا يُطلَق على غير المسقوف، ولذلك تجد إطلاق بيوت الأعراب على أخبيتهم دون الصحاري التي يسكنونها، ومن ذلك اُطلق البيت على الكعبة لكونها مسقوفة.

وكما لا يُراد من تلك البيوت - التي يجب( أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) - المساجد، لا يُراد منها خصوص الكعبة المشرّفة؛ لأنّ لفظ البيوت في الآية جمعٌ، وحينئذ فمِن المـُتعيّن أنْ يُراد منها بيوتات تكون مستوى لذكر اللّه والدعوة إليه؛ إمّا بألسنة ساكنيها أو بأعمالهم وجهادهم، فتكون تلك البيوت منبثق أنوار اللّه.

وإذا فتَّشنا بيوت العالَم فلا نجد ما هو أولى بصدق هذه البيوت عليهم، إلاّ بيوت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين أنفذوا طاقاتهم في رفع كلمة اللّه العلي وتوحيده، والتذكير بوعده ووعيده، فكانت مقصورةً على ذلك دعوتُهم، منحصراً به هتافُهم حتّى أثبتوه على جبهة الدهر، وكتبوا بدمائهم الزاكية على صحيفة الزمان، مع ما لهم من الدؤوب على العبادة والتلاوة في آناء الليل وأطراف النّهار، وللنّاس بهم اُسوة حسنة.

وليس من الرأي السّديد قصرها على بيوتهم التي يسكنونها أيّام حياتهم - بل تعمّها - ومشاهدهم المـُقدّسة؛ فإنّهم( أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) . وإذا ثبت في الشُّهداء - وهم دونهم بمراتب - أنّهم

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٦٩.

٣٢٨

أحياءٌ، فإنّ أهل البيتعليهم‌السلام أولى بذلك؛ لأنّهم الدعاة إلى سبيل ربّهم بالحكمة والموعظة الحسنة، أحياءً وأمواتاً، وشهداء في سبيل تلك الدعوة المـُقدّسة، وشهداء على أعمال الاُمّة المرحومة.

وعليه فلا يخلو: إمّا أنْ يُراد من الرفع في الآية خصوص العمارة وتشيدها، كما هو الظاهر على حدّ قوله تعالى:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ ) (١) . أو يُراد مُطلق التعظيم؛ وممّا لا شكّ فيه أنّ من أظهر مصاديقه عمارتها وتجديدها عند أولها إلى الخراب، لتتمّ بقيّة أقسام التعظيم؛ من تفيِّئ المـُتعبّدين، وانتجاع المـُزدلفين إليها، واختلاف الزوّار إليها، وذكر اللّه سبحانه، والصلاة والترحّم على أولياء اللّه المتبوّئين هاتيك المشاهد المـُطهّرة، وتكون تلك القباب والأبنية الشاهقة كنارٍ تدلّ الوافدين على ما هناك من ضالَّتهم المنشودة.

٣ - ثُمّ إنّ في الكتاب العزيز شيئاً آخر دلّنا على مشروعية البناء على مراقد الصالحين، واتخاذ خصوص المساجد عليها، وهو قوله جلّ شأنه:( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ) (٢) . وذلك أنّ المؤمنين مع ملِكِهم ( بيدروس )، وكان موحّداً، لمـّا وصلوا إلى أصحاب الكهف واطَّلعوا على موتهم في مكانهم، أمر الملك أنْ يُتركوا في مكانهم، ويُبنى على باب الكهف مسجدٌ يتعبّد فيه النّاس ويتبرّكون بمكانهم(٣) .

____________________

(١) سورة البقرة / ١٢٧.

(٢) سورة الكهف / ٢١.

(٣) تفسير البغوي ٣ / ١٥٢، الكشّاف عن حقائق التنزيل ٢ / ٤٧٨، تفسير النّسفي ٣ / ٩، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ٢ / ١٨٥، تفسير أبي السّعود ٥ / ٢١٥، تفسير الآلوسي ١٥ / ٢٣٤، الكامل في التاريخ ١ / ٣٥٩، قصص الأنبياء للرواندي / ٢٦١، قصص الأنبياء للجزائري / ٥٢.

٣٢٩

وهذا منه سبحانه، وإنْ كان إخباراً عن عمل اُمّة سابقة على الإسلام، لكنّه مقرون بالتقرير من اللّه عزّ ذكره، وعدم الإنكار عليهم، وكُلّما كان الحكم غير مُنكر من الإسلام فهو مستصحبُ البقاء، والنّسخ وإنْ وقع في الشريعة لكنّه لمجموع هاتيك الشرائع لا لجميعها، فهو كالعشرة الإبراهيمية(١) التي لم تُنسخ ولا تُنسخ أبداً كغيرها من الأحكام المـُستصحبة.

وإذا أجازت الشريعة الإلهيّة بناء المسجد على اُولئك الصالحين من فتية الكهف للعبادة والتبرّك بهم، فالحكم شرع سواء فيهم وفي مَن هو أفضل منهم؛ ألا وهُم الحُججُ المعصومون، والأولياء المـُقرّبون من هذه الاُمّة المرحومة.

وعلى هذا النّهج اللاحب جاءت سنّة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا دفن عثمان بن مظعون أمر بحجر فوضع عند رأسه؛ مُعلّلاً بأنّه يُعلم منه قبر أخيه ليُدفن إليه مَن مات من أهل بيته، وهذا الحجر أخذه مروان بن الحكم ووضعه على قبر عثمان بن عفان، فكلّمته بنو اُميّة، وقالوا: كيف تأخذ حجراً وضعه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فلم يعبأ بهم(٢) .

____________________

(١) خمسة من هذه العشرة في الرأس، وهي: أخذ الشارب، وإعفاء اللّحى، وطمّ الشعر، والسّواك، والخلال، وخمسة في البدن: الختان، وتقليم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء، وحلق الشعر من البدن، تفسير القمّي ١ / ٥٩، التفسير الصافي للفيض الكاشاني ١ / ١٨٦، مجمع البحرين للطريحي ١ / ٢٤٧.

(٢) وفاء الوفاء للسمهودي ٢ / ٨٥، وبعضها في نيل الأوطار للشوكاني ٤ / ١٣٢، بحار الأنوار ٤٨ / ٢٩٧، السّنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٤١٢، السّيرة الحلبيّة ٢ / ٢٩٠.

٣٣٠

وإذا كان وضع الحجر للتعريف بالقبر، فلا ريب أنّ البناء على القبر أوفى بهذه العلّة من وضع الحجر، فيكون راجحاً بالأولويّة.

على أنّ اهتمام النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بتعريف قبر عثمان دون غيره من المسلمين يدلّنا على امتياز بعضهم عن بعض بالفضل والعلم، والورع والمعرفة، وحينئذ يكون البناء على قبور الأنبياء والأوصياء والأولياءعليهم‌السلام ، والأمثل فالأمثل، امتيازاً عن غيرهم، وإعلاماً لهم بما مِن شأنٍ ورفعة أولى وأرجح.

وكانت فاطمة الزهراءعليها‌السلام تزور قبرَ حمزة وترمُّه وتُصلحه، وقد علّمته بحجر(١) ، فدلّ على أنّ إصلاح القبر وتعاهده كي لا تندرس آثاره معروفٌ في زمن الشارع المـُقدّس، وإلاّ لما فعلت ذلك سيّدة نساء العالمينعليها‌السلام ، والوحي يُنزل في بيتها.

وإصلاح القبر يختلف باختلاف الأوقات والأزمنة، فقد تقتضي الحالة والوقت إصلاح القبر بجمع ترابه ووضع الحجر عليه، وقد تقتضي بناء قبّة عليه أو وضع جدار حوله؛ ومن أجل ذلك دفنوا النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجرة عائشة، وكانت مُسقّفة بجريد النّخل، وأوّل مَن بناها باللبن عمر بن الخطّاب(٢) .

ثُمّ إنّ عبد اللّه بن الزُّبير شيّد جدران قبر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعلها مرتفعة، وفي سنة ١٩٣ هـ أمر الرشيد وإليه على المدينة أبا البُختري أنْ يبني سقف الحجرة، ثُمّ المتوكّل أمر واليه على

____________________

(١) السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام للبيّومي / ١٣٤.

(٢) وفاء الوفاء للسمهودي ١ / ٣٨٣، السّيرة النّبويّة لابن كثير ٤ / ٥٤١، سُبل الهدى والرَّشاد للصالحي.

٣٣١

الحرمين إسحاق بن سلمة أنْ يُشيّد حجرة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بحجارة الرخام، ففعل ذلك سنة ٢٤٢ هـ.

وفي الأوراق البغدادية للسيّد إبراهيم الراوي: إنّ المسلمين لمـّا فتحوا بلاد الشام وبيت المقدس، ورأوا على قبور الأنبياء المباني لم يهدموها، ومن أشهرها البناءُ الذي على قبر إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، وقد رأى ذلك عمر بن الخطّاب فلم يهدمه ولم يأمر بهدمه. وغير خفيّ أنّ تقرير الصحابة - وفيهم الخلفاء - ذلك العمل دليلٌ قويٌّ على تعارف البناء على القبور وجوازه لديهم.

وحدّث محمّد بن الحنفيّة المـُتوفّى سنة ٨١ هـ: أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله دفن فاطمة بنت أسد في موضع المسجد الذي يُقال له اليوم: ( قبر فاطمة )، وفيه دلالة - كما عند السّمهودي - على أنّ قبرها كان عليه مسجدٌ يُعرف به ذلك الزمان(١) ، وهو في المئة الاُولى من الهجرة، كما كان على قبر حمزة بن عبد المـُطّلب مسجداً يومئذٍ(٢) .

وكما بُني على قبر العبّاس بن عبد المـُطّلب قبّة دُفن فيها الحسن والسّجاد(٣) ، والباقر(٤) والصادق عليهم‌السلام (٥) ، ففي المئة الاُولى والثانية كانت القبّة على قبر العبّاس موجودة.

وإنّ الخطيب البغدادي المولود سنة ٣٩٢ هـ حكى في ترجمة الإمام الكاظمعليه‌السلام : أنّه دُفن في مقام الشونيزية ( مقابر قريش ) خارج القبّة، وقبره هناك مشهور يُزار... إلى آخره.

____________________

(١) تاريخ المدينة لابن شبّة النّميري ١ / ١٢٣.

(٢) المصدر السّابق ١ / ١٢٦.

(٣) وفيات الأعيان ٣ / ٣٦٩.

(٤) وفيات الأعيان ٤ / ١٧٤، الوافي بالوفيات ٤ / ٧٧.

(٥) وفيات الأعيان ١ / ٣٢٧.

٣٣٢

فدلّ على أنّه كان يوم وفاة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام قبّة في مقابر قريش(١) ؛ وعليه يكون وضع القباب على القبور متعارفٌ بين المسلمين، لم تُنكره علماء تلك العصور مع تبصّرهم بأحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن هنا لم يمتنع الخلفاء من وضع القباب على قبور أسلافهم؛ فهذا الرشيد بنى قبّة على قبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (٢) ، وبنى المأمون على قبر الرشيد قبّة(٣) مع أنّ عصره كان حافلاً بالعلماء كالشافعي وابن حنبل وسفيان بن عيينة وغيرهم، فلم يُنكر عليه أحدٌ.

ولمـّا توفِّي المعزّ البويهي سنة ٣٥٦ هـ دُفن في داره، ثُمّ نُقل إلى مشهد بُنيَ له في مقابر قريش(٤) ، وابن وكيع الشاعر المـُتوفّى ٣٩٣ هـ دُفن في المقبرة الكبرى في القبّة التي بُنيت له بها(٥) ، وأبو تمّام المـُتوفّى سنة ٢٧١ هـ بنى على قبره نهشل بن حميد الطوسي قبّة(٦) .

____________________

(١) في تاريخ بغداد ١٣ / ٢٩، فقدم هارون مُنصرفاً من عمرة شهر رمضان سنة تسع وتسعين، فحمل موسىعليه‌السلام معه الى بغداد، وحبسه بها إلى أنْ توفّي في محبسه.

نعم في الإرشاد للمفيد ٢ / ٢٤٣: ثم حُمل فدُفن في مقابر قريش. وكذلك في غيره، ومقابر قريش معروفة أنّها في بغداد.

(٢) عمدة الطالب / ٦٢.

(٣) بحار الأنوار ٤٨ / ٣٢٣.

(٤) وفيات الأعيان ١ / ١٧٤.

(٥) وفيات الأعيان ٢ / ١٠٦.

(٦) وفيات الأعيان ٢ / ١٧.

٣٣٣

فما قيل من أنّ هذه القباب حدثت منذ القرن الخامس، فهي من البدع غير المعروفة في زمن الشارع المـُقدّس، وما بعده من الأكاذيب الفاضحة.

فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ البناء على القبور وعمارتها، وتجديدها وتعاهدها أمرٌ راجح وعليه الاُمّة الإسلاميّة من دون نكير بينها، ويتأكّد في قبور الأولياء المـُقرّبين، والشُّهداء الصدّيقين، والعلماء الصالحين، وذوي المآثر والفضائل؛ لأنّ فيه تعريفاً بالميّت وتنويهاً بمقامه، ليزوره الزائر، ويستريح إليه المـُتعبّد؛ لكونه من الأمكنة المحبوبة للّه تعالى، فيها الذكر والطاعة، وتحصيل المصالح الدينيّة.

وبذلك اتّفقت كلمة العلماء الذين هم أعرف الاُمّة بموارد الأمر والنّهي، بل زادوا على البناء والعمارة تزيينها بالمـُعلّقات والفرش والسّتائر، وكُلّ ما فيه احترامهم وتعظيمهم، مدّعين على ذلك - بعد الإجماع والاتّفاق - أنّه من الشعائر، وعدم إنكار الأئمّةعليهم‌السلام في عهود كانوا ظاهرين فيها، والأخبار الكثيرة الدالّة على ميلهم ورضاهم به، وقد أمرت بالوقوف على باب الروضة أو القبّة أو النّاحية المـُقدّسة، والاستئذان، وتقبيل القبّة والدعاء عند ترائي القبّة الشريفة، وغيرها ممّا يتوقّف على وجود الباب والقبّة والعتبة، المتوقّف كُلّه على البناء، فلولا البناء أين تكون القبّة؟ وأين الباب؟ وأين العتبة؟ وأين الاستئذان عنده؟!

مع صراحة خبر أبي عامر - واعظ أهل الحجاز - عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه:« إنّ اللّهَ سبحانهُ جعلَ قلوبَ نُجباءٍ مِنْ خلقهِ، وصفوةٍ مِنْ عبادهِ تحنُّ إليكُمْ، وتحتملُ الأذَى

٣٣٤

والمذلّةَ فيزورونَ قُبورَكُمْ، ويُكثرون زيارتَهُمْ؛ تقرّباً منهم إلى اللّهِ تعالى، ومودّةً منهم لرسولِهِ، اُولئكَ المخصوصونَ بشفاعَتي، الواردونَ حوضِي، وهُمْ زوَّاري غداً في الجنّة.

يا عليُّ، مَنْ عمَّر قبورَكُمْ وتعاهدَها، فكأنَّما أعانَ سُليمانَ على بناءِ بيتِ المقدسِ... إلى أنْ قال:ولكنّ حثالةً مِنَ النّاسِ يُعيّرونَ زوّارَكُمْ كما تُعيَّر الزَّانيةُ بزناها، اُولئك شرارُ اُمّتي، لا نالتهم شفاعتِي » (١) .

وحينئذ فلا ريب في تخصيص العمومات المانعة من تجصيص القبر وتجديده، بل ادّعى صاحب الجواهر أعلى اللّه مقامه: أنّ البناء على قبور الأئمّةعليهم‌السلام والصُّلحاء من ضروري المذهب، بل الدِّين(٢) .

على أنّ النّهي عن التجصيص معارضٌ بما هو أقوى منه سنداً ودلالة وأكثر عدداً، ومنه حديث صفوان: زار الصادقُعليه‌السلام قبرَ جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وذكر فضل زيارته واستئذانه منه أعلام الشيعة بهذا الفضل، إلى أنّ قال: وأعطاني دراهمَ فأصلحتُ القبر(٣) .

ويُحدّث يونس بن يعقوب: أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام عند رجوعه من بغداد ماتت ابنة له بـ ( فيد )، فدفنها وأمر بعض مواليه أنْ يجصّص

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ / ٢٢، المزار للشيخ المفيد / ٢٢٨، وغيرهما من المصادر باختلاف في بعض الألفاظ.

(٢) جواهر الكلام ٤ / ٣٤١، وعبارته بعد الكلام عن القبور كالتّالي: وحاصل الكلام أنّ استحباب ذلك كاستحباب المقام عندها، وزيارتها وتعاهدها كاد يكون من ضرورات المذهب إنْ لم يكن الدِّين.

(٣) الغارات للثقفي ٢ / ٨٥٦، فرحة الغري لابن طاووس / ١٣٢، بحار الأنوار ٩٧ / ٢٨٠.

٣٣٥

قبرها، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر(١) .

وماتت اُمّ الإمام الحجّة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) في أيّام أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ، فدُفنت في الدار، وكُتب على لوح: هذا قبر اُمّ محمّدعليه‌السلام . ووضع في القبر(٢) . وليس هو من خصائص أولادهم، وإنّما جرى الأمر على العادة المألوفة من التعريف بالميّت والتنويه بذكره، فيكون الفعل في غيرها من الأنبياءعليهم‌السلام ، والعلماء الصالحين أولى وأرجح وأأكد.

والمراد من البناء المكروه - كما نصّ عليه الأردبيلي وكاشف الغطاء(٣) - هو ما كان فوق القبر، بحيث يصير القبر تحت الحائط؛ فإنّه غير مناسب لحرمة الميّت، وأمّا البناء المتعارف المتداول بحيث يكون القبر تحت القبّة، فلا يشمله النهي، كما لا يشمل عمارة القبّة وتجصيصها وتزيينها، ولا وضع الصناديق المـُزيَّنة والأقمشة النفيسة على القبور والوقف لها.

وإليكَ أسماء مَن تعرّض لهذا الحكم من علمائنا عند مسألة تجصيص القبور من أحكام الأموات وغيرها، مرتَّبين على سنة الوفاة:

١ - السيّد عبد الكريم بن طاووس في الفرحة، المـُتوفّى سنة ٦٩٣ هـ(٤) .

____________________

(١) الكافي ٣ / ٢٠٢، ح٣، التهذيب ١ / ٤٦١، ح ١٤٦، الاستبصار ١ / ٢١٧، ح٢، وغيرها من المصادر.

(٢) كمال الدِّين للصدوق / ٤٣١، وفي الإكمال / ٤٥٩: إنّها ماتت في زمن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، وقد تقدّم ذكر ذلك في الهامش.

(٣) كشف الغطاء ١ / ٢٠٨.

(٤) فرحة الغري / ٦٠.

٣٣٦

٢ - الشهيد الأوّل في الذكرى والدروس، المـُتوفّى سنة ٧٨٦ هـ(١) .

٣ - المـُحقّق الكركي في جامع المقاصد، المـُتوفّى سنة ٩٣٣ هـ(٢) .

٤ - الشهيد الثاني في روض الجنان، المـُتوفّى سنة ٩٦٦ هـ(٣) .

٥ - الأردبيلي في شرح الإرشاد، المـُتوفّى سنة ٩٩٣ هـ(٤) .

٦ - السبزواري في الذخيرة، المـُتوفّى سنة ١٠٩٠ هـ(٥) .

٧ - الحُرُّ العاملي في الوسائل، المـُتوفّى سنة ١١٠٤ هـ(٦) .

٨ - المجلسي في مزار البحار ومرآة العقول، المـُتوفّى سنة ١١١٠ هـ(٧) .

٩ - السيّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة، المـُتوفّى سنة ١٢٢٦ هـ(٨) .

١٠ - كاشف الغطاء في نهج الرشاد ص٧١، المـُتوفّى سنة ١٢٢٨ هـ(٩) .

١١ - السيّد علي في الرياض، المـُتوفّى سنة ١٢٣١ هـ(١٠) .

____________________

(١) الذكرى ٢ / ٣٧، الدروس الشرعيّة ١ / ٣١٨.

(٢) جامع المقاصد ١ / ٤٤٩، علماً بأنّ وفاة المـُحقّق الكركي كانت سنة ٩٤٠ هـ.

(٣) روض الجنان / ٣١٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٢ / ٤٩٩.

(٥) ذخيرة المعاد ١ / القسم الثاني / ٣٤٣.

(٦) وسائل الشيعة ٣ / ٢١١.

(٧) بحار الأنوار ٩٩ / ٣٠٠.

(٨) مفتاح الكرامة ٤ / ٤٨٠.

(٩) كشف الغطاء ١ / ١٥٧.

(١٠) رياض المسائل ٢ / ٢٢١.

٣٣٧

١٢ - الميرزا القمّي في الغنائم، المـُتوفّى سنة ١٢٣١ هـ(١) .

١٣ - النّراقي في المستند، المـُتوفّى سنة ١٢٤٤ هـ(٢) .

١٤ - الكرباسي في منهاج الهداية، المـُتوفّى سنة ١٢٦٢ هـ.

١٥ - صاحب الجواهر فيها، المـُتوفّى سنة ١٢٦٦ هـ(٣) .

١٦ - النوري في المستدرك، المـُتوفّى سنة ١٣٣٠ هـ(٤) .

____________________

(١) غنائم الأيّام ٣ / ٥٣٥.

(٢) مستند الشيعة ٣ / ٣٧٣.

(٣) جواهر الكلام ٤ / ٣٣٢.

(٤) مُستدرَك الوسائل ٢ / ٣٧٩.

٣٣٨

عمارةُ مرقد العبّاس:

إذا تمهّد ما ذكرناه، فمشهد سيّدنا أبي الفضلعليه‌السلام من أظهر مصاديق تلك البيوت التي أذن الله أنْ تُرفع ويُذكر فيها اسمه، كما أنّه في الرعيل الأوّل من اُولئك الصدّيقين والشُّهداء الصالحين، وفي تشييد قبّته السامية إبقاء لما أوعزنا إليه من السرّ في انحياز قبره عن مجتمع الشُّهداء.

وإذا أعلَمَنا الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارته بما له من المقام الرفيع في ملأ القدس، وعند مجتمع الأنبياء والرسلعليهم‌السلام ، وقد حاز بذلك إكباراً منهم وتبجيلاً حتّى غبطه - على ما حباه اللّه - جميع الشُّهداء والصدّيقين. [ و ] لتفرّده بتلك المنعة والخطر كان الاحتفاء بمشهده القدسي، من العمارة والتعاهد، من أوّليات فرائض عالم الشُّهود.

ثُمّ إنّه سبحانه قيّض لعمارة هذا المشهد الكريم اُناساً قدّر لهم الخير والسعادة، وأجرى على أيديهم المبرّات ففازوا بالباقيات الصالحات، وكانت لهم الذكرى الخالدة في الدارين، والسعادة في النشأتين؛ من ملوك واُمراء، وعلماء ووجهاء، فتعاقب عليه العمران، وفي كُلّ يوم يزداد بهجة وبهاءً حتّى تجلَّى - كما هو اليوم - في أبهج المناظر بقبّته التي تحاكي السّماء رفعة، وإنْ شئت النُّجوم بهجة، وذلك الحرم المنيع المضاهي للعرش عظمة، وأروقته المغشّاة بالقوارير التي تفوقُ الأفلاك بذخاً، وذلك الصحن

٣٣٩

الذي هو ساحة القدس وباحة الجلال، والبهو الكبير الذهبي الذي دونه عرش الملك ومناط الاُبّهة، فحاكى غُرفَ الجنان وصروحها.

ويتحدّث المؤّرخون: أنّ الشاه طهماسب في سنة ١٠٣٢ هجرية زيّن القبّة السامية بالكاشاني، وبنى شبّاكاً على الصندوق، ونظّم الرواق والصحن، وبنى البهو أمام الباب الأوّل للحرم، وأرسل الفرش الثمينة من صنع إيران، وفي سنة ١١٥٥ هـ أهدى نادر شاه إلى الحرم المـُطهّر تُحفاً كثيرة، وزيّن بعض تلك المباني بالقوارير، وفي سنة ١١١٧ هـ(١) زار الحسينعليه‌السلام وزيره الشّهم، فجدّد صندوق القبر، وعمّر الرواق، وأهدى ثريا يوضع فيها الشمع لإنارة الحرم الشريف.

وبعد حادثة الوهابيّة بكربلاء سنة ١٢١٦ هـ، ونهب ما في الحرم من الأعلاق النّفيسة والذخائر المثمنة، نهض الشاه فتح علي وجدّد ما نُهب من الحسين وأخيه أبي الفضلعليهما‌السلام ، وعمّر قبّة العبّاس بالكاشاني، كما أنّه ذهّب قبّة سيّد الشُّهداءعليه‌السلام وصدَّر الإيوان الذي أمام الباب الاُولى للحرم من جهة القبلة، وأنشأ صندوق ساج على قبر أبيِّ الضيم أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفضّض الشباك المـُطهّر.

وفي كتاب طاقة ريحان صفحة ٩١ للعلاّمة الحاج ميرزا عبد الكريم المـُقدّس الأرومي: إنّ خال جدّته لاُمّه الحاج شكر الله بن بدل بك الأفشاري ذهّب الإيوان الذي هو أمام حرم أبي الفضل، وأنفق على ذلك كُلّ ماله، وذلك بإيعاز زين الفقهاء والمـُجتهدين الشيخ زين العابدين المازندراني، المـُتوفّى ١٢ ذي العقدة سنة ١٣٠٩ هـ، وكتب اسمه في الجانب الغربي من جدار الإيوان على

____________________

(١) لعل هناك خطأً وقع من النُّساخ في كتابة هذا التاريخ؛ حيث يظهر بشكل واضح في سياق سرد الحوادث، وهو ما يتجلى في عبارة الماتن: إنّ الشاه طهماسب في سنة ١٠٣٢ هجرية زيّن القبّة السامية بالكاشاني... وفي سنة ١١٥٥ هـ أهدى نادر شاه إلى الحرم المـُطهّر تُحفاً كثيرة... وفي سنة ١١١٧ هـ زار الحسينعليه‌السلام وزيره الشّهم، فجدّد صندوق القبر...!!(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٣٤٠