العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 185281
تحميل: 7464

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185281 / تحميل: 7464
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

تعالى، فيثبت عدم قبح تكليف ما لا يطاق(١) .

يرد عليه:

ورد في مقام الردّ على هذا الدليل مجموعة آراء، منها:

١ - إنّ الإخبار عن أبي لهب بأنّه لا يؤمن وقع بعد موته لا قبله(٢) .

٢ - إنّ اللّه تعالى لم يخبر بأنّ أبا لهب لا يؤمن أو أ نّه سيموت كافراً، وإنّما أخبر بأ نّه سيصلى ناراً ذات لهب، وهذا لا يستلزم الكفر، لأنّ العذاب الإلهي أيضاً يشمل الظالم ولو كان مسلماً(٣) .

٣ - كان أبو لهب مكلّفاً بالإيمان من حيث كونه مختاراً وقادراً على الإيمان، وهذا الإيمان أمر ممكن وليس مما لا يطاق.

وأمّا إخباره تعالى بعدم إيمان أبي لهب فهو من حيث العلم، والعلم - كما ذكرنا - يكشف عن الواقع كما هو عليه، وقد كشف علم اللّه تعالى بأنّ أبا لهب لا يؤمن باختياره.

ولو كان أبو لهب مختاراً للإيمان، لكان في علم اللّه تعالى بأ نّه يؤمن، والعلم تابع للمعلوم، وليس له أي تأثير على الواقع الخارجي(٤) .

٤ - إنّ إخباره تعالى بعدم إيمان أبي لهب ورد بعد أن لم يؤمن أبو لهب بما كُلّف به، فأخبر اللّه تعالى بأ نّه لا يؤمن، لأ نّه أصبح نتيجة أعماله ممن خُتم على قلبه

____________________

١- انظر: شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٥، ص٢٩٧.

محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخرين، فخر الدين الرازي: مسألة الحسن والقبح، ص٢٠٢.

دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، المسألة ٣١، المبحث ١١، المطلب ١، مناقشة الفضل، ص٣٢٧.

٢- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، احتجاج الأشاعرة، ص٢٥٧.

٣- انظر: دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج ١، المسألة ٣، المبحث ١١، المطلب ١، مناقشة المظفر، ص ٣٢٨.

٤- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المقصد السادس، المبحث الأوّل، ص٢٣٤.

تلخيص المحصّل، نصير الدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثالث، ص٣٤٠.

إشراق اللاهوت، عميد الدين العُبيدلي: المقصد السابع، المسألة الأُولى، ص٣١٠.

٢٨١

وسمعه وبصره(١) .

الآيات القرآنية التي استدل بها القائلون بجواز التكليف بما لا يطاق:

استدل بعض الأشاعرة بآيات قرآنية ظنّوا أ نّها تدل على جواز التكليف بما لا يطاق، مع أ نّها بعيدة كلّ البُعد عما ذهبوا إليه، وأبرز هذه الآيات(٢) :

الآية الأولى:

( أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ ) [هود: ٢٠]

وجه الاستدلال:

إنّ الكافرين أُمروا أن يسمعوا الحقّ وكُلّفوا به مع أ نّهم( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ) ، فدلّ ذلك على جواز التكليف بما لا يطاق.

يرد عليه:

إنّ سبب عدم استطاعة هؤلاء الكافرين على السمع والبصر المعنوي هو تماديهم في الظلم والغي وإحاطة ظلمة الذنوب على قلوبهم وأعينهم وأسماعهم، حيث أمات العصيان والطغيان قلوبهم وأصمّ أسماعهم(٣) .

بعبارة أُخرى:

إنّ هذه الآية لا تدل على فقدان الكافرين السمع والبصر المعنوي في بداية الأمر، بل تدل على أ نّهم حرموا أنفسهم من هذا السمع والبصر بذنوبهم، فصارت

____________________

١- انظر: الإنصاف، جعفر السبحاني: ج٣، أدلة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين، ص٣٢، ٣٣.

٢- انظر تفاسير علماء أهل السنة، كما أشار سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد، وأشار ميمون بن محمّد النسفي في كتابه بحر الكلام إلى هذه الآيات ووجه الاستدلال بها، وقد بيّن التفتازاني والنسفي في هذا المجال عدم صحّة الأدلة التي احتج بها القائلون بجواز التكليف بما لا يطاق.

انظر: شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٥، ص٢٩٩ - ٣٠١.

وانظر: بحر الكلام، ميمون بن محمّد النسفي: الباب الرابع، الفصل الأوّل، المبحث الثالث، ص١٩٩ - ٢٠١.

٣- انظر: الفوائد البهية، محمّد حمّود العاملي: ج١، الفصل الأوّل، الباب الخامس، الأمر الثاني، ص٣٠٥.

٢٨٢

الذنوب التي ارتكبوها سبباً لئلا يسمعوا وأن لا يبصروا الحقائق المعنوية.

الآية الثانية:

( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) [البقرة: ٢٨٦]

وجه الاستدلال:

إنّ هذه الآية تدل بوضوح على جواز تكليف ما لا يطاق، فلو لم يكن التكليف للعاجز جائزاً لم يكن لهذا الدعاء معنى وفائدة.

يرد عليه:

هذه الآية:

لا تشير إلى "تكليف" ما لا يطاق.

وإنّما تشير إلى "تحميل" ما لا يطاق.

وهناك فرق بين "التكليف" و"التحميل".

والفرق هو:

إنّ في "التكليف" يطلب المكلِّف من المكلَّف أن يقوم بفعل معيّن.

ولهذا يشترط في هذا المقام أن يمتلك المكلَّف القدرة والطاقة على ذلك الفعل.

ولكن "التحميل" ليس فيه طلب، وإنّما هو عبارة عن مصائب وابتلاءات وكوارث يحمّلها اللّه تعالى على الإنسان لأغراض حكيمة.

وهذه المصائب التي يواجهها الإنسان:

قد يطيقها ويتمكّن من الوقوف بوجهها والمحافظة على تعادله.

وقد لا يطيقها فتربك توازنه وتشل حركته وتدمّر قدراته وقواه.

النتيجة:

الكلام يدور في هذه الآية حول "تحميل المصائب" التي لا يطيق الإنسان صدّها وإبعاد نفسه عنها، وليس الكلام حول "التكليف" بما لا يطاق.

٢٨٣

الآية الثالثة:

( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) [البقرة: ٣١ - ٣٢]

وجه الاستدلال:

إنّ اللّه تعالى كلّف الملائكة بأن يذكروا أسماء ما كانوا عالمين بها، ولا طريق لهم إلى علمها، وهذا ما يدل على أ نّه تعالى كلّفهم بما لا يطاق.

يرد عليه:

إنّ الأمر في قوله تعالى:( أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ ) للتعجيز لا للتكليف، وهذا نظير قوله تعالى:( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) [البقرة: ٢٣].

بعبارة أُخرى:

إنّ الغرض من أمره تعالى في هذا المقام بيان عجز المخاطبين، وليس هذا الأمر من قبيل الأمر الحقيقي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه، ولهذا لم يستحق الملائكة العقاب عندما لم ينبئوا ويخبروا اللّه تعالى بهذه الأسماء، ولم يعدّ عدم تلبيتهم لهذا الأمر الإلهي ذنباً أو عصياناً(١) .

الآية الرابعة:

( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساق وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ ) [القلم: ٤٢ - ٤٣]

وجه الاستدلال:

إذا جاز تكليف هؤلاء في الآخرة بما لا يستطيعون جاز ذلك في الدنيا.

____________________

١- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في تكليف ما لا يطاق، ص٢٠٥.

٢٨٤

يرد عليه:

ليس الغرض من هذه الآية التكليف الحقيقي الذي يشترط فيه القدرة، بل الغاية منه إيجاد الحسرة والندامة في نفوس التاركين للسجود على ما فرّطوا في الدنيا عندما كانت أبدانهم تتمتّمع بالصحة والسلامة.

بعبارة أُخرى:

إنّ الآية بصدد بيان أنّ هؤلاء رفضوا امتثال أوامر اللّه تعالى في الدنيا عندما كانوا يستطيعون ذلك، ولكنهم بعدما كُشف الغطاء عن أعينهم، ورأوا العذاب همّوا بالطاعة والسجود، ولكن أنّى لهم ذلك في الآخرة، فهم لا يستطيعون ذلك لعدم سلامة أبدانهم، أو نتيجة القبائح التي ارتكبوها في الدنيا، أو لاستقرار ملكة الاستكبار في سرائرهم(١) .

الآية الخامسة:

قال تعالى:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) [النساء: ٣]

وقال تعالى:( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) [النساء:١٢٩]

وجه الاستدلال:

إنّ اللّه عزّ وجلّ جوّز تعدّد الزوجات، وكلّف كلّ من يتزوّج أكثر من واحدة أن يراعي العدل بين زوجاته، ولكنه تعالى بيّن في الآية الثانية بأنّ مراعاة العدل بين الزوجات أمر لا يقدر عليه الإنسان. فنستنتج بأنّ "المتزوّج أكثر من واحدة" مكلّف من قبل اللّه تعالى بما لا يطاق.

يرد عليه:

إنّ المقصود من العدالة في قوله تعالى:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا ) غير المقصود من العدالة في قوله تعالى:( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ) .

____________________

١- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١/٣٠٥ - ٣٠٦.

٢٨٥

توضيح:

أقسام العدالة بين الزوجات:

١ - عدالة يمكن مراعاتها، وهي العدالة في الملبس والمأكل والمسكن وغيرها من حقوق الزوجية التي تقع في دائرة اختيار الإنسان، وهذه العدالة هي المقصودة في قوله تعالى:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا ) .

٢ - عدالة لا يمكن مراعاتها، وهي العدالة في إقبال النفس وما يرتبط بالقلب وغيرها من الأُمور التي لا تقع في دائرة اختيار الإنسان، وهذه العدالة هي المقصودة في قوله تعالى:( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ) .

التكليف الإلهي حول مراعاة العدالة بين الزوجات:

إنّ "المتزوّج أكثر من واحدة" مكلّف فقط بمراعاة "العدالة" التي يقدر عليها، (وهي العدالة المذكورة في القسم الأوّل)، وهو غير مكلف بمراعاة "العدالة" التي لا يقدر عليها (وهي العدالة المذكورة في القسم الثاني). ولهذا لا يوجد في هاتين الآيتين ما يدل على وقوع التكليف بما لا يطاق.

٢٨٦

٢٨٧

الفصل التاسع

الثواب والعقاب

معنى الثواب والعقاب

استحقاق الثواب والعقاب

دوام أو انقطاع الثواب والعقاب

التناسب بين الذنوب والعقاب الأخروي

مناقشة رأي الأشاعرة حول الثواب والعقاب

٢٨٨

٢٨٩

المبحث الأوّل

معنى الثواب والعقاب

معنى الثواب (في اللغة):

"الثواب" يعني "الرجوع"، ويطلق "الثواب" على أفعال العباد بمعنى ما يرجع إليهم من جزاء أعمالهم. ويستعمل الثواب في الخير والشر، ولكن الأكثر والمتعارف استعماله في الخير(١) .

تنبيه:

إنّ موضوع الثواب والعقاب موضوع مفصّل يرتبط بالمعاد، ولكنّنا اقتصرنا في هذا الفصل على ذكر المواضيع المرتبطة بالعدل الإلهي فحسب.

معنى الثواب (في الاصطلاح العقائدي):

الثواب هو النفع المستحق المقارن للتعظيم والإجلال(٢) .

أي: الثواب عبارة عن أمر نافع يتم الحصول عليه نتيجة الاستحقاق، ويستلمه المستحق بحالة يحيطها التعظيم والإجلال.

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (ثوب).

مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (ثوب).

٢- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الأفعال، ص٢٧٦.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨١.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الرابع، ص١١٦.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد السادس، المسألة الخامسة، ص٥٥١.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثاني عشر، القطب الثاني، الفصل الأوّل، البحث الأوّل، ص٤٣٣.

٢٩٠

توضيح قيود معنى الثواب(١) :

١ - قيد "المستحق": يخرج بهذا القيد "التفضّل"، لأنّ التفضّل هو النفع الذي يُعطى من دون استحقاق.

٢ - قيد "المقارن للتعظيم والإجلال": يخرج بهذا القيد "العوض"(٢) ، لأنّ العوض هو النفع المستحق الذي يُعطى من دون تقارنه بالتعظيم والإجلال.

من خصائص الثواب الإلهي:

لا يحسن إعطاؤه من دون استحقاق

إنّ اللّه تعالى يحسن منه الابتداء بإعطاء النفع لعباده على نحو "التفضّل"، ولكن الثواب هو النفع الذي لا يحسن إعطاؤه ابتداءً، وإنّما يُعطى لمن يستحق ذلك.

الدليل:

١ - إنّ الثواب عبارة عن منفعة مقرونة بالتعظيم، وبما أنّ تعظيم من لا يستحق التعظيم غير حسن، فلهذا لا يحسن إعطاء الثواب الذي هو مقرون بالتعظيم إلاّ لمن يستحق التعظيم، ولا يحسن اعطاؤه ابتداءً لمن لا يستحق ذلك(٣) .

٢ - إنّ اللّه تعالى جعل "التكليف" هو السبيل للحصول على الثواب، فلو أمكن الحصول على الثواب من دون تكليف، فإنّ التكليف سيكون عبثاً لا فائدة فيه(٤) .

____________________

١- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨١.

٢- العوض عبارة عن: "النفع المستحق الخالي من التعظيم والإجلال".

للمزيد راجع: الفصل الخامس، من هذا الكتاب.

٣- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد السادس، المسألة الخامسة، ص٥٥٢.

٤- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، استحقاق الثواب والمدح بالطاعة، ص١٣٩.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة السابعة، الركن الثالث، البحث الثاني، ص١٥٩.

٢٩١

معنى العقاب (في اللغة):

العقاب هو الجزاء إزاء فعل السوء، ويُقال: "عاقبه بذنبه" أي: أخذه به(١) .

معنى العقاب (في الاصطلاح العقائدي):

العقاب هو الضرر المستَحق المقرون بالاستخفاف والإهانة(٢) .

أي: العقاب عبارة عن أمر ضار يتم الحصول عليه نتيجة الاستحقاق، ويناله المستحق بحالة يحيطها الاستخفاف والإهانة.

توضيح قيود معنى العقاب:

١ - قيد "المستَحق": يخرج بهذا القيد الضرر المتضمّن للمصلحة، من قبيل الآلام التي يبتلي اللّه تعالى بها الإنسان عند المرض و....

٢ - قيد "المقارنة للاستخفاف والإهانة": يخرج بهذا القيد أيضاً الضرر المذكور في القيد السابق(٣) .

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (عقب).

٢- راجع المصادر التي ذكرناها قبل قليل في هامش تعريف الثواب اصطلاحاً.

٣- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨١.

٢٩٢

المبحث الثاني

استحقاق الثواب والعقاب

موجبات استحقاق الثواب(١) :

١ - فعل الواجب.

٢ - فعل ما له صفة الندب والاستحباب.

٣ - الامتناع من فعل القبيح.

الفرق بين استحقاق المدح واستحقاق الثواب:

إنّ موجبات استحقاق المدح(٢) ، هي نفسها موجبات استحقاق الثواب،

لكن يشترط في(٣) استحقاق الثواب إطاعة المولى(٤) .

____________________

١- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، موجبات الثواب والشكر، ص١٣٥.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨٢.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الرابع، ص١١٦.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثاني عشر، القطب الثاني، الفصل الأوّل، البحث الأوّل، ص٤٣٣.

٢- معنى المدح: قول ينبئ عن عظم حال الغير.

انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى، الكلام في الأفعال وما يستحق بها وعليها و...، ص٢٧٦.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨٠.

شروط المدح:

١ - أن يقصد به التعظيم.

٢ - أن يكون اللفظ موضوعاً للتعظيم.

٣- أن يكون المادح عالماً بعظم حال الممدوح، والظن والاعتقاد لا يقوم مقام العلم في هذا المجال، لأنّ المدح لا يكون إلاّ مستحقاً، ولا يصح ذلك إلاّ مع العلم.

تنبيه: إنّ المدح يتحقّق عن طريق القول وعن طريق الفعل، كقيام الإنسان لغيره مع القصد إلى تعظيمه، ولكن الفعل لا يسمى مدحاً حقيقة، وإنّما يجوز تسميته مدحاً مجازاً.

انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨٠ - ١٨١.

٤- من هذا المنطلق يستحق اللّه المدح دون الثواب إزاء فعله للواجب وللندب وتركه للقبيح.

للتوسّع راجع: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الأفعال و...، ص٢٧٦.

شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، موجبات الثواب والمدح، ص١٣٥.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨٢، ١٨٣.

٢٩٣

استحقاق الثواب:

١ - إنّ اللّه تعالى وعد المؤمنين أن يعطيهم الثواب إزاء التزامهم بتكاليفه، وخُلف الوعد قبيح، واللّه تعالى منّزه عن فعل القبيح(١) .

٢ - إنّ اللّه تعالى تفضّل على العباد وجعل أعمالهم ملكاً لهم، ثمّ جعل ما يثيبهم إزاء أعمالهم الصالحة أجراً لهم، وقد قال تعالى:( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) [التوبة: ١١١].

ومن هذا المنطلق تكون الإثابة الإلهية على طاعة العباد من باب "الاستحقاق" دون "التفضّل"(٢) .

٣ - إنّ العبد يثاب على التزامه بالتكاليف الإلهية من باب "الاستحقاق" دون "التفضّل"، ولكنّه لا ينال المغفرة الإلهية إزاء الذنوب التي ارتكبها، ولا ينال المراتب العليا في الجنة إلاّ بفضل اللّه تعالى، ولهذا ينبغي للعباد أن يكون أملهم بفضل اللّه تعالى لا بعدله.

وهذا ما أكّدت عليه أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) منها:

قال الإمام علي(عليه السلام):

"اللهم احملني على عفوك، ولا تحملني على عدلك"(٣) .

قال الإمام علي بن الحسين(عليه السلام):

"واحملني بكرمك على التفضّل، ولا تحملني بعدلك على الاستحقاق"(٤) .

____________________

١- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل السادس: ص١٤٥ - ١٤٦.

٢- انظر: بداية المعارف الإلهية، محسن الخرازي: ج١، عقيدتنا بالعدل، ص٩٨.

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضى: خطب أمير المؤمنين، رقم ٢٢٧، ص٤٧٧.

٤- الصحيفة السجادية الجامعة: دعاء ٩٣: في طلب الحوائج إلى اللّه تعالى، أوّل الدعاء: اللهم يا منتهى مطلب الحاجات، ص٨٦.

٢٩٤

وهذا ما يثبت "الاستحقاق"، ولكنه يرشد العبد إلى أن يكون أمله بالفضل الإلهي، لا على ما يستحقه إزاء طاعته للّه تعالى.

تأجيل الثواب الإلهي:

إنّ في تأجيل الثواب إلى يوم القيامة - كما وعد اللّه - فضلا كبيراً منه تعالى على عباده المطيعين، لأنّ الثواب الأُخروي يفوق الثواب الدنيوي الذي يعتريه النقص.

موجبات استحقاق العقاب(١) :

١ - فعل القبيح.

٢ - الإخلال بالواجب.

الفرق بين استحقاق الذم واستحقاق العقاب:

إنّ موجبات استحقاق الذم(٢) هي نفسها موجبات استحقاق العقاب، ولكن يشترط في استحقاق العقاب أن يكون فاعل القبيح أو المخل بالواجب عالماً بأنّ منفعته ومصلحته تكمن في تركه للقبيح وفعله للواجب، ومع ذلك يقوم بفعل القبيح وترك الواجب(٣) .

____________________

١- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، موجبات الذم والعقاب: ١٣٦ - ١٣٧.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨٥.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثاني عشر، القطب الثاني، الفصل الأوّل، البحث الأوّل، ص٤٣٣.

٢- معنى الذم: قول ينبئ عن اتّضاع حال الغير.

انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الأفعال وما يستحق بها وعليها و...، ص٢٧٦.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث: الفصل الأوّل، ص١٨١.

وأمّا شروط الذم فهي مثل شروط المدح التي ذكرناها في الهامش قبل قليل.

أمّا ما يرتبط بتحقّق الذم عن طريق الفعل، فالكلام فيه مثل ما ذكرناه في مسألة المدح.

راجع بداية هذا المبحث في الهامش.

٣- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب في أحكام العقاب وجهة استحقاقه وتفصيل أحواله، ص٢٩٥.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨٩.

للتوسّع راجع: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ١٨٩.

الذخيرة، الشريف المرتضى: باب في أحكام العقاب وجهة استحقاقه و...، ص٢٩٥.

٢٩٥

استحقاق العقاب:

١ - يشترط في استحقاق العقاب:

أوّلاً: أن يكون المكلَّف عالماً بقبح القبيح ووجوب الواجب، أو متمكّناً من العلم بذلك.

ثانياً: أن لا يكون المكلَّف مجبوراً في فعل القبيح والإخلال بالواجب.

وهناك شروط أُخرى تعبّدية يمكن التعرّف عليها عن طريق مراجعة الكتب الفقهية.

٢ - إنّ العقاب - كما يثبت العقل - حقّ اللّه تعالى، وله أن يعاقب العصاة كما أوعد، وله أن يعفو عنهم من باب التفضّل، لأنّ العفو لا يقدح في الوعيد، وخلف الوعيد غير قبيح(١) .

ولكن العقاب - كما يثبت الشرع - يقتضيه العدل الإلهي، ودليل ذلك(٢) :

أوّلاً: إنّ معاقبة العاصين من مستلزمات العدل، والعادل لا يساوي بين المطيع والعاصي وبين البريء والمجرم.

وقد قال تعالى:( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) [السجدة: ١٨]

ثانياً: يستلزم ترك معاقبة العاصين أن يكون التشريع وترتيب الجزاء على العمل لغواً وعبثاً، واللّه تعالى منزّه عن ذلك.

____________________

١- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، جواز عفو اللّه، ص ١٤٤، ١٤٥.

٢- انظر: بداية المعارف الإلهية، محسن الخرازي: ج١، عقيدتنا بالعدل، ص٩٩.

٢٩٦

المبحث الثالث

دوام أو انقطاع الثواب والعقاب(١)

دوام أو انقطاع الثواب:

إنّ الثواب يُستحق دائماً، والدليل على ذلك ما ورد في الشرع والذي أجمعت عليه الأُمة بأنّ الثواب يستحق دائماً(٢) .

الطريق إلى معرفة دوام الثواب:

١ - إنّ أصل استحقاق الثواب يُعلم بالعقل، ولكن الطريق إلى معرفة دوام الثواب هو الدليل الشرعي دون الدليل العقلي(٣) ، وذلك لعدم وجود دليل عقلي على دوام الثواب، وإنّما المصدر الوحيد لمعرفة ذلك هو الشرع فقط(٤) .

٢ - لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام الثواب هو أنّ المدح يستحق الدوام، وأنّ ما اقتضى دوام المدح هو الذي يقتضي دوام الثواب.

الدليل: لأنّ وجه استحقاق المدح ليس بعينه وجه استحقاق الثواب، وذلك لأنّ

____________________

١- سنكتفي في هذا المبحث - مراعاة للاختصار - بذكر بعض المصادر في الهامش بصورة موجزة، ويستطيع القارئ مشاهدة هذه المصادر بصورة مفصّلة في نهاية المبحث.

٢- انظر: الذخيرة: ٢٨٠ - ٢٨١، شرح جمل العلم والعمل: ١٤١ - ١٤٢، الاقتصاد: ١٨٤، المنقذ من التقليد: ٢ / ٢٧.

٣- ذهب نصير الدين الطوسي في كتابه تجريد الاعتقاد إلى أنّ الطريق إلى معرفة دوام الثواب هو الدليل العقلي، وأيّده العلاّمة الحلّي في كتابه كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

انظر: تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد السادس، صفات الثواب والعقاب، ص٣٠٢.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد السادس، المسألة السادسة، ص٥٥٥ - ٥٥٦.

٤- انظر: الذخيرة: ٢٨٠ - ٢٨١، شرح جمل العلم والعمل: ١٤٢.

٢٩٧

الثواب - كما ذكرنا - يشترط فيه إطاعة المولى دون المدح(١) .

٣ - لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام الثواب هي أنّ الثواب لو لم يكن دائماً لم يكن الترغيب واقعاً موقعه.

الدليل: لأنّ الترغيب يحصل إذا كان في مقابله منافع عظيمة كثيرة، وإن لم تبلغ هذه المنافع حدّ الدوام(٢) .

٤ - لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام الثواب هو أنّ انقطاعه يؤدّي إلى الغم والحسرة، وهذا ما يتنافى مع الثواب.

الدليل: لأنّ اللّه تعالى بإمكانه أن يصرف المثابين عن التفكير حول انقطاع ثوابهم، ويلهيهم بما هم فيه من اللذات العظيمة(٣) .

بعبارة أُخرى:

إنّ خلوص الثواب من الشوائب لا يعلم إلاّ عن طريق الشرع، وليس في العقل أيّة دلالة على ضرورة خلوص الثواب من الشوائب، لأنّ الثواب قد يكون عظيماً بحيث يوجب اللذة من دون الالتفات إلى الشوائب الموجودة فيه(٤) .

دوام أو انقطاع العقاب:

أجمع المسلمون على أنّ عقاب الكفر دائم، وقد دلّت الأدلة الشرعية بوضوح على ذلك.

وأمّا المعاصي ما دون الكفر فإنّ عقوبتها تكون - كما ورد في الشرع -

____________________

١- للتوسّع راجع: الذخيرة: ٢٨١ - ٢٨٢، الاقتصاد: ١٨٤، المسلك في أصول الدين: ١١٨، المنقذ من التقليد: ٢/٢٩.

ووافق مقداد السيوري هذا الرأي.

انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، هل العلم بدوام الثواب...، ص٤١٨.

٢- انظر: شرح جمل العلم والعمل: ١٤٣، المسلك في أصول الدين: ١١٨.

٣- انظر: الذخيرة: ٢٨٥.

ووافق مقداد السيوري هذا الرأي.

انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، هل العلم بدوام الثواب...، ص٤١٨.

٤- انظر: الهامش السابق.

٢٩٨

منقطعة(١) .

دليل انقطاع عقاب المعاصي:

إنّ الثواب - كما علمنا - دائم، ولا يخفى بأنّ الثواب الدائم لا يجتمع مع العقاب الدائم، فلهذا ينبغي الاذعان بأنّ من يستحق الثواب لا يكون عقابه دائمياً، بل يلزم أن يكون ذلك بصورة منقطعة(٢) .

الطريق إلى معرفة دوام وانقطاع العقاب:

١ - إنّ أصل استحقاق العقاب ودوامه أو انقطاعه يُعلم عن طريق الدليل الشرعي دون الدليل العقلي، وذلك لعدم وجود دليل عقلي على ذلك، وإنّما مصدر معرفة ذلك هو الشرع فقط(٣) .

٢ - لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام العقاب هو أنّ الذمّ يستحق الدوام، وأنّ ما اقتضى دوام الذم هو الذي يقتضي دوام العقاب.

الدليل: لأنّ وجه استحقاق الذم ليس بعينه وجه استحقاق العقاب، لأنّ العقاب فيه شرط - ذكرناه سابقاً - دون الذم(٤) .

٣ - لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام العقاب هي أنّ العقاب لو لم يكن دائماً لم يكن الزجر واقعاً موقعه.

الدليل: لأنّ الزجر يحصل إزاء الضرر العظيم وإن لم يبلغ حدّ الدوام.

كما أنّ أصل استحقاق العقاب لا يعلم بالعقل، فكيف يعلم دوامه بالعقل(٥) .

٤ - لا يصح القول بأنّ من الأدلة العقلية على دوام العقاب هو أنّ انقطاعه يؤدّي إلى السرور، وهذا ما يتنافى مع العقاب.

____________________

١- انظر: شرح جمل العلم والعمل: ١٤٢ - ١٤٣، المسلك في أصول الدين: ١١٩، المنقذ من التقليد: ٢/٢٧.

٢- انظر: شرح جمل العلم والعمل: ١٤٢.

٣- انظر: الذخيرة: ٢٨٠، الاقتصاد: ١٨٩، غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ٢/٢٣٠، المنقذ من التقليد: ٢/٢٧.

٤- انظر: الذخيرة: ٢٨١، شرح جمل العلم والعمل: ١٤٣، غنية النزوع: ٢/٢٣٠، المنقذ من التقليد: ٢/٢٩.

٥- انظر: شرح جمل العلم والعمل: ١٤٣.

٢٩٩

الدليل: لأنّ اللّه تعالى بإمكانه أن يصرف المعاقبين عن التفكير حول انقطاع عقابهم، ويشغلهم بما هم فيه من العذاب العظيم.

الخلود في العذاب:

إنّ الخلود في العذاب الأُخروي مختص بمن أدّت سيئاته إلى انقطاعه الكامل عن الرحمة الإلهية، وذلك لقوله تعالى:( بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) [البقرة: ٨١].

أي: أحاطت به خطيئته بحيث أوجبت زوال أيّة قابلية أو استعداد لنزول الرحمة عليه، وخروجه من النقمة(١) .

قال الشيخ الصدوق: "اعتقادنا في النار أ نّها... لا يخلّد فيها إلاّ أهل الكفر والشرك، وأمّا المذنبون من أهل التوحيد، فإنّهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم والشفاعة التي تنالهم"(٢) .

قال الشيخ المفيد: "اتّفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفّار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة باللّه تعالى والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة"(٣) .

سبب الخلود في العذاب:

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

"إنّما خُلّد أهل النار في النار، لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللّه أبداً.

وإنّما خُلّد أهل الجنة في الجنة، لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبداً..."(٤) .

____________________

١- انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١٢، تفسير سورة إبراهيم(عليه السلام) آية ٤٢ - ٥٢، كلام في معنى الانتقام ونسبته إليه تعالى، ص٨٧.

٢- الاعتقادات، الشيخ الصدوق: باب ٢٩: باب الاعتقاد في الجنة والنار، ص٥٣.

٣- أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول في الوعيد، ص٤٦.

٤- الكافي، الشيخ الكليني: ج٢، كتاب الإيمان والكفر، باب النيّة، ح٥، ص٨٥.

مصادر هذا المبحث بصورة مفصّلة:

انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: فصل في صفات الثواب وأحكامه والكلام في دوامه وانقطاعه، ص٢٨٠، ٢٨١، ٢٨٥.

شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، في أنّ دوام الثواب والعقاب سمعي، ص١٤١، ١٤٢، ١٤٣.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثالث، الفصل الأوّل، ص١٨٤.

غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، الفصل الأوّل، ص٢٢٨ - ٢٣٦.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الرابع، ص١١٨.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج٢، القول في دوام الثواب ودوام العقاب...، ص٢٧، ٢٩.

٣٠٠