العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)9%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192974 / تحميل: 8376
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهذا يتنافى مع قاعدة ضرورة وجود الغرض لجميع الأفعال الإلهية(١) .

يرد عليه:

إنّ الغرض لا يحتاج إلى غرض آخر، وعندما نقول: إنّ الغرض من التكامل هو "حسن التكامل"، هذا "الحُسن" لا يحتاج إلى غرض يحسّنه، بل هو حسن بذاته، ويكون الغرض منه نفس وجوده(٢) .

الدليل الخامس للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى:

إنّ بعض الآيات القرآنية تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي منها(٣) :

١ -( لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ ) [الأنبياء: ٢٣]

يلاحظ عليه:

إنّ هذه الآية لا تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي، بل تدل على:

أوّلا: عدم وجود آمر وناه عليه تعالى حتّى يسأله عن فعله كما يُسأل الناس عن أفعالهم.

ثانياً: لا معنى للسؤال عن فعله تعالى، لأ نّه حكيم، ولا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة(٤) .

سُئل الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) حول أفعاله تعالى: كيف لا يُسأل عما يفعل؟

قال(عليه السلام): "لأ نّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة وصواباً"(٥) .

٢ -( يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) [إبراهيم: ٢٧]،( يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ) [المائدة: ١]

يلاحظ عليه:

____________________

١- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث.

٢- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١/٢٦٨ - ٢٦٩.

صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، تبعية أفعاله للأغراض، ص١٩٨.

٣- انظر: التفسير الكبير، فخر الدين الرازي: ج١٠، تفسير آية ٥٦ من سورة الذاريات، ص١٩٣.

٤- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج٧، تفسير آية ٢٣ من سورة الأنبياء، ص٧٠.

٥- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦١، ح١٣، ص٣٨٦.

١٠١

إنّ مفاد هاتين الآيتين إطلاق مشيئته تعالى وإرادته، وليس فيهما أيّة دلالة على عدم وجود الغرض والغاية في فعله تعالى وحُكمه(١) .

٣ -( فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) [إبراهيم: ٨]

يلاحظ عليه:

غنى الله تعالى يعني الغنى عن الغرض والغاية التي تعود بالمنفعة إليه تعالى.

ولكن الأغراض والغايات الإلهية - في الواقع - لا تعود بالمنفعة إليه تعالى، وإنّما تعود بالمنفعة إلى غير اللّه عزّ وجلّ.

وليس في هذه الآية ما يدل على نفي الأغراض والغايات التي تعود بالمنفعة إلى غير اللّه تعالى(٢) .

رأي التفتازاني حول وجود الغرض والغاية في أفعال الله تعالى:

اختار "التفتازاني" قولا وسطاً بين العدلية والأشاعرة، وهو تعليل بعض أفعاله تعالى بالغاية دون الجميع فقال:

"والحقّ أنّ تعليل بعض الأفعال لاسيما شرعية الأحكام بالحكم والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك، والنصوص أيضاً شاهدة بذلك... وأمّا تعميم ذلك بأن لا يخلو فعل من أفعاله [تعالى] عن غرض فمحل بحث"(٣) .

يلاحظ عليه:

إنّ مسألة "الغرض والغاية" ليست من التعبّديات ليمكننا الاقتصار على الأدلة النقلية فقط، بل هي من الأُمور العقلية، وملاكها لزوم وجود العبث في الفعل الإلهي فيما لو نفينا الغرض عن أفعاله تعالى، وهذا يعمّ التكوين والتشريع سواء علمنا بالغاية أم لا(٤) .

____________________

١- انظر: صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، القاعدة الرابعة، ص٢٠٢ - ٢٠٣.

٢- صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، القاعدة الرابعة، ص٢٠٢ - ٢٠٣.

٣- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٥، ص٣٠٢ - ٣٠٣.

٤- انظر: القواعد الكلامية، علي الرباني الكلبايكاني: الفصل الثاني، ص١٥٨.

١٠٢

تنبيه:

قالت الأشاعرة في الصعيد الفقهي بحجّية "القياس".

ولا يخفى بأنّ "القياس" لا يثبت إلاّ بعد الاعتقاد بوجود "الغرض الإلهي" في تشريعه تعالى لكلّ موضوع، ليمكن قياس الموضوع الآخر عليه، وتسرية الحكم الشرعي من الموضوع الأصلي إليه.

وهذا القول يتنافى مع رأيهم في الصعيد العقائدي ويتنافى مع قولهم بعدم وجود الغرض في الأفعال الإلهية.

١٠٣

١٠٤

الفصل الرابع

الشرور والآلام

معنى الشر

أقسام الشر

الآلام وأوجه حسنها وقبحها

حكمة الشرور والآلام

إيلام غير المكلّفين

١٠٥

١٠٦

المبحث الأوّل

معنى الشر

معنى الشر (في اللغة):

الشر: السوء، وهو ضدّ الخير(١) .

معنى الشر (في الاصطلاح العقائدي):

يطلق الشر على(٢) :

١ - عدم كمال الوجود مما له شأنية ذلك الكمال، من قبيل العمى للعين، أو عدم الثمرة في الشجرة المؤهّلة لإعطاء الثمرة.

٢ - عدم الوجود مما له شأنية الوجود، من قبيل عدمية وجود الإنسان بعد وجوده، لأنّ ذلك شرّ بالنسبة إلى هذا الإنسان.

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (شرر).

٢- انظر: الإشارات والتنبيهات، ابن سينا: ج٣، النمط السابع، الفصل ٢٣، ص٣٢٠.

١٠٧

المبحث الثاني

أقسام الشر(١)

١ - الشر الحقيقي (الذاتي): وهو أمر عدمي لما من شأنه الوجود، كالجهل والعجز والفقر بالنسبة إلى الموجود الذي من شأنه العلم والقوّة والغنى.

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

٢ - الشر القياسي (العرضي): وهو أمر وجودي، وإنّما يتّصف بالشر لأنّه يؤدّي إلى إعدام وجود شيء ما أو إعدام كمال وجوده، كالزلازل والسيول والزواحف السامّة والحيوانات المفترسة و...

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

القسم الأوّل:الشر الحقيقي

ليس الشر الحقيقي أمراً وجودياً، بل هو أمر عدمي(٢) .

أمثلة عدمية الشر الحقيقي(٣) :

١ - إنّ الجهل هو عدم العلم، وللعلم وجود، ولكن الجهل ليس له أي وجود، وإنّما هو مجرّد عدم العلم.

____________________

١- انظر: العدل الإلهي، مرتضى مطهري، ترجمة: محمّد عبدالمنعم الخاقاني: الفصل الثالث، ص١٥١ - ١٧٠.

٢- إنّ أساس نظرية عدمية الشرور تعود إلى "أفلاطون".

انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١٣، ذيل تفسير آية ٨٢ - ١٠٠ من سورة الإسراء، ص١٨٧.

٣- انظر: الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي: مبحث: الشرّ عدمي محض، ص١٥٩.

١٠٨

٢ - إنّ الفقر هو عدم الملك، وللملك وجود، ولكن الفقر ليس له أي وجود، وإنّما هو مجرّد عدم الملك. والفقير هو الفاقد للملك والثروة، وليس الفقير هو المالك لشيء اسمه الفقر.

٣ - إنّ العمى عدم، وليس له واقع ملموس بحيث يوجد في العين شيء يسمى العمى، وإنّما هو فقدان الرؤية وعدم البصر.

٤ - إنّ الموت عدم، وهو فقدان الجسم للحياة وتحوّله إلى جماد، وليس الموت تحصيلا لشيء، بل هو فقدان لشيء.

٥ - إنّ الظلمة ليست شيئاً سوى عدم النور، والنور له وجود، وله منشأ يشع منه، ولكن الظلمة ليس لها وجود، وليس لها مبدأ أو منشأ تشع منه.

ثمرة نظرية عدمية الشرور:

يؤدّي إثبات عدمية الشرور إلى بطلان النظرية الثنوية بجميع اتّجاهاتها المتنوّعة.

بيان ذلك:

ذهبت الاتّجاهات الثنوية إلى:

١ - أنّ الشر أمر وجودي.

٢ - أنّ الخير يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الخير.

وأنّ الشرّ يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الشرّ.

فلهذا ينبغي أن يكون موجد "الخير" غير موجد "الشر".

تقييم نظرية الثنوية حسب القول بعدمية الشر:

تنهار نظرية الثنوية مع إثبات عدمية الشرّ، لأنّ هذه النظرية تثبت بأنّ الشر ليس أمراً وجودياً ليحتاج إلى موجد أو مبدأ يسانخه، بل "الشرّ" أمر "عدمي"، والعدم ليس شيئاً حتّى يحتاج إلى إيجاد.

١٠٩

القسم الثاني:

الشر القياسي

إنّ الشرّ القياسي أمر وجودي، أي له وجود، وهو من قبيل الجراثيم والميكروبات والعقارب السامّة والحيوانات المفترسة والزلازل والعواصف، فهي موجودة، وهي ليست شرّاً بذاتها وإنّما توصف بالشرّ عند مقايستها مع الإنسان، لأ نّها تلحق بالإنسان ما هو شرّ له.

تبيين كيفية اتّصاف الموجودات بالشر:

أقسام الصفات:

الأوّل: الصفات الحقيقية.

الثاني: الصفات القياسية (النسبية) (العرضية).

خصائص الصفات الحقيقية:

١ - لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - تثبت هذه الصفات للأشياء بقطع النظر عن أي شيء آخر.

مثال الصفات الحقيقية:

١ - صفة الوجود للإنسان، فهي صفة لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - صفة الحياة للإنسان، لأنّ الإنسان يتّصف بالحياة بقطع النظر عن مقارنته بأي شيء آخر.

خصائص الصفات القياسية:

١ - ليس لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - ينتزعها ذهن الإنسان عن طريق المقايسة بينها وبين شيء آخر.

مثال الصفات القياسية:

١ - الصغر والكبر، فالكبر صفة ليس لها وجود في الواقع الخارجي، وإنّما يتّصف

١١٠

بها الشيء عن طريق مقايسته بما هو أصغر منه.

توضيح المثال:

توصف الأرض بالكبر عند مقايستها بالقمر، وتوصف في نفس الوقت بالصغر عند مقايستها بالشمس، وهذان الوصفان لا يدخلان في حقيقة الموصوف (وهو الأرض)، وإلاّ لما صح وصف الأرض بوصفين متعارضين في آن واحد(١) .

٢ - الأوّليّة والثانوية، فهذه الصفات ليس لها وجود خارجي، وإنّما يتّصف بها الشيء عند مقايسته مع الشيء الآخر.

توضيح المثال:

لو شرح الأستاذ موضوعاً لتلميذه مرّتين.

فهذا "الشرح" له في كلّ مرّة صفة خاصة.

ويوصف تارة بالشرح "الأوّل".

ويوصف تارة أُخرى بالشرح "الثاني".

ولا يعني هذا أنّ الأستاذ أدّى في كلّ مرّة عملين أحدهما نفس الموضوع، والآخر صفة "الأوليّة" و"الثانوية"، بل:

هذه الصفات اعتبارية وقياسية تنشأ من أداء الأستاذ للعمل مكرراً(٢) .

نوعية "الشر" في الأشياء المتّصفة بالشر:

إنّ الأشياء المتّصفة بالشرّ ليست شرّاً من قبيل "الشر الحقيقي"، بل هي من قبيل "الشر القياسي".

أي: إنّ شرّها صفة قياسية ينتزعها ذهن الإنسان عند مقايستها مع الأشياء الأخرى.

____________________

١- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر سبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١/٢٨٠.

٢- انظر: العدل الإلهي، مرتضى مطهري: الفصل الثالث: مبحث: الشر أمر نسبي، ص ١٦٦.

١١١

مثال ذلك:

١ - إنّ الجراثيم والميكروبات ليست شرّاً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها تؤدّي إلى فقدان حياة الإنسان أو فقدان صحة بدنه، فهي شرّ بالعرض وبالمقايسة إلى الأمر الذي تقوم به إزاء الإنسان.

٢ - إنّ العقارب السامّة والحيّات القاتلة والحيوانات المفترسة والسباع الضواري ليست شرّاً بذاتها، بل تتّصف بالشر نتيجة الأذى الذي تلحقه بالإنسان أو بالكائنات الأُخرى.

٣ - إنّ الزلازل والعواصف ظواهر طبيعية تنتج من حدوث بعض التغييرات الأرضية والجوية، وليست هذه الظواهر شراً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها من شأنها تدمير حياة الإنسان وإلحاق الضرر بمنافعه.

ولهذا فإنّ وصف هذه الظواهر بالشرّ لا يكون إلاّ بعد مقايستها مع مصالح ومنافع الإنسان.

تنبيه:

بما أنّ الشر القياسي أمر وجوديٌّ، فلهذا يحتاج هذا "الشر" إلى الخلق والتقدير، ومن هذا المنطلق:

١ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) في تمجيده للّه تعالى: "... أنت اللّه لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ..."(١) .

٢ - قال(عليه السلام) أيضاً في دعاء عرفة: "اللّهم... بيدك مقادير الخير والشرّ..."(٢) .

والمقصود من "الشرّ" في هذا المقام هو "الشرّ القياسي" الذي له وجود، وليس المقصود "الشرّ الحقيقي"، ولا شكّ أنّ الجراثيم والمكروبات والعقارب السامّة والزلازل والعواصف أُمور مخلوقة ويكون الضرر الذي تلحقه بالكائنات الأُخرى وفق مقادير معيّنة.

____________________

١- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق: ثواب من مجّد اللّه بما مجّد به نفسه، ص ٣٥.

٢- الإقبال، السيد ابن طاووس: ج٢، الباب الثالث، ص١٢١.

١١٢

تنبيهات حول الشرور:

١ - إنّ وجود الشرور - أي: وجود الكائنات التي تلحق الشرّ بالكائنات الأُخرى - لا ينافي الحكمة الإلهية ولا يتعارض مع وجود النظم في العالم، لأنّ اللّه تعالى جعل هذا العالم مكاناً لاختبار العباد، فجعل الشرور وسيلة لاختبارهم وتمييز مستوى استعانتهم بالصبر إزاء الشرور التي تصيبهم.

٢ - إنّ اللّه تعالى هو الذي خلق العالم بصورة تتزاحم وتتضاد فيه الموجودات، فينتهي الأمر إلى نشوء الشرور، وكان بإمكانه تعالى أن يصمّم عالم الإمكان بصورة لا تقع فيه الشرور، ولكنه لم يفعل ذلك، لأ نّه شاء أن تكون الشرور هي الوسيلة لاختبار العباد.

٣ - لا يصح القول بأنّ اللّه تعالى وجد بأنّ خلقه للعالم يستلزم الخير الكثير والشر القليل، فرضي بالشر القليل لكثرة الخير، بل الصحيح:

إنّ اللّه عزّ وجلّ هو الذي جعل الدنيا داراً "بالبلاء محفوفة"(١) ، وهو الذي خلق الإنسان في كبد(٢) (أي: في وسط الآلام والشدائد)، وهو الذي جعل الشر في العالم ليبلوا الناس أيّهم أحسن عملا(٣) .

____________________

١- قال الإمام علي(عليه السلام) حول الدنيا: "دار بالبلاء محفوفة وبالعناء معروفة وبالغدر موصوفة... وإنّما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها".

بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٧٣، كتاب الإيمان والكفر، باب ١٢٢، ح١٠٩، ص١١٧.

٢- إشارة إلى قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في كَبَد) [البلد: ٤].

٣- قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: ٣٥].

١١٣

المبحث الثالث

الآلام وأوجه حسنها وقبحها(١)

إنّ الألم من الأُمور الوجدانية المحسوسة لدى كلّ إنسان.

وما يهمُّنا في هذا المقام معرفة أوجه حسن وقبح الألم، ليمكننا بعد ذلك معرفة أوجه حسن إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد.

أوجه حسن الألم(٢) :

١ - الاستحقاق.

٢ - حصول النفع الوافي.

٣ - دفع ضرر أعظم من الألم.

أمثلة ذلك:

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالآخرين على نحو الاستحقاق:

ألف - ذم المسيء، وإن كان ذلك سبباً في تألّمه، لأ نّه يستحق ذلك.

ب - تأديب أهل السوء على إساءتهم، لأ نّهم يستحقون ذلك.

تنبيه:

يرد على من يرى بأنّ إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد لا يكون إلاّ للاستحقاق بأنّ الأنبياء أكثر الناس بلاءً، فلو كان البلاء والألم على وجه الاستحقاق فقط،

____________________

١- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث السادس، ص٢٥٥.

٢- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، ص١٠٤ - ١٠٥.

١١٤

لأخلّ ذلك بعصمتهم، بل بعدالتهم.

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل الحصول على النفع:

ألف - إتعاب النفس وتحمّل المشقّات المؤلمة طلباً للعلم أو الحصول على الأرباح من خلال السفر، فإنّ هذا الألم حسن، لأنّ به يتم الحصول على النفع الوافي.

ب - استئجار الغير لأداء عمل شاق إزاء أجر يعتد به، فإنّ الألم الذي يتحمّله الإنسان خلال العمل حسن، لأنّ به يحصل الإنسان على النفع الوافي.

تنبيه:

١ - لا يحسن الألم للحصول على النفع إلاّ في حالة عدم وجود سبيل للوصول إلى هذا النفع إلاّ بالإيلام.

ولهذا لا يحسن منّا السفر وإتعاب النفس فيه طلباً للأرباح التي نستطيع أن نظفر بها في بلادنا(١) .

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل دفع الضرر:

ألف - شرب المريض الدواء الكريه والمرّ للتخلّص من المرض.

ب - مبادرة الطبيب إلى معالجة المريض عن طريق العملية الجراحية المؤلمة.

أوجه قبح الألم(٢) :

١ - العبث.

٢ - الظلم.

٣ - الفساد.

____________________

١- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الأمراض والآلام، ص٣٢٢.

٢- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل السادس، ص١٤٢.

١١٥

الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى:

إنّ جميع الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى حسنة، لأ نّه تعالى منزّه عن العبث والظلم والفساد.

أوجه حسن الألم الصادر من قبل اللّه تعالى:

١ - الاستحقاق:

وهو أن يعجّل اللّه تعالى عقوبة بعض المذنبين في دار الدنيا، فيصيبهم ببعض الآلام التي يستحقونها.

مثال ذلك:

ألف - الحدود والتعزيرات على من ارتكب موجباتها.

ب - إنزال العذاب على الأُمم الطاغية بما كانوا يعملون.

٢ - الغرض والمصلحة:

إنّ اللّه تعالى قد يؤلم البعض لوجود مصلحة ولطف لهم أو لغيرهم، بحيث يخرج الألم بهذه المصلحة عن كونه عبثاً، وسنبيّن حكمة الشرور والآلام في المبحث القادم.

٣ - العوض:

إنّ اللّه تعالى إضافة إلى وجود الحكمة في إلحاقه الألم بالعباد، فإنّه يعوّضهم إزاء ما يؤلمهم، وبهذا العوض يخرج الألم عن كونه ظلماً، وسيأتي التفصيل حول "العوض" في الفصل اللاحق.

تنبيه:

لا يحسن الألم من اللّه تعالى لدفع الضرر، لأ نّه تعالى قادر على دفع كلّ ضرر من دون ألم، فيكون الألم في هذا المقام عبثاً، واللّه عزّ وجلّ منزّه عن العبث(١) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الآلام، ص٢٢٦.

١١٦

١١٧

المبحث الرابع

حكمة الشرور والآلام

١ - تثبت البراهين القاطعة بأنّ اللّه تعالى حكيم ومنزّه عن الظلم والأفعال القبيحة، ولهذا يلزم حمل الشرور على ما لا ينافي هذه البراهين القاطعة.

٢ - عدم معرفة حكمة الشرور والآلام لا يعني عدم وجود حكمة فيها، بل غاية الأمر قصور الفهم وعدم العلم بحكمتها، وقد ورد في النصوص الدينية:

قال تعالى:( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) [الإسراء: ٨٥]

قال تعالى:( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [الروم: ٧]

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الدنيا لم تكن لتستقر إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد، أو ما شاء مما لا تعلم، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك"(١) .

٣ - إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وازدهار المواهب وتنشيط المساعي والاندفاع نحو الحركة المثمرة والمحاولة المقتدرة والسعي المتواصل والتحرّر من الكسل.

بعبارة أُخرى:

يكمن كمال الإنسان في المسارعة نحو الكمال، ولا يكون ذلك إلاّ في ظل الطموح، ولا يتحقّق الطموح إلاّ في ظل الحرمان.

٤ - إنّ أجواء الحياة المحفوفة بالمشاكل والمصاعب تدفع الإنسان الذي يحسن الاستفادة منها إلى غرس الصمود والصلابة في نفسه، وتزيده قوّة لحلّ المشاكل

____________________

١- نهج البلاغة، الشريف الرضي، رسالة ٣١، ص٥٤١.

١١٨

ورفع الموانع وتحطيم العقبات ومواجهة التيارات المعاكسة التي يجدها خلال مسيرته نحو الكمال.

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الشجرة البريّة(١) أصلب عوداً، والرواتع الخضرة(٢) أرق جلوداً"(٣) .

٥ - إنّ اللذائذ والشهوات - بصورة عامة - توجب غفلة الإنسان، وتؤدّي إلى ابتعاده عن القيم الأخلاقية والكمالات المعنوية، وإنّ البلايا والمصائب والمحن تكون بمنزلة المنبّهات التي توقظ الإنسان وتخفّف من غفلته وطغيانه، ولهذا قال تعالى:

( وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِيّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) [الأعراف: ٩٤]

( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) [الأعراف: ١٣٠]

( وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاء عَرِيض ) [فصّلت: ٥١]

( وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَر ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) [الشورى: ٢٧]

( وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [المؤمنون: ٧٥]

٦ - إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لإيقاف الإنسان العاصي على نتائج عتوّه وعصيانه، وهي أدعى لأهل السوء إلى ترك العناد، وأشدّ زجراً لنفوسهم عن الميل إلى الهوى وحبّ الفساد، وهي تتضمّن التحذير لهم، وتحثّهم على إصلاح نفوسهم.

____________________

١- الشجرية البرّية: التي تنبت في البرّ الذي لا ماء فيه.

٢- الرواتع الخضرة: الأشجار والأعشاب الغضة الناعمة التي تنبت في الأرض الندية.

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضي: رسالة ٤٥ (كتاب له(عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري)، ص٥٧٥.

١١٩

قال تعالى:( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [الروم: ٤١]

قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه إذا أراد(١) بعبد خيراً فأذنب ذنباً، أتبعه بنقمة، ويذكّره الاستغفار"(٢) .

٧ - إنّ كون البلاء نعمة أو نقمة يرتبط بنوع ردّ فعل الإنسان، لأنّ الموضوع الواحد قد يختلف وصفه بالنسبة إلى شخصين.

توضيح:

إنّ البلايا والمصائب وسيلة لاختبار الإنسان.

فإذا كان موقف الإنسان منها موقف المؤمن الصالح، فسيكون البلاء له خيراً، وسبيلا لوصوله إلى الكمال.

وإن كان موقف الإنسان منها موقف المعاند للحق، فسيكون البلاء له شراً، وسبيلا لإيصاله إلى النقصان.

مثال:

إنّ الفقر بصورة عامة شرّ، ولكنه إذا كان سبباً في تقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى فهو خير.

وإنّ الغنى بصورة عامة خير، ولكنه إذا كان سبباً في ابتعاد الإنسان عن اللّه تعالى فهو شر(٣) .

وقد قال تعالى:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا ( ٤ ) إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) [آل عمران: ١٧٨]

____________________

١- إنّ إرادة اللّه تعالى ليست عشوائية، وإنّ منشأها في هذا المقام عمل الإنسان نفسه.

٢- الكافي، الكليني: ج٢، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستدراج، ح١، ص٤٥٢.

٣- انظر: اُصول العقائد في الإسلام، مجتبى الموسوي اللاري: ج١، الأصل الثاني، بحث: تحليل حول الشرور في العالم، ص ١٨١ - ١٨٢.

٤- إنّ اللام في (لِيَزْدادُوا) ليست للغرض، لأ نّه تعالى عدل حكيم، ولا يكون الإثم غرضاً لفعله تعالى، بل اللام هي لام العاقبة والنتيجة، أي: إنّ الإنسان مختار في أفعاله، فإذا اختار الشر، فستكون نتيجته الوقوع في المزيد من الإثم.

١٢٠

النتيجة:

يُنزّل اللّه تعالى - بحكمته - وحسب ما تقتضيه المصلحة النعمة والبلاء على الناس.

فمن شكر إزاء النعم وصبر إزاء البلاء فهو من أهل السعادة.

ومن كفر إزاء النعم ولم يصبر إزاء البلاء فهو من أهل الشقاء.

٨ - إنّ الحكمة من بعض البلايا هو اختبار العباد وتشخيص مستوى استعانتهم بالصبر، وقد ورد في النصوص الدينية:

قال تعالى:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْص مِنَ الأَمْوالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ ) [البقرة: ١٥٥]

قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ العبد ليكون له عند اللّه الدرجة لا يبلغها بعمله، فيبتليه اللّه في جسده، أو يصاب بماله، أو يصاب في ولده، فإن هو صبر بلّغه اللّه إيّاها"(١) .

٩ - إنّ بعض الشرور قد تكون لمعاقبة العصاة والمذنبين، وهي مصائب بما كسبت أيدي الناس، وقد ورد هذا المعنى في العديد من الآيات القرآنية، منها:

( أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْن مَكَّنّاهُمْ فِي الأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ) [الأنعام: ٦]

( وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ ) [القصص: ٥٩]

( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) [الشورى: ٣٠]

( فَكُلاًّ ( من الأمم التي أنزلنا عليها العذاب ) أَخَذْنا بِذَنْبِهِ... وَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [العنكبوت: ٤٠]

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٧١، كتاب الإيمان والكفر، باب ٦٢، ح٥٠، ص٩٤.

١٢١

وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأعراف: ٩٦]

تنبيه:

إنّ العذاب الذي أباد اللّه تعالى به بعض الأُمم السابقة بما كسبت أيديهم أهلك الظالمين لظلمهم، وأهلك غيرهم لعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

ولهذا ورد في القرآن والسنة:

قال تعالى:( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) [الأنفال:٢٥]

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمّنكم عذاب اللّه"(١) .

١٠ - إنّ اللّه سبحانه وتعالى يبتلي بعض عباده بالمصائب ليطهّرهم من الأدران والشوائب التي علقت بهم خلال ارتكابهم للذنوب، فيكون ذلك سبيلا لتكفير خطاياهم.

قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا أذى ولا حزن ولا همّ.. إلاّ كفّر اللّه به خطاياه"(٢) .

١١ - إنّ الحكمة من نزول البلايا والمصائب على الأنبياء والأولياء والمخلصين هو تركهم الأولى أو رفع شأنهم، وقد ورد في الأحاديث الشريفة:

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة"(٣) .

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب"(٤) .

____________________

١- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي: ج١٦، كتاب الأمر بالمعروف و...، باب ٣، ح[٢١١٧٣]١٢، ص١٣٥.

٢- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٨١، كتاب الطهارة، باب ٤٤، ح٤٥، ص١٨٨.

٣- المصدر السابق: ج٦٧، كتاب الإيمان والكفر، باب ١٢، ح٥٤، ص٢٣٥.

٤- الكافي، الشيخ الكليني: ج٢، كتاب الإيمان والكفر، باب في تفسير الذنوب، باب نادر، ح٢، ص٤٥٠.

١٢٢

تنبيهان:

١ - إنّ بعض مصاديق الخير والشر واضحة عند الإنسان، والبعض الآخر مبهمة بحيث لا يستطيع الإنسان التمييز بين كونها خيراً أو شراً له، من قبيل الأُمور المرتبطة بعالم الغيب، وهنا ينبغي للإنسان الرجوع إلى الدين والشريعة الحقّة ليعرف ما هو خير له وما هو شر له.

٢ - إنّ الإنسان قد ينطلق في تقييمه للشرور والبلاء من رؤية غير شمولية، فيجعل المصالح الآنية مقياساً للتقييم، وهو غافل عن مصلحته الكلية.

ولهذا قال تعالى:( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [البقرة: ٢١٦]

١٢٣

المبحث الخامس

إيلام غير المكلَّفين

إنّ أسباب الآلام التي تصيب غير المكلّفين (من قبيل الأطفال وذوي العقول القاصرة والبهائم و...) تنقسم إلى قسمين:

الأوّل: يكون المسبّب للألم غير اللّه، من قبيل الذوات العاقلة التي تمتلك الاختيار في الفعل، فتكون هذه الذوات هي المتحملّة لتبعات إلحاقها الألم بغيرها (فيما لو كان في ذلك تجاوزٌ لحدود العدل).

الثانية: يعود سبب الألم إلى اللّه تعالى، وبما أ نّه تعالى عادل وحكيم، فهو لا يفعل إلاّ ما فيه العدل والحكمة(١) .

أضف إلى ذلك:

١ - قد يكون الغرض والحكمة من إلحاق اللّه الألم بغير المكلّفين هو اعتبار واتّعاظ المكلّفين، وبهذا يخرج هذا الألم عن كونه عبثاً.

٢ - سيعوّض اللّه تعالى هؤلاء غير المكلّفين في يوم القيامة إزاء هذه الآلام، وبهذا يخرج الألم عن كونه ظلماً(٢) .

تنبيه:

ليس في موت الأطفال بصورة مبكّرة ماينافي العدل الإلهي، لأنّ الإبقاء ليس واجباً عليه تعالى ليكون في تركه خلاف العدل، كما أنّ هؤلاء الأطفال سيجتازون

____________________

١- إنّ اللّه تعالى حكيم، وهو منزّه عن الظلم والأفعال القبيحة، وكما أشرنا فيما سبق فإنّ عدم الإلمام بحكمة إيلامه تعالى للأطفال والبهائم لا يعني عدم وجود حكمة في هذا المجال، بل يعني ذلك عدم علمنا بها.

٢- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الخامس: العوض.

١٢٤

مرحلة التكليف يوم القيامة، وسيتم تحديد مصيرهم هناك من خلال اختيارهم لسبيل السعادة أو الشقاء(١) .

وجه حسن إيلامه تعالى للبهائم:

إنّ اللّه تعالى أباح للإنسان ذبح البهائم من أجل الانتفاع بها.

ويكون الغرض الذي يخرج به هذا الإيلام من العبث: انتفاع الإنسان من لحومها وجلودها و... ويكون الأمر الذي يخرج به هذا الإيلام من الظلم: أ نّه تعالى تكفّل أعطاء العوض لهذه البهائم في يوم القيامة(٢) .

____________________

١- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الثامن: التكليف، المبحث السابع.

٢- انظر: هداية الأمة إلى معارف الأئمة، محمّد جواد الخراساني: ص٧٨٣.

١٢٥

١٢٦

الفصل الخامس

العِوَض

معنى العوض

موارد استحقاق العوض

الجهات المعوِّضة

أنواع المستحق للعوض

خصائص العوض

١٢٧

١٢٨

المبحث الأوّل

معنى العِوَض

العوض: "هو النفع المستحق الخالي من التعظيم والإجلال"(١) .

توضيح قيود معنى العوض(٢) :

١ - قيد "المستحق":

يخرج بهذا القيد "التفضّل"، لأنّ التفضّل هو النفع غير المستحق.

٢ - قيد "الخالي من التعظيم والإجلال":

يخرج بهذا القيد "الثواب"، لأنّ الثواب هو النفع المقترن بالتعظيم والإجلال.

____________________

١- مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث السابع، ص٢٥٨.

٢- انظر: المصدر السابق.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الرابع، البحث الأوّل، ص١١٩.

١٢٩

المبحث الثاني

موارد استحقاق العِوَض

مصدر إلحاق الألم بالإنسان على نحوين:

الأوّل: أن يؤلم الإنسان نفسه.

الثاني: أن يؤلم الإنسان غيره.

توضيح ذلك:

الأوّل: أن يؤلم الإنسان نفسه، ويكون سبباً في إيذائها، وموجباً لإلحاق الألم بها.

وهذا النمط من إلحاق الألم بالنفس على قسمين:

١ - قبيح:

مثاله: قتل الإنسان نفسه، أو جرحه لأحد أعضائه من دون غاية عقلائية.

حُكمه: لا يستحق هذا الشخص "العوض"، إزاء الألم الذي يصيبه.

ولا يستطيع هذا الشخص أن يطالب اللّه أو أيَّ شخص آخر "بالعوض" في قبال هذا الألم.

٢ - حسن:

مثاله: إلحاق الإنسان الألم بنفسه عن طريق شربه للأدوية المرّة طلباً للشفاء.

وينقسم حكم هذا النمط من إلحاق الألم بالنفس إلى عدّة أقسام:

ألف - إذا كان المسبّب للمرض هو اللّه تعالى.

حُكمه: يستحق هذا الشخص "العوض" من اللّه تعالى.

١٣٠

ب - إذا كان المسبب للمرض غير اللّه تعالى.

حُكمه: يستحق هذا الشخص "العوض" من ذلك المسبّب للمرض.

ج - إذا كان سبب شرب هذا الشخص للدواء المرّ، وتحملّه ألم تناوله، لدواعي من قبيل ازدياد الرشاقة.

حُكمه: لا يستحق هذا الشخص "العوض" من اللّه تعالى أو من غيره.

الثاني: أن يؤلم الإنسان غيره، ويكون سبباً في إيذاء غيره وموجباً لإلحاق الألم به.

وهذا النمط من إلحاق الألم بالغير على قسمين:

١ - قبيح:

مثاله: الظلم والتعدّي على حقوق الآخرين.

حُكمه: يستحق المظلوم - في هذه الحالة - "العوض" من الظالم.

٢ - حسن:

مثاله: إلحاق الطبيب الألم بالمريض الذي يقوم بمعالجته.

وينقسم حُكم هذا النمط من إلحاق الألم بالغير إلى نفس الأحكام السابقة المذكورة بالنسبة إلى النمط "الحسن" من إلحاق الإنسان الألم بنفسه.

١٣١

المبحث الثالث

الجهات المعوِّضة

إنّ الجهات التي يكون عليها "العِوَض" عبارة عن:

١ - اللّه سبحانه وتعالى.

٢ - غير اللّه تعالى.

توضيح ذلك:

١ - العوض الذي يعطيه اللّه تعالى:

إنّ اللّه تعالى يعوِّض جميع المستحقين للعوض.

تنبيه:

إذا كان غير العقلاء من قبيل البهائم والسباع والهوام والصبيان ومن في حكمهم سبباً في إلحاق الألم بأحد الأشخاص(١) فإنّ "العوض" إزاء هذا الألم يكون على اللّه تعالى، لأنّ اللّه تعالى هو الذي مكّن هذه الكائنات غير العاقلة من إلحاق الألم بغيرها، وهو الذي لم يجعل لها عقلا يصدّها ويزجرها عن ذلك(٢) .

٢ - العوض الذي يكون على غير اللّه تعالى.

إذا كان أحد الأشخاص يطلب غيره "العوض" إزاء الألم الذي ألحقه ذلك الشخص به ظلماً وعدواناً، فإنّ اللّه تعالى هو الذي يأخذ يوم القيامة "العوض" من ذلك الشخص ويعطيه لمستحقه، وهذا ما يسمّى بـ "الانتصاف".

فالانتصاف - في الواقع - هو أخذ اللّه تعالى حقّ المظلوم من الظالم بقدر ما

____________________

١- بشرط أن لا يكون لهذا الشخص أي تقصير في ذلك.

٢- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث السابع، ص٢٥٨.

١٣٢

يساوي ظلمه.

١٣٣

المبحث الرابع

أنواع المستحق للعوض

إنّ المستحق للعِوَض على نحوين:

١ - مكلّف.

٢ - غير مكلّف.

والمكلّف المستحق للعِوَض على نحوين:

١ - من أهل الجنة.

٢ - من أهل النار.

والمكلَّف المستحق للعِوَض وهو من أهل الجنة:

١ - يستحق "العوض" من اللّه تعالى:

فإنّ اللّه تعالى سيعطيه "العوض" بتمامه وكماله.

٢ - يستحق العوض من غير اللّه تعالى:

فإنّ اللّه تعالى سيأخذ "العوض" من ذلك الغير، ويوصله إلى هذا المستحق.

وأمّا المكلّف المستحق للعِوَض وهو من أهل النار:

١ - يستحق "العوض" من اللّه تعالى:

فإنّ اللّه تعالى سيعطيه "العوض" في دار الدنيا أو في دار الآخرة.

وإذا كان هذا التعويض في الآخرة وبعد دخول النار، فإنّه سيكون سبباً في إسقاط جزء من عذاب مستحقِ العِوَض.

٢ - يستحق "العوض" من غير اللّه تعالى:

١٣٤

فإنّ اللّه تعالى سيأخذ العوض من ذلك الغير، ويوصله إلى هذا المستحق.

وأمّا غير المكلَّف المستحق للعِوَض فهو على نحوين:

١ - يستحق "العوض" من اللّه تعالى:

فإنّ اللّه تعالى سيعطيه "العوض" بتمامه وكماله.

٢ - يستحق العوض من غير اللّه تعالى:

فإنّ اللّه تعالى سيأخذ "العوض" من ذلك الغير، ويوصله إلى هذا المستحق.

١٣٥

المبحث الخامس

خصائص العوض

١ - لا يحسن أن يؤلم اللّه تعالى أحداً لمجرد "العوض"، لأ نّه تعالى قادر على إعطاء "العوض" من دون "الألم"، فلهذا ينبغي في هذا النمط من إيلام الغير:

أوّلا: وجود "المصلحة" ليخرج الألم عن كونه "عبثاً".

ثانياً: وجود "العوض" ليخرج به الألم عن كونه "ظلماً"(١) .

مثال:

إنّ الإيلام لمجرد العوض يكون بمثابة من يستأجر أجيراً ليغرف الماء من النهر ويصبّه في نفس النهر، لا لغرض سوى نفع الأجير بالأجرة، وهذا العمل عبث، لأنّ صاحب الأجرة قادر على إعطاء تلك الأجرة للأجير من دون فرض ذلك العمل عليه(٢) .

٢ - إنّ "العوض" من اللّه تعالى يكون بحيث لو خُيّر المتأ لِّم بين الأمرين التاليين:

أوّلا: إلحاق الألم به وإيصال العوض إليه.

ثانياً: عدم إلحاق الألم به وحرمانه من العوض.

لاختار الأوّل(٣) .

٣ - إنّ العوض:

أوّلا: إذا لم يكن في "تعجيله" مصلحة: جاز "تأخيره".

ولكن يشترط في هذه الحالة إلحاق الزيادة بالعوض.

____________________

١- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، الكلام في الآلام والأعواض، ص١١٢.

٢- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الأمراض والآلام، ص٣١٨ - ٣١٩.

٣- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، ص٢٨٣.

١٣٦

ثانياً: إذا كان في "تأخيره" مصلحة: جاز "تأخيره".

ولا يشترط في هذه الحالة إلحاق الزيادة بالعوض، لأنّ هذه المصلحة تنوب مكان الزيادة(١) .

٤ - إذا ألحق أحد الناس الأذى والألم بنفسه أو بغيره ظلماً وعدواناً.

فإنّ هذا الشخص هو الذي يتحمّل "العوض" إزاء ذلك.

ولا يصح القول:

إنّ اللّه تعالى هو المتحمّل "للعوض"، لأ نّه تعالى هو الذي مكّن هذا الشخص من الظلم وأعطاه القدرة على ذلك.

ودليل عدم صحّة هذا القول:

أنّ اللّه تعالى أعطى هذا الشخص القدرة والاستطاعة ليستعلمها في الخير والطاعة، وقد نهاه تعالى عن الظلم والعدوان، ولهذا لا يتحمّل اللّه تعالى تبعات سوء تصرفات هذا الشخص، ولا يكون عليه العوض أبداً.

مثال:

إنّ من أعطى شخصاً سيفاً ليقتل به "من يستحق القتل"، ولكن قتل هذا الشخص بهذا السيف "من لا يستحق القتل"، فإنّ "العوض" يكون على "القاتل" ولا يكون على "صاحب السيف"(٢) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الأعواض، ص٢٥٤.

٢- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، ص٢٨٣ - ٢٨٤.

١٣٧

١٣٨

الفصل السادس

القضاء والقدر

خصائص مسألة القضاء والقدر

النهي عن الخوض في القضاء والقدر

معنى القضاء والقدر (في اللغة)

معنى القضاء والقدر (في الاصطلاح العقائدي)

تفسير القضاء والقدر وفق نظام الأسباب

الرضا بقضاء اللّه تعالى وقدره

أقسام القضاء والقدر

خصائص القضاء والقدر

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر

١٣٩

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432