العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)9%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192977 / تحميل: 8377
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المبحث الحادي عشر

أقوال بعض أهل السنة

الموافقين للحسن والقبح العقلي

١ - قال سعد الدين التفتازاني: "ذهب بعض أهل السنة وهم الحنفية إلى أنّ حسن بعض الأشياء وقبحها مما يدرك بالعقل... كوجوب أوّل الواجبات، ووجوب تصديق النبي، وحرمة تكذيبه دفعاً للتسلسل..."(١) .

٢ - الماتريدي، ومن أقواله الدالة على موافقته للحسن والقبح العقلي:

أوّلا: "ما حسّنه العقل وقبّحه ليس له زوال ولا تغيّر من حال إلى حال"(٢) .

ثانياً: "ما يدرك حسنه بالعقل وقبحه، فلا يزال يزداد على ما فيه إدراكه ببديهة الأحوال، ولذلك جعل اللّه العقول حجّة"(٣) .

ثالثاً: "وبعد، فإنّه قد حسن في العقول الصدق والعدل، وقبح فيها الجور والكذب...

العقول آمرة بكسب ما يعلي شرف من رزق منها، وناهية عما فيه هوان صاحبها، فيجب الأمر والنهي بضرورة العقل"(٤) .

٣ - ابن قيم الجوزية: ومن أقواله الدالة على موافقته للحسن والقبح العقلي:

أوّلا: "فإن قيل: فما جوابكم عن الأدلة التي ذكرها نفاة التحسين والتقبيح على كثرتها؟ قيل: قد كفونا بحمد اللّه مؤونة إبطالها بقدحهم فيها، وقد أبطلها كلّها

____________________

١- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، الفصل ٥، المبحث ٣، ص٢٩٣.

٢- كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي: مسألة في أفعال الخلق وإثباتها، ص٢٢٣.

٣- المصدر السابق: ص٢٢٣ - ٢٢٤.

٤- المصدر السابق: مسألة إثبات الرسالة وبيان الحاجة إليها، ص١٧٨.

٨١

واعترض عليها فضلاء أتباعها وأصحابها..."(١) .

ثانياً: "إنّ الكذب لا يكون قط إلاّ قبيحاً... إنّ تخلّف القبح عن الكذب لفوات شرط أو قيام مانع يقتضي مصلحة راجحة على الصدق لا تخرجه عن كونه قبيحاً لذاته"(٢) .

٤ - قال فخر الدين الرازي: "المختار عندنا: أنّ تحسين العقل وتقبيحه بالنسبة إلى العباد معتبر، وأمّا بالنسبة إلى اللّه تعالى فهو باطل.

أمّا إثباته في حقّ العباد فيدل عليه وجوه:

الأوّل:

إنّا نرى أنّ العقلاء قبل علمهم بالشرائع والنبوّات مطبقون على حسن مدح المحسن، وحسن ذم المسيء.. وهذا الحكم حاصل، سواء كان ذلك الإنسان مؤمناً يصدّق بالأنبياء أو لم يكن كذلك، فعلمنا أنّ هذا الحسن مقرّر في عقولهم.

الثاني:

لا معنى للقبح الشرعي إلاّ أن ينهى الشرع عن ذلك الفعل، فيقول العقل: هل يجب الانتهاء عما نهى الشرع؟

فإن قضى بذلك فالحسن والقبح العقليان قد ثبتا.

وإن لم يقض العقل بذلك فيحتاج الأمر حينئذ إلى إيجاب آخر.

فإن كان هذا الإيجاب من الشرع، فالكلام فيه كما في الأوّل، فيلزم التسلسل وهو محال، فيثبت ضرورة الاعتقاد بالحسن والقبح العقليين.

الثالث:

لابدّ من الاعتراف بوجود شيء يكون مطلوباً لذاته.

ولابدّ من الاعتراف بوجود شيء يكون مكروهاً لذاته.

وهذا الحكم ثابت في محض العقول سواء حصلت الشريعة أو لم تحصل"(٣) .

____________________

١- مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية: ج٢، ص٣٤٢.

٢- المصدر السابق: ص٣٥٤ - ٣٥٥.

٣- انظر: المطالب العالية، فخر الدين الرازي: ج٣، الباب التاسع، الفصل السابع، ص٢٨٩ - ٢٩٠.

ثمّ بيّن "فخر الدين الرازي" بعض الأدلة في إثبات بطلان تحسين العقل وتقبيحه بالنسبة إلى أفعال اللّه تعالى، وهذه الأدلة منها ما هي بعيدة عن إثبات مدّعاه، ومنها ما بيّنا الردّ في البحث السابق.

٨٢

٥ - إنّ الأمر الملفت للنظر من "عضد الدين الإيجي" أ نّه ذكر في كتابه "المواقف" حول دليل الأشاعرة على امتناع صدور الكذب من اللّه عزّ وجلّ: "إنّه (أي: الكذب منه تعالى) نقص، والنقص على اللّه تعالى محال"(١) .

ثمّ علّق "الإيجي" بنفسه على كلامه هذا، وقال:

"واعلم أنّه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي، فإنّ النقص في الأفعال هو القبح العقلي بعينه، وإنّما تختلف العبارة!"(٢) .

ثمّ علّق شارح كتاب المواقف "الشريف الجرجاني" على هذه العبارة، وقال:

"فأصحابنا المنكرون للقبح العقلي كيف يتمسّكون في دفع الكذب... عن اللّه تعالى بلزوم النقص في أفعاله تعالى؟"(٣) .

____________________

١- كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٤، المقصد ٧، ص١٤٠.

٢- المصدر السابق.

٣- المصدر السابق.

٨٣

الفصل الثالث

وجود الغرض والغاية في

أفعال اللّه تعالى

معنى الغرض والغاية

وجود الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى

أدلّة وجود الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى

غرض وغاية اللّه تعالى من خلق الإنسان

مناقشة رأي الأشاعرة حول غرض وغاية الفعل الإلهي

٨٤

٨٥

٨٦

المبحث الأوّل

معنى الغرض والغاية

معنى الغرض والغاية (في اللغة):

"الغرض" هو الهدف والقصد(١) .

"الغاية" هي أقصى الشيء ومنتهاه(٢) .

معنى الغرض والغاية (في الاصطلاح العقائدي):

يطلق "الغرض والغاية" اصطلاحاً على الشيء الذي يقصده الفاعل المختار من وراء عمله، وهي الفائدة التي ينظر إليها الفاعل قبل قيامه بالفعل، ثمّ يجعل الفعل وسيلة للظفر بتلك الفائدة.

وهذه الفائدة التي يطلق عليها "الغرض" و"الغاية" تصبح الهدف للقيام بالفعل، وهي التي يؤدّي الفاعل فعله من أجل الوصول إليها(٣) .

تنبيه:

إنّ المراد من "الغرض" و"الغاية" ليس "الهدف" و"المقصود" فحسب، بل المراد "الهدف" و"المقصود" النافع الذي يستحق عقلا القيام بالفعل من أجل تحقّقه.

ومن هذا المنطلق، إذا قام شخص بفعل له "هدف"، ولكن لم يكن لهذا الفعل هدف "عقلائي"، فسيقول العقلاء حول هذا الفعل: إنّه عبث. ويتسامحون أحياناً في

____________________

١ و ٢) انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (غرض) و(غيا).

٣- انظر: معارف القرآن، (معرفة اللّه)، محمّد تقي المصباح: هدف الأفعال الإلهية، ص ٢٢٥ - ٢٢٦.

٨٧

التعبير فيقولون: إنّه من دون هدف، أي: أ نّه ليس له هدف ذو قيمة(١) .

____________________

١- انظر: معارف القرآن، (معرفة اللّه)، محمّد تقي المصباح، تعريب: محمّد عبدالمنعم الخاقاني: هدف الأفعال الإلهية: ص٢٢٦.

٨٨

المبحث الثاني

وجود الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى

إنّ اللّه تعالى لا يفعل شيئاً إلاّ لغرض وغاية وحكمة مقصودة(١) .

تنبيهات:

١ - إنّ غرض الفعل الإلهي قد يكون واضحاً لعباده وقد يكون خفيّاً، ولكنّه تعالى في جميع الأحوال لا يفعل إلاّ لغرض وغاية وحكمة مقصودة.

٢ - إنّ غرض الفعل الإلهي يقتصر على نفع الغير لا إضراره، لأنّ الإضرار قبيح، واللّه تعالى منزّه عن فعل القبيح(٢) .

٣ - إنّ غرض الفعل الإلهي لا يعود على اللّه تعالى بالمنفعة، لأ نّه تعالى غني بالذات وكامل من جميع الجهات، وهو غير محتاج لشيء، وإنّما تعود منفعة الغرض والغاية للمخلوقات(٣) .

____________________

١- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الرابع، ص١١٠.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، ص٧٤.

٢- انظر: النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٧١.

٣- انظر: تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، ص١٩٨.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٥٧.

٨٩

المبحث الثالث

أدلة وجود الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى

الأدلة العقلية:

١ - إنّ نفي الغرض والغاية عن أفعاله تعالى يتنافى مع حكمته تعالى، لأنّ فعل الشيء من دون غرض أو غاية عبث، والحكيم لا يصدر منه العبث(١) .

٢ - يلزم نفي الغرض والغاية عن الفعل الإلهي:

عدم قصده تعالى جميع المنافع التي جعلها اللّه تعالى منوطة بالأشياء.

فلا يكون خلق العين للإبصار.

ولا خلق الأُذن للسماع.

ولا اليد للعمل.

ولا الرجل للمشي.

بل يكون خلق جميع هذه الجوارح والأعضاء عبثاً، وهذا خلاف الواقع(٢) .

٣ - يلزم نفي الغرض والغاية عن الفعل الإلهي:

عدم الجزم بصدق دعوى الأنبياء.

لأنّ من أدلة إثبات صدق النبوّة: إظهار اللّه "المعجزة" على يدّ مدّعي النبوّة.

فلو أنكرنا وجود الغرض والغاية في الفعل الإلهي.

فسيكون إظهار اللّه المعجزة على يدّ النبي لغير غرض وغاية.

____________________

١- انظر: تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، ص١٩٨.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي:المقصدالثالث، الفصل الثالث، المسألة الرابعة، ص٤٢٢.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٧٠.

٢- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، مبحث أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح، ص٩٠ - ٩١.

٩٠

ولا يكون غرض وغاية اللّه من هذه المعجزة إثبات صدق ادّعاء النبوّة.

فيكون النبي - في هذه الحالة - كاذباً في ادّعائه بأنّ اللّه تعالى أظهر على يده المعجزة لغرض التصديق به.

لأنّ لقائل أن يقول له: بأنّ أفعال اللّه ليس لها غرض وغاية.

والمعجزة من فعل اللّه.

فكيف أصبح لها غرض وغاية لتدّعي أنّ الغرض والغاية منها إثبات نبوّتك؟

فلا يكون - بعد هذا - سبيل لتصديق دعوى الأنبياء.

وهذا باطل(١) .

٤ - يلزم نفي الغرض والغاية عن فعله تعالى أن لا تكون:

إثابة اللّه المطيع لطاعته.

ولا معاقبة اللّه العاصي لعصيانه.

بل يكون ثواب اللّه تعالى وعقابه من دون غرض.

فلهذا لا يكون عند اللّه فرقٌ بين "المؤمن" وبين "الكافر" في الثواب والعقاب.

وهذا ما ينافي العدل الإلهي(٢) .

٥ - يلزم نفي الغرض والغاية عن الفعل الإلهي:

أن يكون تكليفه تعالى للعباد لغير إفادتهم في الدنيا أو الآخرة.

فيكون اللّه عزّ وجلّ ظالماً للعباد.

وهو تعالى منزّه عن ذلك(٣) .

٦ - يلزم نفي الغرض والغاية في الفعل الإلهي مخالفة الكتاب العزيز وتكذيب القرآن الكريم، لأنّ اللّه تعالى بيّن في محكم كتابه العديد من الآيات الدالة على

____________________

١- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة: ص٩١ - ٩٢.

٢- انظر: المصدر السابق: ص٩٤.

٣- انظر: الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل، المسألة السادسة، البحث الرابع، ص٦٢.

٩١

وجود الغرض والغاية في أفعاله تعالى(١) .

الآيات القرآنية الدالة على وجود الغرض والغاية في أفعال الله تعالى:

القسم الأوّل: الآيات العامة

١ -( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ ) (٢) [الأنعام: ٧٣]

٢ -( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣) * ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ ) [الدخان: ٣٨ - ٣٩]

٣ -( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) (٤) [آل عمران: ١٩١]

٤ -( أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (٥) [المؤمنون: ١١٥]

القسم الثاني: الآيات الخاصة

إنّ هذه الآيات تضمّنت تعيين غرض وغاية لبعض أفعال اللّه تعالى، ومن هذه الآيات:

١ -( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: ٥٦]

٢ -( إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) [هود: ١١٩]

٣ -( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ... لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )

____________________

١- انظر: نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، مبحث: أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح، ص٩٣.

٢- كلمة "الحقّ" في هذه الآية تعني: الفعل ذو الهدف القيّم اللائق بالفاعل.

انظر: معارف القرآن، (معرفة اللّه)، محمّد تقي المصباح: هدف الأفعال الإلهية، ص٢٣٨.

٣- "اللعب" عبارة عن مجموعة حركات منظّمة تودّى من أجل هدف يرضي خيال الإنسان فقط، ولا تكون للنتيجة حقيقة واقعية.

انظر: المصدر السابق: ص٢٤٠.

٤- كملة "الباطل" في هذه الآية تعني: الفعل الفاقد للهدف القيّم اللائق بالفاعل.

انظر: المصدر السابق: ص٢٣٩.

٥- "العبث" هو الفعل الفاقد للهدف الصحيح.

انظر: المصدر السابق.

٩٢

[هود: ٧]

٤ -( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها ) [الأنعام: ٩٧]

٥ -( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللّهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ ) [يونس: ٥]

٦ -( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) [البقرة: ٢٩]

٧ -( مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة: ٣٢]

٨ -( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ... ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) [المائدة: ٧٨]

٩ -( فَبِظُلْم مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّبات أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً ) [النساء: ١٦٠]

١٠ -( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) [إبراهيم: ١]

١١ -( لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً ) [الحاقة: ١٢]

١٢ -( لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ) [الفرقان: ٤٩]

١٣ -( لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً ) [النبأ: ١٥]

١٤ -( وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ ) [محمّد: ٣١]

١٥ -( لِتُجْزى كُلُّ نَفْس بِما تَسْعى ) [طه: ١٥]

١٦ -( لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ) [الإسراء: ١]

١٧ -( لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى ) [طه: ٢٣]

٩٣

المبحث الرابع

غرض وغاية اللّه تعالى من خلق الإنسان

١ - الرحمة:

قال تعالى:( إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) [هود: ١١٩]

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) حول تفسير هذه الآية: "خلقهم ليفعلوا ما يستوجبوا به رحمته، فيرحمهم"(١) .

٢ - العبادة:

قال تعالى:( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: ٥٦]

٣ - المعرفة:

ورد في الحديث القدسي المشهور: "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف"(٢) .

وورد عن الإمام الحسين(عليه السلام): "إنّ اللّه جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه"(٣) .

٤ - إظهار قدرته وحكمته:

سُئل الإمام الصادق(عليه السلام): لِمَ خلق اللّه الخلق؟ فقال: "إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ١٢: باب أنّ اللّه تعالى لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم، ح١٠، ص٣٩٢.

٢- هذا الحديث مجهول السند، ولكن معناه صحيح، وهو مستفاد من قوله تعالى: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) أي: ليعرفوني كما فسّره ابن عباس.

راجع: إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، نور اللّه الحسيني المرعشي التستري، تعليق، السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي: في أ نّه تعالى يفعل لغرض وحكمة، ص٤٣١.

٣- علل الشرائع، الشيخ الصدوق: باب٩: علّة خلق الخلق واختلاف أحوالهم، ح١، ص٩.

٩٤

خلقه عبثاً، ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلّفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرّة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد"(١) .

وفي حديث آخر: سُئل الإمام الصادق(عليه السلام): لأيّ علّة خلق [اللّه عزّ وجلّ]الخلق وهو غير محتاج إليهم ولا مضطر إلى خلقهم ولا يليق به العبث بنا؟

قال(عليه السلام): "خلقهم لإظهار حكمته..."(٢) .

النتيجة:

إنّ اللّه تعالى خلق العباد إظهاراً لقدرته وحكمته، وخلقهم ليرحمهم، فكلّفهم بمعرفته والإقرار بوجوده والامتثال لأوامره ونواهيه، ليكون التزامهم الاختياري بهذا التكليف سبباً لمعيشتهم في ظل الرحمة الإلهية المتمثّلة بجنة النعيم التي أعدّها للمتقين والرضوان الإلهي الذي أعدّه لأصحاب الدرجات العليا.

تنبيهان:

١ - خلق اللّه تعالى الأرض والسماء لأجل الإنسان، وذلك لقوله تعالى:

أوّلا:( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) [البقرة: ٢٩]

ثانياً:( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) [البقرة: ٢٢]

٢ - إنّ الغرض والغاية من خلقه تعالى للبشر - كما ذكرنا - هو التكليف بالعبادة من أجل التكامل ونيل الرحمة الإلهية، ولكن البعض من الناس لا تتوفّر لهم الأجواء المناسبة في هذه الدنيا لاجتياز مرحلة الاختبار الإلهي، وهؤلاء من قبيل الأطفال الذين يموتون قبل البلوغ، أو المجانين، أو غيرهم ممن لم تتوفّر فيهم شروط التكليف في هذه الدنيا.

____________________

١- علل الشرائع، الشيخ الصدوق: باب ٩: علّة خلق الخلق واختلاف أحوالهم، ح٢ ص٩.

٢- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: احتجاجات الإمام الصادق(عليه السلام)، احتجاج رقم ٢٢٣، ص٢١٧.

٩٥

ولهذا يؤخّر اللّه تعالى اختبار هؤلاء، ويجعله في يوم القيامة، ليحدّد هؤلاء مصيرهم في ذلك الموقف، ويعيّنوا اتّجاههم إلى الجنة أو النار(١) .

____________________

١- راجع: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، ب١٣، ص٢٨٨ - ٢٩٧.

وانظر في هذا الكتاب: الفصل الثامن: التكليف، المبحث السابع: تكليف من لم تتم عليهم الحجّة في الدنيا.

٩٦

المبحث الخامس

مناقشة رأي الأشاعرة حول غرض وغاية الفعل الإلهي

رأي الأشاعرة:

إنّ أفعال اللّه تعالى ليست معلّلة بالأغراض(١) .

أدلة الأشاعرة(٢) :

الدليل الأوّل للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى:

لو كان لفعله تعالى غرض، لزم أن يكون الباري عزّوجلّ ناقصاً بذاته ومستكملا بتحصيل ذلك الغرض، ولكن اللّه تعالى غني بذاته، ولايجوز له الاستكمال.

يرد عليه:

١ - إنّ الاستكمال يكون فيما لو كانت أغراض وغايات الفعل الإلهي تعود على اللّه تعالى بالمنفعة، ولكن الأمر ليس كذلك، وإنّ منفعة هذه الأغراض والغايات تعود للمخلوقات.

فلهذا لا يلزم وجود الغرض والغاية في الفعل الإلهي الاستكمال له تعالى(٣) .

____________________

١- انظر: الأربعين في أصول الدين، فخر الدين الرازي: ج١، المسألة السادسة والعشرون، ص٣٥٠.

كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٨، ص٢٩٤.

شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٥، ص٣٠١.

٢- انظر: المصادر المذكورة في الهامش السابق.

٣- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الرابعة، ص٤٢٢.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري، الفصل الرابع، ص٧١.

تنبيه:

قد لا يكون الغرض من الفعل الإلهي منفعة العبد، وإنّما يكون ذلك لاقتضاء نظام الوجود.

مثال ذلك:

إنّ من أمثلة "اقتضاء نظام الوجود": خلود أهل النار في النار، لأنّ خلودهم لا نفع فيه لهم، ولكنه من قبيل اقتضاء أعمالهم السيئة، لأنّ الإنسان يخلّد في الآخرة مع أعماله التي قام بها في الدنيا، والأعمال السيئة تتحوّل إلى نار، فيعيش معها.

٩٧

بعبارة أُخرى:

إنّ منشأ خطأ الأشاعرة هو الخلط بين:

أ - غاية الفاعل.

ب - غاية الفعل.

والمنفى عنه تعالى هو "غاية الفاعل"، لأنّ وجود الغاية للفاعل تعني: أنّ الفاعل ناقص، فيصل إلى الكمال عن طريق الغاية، وهذا لا يجوز بالنسبة إلى اللّه تعالى.

والثابت للّه تعالى هو "غاية الفعل"، وهذا لا يستلزم وجوده النقص للّه تعالى، بل يؤدّي إلى نفي العبث عن أفعاله تعالى(١) .

٢ - إنّ احتياج الفعل الإلهي إلى الغرض والغاية ليس من قبيل:

الاحتياج الدال على نقصه تعالى.

بل هو من قبيل:

احتياجه تعالى في كونه "رازقاً" إلى "مَن يرزقه".

وهذا الاحتياج ليس نقصاً، والأصح عدم تسميته "احتياجاً".

بل هو "شرط" من شروط وجود الفعل أو شروط كماله.

فمن شروط كونه تعالى "رازقاً" أن يكون في الواقع الخارجي "مَن يرزقه".

ومن شروط "كمال الفعل الإلهي" أن يكون هذا الفعل "ذا غرض وغاية حكيمة"(٢) .

____________________

١- انظر: القواعد الكلامية، علي الرباني الكلبايكاني: العدل والحكمة، الفصل الثاني، ص١٥٨.

٢- انظر: دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، المسألة ٣، المبحث ١١، المطلب ٤، ص٣٩١.

٩٨

الدليل الثاني للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى:

إنّ أداء الفعل من أجل الغرض والغاية يعني الوقوع تحت تأثيرها، فيكون اللّه تعالى محكوماً لا حاكماً، واللّه تعالى منزّه عن المحكومية(١) .

يرد عليه:

إنّ وجود الغرض والغاية لا يعني وجود عامل خارجي يجعل اللّه تعالى متأثّراً بهذا العامل ومحكوماً ومقيّداً به، بل يعني ذلك: أنّ مقتضى كماله تعالى وحكمته أن يكون فعله ذا غرض وغاية حكيمة.

بعبارة أُخرى:

إنّ وجود الغرض والغاية في فعله تعالى لا يعني كون الغرض والغاية قيداً لهذا الفعل.

وإنّما يكون وجود الغرض والغاية من شروط كمال الفعل الإلهي، لأنّ الفعل الفاقد للغرض والغاية يكون فعلا متّصفاً بالعبث واللغو، واللّه تعالى منزّه عن ذلك.

الدليل الثالث للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى:

إنّ القول بوجود الغرض في الفعل الإلهي يعني:

عدم حصول الفعل الإلهي إلاّ بتوسّط الغرض.

وعدم حصول الفعل الإلهي إلاّ تبعاً للغرض.

ولكن اللّه تعالى فاعل لجميع الأشياء ابتداءً ومن دون توسّط شيء(٢) .

يرد عليه:

إنّ غرض الفعل الإلهي ليس شيئاً خارجاً ومنفصلا عن وجود فعله تعالى ليكون واسطة لتحقّق الفعل الإلهي، وإنّما الغرض هنا عبارة عن الأمر الذي يُخرج الفعل من

____________________

١- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث.

٢- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث.

٩٩

العبث واللغو، وهذا الأمر عبارة عن:

١ - الحكمة الكامنة في هذا الفعل.

٢ - الأهداف المطلوبة من هذا الفعل.

مثال:

إنّ الغرض والغاية من خلقه تعالى للعالم ليس أمراً خارجاً عن وجود هذا العالم، بل هو عبارة عن:

١ - الحكمة الكامنة في خلق هذا العالم.

٢ - الأهداف المطلوبة من خلق هذا العالم.

وهذه الحكمة وهذه الأهداف هي بلوغ العالم بأجزائه إلى الكمال الممكن.

وهذا الكمال خصوصية موجودة في نفس العالم.

وليس الغرض والغاية الإلهية هنا شيئاً مفصولا وخارجاً عن خلقه تعالى للعالم.

ولهذا لا يوجد أي تناف بين الأمرين التاليين:

١ - وجود الغرض والغاية في الفعل الإلهي.

٢ - فعل اللّه الأشياء ابتداءً ومن دون توسّط شيء خارج عنها.

الدليل الرابع للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى:

لو قلنا بضرورة وجود الغرض في جميع الأفعال الإلهية.

فينبغي القول بأنّ هذا الغرض أيضاً يجب أن يكون له - حسب هذه القاعدة - غرض آخر.

ومن هنا تتسلسل الأغراض إلى ما لا نهاية لها.

فنضطر إلى الاعتراف بانتهاء أفعاله تعالى إلى فعل لا غرض له.

فيثبت وجود فعل إلهي ليس له غرض.

١٠٠

وهذا يتنافى مع قاعدة ضرورة وجود الغرض لجميع الأفعال الإلهية(١) .

يرد عليه:

إنّ الغرض لا يحتاج إلى غرض آخر، وعندما نقول: إنّ الغرض من التكامل هو "حسن التكامل"، هذا "الحُسن" لا يحتاج إلى غرض يحسّنه، بل هو حسن بذاته، ويكون الغرض منه نفس وجوده(٢) .

الدليل الخامس للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى:

إنّ بعض الآيات القرآنية تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي منها(٣) :

١ -( لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ ) [الأنبياء: ٢٣]

يلاحظ عليه:

إنّ هذه الآية لا تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي، بل تدل على:

أوّلا: عدم وجود آمر وناه عليه تعالى حتّى يسأله عن فعله كما يُسأل الناس عن أفعالهم.

ثانياً: لا معنى للسؤال عن فعله تعالى، لأ نّه حكيم، ولا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة(٤) .

سُئل الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) حول أفعاله تعالى: كيف لا يُسأل عما يفعل؟

قال(عليه السلام): "لأ نّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة وصواباً"(٥) .

٢ -( يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) [إبراهيم: ٢٧]،( يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ) [المائدة: ١]

يلاحظ عليه:

____________________

١- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث.

٢- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١/٢٦٨ - ٢٦٩.

صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، تبعية أفعاله للأغراض، ص١٩٨.

٣- انظر: التفسير الكبير، فخر الدين الرازي: ج١٠، تفسير آية ٥٦ من سورة الذاريات، ص١٩٣.

٤- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج٧، تفسير آية ٢٣ من سورة الأنبياء، ص٧٠.

٥- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٦١، ح١٣، ص٣٨٦.

١٠١

إنّ مفاد هاتين الآيتين إطلاق مشيئته تعالى وإرادته، وليس فيهما أيّة دلالة على عدم وجود الغرض والغاية في فعله تعالى وحُكمه(١) .

٣ -( فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) [إبراهيم: ٨]

يلاحظ عليه:

غنى الله تعالى يعني الغنى عن الغرض والغاية التي تعود بالمنفعة إليه تعالى.

ولكن الأغراض والغايات الإلهية - في الواقع - لا تعود بالمنفعة إليه تعالى، وإنّما تعود بالمنفعة إلى غير اللّه عزّ وجلّ.

وليس في هذه الآية ما يدل على نفي الأغراض والغايات التي تعود بالمنفعة إلى غير اللّه تعالى(٢) .

رأي التفتازاني حول وجود الغرض والغاية في أفعال الله تعالى:

اختار "التفتازاني" قولا وسطاً بين العدلية والأشاعرة، وهو تعليل بعض أفعاله تعالى بالغاية دون الجميع فقال:

"والحقّ أنّ تعليل بعض الأفعال لاسيما شرعية الأحكام بالحكم والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك، والنصوص أيضاً شاهدة بذلك... وأمّا تعميم ذلك بأن لا يخلو فعل من أفعاله [تعالى] عن غرض فمحل بحث"(٣) .

يلاحظ عليه:

إنّ مسألة "الغرض والغاية" ليست من التعبّديات ليمكننا الاقتصار على الأدلة النقلية فقط، بل هي من الأُمور العقلية، وملاكها لزوم وجود العبث في الفعل الإلهي فيما لو نفينا الغرض عن أفعاله تعالى، وهذا يعمّ التكوين والتشريع سواء علمنا بالغاية أم لا(٤) .

____________________

١- انظر: صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، القاعدة الرابعة، ص٢٠٢ - ٢٠٣.

٢- صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، القاعدة الرابعة، ص٢٠٢ - ٢٠٣.

٣- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٥، ص٣٠٢ - ٣٠٣.

٤- انظر: القواعد الكلامية، علي الرباني الكلبايكاني: الفصل الثاني، ص١٥٨.

١٠٢

تنبيه:

قالت الأشاعرة في الصعيد الفقهي بحجّية "القياس".

ولا يخفى بأنّ "القياس" لا يثبت إلاّ بعد الاعتقاد بوجود "الغرض الإلهي" في تشريعه تعالى لكلّ موضوع، ليمكن قياس الموضوع الآخر عليه، وتسرية الحكم الشرعي من الموضوع الأصلي إليه.

وهذا القول يتنافى مع رأيهم في الصعيد العقائدي ويتنافى مع قولهم بعدم وجود الغرض في الأفعال الإلهية.

١٠٣

١٠٤

الفصل الرابع

الشرور والآلام

معنى الشر

أقسام الشر

الآلام وأوجه حسنها وقبحها

حكمة الشرور والآلام

إيلام غير المكلّفين

١٠٥

١٠٦

المبحث الأوّل

معنى الشر

معنى الشر (في اللغة):

الشر: السوء، وهو ضدّ الخير(١) .

معنى الشر (في الاصطلاح العقائدي):

يطلق الشر على(٢) :

١ - عدم كمال الوجود مما له شأنية ذلك الكمال، من قبيل العمى للعين، أو عدم الثمرة في الشجرة المؤهّلة لإعطاء الثمرة.

٢ - عدم الوجود مما له شأنية الوجود، من قبيل عدمية وجود الإنسان بعد وجوده، لأنّ ذلك شرّ بالنسبة إلى هذا الإنسان.

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (شرر).

٢- انظر: الإشارات والتنبيهات، ابن سينا: ج٣، النمط السابع، الفصل ٢٣، ص٣٢٠.

١٠٧

المبحث الثاني

أقسام الشر(١)

١ - الشر الحقيقي (الذاتي): وهو أمر عدمي لما من شأنه الوجود، كالجهل والعجز والفقر بالنسبة إلى الموجود الذي من شأنه العلم والقوّة والغنى.

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

٢ - الشر القياسي (العرضي): وهو أمر وجودي، وإنّما يتّصف بالشر لأنّه يؤدّي إلى إعدام وجود شيء ما أو إعدام كمال وجوده، كالزلازل والسيول والزواحف السامّة والحيوانات المفترسة و...

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

القسم الأوّل:الشر الحقيقي

ليس الشر الحقيقي أمراً وجودياً، بل هو أمر عدمي(٢) .

أمثلة عدمية الشر الحقيقي(٣) :

١ - إنّ الجهل هو عدم العلم، وللعلم وجود، ولكن الجهل ليس له أي وجود، وإنّما هو مجرّد عدم العلم.

____________________

١- انظر: العدل الإلهي، مرتضى مطهري، ترجمة: محمّد عبدالمنعم الخاقاني: الفصل الثالث، ص١٥١ - ١٧٠.

٢- إنّ أساس نظرية عدمية الشرور تعود إلى "أفلاطون".

انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١٣، ذيل تفسير آية ٨٢ - ١٠٠ من سورة الإسراء، ص١٨٧.

٣- انظر: الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي: مبحث: الشرّ عدمي محض، ص١٥٩.

١٠٨

٢ - إنّ الفقر هو عدم الملك، وللملك وجود، ولكن الفقر ليس له أي وجود، وإنّما هو مجرّد عدم الملك. والفقير هو الفاقد للملك والثروة، وليس الفقير هو المالك لشيء اسمه الفقر.

٣ - إنّ العمى عدم، وليس له واقع ملموس بحيث يوجد في العين شيء يسمى العمى، وإنّما هو فقدان الرؤية وعدم البصر.

٤ - إنّ الموت عدم، وهو فقدان الجسم للحياة وتحوّله إلى جماد، وليس الموت تحصيلا لشيء، بل هو فقدان لشيء.

٥ - إنّ الظلمة ليست شيئاً سوى عدم النور، والنور له وجود، وله منشأ يشع منه، ولكن الظلمة ليس لها وجود، وليس لها مبدأ أو منشأ تشع منه.

ثمرة نظرية عدمية الشرور:

يؤدّي إثبات عدمية الشرور إلى بطلان النظرية الثنوية بجميع اتّجاهاتها المتنوّعة.

بيان ذلك:

ذهبت الاتّجاهات الثنوية إلى:

١ - أنّ الشر أمر وجودي.

٢ - أنّ الخير يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الخير.

وأنّ الشرّ يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الشرّ.

فلهذا ينبغي أن يكون موجد "الخير" غير موجد "الشر".

تقييم نظرية الثنوية حسب القول بعدمية الشر:

تنهار نظرية الثنوية مع إثبات عدمية الشرّ، لأنّ هذه النظرية تثبت بأنّ الشر ليس أمراً وجودياً ليحتاج إلى موجد أو مبدأ يسانخه، بل "الشرّ" أمر "عدمي"، والعدم ليس شيئاً حتّى يحتاج إلى إيجاد.

١٠٩

القسم الثاني:

الشر القياسي

إنّ الشرّ القياسي أمر وجودي، أي له وجود، وهو من قبيل الجراثيم والميكروبات والعقارب السامّة والحيوانات المفترسة والزلازل والعواصف، فهي موجودة، وهي ليست شرّاً بذاتها وإنّما توصف بالشرّ عند مقايستها مع الإنسان، لأ نّها تلحق بالإنسان ما هو شرّ له.

تبيين كيفية اتّصاف الموجودات بالشر:

أقسام الصفات:

الأوّل: الصفات الحقيقية.

الثاني: الصفات القياسية (النسبية) (العرضية).

خصائص الصفات الحقيقية:

١ - لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - تثبت هذه الصفات للأشياء بقطع النظر عن أي شيء آخر.

مثال الصفات الحقيقية:

١ - صفة الوجود للإنسان، فهي صفة لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - صفة الحياة للإنسان، لأنّ الإنسان يتّصف بالحياة بقطع النظر عن مقارنته بأي شيء آخر.

خصائص الصفات القياسية:

١ - ليس لها واقعية في الصعيد الخارجي.

٢ - ينتزعها ذهن الإنسان عن طريق المقايسة بينها وبين شيء آخر.

مثال الصفات القياسية:

١ - الصغر والكبر، فالكبر صفة ليس لها وجود في الواقع الخارجي، وإنّما يتّصف

١١٠

بها الشيء عن طريق مقايسته بما هو أصغر منه.

توضيح المثال:

توصف الأرض بالكبر عند مقايستها بالقمر، وتوصف في نفس الوقت بالصغر عند مقايستها بالشمس، وهذان الوصفان لا يدخلان في حقيقة الموصوف (وهو الأرض)، وإلاّ لما صح وصف الأرض بوصفين متعارضين في آن واحد(١) .

٢ - الأوّليّة والثانوية، فهذه الصفات ليس لها وجود خارجي، وإنّما يتّصف بها الشيء عند مقايسته مع الشيء الآخر.

توضيح المثال:

لو شرح الأستاذ موضوعاً لتلميذه مرّتين.

فهذا "الشرح" له في كلّ مرّة صفة خاصة.

ويوصف تارة بالشرح "الأوّل".

ويوصف تارة أُخرى بالشرح "الثاني".

ولا يعني هذا أنّ الأستاذ أدّى في كلّ مرّة عملين أحدهما نفس الموضوع، والآخر صفة "الأوليّة" و"الثانوية"، بل:

هذه الصفات اعتبارية وقياسية تنشأ من أداء الأستاذ للعمل مكرراً(٢) .

نوعية "الشر" في الأشياء المتّصفة بالشر:

إنّ الأشياء المتّصفة بالشرّ ليست شرّاً من قبيل "الشر الحقيقي"، بل هي من قبيل "الشر القياسي".

أي: إنّ شرّها صفة قياسية ينتزعها ذهن الإنسان عند مقايستها مع الأشياء الأخرى.

____________________

١- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر سبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١/٢٨٠.

٢- انظر: العدل الإلهي، مرتضى مطهري: الفصل الثالث: مبحث: الشر أمر نسبي، ص ١٦٦.

١١١

مثال ذلك:

١ - إنّ الجراثيم والميكروبات ليست شرّاً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها تؤدّي إلى فقدان حياة الإنسان أو فقدان صحة بدنه، فهي شرّ بالعرض وبالمقايسة إلى الأمر الذي تقوم به إزاء الإنسان.

٢ - إنّ العقارب السامّة والحيّات القاتلة والحيوانات المفترسة والسباع الضواري ليست شرّاً بذاتها، بل تتّصف بالشر نتيجة الأذى الذي تلحقه بالإنسان أو بالكائنات الأُخرى.

٣ - إنّ الزلازل والعواصف ظواهر طبيعية تنتج من حدوث بعض التغييرات الأرضية والجوية، وليست هذه الظواهر شراً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها من شأنها تدمير حياة الإنسان وإلحاق الضرر بمنافعه.

ولهذا فإنّ وصف هذه الظواهر بالشرّ لا يكون إلاّ بعد مقايستها مع مصالح ومنافع الإنسان.

تنبيه:

بما أنّ الشر القياسي أمر وجوديٌّ، فلهذا يحتاج هذا "الشر" إلى الخلق والتقدير، ومن هذا المنطلق:

١ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) في تمجيده للّه تعالى: "... أنت اللّه لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ..."(١) .

٢ - قال(عليه السلام) أيضاً في دعاء عرفة: "اللّهم... بيدك مقادير الخير والشرّ..."(٢) .

والمقصود من "الشرّ" في هذا المقام هو "الشرّ القياسي" الذي له وجود، وليس المقصود "الشرّ الحقيقي"، ولا شكّ أنّ الجراثيم والمكروبات والعقارب السامّة والزلازل والعواصف أُمور مخلوقة ويكون الضرر الذي تلحقه بالكائنات الأُخرى وفق مقادير معيّنة.

____________________

١- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق: ثواب من مجّد اللّه بما مجّد به نفسه، ص ٣٥.

٢- الإقبال، السيد ابن طاووس: ج٢، الباب الثالث، ص١٢١.

١١٢

تنبيهات حول الشرور:

١ - إنّ وجود الشرور - أي: وجود الكائنات التي تلحق الشرّ بالكائنات الأُخرى - لا ينافي الحكمة الإلهية ولا يتعارض مع وجود النظم في العالم، لأنّ اللّه تعالى جعل هذا العالم مكاناً لاختبار العباد، فجعل الشرور وسيلة لاختبارهم وتمييز مستوى استعانتهم بالصبر إزاء الشرور التي تصيبهم.

٢ - إنّ اللّه تعالى هو الذي خلق العالم بصورة تتزاحم وتتضاد فيه الموجودات، فينتهي الأمر إلى نشوء الشرور، وكان بإمكانه تعالى أن يصمّم عالم الإمكان بصورة لا تقع فيه الشرور، ولكنه لم يفعل ذلك، لأ نّه شاء أن تكون الشرور هي الوسيلة لاختبار العباد.

٣ - لا يصح القول بأنّ اللّه تعالى وجد بأنّ خلقه للعالم يستلزم الخير الكثير والشر القليل، فرضي بالشر القليل لكثرة الخير، بل الصحيح:

إنّ اللّه عزّ وجلّ هو الذي جعل الدنيا داراً "بالبلاء محفوفة"(١) ، وهو الذي خلق الإنسان في كبد(٢) (أي: في وسط الآلام والشدائد)، وهو الذي جعل الشر في العالم ليبلوا الناس أيّهم أحسن عملا(٣) .

____________________

١- قال الإمام علي(عليه السلام) حول الدنيا: "دار بالبلاء محفوفة وبالعناء معروفة وبالغدر موصوفة... وإنّما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها".

بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٧٣، كتاب الإيمان والكفر، باب ١٢٢، ح١٠٩، ص١١٧.

٢- إشارة إلى قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في كَبَد) [البلد: ٤].

٣- قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: ٣٥].

١١٣

المبحث الثالث

الآلام وأوجه حسنها وقبحها(١)

إنّ الألم من الأُمور الوجدانية المحسوسة لدى كلّ إنسان.

وما يهمُّنا في هذا المقام معرفة أوجه حسن وقبح الألم، ليمكننا بعد ذلك معرفة أوجه حسن إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد.

أوجه حسن الألم(٢) :

١ - الاستحقاق.

٢ - حصول النفع الوافي.

٣ - دفع ضرر أعظم من الألم.

أمثلة ذلك:

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالآخرين على نحو الاستحقاق:

ألف - ذم المسيء، وإن كان ذلك سبباً في تألّمه، لأ نّه يستحق ذلك.

ب - تأديب أهل السوء على إساءتهم، لأ نّهم يستحقون ذلك.

تنبيه:

يرد على من يرى بأنّ إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد لا يكون إلاّ للاستحقاق بأنّ الأنبياء أكثر الناس بلاءً، فلو كان البلاء والألم على وجه الاستحقاق فقط،

____________________

١- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث السادس، ص٢٥٥.

٢- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، ص١٠٤ - ١٠٥.

١١٤

لأخلّ ذلك بعصمتهم، بل بعدالتهم.

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل الحصول على النفع:

ألف - إتعاب النفس وتحمّل المشقّات المؤلمة طلباً للعلم أو الحصول على الأرباح من خلال السفر، فإنّ هذا الألم حسن، لأنّ به يتم الحصول على النفع الوافي.

ب - استئجار الغير لأداء عمل شاق إزاء أجر يعتد به، فإنّ الألم الذي يتحمّله الإنسان خلال العمل حسن، لأنّ به يحصل الإنسان على النفع الوافي.

تنبيه:

١ - لا يحسن الألم للحصول على النفع إلاّ في حالة عدم وجود سبيل للوصول إلى هذا النفع إلاّ بالإيلام.

ولهذا لا يحسن منّا السفر وإتعاب النفس فيه طلباً للأرباح التي نستطيع أن نظفر بها في بلادنا(١) .

أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل دفع الضرر:

ألف - شرب المريض الدواء الكريه والمرّ للتخلّص من المرض.

ب - مبادرة الطبيب إلى معالجة المريض عن طريق العملية الجراحية المؤلمة.

أوجه قبح الألم(٢) :

١ - العبث.

٢ - الظلم.

٣ - الفساد.

____________________

١- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في الأمراض والآلام، ص٣٢٢.

٢- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل السادس، ص١٤٢.

١١٥

الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى:

إنّ جميع الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى حسنة، لأ نّه تعالى منزّه عن العبث والظلم والفساد.

أوجه حسن الألم الصادر من قبل اللّه تعالى:

١ - الاستحقاق:

وهو أن يعجّل اللّه تعالى عقوبة بعض المذنبين في دار الدنيا، فيصيبهم ببعض الآلام التي يستحقونها.

مثال ذلك:

ألف - الحدود والتعزيرات على من ارتكب موجباتها.

ب - إنزال العذاب على الأُمم الطاغية بما كانوا يعملون.

٢ - الغرض والمصلحة:

إنّ اللّه تعالى قد يؤلم البعض لوجود مصلحة ولطف لهم أو لغيرهم، بحيث يخرج الألم بهذه المصلحة عن كونه عبثاً، وسنبيّن حكمة الشرور والآلام في المبحث القادم.

٣ - العوض:

إنّ اللّه تعالى إضافة إلى وجود الحكمة في إلحاقه الألم بالعباد، فإنّه يعوّضهم إزاء ما يؤلمهم، وبهذا العوض يخرج الألم عن كونه ظلماً، وسيأتي التفصيل حول "العوض" في الفصل اللاحق.

تنبيه:

لا يحسن الألم من اللّه تعالى لدفع الضرر، لأ نّه تعالى قادر على دفع كلّ ضرر من دون ألم، فيكون الألم في هذا المقام عبثاً، واللّه عزّ وجلّ منزّه عن العبث(١) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: الكلام في الآلام، ص٢٢٦.

١١٦

١١٧

المبحث الرابع

حكمة الشرور والآلام

١ - تثبت البراهين القاطعة بأنّ اللّه تعالى حكيم ومنزّه عن الظلم والأفعال القبيحة، ولهذا يلزم حمل الشرور على ما لا ينافي هذه البراهين القاطعة.

٢ - عدم معرفة حكمة الشرور والآلام لا يعني عدم وجود حكمة فيها، بل غاية الأمر قصور الفهم وعدم العلم بحكمتها، وقد ورد في النصوص الدينية:

قال تعالى:( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) [الإسراء: ٨٥]

قال تعالى:( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [الروم: ٧]

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الدنيا لم تكن لتستقر إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد، أو ما شاء مما لا تعلم، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك"(١) .

٣ - إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وازدهار المواهب وتنشيط المساعي والاندفاع نحو الحركة المثمرة والمحاولة المقتدرة والسعي المتواصل والتحرّر من الكسل.

بعبارة أُخرى:

يكمن كمال الإنسان في المسارعة نحو الكمال، ولا يكون ذلك إلاّ في ظل الطموح، ولا يتحقّق الطموح إلاّ في ظل الحرمان.

٤ - إنّ أجواء الحياة المحفوفة بالمشاكل والمصاعب تدفع الإنسان الذي يحسن الاستفادة منها إلى غرس الصمود والصلابة في نفسه، وتزيده قوّة لحلّ المشاكل

____________________

١- نهج البلاغة، الشريف الرضي، رسالة ٣١، ص٥٤١.

١١٨

ورفع الموانع وتحطيم العقبات ومواجهة التيارات المعاكسة التي يجدها خلال مسيرته نحو الكمال.

قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّ الشجرة البريّة(١) أصلب عوداً، والرواتع الخضرة(٢) أرق جلوداً"(٣) .

٥ - إنّ اللذائذ والشهوات - بصورة عامة - توجب غفلة الإنسان، وتؤدّي إلى ابتعاده عن القيم الأخلاقية والكمالات المعنوية، وإنّ البلايا والمصائب والمحن تكون بمنزلة المنبّهات التي توقظ الإنسان وتخفّف من غفلته وطغيانه، ولهذا قال تعالى:

( وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِيّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) [الأعراف: ٩٤]

( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) [الأعراف: ١٣٠]

( وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاء عَرِيض ) [فصّلت: ٥١]

( وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَر ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) [الشورى: ٢٧]

( وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [المؤمنون: ٧٥]

٦ - إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لإيقاف الإنسان العاصي على نتائج عتوّه وعصيانه، وهي أدعى لأهل السوء إلى ترك العناد، وأشدّ زجراً لنفوسهم عن الميل إلى الهوى وحبّ الفساد، وهي تتضمّن التحذير لهم، وتحثّهم على إصلاح نفوسهم.

____________________

١- الشجرية البرّية: التي تنبت في البرّ الذي لا ماء فيه.

٢- الرواتع الخضرة: الأشجار والأعشاب الغضة الناعمة التي تنبت في الأرض الندية.

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضي: رسالة ٤٥ (كتاب له(عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري)، ص٥٧٥.

١١٩

قال تعالى:( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [الروم: ٤١]

قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ اللّه إذا أراد(١) بعبد خيراً فأذنب ذنباً، أتبعه بنقمة، ويذكّره الاستغفار"(٢) .

٧ - إنّ كون البلاء نعمة أو نقمة يرتبط بنوع ردّ فعل الإنسان، لأنّ الموضوع الواحد قد يختلف وصفه بالنسبة إلى شخصين.

توضيح:

إنّ البلايا والمصائب وسيلة لاختبار الإنسان.

فإذا كان موقف الإنسان منها موقف المؤمن الصالح، فسيكون البلاء له خيراً، وسبيلا لوصوله إلى الكمال.

وإن كان موقف الإنسان منها موقف المعاند للحق، فسيكون البلاء له شراً، وسبيلا لإيصاله إلى النقصان.

مثال:

إنّ الفقر بصورة عامة شرّ، ولكنه إذا كان سبباً في تقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى فهو خير.

وإنّ الغنى بصورة عامة خير، ولكنه إذا كان سبباً في ابتعاد الإنسان عن اللّه تعالى فهو شر(٣) .

وقد قال تعالى:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا ( ٤ ) إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) [آل عمران: ١٧٨]

____________________

١- إنّ إرادة اللّه تعالى ليست عشوائية، وإنّ منشأها في هذا المقام عمل الإنسان نفسه.

٢- الكافي، الكليني: ج٢، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستدراج، ح١، ص٤٥٢.

٣- انظر: اُصول العقائد في الإسلام، مجتبى الموسوي اللاري: ج١، الأصل الثاني، بحث: تحليل حول الشرور في العالم، ص ١٨١ - ١٨٢.

٤- إنّ اللام في (لِيَزْدادُوا) ليست للغرض، لأ نّه تعالى عدل حكيم، ولا يكون الإثم غرضاً لفعله تعالى، بل اللام هي لام العاقبة والنتيجة، أي: إنّ الإنسان مختار في أفعاله، فإذا اختار الشر، فستكون نتيجته الوقوع في المزيد من الإثم.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432