العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 185207
تحميل: 7464

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185207 / تحميل: 7464
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

وهذا يتنافى مع قاعدة ضرورة وجود الغرض لجميع الأفعال الإلهية(١) .

يرد عليه:

إنّ الغرض لا يحتاج إلى غرض آخر، وعندما نقول: إنّ الغرض من التكامل هو "حسن التكامل"، هذا "الحُسن" لا يحتاج إلى غرض يحسّنه، بل هو حسن بذاته، ويكون الغرض منه نفس وجوده(٢) .

الدليل الخامس للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى:

إنّ بعض الآيات القرآنية تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي منها(٣) :

١ -( لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ ) [الأنبياء: ٢٣]

يلاحظ عليه:

إنّ هذه الآية لا تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي، بل تدل على:

أوّلا: عدم وجود آمر وناه عليه تعالى حتّى يسأله عن فعله كما يُسأل الناس عن أفعالهم.

ثانياً: لا معنى للسؤال عن فعله تعالى، لأ نّه حكيم، ولا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة(٤) .

سُئل الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) حول أفعاله تعالى: كيف لا يُسأل عما يفعل؟

قال(عليه السلام): "لأ نّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة وصواباً"(٥) .

٢ -( يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) [إبراهيم: ٢٧]،( يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ) [المائدة: ١]

يلاحظ عليه:

____________________

١- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث.

٢- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١/٢٦٨ - ٢٦٩.

صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، تبعية أفعاله للأغراض، ص١٩٨.

٣- انظر: التفسير الكبير، فخر الدين الرازي: ج١٠، تفسير آية ٥٦ من سورة الذاريات، ص١٩٣.

٤- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج٧، تفسير آية ٢٣ من سورة الأنبياء، ص٧٠.

٥- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦١، ح١٣، ص٣٨٦.

١٠١

إنّ مفاد هاتين الآيتين إطلاق مشيئته تعالى وإرادته، وليس فيهما أيّة دلالة على عدم وجود الغرض والغاية في فعله تعالى وحُكمه(١) .

٣ -( فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) [إبراهيم: ٨]

يلاحظ عليه:

غنى الله تعالى يعني الغنى عن الغرض والغاية التي تعود بالمنفعة إليه تعالى.

ولكن الأغراض والغايات الإلهية - في الواقع - لا تعود بالمنفعة إليه تعالى، وإنّما تعود بالمنفعة إلى غير اللّه عزّ وجلّ.

وليس في هذه الآية ما يدل على نفي الأغراض والغايات التي تعود بالمنفعة إلى غير اللّه تعالى(٢) .

رأي التفتازاني حول وجود الغرض والغاية في أفعال الله تعالى:

اختار "التفتازاني" قولا وسطاً بين العدلية والأشاعرة، وهو تعليل بعض أفعاله تعالى بالغاية دون الجميع فقال:

"والحقّ أنّ تعليل بعض الأفعال لاسيما شرعية الأحكام بالحكم والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك، والنصوص أيضاً شاهدة بذلك... وأمّا تعميم ذلك بأن لا يخلو فعل من أفعاله [تعالى] عن غرض فمحل بحث"(٣) .

يلاحظ عليه:

إنّ مسألة "الغرض والغاية" ليست من التعبّديات ليمكننا الاقتصار على الأدلة النقلية فقط، بل هي من الأُمور العقلية، وملاكها لزوم وجود العبث في الفعل الإلهي فيما لو نفينا الغرض عن أفعاله تعالى، وهذا يعمّ التكوين والتشريع سواء علمنا بالغاية أم لا(٤) .

____________________

١- انظر: صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، القاعدة الرابعة، ص٢٠٢ - ٢٠٣.

٢- صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، القاعدة الرابعة، ص٢٠٢ - ٢٠٣.

٣- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٥، ص٣٠٢ - ٣٠٣.

٤- انظر: القواعد الكلامية، علي الرباني الكلبايكاني: الفصل الثاني، ص١٥٨.

١٠٢

تنبيه:

قالت الأشاعرة في الصعيد الفقهي بحجّية "القياس".

ولا يخفى بأنّ "القياس" لا يثبت إلاّ بعد الاعتقاد بوجود "الغرض الإلهي" في تشريعه تعالى لكلّ موضوع، ليمكن قياس الموضوع الآخر عليه، وتسرية الحكم الشرعي من الموضوع الأصلي إليه.

وهذا القول يتنافى مع رأيهم في الصعيد العقائدي ويتنافى مع قولهم بعدم وجود الغرض في الأفعال الإلهية.

١٠٣

١٠٤

الفصل الرابع

الشرور والآلام

معنى الشر

أقسام الشر

الآلام وأوجه حسنها وقبحها

حكمة الشرور والآلام

إيلام غير المكلّفين

١٠٥

١٠٦

المبحث الأوّل

معنى الشر

معنى الشر (في اللغة):

الشر: السوء، وهو ضدّ الخير(١) .

معنى الشر (في الاصطلاح العقائدي):

يطلق الشر على(٢) :

١ - عدم كمال الوجود مما له شأنية ذلك الكمال، من قبيل العمى للعين، أو عدم الثمرة في الشجرة المؤهّلة لإعطاء الثمرة.

٢ - عدم الوجود مما له شأنية الوجود، من قبيل عدمية وجود الإنسان بعد وجوده، لأنّ ذلك شرّ بالنسبة إلى هذا الإنسان.

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (شرر).

٢- انظر: الإشارات والتنبيهات، ابن سينا: ج٣، النمط السابع، الفصل ٢٣، ص٣٢٠.

١٠٧

المبحث الثاني

أقسام الشر(١)

١ - الشر الحقيقي (الذاتي): وهو أمر عدمي لما من شأنه الوجود، كالجهل والعجز والفقر بالنسبة إلى الموجود الذي من شأنه العلم والقوّة والغنى.

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

٢ - الشر القياسي (العرضي): وهو أمر وجودي، وإنّما يتّصف بالشر لأنّه يؤدّي إلى إعدام وجود شيء ما أو إعدام كمال وجوده، كالزلازل والسيول والزواحف السامّة والحيوانات المفترسة و...

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

القسم الأوّل:الشر الحقيقي

ليس الشر الحقيقي أمراً وجودياً، بل هو أمر عدمي(٢) .

أمثلة عدمية الشر الحقيقي(٣) :

١ - إنّ الجهل هو عدم العلم، وللعلم وجود، ولكن الجهل ليس له أي وجود، وإنّما هو مجرّد عدم العلم.

____________________

١- انظر: العدل الإلهي، مرتضى مطهري، ترجمة: محمّد عبدالمنعم الخاقاني: الفصل الثالث، ص١٥١ - ١٧٠.

٢- إنّ أساس نظرية عدمية الشرور تعود إلى "أفلاطون".

انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١٣، ذيل تفسير آية ٨٢ - ١٠٠ من سورة الإسراء، ص١٨٧.

٣- انظر: الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي: مبحث: الشرّ عدمي محض، ص١٥٩.

١٠٨

٢ - إنّ الفقر هو عدم الملك، وللملك وجود، ولكن الفقر ليس له أي وجود، وإنّما هو مجرّد عدم الملك. والفقير هو الفاقد للملك والثروة، وليس الفقير هو المالك لشيء اسمه الفقر.

٣ - إنّ العمى عدم، وليس له واقع ملموس بحيث يوجد في العين شيء يسمى العمى، وإنّما هو فقدان الرؤية وعدم البصر.

٤ - إنّ الموت عدم، وهو فقدان الجسم للحياة وتحوّله إلى جماد، وليس الموت تحصيلا لشيء، بل هو فقدان لشيء.

٥ - إنّ الظلمة ليست شيئاً سوى عدم النور، والنور له وجود، وله منشأ يشع منه، ولكن الظلمة ليس لها وجود، وليس لها مبدأ أو منشأ تشع منه.

ثمرة نظرية عدمية الشرور:

يؤدّي إثبات عدمية الشرور إلى بطلان النظرية الثنوية بجميع اتّجاهاتها المتنوّعة.

بيان ذلك:

ذهبت الاتّجاهات الثنوية إلى:

١ - أنّ الشر أمر وجودي.

٢ - أنّ الخير يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الخير.

وأنّ الشرّ يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الشرّ.

فلهذا ينبغي أن يكون موجد "الخير" غير موجد "الشر".

تقييم نظرية الثنوية حسب القول بعدمية الشر:

تنهار نظرية الثنوية مع إثبات عدمية الشرّ، لأنّ هذه النظرية تثبت بأنّ الشر ليس أمراً وجودياً ليحتاج إلى موجد أو مبدأ يسانخه، بل "الشرّ" أمر "عدمي"، والعدم ليس شيئاً حتّى يحتاج إلى إيجاد.

١٠٩

القسم الثاني:

الشر القياسي

إنّ الشرّ القياسي أمر وجودي، أي له وجود، وهو من قبيل الجراثيم والميكروبات والعقارب السامّة والحيوانات المفترسة والزلازل والعواصف، فهي موجودة، وهي ليست شرّاً بذاتها وإنّما توصف بالشرّ عند مقايستها مع الإنسان، لأ نّها تلحق بالإنسان ما هو شرّ له.

تبيين كيفية اتّصاف الموجودات بالشر:

أقسام الصفات:

الأوّل: الصفات الحقيقية.

الثاني: الصفات القياسية (النسبية) (العرضية).

خصائص الصفات الحقيقية:

١ - لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - تثبت هذه الصفات للأشياء بقطع النظر عن أي شيء آخر.

مثال الصفات الحقيقية:

١ - صفة الوجود للإنسان، فهي صفة لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - صفة الحياة للإنسان، لأنّ الإنسان يتّصف بالحياة بقطع النظر عن مقارنته بأي شيء آخر.

خصائص الصفات القياسية:

١ - ليس لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - ينتزعها ذهن الإنسان عن طريق المقايسة بينها وبين شيء آخر.

مثال الصفات القياسية:

١ - الصغر والكبر، فالكبر صفة ليس لها وجود في الواقع الخارجي، وإنّما يتّصف

١١٠

بها الشيء عن طريق مقايسته بما هو أصغر منه.

توضيح المثال:

توصف الأرض بالكبر عند مقايستها بالقمر، وتوصف في نفس الوقت بالصغر عند مقايستها بالشمس، وهذان الوصفان لا يدخلان في حقيقة الموصوف (وهو الأرض)، وإلاّ لما صح وصف الأرض بوصفين متعارضين في آن واحد(١) .

٢ - الأوّليّة والثانوية، فهذه الصفات ليس لها وجود خارجي، وإنّما يتّصف بها الشيء عند مقايسته مع الشيء الآخر.

توضيح المثال:

لو شرح الأستاذ موضوعاً لتلميذه مرّتين.

فهذا "الشرح" له في كلّ مرّة صفة خاصة.

ويوصف تارة بالشرح "الأوّل".

ويوصف تارة أُخرى بالشرح "الثاني".

ولا يعني هذا أنّ الأستاذ أدّى في كلّ مرّة عملين أحدهما نفس الموضوع، والآخر صفة "الأوليّة" و"الثانوية"، بل:

هذه الصفات اعتبارية وقياسية تنشأ من أداء الأستاذ للعمل مكرراً(٢) .

نوعية "الشر" في الأشياء المتّصفة بالشر:

إنّ الأشياء المتّصفة بالشرّ ليست شرّاً من قبيل "الشر الحقيقي"، بل هي من قبيل "الشر القياسي".

أي: إنّ شرّها صفة قياسية ينتزعها ذهن الإنسان عند مقايستها مع الأشياء الأخرى.

____________________

١- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر سبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١/٢٨٠.

٢- انظر: العدل الإلهي، مرتضى مطهري: الفصل الثالث: مبحث: الشر أمر نسبي، ص ١٦٦.

١١١

مثال ذلك:

١ - إنّ الجراثيم والميكروبات ليست شرّاً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها تؤدّي إلى فقدان حياة الإنسان أو فقدان صحة بدنه، فهي شرّ بالعرض وبالمقايسة إلى الأمر الذي تقوم به إزاء الإنسان.

٢ - إنّ العقارب السامّة والحيّات القاتلة والحيوانات المفترسة والسباع الضواري ليست شرّاً بذاتها، بل تتّصف بالشر نتيجة الأذى الذي تلحقه بالإنسان أو بالكائنات الأُخرى.

٣ - إنّ الزلازل والعواصف ظواهر طبيعية تنتج من حدوث بعض التغييرات الأرضية والجوية، وليست هذه الظواهر شراً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها من شأنها تدمير حياة الإنسان وإلحاق الضرر بمنافعه.

ولهذا فإنّ وصف هذه الظواهر بالشرّ لا يكون إلاّ بعد مقايستها مع مصالح ومنافع الإنسان.

تنبيه:

بما أنّ الشر القياسي أمر وجوديٌّ، فلهذا يحتاج هذا "الشر" إلى الخلق والتقدير، ومن هذا المنطلق:

١ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) في تمجيده للّه تعالى: "... أنت اللّه لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ..."(١) .

٢ - قال(عليه السلام) أيضاً في دعاء عرفة: "اللّهم... بيدك مقادير الخير والشرّ..."(٢) .

والمقصود من "الشرّ" في هذا المقام هو "الشرّ القياسي" الذي له وجود، وليس المقصود "الشرّ الحقيقي"، ولا شكّ أنّ الجراثيم والمكروبات والعقارب السامّة والزلازل والعواصف أُمور مخلوقة ويكون الضرر الذي تلحقه بالكائنات الأُخرى وفق مقادير معيّنة.

____________________

١- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق: ثواب من مجّد اللّه بما مجّد به نفسه، ص ٣٥.

٢- الإقبال، السيد ابن طاووس: ج٢، الباب الثالث، ص١٢١.

١١٢

تنبيهات حول الشرور:

١ - إنّ وجود الشرور - أي: وجود الكائنات التي تلحق الشرّ بالكائنات الأُخرى - لا ينافي الحكمة الإلهية ولا يتعارض مع وجود النظم في العالم، لأنّ اللّه تعالى جعل هذا العالم مكاناً لاختبار العباد، فجعل الشرور وسيلة لاختبارهم وتمييز مستوى استعانتهم بالصبر إزاء الشرور التي تصيبهم.

٢ - إنّ اللّه تعالى هو الذي خلق العالم بصورة تتزاحم وتتضاد فيه الموجودات، فينتهي الأمر إلى نشوء الشرور، وكان بإمكانه تعالى أن يصمّم عالم الإمكان بصورة لا تقع فيه الشرور، ولكنه لم يفعل ذلك، لأ نّه شاء أن تكون الشرور هي الوسيلة لاختبار العباد.

٣ - لا يصح القول بأنّ اللّه تعالى وجد بأنّ خلقه للعالم يستلزم الخير الكثير والشر القليل، فرضي بالشر القليل لكثرة الخير، بل الصحيح:

إنّ اللّه عزّ وجلّ هو الذي جعل الدنيا داراً "بالبلاء محفوفة"(١) ، وهو الذي خلق الإنسان في كبد(٢) (أي: في وسط الآلام والشدائد)، وهو الذي جعل الشر في العالم ليبلوا الناس أيّهم أحسن عملا(٣) .

____________________

١- قال الإمام علي(عليه السلام) حول الدنيا: "دار بالبلاء محفوفة وبالعناء معروفة وبالغدر موصوفة... وإنّما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها".

بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٧٣، كتاب الإيمان والكفر، باب ١٢٢، ح١٠٩، ص١١٧.

٢- إشارة إلى قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في كَبَد) [البلد: ٤].

٣- قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: ٣٥].

١١٣

المبحث الثالث

الآلام وأوجه حسنها وقبحها(١)

إنّ الألم من الأُمور الوجدانية المحسوسة لدى كلّ إنسان.

وما يهمُّنا في هذا المقام معرفة أوجه حسن وقبح الألم، ليمكننا بعد ذلك معرفة أوجه حسن إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد.

أوجه حسن الألم(٢) :

١ - الاستحقاق.

٢ - حصول النفع الوافي.

٣ - دفع ضرر أعظم من الألم.

أمثلة ذلك:

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالآخرين على نحو الاستحقاق:

ألف - ذم المسيء، وإن كان ذلك سبباً في تألّمه، لأ نّه يستحق ذلك.

ب - تأديب أهل السوء على إساءتهم، لأ نّهم يستحقون ذلك.

تنبيه:

يرد على من يرى بأنّ إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد لا يكون إلاّ للاستحقاق بأنّ الأنبياء أكثر الناس بلاءً، فلو كان البلاء والألم على وجه الاستحقاق فقط،

____________________

١- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث السادس، ص٢٥٥.

٢- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، ص١٠٤ - ١٠٥.

١١٤

لأخلّ ذلك بعصمتهم، بل بعدالتهم.

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل الحصول على النفع:

ألف - إتعاب النفس وتحمّل المشقّات المؤلمة طلباً للعلم أو الحصول على الأرباح من خلال السفر، فإنّ هذا الألم حسن، لأنّ به يتم الحصول على النفع الوافي.

ب - استئجار الغير لأداء عمل شاق إزاء أجر يعتد به، فإنّ الألم الذي يتحمّله الإنسان خلال العمل حسن، لأنّ به يحصل الإنسان على النفع الوافي.

تنبيه:

١ - لا يحسن الألم للحصول على النفع إلاّ في حالة عدم وجود سبيل للوصول إلى هذا النفع إلاّ بالإيلام.

ولهذا لا يحسن منّا السفر وإتعاب النفس فيه طلباً للأرباح التي نستطيع أن نظفر بها في بلادنا(١) .

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل دفع الضرر:

ألف - شرب المريض الدواء الكريه والمرّ للتخلّص من المرض.

ب - مبادرة الطبيب إلى معالجة المريض عن طريق العملية الجراحية المؤلمة.

أوجه قبح الألم(٢) :

١ - العبث.

٢ - الظلم.

٣ - الفساد.

____________________

١- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الأمراض والآلام، ص٣٢٢.

٢- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل السادس، ص١٤٢.

١١٥

الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى:

إنّ جميع الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى حسنة، لأ نّه تعالى منزّه عن العبث والظلم والفساد.

أوجه حسن الألم الصادر من قبل اللّه تعالى:

١ - الاستحقاق:

وهو أن يعجّل اللّه تعالى عقوبة بعض المذنبين في دار الدنيا، فيصيبهم ببعض الآلام التي يستحقونها.

مثال ذلك:

ألف - الحدود والتعزيرات على من ارتكب موجباتها.

ب - إنزال العذاب على الأُمم الطاغية بما كانوا يعملون.

٢ - الغرض والمصلحة:

إنّ اللّه تعالى قد يؤلم البعض لوجود مصلحة ولطف لهم أو لغيرهم، بحيث يخرج الألم بهذه المصلحة عن كونه عبثاً، وسنبيّن حكمة الشرور والآلام في المبحث القادم.

٣ - العوض:

إنّ اللّه تعالى إضافة إلى وجود الحكمة في إلحاقه الألم بالعباد، فإنّه يعوّضهم إزاء ما يؤلمهم، وبهذا العوض يخرج الألم عن كونه ظلماً، وسيأتي التفصيل حول "العوض" في الفصل اللاحق.

تنبيه:

لا يحسن الألم من اللّه تعالى لدفع الضرر، لأ نّه تعالى قادر على دفع كلّ ضرر من دون ألم، فيكون الألم في هذا المقام عبثاً، واللّه عزّ وجلّ منزّه عن العبث(١) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الآلام، ص٢٢٦.

١١٦

١١٧

المبحث الرابع

حكمة الشرور والآلام

١ - تثبت البراهين القاطعة بأنّ اللّه تعالى حكيم ومنزّه عن الظلم والأفعال القبيحة، ولهذا يلزم حمل الشرور على ما لا ينافي هذه البراهين القاطعة.

٢ - عدم معرفة حكمة الشرور والآلام لا يعني عدم وجود حكمة فيها، بل غاية الأمر قصور الفهم وعدم العلم بحكمتها، وقد ورد في النصوص الدينية:

قال تعالى:( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) [الإسراء: ٨٥]

قال تعالى:( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [الروم: ٧]

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الدنيا لم تكن لتستقر إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد، أو ما شاء مما لا تعلم، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك"(١) .

٣ - إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وازدهار المواهب وتنشيط المساعي والاندفاع نحو الحركة المثمرة والمحاولة المقتدرة والسعي المتواصل والتحرّر من الكسل.

بعبارة أُخرى:

يكمن كمال الإنسان في المسارعة نحو الكمال، ولا يكون ذلك إلاّ في ظل الطموح، ولا يتحقّق الطموح إلاّ في ظل الحرمان.

٤ - إنّ أجواء الحياة المحفوفة بالمشاكل والمصاعب تدفع الإنسان الذي يحسن الاستفادة منها إلى غرس الصمود والصلابة في نفسه، وتزيده قوّة لحلّ المشاكل

____________________

١- نهج البلاغة، الشريف الرضي، رسالة ٣١، ص٥٤١.

١١٨

ورفع الموانع وتحطيم العقبات ومواجهة التيارات المعاكسة التي يجدها خلال مسيرته نحو الكمال.

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الشجرة البريّة(١) أصلب عوداً، والرواتع الخضرة(٢) أرق جلوداً"(٣) .

٥ - إنّ اللذائذ والشهوات - بصورة عامة - توجب غفلة الإنسان، وتؤدّي إلى ابتعاده عن القيم الأخلاقية والكمالات المعنوية، وإنّ البلايا والمصائب والمحن تكون بمنزلة المنبّهات التي توقظ الإنسان وتخفّف من غفلته وطغيانه، ولهذا قال تعالى:

( وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِيّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) [الأعراف: ٩٤]

( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) [الأعراف: ١٣٠]

( وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاء عَرِيض ) [فصّلت: ٥١]

( وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَر ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) [الشورى: ٢٧]

( وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [المؤمنون: ٧٥]

٦ - إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لإيقاف الإنسان العاصي على نتائج عتوّه وعصيانه، وهي أدعى لأهل السوء إلى ترك العناد، وأشدّ زجراً لنفوسهم عن الميل إلى الهوى وحبّ الفساد، وهي تتضمّن التحذير لهم، وتحثّهم على إصلاح نفوسهم.

____________________

١- الشجرية البرّية: التي تنبت في البرّ الذي لا ماء فيه.

٢- الرواتع الخضرة: الأشجار والأعشاب الغضة الناعمة التي تنبت في الأرض الندية.

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضي: رسالة ٤٥ (كتاب له(عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري)، ص٥٧٥.

١١٩

قال تعالى:( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [الروم: ٤١]

قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه إذا أراد(١) بعبد خيراً فأذنب ذنباً، أتبعه بنقمة، ويذكّره الاستغفار"(٢) .

٧ - إنّ كون البلاء نعمة أو نقمة يرتبط بنوع ردّ فعل الإنسان، لأنّ الموضوع الواحد قد يختلف وصفه بالنسبة إلى شخصين.

توضيح:

إنّ البلايا والمصائب وسيلة لاختبار الإنسان.

فإذا كان موقف الإنسان منها موقف المؤمن الصالح، فسيكون البلاء له خيراً، وسبيلا لوصوله إلى الكمال.

وإن كان موقف الإنسان منها موقف المعاند للحق، فسيكون البلاء له شراً، وسبيلا لإيصاله إلى النقصان.

مثال:

إنّ الفقر بصورة عامة شرّ، ولكنه إذا كان سبباً في تقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى فهو خير.

وإنّ الغنى بصورة عامة خير، ولكنه إذا كان سبباً في ابتعاد الإنسان عن اللّه تعالى فهو شر(٣) .

وقد قال تعالى:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا ( ٤ ) إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) [آل عمران: ١٧٨]

____________________

١- إنّ إرادة اللّه تعالى ليست عشوائية، وإنّ منشأها في هذا المقام عمل الإنسان نفسه.

٢- الكافي، الكليني: ج٢، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستدراج، ح١، ص٤٥٢.

٣- انظر: اُصول العقائد في الإسلام، مجتبى الموسوي اللاري: ج١، الأصل الثاني، بحث: تحليل حول الشرور في العالم، ص ١٨١ - ١٨٢.

٤- إنّ اللام في (لِيَزْدادُوا) ليست للغرض، لأ نّه تعالى عدل حكيم، ولا يكون الإثم غرضاً لفعله تعالى، بل اللام هي لام العاقبة والنتيجة، أي: إنّ الإنسان مختار في أفعاله، فإذا اختار الشر، فستكون نتيجته الوقوع في المزيد من الإثم.

١٢٠