مقتل العباس (عليه السلام)

مقتل العباس (عليه السلام)10%

مقتل العباس (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 394

  • البداية
  • السابق
  • 394 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77226 / تحميل: 11576
الحجم الحجم الحجم
مقتل العباس (عليه السلام)

مقتل العباس (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فكتب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام :« من عبد اللّه عليٍّ أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب: سلامٌ عليكَ، فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو.

أمّا بعد، كلأنا اللّهُ وإيّاك كلأة مَنْ يخشاه بالغيب، إنّه حميدٌ مجيدٌ. وقد وصل إليّ كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه أنّك لقيت عبد اللّه بن أبي سرح مقبلاً من ( قديد )، في نحو من أربعين فارساً من أبناء الطلقاء، متوجّهين إلى جهة المغرب، وإنّ ابن أبي سرح طالما كاد اللّه ورسوله وكتابه، وصدّ عن سبيله، وبغاها عوجاً، فدع عنك ابن أبي سرح، ودع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، ألا وإنّ العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب النّبيِّ قبل اليوم؛ فأصبحوا قد جهلوا حقَّه وجحدوا فضله، وبادروه بالعداوة ونصبوا له الحرب، وجهدوا عليه كُلّ الجهد، وجروا إليه جيش الأحزاب. اللهمّ، فاجزِ قريشاً عنّي الجوازي؛ فقد قطعت رحمي وتظاهرت عليّ، ودفعتني عن حقّي وسلبتني سلطان ابن اُمّي، وسلّمت ذلك إلى مَن ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الإسلام، ألا يدّعي مدّعٍ ما لا أعرفه، ولا أظنّ اللّه يعرفه، والحمد للّه على كُلّ حال.

فأمّا ما ذكرته من غارة الضحّاك على أهل الحيرة، فهو أقلّ وأزلّ من أنْ يلمّ بها أو يدنو منها، ولكنّه قد أقبل في جريدة خيل، فأخذ على السّماوة حتّى قربوا من واقصة (١) وشراف (٢) ،

____________________

(١) منزل في طريق مكّة.

(٢) شراف: موضع قريب من مكّة.

٨١

والقطقطانة (١) وما والى ذلك الصقع، فوجّهت إليه جنداً كثيفاً من المسلمين، فلمـّا بلغه ذلك فرّ هارباً، فأتبعوه ولحقوه ببعض الطريق وقد أمعن، وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب، فتناوشوا القتال قليلاً، فلم يبصر إلاّ بوقع المشرفيّة، وولّى هارباً، وقُتل من أصحابه بضعة عشر رجلاً، ونجا مريضاً بعد ما اُخذ منه بالمخنق، فلأيا بلأي ما نجا.

وأمّا ما سألتني أنْ أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه؛ فإنّ رأيي جهاد المحلّين حتّى ألقى اللّه، لا تزدني كثرةُ النّاس عزّةً، ولا تفرقّهم عنّي وحشةً؛ لأنّي محقٌّ واللّه مع الحقّ، وواللّه، ما أكره الموت على الحقِّ، وما الخير كُلّه إلاّ بعد الموت لمَن كان مُحقّاً.

وأمّا ما عرضت به من مسيرك إلى بنيك وبني أبيك، فلا حاجة لي في ذلك، فأقم راشداً محموداً، فواللّه، ما اُحبُّ أنْ تهلكوا معي إنْ هلكت، ولا تحسبنّ ابن أبيك، لو أسلمه النّاس، مُتخشّعاً ولا مُتضرّعاً، إنّه لكما قال أخو بني سليم:

فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي

صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ

يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ

فَيَشْمَتَ باغٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ »(٢)

____________________

(١) موضع قرب الكوفة.

(٢) شرح نهج البلاغة ٢ / ١٢٠، الإمامة والسّياسة / ٥٤، بحار الأنوار ٣٤ / ٢٤، جواهر المطالب ١ / ٣٦٦.

٨٢

وهذا الكتاب من عقيل، المروي بطرق متعدّدة، يدلّنا على أنّه كان مع أخيه الإمامعليه‌السلام في حياته غير مفارق له؛ فإنّ الكتاب الذي كتبه إليه بعد غارة الضحّاك على أطراف أعماله، وذلك قرب شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

اذاً فالقول بأنّ وفادة عقيل على معاوية بعد أخيه متعيّن، كما اختاره السيّد المحقّق في الدرجات الرفيعة، وجعله ابن أبي الحديد الأظهر عنده، وقد وضح من ذلك أنّه لم يكن مع معاوية بصفين.

٨٣

الحديدة:

أمّا حديث الحديدة المحماة التي أدناها منه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فليس فيها ما يدلّ على اقترافه إثماً أو خروجاً عن طاعة؛ فإنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أراد بذلك تهذيبه بأكثر ممّا تتهذّب به العامّة، كما هو المطلوب من مثل عقيل والمناسب لمقامه.

فعرّفة ( سيّد الأوصياء ) إنّ إنساناً بلغ من الضعف إلى أنْ يئنّ من قرب الحديدة المحماة بنار الدُّنيا من دون أنْ تمسّه، كيف يتحمّل نار الآخرة في لظى نزّاعة للشوى وهو مضطرم بين أوارها! فمِن واجب الإنسان الكامل التبعّد منها بكبح النّهمة، وكسر سورة الجشع، والمكابدة للملمـّات القاسية؛ فهي مجلبة لمرضاة الربِّ ومكسبة لغفرانه وإنْ كان غيره من أفراد الرعيّة يتبعّد عنها بترك المـُحرّمات.

فحقيق بمثله - وهو ابن بيت الوحي ورجالات عصبة الخلافة - التجنّب حتّى عن المكروهات، وما لا يلائم مقامه من المباحات، ويروّض نفسه بترك ذلك كُلّه حتّى تقتدي به الطبقات الواطئة بما يسعهم، أو يُسلّون أنفسهم بمقاسات مثل عقيل الشدائد في دنياه، فلا يبهضهم الفقر المـُلمُّ والكرب المـُدلهمُّ، فرُبَّ مُباحٍ يُنقم عليه مِن مثله ولا يُلام مَن هو دونه بارتكابه؛ فإنّ ( حسنات الأبرار سيئات المقرّبين )؛ وأمير المؤمنينعليه‌السلام أراد أنْ يوقف أخاه على هذا الخطر المـُمنَّع الذي حواه، وقد ذهل عنه في ساعته تلك.

٨٤

افتراء:

قال الصفدي: لقد بغَّض عقيلاً إلى النّاس ذكرُهُ مثالب قريش، وما اُوتي من فضل وعلم بالنّسب، والسّرعة في الجواب حتّى قالوا فيه الباطل، ونسبوه إلى الحمق(١) .

واختلقوا عليه أحاديث كان بعيداً عنها، فوضعوا على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام ما ينقص مِن قدرِهِ، ويحطُّ من كرامته؛ زعماً منهم أنّ في ذلك تشويهاً لأهل هذا البيت الطاهر - بيت أبي طالب - بإخراجهم عن مستوى الإنسانيّة فضلاً عن الدِّين، بعد أنْ أعوزتهم الوقيعة في سيّد الأوصياءعليه‌السلام بشيء من تلك المـُفتريات، فطفقوا يُشوّهون مقام أبيه وحامته، ولكنْ لا ينطلي ذلك على الجيل المـُنقّب حتّى كشف عن تلك النّوايا السّيئة، وعرف الملأ افتعال الحديث وبعده عن الصواب.

قالوا في الرواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :« ما زلتُ مظلوماً مُنذُ ولدتني اُمّي، حتّى إنْ كان عقيلٌ لَيُصيبه رمدٌ، فيقول: لا تَذْرونِي حتّى تَذْروا عليّاً، فيذْرُوني وما بي رَمدٌ » (٢) .

____________________

(١) نكت الهميان / ٢٠٠.

(٢) علل الشرائع ١ / ٤٥.

٨٥

لا أقرأ هذا الحديث إلاّ ويأخذني العجب، كيف رضي المـُفتعل بهذه الفرية البيّنة! فإنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ولد ولعقيل عشرون سنة، وهل يعتقد أحدٌ أو يظنّ أنّ إنساناً له من العمر ذلك المقدار، إذا اقتضى صلاحه شرب الدواء، يمتنع منه إلاّ إذا شرب مثله أخوه البالغ سنة واحدة أو سنتين؟! كلاّ لا يفعله أيُّ أحد وإنْ بلغ الغاية في الخِسّة والضعف، فكيف بمثل عقيل المـُتربّي بحجر أبي طالب، والمـُرتضع درَّ المعرفة؛ خصوصاً مع ما يشاهد من الآيات الباهرة من أخيه الإمام منذ ولادته!

نعم، الضغائن والأحقاد حبّذت لمَن تخلّق بها التردّد في العمي، والخبط في الضلال مِن دون رويّة أو تفكير:( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ اُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (١) .

نعم، كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول غير مرّة:« ما زلتُ مظلوماً » (٢) . من دون تلك الزيادة، يعني بذلك دفعه عن حقّه الواجب على الاُمّة القيام به والميل عنه، وتعطيل أحكام اللّه بالأخذ من غيره، وتقديم مَن ليس له قدمٌ ثابتٌ في كُلّ مكرمة، ولا نصٌّ من صاحب الشريعة، ولا فقهٌ ناجعٌ، ولا إقدامٌ في الحروب.

وحيث إنّ في هذه الكلمة حطّاً بمَن ناوأه، زحزحوها عنهم وألصقوها بذلك السيّد الكريم، وما أسرع أنْ عاد السّهم فكان كالباحث عن حتفه بظلفه.

____________________

(١) سورة المجادلة / ١٩.

(٢) علل الشرائع ١ / ٤٥، الاعتقادات في دين الإماميّة للصدوق / ١٠٥، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ / ٣٠٦.

٨٦

الخلف عن عقيل:

الخلف الصالح يخلّد ذكر سلفه، فلا يزال ذكرُه حيّاً بعمره الثاني من ذكرٍ جميل، وثناءٍ جزيل، وترحّمٍ متواصل، واستغفار له منه وممّن تعرّف به. وفي الحديث:« إنّ ابنَ آدم إذا مات انقطع عملُهُ من الدُّنيا إلاّ من ثلاث... » . وعدّ منها الولد الصالح.

ومن أجلى الواضحات أنّ هذا التذكير يختلف حسب تدرّج الأولاد في المآثر، فمهما كان قسطهم منها أكثر فهم لمجد آبائهم أخلد، وكذلك الأسلاف، فكُلّما كانوا في الشرف والسُّؤدد أقرب فانتشار فضلهم بصالحي خلفهم أسرع. إذاً فما ظنّك بمثل عقيل بن أبي طالب ذلك الشريف المـُبجّل، وقد خلّفه ( شهيد الكوفة ) ووُلدُهُ الأطائب ( شُهداء الطَّفِّ )(١) ، الذين لم يسبقهم ولا يلحقهم لاحق، فلو لَمْ يكُنْ لعقيلٍ شيءٌ من الخطر والعظمة لتسنّم بهؤلاء الأكارم أوجَ العُلا والرفعة:

وكمْ أبٍ قدْ علا بابنٍ ذُرَى شَرفٍ

كما عَلا برسولِ اللَّهِ عدنانُ

وكيف به وهو مِن أشرف عنصر في العالم كُلّه؟!

____________________

(١) في كامل الزيارات / ٢٤١: كان عليُّ بن الحسينعليه‌السلام يميل إلى وِلدِ عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقالعليه‌السلام :« إنّي لأذكر يومَهم مع أبي عبد اللّه الحسين عليه‌السلام ؛ فأرقّ لهم » .

٨٧

ولم يزل له ذكرٌ خالد في أحفاده المـُتعاقبين؛ فإنّهم بين علماء أعاظم وفقهاء مُبرّزين، وشعراء ومحدّثين، واُمراء صالحين، ونسّابين، وقد انتشروا في مصر ونصيبين، واليمن وحلب، وبيروت والمدينة، والكوفة والحلّة، وطبرستان وخراسان، وجرجان وكرمان، وقم وأصفهان.

وكان القاسم بن محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب فاضلاً تقيّاً، وأخوه عقيل: جليلٌ ثقةٌ ثبتٌ صاحبُ حديث، وعمّهما عقيل بن عبد اللّه: نسّابة مُشجِّر، وحفيد عقيل هذا جعفر بن عبد اللّه الأصفهاني: عالمٌ نسّابة، شيخُ شبل بن نكبن، مات سنة ٣٣٤ هجرية.

ومحمّد بن مسلم بن عقيل بن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب، يُعرف بابن المزينة، كان أميرَ المدينة، قتله ابنُ أبي السّاج. وابنه أبو القاسم أحمد بن محمّد المذكور، كان له أدب وفضل، مات سنة ٣٣٠ هجرية. والعبّاس بن عيسى الأوقص، ولي القضاء للداعي الكبير الحسن بن زيد على جرجان، وقد أولد بكرمان(١) .

ومن أحفاد عقيل العلاّمة الجليل السيّد إسماعيل بن أحمد النّوري الطبرسي، من علمائنا الأعاظم، شارح نجاة العباد لشيخ الطائفة المحقّق الحجّة ( صاحب الجواهر )قدس‌سره ، طُبع منها جزءان إلى آخر الزّكاة، وله كفاية المـُوحّدين مطبوعة.

وكان في كربلاء المـُشرَّفة بيت كبير وطائفة جليلة يُعرفون بالعقيليين، لهم أوقاف كثيرة، وقد انقرضوا وبقي منهم رجلٌ واحد.

____________________

(١) انظر ذلك في عمدة الطالب / ٣٥.

٨٨

الطيّار:

وأمّا جعفر بن أبي طالب، فحسبه من العظمة شهادة الرسول الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه يُشبهه خَلقاً وخُلقاً، ذلك الخُلق الكريم الموصوف في الذكر الحكيم بقوله عزّ شأنه:( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم ) (١) . وحيث لمْ ينصّ النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله على صفة خاصة من أخلاقه، فلا جرم من شمول تلك الكلمة الذهبيّة:« أشبهتَ خَلقي وخُلقي » . لجميع ما اتّصف به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى الدنس من الرِّجس والآثام. ولو تنازلنا عن القول بعموم التشبيه لهذه الخاصّة فلا بدّ من القول بتحقّق أظهر صفات المـُشبَّه به للمُشبَّه، ولا شكّ في أنّ ذلك المعنى أظهر ما في خلقه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وغير خافٍ أنّ هذه الكلمة قالها النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا تنازع عنده أمير المؤمنينعليه‌السلام وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنة حمزة بن عبد المـُطّلب، وكان كُلّ منهم يُريد القيام بتربيتها؛ وذلك أنّ النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما خرج من مكّة بعد انقضاء الأجل بينه وبين أهل مكّة في عمرة القضاء الواقعة في السّنة السّابعة للهجرة، تبعته ابنة حمزة تقول: يا عم، خذني معك. فأخذها أمير المؤمنينعليه‌السلام ودفعها إلى فاطمةعليها‌السلام ، وفي المدينة جرى ذلك النّزاع بينهم، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لزيد:« أنتَ أخوها ومولانا » . وقال لجعفر:

____________________

(١) سورة القلم / ٤.

٨٩

« أشبهت خَلقي وخُلقي » . وقال لأمير المؤمنينعليه‌السلام :« أنت منّي وأنا منّك » . ثُمّ قضى بها للخالة، وهي أسماءُ بنتُ عُميس(١) .

هذا هو الحديث المذكور في الجوامع، والنّظرة الصادقة فيه تُفيدنا معرفة السرّ في اختلاف خطاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ابنَي عمّه، وكُلّ منهما نصح له في التلبية على الدعوى الإلهيّة، وأخلص في المفاداة في سبيل تبليغ الرسالة خصوصاً مع معرفته بأساليب المحاورة؛ لأنّه سيّد البلغاء،( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (٢) . فلا جرم حينئذ من كون الوجه فيه هو الإشارة إلى صفة سامية تحلّى بها أمير المؤمنينعليه‌السلام وتخلّى عنها جعفر، وليست هي إلاّ خلافة اللّه الكبرى؛ فإنّ عليّاًعليه‌السلام حامل ما عند رسول اللّه الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله من علم مُتدفّق وفقه ناجع، وخبرة شاملة وتأمّل فيّاض، وخُلق عظيم لا يستطيع البشر القيام به.

وهذا هو الذي تُفيده المنزلة في قوله:« أنت منّي وأنا منك » . بعد فرض المـُباينة بينهما في الحدود الشخصيّة؛ والنّبيُّ لا ينطلق ساهياً ولا لاهياً، فلا بدّ أنْ يكون قاصداً تلك المنزلة الكبرى التي لم يحوها جعفر وإنْ بلغ في خدمة الدِّين كُلَّ مبلغ.

وهذا النّزاع إنّما هو في الحضانة التي هي سلطنة وولاية على تربية الطفل وإدارة شؤونه، وقد كان لابنة حمزة يومئذ أربع سنين.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١٦٨، كتاب الصُّلح - باب إذا اصطلحوا على صلح جَور فالصُّلح مردود، المـُستدرك للحاكم ٣ / ١٢٠، السّنن الكبرى للنسائي ٨ / ٥، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ٢٥٨.

(٢) سورة النّجم / ٣.

٩٠

وهذا القضاء، كما يُفيدنا سقوط حضانة الاُمّ إذا تزوجت، يُفيدنا أولويّة الخالة على العمّة؛ فإنّ عمّتها صفيّة كانت موجودةً يومئذ، واُمّها سلمى متزوّجة بشدّاد بن الهادي الليثي حليف بني هاشم.

ويُرشدنا طلب أمير المؤمنينعليه‌السلام الحضانة إلى أنّ أولوية الخالة على غيرها من الأقارب إنّما هو عند المخاصمة، وإلاّ فلم يخفِ الحكم على سيّد الوصيينعليه‌السلام ، وهو مُستقى الأحكام وينبوعه، وقد امتزجت ذاته المـُقدّسة بالمعارف الإلهيّة والأسرار الربوبيّة، واستمدّ من اللوح المحفوظ. ولعلّ السرّ الدقيق في مخاصمته معهما تعريفُ الاُمّة مقامه الرفيع، ومنزلته الكبرى التي لا يُدانيها كُلّ أحد، والواجب عليه - بما أنّه المـُنقذ الأكبر وإمام الاُمّة - إرشادها إلى الطريق اللاحب بأيّ نحو من أنحاء الكلام.

لقد كان جعفر ملازماً لصاحب الرسالة ملازمة الظلّ لذيه؛ يرقب أفعالَه وتروكَه، ويسمع تعاليمَه وعظاتِه، ويُبصر أعمالَه وحِكَمَه، ويقتصّ أثرَه منذ كان يصلُ جناح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الأيسر في الصلاة بعد أمير المؤمنينعليه‌السلام وخديجة الكبرى.

وكانت قريش تخبط في غلواء جحوده، وتغلي مراجل بغضائها على الصادع بالدِّين الحنيف، وعلى كُلّ ذلك تُمرّنه التعاليم النّبويّة الخاصّة به، وتُكهربه تهذيباتُ المـُشرّع الأطهر، ولا تدعه جاذبة الدعوة الإلهيّة يلوي يميناً ولا شمالاً.

٩١

ومن هنا ائْتَمنه صاحب الرسالة على نشر كلمة التوحيد، وعلى ضعفاء المسلمين يوم بعثه إلى الحبشة في السّنة الخامسة من الهجرة، فأدّى النّصيحة، ونهض بالدعوة حتّى استمال النّجاشي إلى الإسلام فآمن، غير أنّ منيّته حالت دون اُمنيته.

ولو لم يكن جعفر بتلك المنزلة الرفيعة لما تعاقبت مفاخرات أئمّة الدِّينعليهم‌السلام به، كما افتخروا بعمّه أسد اللّه وأسد رسوله في كثير من مفاخراتهم: ففي احتجاج الطبرسي: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام احتجّ على أهل الشورى بأنّ أخاه جعفر، المـُزيّن بجناحين في الجنّة يحلّ فيها حيث شاء، فلم يردّ عليه أحد، بل قابلوه بالتسليم والقبول.

وفي نهج البلاغة فيما كتب به إلى معاوية:« إنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَ لِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ، قِيلَ له: الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ ». فلو لم يكن كفاحه عن الدِّين عن بصيرة نافذة ويقين ثابت لَما افتخر به المعصومونعليهم‌السلام ، والعارفون بمآل العباد حتّى جعلوا مواقفه في الدِّين ذريعة إلى التوسّل إلى مطلوبهم.

ولحزمهِ الثابتِ ومواقفهِ المحمودة، وإصابته في الرأي وقديم إيمانه؛ أمّرهُ النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة مؤتة على المسلمين، ولم يجعل عليه أمير، فإذا قُتل فالأمير زيد بن حارثة، فإنْ قُتل فالأمير عبد اللّه بن رواحة(١) .

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ / ١٧٦، إعلام الورى / ٢١٢.

٩٢

فما ذهب إليه فريق من المؤرّخين من تقديم زيد وابن رواحة عليه، يدفعه صحيح الأثر والاعتبار الصادق؛ وهذه العظمة هي التي تركت قدومه من الحبشة - يوم فتح خيبر - أعظم موهبة منح اللّه تعالى بها نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعادل ذلك الفتح المبين حتّى قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ما أدري بأيّهما اُسرُّ؛ بقدوم جعفرٍ أمْ بفتح خيبر؟! » . ثُمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله له:« ألا أحبُوك؟ ألا أمنَحُكَ؟ » . فظنّ النّاس أنّه يُعطيه ذهباً وفضّة لما فتح اللّه عليه من خيبر، فقال له جعفر: بلى يا رسول اللّه. فعلّمه صلاة التسبيح وهي المعروفة بصلاة جعفر(١) .

وهذه الحبوَة من الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله لابن أخيه؛ حيث علم أنّ من فرط قداسته لا يروقه إلاّ ما كان من عالم القدس، فخلع عليه بها، وجعله وسام شرف له، وهي من المتواترات بين العامّة والخاصّة، كما نصّ عليه المجلسي في البحار(٢) ، ولكن شرذمة من مناوئي أهل البيتعليهم‌السلام لم يرقْ لهم ثبوتُ تلك المنحة لأخي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وحيث لم يسعهم أنْ يلصقوها بواحدٍ منهم، زحزحوها إلى العبّاس بن عبد المـُطّلب كما في شفاء السّقام للسيّد جعفر الكتّاني صفحة ٢٠.

وقد كشفت الحقيقة عن نفسه، وأماطت ستار التمويه بافتعال هذه النّسبة من عكرمة مولى ابن عباس الكذّاب بنصّ الذهبي في الميزان، وياقوت في المعجم، وابن خلكان في الوفيات بترجمته(٣) .

____________________

(١) الكافي ٣ / ٣٦٥، من لا يحضره الفقيه ١ / ٥٥٢، النّوادر / ١٦٠، جمال الاُسبوع / ١٨٢.

(٢) بحار الأنوار ٨٨ / ٢١٢.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ / ٩٤، ضعفاء العقيلي ٣ / ٣٧٣، تاريخ الإسلام ٧ / ١٨، وغيرها من المصادر.

٩٣

إخوته:

إنّ حاجة الباحث في تاريخ أبي الفضلعليه‌السلام ماسّة إلى معرفة إخوته الأكارم لمناسبات هناك؛ فإنّ منهم مَن يعدّ قربه منه فضيلة رابية، وشرفاً باذخاً فضلاً عن الاُخوّة، وهما الإمامانعليهما‌السلام على الاُمّة إنْ قاما وإنْ قعدا(١) .

وإذا كانت بنوتهما لأمير المؤمنينعليه‌السلام معدودة من فضائله، مع ما له من الفضائل التي لا يأتي عليها الحصر، كما يظهر من قولهعليه‌السلام يوم الشورى:« أنشدكم باللّه، هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطاي الحسن والحسين ابني رسول اللّه، وسيّدي شباب أهل الجنّة غيري؟ » . قالوا: لا(٢) .

كما أنّهعليه‌السلام افتخر بهما يوم كتب إليه معاوية أنّ لي فضائلاً: كان أبي سيّداً في الجاهليّة، وصرتُ ملكاً في الإسلام، وأنا صهر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي.

فكتب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام أبياتاً سبعة ذكر فيها مصاهرته من

____________________

(١) كشف الغُمّة ٢ / ١٥٦، إعلام الورى / ٤٠٧، روضة الواعظين / ١٥٦، الإرشاد ٢ / ٣٠.

(٢) الخصال / ٥٥٥.

٩٤

رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ عمّه سيّد الشهداء، وأخاه الطيّار مع الملائكة في الجنان، وسبقه إلى الإسلام، وأخذ البيعة له (يوم الغدير)، وأنّ ولديه سبطا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) . وحينئذ فاُخوّة العبّاس لهما أولى أنْ تعقد منهما مآثره وفضائله؛ أضف إلى ذلك ما استفاده منهما من العلوم والمعارف الإلهيّة.

ومنهم مَن يجمعه وإياه جامع العقب؛ فإنّ المـُعقّبين من أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام الإمامان والعبّاس ومحمّد بن الحنفيّة وعمر الأطرفعليهم‌السلام ، ومنهم مَن شاركه في موقف الطَّفِّ، ومنهم مَن يُعدّ هو وإيّاه تحت جامع الاُمومة، ومنهم مَن شاركه في السُّمِّ؛ وعليه فأولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام الذكور ستّة عشر:

١ - الحسن والحسين والمـُحسنعليهم‌السلام ، اُمّهم سيّدة نساء العالمينعليها‌السلام .

٢ - محمّد بن الحنفيّة، اُمّه خولة.

٣ - العبّاس وعبد اللّه وجعفر وعثمان، اُمّهم اُمّ البنين.

٤ - عمر الأطرف والعبّاس الأصغر، اُمّهما الصهباء.

٥ - محمّد الأصغر، اُمّه اُمامة بنت أبي العاص.

٦ - يحيى وعون، اُمّهما أسماء بنت عُميس.

٧ - عبد اللّه وأبو بكر، اُمّهما ليلى بنت مسعود.

____________________

(١) روضة الواعظين / ٨٧، الاحتجاج ١ / ٢٦٥، مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٩، الغدير ٢ / ٢٦، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٢١، الوافي بالوفيات ٢١ / ١٨٤، البداية والنّهاية ٨ / ٩.

٩٥

٨ - محمّد الأوسط، اُمّه اُمّ ولد(١) .

أمّا الإمامان فالأحرى أنْ نُجعجع اليراع عن التبسّط في فضلهما وموقفهما من القداسة، ومحلّهما من الزُّلفى، وما اُوتيا من حول وطول، والبسطة في العلم؛ فإنّ الوقوف على كنه ذلك فوق مرتكز العقول؛ وأما المـُحسَّن - بتشديد السّين كما في تاج العروس بمادة شبر(٢) ، والإصابة بترجمته(٣) - وضمّ الميم، وسكون الحاء كما في حاشية السيّد محمّد الحنفي على شرح ابن حجر لهمزيّة البويصري ص ٢٥١، فعند الإماميّة أنّ النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه باسم ابن هارون مُشبّر كمُحدّث، كما في القاموس(٤) وغيره، وكان حملاً، وبعد وفاته أسقطته فاطمة الزهراءعليها‌السلام لستّة أشهر، والروايات التي ذكرها ابن طاووس في (الطرف)(٥) وغيره في غيرها تُساعدهم.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ١١٩، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٨، مع تفاوت يسير في بعض الأبناء وأسمائهم.

(٢) تاج العروس ٣ / ٢٨٩.

(٣) الإصابة ٦ / ١٩١.

(٤) القاموس ٢ / ٥٥.

(٥) الطرف ١ / ٣٣٥.

٩٦

ابنُ الحنفيّة:

وأمّا محمّد الأكبر، الذي يجمعه وإيّاه جامع العقب، فيُكنّى بابن الحنفيّة، وهي اُمّه: خولة بنت جعفر بن قيس من بني الدئل بن حنيفة بن لجيم، واُمّها بنت عمرو بن أرقم الحنفي.

واختلف في أمرها، [ فقيل: ] إنّها سبيّة أيام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا بعث عليّاً إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد، وقد ارتدّوا مع عمرو بن معد يكرب، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم. وقيل: إنّ خالد بن الوليد قاتل أهلها أيام أبي بكر فسباهم، فهي من جملة السّبايا، فدفعها أبو بكر مِن سهمه في المغنم.

وقيل: إنّ بني أسد أغارت على بني حنيفة أيام أبي بكر فسبوا خولة وباعوها من عليعليه‌السلام ، فبلغ قومَها خبرُها، فجاؤوا إلى عليعليه‌السلام فعرّفوه أنّها ابنتهم، فاعتقها وأمهرها وتزوّجها(١) . وقيل: إنّها سُبيت أيام أبي بكر، فاشتراها اُسامة بن زيد وباعها من عليعليه‌السلام .

وفي حديث أسماء بنت عُميس: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام اشتراها من سوق ذي المجاز أوان مقدمه من اليمن، فوهبها فاطمةعليها‌السلام ، فباعتها من مُكمل الغفاري، فولدت منه عونة، ثُمّ باعها من عليعليه‌السلام .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٤٤.

٩٧

ويحكي ابن خلّكان في الوفيات قولاً أنّها سندية، أمَة لبني حنيفة سوداء(١) . وحكاه الشيخ الجليل ابن إدريس الحلّي في مزار السّرائر عن ابن حبيب النّسابة، وقال: إنّه جهل منه وقلّة تأمّل(٢) .

ويروي القطب الراوندي في الخرائج: أنّها سُبيت أيام أبي بكر، وأنّ الزُّبير وطلحة طرحا عليها ثوبيهما طلباً للاختصاص بها، فصاحت: لا يملكني إلاّ مَن يخبرني بالرُّؤيا التي رأتها اُمّي، وعن اللوح الذي كُتبت فيه الرُّؤيا، وما قالته لي. فعجزوا عن معرفته إلاّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أوضح لها في ملأ من المسلمين أمراً غيبيّاً عجب منه الحاضرون، فعندها قالت: من أجلك سُبينا، ولِحُبّك أصابنا ما أصابنا(٣) .

ولم يعبأ السيّد المرتضى في (الشافي) بجميع ذلك، فقال: لم تكُنْ الحنفيّة سبيّة على الحقيقة، ولم يستبحهاعليه‌السلام بالسّبا؛ لأنّها بالإسلام قد صارت حُرّة مالكة أمرها، فأخرجها من يد مَن استرقّها، ثُمّ عقد عليها عقد النّكاح(٤) .

وما ذكره هو الصحيح المقبول؛ فإنّ الردّة المزعومة لا تُوجب أحكام الكفر، ومنع الزكاة وأمثالها على التأويل فليس فيه خروج عن ربقة الإسلام.

____________________

(١) وفيات الأعيان ٤ / ١٦٩.

(٢) السّرائر ١ / ٦٥٧ والعبارة: وهذا خطأٌ منه وتغفيلٌ، وقلّة تحصيل.

(٣) الخرائج والجرائح للراوندي ٢ / ٥٦٤، والكلام منقول بالمعنى في عامّة ألفاظه.

(٤) الشافي للسيّد المـُرتضى ٣ / ٣٧١.

٩٨

وأمّا ولادة محمّد، فقيل: إنّها أيام أبي بكر، وقيل: أيام عمر، وخصّها ابن خلّكان بأوّل المـُحرّم لسنتين بقيتا من خلافة عمر(١). وإذا علمنا أنّ عمر مات سنة ثلاث وعشرين، كانت ولادته سنة إحدى وعشرين؛ وأمّا على رأي ابن كثير في البداية ٩ / ٣٨، وسبط ابن الجوزي في التذكرة من وفاته سنة إحدى وثمانين عن خمس وستّين، تكون ولادتُهُ سنة ستّة عشر للهجرة(٢) .

وأمّا قبره، فعند ابن قتيبة بالطائف(٣) ، وفي تذكرة الخواصّ بـ ( إيلة ) مدينة ممّا يلي الشام، وفي حلية الأولياء ٣ / ١٧٣(٤) ، وتهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٥(٥) بالمدينة المـُنوّرة، وعيّنه ابنُ كثير بالبقيع(٦) .

وفي معجم البلدان ٣ / ٣٨٧(٧) : إنّ أهل جزيرة ( خارك ) - التي هي في وسط البحر الفارسي - يزعمون أنّ بها قبر محمّد بن الحنفيّة. يقول الحموي: وقد زرتُ هذا القبر فيها، ولكن التواريخ تأباه.

واعتقاد الكيسانيّة حياته في جبل رضوى يأتيه رزقه وله عودة، من الخرافات؛ للاتّفاق على موته.

____________________

(١) وفيات الأعيان ٤ / ١٧٢.

(٢) البداية والنّهاية ٩ / ٤٦.

(٣) المعارف / ٩٥.

(٤) حلية الأولياء ٣ / ٢٠٥.

(٥) تهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٤.

(٦) البداية والنّهاية لابن كثير ٩ / ٣٢.

(٧) معجم البلدان ٢ / ٣٣٧.

٩٩

وإنّ كلمة الإمام الحسن السّبطعليه‌السلام تدلّنا على فضله الشامخ وورعه الثابت، ونزاهته عن كُلّ دنس، ومعرفته بالإمام الواجب اتّباعه.

قال الشيخ الجليل الطبرسي - من أعلام القرن السّادس - في (إعلام الورى): أرسل الحسن بن أمير المؤمنينعليه‌السلام قنبراً خلف محمّد بن الحنفيّة، فلمـّا مثل بين يديه، قال له:« اجلس، فليس يغيبُ مثلَك عن سماعِ كلامٍ يحيا به الأمواتُ ويموتُ به الأحياء:

كونوا أوعيةَ العلمِ ومصابيحَ الدُّجى؛ فإنّ ضوءَ النّهارِ بعضُهُ أضوءَ مِنْ بعض. أما علمت أنّ اللّه عزّ وجل جعل وُلدَ إبراهيمَعليه‌السلام أئمّة، وفضّل بعضَهُم على بعض، وآتى داودَ زبوراً، وقد علمتَ بما استأثر اللّهُ تعالى محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يا محمّدُ بنَ علي، لا أخاف عليك الحسدَ، وإنّما وصفَ اللّهُ به الكافرين، فقال تعالى: ( كُفَّاراً حَسَدًا منْ عِندِ أَنفُسِهِم من بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) (١) .ولمْ يجعل اللّهُ للشّيطانِ عليك سُلطاناً.

يا محمّدُ بنَ علي، ألا اُخبرك بما سمعتُ من أبيك عليه‌السلام فيك؟ » . قال: بلى. فقالعليه‌السلام :« سمعتُ أباكَ يقولُ يومَ البصرة: مَن أحبَّ أنْ يبرّني في الدُّنيا والآخرة فليبرّ محمّداً.

يا محمّدُ بنَ علي، لو شئتُ أنْ اُخبركَ وأنتَ في ظهر أبيك لأخبرتُك.

____________________

(١) سورة البقرة / ١٠٩.

١٠٠

يا محمّدُ بنَ علي، أما علمتَ أنّ الحسينَ بنَ عليٍّ بعد وفاة نفسي، ومفارقةِ روحي جسمي، إمامٌ من بعدي عند اللّه في الكتاب؛ وراثة مِن النّبيِّ أضافها في وراثة أبيه واُمّه، عَلِمَ اللّهُ أنَّكُمْ خِيرةُ خلقِهِ فاصْطَفى مِنكُم مُحمّداً، واختار محمّدٌ عليّاً، واختارني عليٌّ للإِمامة، واخترتُ أنا الحُسينَ » .

فقال له محمّدُ بن علي: أنت إمامي وسيّدي، ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء، ولا تُغيّره الرياح، كالكتاب المـُعجم في الرّقِّ المـُنمنَم؛ أهمُّ بإبدائه فأجدني سبقتُ إليه سبق الكتاب المـُنزل، وما جاءت به الرُّسل، وإنّه لكلامٌ يكُلّ به لسانُ النّاطق ويدُ الكاتب حتّى لا يجد قلماً، ويُؤتوا بالقرطاس حِمماً ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي المـُحسنين، ولا قوة إلاّ باللّه.

الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رَحماً؛ كان إماماً قبل أنْ يُخلق، وقرأ الوحيَ قبل أنْ يَنطق، ولو علم اللّهُ أنّ أحداً خيراً منّا ما اصطفى محمّداً، فلمـّا اختار اللّه محمّداً، واختار محمّدٌ عليّاً إماماً، واختارك عليٌّ بعده، واخترتَ الحسينَ بعدك، سلّمنا ورضينا بمَن هو الرضى، وممّن نسلم به من المـُشكلات(١) .

وهذه الوصيّة تُفيدنا عظمة ابن الحنفيّة من ناحية الإيمان، وأنّه من عياب العلم ومناجم التُّقى، فأيّ رجل يشهد له إمامُ وقته بأنّ اللّه لم يجعل للشيطان عليه سُلطاناً؟ وأنّه لا يخشى عليه من ناحية الحسد الذي لا يخلو منه أو من شيء من موجباته، أيّ أحد لم يبلغ درجة الكمال؟ ثُمّ أي رجل أناط أمير المؤمنينعليه‌السلام البِرَّ به بالبرِّ بنفسه التي يجب على كافة المؤمنين أنْ يبرّوا بها؟

____________________

(١) إعلام الورى بأعلام الهُدى / ٤٢٣.

١٠١

على أنّ الظاهر من قول المـُجتبىعليه‌السلام :« أمَا علمتَ أنّ الحسينَ » . هو: إنّ علمَ محمّد بالإمامة لم يكنْ بمحض النّصِّ المـُتأخّر وإنْ أكّده ذلك، وإنّما هو بعلم مخصوص برجالات بيت الوحي، مكنون عندهم بالإحاطة بالكتاب الماضي والقدر الجاري.

ويرشدنا إلى هذا قولُ ابن الحنفيّة: إنّ في رأسي...؛ فإنّه أظهر من سابقه فيما قلنا، وكلماته الذهبيّة في الاعتراف بحقّ الإمامينعليهما‌السلام تدلّنا على ثباته المـُستقى من عين صافية بارشيةٍ من الحقِّ؛ وما هي إلاّ ذلك اللوح المحفوظ.

أضف إلى ذلك، ما جاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من قوله:« تأبَى المحامدةُ أنْ يُعصى اللّه » . وهُم: محمّد بن الحنفيّة، ومحمّد بن جعفر الطيّار، ومحمّد بن أبي حُذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهو ابن خال معاوية بن أبي سفيان(١).

____________________

(١) رجال الكشّي ١ / ٢٢٦، النّص منقول بالمعنى، وفيه: إنّ محمّد بن أبي حُذيفة كان من أنصار عليٍّعليه‌السلام وخيار الشيعة، وبعد شهادة عليعليه‌السلام حبسه معاوية دهراً؛ حيث لم يتبرّأ من المشايعة لعلي وولدهعليهم‌السلام ، وبعد أنْ أخرجه حمله على البراءة منه والموالاة لعثمان، فقال له: إنّي لا أعلم أحداً شرك في دم عثمان غيرك؛ حيث استعملك وخالف المسلمين في رأيهم عليه بعزلك حتّى جرى عليه ما كان، وإنّ طلحة والزُّبير وعائشة هم الذين ألّبوا عليه وشهدوا عليه بالجريمة، وإنّي أشهدُ أنّك منذ عُرفت في الجاهليّة والإسلام لعلى خُلقٍ واحد، ما زاد الإسلامُ فيك شيئاً؛ وعلامته أنّك تلومُني على حُبّي لعليٍّعليه‌السلام وقد خرج معه كُلُّ صوّامٍ قوّامٍ من المـُهاجرين والأنصار، كما خرج معك أبناءُ المـُنافقين والطُّلقاء.

واللّه يا معاوية، ما خفي عليك ما صنعتَ ولا خفي عليهم ما صنعوا، إذ أحلّوا أنفسَهُم سخطَ اللّهِ بطاعتك، وإنّي لا أزال اُحبُّ عليّاً للّه ورسوله، وأبغضُكَ في اللّه ورسوله أبداً ما بقيت. ثُمّ ردّه إلى السّجن فمات فيه. رجال الكشّي ١ / ٢٢٨، والنّص منقول بالمعنى.

١٠٢

وهذه شهادة من سيّد الأوصياءعليه‌السلام في حقِّ ولده الكريم محمّد، قد أخذت مأخذها من الفضيلة، وأحلّت محمّداً المحلّ الأرفع من الدِّين، وأقلّته سنام العزّ في مستوى الإيمان.

وإنّ شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّه ممّن يأبى أنْ يُعصى اللّه، تُعرّفنا عدم ادّعائه الإمامة لنفسه بعد الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّ تسليمَه الإمامة للسجّادعليه‌السلام لا يختلف فيه اثنان، واستدعاؤه الإمامعليه‌السلام للمحاكمة عند الحجر الأسود من أكبر الشواهد على تفنّنه في تنبيه النّاس لمَن يجب عليهم الانقياد له. وعدم حضوره مشهد الطَّفِّ؛ إمّا لما يقوله العلاّمة الحلّي في أجوبة المسائل المهنائية من المرض، أو لما يروي محمّد بن أبي طالب في المقتل: من إذنِ الحسينعليه‌السلام له في البقاء بالمدينة يُعرّفه بما يحدث هناك، فهو معذورٌ مقبول.

ولبسالته المعلومة وموقفه من الحقّ؛ أنزله أبوهعليه‌السلام يوم (الجمل) منزلة يده، فكان يخوض الغمرات أمامه، ويمضي عند مُشتبك الحرب قِدماً، وكان يقول له عند أمره لمنازلة الأقران دون الإمامينعليهما‌السلام :« إنّهمَا عينايَ وأنت يدي، أفلا أدفعُ بيدي عنْ عينَيّ؟ » (١) .

وناهيك من بلاغته المزيجة بالشجاعة، خطبتُه يوم صفِّين، وقد برز بين الصفَّين فأومى إلى عسكر معاوية، وقال:

____________________

(١) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٤٤: قيل لمُحمّد: لِمَ يُغرّر بك أبوك في الحرب، ولا يُغرّر بالحسن والحسينعليهما‌السلام ؟ فقال: إنّهما عيناه وأنا يمينُه، فهو يدفع عن عينيهِ بيمينه.

١٠٣

« يا أهلَ الشَّامِ، اخسؤوا يا ذُرِّيَّةَ النّفاقِ وحشوَ النّار وحَطَبَ جهنَّم... » (١) . إلى آخر كلامه المروي في تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي / ١٦٧، ومناقب الخوارزمي / ١٣٤(٢) . فكان لهذه الخطبة البليغة موقعٌ تامٌّ في ذلك الجيش اللّجب والجمع المتكاثف، ولم يبقَ في الفريقين إلاّ مَن اعترف بفضله.

____________________

(١) والنّص باختلاف ألفاظه موجودٌ في مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٣٤، وعنه بحار الأنوار ٤٦ / ٣١٨.

(٢) المناقب للخوارزمي / ٢١٠.

١٠٤

الأطرف:

وأمّا عمر الأطرف، فكما شاركه في العقب، [ فقد ] وقع الخلاف من أهل النّسب في أيِّهما أسبق في الولادة؛ فالذي عليه ابن شهاب العكبري، وأبو الحسن الأشناني، وابنُ جداع، تقدُّم ولادة عمر، وعند شيخ الشرف العُبيدلي، والبغدادي، وأبي الغنائم العمري، تقدُّم ولادة العبّاسعليه‌السلام (١) . ولا يُمكننا الحكم بشيء بعد جهالة السّنة التي توفّي فيها، وذكرها على الإجمال في زمن عبد الملك أو ابنه الوليد لا يُغني، وإنْ عرفوا مقدار عمره بخمس وثمانين أو خمس وسبعين.

نعم، يظهر من المؤرّخين عند ذكر أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّ العبّاس أكبر منه؛ لأنّهم يُقدّمون ذكر العبّاس وإخوته على عمر، على أنّ الداودي في العمدة / ٣٥٤ يقول: كان عمر آخر مَن وُلِد من بني عليٍّعليه‌السلام .

وعلى كُلّ حالٍ، فالوجه في تسميته بالأطرف إنّما هو بعد ولادة عمر الأشرف ابن الإمام السجّادعليه‌السلام ، أخو زيد الشهيد لاُمّه؛ فإنّه سُمّي بالأشرف، لجمعه الفضيلة من ولادة علي وفاطمةعليهما‌السلام ، والأطرف حاز الفضل من طرف أبيه(٢) .

____________________

(١) عمدة الطالب / ٣٢٨.

(٢) عمدة الطالب / ٢٨١.

١٠٥

ولم يحضر مع الحسينعليه‌السلام في الطَّفِّ، ولا مع مصعب بن الزُّبير، وقد وَهم مَن ذكره في المـُستَشهَدين يوم الطَّفِّ، كما أخطأ الدينوري في الأخبار الطوال / ٢٩٧ في عدّه من جملة مَن قُتل مع مصعب في الحرب القائمة بينه وبين المختار.

وأغرب منه عدّ اليافعي له في مرآة الجنان ١ / ١٤٣ في جملة المقتولين مع المختار؛ لأنّ المشهور بين المؤرّخين بقاؤه إلى بعد الحسينعليه‌السلام حتّى نازع السجّادعليه‌السلام في الصّدقات إلى عبد الملك، فلم ينجح، كما نازع الحسن المثنى فيها عند الحجّاج فطرده عبد الملك عنها(١) .

ويروي السيّد ابن طاووس: أنّه أشار على الحسينعليه‌السلام بالبيعة ليزيد، فقال له:« إنّ أبي حدّثني عنْ رسول اللّه بقتله وقتلي، وإنّ تُربَتي إلى جنب تُربته. أتظنّ أنّك تعلمُ ما لمْ أعلمه؟ فواللّه، لا اُعطي الدَّنيَّةَ مِنْ نفسي » (٢) .

ولا أعلم السّبب في تأخّره عن الطَّفِّ، و( الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ) (٣). وليس لنا إلاّ التسليم ما لم يقم دليلٌ قطعي على المـُعاندة والمخالفة؛ خصوصاً بعدما جاء الحديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وفيه:« لا يخرجُ أحدُنا من الدُّنيا حتّى يقرَّ لكُلّ ذي فضلٍ فضلَه، ولو بفواقِ ناقة » (٤) .

فإنّه صريحٌ في توبة مَن كان ظاهرُه الخلاف لأهل البيتعليهم‌السلام عند الممات، ولا إشكال في أنّ التوبة مُكفّرة لما صدر من العصيان

____________________

(١) عمدة الطالب (عند ذكر الحسن المثنى) / ٩٠.

(٢) اللهوف في قتلى الطفوف / ٢٠، والنّص منقول بالمعنى.

(٣) سورة يونس / ٣٦.

(٤) هذان حديثان مُلفّقان منقولان بالمعنى، وهما في كمال الدِّين وتمام النّعمة للشيخ الصدوق / ٦٠٢، وقرب الإسناد للحميري / ٢٤.

١٠٦

كما في صريح الكتاب المجيد، وإجماع المسلمين، والأخبار المتواترة التي تُوجب القطع بمضمونه، فالتهجّم على آل النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمجرد تلك الأحاديث التي لا يُعرف مأخذها، خروج عن طريقة الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .

وأمّا عبيدُ اللّه بن النّهشليّة فلم يحضر الطَّفَّ، وجاء إلى المختار يطلب الرفد فلم يصله، فالتحق بمصعب وجاء معه، فلمـّا وصل المذار من سواد البصرة، وُجِدَ في فسطاطه مذبوحاً، ولم يُعلم قاتلُه(١) .

والمـُشارك معه في يوم الطَّفِّ أبو بكر، واُمّه ليلى بنت مسعود النّهشليّة. قال ابن جرير وابن الأثير: شُكَّ في قتله(٢) . وفي نفس المهموم / ١٧٣: وُجِدَ في ساقيةٍ قتيلاً، لا يُعلم قاتلُه(٣) .

وكأنّه لمـّا حمل آل أبي طالب بعد قتل عبد اللّه بن مسلم بن عقيل حملةً واحدة، فصاح بهم الحسينعليه‌السلام :« صبراً على الموتِ يا بَني عُمومَتي؛ فواللّه، لا رأيتُمْ هواناً بعد هذا اليوم أبداً » (٤) . سقط فيهم عونٌ ابن الطيّار وأَخوه محمّد، وعبد الرحمن بن

____________________

(١) قال ابن إدريس الحلّي في السّرائر ١ / ٦٥٦: وقد ذهب أيضاً شيخُنا المفيد في كتاب الإرشاد إلى أنّ عبيدَ اللّه بن النّهشليّة قُتل بكربلاءَ مع أخيه الحسينعليه‌السلام . وهذا خطأٌ محضٌ بلا مِراء؛ لأنّ عبيدَ اللّه بن النّهشليّة كان في جيش مصعب بن الزُّبير، ومن جملة أصحابه، قتلهُ أصحابُ المختار.

(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٣٥١، الكامل في التاريخ ٤ / ٩٢.

(٣) مقاتل الطالبيين / ٥٧.

(٤) بحار الأنوار ٤٥ / ٣٦، والعبارة:« صبراً يا بَني عُمومتي، صبراً يا أهلَ بيتي، لا رأيتُمْ هواناً بعدَ هذا اليومِ أبداً » .

١٠٧

عقيل وأَخوه جعفر، ومحمّد بن مسلم بن عقيل، وأبو بكر هذا؛ فلذلك لم يُعرف قاتله.

ومحمّد الأوسط، واُمّه اُمّ ولد، قتله رجل من بني أبان بن دارم واحتزّ رأسه(١) .

وعبد اللّه المولود سنة ٣٦ هـ، وجعفر المولود سنة ٣٣ هـ، وعثمان المولود سنة ٤٠ هـ، فقتل هاني بن ثبيت الحضرمي عبد اللّه وجعفراً، ورمى خولي بن يزيد الأصبحي عثمان، واحتزّ رأسه رجلٌ من بني أبان بن دارم(٢) ، وهؤلاء جَمعهم وإيّاه الاُمومة أيضاً.

والمشارك له في الاسم عباس الأصغر، نصّ عليه النّسّابة السيّد محمّد كاظم اليماني في النّفحة العنبريّة، قال: وكان شقيقاً لعمر الأطرف. وفي ناسخ التواريخ ذكر العبّاس الشهيد والعبّاس الأصغر، ويُؤيّده أنّ النّسّابة العُمَري في المـُجدي، وابن شهر آشوب في المناقب، والشبلنجي في نور الأبصار، والمـُحبّ الطبري في ذخائر العقبى، وصفوا الشهيد بالعبّاس الأكبر(٣) .

وهذا التعبير في عُرف النّسّابين يقع لِمَن يكون له أخٌ أصغرُ منه شاركه في الاسم، لا فيمَن هو أكبر إخوته مُطلقاً ولو لم يشاركه في الاسم، والظاهر أنّ العبّاس الأصغر درج في أيام أبيه؛ لأنّه ليس له ذكرٌ في الوارثين لأمير المؤمنينعليه‌السلام من ولده.

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٤ / ٩٢.

(٢) مقاتل الطالبيين / ٥٥.

(٣) أنساب الأشراف / ١٩٢، المـُجدي في أنساب الطالبيين / ٢٣٢، الجريرة في اُصول أنساب العلويين / ١٢.

١٠٨

أخواتُه:

كانت أخوات العبّاس من أبيه ثمان عشرة(١) ؛ فمنهنّ مَن تُوفّيت أيام أبيهنّ كزينب الصغرى، وجمانة، واُمامة، واُمّ سلمة، ورملة الصغرى(٢) ؛ ومنهنّ مَن لم يُذكر خروجهن إلى أزواج، والذين خرجن إلى أزواج؛ فالعقيلة زينب الكبرى كانت عند عبد اللّه بن جعفر الطيّار، فأولدت له جعفر الأكبر، وعباساً، وعليّاً المعروف بالزينبي، وعوناً الأكبر قُتل يوم الطَّفِّ في حملة آل أبي طالب؛ واُمّ كلثوم، وهي التي زوّجها الحسينعليه‌السلام من ابن عمّها القاسم بن محمّد الطيّار وأنحلها البغيبغات(٣) ؛ ورقيّة عند ابن عمّها الشهيد مسلم بن عقيل، ولدت له عبد اللّه وعليّاً ومحمّداً.

وفي العمدة: تزوّج مسلم اُمّ كلثوم بنت عليعليه‌السلام فولدت له حميدة(٤) ، تزوّجها الفقيه الجليل عبد اللّه بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب، أولدها محمّداً، ومنه العقب.

____________________

(١) مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول / ٣١٣.

(٢) مناقب السّروي ٢ / ٧٦.

(٣) المصدر نفسه ٢ / ١٧١.

(٤) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / ٣٢.

١٠٩

ولا يتمّ هذا إلاّ بعد وفاة إحداهنّ؛ إذ لا يجوز الجمع بين الاُختين.

وكانت فاطمة عند أبي سعيد بن عقيل، ولدت له حميدة؛ وخديجة كانت عند عبد الرحمن بن عقيل، ولدت له سعيد؛ واُمّ هاني تزوّجها عبد اللّه الأكبر بن عقيل، ولدت له عبد الرحمن ومحمّد؛ واُمّ الحسن خرجت إلى جعدة بن هبيرة المخزومي؛ واُمامة كانت عند الصَّلت بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المـُطّلب، ولدت له نفيسة(١) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٢ / ٩٣، المـُجدي في أنساب الطالبيين / ١٨، إعلام الورى بأعلام الهدى / ٣٩٨.

١١٠

العقيلة:

وكيف كان فالمـُهم في هذا العنوان النّظر في العقيلة الكبرى التي هي أعظمهنّ قدراً، وأجلّهنَّ شأناً؛ فإنّها شظيّةٌ من شظايا النّبوّة، وفلذة من أفلاذ الإمامة، وهي الجوهرة الفريدة التي ضمّها إليه صدف القداسة (الزهراء الطاهرةعليها‌السلام )، وأنجب بها سيّد الأوصياء.

بجِلالِ أحمدَ في مهابةِ حَيدرٍ

قَدْ أنجبتْ اُمُّ الأَئمَّةِ زَينبا

فكانت شريكة الإمامين سيّدي شباب أهل الجنّة في ذلك المـُرتكض الطاهر والحجر الزاكي، والصلب القادس واللبان السّائغ، والتربية الإلهيّة، أضف إلى ذلك العِلم المـُتدفّق والفقه النّاجع، وقد شهد لها ابن أخيها السجّادعليه‌السلام :« بأنّها عالمةٌ غيرُ مُعلَّمة، وفاهمةٌ غيرُ مُفهَّمة » (١) .

وحسبها من الخطر إنّ ما انحنت عليه الأضالع هو ذلك العلم المـُفاض عليها من ساحة القدس الإلهي؛ لا بإرشاد مُعلّمٍ أو تلقين مرشد، مع البلاغة في المنطق، والبراعة في الإفاضة، كأنّها تُفرغ عن لسان أبيها الوصيعليه‌السلام :

____________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٣١، المـُجدي في أنساب الطالبيين / ٤٨، بحار الأنوار ٤٥ / ١٦٤.

١١١

وعَنِ الوصيِّ بلاغةٌ خُصّتْ بها

أعيَتْ برونَقِها البليغَ الأخطبَا

ما استَرسَلتْ إلاّ وتحسبُ أنّها

تستلُّ من غُرَرِ الخطابةِ مِقضَبَا

أو أنّها اليَزنيُّ في يدِ باسلٍ

أخْلا بهِ ظهراً وأوهَى مَنْكبَا

أو أنّها تَقتادُ منها فيلقاً

وتسوقُ مِنْ زُمَرِ الحقائقِ مَوكبَا

أو أنّ في غابِ الإمامةِ لبوةً

لزئيرِها عَنتِ الوجوهُ تهيُّبَا

أو أنّها البحرُ الخِضمُّ تلاطَمتْ

أمواجُهُ عِلماً حجى بأساً أبَا

أو أنّ مِنْ غَضَبِ الإلهِ صَواعقاً

لمْ تلفَ عنها آلُ حربٍ مَهربَا

أو أنّ حيدرةً على صَهَواتِها

يُفني كراديسَ الضَّلالِ ثُباً ثُبا

أو أنّهُ ضَمَّتهُ ذروةُ مِنبرٍ

فأنارَ نهجاً للشريعة ألحَبَا

أو أنّ في اللأوى عقيلةَ هاشمٍ

قد فرّقتْ شملَ العَمَى أيدي سَبَا(١)

____________________

(١) من قصيدة للعلاّمة ميرزا محمّد علي الأوردبادي طُبعت في كتاب (زينب الكبرى).

١١٢

ولم تكن هذه البراعة والاسترسال في القول إلاّ عمّا انطبع فيها من النفسيّات القويّة، والملكات الفاضلة، ممتزجة بثبات جأش وطمأنينة نفس وشجاعة؛ إنْ شئت فسمّها بالأديبة، وإلاّ فهي فوق ذلك.

وكانت تلقي خواطرها بين تلك المحتشدات الرهيبة، أو فقل بين النّاب والمخلب، غير متعتعة ولا متلعثمة، وتقذفها كالصواعق على مجتمع خصومها، فكانت أعمالها وخطبُها الجزء الأخير للعلّة من نهضة السّبط الشهيدعليه‌السلام ، وأصبحت تمام الفضيحة للاُمويّين بما نشرته بين الملأ من صحيفتهم السّوداء حتّى ضعضعت عرش دولتهم، وفكّكت عرى سلطانهم، وألصقت بهم العار من كُلّ النّواحي، فكانت شريكة الإمام الشهيدعليه‌السلام في هذه الفضيلة.

وتشاطَرَتْ هيَ والحُسينُ بدعوةٍ

حَتَمَ القضاءُ عليهما أنْ يُندَبَا

هذا بمُشتَبكِ النّصولِ وهذهِ

في حيثُ معتَرَكِ المكارِهِ في السِّبَا(١)

وهذه النّفسيّة التي حوتها، والثبات الذي انطوى عليه أضالعها، أوجب لأخيها الشهيدعليه‌السلام أنْ يصحبها في سفره إلى مشهد الطَّفِّ؛ علماً منه بلياقتها لتلقّي الأسرار كما هي، وأدائها في مورد الأداء كما يجب، وهذا هو الذي أهّلها لتحمّل شطر ممّا يحمله الإمامعليه‌السلام بعد حادثة الطَّفِّ؛ حفظاً للسجّادعليه‌السلام عن عادية الأعداء، فكان يُرجع إليها في معرفة الأحكام الشرعيّة وإنْ كان المرجع إليها زين العبادعليه‌السلام .

____________________

(١) ليلة عاشوراء في الحديث والأدب / ١٥٦.

١١٣

ففي الحديث عن أحمد بن إبراهيم قال: دخلتُ على حكيمة بنت الجواد(١) ، اُخت أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، فكلّمتها من وراء حجاب، وسألتها عن دينها، فسمّت لي مَن تأتمّ بهمعليهم‌السلام ، ثمّ قالت: وفلان بن الحسن بن علي، فسمّته.

فقلتُ لها: جعلني اللّه فداك! مُعاينة أو خبر؟ فقالت: خبراً عن أبي محمّدعليه‌السلام كتب به إلى اُمّه. فقلتُ لها: فأين المولود؟ فقالت: مستور. فقلتُ: إلى مَن تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدّة اُمّ أبي محمّدعليه‌السلام . فقلت لها: أقتدي بمَن وصيّته إلى امرأة؟! فقالت: اقتداءً بالحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ؛ إنّ الحسين بن عليعليهما‌السلام أوصى إلى اُخته زينب بنت علي بن أبي طالبعليهما‌السلام في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسينعليه‌السلام من علمٍ يُنسب إلى زينب بنت علي؛ تستّراً على علي بن الحسين (ع)(٢) .

ولليقين الثابت والبصيرة النّافذة لم تكترث بشيء من الأهوال، ولا راعها الهزاهز، منذ مشهد الطَّفِّ إلى حين وصولها المدينة، وكان بمنظر منها مصارع آلِ اللّه نجوم الأرض من آل عبد المـُطّلب، وبينهم سيّد شباب أهل الجنّةعليه‌السلام ، بحالة تنفطر لها السّماوات وتنشقُ الأرض وتخرّ الجبال هدّا،

____________________

(١) في المصدر: بنت محمّد بن علي الرضا.

(٢) كمال الدِّين وتمام النّعمة / ٥٠١، الغَيبة للشيخ الطوسي / ٢٣٠.

١١٤

وليس معها من حُماتها حميّ، ولا من رجالها وليّ غير الإمام المضني الذي أنهكته العلل، ونسوة في الأسر مكتنفة بها، بين شاكية وباكية، وطفل كظّه العطش، إلى اُخرى أقلقها الوجل؛ وأمامها الجيش الفاتح الجذل بسكرة الظفر وبشر الشماتة، ودِعة السّلام والفرح بالغنيمة، ومُخيَّم آل بيت اللّه طنّبت عليه الكوارث والمحن؛ فقد الحماة والخوف من الأعداء، والأوام المبرح ونحيب ونشيج، وصراخ وعولة.

والعقيلة في كُلّ هذه الأحوال هي المـُهدّئة لفورتهنَّ، والمـُسكّنة لروعتهنّ، فلم يُشاهَد منها عزم خائر ولا جأش مائر، ولا صرخة عالية ولا ذهول عن أمر الحرم؛ كيف! وهي بقيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ونائبة الحسينعليه‌السلام على تلكم الأحوال، والنّاهضة الكريمة إلى مغزى أخيها، والمتمّمة لقصده الراقي وأمره الرشيد.

نعم، أهمها من بين ذلك شيء رأته؛ نظرت إلى ابن أخيها السجّادعليه‌السلام يجود بنفسه حينما شاهد تلك الجثث الزواكي تصهرها الشمس، فعظم عليها أمر الإمامعليه‌السلام ، فأخذت تُصبّره وتُسلّيه، وهو الذي لا توازن بصبره الجبال.

وفيما قالت له: مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فقالعليه‌السلام :« وكيف لا أجزعُ ولا أهلعُ وقد أرى سيّدي، وإخوتي وعمومتي، ووُلدَ عمِّي وأهلي مُصرَّعينَ بدمائهم، مُرمَّلينَ بالعراء، مُسلَّبين لا يُكفّنون ولا يوارَون، ولا يعرج عليهم ولا يقربُهُم بشرٌ، كأنَّهم أهلُ بيتٍ من الدَّيلم والخزر! » .

١١٥

فقالت: لا يجزعنَّك ما ترى، فواللّه، إنّ ذلك لعهدٌ من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ اللّه ميثاق اُناس من هذه الاُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السّماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المـُتفرّقة، والجسوم المـُضرّجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطَّفِّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداءعليه‌السلام لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدنّ أئمّةُ الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً، وأمره إلاّ علوّاً(١) .

وهل بعد هذا يبقى مجال للشكّ في موقفها من الثبات، ومحلّها من الطمأنينة ومبوِّئها من العظمة؟! وإنّ حديث الرواة لمـّا وقفت على جسد أخيها، وقالت: اللهمّ، تقبّل منّا هذا القربان(٢) . يدلّنا على تبوّئها عرش الجلالة، وأنّها المأخوذ عليها الميثاق بتلك النّهضة المـُقدّسة كأخيها الحسينعليه‌السلام ، وإنْ كان التفاوت محفوظاً بينهم، حتّى إنّ أحدهما لمـّا أتمّ النّهوض بالعهد وخرج عن العدّة بإزهاق نفسه المـُطهّرة، نهض الآخر بما وجب عليه ومنه تقديم (الذبيح) إلى ساحة الجلال الرّبوبي والتعريف به، ثُمّ طفقت (سلام اللّه عليها ) ناهضة ببقيّة الشؤون التي وجبت عليها؛ ولا استبعاد في ذلك بعد وحدة النّور وتفرّد العنصر.

ثُمّ هلمّ معي لنقرأ موقفها أمام ابن مرجانة، وقد احتشد المجلس بوجوه الكوفة وأشرافها، وهي امرأة عزلاء ليس معها إلاّ

____________________

(١) بحار الأنوار ٢٨ / ٥٧ نقلاً عن كامل الزيارات.

(٢) شجرة طوبى / ٣٩٣، حياة الإمام الحسينعليه‌السلام للقرشي / ٣٠١.

١١٦

مريض يعاني ألم القيود، ونساء ولهى وصبية تئنُّ، فأفرغت عن لسان أبيهاعليه‌السلام بكلام أنفذَ من السّهم وأحدَّ من شبا السّيوف، وألقمت ابن مرجانة حجراً، إذ قالت له: هؤلاء قومٌ كتب اللّه عليهم القتل، وسيجمع اللّهُ بينك وبينهم فتُحاج وتُخاصم، فانظر لمَن الفلج يومئذٍ. هبلتك اُمّك يابن مرجانة(١) !

وأوضحت للملأ المتغافل خبثه ولؤمه، وأنّه لنْ يرحض عنه عارها وشنارها، كما أنّها أدهشت العقول وحيّرت الفكر في خطبتها بالنّاس، والنّاس يومئذ حيارى يبكون لا يدرون ما يصنعون: وأنّى يرحض عنهم العار بقتلهم سليل النّبوّة ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وقد خاب السّعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وباؤوا بغضب من اللّه وخزي في الآخرة، ولَعذاب اللّه أكبر لو كانوا يعلمون؟!

كما أنّها أظهرت أمام ابن ميسون أسرار نهضة أخيها الحسينعليه‌السلام ، وعرّفت الاُمّة طغيان يزيد وضلال أبيه، وفظاعة أعمالهم وعظيم ما اقترفوه، وفيما قالت له: أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السّماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى، أنّ بنا على اللّه هواناً، وبك عليه كرامة(٢) ؟!

ولهذه الفصاحة الدقيقة جاء بها شهيد العزّ والإباء إلى العراق؛ لعلمه أنّ الغاية التي يُضحّي بنفسه لأجلها ستذهب أدراج السّلطة الغاشمة، وتبقى الحقيقة مستورة على السُّذّج لو لمْ يتعقّبها لسان ذرب، وأنّ كُلّ أحد لا يستطيع في ذلك الموقف الحرج الذي

____________________

(١) مثير الأحزان لابن نما الحلّي / ٧١.

(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ١٣٣، مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٤٧.

١١٧

تحفّه سيوف الظلم، أنْ يتكلّم بالحقيقة مهما بلغ من المنعة في عشيرته إلاّ العقيلة؛ فإنّها التي تعلن بموبقات ابن مرجانة وابن معاوية، وإنّ ما جرى على ابن عفيف الأزدي شاهد له.

كما أنّهعليه‌السلام كان على يقين وثقة بإخبار جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ القوم - وإنْ بلغوا الخسّة والغواية، وتناهوا في الخروج عن سبيل الحميّة - لا يمدّون إلى النّساء يد السّوء، وقد أنبأ سلام اللّه عليه عن هذا بقوله لهنّ ساعة الوداع:« البَسوا أزرَكم واستعدّوا للبلاء، واعلموا أنّ اللّهَ حاميكُم وحافظكُم، وسينجيكم مِنْ شرّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويُعذّب أعاديكم بأنواع العذاب، ويُعوِّضكُمْ عن هذه البليّة بأنواع النِّعمِ والكرامةِ، فلا تشكُوا ولا تقولوا بألسنتكم ما يُنقصُ مِنْ قَدْرِكُمْ » (١) . فكان في مجيء الحسينعليه‌السلام بالعقيلة فوائدٌ، أهمها: تنزيه دين النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّا ألصقوه بساحته من الأباطيل، ولا قبح فيه عقلاً، كما لا يستهجنه العرف ويساعد عليه الشرع.

والمرأة وإنْ وضع اللّه عنها الجهاد ومكافحة الأعداء، وأمرها سبحانه أنْ تقرّ في بيتها؛ فذلك فيما إذا قام بتلك المكافحة ودافع عن قدس الشريعة غيرها من الرجال، وأمّا إذا توقّف إقامةُ الحقِّ ونصرة الدِّين عليها فقط، كان الواجب النّهوض بعبء ذلك كُلّه؛ كي لا تندرس آثار الحقِّ، وتذهب تضحية اُولئك الصفوة دونه أدراج التمويهات؛ ولذلك نهضت سيّدة نساء العالمينعليها‌السلام للدفاع عن خلافة اللّه الكبرى حين اُخذ العهد على سيّد الأوصياءعليه‌السلام بالسّكوت.

____________________

(١) الدمعة السّاكبة ٤ / ٣٤٦.

١١٨

على أنّ الخضوع لناموس عصمة الإمامعليه‌السلام في جميع أقواله وأفعاله الصادرة عنه طيلة حياته، يُحتّم علينا الإذعان بأنّ ما صدر منه منبعث عن حكم إلهي قرأه في الصحيفة الخاصّة به، التي يُخبر الامام الصادقعليه‌السلام عنها:« إنّ لكُلّ واحد منّا صحيفةً يعمل بما فيها » (١) .

ويقول الإمام الباقرعليه‌السلام :« فبتقدّم علمٍ إليهم من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قام عليٌّ والحسنُ والحسينُ، وبعلمٍ صَمتَ مَن صمت منّا » (٢) . كما أنّهعليه‌السلام أعلَمَ بذلك جابر الأنصاري حين قال له: ألا تصالح كما صالح أخوك الحسنعليه‌السلام ؟ فقالعليه‌السلام :« إنّ أخي فعلَ بأمرٍ من اللّه ورسوله، وأنا أفعل بأمرٍ من اللّه ورسوله » (٣) .

فهذه الأحاديث تُفيدنا نموذجاً من الاهتداء إلى معرفة سير الإمامعليه‌السلام في جميع أفعاله، وأنّها ناشئة عن حِكَم ربانية لا يتطرّق إليها الشكّ والريب، وليس الواجب علينا إلاّ التصديق بكُلّ ما يصدر منه، من دون أنْ يلزمنا الشرع أو العقل بمعرفة المصالح الباعثة على تلك الأفعال الصادرة منه؛ سواء كانت الأفعال في العرف والعادة فظيعة جداً أم لا.

____________________

(١) الكافي ١ / ٢٨٣، ح٤.

(٢) الكافي ١ / ٢٦٢، ح٤.

(٣) الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي / ٣٢٢، مع اختلاف بعض الألفاظ.

١١٩

اُمّ البنين:

هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن(١) .

١ - اُمّها ثمامة(٢) بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب.

٢ - واُمّها عمرة بنت الطفيل بن مالك الأخرم بن جعفر بن كلاب.

٣ - واُمّها كبشة بنت عروة الرحّال بن جعفر بن كلاب.

٤ - واُمّها اُمّ الخشف بنت أبي معاوية ( فارس الهرّار ) ابن عبادة بن عقيل بن كلاب.

٥ - واُمّها فاطمة بنت جعفر بن كلاب(٣) .

٦ - واُمّها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قَصي، وسمّاها في العمدة فاطمة(٤) .

٧ - واُمّها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذودان بن أسد بن خُزيمة.

____________________

(١) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / ٣٥٦، قاموس الرجال ١٢ / ١٩٥.

(٢) سمّاها الوافي بالوفيات ١٨ / ٣٤٤ ( ليلى ).

(٣) سمّاها في إكمال الإكمال ٧ / ١١١ ( خالدة ).

(٤) عمدة الطالب لابن عنبة / ٣٥٦.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394