العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)4%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195293 / تحميل: 8544
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

من جهة في الإعراض عن اللّه تعالى والاتّكال على الأسباب فحسب، ومن جهة أُخرى التوكّل على اللّه من دون التمسّك بالأسباب، لأنّ هذا الأمر ليس من التوكّل، بل هو من التواكل المذموم.

١٣ - إنّ اللجوء إلى الأسباب والمسببات لا يعني خروجها عن حيطة ملكوت اللّه سبحانه وتعالى وسلطان مشيئته، بل إنّ جميع الأسباب تعمل في ظلّ مشيئة اللّه تعالى وفي إطار هيمنته المطلقة.

ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر المفسّر وفق نظام الأسباب:

يندفع الإنسان الذي يؤمن بهذا المعنى من مفهوم القضاء والقدر إلى اتّباع الطريق الصحيح في جميع المراحل التالية التي يمرّ بها خلال سلوكه العملي في الحياة:

أوّلاً - قبل العمل:

١ - يندفع الإنسان إلى بذل المزيد من الجدّ والاجتهاد والسعي من أجل التعرّف على نظام الأسباب، والسير على ضوئه من أجل الوصول إلى أفضل النتائج وأجود الثمرات والانجازات.

٢ - يزداد اهتمام الإنسان بمسألة التخطيط واتّباع الخطوات المدروسة، لأ نّه يعي بعد إيمانه بالقضاء والقدر بأنّ العالم يحكمه نظام سببي دقيق بحيث لا يمكن الوصول إلى الأهداف إلاّ عن طريق مراعاة هذا النظام.

ثانياً - أثناء العمل:

١ - يعي الإنسان بوجود نظم وعدم وجود فوضى في هذا الكون، ويدرك أنّ السنن والأسباب تمثّل التدبير الإلهي ومشيئته في كيفية وصول الإنسان إلى أهدافه في هذه الحياة.

٢ - يندفع الإنسان إلى التمسّك بالأسباب التي أوجدها اللّه تعالى والاستفادة منها بأقصى حدّ ممكن من أجل حصد أكبر قدر ممكن من النتائج والثمار المطلوبة.

١٦١

ثالثاً - بعد العمل:

١ - إذا كانت النتيجة مطلوبة: يحمد الإنسان ربّه ويشكره على ما هيّأ له من أسباب النجاح.

٢ - إذا كانت النتيجة غير مطلوبة:

أوّلا: لا يلوم الإنسان نفسه، ولا تضعف عزيمته، ولا يشعر بالحسرة والندامة، لأ نّه يدرك بأ نّه أدّى ما كان عليه، فيسلّم أمره إلى اللّه تعالى ويحمده على كلّ حال.

ثانياً: يقوم الإنسان بدراسة الأسباب من جديد، لأنّ فشله في العمل قد يكون نتيجة خطئه في التمسّك بالأسباب، وقد تعينه دراسة الأسباب من جديد إلى معرفة الطريق الصحيح الذي يوصله إلى هدفه المطلوب.

تنبيه:

إنّ النتيجة الحاصلة من التمسّك بالأسباب تختلف من شخص إلى آخر، لعدّة عوامل منها اختلاف الناس فيما وهبهم اللّه تعالى من استعداد وقدرة وقابلية.

وينبغي للإنسان أن يرضى بما قدّر اللّه تعالى له من استعداد وقدرة، وليس عليه سوى السعي في إطار ما لديه من قابلية.

كما ينبغي للإنسان أن يعلم بأنّ المواهب التي أعطاها اللّه له ليست مزايا، بل هي وسيلة لاختباره في هذه الحياة، وسيحاسب اللّه تعالى كلّ إنسان حسب ما يمتلك من هذه المواهب.

آداب التمسّك بنظام الأسباب:

ينبغي للإنسان حين تمسّكه بالأسباب أن:

١ - يتّكل ويعتمد على اللّه تعالى لا على الأسباب.

٢ - يعي بأنّ اللّه تعالى هو الذي هيّأ له الأسباب ويسّر له السعي والعمل.

١٦٢

٣ - يعلم حين العمل بأ نّه لم يستطع ذلك إلاّ بحول اللّه تعالى وقوّته.

٤ - يستعين بخالق الأسباب وهو اللّه تعالى، ولا يغفل عنه عند تمسّكه بالأسباب.

القول باستقلال نظام الأسباب:

ذهب البعض إلى القول باستقلال الأسباب واستغنائها عن اللّه تعالى، وقالوا بأنّ اللّه تعالى كفّ يده عن العالم، وفوّض الكون بيد نظام الأسباب والمسببات.

يرد عليه:

١ - إنّ وصول الإنسان إلى الأهداف عن طريق التمسّك بالأسباب لا يعني انعزال هذه الأسباب عن اللّه تعالى، بل هذه الأسباب - في الواقع - هي النظام الذي أراد اللّه تعالى أن يتمّ من خلاله تحقّق الأشياء في هذا العالم.

٢ - إنّ تحقّق الأُمور عن طريق الأسباب في هذا العالم لا يعني خروج الأمر عن إرادة اللّه تعالى، لأنّ هذه الأسباب - في الواقع - لا تمتلك التأثير المستقل، ولا تعمل بنفسها، بل تعمل بقدرة اللّه تعالى، وفي ظل مشيئته.

٣ - إنّ الأسباب الموجودة في هذا العالم لا تحدِّد قدرة اللّه تعالى أبداً، ولا يكون الباري مغلول اليدين أمام الأسباب التي وضعها بنفسه، بل اللّه تعالى كما كانت له القدرة على إيجادها، فله القدرة على تغييرها ومحوها أو إثباتها كيفما يشاء.

تنبيه:

إنّ التصّرف الإلهي في الكون لا يعني بالضرورة تبديل وخرق السنن الطبيعية الموجودة في هذا العالم، بل شاء اللّه تعالى أن يكون تصرّفه في الكون وفق المجرى الطبيعي وحسب الأسباب الموجودة فيه.

النتيجة:

إنّ القول باستقلال الأسباب يؤدّي إلى:

أوّلا: تحويل نظام الأسباب إلى أوثان تُعبد من دون اللّه.

١٦٣

ثانياً: عزل اللّه تعالى عن سلطانه وتنفيذ إرادته في هذا العالم.

ثالثاً: سلب روح عبودية اللّه تعالى من الإنسان خلال تعامله في الحياة.

١٦٤

المبحث السادس

الرضا بقضاء اللّه تعالى وقدره

وجوب الرضا بقضاء اللّه وقدره:

١ - قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "قال اللّه جلّ جلاله: من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلهاً غيري"(١) .

٢ - قال الإمام علي(عليه السلام) لأحد الأشخاص: "... وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب رباً سواه"(٢) .

توضيحات:

١ - يجب الرضا بقضاء اللّه وقدره، لأ نّه تعالى لا يقضي إلاّ بالحق، ولا يقدّر إلاّ ما كان صواباً، ولا يفعل إلاّ ما كان عدلا.

٢ - إنّ معنى الرضا بالقضاء والقدر الإلهي وفق تفسيره بكتابة اللّه تعالى لأفعال العباد في اللوح المحفوظ وإخباره الملائكة بها هو الرضا بهذه الكتابة والإخبار(٣) .

٣ - إنّ معنى الرضا بالقضاء والقدر الإلهي وفق تفسيره بالأمر والنهي الإلهي هو القبول والاستسلام والإيمان والإذعان بما كلّف اللّه به العباد من أوامر ونواه وأحكام.

٤ - إنّ معنى الرضا بالقضاء والقدر الإلهي وفق تفسيره بنظام الأسباب يعني

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب٦٠: باب القضاء والقدر و...، ح١١، ص٣٦٠.

٢- المصدر السابق: ح١٣، ص٣٦١.

٣- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الثامنة، ص٤٣٣.

١٦٥

الرضا بالنظام الذي اقتضته الحكمة الإلهية وأرادت جريانه في هذا العالم.

٥ - إنّ اللّه سبحانه وتعالى قضى وقدّر أن يكون الإنسان حرّاً مختاراً في سلوكه، والرضا بقضاء اللّه وقدره لا يعني الرضا بكلّ ما يفعله الإنسان، وإنّما هو الرضا بأنّ اللّه تعالى خلق الإنسان حرّاً ومختاراً في سلوكه وتصرّفاته.

٦ - لا يعني الرضا بالقضاء والقدر الإلهي أن يتّجه الإنسان نحو التكاسل ويترك الأسباب ويرضى بكلّ ما يجري عليه، لأنّ الإنسان مكلّف بتغيير الواقع السيء الذي هو فيه، ولا يجوز له الاستسلام والقعود عن العمل في الحالات التي يكون قادراً على التغيير.

١٦٦

المبحث السابع

أقسام القضاء والقدر(١)

التقسيم الأوّل:

١ - القضاء والقدر العلمي.

٢ - القضاء والقدر العيني.

القضاء العلمي: وهو عبارة عن علم اللّه عزّ وجلّ بوجود الأشياء وإبرامها، ومعرفته بتحقّقها أو عدم تحقّقها.

القدر العلمي: وهو عبارة عن علم اللّه عزّ وجلّ بخصوصيات ومقدار جميع الأشياء التي ستوجد.

القضاء العيني: وهو عبارة عن ضرورة وجود الشيء في الخارج عند وجود علّته التامّة.

القدر العيني: وهو عبارة عن الخصوصيات التي يكتسبها الشيء من علله عند تحقّقه(٢) .

التقسيم الثاني:

١ - القضاء والقدر التكويني: وهو أنّ اللّه تعالى جعل حدّاً محدوداً لما أراد

____________________

١- هذه التقسيمات مقتبسة من آراء العلماء حول معنى القضاء والقدر، وهي الآراء التي ذكرناها في المبحث الرابع والخامس من هذا الفصل.

٢- تنبيه: ينسجم هذا التقسيم مع الرأي الثالث للقضاء والقدر، أي: تفسير القضاء والقدر بنظام الأسباب، وأمّا على ضوء الرأي الأوّل، أي: تفسير القضاء والقدر بما يكتبه اللّه في اللوح المحفوظ فمعنى القضاء والقدر مغاير لما ورد في هذا المقام، وقد ذكرناه في محلّه عند بيان الرأي الأوّل.

١٦٧

خلقه، ثمّ أوجده وفق ذلك القدر.

٢ - القضاء والقدر التشريعي: وهو أنّ اللّه تعالى بيّن الأحكام التي يريدها من العباد، وبيّن حدودها ومقاديرها وأمرهم بالالتزام بها.

١٦٨

المبحث الثامن

خصائص القضاء والقدر

١ - إنّ القضاء والقدر أمران متلازمان، ولا ينفك أحدهما عن الآخر، لأنّ أحدهما بمنزلة الأساس وهو "القدر"، والآخر بمنزلة البناء وهو "القضاء"(١) .

٢ - إنّ القضاء والتقدير الفعليّين من صفات اللّه الفعلية، لأ نّهما يتعلّقان بالموجودات الممكنة، ولا يكون لهما وجود خارجي إلاّ بوجود الخلقة.

٣ - إنّ القضاء والقدر الفعليّين (العينيّين) مخلوقان للّه تعالى.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ القضاء والقدر خلقان من خلق اللّه، واللّه يزيد في الخلق ما يشاء"(٢) .

معنى خلق اللّه للقضاء والقدر:

لا تتحقّق أي ظاهرة في الكون، ولا تصل إلى مرتبة الوجود إلاّ بعد توفّر أسبابها وتعيين قدرها من قبل الأسباب، واللّه سبحانه وتعالى هو الخالق للأسباب، فلهذا ينسب خلق القضاء والقدر إليه تعالى(٣) .

٤ - إنّ المألوف والمتداول على الألسنة هو أن يقال: "القضاء والقدر"، فيقدّم "القضاء" على "القدر"، ولكن "القدر" - في الواقع - مقدّم على "القضاء" في مراتب الفعل الإلهي، لأنّ اللّه تعالى يقدّر ثمّ يقضي، ولا يقضي شيئاً إلاّ بعد تحديد قدره.

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (قضى).

٢- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦٠: باب القضاء والقدر، ح١، ص٣٥٤.

٣- للمزيد راجع المبحث الخامس من هذا الفصل.

١٦٩

أدلة تقدّم القدر على القضاء:

١ - قوله تعالى:( إِنّا كُلَّ شَيْء خَلَقْناهُ بِقَدَر ) [القمر: ٤٩] أي: لا يكون قضاء من دون سبق قدر، وبعبارة أُخرى: إنّ القضاء الإلهي لا يتحقّق ما لم تتكامل المقتضيات وتتمّ المقادير المعيّنة بشروطها.

٢ - قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ اللّه عزّ وجلّ قدّر المقادير ودبّر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام"(١) .

٣ - قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "قدّر اللّه المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة"(٢) .

٤ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه إذا أراد شيئاً قدّره، فإذا قدّره قضاه، فإذا قضاه أمضاه"(٣) .

٥ - إنّ "القدر" هو تحديد الشيء وتبيين مقداره ومعالمه، ولهذا فهو يدخل في المقدّمات، ولكن "القضاء" يكون بمثابة النتيجة التي تأتي بعد المقدّمات، ولهذا يكون "القدر" قبل "القضاء".

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦٠: باب القضاء والقدر و...، ح٢٢، ص٣٦٦.

٢- المصدر السابق: ح٧، ص٣٥٨.

٣- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٣: القضاء والقدر و...، ح٦٤، ص١٢١.

١٧٠

المبحث التاسع

الفهم الخاطى للقضاء والقدر

تشويه مفهوم القضاء والقدر:

١ - حاولت بعض السلطات الجائرة تشويه العديد من المفاهيم الدينية وتفريغها من محتواها الحقيقي - منها القضاء والقدر - لأسباب ترتبط بخدمة مصالحها السياسية.

٢ - إنّ بعض وعّاظ السلاطين والسذّج من الدعاة روّجوا المعنى الخاطئ للقضاء والقدر عن طريق مدح الكسل والخمول والتقوقع باسم فضل الزهد والصبر والتوكّل.

٣ - لا ينبغي القول بأنّ الاختلاف في مختلف العصور الإسلامية حول معنى القضاء والقدر هو اختلاف علمي فحسب، لأنّ المشكلة لا تقتصر على البُعد العلمي فقط، بل المشكلة - في الواقع - تكمن في مبادرة السلطات الجائرة - عن طريق الاستعانة بامكاناتها الضخمة وقدراتها الواسعة - إلى ترويج المعنى الخاطئ للقضاء والقدر.

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر:

إنّ الإنسان مجبور في جميع أفعاله وتصرّفاته بما قضى اللّه تعالى له وقدّر(١) .

تبعات الفهم الخاطئ للقضاء والقدر:

١ - التلبّس بالعقلية المستسلمة التي تركن إلى الوهن والتكاسل والعجز والخمول

____________________

١- سيُناقش هذا الرأي بصورة مفصّلة في الفصل القادم المرتبط بالجبر والتفويض.

١٧١

نتيجة اعتقادها بالمعنى الخاطئ للقضاء والقدر.

٢ - وهن العزائم وتثبيط الهمم وشّل الإرادة وتعطيل السعي وبث روح الكسل بالتقاعس عن العمل.

٣ - تفشّي الانحطاط والتخلّف والفشل في أوساط الواقع الاجتماعي نتيجة إمحاء دواعي السعي من الخواطر وغلّ الأيدي عن العمل.

٤ - الشعور بالعجز عن الإبداع والاتّكال على الظروف والفرص المحتملة والاستسلام للوضع الراهن من دون المبادرة إلى تغييره.

٥ - الوقوف مكتوفي الأيدي في وجه الكوارث نتيجة إيثار البطالة والكسل، ومن ثمّ الوقوع في المصائب والنكبات والآلام والضعف والذل.

٦ - الميل في معظم الأحيان إلى الخرافة والشعوذة بدلا من التمسّك بالأسباب الطبيعية الكامنة وراء الوقائع، وبدلا من البحث عن العلاقات السببية الموجودة بين الظواهر.

٧ - تفسير التخلّف تفسيراً دينياً على أساس القضاء والقدر، ومن ثمّ تضعيف صلة بعض أبناء المجتمع - ولا سيما الشباب - بالدين واندفاعهم إلى التخلّي عن الأسس والمبادئ الدينية من أجل نيل التقدّم والاندماج في مسارات التحديث.

٨ - انتشار الفساد وظهور الكفر وعلو الباطل في الأرض، وغير ذلك من التبعات الناتجة من القراءة المعرفية المغلوطة لعقيدة القضاء والقدر والانسياق وراء الفهم الخاطئ لها.

تنبيهات:

١ - إنّ عقيدة القضاء والقدر قد امتزجت بالجبر في نفوس بعض المسلمين وينبغي للطبقة الواعية في المجتمع أن تبادر إلى تصحيح هذه العقيدة مما طرأ عليها من مفاهيم مغلوطة.

٢ - من الخطأ أن يقتصر حديثنا عن القضاء والقدر عند مواقع فشلنا وعجزنا أو

١٧٢

عند الحديث عن نجاح الآخرين، في حين لا نرى أيّة إثارة لهذه المسألة عند الحديث عن نجاحنا في العمل.

٣ - إنّ الفقر والحرمان الناتج من التكاسل عن العمل، وعدم السعي في طلب الرزق هو فقر ناتج من اختيار الإنسان، ولا يحق لصاحبه أن يحمّل هذا الأمر على التقدير الإلهي، لأنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما قدّر الفقر لهذا الشخص المتكاسل لتمسّكه بأسباب الفقر واختياره الحرمان بنفسه.

٤ - لا يحقّ للإنسان المتكاسل الذي لا يصل إلى أهدافه وآماله نتيجة كسله وخموله أن يلقي اللوم على غيره وأن يسلّي نفسه بكلمات من قبيل: الحظ والصدفة وعدم التوفيق والقضاء والقدر و....

معالجة الفهم الخاطئ للقضاء والقدر:

١ - إنّ القضاء والقدر عقيدة قرآنية، ولا يعني وقوع البعض في الفهم الخاطئ لهذه العقيدة المبادرة إلى إلغائها كما تفعل الاتّجاهات العلمانية، بل ينبغي تصحيح هذا المفهوم في الواقع الفردي والاجتماعي وفق ما تقتضيه الحقيقة.

٢ - إنّ الشريعة الإسلامية واجهت الرؤية الاستسلامية التي تصوّر الإنسان مخلوقاً لا قدرة له على تغيير وإصلاح الواقع الذي هو فيه، وأشارت مراراً إلى قدرة الإنسان على تغيير ما هو عليه عن طريق التمسّك بالأسباب التي جعلها اللّه تعالى وسيلة للتغيير والإصلاح.

٣ - لو كان قصد الإسلام من تبيين مسألة القضاء والقدر الدعوة إلى الكسل والخمول لما أتعب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه في الدعوة إلى الإسلام والجهاد في سبيله، ولما تحمّل من المشركين ما تحمّل.

١٧٣

١٧٤

الفصل السابع

الجبر والتفويض

معنى الجبر والاختيار

مذهب الجبرية

أقسام الجبر

الأدلة المبطلة للجبر والمثبتة للاختيار

ردّ أدلة القول بالجبر

رأي الأشاعرة حول خلق اللّه لأفعال الإنسان

الاستطاعة وأثر قدرة الإنسان في أفعاله

الكسب عند الأشاعرة

التفويض عند المعتزلة

مناقشة نظرية التفويض

القدرية

أفعال العباد عند مذهب أهل البيت(عليهم السلام)

الأمر بين الأمرين

١٧٥

١٧٦

المبحث الأوّل

معنى الجبر والاختيار (لغة واصطلاحاً)

معنى الجبر (في اللغة):

الجبر هو الإكراه والإرغام والقهر.

والجبر في الفعل هو الحمل على الفعل بالقسر والغلبة(١) .

معنى الجبر (في الاصطلاح العقائدي):

هو إجبار اللّه العباد على ما يفعلون، خيراً كان أو شراً، حسناً كان أو قبيحاً، دون أن يكون للعباد أية إرادة أو قدرة أو اختيار على الرفض والامتناع(٢) .

بعبارة أُخرى:

إنّ أفعال الإنسان كلّها للّه تعالى، والإنسان كالآلة الجامدة يسيّره اللّه بإرادته واختياره، من دون أن يمتلك الإنسان أية إرادة أو اختيار في أفعاله، وإنّما يصدر الفعل منه وهو مجبر عليه.

معنى الاختيار (في اللغة والاصطلاح العقائدي):

الاختيار هو التمكّن من فعل الشيء وتركه(٣) .

____________________

١- راجع: لسان العرب، ابن منظور: مادّة (جبر).

٢- انظر: المصطلحات الإسلامية، مرتضى العسكري: ١٤٨.

٣- راجع: لسان العرب، ابن منظور: مادّة (خير).

وللمزيد راجع: المصطلحات الإسلامية، مرتضى العسكري: ١٤٩.

١٧٧

المبحث الثاني

مذهب الجبرية

ذهب المذهب الجبري إلى أنّ الإنسان مجبور في جميع أفعاله، وهو كالريشة في مهب الريح، أو كالخشبة بين يدي الأمواج، وأنّ نسبة الأفعال إلى الإنسان مجازية كما تنسب إلى النباتات والجمادات، فيقال: أثمرت الشجرة، وجرى الماء، وتحرّك الحجر، وطلعت الشمس وما شابه ذلك(١) .

أوّل طائفة إسلامية قالت بالجبر:

الجهمية

أصحاب جهم بن صفوان(٢) وكانت عقيدتهم بأنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنّما هو مجبور في أفعاله ; لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنّما يخلق اللّه تعالى فيه الأفعال كما يخلقها في سائر الجمادات، وتنسب الأفعال إلى الإنسان مجازاً كما تنسب إلى الجمادات، فيقال: أثمرت الشجرة، وتحرّك الحجر و...(٣) .

____________________

١- انظر: مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري: ذكر قول الجهمية، ص٢٧٩.

الملل والنحل، الشهرستاني: ج١، الباب الأوّل، الفصل الثاني: الجبرية، ١ - الجهمية، ص٨٧.

٢- جهم بن صفوان: هو أبو محرز جهم بن صفوان الراسبي.

قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ (رقم ١٥٨٤):

"الضال المبتدع، رأس الجهمية، هلك في زمان صغار التابعين، وما علمته روى شيئاً، ولكنه زرع شراً عظيماً".

وذكر عنه الطبري في تاريخه (حوادث سنة ١٢٨):

كان كاتباً للحارث بن سريج الذي خرج في خراسان في آخر دولة بني أمية.

٣- انظر: مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري: ذكر قول الجهمية، ص٢٧٩.

الفرق بين الفرق، عبد القادر الاسفرائيني: الباب الثالث، الفصل السادس، ص٢١١.

الملل والنحل، الشهرستاني: ج١، الباب الأوّل، الفصل الثاني: ص٨٦.

١٧٨

تنبيهان:

١ - انقرض هذا المذهب في أواخر القرن الرابع الهجري، ولم يبق له أثر(١) .

٢ - إنّ نظرية الجبر - بصورة عامة - لها جذور تاريخية قبل الإسلام، ثمّ بقيت هذه النظرية بعد مجيء الإسلام معشعشة في عقول بعض المسلمين الذين لم يؤسّسوا معتقداتهم على أساس المباني الإسلامية الصحيحة.

دوافع القول بالجبر:

أوّلاً - اللجوء إلى أصل يرفع عن كاهل الإنسان مسؤولية الالتزام، ومن ثمّ الحصول على الحرّية المطلقة، والانحلال عن كلّ قيد، واتّباع الأهواء وتلبية الرغبات والشهوات النفسانية من دون الالتزام بأي مبدأ.

ثانياً - مبادرة بعض السلطات الجائرة إلى ترويج هذا المفهوم من أجل:

١ - تبرير أعمالهم المنحرفة والإجرامية.

٢ - الاستمرار بسياسة التنكيل والبطش ضدّ مخالفيهم.

٣ - إخماد الثورات التي تقوم ضدّهم من قبل الجهات المعارضة لهم.

٤ - توفير الأجواء المناسبة لاستقرار عروشهم وانغماسهم في ملذّاتهم الدنيوية.

مفاسد القول بالجبر:

١ - تحطيم أركان أساسية من المنظومة الدينية، سنذكرها في المبحث الرابع من هذا الفصل عند بيان الأدلة المبطلة للجبر والمثبتة للاختيار.

٢ - اندفاع الإنسان إلى الكسل والخمول والانقياد للوضع المتردّي، وعدم بذل الجهد والسعي لتغيير هذا الوضع نتيجة عدم الاعتقاد بامتلاك القدرة على التأثير والتغيير.

٣ - تبرئة النفس عن ارتكاب الأعمال المخالفة للدين والأخلاق، وجعل هذه

____________________

١- انظر: العروة الوثقى، جمال الدين الأفغاني ومحمّد عبده، إعداد: هادي خسرو شاهي: ص١١٥.

١٧٩

العقيدة ذريعة للاتّجاه نحو الفساد والانحلال.

٤ - إطلاق أيدي الظالمين لإهلاك الحرث والنسل، وارتكاب كلّ ما يؤدّي إلى الدمار والفساد، وتقييد أيدي المظلومين والمستضعفين عن القيام بأي ردّ فعل أمام الظالمين.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432