العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)9%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192977 / تحميل: 8377
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الفصل الثاني عشر

الهداية والإضلال

معنى الهداية

الهداية الإلهية العامة

الهداية الإلهية الخاصة

معنى الإضلال

نسبة إضلال العباد إلى اللّه تعالى

٣٤١

٣٤٢

المبحث الأوّل

معنى الهداية

معنى الهداية (في اللغة):

الهداية: الدلالة والإرشاد وبيان الطريق(١) .

معنى الهداية (في الاصطلاح العقائدي):

إنّ للهداية - في دائرة الاصطلاح العقائدي - العديد من المعاني التي سنذكرها خلال البحث مع بيان المعاني التي تصح نسبتها إلى اللّه تعالى والمعاني التي لا تصح نسبتها إليه تعالى.

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (هَدَيَ).

٣٤٣

المبحث الثاني

الهداية الإلهية العامة

أقسام الهداية الإلهية:

١ - الهداية الإلهية العامة.

٢ - الهداية الإلهية الخاصة.

خصائص الهداية الإلهية العامة:

١ - تشمل الهداية الإلهية العامة كلّ الموجودات، وتعمّ جميع الكائنات من دون تبعيض أو تمييز.

٢ - تتجسّد الهداية الإلهية العامة لكلّ موجود بما يتناسب ويتلاءم مع الغاية التي من أجلها خلقه اللّه تعالى.

أقسام الهداية الإلهية العامة:

١ - الهداية التكوينية.

٢ - الهداية التشريعية.

الهداية التكوينية:

أودع اللّه تعالى في ذات كلّ موجود ما يهديه إلى الغاية التي خلقه من أجلها، وتسمّى هذه الهداية بالهداية التكوينية(١) .

____________________

١- انظر: مفاهيم القرآن، جعفر السبحاني: ج٦، يبحث عن أسمائه وصفاته سبحانه، ص ٥٠١.

٣٤٤

خصائص الهداية التكوينية(١) :

١ - تتمّ الهداية التكوينية عن طريق القوى التي يخلقها اللّه تعالى في كلّ موجود لتهديه إلى الغايات التي خُلق لأجلها.

٢ - تتحقّق الهداية التكوينية في كلّ موجود بصورة خاصة تتناسب وتنسجم مع ذلك الموجود.

بعض الآيات القرآنية الدالة على الهداية التكوينية:

١ -( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) [طه: ٥٠]

٢ -( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) [الأعلى: ١ - ٣] أي: كلّ ما يخلقه اللّه تعالى إنّما يخلقه بتقدير خاص تتبعه الهداية التكوينية العامة.

أمثلة الهداية التكوينية:

أوّلاً - الهداية التكوينية في الإنسان:

خلق اللّه تعالى الإنسان مختاراً ليصل عن طريق عبادته للّه تعالى(٢) وكدحه في سبيل اللّه عزّ وجلّ(٣) إلى ما يستحق به الرحمة الإلهية(٤) فيبلغ بذلك أعلى درجات الكمال من خلال تقرّبه إلى اللّه تعالى.

وقد أعدّ اللّه تعالى للإنسان كلّ ما يحتاجه في هذا السبيل من أجل وصوله إلى الغاية التي خلقه لأجلها، وهذا ما يسمّى بالهداية الإلهية التكوينية العامة للإنسان.

قال تعالى:

( وَنَفْس وَما سَوّاها * فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ) [الشمس: ٧ - ٨]

( أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) [البلد: ٨ -

____________________

١- المصدر السابق.

٢- قال تعالى: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ). [الذاريات: ٥٦]

٣- قال تعالى: (يا أَيُّهَا الإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ). [الإنشقاق: ٦]

٤- قال تعالى: (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ). [هود: ١١٨ - ١١٩]

٣٤٥

١٠]

نماذج من قوى الهداية التكوينية في الإنسان:

إنّ من القوى التي خلقها اللّه تعالى في الإنسان ليهتدي بها إلى غاية خلقه:

١ - قوى نمو النطفة والجسم:

جعل اللّه تعالى في النطفة قوى تهديها وترشدها عند توفّر الشروط المطلوبة إلى النمو بصورة صحيحة من أجل تكوين الإنسان بالشكل المطلوب. كما أنّ جسم الإنسان مليء بالأجهزة التي تهديه إلى حفظ حالة التوازن فيه.

٢ - العقل:

إنّ العقل هو الجهاز الذي يرشد الإنسان إلى الخير والصلاح، وقد أشار القرآن الكريم إلى وجود هذه الهداية العامة في جميع المكلَّفين، وحثّ الباري عزّ وجلّ الإنسان على التعقّل والتفكّر والتدبّر لينتفع من هذه الهداية العامة في حياته.

ملاحظة:

إنّ الذين يهملون عقولهم ولا ينتفعون بها عن طريق التفكّر والتدّبر والتأمّل، فإنّهم - في الواقع - يحرمون أنفسهم من هذه الهداية الإلهية العامة، وإنّهم سيتحمّلون بأنفسهم مسؤولية عدم انتفاعهم من هذه الهداية(١) .

٣ - الفطرة:

جعل اللّه تعالى الذات البشرية بصورة تنسجم مع التشريعات الإلهية. وعرّف اللّه تعالى النفس البشرية طريق الفجور وطريق التقوى، بحيث جعلها قادرة على التمييز بين الخير والشر بصورة فطرية. وهذا ما يعدّ من أنواع الهداية التكوينية الإلهية للعباد.

قال تعالى:

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) [الروم: ٣٠]

____________________

١- انظر: مفاهيم القرآن، جعفر السبحاني: ج٦، يبحث عن أسمائه وصفاته سبحانه، ص٥٠٢.

٣٤٦

( وَنَفْس وَما سَوّاها * فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ) [الشمس: ٧ - ٨]

تنبيه:

إنّ الفطرة عامة عند جميع الناس، ولكنها ربّما تضعف أو يزول تأثيرها بسبب إعراض الإنسان عنها وتلبّسه بصفات سلبية تمنعه من إجابة ندائها، كالهوى والشهوات والغفلة والجهل والتعصّب والعناد واللجاج وما يشبه ذلك(١) .

ثانياً: الهداية التكوينية في الحيوانات:

خلق اللّه تعالى الحيوانات لغايات معيّنة، ثمّ هدى كلّ صنف منها إلى نظام وجودها وحياتها الطبيعية لتحقّق الغاية التي خُلقت من أجلها.

وقد سمّى اللّه تعالى هذه الهداية التكوينية في بعض الموارد باسم "الوحي" فقال تعالى:

( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ ) [النحل: ٦٨ -٦٩]

وهذه الهداية عامة لجميع أفراد النحل بلا استثناء.

نماذج من الهداية التكوينية في الحيوانات:

إنّ اللّه تعالى هدى الحيوان إلى توفير أسباب العيش لنفسه، من قبيل: الأكل والشرب، والبحث عن القوت، والبناء أو البحث عن مأوى لنفسه، والهروب من كلّ ما يضرّه أو يؤلمه، والاتّجاه نحو كلّ ما يحفظ له وجوده ويحقّق له غاية حياته.

ثالثاً: الهداية التكوينية في النباتات:

جهّز اللّه تعالى النباتات بقوى تهديها إلى كمالها المطلوب.

مثال:

____________________

١- انظر: حديث حول الجبر والتفويض، عبد اللّه الموسوي البحراني: مفهوم الجبر والاختيار، ص٣٧.

٣٤٧

جهّز اللّه تعالى الحبّة بأدق القوى التي تدفعها عند توفّر الظروف الخاصة إلى الازدهار، فالحبّة عندما توضع تحت التراب، وتتوفّر لها شروط النمو، ترعاها هذه القوى الكامنة فيها للانتفاع من العوامل الخارجية كالماء والنور إلى أن تصبح شجرة مثمرة(١) .

رابعاً: الهداية التكوينية في الجمادات:

جهّز اللّه تعالى كلّ ذرة من الجمادات بأجهزة تسيّرها وفق قانون طبيعي منظّم يمنحها التماسك والتفاعل مع المؤثّرات الخارجية.

الهداية التشريعية:

إنّ الهداية التشريعية عبارة عن إرشاد اللّه العباد إلى الحقّ(٢) عن طريق إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب السماوية، ليتعرّف كلّ إنسان على ربّه وعلى كيفية عبادته وعلى المنهج الصحيح الذي ينبغي أن يتّبعه في هذه الحياة ليصل به إلى الكمال المنشود.

خصائص الهداية التشريعية:

١ - تكون الهداية التشريعية من قبيل "إراءة الطريق"، ويقوم الأنبياء بهذه الهداية عن طريق إرشاد الناس إلى التشريعات الإلهية وإيضاح سبيل الخير والسعادة لهم وتحذيرهم من سلوك سبيل الشر والغواية.

٢ - تشمل الهداية التشريعية جميع المكلَّفين(٣) ، وهي لا تختص بفرد أو جماعة دون غيرها، ولا بطائفة دون طائفة، ولا بجيل دون جيل، بل هي عامة شاملة، ويكون بوسع كلّ إنسان أن يهتدي بهداها.

٣ - إنّ عمومية الهداية التشريعية لكلّ مكلَّف تنفي الجبر وتثبت الاختيار في الإنسان; لأ نّها تبيّن بأنّ كلّ إنسان مختار في الاهتداء بهداية الأنبياء والرسل والكتب السماوية، وهو غير مجبور في هذا السبيل، وله أن يهتدي أو يضل وفق

____________________

١- انظر: الانصاف، جعفر السبحاني: ٣/٨٤.

٢- انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب٧، ص١٧١.

٣- انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب٧، ص١٧١.

٣٤٨

إرادته واختياره.

٤ - تعتبر الهداية التشريعية من شروط ومستلزمات التكليف، بحيث لا يصح التكليف من دونها، لأنّ الإنسان غير قادر على طاعة اللّه تعالى ما لم يهديه اللّه تعالى ويرشده إلى المنهج الديني الذي ينبغي السير على ضوئه.

بعض الآيات القرآنية الدالة على الهداية التشريعية:

١ -( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) [النساء: ١٦٥]

٢ -( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) [الأنبياء: ٧٣]

٣ -( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ) [الفتح: ٢٨]

٤ -( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراط مُسْتَقِيم ) [الشورى: ٥٢]

٥ -( وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) [فصّلت: ١٧]

٦ -( وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى ) [النجم: ٢٣]

٧ -( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء: ٩]

٨ -( ... الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) [البقرة: ١٨٥]

٣٤٩

المبحث الثالث

الهداية الإلهية الخاصة

إنّ الهداية الإلهية الخاصة عبارة عن التوفيق والمعونة والتسديد الإلهي للعباد ومنحهم المزيد من الثبات في طريق الحقّ.

مستحقي الهداية الإلهية الخاصة:

إنّ الهداية الإلهية الخاصة تكون وفق مشيئته تعالى، وإنّ اللّه تعالى يهدي من يشاء بهدايته الخاصة.

ولهذا ورد في القرآن الكريم:

١ -( ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ ) [الزمر: ٢٣]

٢ -( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) [القصص: ٥٦]

٣ -( وَاللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) [البقرة: ٢١٣]

ولكن لا يخفى بأنّ اللّه تعالى حكيم، وهو لا يشاء جُزافاً أو عبثاً، وإنّما تكون مشيئته وفق حكمته وعدله، وقد بيّن اللّه عزّ وجلّ في القرآن الكريم موازين مشيئته تعالى في هداية العباد بهدايته الخاصة.

موازين المشيئة الإلهية في هداية عباده بالهداية الخاصة:

أوّلاً - الإيمان باللّه والعمل الصالح (الانتفاع من الهداية التكوينية كالعقل والفطرة واتّباع الهداية التشريعية)، ولهذا قال تعالى:

١ -( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ ) [يونس: ٩]

٢ -( إِنَّ اللّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراط مُسْتَقِيم ) [الحجّ: ٥٤]

٣٥٠

٣ -( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) [التغابن: ١١]

٤ -( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) [محمّد: ١٧]

٥ -( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ ) [الكهف: ١٣ - ١٤]

٦ -( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى ) [طه: ١٢٣]

٧ -( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ... ) [المائدة: ١٥ - ١٦]

ثانياً - المجاهدة في سبيل اللّه

قال تعالى:( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) [العنكبوت: ٦٩]

أي: إنّ الذين يجاهدون أهواءهم النفسية في سبيل اللّه تعالى، ويقفون بصلابة أمام التيارات المعاكسة للحق، فإنّ اللّه تعالى وعدهم بالهداية الخاصة.

ثالثا - الإنابة

قال تعالى:( إِنَّ اللّهَ... وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ) [الرعد: ٢٧]

وقال تعالى:( وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) [الشورى: ١٣]

أي: إنّ من ينيب إلى اللّه تعالى ويرجع إليه ويُقبل عليه، فإنّ اللّه تعالى يهديه بهدايته الخاصة، فعلّق اللّه تعالى الهداية على من اتّصف بالإنابة والتوجّه إليه سبحانه وتعالى.

النتيجة:

تكون الهداية الإلهية الخاصة فقط للذين يجاهدون ليستضيئوا بنور الهداية التكوينية والتشريعية العامة، فهؤلاء هم المستحقون لهذه الهداية، وهم الذين تشملهم العناية الربانية، فتعينهم في سيرهم على جادة الصواب، وتسدّد خطاهم في اتّباعهم للحق، وتثبّت أقدامهم على الصراط المستقيم.

٣٥١

الآيات القرآنية الدالة على عدم مشيئة اللّه إجبار العباد على الهداية:

١ -( وَلَوْ شِئْنا لآتَيْنا كُلَّ نَفْس هُداها ) [السجدة: ١٣]

٢ -( وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) [النحل: ٩]

٣ -( وَلَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى ) [الأنعام: ٣٥]

٤ -( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) [يونس: ٩٩]

٥ -( وَلَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكُوا ) [الأنعام: ١٠٧]

تبيّن هذه الآيات بأنّ اللّه تعالى قادر على سلب اختيار الإنسان وإجباره على الهداية، ولو كان كذلك لآمن واهتدى كلّ من في الأرض، ولكنه تعالى لم يشأ ذلك، وإنّما شاء أن يجعل الإنسان مختاراً في سلوكه سبيل الهداية أو الضلال، لأنّ قيمة الهداية تكمن في كونها مستندة إلى الاختيار لا إلى الجبر.

الرد الإلهي على المشركين الذين نسبوا شركهم إلى مشيئة اللّه تعالى:

قال تعالى:

١ -( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْء كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ ) [الأنعام: ١٤٨]

٢ -( وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) [النحل: ٣٥]

توضيح:

إدّعاء المشركين: شاء اللّه تعالى لنا الإشراك به وشاء لنا عبادة غيره.

استنتاج المشركين: لذلك أشركنا باللّه في الصعيد العقائدي والعبادي.

٣٥٢

احتجاج المشركين:( لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا ) ،( لَوْ شاءَ اللّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ )

الموقف الإلهي إزاء هؤلاء المشركين:

١ - كذّبهم اللّه في هذا الإدّعاء والاحتجاج، وقال تعالى:( كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) .

٢ - أوعدهم اللّه بعذاب، فقال تعالى:( حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا ) بسبب هذا الكذب الذي كذّبوه على اللّه تعالى.

٣ - طالبهم اللّه تعالى بالدليل على ما ادّعوه، فقال تعالى لنبيه(صلى الله عليه وآله وسلم):( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ ) .

أي: إنّ كان عندكم دليل أو برهان فاخرجوه، ولكنكم - في الواقع - لا تعتمدون في ادّعاءاتكم على مستند علمي، وإنّما تتبعون الظنون الكاذبة التي هي أوهام بعيدة عن الحقيقة.

٤ - ردّ اللّه تعالى على احتجاجهم بقوله:( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) [الأنعام: ١٤٩]. أي: شاء اللّه تعالى أن يمنحكم الاختيار، ولو شاء اللّه إجباركم، لأجبركم على الهداية، ولم يجبركم على الشرك به، وفي هذا حجّة تبلغ صميم الحقيقة، وللّه الحجّة البالغة(١) .

الآيات القرآنية الدالة على حرّية مشيئة الإنسان في اختيار الإيمان أو الكفر:

١ -( قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) [الكهف: ٢٩]

٢ -( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) [الإنسان: ٢٩]

٣ -( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [فصّلت: ٤٠]

٤ -( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ

____________________

١- انظر: العقيدة الإسلامية وأسسها، عبد الرحمن حسن جنكه الميداني: ص٧٨٠ - ٧٨١.

٣٥٣

لَكُمْ ) [الزمر: ٧]

أي: إنّكم تمتلكون اختيار الإيمان أو الكفر بمحض إرادتكم، وإنّكم غير مسلوبي الإرادة في التلبّس بأيّهما شئتم.

فلو اخترتم الكفر وكفرتم باللّه، فإنّ اللّه غني عنكم، ولكن الكفر سيقودكم إلى الشرّ، واللّه يريد لكم الخير، فلهذا لا يرضى اللّه لعباده الكفر.

ولو اخترتم سبيل الشكر للّه تعالى، فإنّ اللّه أيضاً غني عنكم، ولكن هذا الشكر سيقودكم إلى الخير، واللّه يريد لكم الخير، فلهذا إن تشكروا يرضه لكم.

وهذا ما يدلّ بصراحة على امتلاك الإنسان الاختيار في سلوكه وتصرّفاته(١) .

معاني أُخرى للهداية الإلهية الخاصة

معاني الهداية التي يصح نسبتها إلى اللّه تعالى:

المعنى الأوّل: الإثابة(٢)

١ - قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ ) [يونس: ٩]

فقوله تعالى:( يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ ) أي: يثيبهم بإيمانهم ويهديهم طريق الجنة(٣) .

٢ - قال تعالى:( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) [محمّد: ٤ - ٥]

فقوله تعالى:( سَيَهْدِيهِمْ ) أي: سيثيبهم(٤) لأنّ الهداية التي تكون بعد قتلهم

____________________

١- انظر: حديث حول الجبر والتفويض، عبد اللّه الموسوي البحراني: مفهوم الجبر والاختيار، ص٣٩.

٢- انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٧، تفسير الآيات، ص١٧٢.

٣- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الهدى والضلال، ص١٨٨.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثالث، ص٩١.

٤- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الهدى والضلال، ص١٨٨.

٣٥٤

هي إثابتهم لا محالة(١) .

٣ - قال تعالى:( فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ) [الأنعام: ١٢٥]أي: من يرد اللّه أن يثيبه بإيمانه وطاعته التي فعلها، فإنّ اللّه تعالى يشرح صدره ليطمئن قلبه بالإيمان ويثبت عليه، لأنّ المؤمن إذا انشرح صدره عند قيامه بعمل عبادي، فإنّ هذا الانشراح سيدفعه إلى مواصلة ذلك العمل والتثبّت عليه(٢) .

٤ - قال تعالى:( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) [البقرة: ٢٧٢]أي: ليس عليك يا رسول اللّه إثابتهم، ولكن اللّه يثيب من يشاء وفق موازين حكمته وعدله(٣) .

٥ - قال تعالى:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) [القصص: ٥٦]

أي: إنّك يا رسول اللّه لا تثيب من أحببت، ولكن الإثابة بيد اللّه تعالى، وأ نّه تعالى يثيب وفق مشيئته الحكيمة والعادلة(٤) .

المعنى الثاني: إثبات الهداية والحكم بها

قد تعني عبارة "هدى اللّه هؤلاء" أ نّه تعالى أثبت أ نّهم مهتدون وحكم عليهم بهذا الوصف(٥) .

____________________

١- انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب٧، تفسير الآيات، ص١٧٢.

٢- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الهدى والضلال، ص١٩١.

تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في الإرادة والمشيئة، ص٥١.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة التاسعة، ص٤٣٦.

وقد ورد هذا المعنى في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام).

راجع: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٣٥: باب تفسير الهدى والضلالة، ح٤، ص٢٣٧.

٣- انظر: أصول الدين، محمّد حسن آل ياسين: العدل الإلهي، ص١٨٠.

٤- انظر: المصدر السابق.

٥- انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٧: تفسير الآيات، ص١٧٢.

٣٥٥

المعنى الثالث: الإرشاد إلى الجنة

قال تعالى:( مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ) [الكهف: ١٧]

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) حول هذه الآية:

"إنّ اللّه تبارك وتعالى يضلّ الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنته، كما قال عزّ وجلّ:( وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) [إبراهيم: ٢٧]

وقال عزّ وجلّ:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ ) [يونس: ٩]..."(١) .

معاني الهداية التي لا يصح نسبتها إلى اللّه تعالى:

المعنى الأوّل: ايصال الإنسان إلى الهداية إجباراً

إنّ تفسير الهداية الإلهية بمعنى إجبار اللّه الإنسان على الهداية وحمله عليها بالقسر والغلبة يتنافي مع اختيار الإنسان في أفعاله ولا ينسجم مع مبدأ التكليف ومبدأ استحقاق الإنسان الثواب والعقاب(٢) .

المعنى الثاني: خلق الهداية في الإنسان

لا يصح القول بأنّ اللّه تعالى يخلق الهداية في الإنسان من غير أن يكون للإنسان القدرة على الامتناع وقد ناقشنا هذا الموضوع فيما سبق(٣) .

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٣٥، ح١، ص٢٣٦.

٢- للمزيد راجع الفصل السابع، المبحث الرابع من هذا الكتاب.

٣- راجع: الفصل السابع، المبحث السادس من هذا الكتاب.

٣٥٦

المبحث الرابع

معنى الإضلال

معنى الإضلال(١) :

١ - التغييب: يقال: أضللت الشيء إذا غيّبته.

وجاء في القرآن الكريم:( لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى ) [طه: ٥٢] أي: لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.

٢ - التضييع: يقال: أضللته إذا ضيّعته، ويقال: ضلّت ناقتي، أي: ضاعت ناقتي وتاهت، ويقال: ضللت الطريق، أي: ضعت عن الطريق.

٣ - الهلاك: كقوله تعالى:( ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) [الكهف: ١٠٤]أي: حبط سعيهم. وكقوله تعالى حكاية عن الدهريين:( وَقالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْق جَدِيد بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) [السجدة: ١٠] أي: أَإِذا هلكنا في الأرض ومتنا وتفتّتت أجزاؤنا أ نُخلق خلقاً جديداً(٢) .

٤ - النسيان: كقوله تعالى:( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الأُخْرى ) [البقرة: ٢٨٢] أي: إذا نسيت إحداهما ذكّرتها الأخرى.

٥ - وجده ضالاً: يقال: أضللت الشيء إذا وجدته ضالا، ومنه الحديث: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أتى قومه فأضلّهم، أي: وجدهم ضلالا غير مهتدين إلى الحقّ.

٦ - السبب للضلال والدخول فيه: كما جاء في القرآن الكريم حول الأصنام:

____________________

١- وردت المعاني الستة المذكورة في بداية هذا القسم في: لسان العرب، ابن منظور: مادة (ضلل).

٢- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل: في الإرادة والمشيئة، ص٥٢.

٣٥٧

( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ ) [إبراهيم: ٣٦] أي: ربّ إنّ الأصنام أصبحن سبباً لإضلال الكثير، مع العلم بأنّ الأصنام لا تعقل ولا تفعل شيئاً(١) .

٧ - إبطال العمل: كقوله تعالى:( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ) [محمّد: ٤] أي: فلن يبطل اللّه أعمالهم، وكقوله تعالى:( وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [ ) محمّد: ٨] أي: أبطل أعمالهم لسوء نواياهم وتلبّسها بالرياء والنفاق(٢) .

____________________

١- انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب٧، ح٤٨، ص٢٠٨.

٢- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة التاسعة، ص٤٣٦.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثالث، ص٩١.

٣٥٨

المبحث الخامس

نسبة إضلال العباد إلى اللّه تعالى

إنّ إضلال اللّه لبعض العباد عبارة عن خذلانهم وتركهم لشأنهم وإيكالهم إلى أنفسهم وسلب التوفيق والعناية والتسديد منهم، وحرمانهم من الهداية الخاصة.

مستحقي هذا النوع من الإضلال:

إنّ إضلال اللّه لبعض العباد يكون وفق مشيئته تعالى، وإنّ اللّه تعالى يضل من يشاء.

ولهذا ورد في القرآن الكريم:

١ -( إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ) [الرعد: ٢٧]

٢ -( فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ ) [إبراهيم: ٤]

ولكن لا يخفى بأنّ اللّه تعالى حكيم، وهو لا يشاء جزافاً أو عبثاً، وإنّما تكون مشيئته وفق حكمته وعدله، وقد بيّن اللّه عزّ وجل في القرآن الكريم موازين مشيئته تعالى في إضلال بعض العباد وحرمانهم من الهداية الخاصة.

موازين مشيئته تعالى في إضلال العباد وحرمانهم من الهداية الخاصة:

أوّلاً: الكفر

قال تعالى:

١ -( كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ الْكافِرِينَ ) [غافر: ٧٤]

٢ -( وَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) [النحل: ١٠٧]

٣ -( وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) [البقرة: ٢٦٤]

٤ -( إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ ) [الزمر: ٣]

٣٥٩

ثانياً: الظلم

قال تعالى:

١ -( وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ ) [إبراهيم: ٢٧]

٢ -( إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) [المائدة: ٥١]

٣ -( وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) [البقرة: ٢٥٨]

ثالثاً: الفسق

قال تعالى:

١ -( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ ) [البقرة: ٢٦]

٢ -( وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) [المائدة: ١٠٨]

رابعاً: الإسراف والارتياب

قال تعالى:( كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ ) [غافر: ٣٤]

خامساً: الانحراف عن الحقّ

قال تعالى:( فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ ) [الصف: ٥]

سادساً: الاستكبار

قال تعالى:( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّر جَبّار ) [غافر: ٣٥]

٣٦٠

معاني الإضلال التي لا يصح نسبتها إلى اللّه تعالى

المعنى الأوّل: الإغواء والتوجيه نحو الباطل(١) .

الآيات القرآنية المشيرة إلى هذا المعنى من الإضلال:

١ -( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى ) [طه: ٧٩]

٢ -( وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ ) [طه: ٨٥]

٣ -( وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ ) [الشعراء: ٩٩]

٤ -( رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ) [الأحزاب: ٦٧]

٥ -( وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) [آل عمران: ٦٩]

٦ -( وَاللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ) [النساء: ٢٧]

٧ -( وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) [النساء: ٦٠]

٨ -( وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً ) [يس: ٦٢]

٩ -( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى ) [الأنعام: ٧١]

١٠ -( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطان مَرِيد * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ ) [الحجّ: ٣ - ٤]

أي: إنّ من يتّبع الشيطان فإنّه يضلّه، أي: يغويه ويصوّر له الباطل بصورة الحقّ، ويزيّن له الانحراف عن المنهج المستقيم، ويزيّنه له ويوصله إلى عذاب السعير عن طريق ما يوسوس له.

____________________

١- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة التاسعة، ص٤٣٥.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الهدى والضلال، ص١٨٩.

٣٦١

أدلة عدم صحة نسبة هذا المعنى من الإضلال إلى اللّه تعالى:

١ - إنّ هذا المعنى من الإضلال قبيح، واللّه تعالى منزّه عن فعل القبيح(١) .

٢ - إنّ اللّه تعالى - كما جاء في الآيات القرآنية التي ذكرت آنفاً - ذم إبليس وفرعون والسامري والمجرمين والطغاة على إضلالهم الناس، فكيف يصح أن يكون مضلاًّ للعباد بهذا المعنى الذي ذمّ به هؤلاء؟

٣ - إنّ من يتصف تارة بالإضلال ويتصف تارة أُخرى بالهدى لا يمكن الوثوق بأمره ونهيه، فتبطل بذلك الشرائع الإلهية، ولهذا ينبغي تنزيه اللّه تعالى عن الإضلال بمعنى الإغواء والتوجيه نحو الباطل.

٤ - إنّ هذا المعنى من الإضلال يتنافى مع هداية اللّه التكوينية والتشريعية للعباد، لأنّ اللّه تعالى منح العباد العقول وأرسل إليهم الأنبياء وأنزل لهم الكتب السماوية، وكان غرضه تعالى من ذلك هداية العباد إلى الحقّ، فكيف يصح أن يكون مغوياً لهم بعد ذلك وهو الذي أراد هدايتهم بإرادته التشريعية؟

قال تعالى:( وَما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) [التوبة: ١١٥]

٥ - إنّ اللّه تعالى نسب الضلال إلى العبد في العديد من آيات كتابه العزيز، وبيّن بأنّ العبد لا يضل (أي: لا يتّجه نحو الباطل) إلاّ نتيجة تمسّكه بأسباب الضلال وفعله الاختيارى لما يوجب وقوعه في الضلال.

ومن هذه الآيات القرآنية:

١ -( مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ) [الإسراء: ١٥]

٢ -( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي ) [سبأ: ٥٠]

٣ -( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً

____________________

١- انظر: المصدر السابق: كشف المراد، ص٤٣٦، المنقذ من التقليد: ص١٩٠.

٣٦٢

بَعِيداً ) [النساء: ١٣٦]

٤ -( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً ) [النساء: ١٦٧]

٥ -( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ) [النساء: ١١٦]

٦ -( وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) [الممتحنة: ١]

أي: ومن يتّخذ عدو اللّه ولياً فقد ضلَّ سواء السبيل.

المعنى الثاني للإضلال الذي لايصح نسبته إلى اللّه تعالى:إجبارالإنسان على الضلال:

وقد ناقشنا أدلة القول بالجبر والردّ عليها فيما سبق(١) .

النتيجة:

يجد المتأمّل في آيات القرآن الكريم الواردة حول الهداية والإضلال بأنّ هذه الآيات تنقسم إلى قسمين:

١ - آيات تبيّن بأنّ المشيئة الإلهية مطلقة في الهداية والإضلال، وأنّه تعالى لا سلطان ولا نفوذ لأحد عليه، وأنّه تعالى يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء. كقوله تعالى:( فَإِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) [فاطر: ٨]

٢ - آيات تبيّن بأنّ المشيئة الإلهية - التي لا سلطان لأحد عليها - مشيئة عادلة وأنّ هدايته تعالى وإضلاله لا تتمّ إلاّ حسب موازين تنسجم مع صفاته الكمالية، وأنّه تعالى لا يضلّ إلاّ من استحق الضلال، ولا يهدي أحداً بهدايته الخاصة إلاّ من استحق هذه الهداية.

وجه الجمع بين هذه الآيات:

لا يوجد أي تعارض بين هذين القسمين من الآيات، ومنتهى القول:

____________________

١- راجع: الفصل السابع، المبحث الرابع والخامس من هذا الكتاب.

٣٦٣

تبيّن آيات القسم الأوّل بأنّ مشيئة اللّه تعالى مطلقة ولا سلطان لأحد عليها.

وتبيّن آيات القسم الثاني بأنّ مشيئة اللّه تعالى المطلقة مشيئة عادلة وحكيمة.

المنهج الصحيح لتفسير هذه الآيات:

إنّ المنهج الصحيح لتفسير الآيات القرآنية الواردة حول الهداية والإضلال هو التفسير الموضوعي الذي يتم عن طريقه النظر إلى مجموع النصوص القرآنية الواردة في هذا المجال، وربط الآيات بعضها ببعض، وجعل بعضها قرينة للاُخرى، والتنسيق بين معانيها من أجل التعرّف على مقصود القرآن الكريم.

وأما الاقتصار على بعض الآيات وإهمال البعض الآخر، فإنّه لا ينتج سوى الفهم الخاطئ والابتعاد عن العقيدة التوحيدية النقية.

٣٦٤

الفصل الثالث عشر

الأجل

معنى الأجل

أقسام الأجل

ما يزيد وينقص الأجل

أجل المقتول لو لم يقتل

٣٦٥

٣٦٦

المبحث الأوّل

معنى الأجل

معنى الأجل (في اللغة):

الأجل مدّة الشيء، وغاية الوقت في الموت(١) .

معنى الأجل اصطلاحاً:

أجل كلّ كائن حي هو الوقت الذي تنتهي فيه حياته الدنيوية(٢) .

____________________

ملاحظة: ذكرت مصادر هذا الفصل بصورة موجزة في ذيل كلّ صفحة، ويستطيع الراغب للتوسّع أن يجد هذه المصادر بصورة مفصّلة في نهاية الفصل الرابع عشر.

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: ١ / ٧٩، مادة (أجل).

٢- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: ٣٦٨، تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: ٢٠٨، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: ١١١، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: ٤٦١، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٥٩.

٣٦٧

المبحث الثاني

أقسام الأجل(١)

١ - أجل محتوم:

وهو الأجل الذي يعلمه اللّه تعالى بالنسبة إلى كلّ كائن حي.

ولا يخفى بأنّ العلم الإلهي كاشف عن الواقع الخارجي، وليس لهذا العلم أي أثر في الخارج، وإنّما هو مجرّد انكشاف للأُمور والأحداث التي ستقع بأسبابها. وبما أنّ للإنسان - في بعض الأحيان - دوراً في تحديد أجله أو أجل الآخرين، فإنّ الأجل المحتوم سيكون في هذه الحالة عبارة عن علمه تعالى بالأجل الذي يحدّده الإنسان لنفسه أو لغيره.

آيات قرآنية مشيرة إلى الأجل المحتوم:

( وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) [الأعراف: ٣٤]

( ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّة أَجَلَها وَما يَسْتَأخِرُونَ ) [الحجر: ٥]

( وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ) [المنافقون: ١١]

( إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ ) [نوح: ٤]

____________________

١- ورد هذا التقسيم في أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)أ نّه قال حول أقسام الآجال: "... هما أجلان: أجل موقوف يصنع اللّه ما يشاء وأجل محتوم".

بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٤: الآجال، ح٩، ص١٤٠.

٣٦٨

٢ - أجل غير محتوم (أجل موقوف):

وهو الأجل الذي يكون متوقّفاً على شرط أو فقدان مانع.

فإذا تحقّق الشرط وفُقد المانع، تمّت العلة، فيتحقّق الأجل.

وإذا لم يتحقق الشرط ولم يفقد المانع، لم تتمّ العلّة، فلا يتحقّق الأجل.

تنبيه:

إنّ للأجل غير المحتوم قابلية للتقدّم والتأخّر، والزيادة والنقصان، ويستطيع الإنسان أن يغيّر أجله عن طريق التمسّك ببعض الأسباب التي سنشير إليها لاحقاً.

آية قرآنية مشيرة إلى الأجل غير المحتوم:

( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضى أَجَلاً... ) [الأنعام: ٢]

٣٦٩

المبحث الثالث

ما يزيد وينقص الأجل

يستطيع الإنسان - إلى حد ما - أن يزيد أو ينقص في عمره عن طريق التمسّك ببعض الأسباب التي أشارت إليها أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام)منها:

١ - رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "أكثر من الطهور يزيد اللّه في عمرك"(١) .

٢ - الإمام الصادق(عليه السلام): "من حسنت نيّته زيد في عمره"(٢) .

٣ - الإمام الصادق(عليه السلام): "يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم، ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم"(٣) .

٤ - الإمام الصادق(عليه السلام): "إن أحببت أن يزيد اللّه في عمرك فسرّ أبويك"(٤) .

٥ - الإمام الكاظم(عليه السلام): "من حسن برّه بإخوانه وأهله مُدّ في عمره"(٥) .

٦ - الإمام علي(عليه السلام): "صلْ رحمك يزيد اللّه في عمرك"(٦) .

٧ - رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ المرء ليصل رحمه ومابقي من عمره إلاّ ثلاث سنين، فيمدها اللّه إلى ثلاث وثلاثين سنة.

وإنّ المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة، فيقصرها اللّه إلى ثلاث سنين

____________________

١- وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج١، كتاب الطهارة، باب ١١، باب استحباب الوضوء..، ح٣، ص٣٨٣.

٢- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٦٩، كتاب الإيمان والكفر، باب٣٨، ح١١٧، ص٤٠٨.

٣- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب ٤: الآجال، ح٧، ص١٤٠.

٤- الزهد، الحسين بن سعيد الكوفي: باب٥: باب بر الوالدين، ح٨٧، ص٣٣.

٥- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري: ج١٢، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف، باب ٣٢، ح٢ [١٤٤٩٨]، ص٤٢١.

٦- الأمالي، الشيخ الصدوق: المجلس السابع والثلاثون، ح ٣٠٨ / ٩، ص٢٧٨.

٣٧٠

أو أدنى"(١) .

٨ - الإمام علي(عليه السلام): "من أراد البقاء ولا بقاء، فليخفّف الرداء، وليباكر الغذاء، وليقلّ مجامعة النساء"(٢) .

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، باب٤: الآجال، ح١٢، ص١٤١.

٢- وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج٢٤، كتاب الأطعمة والأشربة، باب ١١٢، ح٥ [٣٠٩٨٨]، ص٤٣٣.

٣٧١

المبحث الرابع

أجل المقتول لو لم يقتل

وأجل الميت بسبب لو لم يمت بذلك السبب

المسألة:

إنّ الذي يُقتل هل كان يعيش لو لم يقتل؟

كما أنّ الذي يموت بسبب كزلزال أو حادث اصطدام أو... هل كان يعيش لو لم يمت بذلك السبب؟

الرأي الأوّل:

إنّ المقتول أو الميت بسبب كالزلزال أو الغرق أو... تخرج روحه من جسده بأجله، ولو لا القتل أو ذلك السبب لمات هذا الشخص لا محالة في نفس ذلك الوقت بصورة أُخرى أو بشكل طبيعي، لأنّ أجله كان في ذلك الوقت فحسب(١) .

يرد عليه:

١ - أننا نجد بعض الظلمة يقتلون جمعاً كثيراً من الناس في فترة زمنية قصيرة.

ونجد سفينة تغرق فيموت من كان فيها في عدّة دقائق.

ولكننا لم نجد بأ نّه تعالى أمات مثل هذا الجمع دفعة واحدة.

ومن هنا نستيقن بأنّ هؤلاء الذي قُتلوا أو ماتوا بسبب من الأسباب ليس من

____________________

١- نسب هذا الرأي إلى أبي الهذيل العلاف والمجبرة وقوم من الحشوية.

انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: ٢٤٤، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١/٣٥٦، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: ٤٦١، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٥٩، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: ٢٩١.

٣٧٢

الضرورة أن يفارقوا الحياة لولا القتل أو ذلك السبب(١) .

٢ - لو كان المقتول يموت - لا محالة - لولا القتل في نفس وقت قتله، لم يكن القاتل مسيئاً إلى المقتول، ولتمكّن القاتل من الاحتجاج بأنّ الشخص المقتول إنّما مات بأجله، وأ نّه لو لم يقتله لمات هذا الشخص في نفس ذلك الوقت.

وهذا ما ينكره العقل بالبداهة، ويحكم العقل بوضوح بأ نّه ليس من الضرورة أن يموت المقتول لو لم يقتله القاتل(٢) .

٣ - لو كان المقتول يموت - لا محالة - لولا القتل في نفس وقت قتله، لكان الشخص الذي يذبح شاة غيره من دون إذنه محسناً إليه، لأ نّه لو لم يذبحها لماتت، ولفات الانتفاع بلحمها، ولكن العقل يحكم بأنّ هذا الذابح غير محسن، وأ نّه يستحق اللوم والتوبيخ والعقوبة.

ومن هنا نستيقن بأ نّنا لا يمكننا أن نقطع بموت الشاة لولا الذبح(٣) .

٤ - لو كان المقتول يموت - لا محالة - لو لا القتل في نفس وقت قتله، لكان القصاص عبثاً، ولم يكن للقصاص أي دور في خروج روح المقتص منه، بل كان موت هذا الشخص حين القصاص بأجله، فلا يكون في القصاص أي فائدة وهذا بخلاف قوله تعالى:( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) [البقرة: ١٧٩]

ومن هنا نستيقن بأنّ الذي لم يقتل عن طريق القصاص، فإنّه ليس من الضرورة أن يموت لولا القصاص(٤) .

____________________

١- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: ١٧٢، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: ١١٣، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١/٣٥٧، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٦٠.

٢- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١/٣٥٨.

٣- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: ٢٦٤، الاقتصاد، الشيخ الطوسي: ١٧١، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: ١١٣، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١ / ٣٥٨، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: ٤٦٢، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٦٠، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: ٢٩١.

٤- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٦٠، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: ٢٩٢.

٣٧٣

الرأي الثاني:

إنّ المقتول أو الميت بسبب كالزلزال أو الغرق أو... تخرج روحه من جسده نتيجة القتل أو ذلك السبب، ولولا القتل أو ذلك السبب لبقي هذا الشخص حيّاً لا محالة(١) .

يرد عليه:

لا يوجد أي دليل معتبر على لزوم بقاء هذا الشخص حيّاً لولا القتل أو الموت بسبب من الأسباب، لأنّ خروج الروح من الجسد بيد اللّه تعالى، ولا يمكن الحتم ببقاء حياة أي شخص في أي وقت.

ولهذا يحتمل لمن لم يقتل أو يمت بذلك السبب أن يقبض اللّه روحه في نفس ذلك الوقت(٢) .

الرأي الثالث:

إنّ المقتول يحتمل أن يكون وقت قتله هو انتهاء أجله المقرّر أن يموت فيه، ويحتمل أن لا يكون ذلك فيعيش لو لم يقتل، وكذلك الحكم بالنسبة إلى من يموت بسبب من الأسباب، وهذا الرأي هو الرأي الصحيح(٣) .

____________________

١- نسب هذا الرأي إلى جماعة المعتزلة البغداديين.

انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١/٣٥٦، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: ٤٦١، مناهج اليقين، اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٥٩، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: ٢٩١.

٢- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: ١٧٢.

٣- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: ٣٦٨، الذخيرة، الشريف المرتضى: ٢٦٣، شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: ٢٤٤، الاقتصاد، الشيخ الطوسي: ١٧١، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: ١١٢، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١/٣٥٦، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: ٤٦١ - ٤٦٢، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٦٠، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: ٢٩٢.

٣٧٤

الدليل:

إنّ هذه المسألة لا تخلو من ثلاثة آراء، وحيث ثبت بطلان الرأي الأوّل والثاني، ثبت صحّة هذا الرأي.

٣٧٥

٣٧٦

الفصل الرابع عشر

الرزق

معنى الرزق

إطلاق وصف "الرازق" على اللّه تعالى وغيره

الرزق والملك

لا يصح تسمية الحرام برزق

أقسام الرزق

طلب الرزق

الرزق والتوكّل

الرزق والقسمة

زيادة الرزق

السعر

٣٧٧

٣٧٨

المبحث الأوّل

معنى الرزق

معنى الرزق (باعتباره عنواناً للشيء الذي ينتفع به المرزوق):

إنّ الرزق عبارة عن "الشيء" الذي يصح(١) انتفاع الكائن الحي به، ولا يكون لأحد(٢) أن يمنعه من هذا الانتفاع(٣) .

معنى الرزق (باعتباره مصدراً لفعل رزق يرزق):

إنّ الرزق عبارة عن "تمكين" الكائن الحي من الانتفاع بالشيء الذي يصح الانتفاع به، مع عدم التجويز لأحد أن يمنعه من هذا الانتفاع(٤) .

مثال:

إنّ معنى قولنا: رزقنا اللّه مالا، أي: وفّر اللّه تعالى لنا هذا المال، ومكّننا من الانتفاع به، ولم يجوّز لأحد أن يغصبه منّا.

____________________

١- إنّ المقصود من "يصح" بالنسبة للعباد هي الصحة الشرعية، ولهذا لا يسمى الانتفاع بالحرام رزقاً، وسيأتي بيان ذلك لاحقاً.

٢- إنّ المقصود من "لا يكون لأحد"، أي: "لا يجوز شرعاً لأحد من العباد" لأن الإنسان قد يخالف الأوامر الإلهية، فيعتدي على حقوق الآخرين، ويأكل رزق غيره. وسنذكر المصادر المشيرة إلى هذا المعنى لاحقاً.

٣- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: ٢٦٧، شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: ٢٤٥، الاقتصاد، الشيخ الطوسي: ١٧٣، تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: ٢٠٨، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١/٣٦١، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: ١١٣، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: ٢٦٠، اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: ٢٣٠، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: ٢٨٦.

٤- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ١/٣٦١، بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٧٠، كتاب الإيمان والكفر، باب: ٥٢، ذيل ح٧، ص١٤٥.

٣٧٩

تنبيهان:

١ - لا يجوز للإنسان الانتفاع بشيء - وفق الموازين الشرعية - إلاّ في إحدى الحالتين التاليتين:

أوّلاً: أن يكون مالكاً لذلك الشيء، فيجوز له التصرّف بملكه والانتفاع منه.

ثانياً: أن تكون جهة أُخرى مالكة لذلك الشيء، ويكون الفرد مأذوناً في التصرّف ومتاحاً له الانتفاع بذلك الشيء من قبل المالك.

٢ - إنّ الكائنات الحيّة قادرة على أكل رزق غيرها(١) .

ولا يعني ذلك التغلّب على إرادة اللّه تعالى.

لأنّ معنى "رزق اللّه فلاناً": أ نّه تعالى هيّأ له فرصة الحصول على الرزق، وأرشده إلى مصدر الرزق، ومكّنه من الانتفاع به.

ولا يعني "رزق اللّه فلاناً": أ نّه تعالى أجبره على أخذ الرزق، وأجبر الآخرين على عدم منعه من الانتفاع بما رزقه تعالى.

ولهذا لا يكون أكل رزق الغير تغلّباً على إرادة اللّه تعالى، وإنّما يكون ذلك بالنسبة للإنسان معصية فيما لو نهاه اللّه تعالى عن ذلك(٢) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: ٢٧٠، شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: ٢٤٧، الاقتصاد، الشيخ الطوسي: ١٧٥، غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ٢/١٢٧، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: ٢٨٧.

٢- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: ٢٧٠، غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ٢/١٢٧.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432