مقتل العباس (عليه السلام)

مقتل العباس (عليه السلام)15%

مقتل العباس (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 394

  • البداية
  • السابق
  • 394 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77254 / تحميل: 11579
الحجم الحجم الحجم
مقتل العباس (عليه السلام)

مقتل العباس (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وأمّا عن سبب عمى ابن عباس ، فقد ذكرت في الجزء الرابع من الحلقة الأولى ما يغني عن إعادته.

وأمّا عن مشاورته عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وجماعة من الصحابة فلم يرخصوا له في إجراء العملية ، وقالوا له : أرأيت إن متّ في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك؟

وبهذا أثبت الراوي جهل ابن عباس بوظيفته الشرعية ، فهو لا يعلم كيف يعمل فيستفتي عائشة وأبا هريرة وبعض الصحابة!!

فأين أثر دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بأن يفقهه في الدين ويعلّمه الحكمة؟!

وأين صارت شهادة عائشة في سنة ( 35 هـ ) فسألت : من ولي أمارة الموسم؟ فقيل لها : ابن عباس ، قالت : أنّه أعلم الناس بالحج! فكيف صار الآن لا يعرف تكليفه الشرعي؟!

وهو الذي قال عنه طاووس : ( رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تدارؤا صاروا إلى قول ابن عباس ).

وقد مرّت بنا هذه الأقوال وغيرها في الجزء الثاني من هذه الحلقة فراجعها تجدها مع مصادرها.

وقد قرأنا شواهد ومشاهد في أعقاب حرب الجمل فيها مواقف متشنجة بين ابن عباس وعائشة ، فكيف نستغفل عقولنا ونقبل ما رواه الرواة ممن طُبعوا على حبّ أم المؤمنين ، فصارا يبنون لها أهرامات من الفضائل تفوق أهرامات مصر الفرعونية!

٣٠١

( الحديث الرابع ) :

ما رواه الزركشي عن ابن عباس في بدعية صلاة ركعتين بعد العصر ، حيث روي : ( أنّ معاوية صلى صلاة العصر ثم قام ابن الزبير فصلى بعدها ، فقال معاوية : يا بن عباس ما هاتان الركعتان؟ فقال : بدعة وصاحبها صاحب بدعة ، ولمّا فرغ ابن الزبير سألهما عما قالاه فأخبراه ، قال : ما ابتدعت ، ولكن حدثتني خالتي عائشة. فأرسل معاوية إليها ، فقالت : صدق ، حدثتني أم سلمة ، فأرسل إلى أم سلمة : أنّ عائشة حدثتنا عنكِ بكذا ، فذكرت أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم صلى ذات يوم بعد العصر ( فقمت وراءه فصليت ) فلما أنفتل قال : ما شأنك؟ قلت : رأيتك يا نبيّ الله صليت وصليت معك ، فقال : إنّ عاملاً لي على الصدقات قدم عليَّ فجمعت عليه ).

ثم روى الزركشي عن الصحيحين ، عن كريب : أنّ ابن عباس وابن أزهر والمسور أرسلوا إلى عائشة لأنّهم أخبروا أنّها تصليها والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها ، فقالت : سلوا أم سلمة ثم ذكر نحو ما سبق.

فهذا الحديث يدلّ على مخالفة عائشة لنهي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الإتيان بهما ، وأنّ ابن عباس كان هو وعمر يضربان الناس عنها. فالأحرى أن يعدّ الزركشي هذا الحديث ممّا إستدركه ابن عباس على عائشة لا العكس! لكن الزركشي شغوف بلملمة أخبار عائشة مع الصحابة وإن إستلزم ذلك توهيناً لها من حيث يدري ولا يدري.

٣٠٢

( الحديث الخامس ) :

ما رواه الزركشي عن ابن عباس فهو لا يستبطن كذبه متناً فقط ، بل تكفي آفة سنده ، فقد أعلّه المنذري بيزيد بن أبي زياد ، وقال غير واحد من الأئمة أنّه لا يحتج بحديثه ، ومهما يكن حال السند ، فإنّ ما رواه ابن عباس كما في المتن هو أولى بالقبول لحضوره مع أهل البيت مراسيم الدفن.

ولكن هلّم الخطب فيما روته عائشة فهو محلّ الشك في صدقه ، إذ لم تكن حاضرة حين التكفين! أليس هي التي كانت مع النساء اللواتي يلتدمن كما تقول هي فيما رواه أحمد في مسنده عنها ، قالت : ( مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت التدم مع النساء وأضرب وجهي )(1) ، وقد قالت أيضاً : ( ما علمنا بدفن رسول الله حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ( ليلة الأربعاء )(2) .

فمتى حضرت التكفين ورأت ثياب الكفن؟!

فكلّ ما ورد عنها في هذا الشأن مشكوك في صحته ، لأنّها تريد إستبعاد عليّ عليه السلام وأهل البيت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

____________________

(1) مسند أحمد 6 / 274.

(2) الإستيعاب 1 / 47.

٣٠٣

وأنكى من ذلك إستبدالهم بآل أبي بكر! فهلمّ وأقرأ ما روته من خبر الحلّة التي أشتريت ليكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأدرجوه فيها ثم نزعت عنه.

فلنقرأ الخبر برواية ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه ( المغني ) وهو غير متهم عليها ، فقال في الخبر : ( وهو أصح حديث روي في كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعائشة أقرب إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأعرف بأحواله ، ولهذا لما ذكر لها قول الناس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كُفن في برد ، قالت : قد أتي بالبُرد ولكنهم لم يكفنوه فيه ، فحفظت ما أغفله غيرها. وقالت أيضاً : أدرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حلّة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ، ثم نزعت عنه ، فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلّة وقال : أكفن فيها ، ثم قال : لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتصدق بها ). قال ابن قدامة : رواه مسلم(1) .

أقول : فهل تطلب أثراً بعد عين ، وتريد سخفاً بعد ميَن؟

فعائشة وعبد الله بن أبي بكر بطلا الحضور في الإحتضار والتكفين! وليذهب أهل البيت عليهم السلام جميعاً في غيابات الحقد الدفين ، كما تريد أم المؤمنين ، وليكتب الزركشي ما يزركش به أخبارها ولو على حساب الآخرين.

على أن ابن شهاب الزهري ـ وهو غير متهم على عائشة ـ قال : ولم يله إلاّ أقاربه(2) .

____________________

(1) المغني 2 / 329.

(2) أنظر دلائل النبوة للبيهقي 7 / 234 ، عن هامش ، التمهيد لابن عبد البر 9 / 358 ط الإحياء للتراث العربي.

٣٠٤

( الحديث السادس ) :

ما رواه الزركشي عن عكرمة عن ابن عباس في حديث ( رأى ربّه مرتين ) ، وإنكار عائشة عليه الرؤية ، والخبر الذي رواه في سنده من قال فيه ابن المبارك : أرم به ، لكن الزركشي لم يرم به ، بل أطال في جميع ما يتعلق بالموضوع وحكى قول ابن خزيمة : أنّ الخطاب وقع لعائشة على قدر عقلها.

وحكى قول أحمد : ما زلت منكراً لهذا الحديث وما أدري ما وجهه.

ثم الحديث في متنه : ( قال ابن عباس : ( رأى محمد ربّه ) ، وابن عباس لم يكن يقول بالرؤية البصرية كما هو واضح من لفظ الحديث الذي ذكره الزركشي نقلا ًعن الترمذي في التفسير ، وهو مخالف لقول الله تعالى :( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1) .

وفي سنده من هو مخدوش ، ورواية مسلم له في الصحيح لا تضفي عليه شرعية أبداً ـ فكم في كتابي الصحيح من حديث غير صحيح ـ وسيأتي عن ابن عباس في جواب نجدة بن عامر ـ عويمر ـ الخارجي وقد سأله : ( كيف معرفتك بربّك؟ فأجابه أعرفه بما عرّف به نفسه تبارك وتعالى من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ) ، فهذا ينفي صحة نسبة القول بالرؤية البصرية إليه ، وسيأتي خبره مع نجدة فيما يأتي.

____________________

(1) الأنعام / 103.

٣٠٥

ومجرد رواية الترمذي عن عكرمة ذلك ، لا يضفي عليه الصحة.

ولم لا يكون الخبر من بعض أكاذيب عكرمة على مولاه ، وقد مرّت بعض الشواهد على ذلك ، كما سيأتي غيرها.

( الحديث السابع ) :

ما ذكره الزركشي في إحالة ابن عباس معرفة الوتر عليها ـ في حديث رواه مسلم في صحيحه ـ وأنّ سعد بن هشام سأل ابن عباس عن الوتر ، فقال : ( ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : نعم ، قال عائشة )(1) .

أقول : إنّ هذا الحديث الذي ذكره لا يصح الإعتماد عليه! لإختلاف النقل عن عائشة ، فقيل : الإختلاف منها ، وقيل : هو من الرواة عنها ، كما ذكره الزركشي نفسه.

وكيف نصدّق نحن بالخبر ، وابن عباس الذي كان يبيت في بيت خالته ميمونة ليحفظ ما يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلاة وأذكار ـ وقد مرّت في الحلقة الأولى في الجزء الأوّل عدّة شواهد على هذا ـ فكيف صار لا يعلم عن صلاة الوتر شيئاً حتى أحال على أعلم أهل الأرض؟ يا لها من دعوى عريضة مريضة!!

لكن زوامل الأسفار يكتبون ما راق لهم ، أو يملى عليهم من السلطات الحاكمة من رفعهم عائشة إلى مقام لم تكن فيه عالمة ولا حالمة.

____________________

(1) صحيح مسلم 2 / 269 ط صبيح.

٣٠٦

( الحديث الثامن ) :

ما ذكره الزركشي من حديث عائشة وقد ردت على ابن عباس قراءته قوله تعالى :( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) بالتخفيف ، فذكر الزركشي ما أخرجه البخاري في صحيحه في التفيسر عن ابن أبي مليكة قال ابن عباس :( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) (1) الخ بالتخفيف إلى آخر الخبر ، بينما كانت عائشة تقرؤها( كُذّبُوا ) مثقلة.

أقول : ما مرّ من إختلاف القراءة فيه نظر! فإنّ القراءة بالتخفيف هي قراءة أهل البيت عليهم السلام عليّ وزين العابدين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وزيد بن علي وابن عباس ، وهي أيضاً قراءة ابن مسعود وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك والأعمش وغيرهم ، وهي قراءة أهل الكوفة(2) .

وقد أطنب الطبري في تفسيره ، فساق ثماني عشرة رواية عن ابن عباس مؤداها متفق عليه بين الرواة عن ابن عباس ، وأوّلها بسند الطبري ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله :( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) (3) ، قال : ( لمّا أُيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوهم جاءهم النصر على ذلك ، فننجي من نشاء )(4) .

____________________

(1) يوسف / 110.

(2) مجمع البيان 5 / 465 ط الأعلمي.

(3) يوسف / 110.

(4) تفسير الطبري 13 / 82 ـ 83.

٣٠٧

وما جاء في بعضها أنّ ابن عباس قال : إنّهم ـ أي الأنبياء ـ بشر ، أي أنّهم هم الذين ظنوا ، فهذا وهم في الفهم ، فابن عباس لم يقل ذلك.

وقد ورد في ( عيون أخبار الرضا عليه السلام ) للشيخ الصدوق ، بسنده : عن علي بن محمد بن الجهم : أنّ المأمون قال لأبي الحسن ـ الرضا عليه السلام ـ : فأخبرني عن قول الله تعالى :( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) (1) ؟ قال الرضا عليه السلام : يقول الله : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم فظن قومهم أنّ الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرُنا.

وهذا هو عين ما رواه ثلاثة من تلاميذ ابن عباس ، كما في ( الدر المنثور ) للسيوطي في تفسير الآية ، قال : ( أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابراهيم ، عن أبي حمزة الجزري ، قال : صنعت طعاماً فدعوت ناساً من أصحابنا منهم : سعيد بن جبير ، والضحاك بن مزاحم ، فسأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال : يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف ، فإنّي إذا أتيت عليه تمنيت أنّي لا أقرأ هذه السورة( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) ؟ قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم وظنّ المرسَل إليهم أنّ الرسل قد كُذبوا فقال الضحاك : لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلاً )(2) .

ومهما يكن فحسب القارئ من فقاهة السيدة عائشة أنّها لم تكن ترى

____________________

(1) يوسف / 110.

(2) الدر المنثور 4 / 41.

٣٠٨

نفسها أم المؤمنين رجالاً ونساءً! بينما كانت أم المؤمنين أم سلمة ترى أنّها أم المؤمنين رجالاً ونساءاً. أخرج ابن سعد في ( الطبقات ) بسنده : ( عن مسروق ، عن عائشة في قوله :( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) . قال : فقالت لها أمرأة : يا أمه ، فقالت عائشة : أنا أم رجالكم ولست أم نسائكم ، قال : فذكرت هذا الحديث لعبد الله بن موسى المخزومي ، فقال : أخبرني مصعب بن عبد الله بن أبي أمية عن أم سلمة ، أنّها قالت : أنا أم الرجال منكم والنساء )(2) .

أقول : وأحسب أنّ عائشة قالتها في ساعة غضب على النساء اللاتي كنّ يسألنها عن شرعية خروجها في حرب الجمل كأم جميع وأضرابها.

وإلى هنا فلنترك الأفغاني ونبعده قصياً ، بعد أن قرأناه نَسِيّاً وفَرِيّاً. ولنبصّر القارئ بأنّ الزركشي لم يكن دقيقاً في إختياره اسم كتابه ، إذ تبيّن أنّ ما ذكره تحت عنوان ( استدراكها على ابن عباس ) لم يكن خالياً من الإلباس ، وما ذكره لو يصح ولا يَصح ـ لا يعني أنّ بين عائشة وابن عباس من الوئام ما يصح معه زعم التواصل والتساؤل في الأحكام ، بل أنّ ابن عباس وعائشة عاشا بعد حرب الجمل متهاجرَيْن تقريباً ، وبقيا على حالهما كذلك حتى ماتت عائشة ، ولعلّه اشتدت المهاجرة والمخاصمة في عهد معاوية حين تناصرت هي وإياه على عداوة أهل البيت عليهم السلام. وكان ابن

____________________

(1) الأحزاب / 6.

(2) الطبقات الكبرى 8 / 128.

٣٠٩

عباس رجل الساعة والساحة المناصر لأهل البيت عليهم السلام ، كما يظهر بوضوح من مواقفه مع الأمويين وشيعتهم ، كما كانت عائشة تدعمهم فيما ترويه لهم من أحاديث ، والشواهد على ذلك متوفرة.

فقد أخرج الحافظ الكنجي الشافعي في ( كفاية الطالب ) وعنه الأربلي في ( كشف الغمة ) قال : ( روى الكنجي بسنده المنتهى إلى أبي صالح قال : ذكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام عند عائشة وابن عباس حاضر ، فقالت عائشة : كان من أكرم رجالنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال ابن عباس : وأيّ شيء يمنعه عن ذاك؟ اصطفاه الله لنصرة رسوله ، وارتضاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخوّته ، واختاره لكريمته ، وجعله أبا ذريته ووصيّه من بعده ، فإن ابتغيتِ شرفاً فهو في أكرم منبت وأورق عود ، وإن أردتِ إسلاماً فأوفر بحظه وأجزل بنصيبه ، وإن أردتِ شجاعته فبَهمة حرب وقاضية حتم ، يصافح السيوف أنساً ، لا يجد لوقعها حسّاً ، ولا ينهنه نعنعة ، ولا تفله الجموع ، الله ينجده ، وجبرئيل يرفده ، ودعوة الرسول تعضده ، أحدّ الناس لساناً ، وأظهرهم بياناً ، وأصدعهم بالصواب في أسرع جواب ، عظته أقلّ من عمله ، وعمله يعجز عنه أهل دهره ، فعليه رضوان الله ، وعلى مبغضيه لعائن الله )(1) .

وإنّما قال ابن عباس رضي الله عنه هذا لأنّه كان يعلم من عائشة موقفها المتشنج إزاء أهل البيت عليهم السلام خصوصاً الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وحتى

____________________

(1) كشف الغمة 1 / 363 ، كما في البحار 40 / 51 ط الجديدة.

٣١٠

الحسن والحسين عليهما السلام ، فلم تكن تأذن لهما بالدخول عليها ، وإذا أذنت احتجبت منهما ، وكان ابن عباس يشجب موقفها هذا ، فقد أخرج ابن سعد في ( الطبقات الكبير ) بسنده عن عكرمة قال : ( سمعت ابن عباس يقول ـ وبلغه أنّ عائشة احتجبت من الحسن بن علي ـ فقال : إنّ رؤيته لها لحلّ )(1) .

وقد مرّت بنا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى محاورة ابن عباس مع عائشة عند موت الحسن عليه السلام فليرجع القارئ إليها. فهي محاورة تكشف عن مبلغ التشنج عند الطرفين المتباعدين المتباغضين.

وقد إستدام حقد عائشة حتى عند موتها ، فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن ذكوان مولى عائشة : ( أنّه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن ، فقال : هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك.

فقالت : دعني من ابن عباس ومن تزكيته.

فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن : إنّه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله ، فأئذني له فليسلّم عليك وليودّعك.

قالت : فأئذن له إن شئت.

قال : فإذن له ، فدخل ابن عباس ثم سلّم وجلس ، وقال : أبشري أم المؤمنين

____________________

(1) الطبقات الكبرى8 / 128ط ليدن.

٣١١

فقالت : دعني يا بن عباس من هذا ، فو الله لوددت أنّي كنت نسياً منسيّاً(1) (2) . فقد جزعت حين احتضرت. فقيل لها ، فقالت : أعترض في حلقي يوم الجمل )(3) .

وإلى هنا ننهي الحديث عن ابن عباس مع عائشة ، ونستقبل بقية محاوراته مع معاوية وأشياعه.

____________________

(1) مسند أحمد 1 / 349 ط الأولى و 5 / 90 برقم ( 3262 ) ط شاكر.

(2) قال شاكر : في هامش الحديث برقم ( 2496 ) إسناده صحيح وهو مطول 1905 ، ورواه البخاري 8 / 371 ـ 372 مختصرا.

(3) ربيع الأبرار للزمخشري 3 / 345.

٣١٢

محاورات ابن عباس مع معاوية

قميصّ عثمان أضحى مضربَ المثل

لكلّ ثائرة من أخبث الحيل

في كلّ واقعة كذباً مخادعةً

صار الشعار لعيّابين في الدوَل

لو ينشر اليوم عثمانٌ لطالبهم

مع القصاص له بالغُنم من نفَل

فليته لو وعى نصحاً لجنّبه

تلك المآسي ولكن شاب عن عَذَل

فكان ما كان من أمرٍ تخيّره

شيخٌ ضعيفٌ هوى في حمأة الزَلَل

فأورث الناس آلاماً بمقتله

زلّت به النعل فالتاثته بالوَحَل

فأوّل القوم من نادوا بمقتله

ثاروا له اليوم يا للقلب الحَوِل

هم ناقموا الأمس قد جاؤا بأمّهمُ

وسيرّوا عسكراً في وقعة الجَمَل

وعاهل الشام أدلى في قليبهم

فقد رأى فرصة وافت لمهتبل

فحرب صفين قد أورى شرارتها

في النهروان فأورت كُلِّ ذي شُعلِ

حتى الطفوف وقتل السبط من ذَحل

حرق الخيام بتلك النار لم يَزل

ما ثأر عثمان أحماهم وأغضبهم

لولا الخلافة عادت للإمام عليّ

تلكم قريشُ لتأبى أن ترى رجلا

بالأمس قاتلهم واليوم فيه يلي

٣١٣

فأعصبوا قتل عثمان بحيدرة

أبناءُ من سجدوا دهراً إلى هُبل

هذا عليّ وهذي بعضُ محنته

أن يعصبوه دماً من خاتم الرّسُل

قال الزمخشري : قميص عثمان الذي قتل فيه ، مَثَلٌ فيما يهيّج الحزن ويجدّد الحسرة والبكاء ، وعن عمرو بن العاص : أنّه لمّا أحسّ من العسكر فتوراً أشار على معاوية بأن يبرز لهم قميص عثمان ، فلمّا وقعت عيونهم عليه ، ارتفعت صيحتهم بالبكاء والنحيب ، وجدّوا في الحرب فعندها قال حرّك لها حوارها تحنّ(1) .

مَن هم قتلة عثمان؟ هل هم بنو هاشم؟ أم هم بنو أمية؟

هذا سؤال قد يثير استغراباً لدى القارئ إذ لم يرد في التاريخ أنّ واحداً من هؤلاء قد شارك في قتل عثمان ، مباشرة ، فلماذا إذن السؤال؟

والجواب يُعرف من الأبيات المتقدمة ، وعلى هذا الوتر كانت أصابع معاوية تضرب وأبواقه تعزف بأنّ عليّاً قتل عثمان! وإذا حوقق قال : آوى قتلته!

ولم يكن ابن عباس بعيداً عن مرمى معاوية في حجارته لعداوته ، وسنقرأ في كثير من محارواته ما يدلّ على ذلك. وإذا بحثنا عن جذور تلك العداوات نجدها متأصلة في فرعي عبد مناف بني هاشم وبني أمية منذ عهد بعيد ، فلنقرأ بعض ما جاء في ذلك :

____________________

(1) ربيع الأبرار 4 / 32 ط أوقاف بغداد.

٣١٤

إنّ من راجع كتاب ( السفيانية ) للجاحظ ، و ( النزاع والتخاصم ) للمقريزي وأضرابهما ، يجد جذور العداوة بين بني أمية وبين بني هاشم وهم من قريش ، ضاربة في أصولها متنامية في فروعها ، ولم يخف ذلك على الباحثين من قدامى ومحدثين.

فإلى ما قاله واحد منهم وهو محمّد بن سليمان حاجب الحجاب ، وهذا الرجل لم يكن يتعصب لمذهب بعينه كما قال ابن أبي الحديد وقد رآه(1) ، فلنقرأ ما يقول وقد سأله جعفر بن مكي الحاجب عما عنده في أمر عليّ وعثمان ، فقال : ( هذه عداوة قديمة النسب بين عبد شمس وبين بني هاشم ، وقد كان حرب بن اُمية نافر عبد المطلب بن هاشم ، وكان أبو سفيان يحسد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وحاربه ، ولم تزل الثنتان متباغضتين وإن جمعتهما المنافية ، ثمّ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّج عليّاً بابنته ، وزوّج عثمان بابنته الاُخرى ، وكان إختصاص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة أكثر من إختصاصه للبنت الأخرى ، وللثانية التي تزوجها عثمان بعد وفاة الأولى. وإختصاصه أيضاً لعليّ وزيادة قربه منه وامتزاجه به وإستخلاصه إياه لنفسه ، أكثر وأعظم من إختصاصه لعثمان ، فَنَفَس عثمان ذلك عليه فتباعد ما بين قلبيهما ).

إلى أن قال : ( ثمّ أتفق أنّ عليّاً عليه السلام قتل جماعة كثيرة من بني عبد

____________________

(1) وصفه ابن أبي الحديد بأنه حاجب الحجاب وقال : وكان ظريفاً أديباً وقد أشتغل بالرياضيات من الفلسفة ولم يكن يتعصب لمذهب بعينه.

٣١٥

شمس في حروب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتأكد الشنآن ، وإذا أستوحش الإنسان من صاحبه أستوحش صاحبه منه.

ثمّ مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فصبا إلى عليّ جماعة يسيرة لم يكن عثمان منهم ، ولا حضر في دار فاطمة مع مَن حضر من المتخلّفين عن البيعة ، وكانت في نفس عليّ عليه السلام أمور من الخلافة لم يمكنه إظهارها في أيام أبي بكر وعمر لقوّة عمر وشدّته ، وانبساط يده ولسانه.

فلمّا قتل عمر وجعل الأمر شورى بين الستة ، وعدل بها عبد الرحمن عن عليّ إلى عثمان ، لم يملك عليّ نفسه فأظهر ما كان كامناً ، وأبدى ما كان مستوراً ، ولم يزل الأمر يتزايد بينهما حتى شرف وتفاقم.

ومع ذلك فلم يكن عليّ عليه السلام لينكر من أمره إلاّ منكراً ، ولا ينهاه إلاّ عما تقتضي الشريعة نهيه عنه.

وكان عثمان مستضعفاً في نفسه ، رخواً ، قليل الحزم ، واهي العقدة ، وسلّم عنانه إلى مروان يصرّفه كيف شاء ، فالخلافة له في المعنى ولعثمان في الإسم ، فلمّا انتقض على عثمان أمره استصرخ عليّاً ولاذ به ، وألقى زمام أمره إليه ، فدافع عنه حيث لا ينفع الدفاع ، وذبّ عنه حين لا يغني الذبّ ، فقد كان الأمر فسد فساداً لا يرجى صلاحه )(1) .

ومع هذه العداوة المتأصلة في جذورها كيف يبرئ معاوية وبنو أُمية الإمام عليه السلام وبني هاشم ، مع أنّهم وأعوانهم كانوا يشهدون ببراءته وبراءتهم ،

____________________

(1) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 401 ط مصر الأولى.

٣١٦

ولكنها الأحقاد الأموية.

فاقرأ ما قاله عبد الله بن عمر لمن سأله : هل شرك عليّ في دم عثمان؟

فقال : ( لا والله ما علمت ذلك في سر ولا علانية ، ولكنّه كان رأساً يفزع إليه فألحق به ما لم يكن )(1) .

واقرأ لابن عمر كلمته الأُخرى في حقّ ابن عباس وبراءته من دم عثمان.

قال : ( ما زال ابن عباس ينهى عن قتل عثمان ويعظّم شأنه حتى جعلت ألوم نفسي على أن لا أكون قلت مثل ما قال )(2) .

وليس عروة بن الزبير بدون ابن عمر في نصبه ، ومع ذلك فقد كان يقول : ( كان عليّ أتقى لله من أن يعين في قتل عثمان ، وكان عثمان أتقى لله من أن يعين في قتله عليّ )(3) .

وقال ابن سيرين : ( لقد قتل عثمان يوم قتل وما أحد يتهم عليّاً في قتله )(4) .

ولكن معاوية قال لابن عباس في كتاب كتبه إليه بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام ، جاء فيه : ( لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لله رضا ، وأن يكون رأياً صواباً ، فإنّك من الساعين عليه ، والخاذلين له ، والسافكين دمه ، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك منّي ولا بيدك أمان ).

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 ق 4 / 593.

(2) نفس المصدر 4 / 595.

(3) ربيع الأبرار للزمخشري 3 / 355 ط اوقاف بغداد.

(4) أنساب الأشراف 1 ق 4 / 594.

٣١٧

فأجابه بجواب طويل جاء فيه : ( وأمّا قولك أنّي من الساعين على عثمان والخاذلين والسافكين له وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك منّي ، فأقسم بالله لأنت المتربّص بقتله والمحبّ لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ ، فما حفلت به حتى بعثت إليه معذراً بأمر أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلك أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه ، وتقول قتل مظلوماً ، فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين ، ثمّ لم تزل مصوّباً ومصعّداً وجاثماً ورابضاً تستغوي الجهّال ، وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت ،( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (1) (2) .

نعم ، إنّ بني هاشم كانوا من الكارهين لولاية عثمان هذا أوّلاً ، لأنّهم يرون أنّ الحقّ لهم ، وكانوا أيضاً من الساخطين على سيرته ثانياً حين أسخط المسلمين عمالُه ، ولم يكونوا وحدهم قد سخطوا سيرته ، بل جميع الصحابة في المدينة وخارجها كانوا كذلك.

فقد روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : ( قلت له : كيف لم يمنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عثمان؟ فقال : إنّما قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )(3) .

____________________

(1) الأنبياء / 111.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 58.

(3) نفس المصدر 1 / 231.

٣١٨

وروى عن أبي سعيد الخدري أنّه سئل عن مقتل عثمان هل شهده أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال : ( نعم شهده ثمانمائة )(1) .

فهذان القولان وإن لم يعيّنا بالاسم مَن هم أولئك الصحابة الذين قتلوا عثمان ، ومن هم الذين شهدوا مقتل عثمان ولم يمنعوا عنه ، لكن من تولى كبر قتله ، لم يكن عليّ ولا ابن عباس ولا بقية بني هاشم مع أولئك الصحابة القاتلين لعثمان ، وإذ لم يكونوا معهم ، فما بال بني أمية عصبوا قتله بهم؟ إنّهم لم يكونوا مع القاتلين ولا مع المحرّضين عليه ، بل كانوا من المدافعين عنه ، وقد ردّوا عنه كثيراً حتى أعجزهم هو حين لم يأخذ بنصائحهم ، وكان يتّهمهم لما في نفسه من جذور العداوة المتأصلة بين بيتي عبد مناف ـ بني هاشم وبني أمية ـ.

والآن إلى ما رواه البلاذري ، والطبري ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والنويري ، نقلاً عن الواقدي من نصائح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لعثمان ، ننقلها بلفظ الطبري :

قال ـ بعد ذكر نقمة الناس وتداعي الأمصار بالنكير على سيرة عثمان ـ : ( فاجتمع الناس وكلّموا عليّ بن أبي طالب ، فدخل على عثمان ، فقال : الناس ورائي وقد كلّموني فيك ، والله ما أدري ما أقول لك ، وما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه ، إنّك لتعلم ما علمنا ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلّغكه ، وما خصصنا بأمر دونك ، وقد رأيتَ

____________________

(1) نفس المصدر.

٣١٩

وسمعتَ وصحبتَ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ونلتَ صهره.

وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحقّ منك ، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك ، وإنّك أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم رَحِماً ، ولقد نلتَ من صهر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ما لم ينالا. ولا سبقاك إلى شيء ، فالله الله في نفسك ، فإنّك والله ما تُبصّر من عَمى ، ولا تعلّم من جهل ، وإنّ الطريق لواضح بيّن ، وإنّ أعلام الدين لقائمة ، تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هُدي وهَدىَ ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة متروكة ، فوالله إن كلاً لبيّن وإنّ السنن لقائمة لها أعلام ، وإنّ البدع لقائمة لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضلَّ وضُلّ به ، فأمات سنّة معلومة ، وأحيا بدعة متروكة. وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول : ( يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيلقى في جهنم ، فيدور في جهنم كما تدور الرحا ، ثمّ يرتطم في غمرة جهنم ).

وإنّي أحذّرك الله ، وأحذّرك سطوته ونقماته ، فإنّ عذابه شديد أليم. وأحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول ، فإنّه يقال : يقتل في هذه الأمة إمام ، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، وتُلّبس أمورُها عليها ، ويتركهم شيعاً ، فلا يبصرون الحقّ لعلوّ الباطل ، يموجون فيها موجاً ، ويمرجون فيها مرجاً. فلا تكونن لمروان سيّقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ وتقضّي العمر.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

صفائح الذهب بخطٍّ ذهبي موجود إلى الآن، وتاريخ الكتابة سنّة ١٣٠٩ هـ.

وفي الكتاب المذكور: إنّ نصير الدولة ذهّب منارة أبي الفضل، وكان الصائع يغشُّ في تطلية الطاقات الصفريّة بالذهب، فعُرف منه ذلك، وجيء به من بغداد إلى كربلاء، فَلمـّا دخل الصحن اضطرب وأسودّ وجهه سواداً شديداً، ومات من الغد.

وحدّثني العلاّمة الحجّة السيّد حسن مؤلّف كتاب ( فدك ) وغيره من المـُؤلّفات القيّمة: أنّ الإيوان الصغير الذهبي الذي هو أمام الباب الاُولى أنشأه ملك لكنهو محمّد شاه الهندي، وأمّا الطارمة المـُسقّفة بالخشب فبأمر السّلطان عبد الحميد خان، وجدّد بناء القبّة بالكاشاني محمّد صادق الأصفهاني، الشيرازي الأصل، وهو الذي اشترى الدور الملاصقة للصحن الشريف وزادها في الصحن وبناه بما هو المشاهد، وكانت الزيادة من جهة القبلة أكثر من سائر الجهات قدر إيوانين أو ثلاث، ودُفن في حجرة عند باب القبلة تُعرف باسمه، وبنى الصحن بالكاشانيرحمه‌الله ، وجزاه لخدمته لأبي الفضل أفضل جزاء المـُحسنين.

وجدّد السيّد المـُبجّل، سادن الروضة المـُقدّسة، السيّد مرتضى البابَ الفضّي التي هي في الإيوان الذهبي أمام حضرة العبّاسعليه‌السلام سنة ١٣٥٥ هـ، وكتب على المصراعين قصيدة الخطيب الاُستاذ الشيخ محمّد علي اليعقوبي، وتفضّل حفظه الله بها، ولطروس الإنشاء الذي ذكرناه فيما تقدّم، وهذه القصيدة:

لُذْ بأعتابِ مَرقدٍ قدْ تَمنَّتْ

أنْ تكونَ النُّجومُ منْ حَصباهُ

٣٤١

وانْتَشقْ مِنْ ثَرى أبي الفضْلِ نشْرَاً

ليسَ يَحكي العبيرُ نفْحَ شَذاهُ

غابَ فيهِ مِنْ هاشمٍ أيُّ بَدرٍ

فيهِ ليلُ الضَّلالِ يَمحِي دُجاهُ

هو يومُ الطُّفوفِ ساقِي العِطاشَى

فَاسقِ مِنْ فيضِ مُقلتَيكَ ثَراهُ

وأطِلْ عندَهُ البُكاءَ فَفيهِ

قدْ أطالَ الحُسينُ شَجْواً بُكاهُ

لا يُضاهيهِ ذو الجَناحينِ لمـّا

قُطعتْ في شَبا الحُسامِ يَداهُ

هو بابُ الحُسينِ ما خابَ يوماً

وافدٌ جاءَ لائذاً في حِماهُ

قامَ دونَ الهُدَى يُناضلُ عنهُ

وكفاهُ ذاكَ المَقامَ كفَاهُ

فادياً سِبطَ أحمدٍ كأبيهِ

حيدرٍ مُذْ فَدَى النَّبيَّ أخاهُ

جَدَّدَ المـُرتضَى له بابَ قُدسٍ

مِن لُجينٍ يَغشَى العُيونَ سَناهُ

إنَّهُ بابُ حِطَّةٍ ليس يَخشَى

كلَّ هولٍ مُسْتمسِكٌ في عُراهُ

قِفْ بهِ داعياً وفيهِ تَوسَّلْ

فبِهِ المَرْءُ يُسْتجابُ دُعاهُ

٣٤٢

السّدانة:

السّدانة: هي خدمة المعبد والقيام بشؤونه ولوازمه، وتحرّي كلاءته عن أي عادية، وقد اتّخذت العرب بيوتاً تُعظّمها كتعظيم الكعبة، وجعلوا لها حُجَّاباً وسدنة، وكانوا يهدون إليها كما يهدون إلى الكعبة، ويطوفون كما يطوفون بالكعبة، وينحرون بها مثلها. كلّ ذلك مع معرفتهم فضل البيت الحرام والكعبة المـُشرّفة؛ لأنّها بناء الخليل(١) .

فالبيت المـُعظّم الذي يُتَّخذ معبداً ومأوى للوفود والزائرين، ومحلاً للدعاء والابتهال، لا بّد وأنْ يُجعل له حَجبة وسدنة يرعون حُرمته، فنصبُ السَّادنِ من لوازم جلالة المحلِّ ووجود المثمنات فيه، فلنْ تجد محلاً له شأنٌ إلاّ ورأيتَ له خدمة.

وبمناسبة منعة المحلّ لا يُقيّض له منْ سوقةِ النَّاسِ ومَن لا كفاءة له بالقيام بالخدمة؛ لأنّ فيه حطّاً من كرامته، وتحطيماً لمكانته، فمِن حقِّ المقام أنْ يكونَ السّادنُ شريفَ قومه وكريم بيته، لا يُسبق بمجدٍ ولا يُلحق بشرف؛ ومن هنا نشاهد السَّدانة في حرم أبي الفضلعليه‌السلام يتولاّها شريفٌ بعد شريف، حتّى انتهى الأمر إلى الهاشمي المـُبجّل السيّد

____________________

(١) البداية والنهاية لابن كثير ٢ / ٢٤٣، السّيرة النبويّة لابن هشام ١ / ٥٤، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٧١.

٣٤٣

مصطفى، ومنه إلى خلفه الشهم الهُمام السيّد مرتضى الذي لا تُعدُّ مآثره ولا آثاره، وأياديه الجميلة ومساعيه المشكورة حول خدمة الحرم وعمارته، وتنويره وتزيينه، وكان كما يهواه السُّؤدد والخطر، وتختاره طهارة العنصر ونزاهة الأعراق، ويرتئيه المجد الهاشمي والمولد العلوي.

وقام نجله الزكي السيّد محمّد حسن بكُلِّ ما يستطيعه من خدمة الحرم.

٣٤٤

حامي الجوار:

لقد عرف العلماء مكانة أبي الفضل عند الله سبحانه وتعالى، وما حباه به وأعدّه له من جزيل الفضل؛ تقديراً لأعماله وما قاساه من فوادح وآلام، فكان ملجأ الخائف، ولهف اللاجىء، وغوث الصريخ وحِمى المـُستجير، فلاذوا بجنابه عند الممات، وجاوروا مرقده الأطهر، والتجأوا إلى كهفه المنيع ليمنحهم الشفاعة فيفوزوا بالخلد، ويتقلّبوا على أسرّة النّعيم الدائم، وحاشا أبو الفضل أنْ يخفر الجوار ويتباعد عمّن عقل ناقته بفنائه.

ومن هؤلاء الأعلام، ما في الذريعة إلى مصنّفات الشيعة ٣ / ١٩٩: إنّ الحاج السيّد محمّد بن محسن الزنجاني توفّي بزنجان سنة ١٣٥٥ هـ، وحُمل إلى جوار أبي الفضل العبّاس بوصيّة منه.

وفيه ص٣٢٣: إنّ الشيخ علي بن زين العابدين البارجيتي اليزدي الحائري، صاحب كتاب ( إلزام الناصب في أحوال الحجّة الغائب )، دُفن في صحن العبّاسعليه‌السلام .

والعلاّمة الشيخ علي اليزدي البقروئي، من أجلاء تلامذة الأردكاني، دُفن في البهو أمام حضرة العبّاس.

والسيّد كاظم البهبهاني، من تلامذة المرحوم آية الله السيّد هاشم القزويني، دُفن في الرواق.

والعلاّمة السيّد عبد الله الكشميري، من تلامذة الأردكاني، دُفن في الحجرة الرابعة من الشرق الجنوبي.

٣٤٥

الشيخ ملاّ عبّاس المعروف باليزدي، المشهور بسيبويه، وأخوه ملاّ علي المعروف بالأخفش، لهما مكانة عالية في التدريس، دُفنا في الحجرة المـُختصّة بهم، المـُلاصقة للباب المعروفة بباب صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه).

والشيخ كاظم الهرّ، له فضل في العلم والأدب، تلمذ على الشيخ صادق ابن العلاّمة الشيخ خلف عسكر، دُفن في الحجرة الأخيرة من الشرق الشمالي.

٣٤٦

المديح والرثاء:

من الواضح الذي لا يرتاب فيه أنّ نظم الشعر في أيّ رجل [ هو ] تعريفٌ به وإحياءٌ لذكره وإقامةٌ لأمره؛ فإنّ آثار الرجال مهما كبرت في النفوس وعظم أمرها قد يُهمل ذكرها بمرور الزمن وتباعد العهد، فيُغفل عن تلك المآثر ويتناسى مالها من أهميّة كبرى.

ولمـّا كان القول المنظوم أسرع تأثيراً من الإصاخة؛ لرغبة الطباع إليه، فتسير به الركبان، وتلوكه الأشداق، وتتحفّظ به القلوب، وتتلقّاه جيلاً بعد جيل، وتأخذه اُمّة بعد اُمّة حتّى يرث الله الأرض ومَن عليها، فتلتفت إلى ذلك الفضل المـُتقادم. وقد حفظ لنا الأدب العربي كثيراً من قضايا الاُمم وسيرها وحروبها في الجاهليّة والإسلام.

وبما أنّ ذكرى أهل البيتعليهم‌السلام قوام الدِّين وروح الإصلاح، وبها تُدرس تعاليمهم وتُقتفى آثارهم؛ طفق اُدباء هذه الاُمّة يذكرون مالهم من فضل كثار، وما جرى عليهم من المصائب ولاقوا في سبيل إحياء الدِّين من كوارث ومحن؛ لأنّ في ذلك إحياء أمرهم، ورحم الله مَن أحيى أمرهم ودعا إلى ذكرهم، وقد تواتر الحثُّ من الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام على نظم الشعر فيهم، مدحاً ورثاءً؛ بحيث عُدّ من أفضل الطاعات.

ولم يعهد من الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام - مع تحفّظهم على التقيَّة وإلزام شيعتهم بها - تثبيط الشعراء عن المكاشفة في حقِّهم، وإظهار باطل

٣٤٧

المناوئين، مع أنّ في الشعراء مَن لا يقرّ له قرار ولا يأويه مكان؛ فرقاً من أعداء أهل البيتعليهم‌السلام لمحض مجاهرتهم بالولاء، والدعوة إلى طريقة أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كالكميت ودعبل الخزاعي ونظرائهم.

بل كان الأئمّةعليهم‌السلام يؤكّدون ذلك بالتحبيذ وإدرار المال عليهم، وإجزال الهبات لهم، وذكر المثوبات، وليس ذلك إلاّ لأنّ المكاشفة أدخلُ في توطيد اُسس الولاية، وعاملٌ قويّ لنشر الخلافة الحقّة، حتّى لا يبقى سمع إلاّ وقد طرقه الحقُّ الصراح، ثُمّ تتلقّاه الأجيال الآتية، كُلّ ذلك حفظاً للدّين عن الاندراس، ولئلاّ تذهب تضحية آل اللّه في سبيله أدراج التمويهات.

ولولا نهضةُ اُولئك الأفذاذ من رجالات الشيعة للذبِّ عن قُدس الشريعة بتعريض أنفسهم للقتل؛ كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق، ورشيد وميثم التمّار وأمثالهم، ومجاهرة الشعراء بما قدم به الأطهار من أهل البيت النبويّعليهم‌السلام ، لَما عرفت الأجيال المـُتعاقبة صراح الحقّ.

وممّا ورد من الحثّ على نظم الشعر مدحاً ورثاءً، قولهمعليهم‌السلام :« مَن قال فينا بيتاً من الشِّعرِ بنى اللهُ له بيتاً في الجنّة ». وفي آخر:« حتَّى يُؤيَّد بروحِ القُدُس » (١) . وفي ثالث:« ما قالَ فينا مؤمنٌ شِعراً يمدَحنا إلاّ بنَى اللهُ له في الجنَّةِ مدينةً أوسع مِنَ الدُّنيا سبعَ مرّات، يزورُهُ فيها كُلُّ مَلكٍ مُقرَّبٍ ونبيٍّ مُرسلٍ » (٢) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ / ١٥، وسائل الشيعة ١ / ٤٦٧، بحار الأنوار ٢٦ / ٢٣١، وورد بلفظ:« ما قالَ فينا قائلٌ بيتاً من الشّعر حتّى يُؤيّد بروحِ القُدُس » .

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٥، وسائل الشيعة ١٤ / ٥٩٧.

٣٤٨

وقال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام للكميت - لمـّا أنشده:

مَن لقلبٍ مُتيّمٍ مُستهامِ

...............................

القصيدة -:« لا تزالُ مُؤيّداً بروحِ القُدُس ما دُمتَ تقولُ فينَا » (١) .

وأذنَ الإمام الجوادعليه‌السلام لعبد الله بن الصلت أنْ يندبه ويندب أباه الرِّضاعليه‌السلام .

وكتب إليه أبو طالب أبياتاً يستأذنه فيها في رثاء أبيه الرِّضاعليه‌السلام ، فقطع أبو جعفرعليه‌السلام الأبيات، وكتب إليه:« أحسنتَ وجزاكَ اللهُ خيراً » (٢) .

وتقدّم في صفحة ١٧٢ مدح الصادقعليه‌السلام لمَن يرثي لهم ويمدحهمعليهم‌السلام .

وحسبُ الشاعر أنْ يترتّب على عمله البار هاتيك المثوبات الجزيلة التي تشفّ عنْ أنّ ما يصفه بعين الله سبحانه حتّى يُبوِّئه الجليل عزّ شأنه من الخلد حيث يشاء، وتزدان به غرف الجنان؛ ولا بدع فإنّه بهتافه ذلك معدود من أهل الدعوة الإلهيّة، المـُعلنين لكلمة الحقّ وتأييد الدِّين، فهو بقوله الحقّ يرفع دعامة الإصلاح وتشييد مبانيه، ويطأ نزعة الباطل بأخمص الهدى، ويقمُّ أشواكه المـُتكدّسة أمام سير المذهب، ويلحب طريقه الواضح، فحيّاهم الله من دعاة إلى مراضيه.

وبما أنّ أبا الفضل العبّاس من اُولئك الأطهار الذين بهم تمّت الدعوة الإلهيّة، وعلت كلمة الله العُليا بإزهاق نفوسهم المـُقدّسة حتّى قضوا كراماً طيّبين، مضافاً إلى ما حواه من صفات الجلال والجمال ممّا أوجب أنْ يغبطه الصدّيقون على ما منحه الباري

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ / ٥٩٨، بحار الأنوار ٤٧ / ٣٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ / ٥٩٨، بحار الأنوار ٢٦ / ٢٣٢.

٣٤٩

سبحانه عوض شهادته؛ بادر مَن كهربه الولاء الخالص طلباً لذلك الأجر الجزيل بنظم مديحه ورثائه، وأوّل مَن رثاه اُمّه اُمّ البنين كما في مقاتل الطالبيِّين؛ فإنّها كانت تخرج إلى البقيع تندب أولادها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس لسماع ندبتها، وكان مروان يجيء لذلك فلا يزال يبكي(١) .

فمِن رثائها فيهم:

لا تَدْعُوَنِّي وَيْكِ اُمَّ البَنينْ

تُذكّروني بليوثِ العَرينْ

كانتْ بَنون ليَ اُدعَى بِهمْ

واليومُ أصبحتُ ولا مِنْ بَنينْ

أربعةٌ مثلُ نُسورِ الرُّبَى

قد واصلُوا الموتَ بقطعِ الوتينْ

تنازعَ الخِرصانُ أشلاءَهُمْ

فكلُّهُمْ أمسَى صريعاً طعينْ

يا ليتَ شعْرِي أكما أخبرُوا

بأنَّ عبّاساً قطيعُ الوتينْ

وقولها الآخر:

يا مَنْ رأى العبّاسَ كرْ

رَ على جماهيرِ النَّقدْ

ووراهُ مِنْ أبناءِ حي

درِ كلُّ ليثٍ ذي لُبَدْ

____________________

(١) مقاتل الطالبيِّين لأبي الفرج الأصفهاني / ٥٦، وعنه بحار الأنوار ٤٥ / ٤٠، والعوالم للبحراني / ٢٨١.

٣٥٠

نُبِّئتُ أنَّ ابنِي اُصي

بَ برأسِهِ مقطوعَ يَدْ

ويْلِي على شِبلِي أما

لَ برأسهِ ضربُ العَمدْ

لو كانَ سيفُكَ في يدِيْ

كَ لَما دنا منهُ أحدْ(١)

ورثاه حفيده الفضل بن محمّد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام على ما في المـُجدي.

إنّي لأذكرُ للعبّاسِ مَوقِفَهُ

بكربلاءَ وهامَ القومِ يختطفُ

يحمِي الحُسينَ ويحميهِ على ظمأٍ

ولا يُولّي ولا يثنِي فيختلفُ

ولا أرَى مشهداً يوماً كمشهدِهِ

معَ الحُسينِ عليهِ الفضلُ والشَّرفُ

أكرمْ بهِ مَشهداً بانتْ فضيلتُهُ

وما أضاعَ لهُ أفعالَهُ خَلَفُ

وحكى الشيخ الجليل العلاّمة ميرزا عبد الحسين الأميني في كتاب (الغدير) ٣ / ٥ عن روض الجنان في نيل مشتهى الجنان، المطبوع للمؤرّخ الهندي أشرف علي: أنّ الفضل بن الحسن المذكور قال في جدّه العبّاسعليه‌السلام :

أحقُّ النَّاسِ أنْ يُبكَى عليهِ

فتىً أبكَى الحُسينَ بكربلاءِ

____________________

(١) هكذا ورد البيت، ولعله إلى ضمائر الغائب أقرب منه إلى ضمائر المـُخاطَب؛ تساوقاً مع وحدة الأبيات المـُتقدّمة.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٣٥١

أخوه وابنُ والدِهِ عليٍّ

أبو الفضلِ المـُضرَّجُ بالدِّماءِ

ومَنْ واساهُ لا يثنيهِ شيءٌ

وجادَ لهُ على عطشٍ بماءِ

وهذه الأبيات نسبها أبو الفرج في المقاتل إلى الشاعر، ونسبها السيّد الحجّة المتتبّع السيّد عبد الله شبّرقدس‌سره في جلاء العيون إلى الحسينعليه‌السلام .

وقد رثى أبا الفضل العبّاس جماعةٌ كثيرة من الفضلاء الأدباء والعلماء البارعين، لو جُمعت لكانت مُجلّداً ضخماً، ولعلّ فيض أبي الفضل يشملنا فنخرجها إلى القرّاء بالقريب العاجل، وفي هذا الكتاب نذكر ما يتحمّله منها.

ومن جيّد ما رُثي به قصيدة الشاعر الشهير الحاج هاشم بن حردان الكعبي الدروقي، المـُتوفّى سنة ١٢٣١ هـ، وهي مثبتة في ديوانه المطبوع في النّجف، وفي كشكول الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق في الفقه ٢ / ٣٩٢، وفي الدرّ النَّضيد للعلاّمة السيّد محسن الأمين، ومطلعها:

هل اُمُّ طوقٍ كذاتِ الطّوقِ في السَّلمِ

تحنُّ شوقاً إلى أيّامِنا القِدَمِ

إلى أنْ يقول:

يومٌ أبُو الفضلِ تدعُوا الظّامياتُ بهِ

والماءُ تحتَ شَبا الهنديةِ الخُذُمِ

والخيلُ تصطكُّ والزَّعفُ الدِّلاصُ على

فُرسانِها قَدْ غدتْ ناراً على عَلَمِ

٣٥٢

وأقبلَ اللَّيثُ لا يلويهِ خَوفُ رَدَى

بادي البشاشةِ كالمدعوِّ للنّعمِ

يَبدُو فيغدُو صَميمُ الجَمعِ مُنصدِعاً

نصفَينِ ما بينَ مطروحٍ ومُنهَزِمِ

ورثاه العلاّمة الشيخ محسن آل الشيخ خضر، المتوفّى حوالي سنة ١٣٠٣ هـ:

فللّه زينبُ إذْ تستغيثُ

أبا الفضلِ يا كهفَ عزِّي المـُهابَا

ويا ليثَ قومِي إذا الخطبُ نابَ

وكشّرتِ الحربُ سنَّاً ونابَا

أتتركُنِي نُصبَ عينِ العدوِّ

تنتهبُ القومُ رَحلِي انتهابَا

وللّهِ مُقولُها إذْ تقولُ

ينشعبُ القلبُ منهُ انشعابَا

عذرتُكَ يابنَ أبِي فالحَميمُ

بكفَّيهِ يحمِي إذا الخطبُ نابَا

فشُلَّتْ أكفُّ علوجٍ بَرتْ

يمينَكَ إذْ يسلبونِي النِّقابَا

وذابَ عمودُ حديدٍ رماكَ

وأخطأ سهمٌ حشاكَ أصابَا

ورثاه شاعر أهل البيتعليهم‌السلام في عصره السيّد حيدر الحلّي، المـُتوفّى سنة ١٣٠٤ هـ، وهي مُثبّتة في ديوانه، مطلعها:

حلولُكَ في محلِّ الضَّيمِ دامَا

وحدُّ السَّيفِ يأبَى أنْ يُضامَا

٣٥٣

ورثاه العلاّمة السيّد جعفر الحلّي، المـُتوفّى سنة ١٣١٥ هـ، وقد أبدع فيها، وهي مُثبّتة في ديوانه المطبوع في صيدا، وفي منير الأحزان والدرّ النّضيد، مطلعها:

وَجهُ الصَّباحِ عليَّ لَيلٌ مُظلمُ

وَربيعُ أَيَّامي عَليَّ مُحرَّمُ

وفي صفحات ٩٩ و ١٥٣ و ١٦٠ ذكرنا أبياتاً منها(١) .

ورثاه الحاجّ محمّد رضا الأزري، ومطلعها:

أومَا أتاكَ حديثُ وقعةِ كربلا

أنّى وقدْ بلغَ السَّماءَ قتامُهَا

طُبعتْ في مثير الأحزان للعلاّمة الشيخ شريف الجواهري، وفي الدرّ النَّضيد.

ورثاه الإمام الحجّة الشيخ محمّد حسن كاشف الغطاء (أدام الله ظلّه)(٢) :

أبا صالحٍ إنّ العزا لَمُحرَّمُ

ومنكُمْ بنو الزَّهرا استُحِلَّ بهِ الدَّمُ

لكُمْ بينَ أضلاعِي مواقدُ لوعةٍ

بذكرِ رزاياكُمْ تشبُّ وتُضرَمُ

تزاحمُ في فكرِي إذا رمتُ عدَّها

رزاياكُمُ الجلَّى فأبكي واُوجَمُ

وما أنسَ مِنْ شيءٍ فلا أنسَ وقعةً

تُهدُّ لهَا السَّبعُ الطِّباقُ وتُهدمُ

____________________

(١) هذه الأرقام هي على صفحات الأصل، أمّا في هذه الطبعة فتكون في الصفحات ١٦٥، ٢٤٠، ٢٥٠.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

(٢) نقلتُها من كتاب سوانح الأفكار في منتخب الأشعار، تأليف الفاضل المـُهذّب الخطيب السيّد محمّد جواد شبّر.

٣٥٤

وقد جدّدتْ حُزنِي ولمْ يكُ مُخلقاً

غداةَ استهلَّتْ أدمُعِي والمـُحرَّمُ

أصابَ بها مِنْ كربلا قلبَ أحمدٍ

وقلبَ عليٍّ والبتولةِ أسْهُمُ

غداةَ بنوهُ الغُرُّ في نصرِ دينِهِ

سرتْ ونهارُ العدلِ بالجَورِ مُظلمُ

بفتيانِ صدقٍ في الحفيظةِ يمَّمَتْ

ركابَ العُلا في ظعنِهمْ حيثُ يمَّموا

تُطالعُ أقماراً بهمْ وأهلَّةً

إذا أسفَروا في موكبٍ وتلثَّموا

وإنْ صَرَّتْ الهيجاءُ ناباً تراهُمُ

اُسوداً فأفياءُ الظُّبا تتأجّمُ

وإنْ فُلَّ حدُّ السَّيفِ أمضاهُ عزمُهُمْ

بأمضَى شَبا منهُمْ فلا يُتكتّمُ

وتهوي المنايا للهوانِ كأنَّما الْ

مَنايا لها دونَ الدنيَّةِ مَغنَمُ

ميامينَ يومَ السِّلمِ لكنَّ يومَهُمْ

على مَن دَنا بالشُّؤمِ منهُمْ لأشأمُ

قد ادَّرَعُوا دِرعاً جَديداً وأخَّروا

من الصَّبرِ أقوَى منهُ نَسجاً وأحكمُ

وما راعَ جيشَ الكُفرِ إلاّ عصابةٌ

حَداها مِنَ الإيمانِ جيشٌ عَرمرمُ

٣٥٥

حجازيّةٌ نَحو العراقِ ومُنجد

ثَناهَا بأجوازِ الفيافي ومُتْهمُ

بأجسامِها في عَرصةِ الطَّفِّ عرَّسَتْ

وأرواحُها في عالمِ القُدسِ عُوَّمُ

تُضاحكُ بشْراً بالمنونِ كأنَّما الْ

حياةُ عذابٌ والمنونُ تَنعَّمُ

وترقصُ شوقاً للّقاءِ قلوبُهَا

إذا أخذتْ فِي ذِكرِها تَترنَّمُ

وإنْ بَزغَ النُّورُ الإلهيُّ بينَها

ترَى البدرَ حفَّتْ فيهِ بالسَّعدِ أنجُمُ

لقدْ ثَبتُوا للذَّبِّ عنهُ بموقِفٍ

يشيبُ بهِ طفلُ القَضاءِ ويهرَمُ

وتذهلُ أملاكُ السَّماءِ لوقعِهِ

ويذبلُ منهُ يذبلٌ ويَلَمْلَمُ

ولمـّا قَضَوا في حلبةِ المجْدِ حقَّها

وحقَّ لها نحو الجنانِ التَّقدّمُ

تهاوَوا فقُلْ زُهرُ النُّجومِ تهافَتَتْ

وأهوَوا فقُلْ شُمُّ الرَّواسِيَ تُهدَمُ

بحربٍ على أعوانِ حَربٍ قَدْ انكَفَى

صواعقُ مِنْ قرعِ الأسنَّةِ تُضرَمُ

تعثَّر فيهِ بالجماجُمِ خيلُهُمْ

وأجسامُهُمْ للطِّيرِ والوحشِ مَطعَمُ

٣٥٦

وتعبسُ مِنْ خوفٍ وجوهُ اُميّة

إذا كرَّ (عبّاسُ) الوغَى يَتبسّمُ

أبو الفضلِ تأبى غيرَهُ الفضلُ والإبا

أباً فهو إمّا عنهُ أو فيهِ يُرسَمُ

عليمٌ بتأويلِ المَنيّةِ سيفُهُ

نَزولٌ على مَنْ بالكرِيهةِ معلمُ

ويمضي إلى الهَيجاءَ مُستقبلَ العِدى

بماضٍ بهِ أمرُ المَنيّةِ مُبرَمُ

وإنْ عادَ ليلُ الحربِ بالنَّقعِ أليلاً

فيومُ عِداهُ مِنهُ بالشَّرِّ أيوَمُ

وإنْ سمعَ الأطفالَ تصرخُ للظَّما

تصارخَ منهُ الجحفلُ المـُتضمِّمُ

وصالَ عليهمْ صولةَ اللَّيثِ مُغضبا

يُحمحِمُ مِنْ طولِ الطّوى ويُدمدِمُ

وراحَ لوردِ المـُستقَى حاملَ السّقا

وأصدرَ عنهُ وهو بالماءِ مُفعَمُ

ومُذْ خاضَ نهرَ العلقميِّ تذكّر الْ

حُسينَ فولَّى عنهُ والرِّيقُ عَلقَمُ

وأضحَى‌ابنُ ساقِي‌الحوضَ سقّا ابن‌أحمد

يُروِّي‌عِطاشى المـُصطفَى الطُّهرِ إنْ‌ظمُوا

ولمـّا أبَى منكَ الإباءُ تأخّراً

وأنّ أبا الفضلِ الذي يتقدّمُ

٣٥٧

بِهمْ حسمتْ يمناكَ ظُلماً ولَمْ أخلْ

يمينَ القَضا في صارمِ الشُّركِ تُحسمُ

وإنّ عمودَ الفضلِ يخسفُ هامَه

عمودُ حديدٍ للضَّلالةِ يدعمُ

وحين هَوى أهوى إليهِ شَقيقُه

يشقُّ صفوفَ المخلديْ ويُحطِّمُ

فألفاهُ مَقطوعَ اليدينِ مُعفَّراً

يُفوَّرُ مِنْ مَخسوفِ هامتِهِ الدَّمُ

فقالَ أخي قَدْ كُنتَ كبشَ كتيبَتِي

وجنّةَ بأسٍ حينَ اُدهَى واُدهَمُ

فمَنْ ناقعٌ حرَّ القلوبِ مِنَ الظَّما

ومَنْ دافعٌ شَرَّ العِدَى يومَ تهجمُ

ومَنْ يكشفُ البلوَى ومَن يحملُ اللِّوا

ومَنْ يدفعُ اللأوي ومَنْ يتقحَّمُ

رَحلتَ وقَدْ خلَّفتَني يابنَ والدِي

أغاضُ بأيدِي الظَّالمينَ واُهضَمُ

أحاطتْ بيَ الأعداءُ مِنْ كُلِّ جانبٍ

ولا ناصرٌ إلاّ سنانٌ ولهذمُ

فما زالَ ينعاهُ ويندبُ عندَهُ

إلى أنْ أفاضَ البُقعةَ الدَّمعُ والدَّمُ

وأقبلَ محنيَّ الضُّلوعِ إلى النِّسا

يُكفكِفُ عنها الدَّمعَ والدَّمعُ يسجمُ

٣٥٨

ولاحتْ عليهِ للرَّزايا دلائلٌ

تبينُ لها لكنَّهُ يَتكتّمُ

وأقدمَ فرداً للكريهةِ ليثُها

وسبعونَ ألفاً عنهُ في الكرِّ أحجمُوا

فتحسبُ عزرائيلَ صاحَ بسيفِهِ

عليهمْ ففرُّوا مِنْ يديهِ واُهزمُوا

وقُلْ غَضبَ الجبَّارُ دمدمَ صاعقاً

بمنحوسِ ذيَّاكَ الوجودِ واُعدمُوا

ولمـّا أعادَ البرَّ بحراً جوادُهُ الْ

سَفين به لكنّما الموجُ عندمُ

نمتْ عزمَهُ البقيا عليهِ فما انثَنَوا

ورقَّ على مَنْ لا يرقَّ ويرحمُ

وقامَ لسانُ اللّهِ يخطبُ واعظاً

فصُمُّوا لِما عنْ قُدسِ أنوارِهِ عُموا

وقال انسبونِي مَن أنَا اليومَ وانظرُوا

حلالاً لكُمْ منِّي دمِي أمْ مُحرَّمُ

فمَا وَجدُوا إلاّ السِّهامَ بنحرِهِ

تراشِ جواباً والعوالِي تُقوَّمُ

ومُذْ أيقنَ السِّبطُ انمحَى دينُ جدِّهِ

ولمْ يبقَ بينَ النَّاسِ في الأرضِ مُسلمُ

فدَى نفسَهُ في نُصرةِ الدِّينِ خائضاً

عَنِ المـُسلمينَ الغامراتِ ليسلَموا

٣٥٩

وقال خُذينِي يا حتوفُ وهاكِ يا

سيوفٌ فأوصالي لكِ اليومَ مَغنَمُ

وهيهاتُ أنْ أغدو على الضَّيمِ حائماً

ولو لِي على جمرِ الأسنَّةِ مَجثَمُ

وكرٌّ وقَدْ ضاقَ الفضَا وجرَى القضَا

وسالَ بوادِي الكُفرِ سيلاً عَرمرمُ

ومُذْ خَرَّ بالتَّعظيمِ للهِ ساجداً

لهُ كَبَّروا بينَ السُّيوفِ وعظَّموا

وجاءَ إليهِ الشّمرُ يرفعُ رأسَهُ

فقامَ بهِ عنهُ السِّنانُ المـُقوَّمُ

وزعزعَ عرشَ اللّهِ وانحطَّ نُورُهُ

فأشرقَ وجهَ الأرضِ والكونُ مُظلمُ

ومُذْ مالَ قطبُ الكونِ مالَ وأوْ

شكَ انقلاباً يَميلُ الكائناتِ ويعدمُ

وحينَ ثوَى في الأرضِ قرَّ قرارُها

وعادتْ ومِنْ أوَجِ السَّما وهي أعظمُ

فلهفِي لهُ فَرداً عليهِ تزاحَمتْ

جموعُ العِدَى تزدادُ جهلاً فيحلمُ

ولهفِي لهُ ضامٍ يجودُ وحولهُ ال

فُراتُ جرَى طامٍ وعنهُ يُحرّمُ

ولهفِي لهُ مُلقىً وللخيلِ حافرُ

يجولُ على تلكَ الضِّلوعِ وينسمُ

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394