العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)13%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192984 / تحميل: 8378
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

المبحث الخامس

تنبيهات حول اللطف

١ - إنّ الإنسان قد يخطىء في تشخيص اللطف، فيحكم على ما فيه مفسدة بأنّه من اللطف، وهو غير ملتفت إلى وجود المفسدة فيه.

ولهذا ينبغي أن لا يحكم الإنسان على شيء بأ نّه من اللطف إلاّ بعد بلوغ مرحلة اليقين بانتفاء المفسدة من ذلك الشيء(١) .

٢ - إنّ اللطف لا ينحصر تحقّقه دائماً في فعل معيّن، بل قد تكون مجموعة أفعال تؤدّي كلّ واحدة منها دور اللطف المطلوب(٢) .

٣ - إنّ للّه تعالى لطفاً لا يمنحه إلاّ لمن ينتفع منه.

وأمّا الّذين لا ينفعهم هذا النمط من اللطف، ولا يؤدّي بهم إلى فعل الطاعة وترك المعصية، فإنّه تعالى سيحرمهم من هذا اللطف(٣) .

بعبارة أخرى:

إنّ اللطف الإلهي ينقسم إلى قسمين:

أوّلاً: لطف عام

____________________

١- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (١٢)، ص٤٤٥.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الخامس، ص٢٥٣.

٢- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الرابع، ص١٣٣.

٣- ذهب المحقّق الحلّي والشيخ سديد الدين الحمصي إلى حرمان الكافر من اللطف بصورة مطلقة، ولكن التقسيم المذكور لاحقاً أكثر دقّة وشمولية.

انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الأوّل، ص١٠٢.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في اللطف و...، ص٣٠٣.

٣٢١

وهو من قبيل إرسال الرسل لهداية الناس.

وهذا اللطف يفعله اللّه لجميع المكلّفين إتماماً للحجّة عليهم.

ثانياً: لطف خاص

وهو من قبيل دعم المكلَّفين بما يجعلهم أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.

ويكون هذا اللطف للعباد الذين ينتفعون منه، وأمّا الذين لا ينتفعون منه فإنّهم هم الذين يحرمون أنفسهم من هذا اللطف، لأ نّه تعالى لو يعلم انتفاعهم من لطفه هذا لفعله بهم.

قال تعالى:( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لاََسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) [الأنفال: ٢٣].

أي: لو علم اللّه انتفاع هؤلاء المشركين من اللطف، لألطف عليهم وأسمعهم الجواب عن كلّ ما يسألونه، ولكنه علم بأنّهم لا ينتفعون ولا يفيدهم هذا اللطف، فلهذا أهملهم.

وقال الشيخ الطبرسي حول تفسير هذه الآية: "وفي هذا دلالة على أنّ اللّه تعالى لا يمنع أحداً من المكلّفين اللطف، وإنّما لا يلطف لمن يعلم أنّه لا ينتفع به"(١) .

ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حول قوله تعالى:( تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمات لا يُبْصِرُونَ ) [البقرة: ١٧].

قال(عليه السلام): "إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال، منعهم المعاونة واللطف وخلّى بينهم وبين اختيارهم"(٢) .

____________________

١- مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج٤، تفسير آية ٢٣ من سورة الأنفال، ص ٨١٨.

٢- عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق: ج١، باب ١١، ح١٦، ص١١٣.

٣٢٢

المبحث السادس

اللطف والمفسدة

إنّ ما يقابل "اللطف" هو "الإفساد".

وتطلق "المفسدة" على مايدعو المكلَّف إلى فعل المعصية وترك الطاعة، بحيث يكون المكلَّف مع هذه الدعوة أقرب إلى فعل ما نهاه اللّه تعالى عنه، وأبعد عن امتثال أوامره تعالى(١) .

تنبيهات:

١ - لا يصح أبداً نسبة الإفساد إلى اللّه تعالى.

لأنّ الإفساد في جميع الأحوال قبيح، واللّه تعالى منزّه عن فعل القبيح.

٢ - لا يمكن القول بأنّ اللّه تعالى بما أنّه خلق "الشهوة" في الإنسان، فإنّه المسبِّب في إفساده.

لأنّ الشهوة بحدّ ذاتها ليست مفسدة.

وإنّما الإفساد يكمن في طغيانها(٢) .

وطغيان الشهوة أمر يرتبط باختيار الإنسان.

وقد أمر اللّه تعالى الإنسان بضبط شهواته والسيطرة على زمامها.

ولهذا لو أدّت الشهوة إلى الإفساد بسبب طغيانها.

____________________

١- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الرابع، ص١٣٠.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الأوّل، ص١٠١.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في اللطف و...، ص٢٩٨.

٢- بعبارة أخرى: إنّ الشهوة بذاتها أمر ضروري للإنسان، وهي التي تدفع الإنسان إلى نيل متطلّباته في الحياة. ولا تعتبر الشهوة مصدراً للإفساد إلاّ بعد أن يطلق الإنسان العنان لها ويفسح لها مجال الطغيان وتجاوز الحدّ.

٣٢٣

فإنّ الإنسان يكون هو المسؤول عن ذلك، لأنّه هو السبب في طغيانها.

ولا يصح نسبة هذا الإفساد إلى اللّه سبحانه وتعالى.

٣ - إنّ بعض المكلّفين - سواء كانوا من الجن والإنس - يسيؤون الاستفادة من الاختيار الذي مكّنهم اللّه تعالى منه، فيختارون سبيل الغي والضلال، ثمّ يصبحون بعد ذلك مصدراً لإفساد الآخرين.

ومثال ذلك: إبليس والشياطين وغيرهم من الإنس والّذين يفعلون ما يقرّب الآخرين إلى فعل المعاصي ويبعّدهم عن فعل الطاعات.

وينسب "الإفساد" في هذا المقام إلى هؤلاء العصاة، لأنّهم اتجهوا نحوه باختيارهم.

ولا يصح نسبة هذا الإفساد إلى اللّه تعالى.

لأنّه تعالى أمر الإنس والجن بفعل ما هو حسن، ونهاهم عن فعل ما هو قبيح، ويكون هؤلاء هم المسؤولون فيما لو اختاروا سبيل الإفساد.

فينسب الإفساد إليهم ولا ينسب إلى اللّه تعالى أبداً.

٤ - إنّ اللّه تعالى لا يفعل الإفساد أبداً، لأنّه حكيم، ولكنّه قد يحجب ألطافه عن البعض لدواع مختلفة من قبيل معاقبتهم إزاء ارتكابهم المعاصي أو نتيجة علمه تعالى بعدم انتفاعهم من اللطف فيما لو منحهم ذلك(١) .

ومن هذا القبيل قوله تعالى:

( سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الاَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَة لايُؤْمِنُوا بِها وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لايَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ ) [الأعراف: ١٤٦]

( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٢)

____________________

١- سنبيّن هذا الموضوع بصورة مفصّلة في الفصل الثاني عشر: الهداية والإضلال.

٢- ورد بيان معنى هذه الآية في المبحث السابق.

٣٢٤

[الأنفال: ٢٣].

٣٢٥

المبحث السابع

الإشارة إلى اللطف الإلهي في القرآن الكريم

١ -( وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَداً ) [النور: ٢١].

أي: لولا ألطاف اللّه بكم ومعونته لكم، لكنتم أقرب إلى المفسدة، ولكنه تعالى قد ألطف بكم وأعانكم من منطلق رحمته بحيث جعلكم أقرب إلى تزكية أنفسكم(١) .

٢ -( وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً ) [النساء:٨٣].

أي: لولا الألطاف الإلهية بكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليلاً(٢) .

٣ -( وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [المؤمنون: ٧٥].

أي: إنّنا لو كشفنا الضرّ عنهم لاستمروا في طغيانهم يتردّدون، وهذا ما فيه فساد لهم، ولهذا فإنّنا نلطف بهم ولا نرفع هذا الضرّ عنهم(٣) .

٤ -( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّة وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ ) [الزخرف: ٣٣ - ٣٤].

أي: لو فعل اللّه ما ذكره لاجتمع الناس على الكفر، ولكنّه تعالى لم يفعل ذلك لما

____________________

١- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج٧، تفسير آية ٢١ من سورة النور، ص٢١٠.

٢- انظر: المصدر السابق: ج٣، تفسير آية ٨٣ من سورة النساء، ص١٢٦.

٣- انظر: المصدر السابق: ج٧، تفسير آية ٧٥ من سورة المؤمنين، ص١٨١.

٣٢٦

فيه من المفسدة، بل يفعل اللّه ما فيه اللطف للعباد حفاظاً عليهم من الانجراف في أودية الكفر والضلال(١) .

____________________

١- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطوسي: ج٩، تفسير آية ٤٣ و ٤٤ من سورة الزخرف، ص٧٢.

٣٢٧

المبحث الثامن

مناقشة رأي الأشاعرة حول اللطف الإلهي

يعتقد الأشاعرة بأنّ اللّه تعالى هو الذي يخلق أفعال العباد سواء كانت هذه الأفعال طاعة أو معصية، ويذهب هؤلاء إلى "أنّ أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة اللّه تعالى وحده"(١) .

ومن هذا المنطلق عرّف الأشاعرة اللطف بأنّه عبارة عن عدم خلق اللّه قدرة فعل المعصية في العبد.

ومن هنا لا يعصي الشخص الذي يشمله اللطف الإلهي "إذ لا قدرة له على المعصية"(٢) .

وعرّف بعض الأشاعرة اللطف بأنّه يعني: أن لا يخلق اللّه تعالى الذنب في العبد(٣) .

يرد عليه:

يستلزم هذا الرأي القول بالجبر، لأنّ من لا يمتلك القدرة على فعل المعصية يكون مجبوراً على عدم فعلها.

ويترتّب عليه عدم استحقاق الإنسان الثواب بتركه للمعصية، لأنّه كيف يستحق الثواب على تركه للمعصية وهو لا يمتلك القدرة على فعلها. وإنّما يكون الثواب لمن يمتلك القدرة على فعل المعصية، ولكنّه يتركها باختياره، فيكون مستحقاً للثواب

____________________

١- المواقف، عضدالدين الايجي، ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ١، ص٢٠٨.

٢- شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٦، المبحث ٢، ص٣١٢ - ٣١٣.

٣- انظر: المصدر السابق.

٣٢٨

إزاء هذا الاختيار(١) .

____________________

١- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل السابع: الجبر والتفويض.

٣٢٩

الفصل الحادي عشر

الأصلح

معنى الأصلح

وجوب فعل الأصلح

الأصلح في خلق العالم

٣٣٠

٣٣١

المبحث الأوّل

معنى الأصلح

معنى الأصلح (في اللغة):

الأصلح عبارة عن أفعل تفضيل "الصلاح".

والصلاح ضدّ الفساد.

قال تعالى:( وَلا تُفْسِدُوا فِي الاَْرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) [الأعراف: ٨٥].

والمصلحة: "ما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الباعثة على نفعه أو نفع قومه"(١) .

معنى الأصلح (في الاصطلاح العقائدي):

يظهر من المتكلّمين: أنّ "المصلحة" عندهم تساوى "المنفعة".

قال السيّد المرتضى: الصلاح عبارة عن النفع... ويقال عند التزايد "أصلح" كما يقال "أنفع"(٢) .

وقال أيضاً: "الأصلح في باب الدنيا هو فعل المنافع واللذات الخالية من وجه قبح"(٣) .

____________________

١- انظر: مفردات القرآن، الراغب الاصفهاني: باب: صلح.

المنجد: مادة (صلح).

٢- الذخيرة، السيّد المرتضى: باب الكلام في الأصلح، ص١٩٩.

٣- شرح جمل العلم والعمل، السيّد المرتضى: لا يجب عليه تعالى الأصلح في أمر الدنيا، ص١٠٩.

وانظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الخامس: الكلام في فعل الأصلح، ص١٤٠.

٣٣٢

المبحث الثاني

وجوب(١) فعل الأصلح

إنّ الأصلح ينقسم إلى قسمين(٢) :

١ - الأصلح في الدين: ومصالح الدين هي "الألطاف".

ولا إشكال في أنّ اللّه تعالى حكيم، وهو يفعل دائماً ما هو الأصلح بالعباد في أمور دينهم. وقد بينّا "اللطف الإلهي" في الفصل السابق.

٢ - الأصلح في الدنيا: ومصالح الدنيا هي الأُمور التي ينتفع بها الأحياء بشرط أن لا تكون هذه الأُمور قبيحة(٣) ، ووجوب فعله تعالى لهذا المعنى من "الأصلح" هو الذي وقع النزاع حوله بين العلماء.

الآراء حول وجوب أو عدم وجوب فعله تعالى للأصلح:

١ - عدم الوجوب.

٢ - الوجوب.

الرأي الأوّل: عدم وجوب فعله تعالى للأصلح (أي: لا يجب على اللّه تعالى في الدنيا أن يفعل بالعباد ما هو أنفع لهم في دنياهم).

أدلة ذلك:

____________________

١- نؤكّد مرّة أخرى بأنّ الوجوب على اللّه تعالى لا يعني أنّه تعالى مكلّف بأنّ يفعل كذا وكذا، بل معناه أنّ عدم فعله تعالى لكذا وكذا لا ينسجم مع صفاته الكمالية.

انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥٩، كتاب السماء والعلم، باب ٢٤: عصمة الملائكة...، ص٣١٠.

٢- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في اللطف والمصلحة والمفسدة، ص٢٩٨.

٣- قال السيّد المرتضى: "لا يحسن فعل ذلك [أي: فعل] الأصلح إلاّ مع التعرّي من المفاسد".

الذخيرة، السيّد المرتضى: باب الكلام في الأصلح، ص٢٠٥.

٣٣٣

الدليل الأوّل:

وجوب الأصلح يستلزم المحال.

توضيح ذلك:

ما من أصلح (أي: أنفع للعباد) إلاّ وهناك فعل أصلح منه، وهو مع ذلك خال عن المفسدة.

فلو كان الأصلح واجباً لوجب على اللّه تعالى أن يقوم بأفعال غير متناهية، وكلّها أصلح، وهذا محال.

ولهذا ينبغي القول بعدم وجوب فعل الأصلح على اللّه تعالى مطلقاً(١) .

يلاحظ عليه:

١ - إنّ البحث حول الأصلح يشمل المنافع التي يمكن وقوعها، وأمّا المحال فهو خارج عن البحث.

قال العلاّمة الحلّي: "إنّ الفعل إنّما يجب على اللّه تعالى من حيث الحكمة، إذا كان مُمكناً، أمّا إذا كان ممتنعاً فلا، وما لا يتناهى يستحيلُ إيجاده"(٢) .

٢ - إنّ الأصلح مرتبة واحدة، ولهذا فإنّ الزيادة التي يتصوّرها البعض ليست داخلة في دائرة الأصلح، بل هي خارجة عنه، ولهذا لا يتجه الوجوب إليها، فتكون هذه الزيادة خارجة عن البحث.

قال نصير الدين الطوسي: " لا يقال: فأيُّ مرتبة فُرضت، أمكن الزيادةُ عليها، ويدخل بذلك تحت ما لا نهاية له.

لأ نّا نقول: نمنع كونَه أصلح، لأنَّا فرضنا الأصلح مرتبة، فالزائد ليس أصلح"(٣) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، السيّد المرتضى: باب الكلام في الأصلح، ص٢٠١ - ٢٠٢.

شرح جمل العلم والعمل، السيّد المرتضى: لا يجب عليه تعالى الأصلح في أمر الدنيا، ص١٠٩ - ١١٠.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الخامس، ص١٤٠.

غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، لا يجب عليه تعالى الأصلح في أمر الدنيا، ص١١٠.

٢- مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث العاشر، ص٢٦٢.

٣- كشف الفوائد، نصير الدين الطوسي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، وجوب الأصلح، ص٢٥٣.

٣٣٤

الدليل الثاني على عدم وجوب فعله تعالى للأصلح:

لو كان الأصلح واجباً لم يستحق اللّه الشكر منّا على ما يفعله بنا من الإحسان والإنعام، لأنّ الذي يقوم بفعل يجب عليه، فإنّه لا يستحق الشكر، وإنّما الشكر يكون للمتفضّل الذي له أن يفعل وله أن لا يفعل(١) .

يلاحظ عليه:

١ - إنّ "الوجوب" الذي يتنافى مع استحقاق الشكر هو "الوجوب" بمعنى "الاضطرار" و"عدم الاختيار"، ولكن المقصود من "الوجوب" هنا غير هذا المعنى، وإنّما المقصود من الوجوب هنا أنّ العدل والحكمة الإلهية تقتضي أن يفعل اللّه تعالى كذا، لأنّ تركه لهذا الفعل يؤدّي إلى الإخلال بعدله وحكمته ويوجب اتّصافه تعالى بأوصاف يتنزّه عنها(٢) .

٢ - إنّ شكرنا للّه تعالى إزاء فعل الأصلح يكون من قبيل شكرنا له تعالى إزاء إعطائه "الثواب" و"العوض".

و"إعطاء الثواب" و"إعطاء العوض" أمران يجبان على اللّه تعالى بمقتضى عدله وحكمته.

ولكننا - مع ذلك - نشكر اللّه تعالى إزاءهما.

ولكن لا يكون شكرنا له تعالى إزاء ما يجب عليه تعالى.

وإنّما يكون شكرنا له تعالى إزاء ما تفضّل به علينا.

وتفضّله تعالى في هذا المقام أنّه خلقنا ومنحنا العقل وكلّفنا وأوجد فينا الأسباب التي تجعلنا ممن يشملهم "الثواب" و"العوض" الإلهي.

وكان بإمكانه تعالى أن لا يخلقنا أو لا يمنحنا العقل، فنكون ممن لا يشملهم

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في الأصلح، ص٢٠٧.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الخامس، ص١٤٢.

غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، لايجب عليه تعالى الأصلح في أمر الدنيا، ص١٠٩.

٢- انظر: البراهين القاطعة، محمّد جعفر الاسترآبادي: ج٢، المقصد ٣، الفصل ٣، المقام ٥، ص٤٥٥.

٣٣٥

"الثواب" و"العوض" الإلهي.

ولكنّه تعالى خلقنا ومنحنا العقل من باب التفضّل، وبذلك أصبحنا ممن يقتضي عدله أن لا يظلمنا.

فيكون شكرنا للّه تعالى إزاء هذا التفضّل.

وتعتبر مسألة الشكر إزاء فعل الأصلح أيضاً من هذا القبيل(١) .

الدليل الثالث على عدم وجوب فعله تعالى للأصلح:

لو كان فعل الأصلح واجباً لم يكن للدعاء أيّة فائدة.

لأنّه إذا كان كلّ ما يفعله اللّه تعالى هو الأصلح الذي يجب أن يفعله، فعندئذ لا يمكن تغيير هذا الواجب، فينتفي دور الدعاء.

ولكن بما أنّ للدعاء دوراً، فلهذا نستنتج بأنّه تعالى لا يجب عليه فعل الأصلح.

يلاحظ عليه:

لا يوجب هذا الاستدلال نفي فعله تعالى للأصلح، لأنّ اللّه تعالى يفعل بالعباد ما هو أصلح لهم وفق ما تقتضيه الحكمة، وقد اقتضت حكمته تعالى أن يجعل للعباد بعض "الأسباب" التي يحصلون بها على المزيد من المنافع، ومن هذه الأسباب "الدعاء".

فالأصلح في هذا المقام للعباد أن تتاح لهم الفرصة ليصلوا إلى منافعهم عن طريق تمسّكهم بالأسباب.

فمن يتمسّك بهذه الأسباب، فإنّه يصل إلى المنافع إن شاء اللّه تعالى.

ومن لا يتمسّك بهذه الأسباب، فإنّه يحرم نفسه بنفسه من هذه المنافع.

الرأي الثاني: وجوب فعله تعالى للأصلح(٢) :

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): "إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يفعل بعباده إلاّ

____________________

١- انظر: إشراق اللاهوت، عميد الدين العبيدلي: المقصد الحادي عشر، المسألة الخامسة: ص٣٩٧.

٢- أي: وجوب فعله تعالى الأنفع للعباد في الدنيا.

٣٣٦

الأصلح لهم"(١) .

تنبيه مهم:

ينبغي الالتفات في هذا الصعيد إلى حقيقة مهمّة وهي:

إنّ الأصلح في الدنيا لا يكون دائماً في مطلق إيصال الشيء النافع للعبد.

بل قد يكون الأصلح للعبد في الدنيا حرمانه من المنافع الدنيوية.

لأنّ المنافع الدنيوية ليست بنفسها ملاكاً عند اللّه تعالى في تعامله مع العباد.

وإنّما الملاك عند اللّه تعالى هو المنافع الأخروية للعباد.

وعلى ضوء هذا الملاك يتعامل اللّه تعالى مع العباد في إيصال الأنفع إليهم.

ورد في الحديث الشريف:

عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل، عن اللّه عز وجل، قال: "قال اللّه تبارك وتعالى:

إنّ من عبادي المؤمنين لَمَن لا يصلُح إيمانه إلاّ بالفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك.

وإنّ من عبادي المؤمنين لَمَن لا يصلُح إيمانه إلاّ بالغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك.

وإنّ من عبادي المؤمنين لَمَن لا يصلُح إيمانه إلاّ بالسقم، ولو صحّحت جسمه لأفسده ذلك.

وإنّ من عبادي المؤمنين لَمَن لا يصلُح إيمانه إلاّ بالصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك.

إنّي أدبّر عبادي لعلمي بقلوبهم، فإنّي عليم خبير"(٢) .

قال الشيخ المفيد:

"إنّ اللّه تعالى لا يفعل بعباده ما داموا مكلَّفين إلاّ أصلح الأشياء لهم في دينهم ودنياهم، وأنّه لا يدّخرهم صلاحاً ولا نفعاً، وأنّ من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير، وكذلك من أفقره ومن أصحّه ومن أمرضه فالقول فيه كذلك"(٣) .

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦٢: باب أنّ اللّه تعالى لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم، ح٩، ص٣٩٢.

٢- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦٢، ح١، ص٣٨٨.

٣- أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول ٢٨: القول في اللطف والأصلح، ص٥٩.

٣٣٧

٣٣٨

المبحث الثالث

الأصلح في خلق العالم

إنّ كيفية نظام الوجود وقوانين الكون هي الأفضل والأكثر إتقاناً حسب ما اقتضته الحكمة والرحمة الإلهية، بحيث لا يمكن تصوّر أحسن منه في تنظيم عالم الإمكان مع لحاظ الأهداف المطلوبة.

الأدلة المثبتة للنظام الأحسن:

١ - إنّ اللّه تعالى حكيم، ولا يفعل إلاّ الأفضل والأحسن حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.

٢ - إنّ اللّه تعالى عالم بجميع جهات حسن وقبح الأفعال، والحكيم يختار دائماً ما هو الأحسن والأكمل.

٣ - إنّ اللّه تعالى غني عن العالمين، وهو في منتهى الجود والكرم والعطاء، ولا يوجد ما يمنع اللّه من إيجاد الأحسن حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.

٣٣٩

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432