العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)13%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192962 / تحميل: 8374
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

المبحث الأوّل

خصائص مسألة القضاء والقدر

١ - إنّ مسألة القضاء والقدر لا تختص بالدين الإسلامي دون بقية الأديان السماوية، بل هي مسألة لها جذور زمنية ممتدة وتوغّل عميق في الفكر الديني والإنساني.

٢ - إنّ مسألة القضاء والقدر كانت ولا تزال من أعقد المسائل الكلامية التي شاع النزاع حولها في الأوساط الإسلامية، وقد تشعّبت فيها الآراء واختلفت مناهج تناولها من قبل الباحثين.

٣ - لقد أخذت هذه المسألة حيّزاً هاماً في بحوث ودراسات مفكري الإسلام، وشغلت الكثير من رجال الدين نتيجة تأثيرها البالغ في أوساط الحياة الاجتماعية.

٤ - لا تزال مسألة القضاء والقدر - رغم البحوث المكثّفة والمعمّقة التي أُجريت حولها - مسألة تكتنف بنيانها النظري العديد من الملابسات والنقاط الغامضة.

٥ - إنّ الفهم الخاطئ لمعنى القضاء والقدر، وتصوّر البعض بأ نّها مرادفة للجبر، هو السبب الذي أدّى إلى تشويه هذين المفهومين.

٦ - إنّ الإشكالية الأساسية التي تكمن في مسألة القضاء والقدر، تعودإلى الالتباس الناشئ عن تصوّر التعارض بين الاختيار والإيمان بالقضاء والقدر.

٧ - إنّ مسألة القضاء والقدر ليست مجرّد فكرة نظرية فحسب، بل لها تأثير مباشر على الواقع الاجتماعي، ولهذا ينبغي تصحيح أفكار المجتمع إزاء هذه المسألة، لئلا يترك الفهم الخاطئ لها أثراً سلبياً في الصعيد الاجتماعي.

٨ - تعتبر مسألة القضاء والقدر - نتيجة خطأ البعض في فهم معناها الصحيح - من

١٤١

أهم العوامل الفكرية التي تُطرح على طاولة البحث عند دراسة أسباب التخلّف والركود والانحطاط الفردي والاجتماعي.

٩ - لقد وجّه أعداء الإسلام سهامهم وضرباتهم العنيفة نحو مسألة القضاء والقدر للإطاحة بالإسلام، وعلّلوا فشل المسلمين بها، وقالوا بأنّ هذه المسألة هي التي بسببها اتّجه المسلمون نحو الكسل انتظاراً لما يأتيهم من الغيب!

١٠ - إنّ مسألة القضاء والقدر لها صلة وثيقة بمسألة الجبر والاختيار، لأنّ هذه المسألة قائمة على نفس الأُسس التي تقوم عليها مسألة الجبر والاختيار.

١٤٢

المبحث الثاني

النهي عن الخوض في القضاء والقدر وأسباب ذلك

النهي عن الخوض في القضاء والقدر:

١ - قال الإمام علي(عليه السلام) لمن سأله عن القضاء والقدر: "... بحر عميق فلا تلجه.. طريق مظلم فلا تَسلُكه... سرُّ اللّه فلا تكلّفه..."(١) .

٢ - قال الإمام علي(عليه السلام) بعد أن قيل له: أنبئنا عن القدر: "سرّ اللّه فلا تفتّشوه"(٢) .

٣ - قال الإمام علي(عليه السلام) في القدر: "ألا إنّ القدر سرّ من أسرار اللّه، وحرز من حرز اللّه، مرفوع في حجاب اللّه، مطوي عن خلق اللّه، مختوم بخاتم اللّه، سابق في علم اللّه، وضع اللّه عن العباد علمه ورفعه فوق شهاداتهم..."(٣) .

٤ - قال الإمام علي(عليه السلام) لقوم رآهم يخوضون في أمر القدر وغيره في بعض المساجد وقد ارتفعت أصواتهم:

"يا معاشر المتكلّمين ألم تعلموا أنّ للّه عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم، وأ نّهم هم الفصحاء البلغاء الألباء..."(٤) .

أسباب النهي عن الخوض في القضاء والقدر:

الرأي الأوّل:

إنّ هذا النهي خاص بضعيفي العلم الذين يفسدهم الخوض في القضاء والقدر،

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦٠: باب القضاء والقدر و...، ح٣، ص٣٥٥.

٢- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٣: القضاء والقدر و...، ج٧٠، ص١٢٣.

٣- المصدر السابق: ح٢٣، ص٩٧.

٤- المصدر السابق: ج٣، كتاب التوحيد، باب٩، ح٣٠، ص٢٦٥.

١٤٣

وليس هذا النهي عاماً لكافة المكلّفين(١) .

سبب النهي:

إنّ الخوض في هذه المسألة يثير في نفوس ضعيفي العلم جملة من الشبهات التي تؤدّي بهم إلى التيه والانحراف والوقوع في أودية الضلال.

توضيح ذلك:

١ - تعتبر مسألة القضاء والقدر من المسائل الشائكة التي يحيطها الغموض النظري، ولها من الألغاز ما لا يمكن حلّها بسهولة، ولهذا ينبغي لذوي المستويات العلمية الضعيفة أن يحذروا من التعمّق فيها خشية الوقوع والتورّط في بعض المنزلقات الفكرية.

٢ - إنّ تحذير النصوص الروائية من الخوض في غمار مبحث القضاء والقدر يعود إلى العمق الذي ينطوي عليه هذا المبحث، وهو الأمر الذي يملي على الإنسان عدم الخوض في هذا المبحث إلاّ بعد التسلّح بأقصى حالة من الدقّة والحذر عند دراسة هذا البحث.

٣ - إنّ مسألة القضاء والقدر فيها الكثير من دقائق الأُمور، فمن استطاع فهمها بصورة لائقة فبها ونعمت، وإلاّ فيجب على الإنسان في هذه الحالة أن يترك التكلُّف في فهمها والتدقيق فيها ليصون نفسه من الوقوع في فساد العقيدة.

٤ - إنّ الذي يجد نفسه في مأمن من الوقوع في المحذور، فلا إشكال في عدم شمول النهي الوارد في الأخبار له، لأ نّه يستطيع الخوض في هذا المبحث ليتمكّن من الوصول إلى معرفة الحقّ، ومن ثمّ المبادرة إلى تعليم غيره والرد على من أراد الطعن بعقيدة الإسلام.

الرأي الثاني:

إنّ النهي عن الكلام في القضاء والقدر ناظر إلى "النهي عن الكلام فيما خلق اللّه

____________________

١- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: مبحث تفسير أخبار القضاء والقدر، ص٥٧.

١٤٤

تعالى، وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبّد، وعن القول في علل ذلك إذا كان طلب علل الخلق والأمر محظوراً، لأنّ اللّه تعالى سترها عن أكثر خلقه"(١) .

بعبارة أُخرى:

إنّ المقصود من النهي عن الخوض في القضاء والقدر هو النهي عن الخوض لمعرفة الأسرار والعلل الغيبية المرتبطة بالخلق والتشريع الإلهي.

سبب النهي:

إنّ العقول مهما بلغت في نضجها وإدراكها فهي عاجزة عن إدراك الأبعاد الغيبية المرتبطة بشؤون الخلق والتشريع، ولهذا يؤدّي تكلّفها في هذا المجال إلى ازدياد حيرتها بحيث يدفعها ذلك إلى التيه والانحراف.

النتيجة:

ينبغي للعباد أن يكتفوا بما جاء في الشريعة الإلهية حول علل الخلق وحكمة التشريع، وأن يقتصر تفكيرهم في هذا المجال على الحدود التي بيّنها اللّه تعالى لهم.

الرأي الثالث:

إنّ النهي والتحذير ناظر إلى التفتيش عن المقدّرات، واتّباع السبل غير المشروعة من قبيل "الكهانة" و"تحضير الأرواح" و"الاتّصال بالجن" من أجل اكتشاف ما ستره اللّه على عباده من قضائه وقدره(٢) .

بعبارة أُخرى:

إنّ المقصود من النهي عن الخوض في القضاء والقدر لا يعني النهي عن البحث حول حقيقة معناهما، بل يعني ذلك المبادرة العملية عن طريق السبل غير المشروعة إلى اكتشاف ما سيكون في المستقبل من أُمور تتحقق بقضاء اللّه تعالى وقدره.

____________________

١- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: مبحث تفسير اخبار القضاء والقدر ص٥٧.

٢- راجع: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٣، ح٢٣، ص٩٧.

١٤٥

سبب النهي:

أوّلا - تكلّف الاطلاع على ما ستره اللّه تعالى، يعني التجسّس في الحريم الإلهي، وهو أمر محرّم ولا ينبغي الخوض فيه.

ثانياً - إنّ هذا الطريق كما وصفه الإمام علي (عليه السلام)(١) :

١ - سرّ من أسرار اللّه.

٢ - ستر من ستر اللّه.

٣ - حرز من حرز اللّه.

٤ - مرفوع في حجاب اللّه.

٥ - مطوي عن خلق اللّه.

٦ - مختوم بخاتم اللّه.

٧ - سابق في علم اللّه.

٨ - وضع اللّه عن العباد علمه.

٩ - بحر زاخر موّاج خالص للّه تعالى.

١٠ - عمقه ما بين السماء والأرض.

١١ - عرضه ما بين المشرق والمغرب.

١٢ - أسود كالليل الدامس.

١٣ - كثير الحيّات والحيتان.

١٤ - يعلو مرّة ويسفل أُخرى.

١٥ - في قعره شمس تضيئ.

ثمّ قال (عليه السلام): "لا ينبغي أن يطّلع عليها إلاّ الواحد الفرد، فمن تطلّع عليها فقد ضادّ اللّه في حكمه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن سرّه وستره وباء بغضب من اللّه، ومأواه جهنم وبئس المصير"(٢) .

____________________

١- انظر: الاعتقادات، الشيخ الصدوق: ب٧، ص١٥ - ١٦.

٢- الاعتقادات، الشيخ الصدوق: ب٧، ص١٥ - ١٦.

١٤٦

١٤٧

المبحث الثالث

معنى القضاء والقدر (في اللغة)

معنى القضاء (في اللغة):

القضاء هو فصل الأمر(١) ، سواء كان هذا "الأمر" قولا أو فعلا، وكلّ واحد منهما على وجهين: إلهي وبشري، ومثال ذلك(٢) :

١ - القول الإلهي:( وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ) [الإسراء: ٢٣]

أي: أمر ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه.

٢ - الفعل الإلهي:( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماوات فِي يَوْمَيْنِ ) [فصّلت: ١٢]

أي: خلقهن اللّه تعالى وأوجدهن سبع سماوات في يومين.

٣ - القول البشري: من قبيل قضاء الحاكم، لأنّ حكمه يكون بالقول.

٤ - الفعل البشري:( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ ) [البقرة: ٢٠٠]

أي: فإذا أدّيتموا مناسككم، فاذكروا اللّه تعالى.

معنى القدر (في اللغة):

القدر هو كمية الشيء، وتقدير اللّه تعالى للأشياء عبارة عن جعلها على مقدار ووجه مخصوص حسب حكمته عزّ وجلّ(٣) .

أنواع التقديرات الإلهية:

١ - تقدير الخلق:

قال تعالى:( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) [الفرقان: ٢]

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (قضى).

٢- انظر: المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (قضي).

٣- انظر: المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (قدر).

١٤٨

أي: إنّ اللّه تعالى قدّر كلّ ما أراد خلقه.

٢ - تقدير الكم والكيف:

قال تعالى:( وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَر مَعْلُوم ) [الحجر: ٢١]

أي: إنّ اللّه تعالى لا ينزّل من خزائنه شيئاً على خلقه إلاّ بعد تحديد قدر ذلك الشيء كماً وكيفاً.

وقال تعالى:( وَكُلُّ شَيْء عِنْدَهُ بِمِقْدار ) [الرعد: ٨]

أي: لا يكون شيء عند اللّه تعالى إلاّ محدّداً بمقدار معيّن من ناحية الكمية والكيفية.

٣ - تقدير الماهية والخاصية:

قال تعالى:( وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) [فصّلت: ١٢]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل السماء الدنيا على مقدار ووجه مخصوص من التزيّن بالمصابيح و...

وقال تعالى:( إِنّا كُلَّ شَيْء خَلَقْناهُ بِقَدَر ) [القمر: ٤٩]

أي: إنّ اللّه تعالى خلق كلّ شيء وفق قدر معيّن وعلى وجه مخصوص.

٤ - تقدير الزمان والأجل:

قال تعالى:( وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) [الأعراف: ٣٤]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل لكلّ أُمّة غايةً معيّنة فى الزمان بحيث إذا جاء أجلهم فإنّهم لا يسعهم أن يؤخّروا الأجل.

وقال تعالى:( أَ لَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِنْ ماء مَهِين * فَجَعَلْناهُ فِي قَرار مَكِين * إلى قَدَر مَعْلُوم ) [المرسلات: ٢٠ - ٢٢]

أي: إلى زمان محدّد ومعلوم.

وقال تعالى:( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ

١٤٩

الْعَلِيمِ) [يس: ٣٨]

أي: إنّ الشمس تجري وفق قدر زماني معيّن حدّده اللّه تعالى لها.

١٥٠

المبحث الرابع

معنى القضاء والقدر (في الاصطلاح العقائدي)

الرأي الأوّل:

القضاء والقدر عبارة عن كتابة اللّه تعالى كلّ ما سيجري في الكون بتمام خصوصياته وقدره في اللوح المحفوظ، والتي منها كتابته عزّ وجلّ ما سيجري على العباد وإخبار الملائكة بذلك.

أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي:

١ - الشيخ الصدوق: "يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى أنّ اللّه عزّ وجلّ قد علمها وعلم مقاديرها"(١) .

٢ - المحقّق الطوسي: "والقضاء والقدر إن أُريد بهما خلق الفعل لزم المحال.. والإعلام [أي: وإن اُريد بهما الإعلام والإخبار] صحّ مطلقاً"(٢) .

٣ - العلاّمة الحلّي: "أ نّه تعالى قضى أعمال العباد وقدّرها [فإذا قلنا] أ نّه تعالى بيّنها وكتبها وأعلم أنّهم سيفعلونها فهو صحيح، لأ نّه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبيّنه لملائكته.."(٣) .

خلاصة هذا الرأي:

القضاء والقدر ينقسم إلى قسمين:

١ - القضاء والقدر العلمي: وهو علم اللّه الذاتي بما سيجري من أُمور في الخلق مع علمه تعالى بالحدود والمقادير المحيطة بها، والعلم بعلّتها التامة الموجبة لها.

٢ - القضاء والقدر الفعلي (العيني): وهو تسجيل اللّه لهذا العلم في لوح المحو

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦، باب القضاء والقدر و...، ذيل ح٣٢، ص٣٧٥.

٢- كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الثامنة، ص٤٣٢ - ٤٣٣.

٣- المصدر السابق: ص٤٣٣.

١٥١

والإثبات، وتدوين كلّ فعل مقدّر بالمقادير ومستند إلى علّته التامة الموجبه له.

الحكمة من كتابة المقادير وتدوينها:

إنّ اللّه تعالى لا يحتاج إلى كتابة المقادير، وهو منزّه عن السهو والنسيان، وإنّما المقادير تدوّن لكي تتلقاها الملائكة كأوامر، فتقوم بإنجاز الأعمال الموكّلة بها وتنفيذها بإذن اللّه، ومنه قوله تعالى:( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ) [النازعات: ٥]، والمقصود من المدبرات كما ورد في التفاسير هي الملائكة التي تدبّر شؤون الخلق.

عمل الملائكة:

إنّ لكلّ حدث في هذا العالم - إضافة إلى العلل والأسباب المادية - علل وأسباب غيبية خافية علينا، بحيث لا يمكننا معرفتها بالحس ورصدها بالتجربة، وتعتبر الملائكة من هذه الأسباب الغيبية حيث إنّها تقوم بمهمات خاصة في هذا العالم.

الرأي الثاني حول معنى القضاء القدر اصطلاحاً:

القضاء: إنّ القضاء الإلهي في أفعال العباد يعني أ نّه تعالى:

قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها.

وقضى في أفعالهم السيئة بالنهي عنها.

القدر: إنّ القدر الإلهي في أفعال العباد يعني أ نّه تعالى بيّن مقادير أوامره ونواهيه للعباد، ووضّح لهم تفاصيل هذه التكاليف(١) .

أدلة هذا الرأي:

١ - قال علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "... ما من فعل يفعله العباد من خير وشرّ إلاّ وللّه فيه قضاء".

فسأله الراوي: فما معنى هذا القضاء؟

قال(عليه السلام): "الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا

____________________

١- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: تفسير آيات القضاء والقدر، ص٥٦.

١٥٢

والآخرة"(١) .

٢ - فسّر الإمام علي(عليه السلام) القضاء والقدر لمن سأله عنهما بأ نّهما الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية.

فلما سُئل (عليه السلام): فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟

قال(عليه السلام): "الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد والترهيب. كلّ ذلك قضاء اللّه في أفعالنا وقدره لأعمالنا..."(٢) .

٣ - قال الإمام علي(عليه السلام) للشخص الذي فهم معنى الجبر من القضاء والقدر:

"... لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حاتماً! ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً ولم يكلّف عسيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يطع مُكرِهاً، ولم يرسل الأنبياء لعِباً، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا:( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ ) [ص: ٢٧] "(٣) .

أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي:

١ - قال الشيخ الصدوق حول القضاء والقدر: "اعتقادنا في ذلك قول الصادق(عليه السلام)لزرارة حين سأله حول ما تقول ياسيدي في القضاء والقدر؟ قال(عليه السلام): "أقول: إنّ اللّه تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم(٤) ولم يسألهم عما قضى عليهم"(٥) .

توضيح ذلك:

إذا جمع اللّه تعالى العباد يوم القيامة، فإنّه لا يسألهم إلاّ عن أعمالهم التي عهد

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح١٨، ص١٢.

٢- المصدر السابق: باب ٣: القضاء والقدر...، ح٢٠، ص٩٦.

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضي، باب المختار من حكم أمير المؤمنين، حكمة ٧٨، ص٦٦٦.

٤- أي: عمّا كلّفهم به.

انظر: نور البراهين، نعمة اللّه الجزائري: ج٢، باب ٦٠: باب القضاء، ص٣١٢ هامش حديث ٢.

٥- الاعتقادات، الشيخ الصدوق، باب٦: الاعتقاد في الارادة والمشيئة، ص١٠.

١٥٣

إليهم، فأمرهم بالحسن منها، ونهاهم عن القبيح منها(١) .

٢ - قال الشيخ الصدوق: "يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى...:

له عزّ وجلّ في جميعها حكم من خير أو شر. فما كان من خير، فقد قضاه بمعنى أ نّه أمر به وحتمه وجعله حقاً، وعلم مبلغه ومقداره.

وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه، ولكنه عزّ وجلّ قد قضاه وقدّره بمعنى أ نّه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه"(٢) .

الرأي الثالث حول معنى القضاء والقدر اصطلاحاً:

تفسير القضاء والقدر وفق نظام الأسباب، وسنبيّن هذا التفسير بصورة مفصّلة في المبحث القادم.

____________________

١- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: تفسير أخبار القضاء والقدر ص٥٩.

٢- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب٦٠: باب القضاء والقدر و...، ذيل ح٣٢، ص٣٧٥.

١٥٤

المبحث الخامس

تفسير القضاء والقدر وفق نظام الأسباب

إنّ تحقّق كلّ شيء في هذا العالم بحاجة إلى وجود مجموعة أسباب وعلل تسبقه، ومن مجموع هذه "العلل الناقصة" تتكوّن "العلة التامة" التي تؤدّي إلى تحقّق ذلك الشيء(١) .

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

"أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بأسبابها، فجعل لكلّ شيء سبباً..."(٢) .

معنى القضاء:

"القضاء" عبارة عن حتمية وقوع الشيء ووصوله إلى مرتبة ضرورة التحقّق عند اجتماع علله الناقصة وتكوين علّته التامة التي تؤدّي إلى تحقّقه.

مثال:

إنّ عملية احتراق الخشب بالنار لا تتحقّق إلاّ بعد:

١ - توفّر الشروط المطلوبة، من قبيل: تماس النار بالخشب ووجود الأوكسجين و..

٢ - ارتفاع الموانع من قبيل: وجود بلل أو رطوبة في الخشب و...

فإذا وجدت النار، وتوفّرت الشروط المطلوبة، وارتفعت الموانع، فحينئذ تتكوّن "العلّة التامة"، فيصل الأمر إلى مرتبة "القضاء"، فيتحقّق الاحراق.

____________________

١- انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١٢، تفسير سورة الحجر، آية ١٦ - ٢٥، ص١٤٠، وج١٣، تفسير سورة الإسراء، آية ٩ - ٢٢، ص٧٢ - ٧٣.

٢- الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب الحجّة، باب معرفة الإمام والردّ عليه، ح٧، ص١٨٣.

١٥٥

وأمّا إذا انتفى جزء من هذه الأجزاء المكوّنة للعلّة التامة، فإنّ المعلول ينتفي في الخارج، فلا يصل الأمر إلى مرتبة "القضاء"، ولا يتحقّق الاحراق.

معنى القدر:

"القدر" عبارة عن الحدود والخصائص التي يتّصف بها الشيء حين تحقّقه من جهة الزمان والمكان والكمية والكيفية والأُمور الأخرى التي بها يتعيّن الشيء ويتميّز عن غيره.

بعبارة أُخرى:

"القضاء" يعني بلوغ أسباب وقوع كلّ فعل إلى حدّ "العلّة التامة" المؤدّية إلى تحقّق الفعل. أي: وصول الفعل بعد اجتماع جميع "علله الناقصة" وتكوين "علّته التامة" إلى مرتبة "التحقّق".

و"القدر" يعني: أنّ الأسباب المكوّنة للعلّة التامة لا تعمل إلاّ في إطار المقادير التي حدّدها اللّه تعالى لها.

معنى القضاء والقدر الإلهي في أفعال العباد:

إنّ كلّ شيء في هذا العالم ومنها أفعال العباد لا تتحقّق إلاّ في إطار الأسباب التي جعلها اللّه تعالى في هذا العالم.

معنى القضاء الإلهي في أفعال العباد:

إنّ معنى قولنا: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ بقضاء اللّه تعالى، أي: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ من خلال العلل والأسباب.

وكلّ فعل من أفعالنا إذا اجتمعت "العلل الناقصة" لتحققه، وبلغت مرحلة "العلّة التامة"، فإنّ تحقّق هذا الفعل يصل إلى مرحلة "القضاء".

فيقال: تحقّق هذا الفعل بقضاء اللّه.

أي: تحقّق هذا الفعل نتيجة النظام السببي الذي جعله اللّه تعالى وسيلة لتحقّق هذا الفعل.

١٥٦

تنبيه:

لا يصل فعل الإنسان إلى مرحلة التحقّق (أي: مرحلة القضاء) إلاّ بعد اجتماع جميع العلل الناقصة المؤدّية إلى تكوين العلّة التامة التي تكون السبب الأساسي لتحقّق الفعل.

ولا يخفى بأنّ إحدى العلل المؤثّرة في تحقّق كلّ فعل من أفعال الإنسان الاختيارية هي اختياره لذلك الفعل. وهذا "الاختيار" يشكّل إحدى العلل والأسباب المؤدّية إلى تشكيل العلّة التامة للفعل الذي سيصدر منه.

إذن:

إنّ "اختيار الإنسان" سبب كباقي الأسباب، وجزء من العلل المؤثّرة في تحقّق أفعاله.

معنى القدر الإلهي في أفعال العباد:

إنّ معنى قولنا: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ بقدر اللّه، أي: لا تتحقّق أفعالنا إلاّ في دائرة الحدود التي منحها اللّه للأسباب.

فمن تمسّك بسبب، فإنّ هذا السبب لا يترك أثره إلاّ بمقدار ما جعل اللّه فيه من قوّة وقدرة وغيرها من الخصوصيات.

الأدلة الروائية المؤيّدة لهذا الرأي:

١ - ورد أنّ الإمام علي(عليه السلام) عدل من عند حائط مائل ومشرف على السقوط إلى مكان آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء اللّه؟!

فقال(عليه السلام): "أفرّ من قضاء اللّه إلى قدر اللّه"(١) .

معنى الحديث:

إنّ الحائط يسقط عند توفّر علّته التامة، فإذا سقط فإنّه يسقط "بقضاء اللّه تعالى"

____________________

١- الاعتقادات، الشيخ الصدوق: باب ٧: باب الاعتقاد في القضاء والقدر، ص١٦.

١٥٧

أي: وفق نظام الأسباب الذي جعله اللّه تعالى في هذا العالم.

وبما أنّ اللّه تعالى جعل "اختيار الإنسان" من جملة الأسباب، و"قدّر" أن يكون الإنسان مختاراً ومحدداً لمصيره، فإنّ العدول عن الحائط المشرف على السقوط إلى مكان آخر أيضاً يكون من "قدر اللّه تعالى"، لأ نّه يتم عن طرق التمسّك بالأسباب التي خلقها اللّه تعالى، ومن هذه الأسباب هي كون الإنسان مختاراً.

ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام): "أفرّ من قضاء اللّه إلى قدر اللّه".

٢ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) عن الرقي(١) هل تدفع من القدر شيئاً؟ فقال (عليه السلام): "هي من القدر"(٢) .

معنى الحديث:

إنّ الأذى الذي يصيب الإنسان إنّما يصيبه عن طريق الأسباب، ولهذا يكون هذا الأذى من القدر، أي: من الأُمور التي تصيب الإنسان في إطار النظام السببي.

وبما أنّ الأسباب يسلب بعضها أثر الآخر، من قبيل: إزالة النار عن طريق صبّ الماء عليها، فإنّ الإمام(عليه السلام) يعتبر الرقية (التي يتعوّذ بها الإنسان من الآفات) سبباً من الأسباب التي تردع الآفات وتصون الإنسان من أذاها.

ولهذا اعتبر الإمام(عليه السلام) الرقية من القدر، أي: من الأسباب التي يدفع الإنسان بها أثر الأسباب الأخرى من قبيل الآفات.

بعض السنن الإلهية المذكورة في القرآن الكريم:

١ -( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأعراف: ٩٦]

٢ -( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ

____________________

١- الرقي جمع رقية، وهي ما يتعوّذ بها الإنسان من الآفات.

٢- الاعتقادات، الشيخ الصدوق، باب٧: باب الاعتقاد في القضاء والقدر، ص١٦.

١٥٨

وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) [الأنفال: ٢٩]

٣ -( وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) [الطلاق: ٢ - ٣]

٤ -( ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [ ) الأنفال: ٥٣]

٥ -( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) [الرعد: ١١]

٦ -( وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) [البقرة: ٢٢]

٧ -( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) [إبراهيم: ٧]

٨ -( وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ ) [القصص: ٥٩]

٩ -( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِيلاً ) [فاطر: ٤٣]

أي: من سنن اللّه تعالى ثبات سننه وعدم تبدّلها وعدم تحوّلها.

١٠ -( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ) [التوبة: ١٤]

أي: إنّ اللّه تعالى جعل أيدي المؤمنين سبباً لتعذيب الكفار.

ضرورة التمسّك بنظام الأسباب:

١ - إنّ أسباب التقدّم والعمران والتطوّر مبذولة للجميع، ومن يتمسّك بها يصل إليها - بإذن اللّه تعالى - سواء كان برّاً أو فاجراً، مؤمناً أو كافراً.

٢ - إنّ الذي يكتشف السنن الكونية، ويتعرّف عليها بدقّة يكون قادراً على تسييرها والتحكّم بها، ولكن الغافل عنها يكون أسيراً بيدها تتحكّم به كيفما تشاء وهو مغمض العينين!

٣ - ينبغي للإنسان الأخذ بكافة الأسباب التي أوجدها اللّه تعالى، والتعامل معها في صعيد الحياة وتطويرها والسعي للاستفادة منها بأقصى حدّ ممكن من أجل الوصول إلى النتائج المطلوبة.

٤ - يكون الإنسان بمقدار إلمامه بالسنن الكونية قادراً على تفجير طاقاته

١٥٩

الكامنة وتنمية مواهبه واستعداداته واقتحام الموانع التي تمنعه من بلوغ أهدافه السامية.

٥ - إنّ من الأُمور التي ينبغي الالتفات إليها هي أنّ كلّ سبب له من التأثير ما يختلف عن السبب الآخر، وبما أنّ الأشياء تتعرّض في كلّ آن لأسباب مختلفة، فلهذا يكون لكلّ منها اتّجاهٌ خاصٌّ يختلف عن غيرها.

٦ - إنّ سعي الإنسان لاكتشاف السنن عمل عبادي، لأنّ به يوفّر الإنسان لنفسه ولغيره الأرضية المناسبة لنيل الأهداف العبادية، من قبيل استخدام التقنية لتسهيل أعمال الخير وأدائها في نطاق واسع.

٧ - إنّ الأسباب المؤثّرة في هذا العالم لا تقتصر على "الأسباب المادية" فحسب، لأنّ العالم لا يقتصر على البُعد الحسي والمادي فقط، بل فيه بُعد غيبي ومعنوي، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يغفل عن "الأسباب الغيبية والمعنوية" الموجودة في الكون، من قبيل "الدعاء" كسبب إيجابي و"الحسد" كسبب سلبي.

٨ - إنّ الواقع الفردي أو الاجتماعي لا يتغيّر بصورة عفوية، وإنّما يتوقّف ذلك على شروط، وتعتبر إرادة الإنسان الناتجة من اختياره هي الشرط الأساس لحدوث هذا التغيير.

٩ - كلّ شيء في هذا العالم يخضع لأسبابه الواقعية ويجري ضمن قانون محكم ومخطّط دقيق، و"الصدفة" إنّما هي حدث خفيت علينا أسبابه.

١٠ - إنّ فشل الإنسان وعدم تمكّنه من الوصول إلى أهدافه في دائرة الأسباب لا يدل على أنّ اللّه تعالى لا يريد حتماً تحقّق هذه الأهداف، بل قد يكون ذلك نتيجة وجود عوامل مجهولة تقف دون وصول الإنسان إلى ما يريد، وعلى الإنسان أن يسعى لاكتشاف هذه الأسباب المجهولة.

١١ - إنّ ترك الأسباب وعدم مجاراة السنن الكونية بذريعة الاتّكال على اللّه تعالى ينشأ من قلّة العلم بالنظام الإلهي في هذا العالم، وتكون نتيجته المعيشة في دائرة الفقر والحرمان نتيجة مخالفة سنن اللّه تعالى.

١٢ - ينبغي للإنسان أن يتجنّب في مسيرة حياته من الإفراط والتفريط المتمثّل

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢

السلطة التنفيذيّة

المراد بالسلطة التنفيذيّة في مصطلح اليوم هو هيئة الوزراء، وما يتبعها من دوائر ومديريّات منتشرة في أنحاء البلاد، ويكون مهمّتها تنفيذ ما يقرّره مجلس الشورى من تصميمات، وقرارات، ومخطّطات في شتّى حقول الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وبالتالي يقع على عاتقها مهمّة إدارة البلاد بصورة مباشرة، وهذه السطة لا تتحدّد ـ في عصرنا ـ بتشكيلات محدّدة كمّاً أو كيفاً بحيث لا تتعدّاها بل تختلف من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى زمن فهي تزيد أو تنقص، وتضاف مديريّة أو تحذف، أو يدمج بعض في بعض تبعاً للحاجة.

وهيئة الوزراء التي تتصدّر هذه السلطة إمّا أن :

أ ـ ينتخبها الحاكم الأعلى المنتخب للبلاد رأساً.

ب ـ أو ينتخبها مجلس الشورى.

ج ـ أو تنتخبها الاُمّة مباشرةً، وإن كان هذا نادراً.

وعلى أي تقدير فإنّ الذي لا بدّ منه هو أن تكون السلطة التنفيذيّة ـ وفي مقدمتها الوزراء موضع رضا الاُمّة، وذلك يحصل بإحدى الطرق المذكورة، وإن كان الدارج الآن

٢٨١

هو انتخابها عن طريق الحاكم الأعلى، مع موافقة مجلس الشورى.

وإنّما يجب أن تكون هذه السلطة موضع رضا الاُمّة لأنّها تتسلّم زمام السلطة المباشرة على نفوس الناس وأموالهم وأرواحهم، وهذا التسلّط والتصرّف يؤول إلى الاستبداد إذا لم يكن منوطاً برضا الناس، وموافقتهم وإرادتهم.

وهذا هو ما أكّد عليه الدين الإسلاميّ في نظامه السياسيّ، فقد أشار الإمام عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام إلى ذلك ـ في عهده المعروف للأشتر النخعيّ لـمّا ولاّه على مصر حيث وصّاه بأن يتحرّى رضا الرعيّة إذ قال: « وليكن أحبّ الاُمور أليك أوسطها في الحقِّ، وأعمَّها في العدل، وأجمعها لرضا الرَّعيَّة، فإنَّ سخط الخاصَّة ـ يُجحفُ برضا العامّة، وإنَّ سخط الخاصَّة يُغتفرُ مع رضا العامّة »(١) .

هذا والحديث عن السلطة التنفيذيّة يستدعي البحث في ثلاثة اُمور :

أوّلاً: إثبات ضرورة وجود هذه السلطة في الحياة الاجتماعيّة جنباً إلى جنب مع السلطة التشريعيّة، والحاكم الأعلى للبلاد.

ثانياً: استعراض ما كانت عليه هذه السلطة في ( العهد النبوي ) خاصّةً وما آلت إليه فيما بعد.

ثالثاً: بيان الكيفيّة التي يجب أن تكون عليه الآن.

وإليك بيان هذه الاُمور تدريجياً.

ضرورة السلطة التنفيذيّة :

لا ريب أنّ القوانين الإسلاميّة التي شرّعها الله سبحانه للبشريّة وأنزلها عليهم، وكذا ما يستنبطه الفقهاء والمجتهدون أو تقرّره السلطة التشريعيّة من برامج على ضوء التعاليم الإسلاميّة لم تكن إلّا لإدارة المجتمع. فلم يكن تشريع كلّ تلك الشرائع، ولا

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة (٥٣).

٢٨٢

وضع جميع تلك البرامج عملاً اعتباطيّاً، بل كانت لأجل التنفيذ والتطبيق، وتنظيم الحياة الاجتماعيّة وفقها، فالقانون مهما كان راقياً وصالحاً ليس بكاف وحده في إصلاح المجتمع وإصلاح شؤونه، بل لا بدّ من إجرائه، وتنفيذه في الصعيد العمليّ.

إنّ الكتاب والسنّة زاخران بأحكام حقوقيّة ومدنيّة وجزائيّة وسياسيّة كثيرة وواسعة الأطراف والأبعاد وهي غير خافية على كلّ من له أدنى إلمام بهذين المصدرين الإسلاميّين العظيمين.

ففيهما الأمر الصريح والأكيد بقطع يد السارق:( فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) ( المائدة: ٣٨ ) وجلد الزاني والزانية:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) ( النور: ٢ ).

إلى غير ذلك من القوانين والحدود. ولقد حثّ الشارع الكريم على إجراء هذه الحدود وتنفيذ هذه القوانين، والتعاليم حثّاً أكيداً لا يترك لمتعلّل عذراً فقد ورد عن الإمام عليّعليه‌السلام أنّه قال: « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لن تقدس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقَّه من القوي غير متعتع »(١) .

وروى ابن أبي الحديد المعتزليّ أنَّه خرج رجل من أهل الشام في وقعة صفين فنادى بين الصفّين: يا عليّ ابرز أليّ، فخرج إليه عليّعليه‌السلام فقال: إنّ لك يا عليّ لقدماً في الإسلام والهجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن دماء المسلمين وتأخّر هذه الحروب حتّى ترى رأيك ؟ فقالعليه‌السلام : « وما هو ؟ » قال: ترجع إلى عراقك فنخلّي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلّي بيننا وبين الشام ؟ فقال عليّعليه‌السلام : « قد عرفت ما عرضت إنّ هذه لنصيحة وشفقة، ولقد أهمَّني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينه، فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إنّ الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون عليَّ من معالجة في الأغلال في جهنَّم »(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة (٥٣).

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢٨٣

ولـمـّا سرقت المرأة المخزوميّة ما سرقت ـ في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأراد اُسامة بن زيد الشفاعة في حقّها، فكلّم النبيّ في أمرها، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتشفع في حدّ من حدود الله » ؟!

ثمّ قام فخطب وقال: « أيّها الناسُ إنَّما هلك الَّذين من قبلكُم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضَّعيف أقاموا عليه الحدَّ »(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة وحدّ يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحاً »(٢) .

وفي حديث مفصّل وقضية مطوّلة قال الإمام عليّعليه‌السلام : « أللّهم إنّك قلت لنبيّك فيما أخبرته من دينك: يا محمّد من عطَّل حدَّاً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادَّتي »(٣) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً: « لابدَّ للنَّاس من إمام يقوم بأمرهم وينهاهم ويقيم فيهم الحدود ويجاهد فيهم العدوَّ، ويقسّم الغنائم ويفرض الفرائض أبواب ما فيه صلاحهم ويحذّرهم ما فيه مضارّهم، إذا كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع ويفسد التدبير وكان ذلك سبباً لهلاك العباد فتمام أمر البقاء والحياة في الطَّعام والشَّراب والمساكن والنكاح من النّساء والحلال الأمر والنَّهي »(٤) .

وعن الإمام الباقر محمد بن عليّعليه‌السلام : « إنّ الله تعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الاُمّةُ ـ إلى يوم القيامة ـ إلّا أنزله في كتابه، وبيَّنه لرسوله. وجعل لمن تعدَّى الحدَّ حدَّاً »(٥) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنّه قال: « حدّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين

__________________

(١) صحيح مسلم ٥: ١١٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨، والخراج: ١٦٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨.

(٤) رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى نقلاً عن تفسير النعمانيّ: ٥٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٨: ٣١١.

٢٨٤

ليلة وأيّامها »(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنه قال: « لا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم »(٢) .

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إقامة حدّ خير من مطر أربعين صباحاً »(٣) .

وقال الإمام الكاظم موسى بن جعفرعليه‌السلام في تفسير قول الله عز وجل:( يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) ( الروم: ١٩ ): « ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل فتحيا الأرض لأحياء العدل، لإقامة الحدّ فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً »(٤) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الصريحة التي تحث على إجراء الحدود، مضافاً إلى الآيات القرآنيّة الكريمة التي تحثّ بدورها على العمل بأحكام الله سبحانه، دون فرق بين ما تعلّق منها بالفرد أو المجتمع وتندّد بالذين يعلمون الكتاب، ويعرفون ما فيه من التعاليم والأحكام ولا يعملون بها.

بيد أنّ تنفيذ الأحكام والقوانين المتعلّقة بالمجتمع، وإجراء الحدود لا يمكن أن يفوّض إلى عامّة الناس وسوادهم فلا يعني ذلك إلّا شيوع الفوضى، وضياع الحقوق، واضطراب الحدود بين الافراط والتفريط، ولهذا لابدّ من جهاز تنفيذيّ خاصّ يتولّى هذه المهمّة الاجتماعيّة الحساسّة ويقوم بهذا الدور الخطير.

ومن العجيب أنّ موضوع الهيئة التنفيذيّة رغم كونه من أبرز ما أشار إليه الإسلام بل وصرّح به في نظام الحكومة الإسلاميّة ؛ قد تعرّض لتجاهل بعض الباحثين حول الإسلام بل وإنكارهم ؛ فقد أخذ بعض المستشرقين ـ فيما أخذ ـ على الإسلام فقدانه لجهاز تنفيذيّ ونظام حكوميّ يضمن تنفيذ القوانين، ويضفي على الإسلام طابع المنهج

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨، ٣١٥.

(٣ و ٤) نفس المصدر: ٣٠٨.

٢٨٥

الصالح لقيادة البشريّة حتّى في الصعيد السياسيّ فقال ما ملخّصه: « إنّ الإسلام مشتمل على قوانين وسنن رفيعة تتكفّل سعادة المجتمع فرديّاً واجتماعيّاً بيد أنّ ما جاء به الإسلام لا يتجاوز حدود التوصية الاخلاقيّة والإرشاد المعنويّ دون أن يكون لديه ما يضمن تنفيذها من سلطات وأجهزة، فإنّنا لم نلمس في التعاليم الإسلاميّة الموجودة أي إشارة إلى هيئة تنفيذيّة تقوم بإجراء الأحكام، وتنفيذ القوانيين ولذلك تعتبر الشريعة الإسلاميّة غير كافية من هذه الناحية، وعاجزةً عن التطبيق ».

هذا هو خلاصة ماقاله بعض المستشرقين، ولكن لو رجع صاحب هذه المقالة إلى الكتاب والسنّة، ولاحظ ما طفحت به الكتب الفقهيّة الإسلاميّة من سياسات اجتماعيّة، وحقوق مدنيّة، وتدابير جزائيّة عهد إجراؤها إلى الحاكم الإسلامي ؛ للمس وجود الهيئة التنفيذيّة في النظام الإسلاميّ بجوهره وحقيقته وإن لم يكن بتفصيله المتعارف الآن.

فأيّ تصريح بوجود الجهاز التنفيذيّ أكثر صراحةً من إيكال قسم كبير من القضايا الاجتماعيّة، والاُمور الجزائيّة إلى ( الحاكم الشرعي ) حيث نجد الكتب الفقهيّة زاخرةً بعبارات: عزّره الحاكم، أدّبه الحاكم، نفاه الحاكم، طلّق عنه الحاكم، حبسه الحاكم، خيّره الحاكم(١) . وما شابه من الاُمور المخوّلة إلى الحاكم الإسلاميّ، وهو يوحي بوجود جهاز تنفيذيّ في النظام الإسلاميّ، لأنّ أكثر تلك المهام هي من صلاحيات السلطة التنفيذيّة المتعارفة الآن.

هذا مضافاً إلى أنّ موضوع ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) الذي يؤكّد عليهما الدين الإسلاميّ أشدّ تأكيد يعتبر من أوضح الأدلّة على لزوم مثل هذا الجهاز التنفيذيّ حتّى يمكن القول ـ بدون مبالغة ـ أنّ المقصود بالقائمين بهذه الفريضة الكبرى، والوظيفة العظمى هو ( الهيئة التنفيذيّة ).

__________________

(١) راجع هذا الجزء: ٢٣ ـ ٣٠.

٢٨٦

الآمرون بالمعروف هم السلطة التنفيذيّة :

إنّ النظر العميق في فريضة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وأحكامهما ومسائلهما، وشروطهما يقضي بأنّ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم ( السلطة التنفيذيّة ) التي تقع على عاتقها مهمّة إجراء الأحكام، وتنفيذها وصيانتها في المجتمع الإسلاميّ. ولابدّ ـ قبل إثبات هذا الأمر ـ من تقديم مقدّمة حول هذه الفريضة الإسلاميّة العظمى فنقول: تعتبر وظيفة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) أصلاً مبتكراً، وفريضةً بديعةً جاء بها الإسلام وهي ممّا لم يعهد لها نظير في الأنظمة الوضعيّة البشريّة فقد فرض الدين الإسلاميّ ـ بموجب هذه الفريضة ـ على أتباعه أن ينشروا الخير والمعروف بين الناس، ويزجروا عن الشرّ والمنكر، ولا يكونوا متفرّجين أو ساكتين اتّجاه ما يجري في المجتمع ويقع من إظهار المنكر أو تضييع للمعروف.

ولقد انطلق الإسلام ـ في إيجابه لهذه الفريضة العظيمة ـ من حقيقة اجتماعيّة مسلّمة وهي: أنّ أعضاء المجتمع الواحد الذين يعيشون في بيئة واحدة، مشتركون في المصير فلو كان هناك خير لعمّ الجميع ولم يقتصر على فاعله، ولو كان هناك شرّ لشمل الجميع أيضاً ولم يختصّ بمرتكبه. ومن هناك يجب أن تتحدّد تصرّفات الأفراد في هذا المجتمع، وتتحدّد حريّاتهم بمصالح الاُمّة، ولا تتخطّاها.

ولقد شبّه الرسول الأكرم وحدة المصير للمجتمع الواحد بأحسن تشبيه حيث مثّل أفراد المجتمع بركاب سفينة في عرض البحر، إذا تهددها خطر تهدّد الجميع ولم يختصّ بأحد دون أحد ولذلك لا يجوز لأحد ركّابها أن يثقب موضع قدمه بحجّة أنّه مكان يختصّ به. ولا يرتبط بالآخرين، لأنّ ضرر هذا العمل يعود إلى الجميع ولا يعود إليه خاصّةً. وهذا هو أفضل تشبيه لاشتراك المجتمع الواحد في المصير، والمسير(١) .

كما أنّه لو أصيب أحد أفراد المجتمع بالوباء لم يجز له أن يتجوّل في البلاد بحجّة

__________________

(١) راجع روض الجنان للشيخ أبي الفتوح الرازيّ.

٢٨٧

أنّه حرّ ؛ لأنّ ذلك يعرّض سلامة الآخرين للخطر، فلا بدّ أن يتحدّد تجوّله، تجنيباً للمجتمع من كوارث ذلك المرض.

إنّ هذه الأمثلة وأشباهها توضّح أهميّة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ومكانتهما ومدى أثرهما في سلامة المجتمع واستقامته وصلاحه، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظارة عموميّة، ورقابة صارمة تمنع من تفشّي المنكر وتساعد على نمو الخير، وازدهاره. وهما إلى جانب ذلك سبب قويّ في بقاء الدين، واستمرار الرسالة الإلهيّة.

ولقد وردت في التأكيد على هذه المهمّة الخطيرة آيات قرآنيّة كثيرة، وأحاديث، تأمر الجميع بالقيام بالدعوة إلى الخير، وإنكار المنكر، وهي معلومة وواضحة لكلّ من له أدنى إلمام بالشريعة الإسلاميّة.

نعم، ربّما يُتوهّم من بعض الآيات خلاف ذلك، وهي تلك الآيات التي يتمسّك بها بعض طلاب الراحة والعافية واتّباع الهوس لسدّ باب التبليغ والدعوة، أو للتخلّص من تحمّل مشكلاتها، وصعوبتها، ومن تلك الآيات قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( المائدة: ١٠٥ ).

وقد رفع المفسّرون النقاب عن وجه هذه الآية وفسّرها الأمين الطبرسيّ في تفسيره مجمع البيان بقوله: « إنّ الآية لا تدل على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل توجب أنّ المطيع لربّه لا يؤخذ بذنوب العاصي »(١) .

بيد أنّ لنا توضيحاً آخر لمفاد هذه الآية وهو: أنّ الآية تشير إلى سيرة عقلائيّة وقضيّة عقليّة وهي أنّ على من يريد إصلاح المجتمع أن يبدأ بنفسه ثمّ يتعرّض لإصلاح الآخرين فما لم يصلح المرء نفسه ليس له أن يؤدّب غيره، وإلى ذلك يشير الإمام عليّعليه‌السلام قائلاً: « من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبهُ بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلمُ نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣: ٢٥٤.

٢٨٨

ومؤدّبهم »(١) .

وبالجملة أنّ الآية ناظرة إلى الاجتماعات الفاسدة الغارقة في الفساد والانحراف فإنّ الطريق الوحيد لإصلاحها هو الابتداء بإصلاح الذات وعدم توقّع أي إصلاح للغير قبل ذلك ؛ وأن لا يترك إصلاح نفسه بحجّة أنّ المجتمع فاسد وإليه يشير قوله سبحانه:( لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ويؤيد ذلك قول النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ».

فقيل: يا رسول، من الغرباء ؟ فقال: « الَّذين يصلحون إذا أفسد الناس من سنَّتي »(٢) .

وهذا الحديث يرفع التوهّم حول الآية خصوصاً إذا قرئ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يصلحون » بصيغة اللازم، فإلى هذا المعنى تشير الآية المذكورة. وعلى أي تقدير فالآية لا ترتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تمتّ بهما بصلة.

ولقد كفى في أهميّة هذه الوظيفة أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد بلغا من الأهميّة والأثر حتّى صارا أفضل من الجهاد إذ قال الإمام عليّعليه‌السلام : « وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحر لجّيّ »(٣) .

ووجه هذه الأفضليّة على الجهاد وسائر أعمال البرّ هو أنّ ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) بكلا قسميه ( الفرديّ والاجتماعيّ ) كما سيوافيك بيانهما مكافحة داخليّة، والجهاد كفاح خارجيّ. والاُولى متقدّمة على الثانية، فلو لم يصلح الداخل لم يصلح الخارج، وما دام الداخل غير مستعدّ للإصلاح لا يمكن للمسلمين أن يخطوا أيّة خطوة لإصلاح الخارج.

كما ويؤكّد ضرورة إنكار المنكر وحرمة تركه قوله تعالى:( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي

__________________

(١) نهج البلاغة: ـ الحكم ـ الرقم (٧٣).

(٢) جامع الاُصول ١٠: ٢١٢، أخرجه الترمذي.

(٣) نهج البلاغة: قصار الحكم الرقم (٣٧٤).

٢٨٩

الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) ( النساء: ١٤٠ ).

فهذه الآية تدلّ على أنّ السكوت على المنكر يوجب أن يكون الساكت على الذنب كالمرتكب له، ولأجل ذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام : « إنَّما يجمع الناسُ الرِّضى والسَّخطُ وإنَّما عقر ناقة ثمود رجُل واحد فعمَّهُم الله بالعذاب لـمّا عمّوهُ بالرِّضى »(١) .

ثمّ إنّ الغور في هذه الوظيفة الإسلاميّة ومعرفة شروطها وفروعها وآثارها الحيويّة يستدعي إفراد رسالة مفصّلة خاصّة بذلك.

غير أنّنا نقتصر هنا على ذكر ما يرتبط ببحثنا وهو إثبات وجود ( السلطة التنفيذيّة ) في نظام الحكم الإسلاميّ فنقول: إنّ النظر في مهمّة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) يقضي بأنّ الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر يتمثّلون ـ في الحكومة الإسلاميّة ـ في ( الهيئة التنفيذيّة ) فليست هذه السلطة في حقيقة الأمر إلّا القائمين بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيدهما الاجتماعيّ العموميّ. والوقوف على هذا المطلب يحتاج إلى التنبيه على أنّ فريضة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) تنقسم إلى وظيفتين :

١. وظيفة فرديّة.

٢. وظيفة اجتماعيّة عموميّة.

وهما يختلفان ماهيّةً وشروطاً حسبما نعرف ذلك من الكتاب والسنّة كما سيوافيك بيانه.

أمّا الكتاب فنجده يوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارةً على المجتمع، أي على كلّ فرد فرد من أعضاء الاُمّة الإسلاميّة، وتارةً على جماعة خاصّة من المجتمع الإسلاميّ وإلى القسم الأوّل ( الفردي ) يشير قوله تعالى:( وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (٢٠١).

٢٩٠

أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة: ٧١ ).

وقوله تعالى:( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ) ( التوبة: ١١٢ ).

وقوله سبحانه:( كُنتُمْ خَيْرَ أمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ( آل عمران: ١١٠ ).

إلى غير ذلك من الآيات، والخطابات الموجّهة إلى المجتمع بصورة عامّة.

وإلى القسم الثاني تشير الآيات التي تضع هذه الوظيفة على عاتق جماعة خاصّة وتعبّر عنها ب‍ ( أمّة ) وفي ذلك قوله سبحانه:( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمّة يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) ( العمران: ١٠٤ ).

ومن المعلوم أنّ الاُمّة عبارة عن جماعة خاصّة تجمعهم رابطة العقيدة ووحدة الفكر، وهي وإن كانت تطلق أحياناً على الفرد الواحد كقوله سبحانه:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمّة قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( النحل: ١٢٠ ) لكنه إطلاق واستعمال غير شائع فلا تحمل الآية عليه. وقد فسّر الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام هذه الآية بقوله: « وسُئل عن الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أواجب هو على الاُمّة جميعاً ؟ فقال: لا، فقيل لهُ: ولم ؟ قال: إنَّما هُو على القوي الـمـُطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضَّعيف والدَّليلُ على ذلك كتاب الله عزَّ وجلَّ قوله:( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمّة يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ) فهذا خاص غير عام كما قال الله عزَّ وجلَّ:( وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أمّة يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ( الأعراف: ١٥٩ ) ولم يقل: على أمّة موسى ولا على كُلِّ قومه، وهم يومئذ اُمم مختلفة والاُمّة واحد فصاعداً كما قال الله عزَّ وجلَّ:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمّة قَانِتًا للهِ ) »(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٠.

٢٩١

وقوله تعالى:( إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) ( الحج: ٤١ ).

فهذه الآية تشير ـ بوضوح ـ إلى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكورين في الآية هو من النوع الذي يحتاج إلى المكنة والقدرة والسلطة، فالوصف فيه وصف للمؤمنين الذين تمكّنوا من السلطة وبالتالي فهو وصف للجهاز الحاكم والسلطة التنفيذيّة، ولا يمكن إرجاعه إلى عامّة المسلمين لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتوجّبين على الكافة لا يختصّ بظرف المكنة في الأرض، ولا يتقيد بقيد السلطة، بل تجب مراتبه قلباً ولساناً في جميع الأحوال بل يمكن أن يقال أيضاً إنّ الدعوة والتبليغ حتى باللسان على قسمين :

قسم يمكن أن يقوم به كلّ مسلم عارف بضروريات الإسلام من واجبها وحرامها.

وقسم لا يمكن أن يقوم به إلّا فرقة من كلّ طائفة ممّن صرفوا أوقاتهم وأعمارهم في تعلّم الدين بعمقه وتفاصيله وجزئيّاته، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:( وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة: ١٢٢ ).

وقد سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن قول رسول الله: « اختلافُ أُمّتي رحمة » فقال: « صدقوا في هذا النَّقل » فقلت: إن كان أختلافهم رحمةً فاجتماعهم عذاب قال: « ليس حيثُ تذهب وذهبوا، إنَّما أراد قولُ الله تعالى:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهُم الله أن ينفروا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمَّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم، إنّما أرادهم من البلدان لا اختلافهم في الدين إنّما الدّينُ واحد »(١) .

__________________

(١) تفسير البرهان ٢: ١٧٢ ومعاني الاخبار: ١٥٧ وعلل الشرائع ١: ٦٠ وقد نقلها صاحب الوسائل في ٨: ١٠١ ـ ١٠٢.

٢٩٢

وأمّا الأحاديث والأخبارُ الواردة في شأن وظيفة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فهي أيضاً تُقسِّم هذه الفريضة إلى قسمين :

قسم لا يحتاج القيام به الى جهاز خاص وقدرة وتمكّن، لأنّه لا يتجاوز القلب واللسان والوجه. وقسم يتوقّف القيام به على الجهاز والقوَّة والسّلطة.

وإلى القسم الأوّل يشير ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إذ قال: « من ترك إنكار المنكر بقلبه ولسانه فهو ميّت بين الأحياء »(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً قال: « أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرَّة »(٢) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة »(٣) .

وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام إذ قال: « حسبُ المؤمن غيراً ( أي غيرة ) إذا رأى منكر أن يعلم الله عزَّ وجلَّ من قلبهُ إنكاره »(٤) .

وهذا القسم من الأحاديث الحاثَّة على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر يشملُ كلّ فرد من أفراد المسلمين ولا يتجاوز القلب والوجه واللسان ويمكن لأيِّ فرد من الأفراد القيام به ؛ إذ لا يحتاج إلى تكلّف مؤنة، ولا توفّر قوَّة وسلطة وهو بالتالي يعمُّ كلّ مسلم آمراً ومأموراً حاكماً ومحكوماً.

وأمّا القسم الثاني ؛ وهي الأحاديث التي تجعل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر دعامةً لأقامة الفرائض، وسبيلاً إلى أمن الطرق والمسالك، وردِّ المظالم، وردع الظَّالم، ووسيلةً إلى عمارة الأرض والانتصاف من الأعداء وهي اُمور لا تتحقّق إلّا بجهاز قادر متمكِّن فهي كالتالي :

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : « إنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض والنَّهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء بها

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٤، ٤١٣.

(٣ و ٤) وسائل الشيعة ١١: ٤١٣، ٤٠٩.

٢٩٣

تأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم وتعمّر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر »(١) .

ومن المعلوم أنّ الأمر والنّهي المؤدّيين إلى أمان الطّرق والمسالك وعمارة الأرض والانتصاف من الأعداء للمظلومين لا يتيسّر إلّا بجهاز تنفيذيّ قويّ، وسلطة إجرائيّة قادرة تتحمّل عبء الأمر والنّهي على المستوى العموميّ وبواسطة الأجهزة والتشكيلات، هذا مضافاً إلى أنّ ذكر الأنبياء في الحديث لعلّه يوحي بأنّ الأمر والنهي المذكورين هنا هو ما كان مقروناً بالحاكميّة والسلطة على غرار ما كان للأنبياء: حيث كانوا يمارسون مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ غالباً ـ من موقع السلطة والحاكميّة والولاية لا من موقع الفرد ومن موضع التبليغ ومجرد الوعظ والإرشاد الفرديّ.

وعن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « لا تزال اُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرِّ فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردِّ المظالم، ومخالفة الظالم وقسمه الفيء وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها »(٣) .

ومن البين أنّ مخالفة الظالم وردعه وإيقافه عند حدّه، وتقسيم المال بين المسلمين بصورة عادلة وأخذ الصدقات والموارد الماليّة، الذي يعني التنظيم الاقتصاديّ على المستوى العام للمجتمع، لا يتأتّى عن طريق الأمر والنهي الفرديين والمنحصرين في إطار الموعظة بل يحصل ويتحقّق بوجود جهاز تنفيذيّ حاكم وسلطة إجرائيّة تتولّى إدارة دفّة البلاد وفق تعاليم الإسلام، فإنّ مثل هذا الأمر والنهي يحتاج إلى استعمال القوّة

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١١: ٣٩٥، ٣٩٨.

(٣) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٣، وقد ورد مثلها عن الإمام الحسين بن عليّ في تحف العقول: ١٧١ ( طبعة بيروت ).

٢٩٤

لإجراء الحدود والعقوبات وتنفيذ الأحكام الجزائيّة، وهي اُمور لا يمكن أن تتحقّق إلّا في ظلّ سلطة وجهاز تنفيذيّ.

من هنا ؛ تكون الوظيفة العموميّة وما يترتّب عليها من الحبس والتأديب والقصاص وما شابه ؛ مقتضية لوجود سلطة تنفيذيّة يعهد إليها الأمر والنهي الاجتماعيين العموميين، الذين فيهما صلاح عامّة الناس، واستقامة اُمورهم عامّة ويمكن إستفادة هذا المطلب من كلام للسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام إذ قالت: « والأمرُ بالمعروف مصلحة للعامَّة »(١) .

إذ أي أمر بالمعروف يمكن أن يكون مصلحة للعامّة إذا لم يكن القائم به جهاز ذو قدرة وسلطان يقوم بذلك عن طريق التشكيلات والتنفيذ العام.

كما ويمكن استفادة ذلك أيضاً من كلام الإمام عليّعليه‌السلام إذ قال: « أخذ الله على العُلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم وسغب مظلوم »(٢) .

فكيف يمكن منع الظالم من ظلمه، ومنع المستغلّ من الاستئثار بلقمة الفقير، إلّا بجهاز وسلطة خاصّة، فليس العلماء المذكورون في هذا الحديث إلّا ذلك الجهاز التنفيذيّ القادر على الإجراء.

وكذا يستفاد هذا الأمر من كلام آخر للإمامعليه‌السلام وهو يتحدّث عن الوالي وماله وما عليه: « أللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسةً في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنردَّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطَّلة من حدودك »(٣) .

__________________

(١) بلاغات النساء لابن طيفور ـ المتوفّى عام ( ٣٨٠ ه‍ ) ـ ص ١٢، ومعاني الأخبار: ٣٣٦.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة (٣).

(٣) نهج البلاغة: الخطبة (١٢٧) شرح عبده، وقد ورد نظيره عن الإمام الحسين بن عليّ إذ قال: « أللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك » راجع تحف العقول: ١٧٢ ( طبعة بيروت ).

٢٩٥

فكيف يمكن أمان المظلومين، وإقامة الحدود المعطّلة وإظهار الإصلاح العام في البلاد وتطبيق سنن الله وأحكامه بلا استثناء إلّا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعتمدين على السلطة والناشئين عن جهاز تنفيذيّ ؟

إذ كيف يمكن قيام الفرد أو الأفراد بكلّ ذلك وهو بحاجة إلى قدرة وتمكّن ونفوذ أمر وسلطان ؟

ويمكن تأييد ضرورة وجود هذه السلطة واختصاص هذا النوع من ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) الذي يتجاوز القلب والوجه واللسان ويتعدّاه إلى ( اليد ) وإستعمال القوة والسلطة ؛ بتنديد الله بالربانيّين والأحبار الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم المسؤولون عن ذلك لأنّهم كانوا في مقام الإمرة وفي موقع السلطة فقال الله تعالى:( وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ( المائدة: ٦٢ ـ ٦٣ ).

وقد أشار الإمام عليّعليه‌السلام إلى تفسير هذه بقوله: « أمّا بعد فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حينما عملوا من المعاصي ولم ينههم الرَّبانيون والأحبار عن ذلك وأنَّهم لـمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الرَّبانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات »(١) .

وهكذا تفيد نصوص الكتاب والسنّة وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ أحدهما وظيفة جميع الأفراد والآخر وظيفة سلطة قادرة

وبذلك يجمع بين الطائفتين من الآيات والروايات اللتين يضع قسم منها هذه الوظيفة على عاتق الجميع، وقسم منها على عاتق جماعة خاصّة ؛ فالأوّل راجع إلى الوظيفة الفرديّة منهما، فهو الذي يجب على الجميع، والثاني راجع إلى الوظيفة الاجتماعيّة التي تختصّ باُمّة متمكّنة من السلطة.

وممّا يدلّ على هذا إلى جانب تلك النصوص فتاوى الفقهاء ـ في باب الحدود ـ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٣٩٥.

٢٩٦

والتي تضافرت على أنّه لو وجب قتل مسلم قصاصاً لم يجز لأحد أن يقتص منه غير ولي الدم بإذن الحاكم أو الحاكم نفسه، فلو قتله غيره كان عليه القود، ولا يتوهّم أنّ من وجب عليه إجراء الحدّ، يكون مهدور الدم بالنسبة إلى كلّ واحد فإنّه توهّم باطل فإنّ من وجب عليه الحد والقصاص على أقسام :

١. إمّا أن يكون مهدور الدم لكلّ أحد كساب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الكافر الحربيّ، فإنّه إذا قتله المسلم أو الذمي لا قود عليهما. ولكنّهما يعزّران لتدخلهما في أمر الحاكم.

٢. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى المسلمين كالمرتد الفطريّ، فإذا قتله المسلم لا قود عليه، ولو قتله الذميّ فعليه قود، ومع ذلك فيعزّر المسلم لو قتله للتدخّل المذكور.

٣. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى من له القصاص ( أي وليّ الدم ) ومن إليه القصاص ( أي الحاكم ) كالقاتل المسلم ظلماً فلا يجوز لغير ولي الدم أو الحاكم قتله(١) .

٤. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى من إليه الحكم، كاللائط والزاني المحصن.

كما أنّ ممّا يدلّ على وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أنّ الفقهاء ذكروا للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شروطاً أربعة هي :

١. أن يكون عارفاً بالمعروف من المنكر.

٢. أن يحتمل تأثير إنكاره فلو غلب على ظنّه أو علم أنّه لا يؤثّر لم يجب عليه شيء.

٣. أن يكون الفاعل للمنكر مصرّاً على الاستمرار فلو لاحت منه إمارة الامتناع أو قلع عنه، سقط الإنكار.

٤. أن لا يكون في الإنكار مفسدة، فلو ظنّ توجّه الضرر إليه، أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط(٢) .

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ونظائر هذه المسألة من ص ١٥٩ ـ ١٩٨ الجزء ٤١.

(٢) شرائع الإسلام: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٩٧

ومن المعلوم ؛ أنّ الشرط الثاني ( احتمال التأثير ) والثالث ( الإصرار على المنكر ) من شروط القسم الفرديّ من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا الاجتماعيّ منهما إذ لا يعتبر في الاجتماعيّ من هذه الفريضة احتمال التأثير، بل للحاكم أن يجري الحدود والعقوبات المقرّرة فيقتصّ من القاتل أو الجارح، ويقطع يد السارق سواء أكان هناك تأثير أم لا.

كما أنّ للحاكم أن يجري الحدود والعقوبات المقرّرة سواء كرّر المجرم أم لم يكرّر جريمته ومعصيته، ولأجل هذا يجب التمييز والفصل بين الأمر والنهي الفردي، والأمر والنهي الاجتماعيّ العموميّ لاختلافهما في الشروط والغايات. ولا شكّ أنّ هذه المغايرة والتمايز يكشف ـ وبمعونة ما سبق وما يأتي من الأدّلة ـ عن أنّ القسم الثاني من هذه الفريضة هو من شأن سلطة تنفيذيّة وجهاز حكم وليس من شأن الأفراد.

دفع إشكال حول الأمر والنهي :

ربما يتوهّم أحد أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينطويان على مجرّد طلب فعل المعروف وطلب ترك المنكر وهذا ممّا لا يتحقّق في إجراء حدّ القتل أو الرجم على المحكوم بهما، فكيف يمكن أن نعتبرهما من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

ولكن هذا الإشكال مدفوع بأنّ الطلب الإنشائي الذي هو من قبيل المفهوم، وإن لم يكن موجوداً في إجراء حدّ القتل والرجم لكنّه فيه واقعيّة الطلب وحقيقته وأثره، إذ باجراء هذين الحدّين تنعدم المنكرات واقعاً، ولو بالنسبة للآخرين، وهذا نظير قوله سبحانه:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ) فإن قتل القاتل وإن كان سلباً لحياته لكنّه إحياء للنفوس الاُخرى. وهو هدف القصاص، ولأجل ذلك كانت العرب تقول في مورد القصاص « القتل أنفى للقتل ».

وخلاصة القول أنّ الأثر المطلوب من إجراء الحدود وإن كان منفيّاً بالنسبة إلى الجاني نفسه ولكنّه موجود بالنسبة إلى المجتمع.

٢٩٨

هذا وممّا يؤكد وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّ علماء الإسلام ذكروا للمحتسب وهو من يقوم بالأمر والنهي الاجتماعيّين شروطاً لا تعتبر في القسم الفرديّ من هذه الفريضة.

فقد قال ابن الاخوة القرشيّ في كتابه معالم القربة في أحكام الحسبة :

الحسبة من قواعد الاُمور الدينيّة، وقد كان أئمّة الصدر الأوّل يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها وجزيل ثوابها وهي: أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله وإصلاح بين الناس، قال الله تعالى:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ( النساء: ١١٤ ).

والمحتسب من نصبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعيّة والكشف عن اُمورهم ومصالحهم ( وفي نسخة اُخرى: وبياعاتهم ومأكولهم ومشروبهم ومساكنهم وطرقاتهم ) وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

ومن شروط المحتسب أن يكون: ( مسلماً ) ( حرّاً ) ( بالغاً ) ( عاقلاً ) ( عدلاً ) ( قادراً )(١) .

ومن المعلوم أنّ ( الحريّة ) و ( البلوغ ) و ( العدالة ) ليست شروطاً في القسم الفرديّ من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فهذا التباين في الشرائط والصلاحيّات يكشف ـ بوضوح ـ عن تنوّع وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى نوعين مختلفين: فرديّ، وعموميّ، والأوّل هو وظيفة كلّ فرد من أفراد المسلمين، بينما يختصّ الثاني بجهاز وسلطة ويتطلّب وجودها في الحياة الإسلاميّة.

وظيفة المحتسب والسلطة التنفيذيّة :

وممّا يدلّ على اختصاص القسم الاجتماعيّ من وظيفة ( الأمر بالمعروف والنهي

__________________

(١) معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الاخوة: ٧.

٢٩٩

عن المنكر ) والمسمّى بالحسبة، بالسلطة التنفيذيّة ؛ مطالبة الإمام عليّعليه‌السلام أحد ولاته على بعض الأمصار بأن يقوم بها ـ وهو في موقع الحكم ـ باعتبار أنّ ذلك أحد مسؤوليّاته ووظائفه وهو يتولّى اُمور المسلمين إذ قال: « من الحقّ عليك حفظُ نفسك والاحتسابُ على الرَّعيّة بجهدك فإنّ الّذي يصلُ إليك من ذلك ( أي من جانب الله ) أفضلُ من الّذي يصلُ بك ( أي من جانب الناس ) ».

وقد أشار صاحب كتاب معالم القربة في أحكام الحسبة فروقاً بين المحتسب والمتطوّع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ قال: ( وأمّا ما بين المحتسب المتولّي من السلطان وبين المنكر المتطوّع من عدّة أوجه :

أحدها: أنّ فرضه متعيّن على المحتسب ـ بحكم الولاية ـ وفرضه على غيره داخل تحت فرض الكفاية.

الثاني: أنّ قيام المحتسب به من حقوق تصرّفه الذي لا يجوز أن يتشاغل عنه بغيره، وقيام المتطوّع به من نوافل عمله الذي يجوز أن يتشاغل عنه بغيره.

الثالث: أنّه منصوب للاستعداء إليه في ما يجب إنكاره، وليس المتطوّع منصوباً للاستعداء.

الرابع: على المحتسب إجابة من استعداه وليس على المتطوّع إجابته.

الخامس: أنّ له أن يتّخذ على الإنكار أعواناً لأنّه عمل هو له منصوب، وإليه مندوب وليكون له أقهر، وعليه أقدر، وليس للمتطوّع أن يتّخذ لذلك أعواناً.

السادس: أنّ له أن يعزّر في المنكرات الظاهرة ولا يتجاوز بها الحدود، وليس للمتطوّع أن يعزّر.

السابع: أن يرتزق على حسبته من بيت المال وليس للمتطوّع أن يرتزق على إنكار منكر إلى غير ذلك.

فهذه وجوه الفرق بين من يحتسب بولاية السلطان ( أي يقوم بالقسم الاجتماعيّ

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432