التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 208231
تحميل: 8800

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208231 / تحميل: 8800
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تنبيهات :

١ - المقصود من الفعل المحكم والمتقن صدوره مرّة بعد أخرى ، لا صدوره مرّة واحدة ولهذا لا يصح الإشكال ، بأنّ الفعل المحكم والمتقن لا يدل على علم الفاعل ؛ لأنّ النائم والساهي والجاهل قد تصدر منه بعض الأفعال المحكمة والمتقنة وهو غير عالم بها.

دليل عدم صحة هذا الإشكال :

صدور الفعل المحكم والمتقن مرّة واحدة أو مرّتين ، قد لا يدل على علم الفاعل ، ولكن صدور هذا الفعل مرّة بعد أخرى ، يدل بالضرورة على علم الفاعل ، وذلك لاستحالة وقوع الفعل المحكم والمتقن مرّة بعد أخرى من غير العالم(١) .

٢ - الفعل المحكم والمتقن هو المطابق للمنافع المقصودة منه(٢) .

وبما أنّ المقصود من هذا العالم هو اختبار الإنسان ، فلهذا تكون الشرور والآلام والآفات من الأفعال المحكمة والمتقنة ؛ لأنّها الوسيلة المطلوبة لهذا الاختبار ، وهي الأداة اللازمة لمعرفة مدى صبر وتحمّل الإنسان.

٣ - إنّ الله تعالى هو الذي يدبّر الحيوانات ، وهو الذي يهديها إلى القيام ببعض الأفعال المحكمة والمتقنة.

ولهذا فإنّ قيام هذه الكائنات الحيّة ببعض الأفعال المحكمة مع عدم امتلاكها للعلم لا يعني صحّة صدور الفعل المحكم والمتقن من الجهة غير العالمة.

الدليل الثاني:

" إنّه [ تعالى ] مختار ، وكلّ مختار عالم ؛ لأنّ فعل المختار تابع لقصده ، ويستحيل قصد شيء من دون العلم به "(٣) .

____________________

١- انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، علمه تعالى ، ص ٥٢.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الثاني ، ص ٨٥.

٢- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٧٧.

٣- النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ، مقداد السيوري : الفصل الثاني ، الصفة الثانية ، ص ٣٥.

١٨١

الدليل الثالث :

العلم صفة من صفات الكمال ، ووجوده عند المخلوقات دليل على وجوده عند الخالق بأكمل مراتبه وأظهر مصاديقه.

الدليل الرابع :

الجهل نقص ، والله منزّه عن جميع أنواع النقص.

١٨٢

المبحث السابع :علم الله بذاته

يتعلّق العلم الإلهي بجميع الأشياء ، وبما أنّ الله " شيء " ، فلهذا يتعلّق هذا العلم بذات الله ، فيثبت علم الله تعالى بذاته.

سُئل الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : هل كان الله عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟

قالعليه‌السلام : ( نعم )(١) .

شبهة علم الله بذاته(٢)

" العلم " نسبة قائمة بين " العالم " و " المعلوم ".

والنسبة إنّما تكون بين شيئين متغايرين.

فإذا قلنا بأنّ الله يعلم بذاته ، فإنّه يلزم أن يكون " علم الله " شيئاً مغايراً " لذات الله ".

وهذا يخالف القول بأنّ " علم الله " عين " ذاته ".

جواب الشبهة :

أوّلاً :

ليس " العلم " نسبة قائمة بين " العالم " و " المعلوم ".

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ ، ح ٤ ، ص ١٨٦.

٢- أُشير إلى هذه الشبهة وجوابها في كتاب :

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٣٩٤ - ٣٩٥.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الثانية ، ص ٣٩٩.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الأوّل ، ص ١٩٩.

١٨٣

وإنّما العلم حقيقة.

قد تكون بين شيئين متغايرين ،

وقد تكون في شيء واحد.

فإذا قلنا بأنّ الله يعلم بذاته ، فإنّه لا يلزم التغاير بين " علم الله " و " ذاته ".

وإنّما المقصود بيان حقيقة في شيء واحد.

ثانياً :

لو سلّمنا بأنّ العلم نسبة قائمة بين " العالم " و " المعلوم ".

فإنّ التغاير الموجود بين العالم والمعلوم في هذا المقام ، تغاير من حيث " المفهوم " لا من حيث " المصداق ".

وتعدّد " المفهوم "(١) لا يوجب تعدّد " المصداق "(٢) .

ومثاله :

إنّ لله تعالى العديد من الأسماء وهي مفاهيم ، وتعدّد هذه الأسماء لا يوجب تعدّد الذات الإلهية التي هي مصداق لهذه الأسماء والمفاهيم.

بعبارة أخرى :

الشبهة المذكورة واردة فيما لو كان التغاير الموجود بين العالم والمعلوم في هذا المقام ، هو التغاير " الحقيقي " ، ولكن التغاير الموجود هنا تغاير " اعتباري " ، ولا يرد الإشكال المذكور في هذا النمط من التغاير.

____________________

١- المفهوم : مجموع الصفات والخصائص الموضّحة لمعنى كلّي.

انظر : المعجم الوسيط ، مادة ( ف ه- م ).

٢- المصداق : الفرد الذي يتحقّق فيه معنى كلّي.

انظر : المعجم الوسيط: مادة ( ص د ق ).

١٨٤

المبحث الثامن :علم الله بالاشياء قبل ايجادها

قال الشيخ المفيد : " إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يكون قبل كونه ، وإنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه وبهذا قضت دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة عن آل الرسولعليهم‌السلام ، وهو مذهب جميع الإماميّة "(١) .

أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام حول علم الله بالأشياء قبل إيجادها

١ - وردت إلى الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام رسالة فيها سؤال حول الله ، والسؤال :

" أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كوّن ؟ "

فوقّععليه‌السلام بخطه : ( لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعدما خلق الأشياء )(٢) .

٢ - قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( كان الله ولا شيء غيره ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه )(٣) .

٣ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم )(٤) .

٤ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( كلّ عالم فمن بعد جهل تعلّم ، والله لم يجهل ولم

____________________

١- أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : القول ٢١ : القول في علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها ، ص ٥٤ - ٥٥.

٢- الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب صفات الذات ، ح ٤ ، ص ١٠٧.

٣- المصدر السابق : ح ٢.

٤- المصدر السابق : ح ١.

١٨٥

يتعلّم ، أحاط بالأشياء علماً قبل كونها ، فلم يزدد بكونها علماً ، علمُه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها )(١) .

٥ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله ؟

قالعليه‌السلام : ( بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض )(٢) .

٦ - سئل الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام : أيَعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ، أو لا يعلم إلاّ ما يكون ؟

فقالعليه‌السلام : ( إنّ الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء )(٣) .

٧ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان ، أم علمه عندما خلقه وبعدما خلقه ؟

فقالعليه‌السلام : ( تعالى الله ، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كوّنه ، وكذلك علمه بجميع الأشياء كعلمه بالمكان )(٤) .

٨ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله تعالى.

قالعليه‌السلام : ( لا ، من قال هذا فأخزاه الله ).

أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله ؟ !

قالعليه‌السلام : ( بلى ، قبل أن يخلق الخلق )(٥)

٩ - عن جعفر بن محمّد بن حمزة قال : كتبت إلى الرجلعليه‌السلام أسأله : أنِّ مواليك اختلفوا في العلم ، فقال بعضهم : لم يزل الله عالماً قبل فعل الأشياء وقال بعضهم : لا نقول : لم يزل الله عالماً ؛ لأنّ معنى يعلم يفعل ، فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : الباب الثاني ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ٣ ، ص ٤٤.

٢- المصدر السابق : الباب العاشر ، باب العلم ، ح ٥ ، ص ١٣١.

٣- المصدر السابق ، ح ٨ ، ص ١٣٢.

٤- المصدر السابق : ح ٩ ، ص ١٣٢.

٥- المصدر السابق ، باب ٥٤ ، باب البداء ، ح ٨ ، ص ٣٢٥.

١٨٦

معه شيئاً.

فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه ؟

فكتبعليه‌السلام بخطه : ( لم يزل الله عالماً تبارك وتعالى ذكره )(١) .

١٠ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ( لم يزل الله عزّ وجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها )(٢) .

تنبيه :

دور علم الله بالأشياء قبل وجودها ، هو الكشف عمّا سيقع في الواقع الخارجي فقط ، وليس لهذا العلم أيّ دور في علّة صدور الأشياء(٣) بل يستحيل أن يكون لهذا العلم أيّ أثر على أفعال الله تعالى.

كيفية علم الله بالأشياء قبل إيجادها :

ذهب بعض العلماء(٤) إلى أنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول(٥) .

فمع لحاظ الأمور التالية :

١ - إنّ الله تعالى عالم بذاته.

٢ - إنّ الذات الإلهية علّة لجميع ما سواه.

نستنتج :

____________________

١- الكافي ، الشيخ الكليني ، ج١ ، كتاب التوحيد ، باب صفات الله ، ح٥ ، ص ١٠٨.

٢- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١٠ ، ح ٨ ، ص ١٣٢.

٣- انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٩٦.

٤- انظر : كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الثانية ، ص ٣٩٨ الأسرار الخفية ، العلاّمة الحلّي : الفن الثالث ، المقالة السادسة ، المبحث الأوّل ، سرّ ١٢٠ ، ص ٥٦٠.

إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة ١٦ ، المبحث الثالث ، ص ٢٧٥.

٥- قال العلاّمة الحلّي بأنّ العلم بالعلّة يقع على ثلاثة أقسام ، وفي قسمين لا يوجب العلم بالعلّة العلم التام بالمعلول ، وإنّما يوجب العلم بالعلّة العلم التام بالمعلول فيما لو كان العلم بالعلّة من حيث هي هي ، ومن حيث لوازمها وأعراضها وملزوماتها ومعروضاتها ومالها في نفسها ومالها بالقياس إلى الغير.

انظر : الأسرار الخفية ، العلاّمة الحلّي : الفن الثالث ، المقالة السادسة ، المبحث الأوّل ، سرّ ١٢٠ ، ص٥٦٠.

١٨٧

علم الله بذاته يستلزم علمه تعالى بجميع ما سواه(١) .

يرد عليه :

١ - العلم بالعلّة ، لا يوجب العلم بالمعلول ، إلاّ إذا كانت العلّة غير ممتلكة للإرادة ، وغير مختارة(٢) ، ولكن إذا كانت العلّة لها إرادة ومختارة ، أي : كانت العلّة تفعل متى ما تشاء ولا تفعل متى ما لا تشاء ، فلا يؤدّي العلم بها العلم بمعلولاتها.

وبما أنّ الذات الإلهية ، علّة مختارة فلا يؤدّي العلم بها العلم بمعلولاتها.

٢ - العلم بالمعلول من خلال العلم بالعلّة لا يثبت إلاّ العلم الإجمالي ، ولكن علم الله بالأشياء قبل ايجادها - كما ورد في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام - علم تام وغير إجمالي.

النتيجة :

إنّ الله تعالى عالم بالأشياء قبل إيجادها ، ولكنّنا نجهل كيفية ذلك ؛ لأنّ هذا العلم يرتبط بذات الله تعالى ، وعلم الله - كما قال الإمام الكاظمعليه‌السلام - لا يوصف بكيف ، وقد بيّنا هذه الحقيقة في المبحث الرابع من هذا الفصل.

____________________

١- تنبيه : لا يصحّ القول بأنّنا عالمون بذواتنا التي هي علل لأفعالنا الآتية ولكننا مع ذلك لا نعلم ما سيصدر منّا.

دليل ذلك : إنّ ذواتنا ليست علّة مستقلّة لأفعالنا ، بل أفعالنا محتاجة إلى أسباب خارجية بخلاف أفعال الله تعالى.

٢- مثاله : إنّ علم المنجّم بالقوانين الكونية وحركة الشمس والأرض والقمر يوجب علمه بوقوع الخسوف والكسوف وما شابه ذلك.

١٨٨

المبحث التاسع :علم الله بالاشياء بعد ايجادها ( العلم الفعلي )

إنّ الله تعالى محيط بجميع الأشياء بعد إيجادها.

وتسمّى هذه الإحاطة بعد تحقّق الأشياء في الواقع الخارجي ب- " العلم الفعلي لله ".

تنبيه :

لا يوجد فرق بين علم الله بالشيء قبل وجوده وبين علمه تعالى به بعد وجوده ، إلاّ في متعلّق العلم.

فإذا كان متعلّق العلم " ما هو موجود " ، فسيسمّى هذا العلم ب- " العلم الفعلي ".

قال الشيخ الطوسي حول تفسير قوله تعالى :( وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَکُمْ ) [ التوبة : ١٠٥ ] :

" إنّما قال( فَسَيَرَى اللَّهُ ) على وجه الاستقبال ، وهو عالم بالأشياء قبل وجودها ؛ لأنّ المراد بذلك أنّه سيعلمها " موجودة " بعد أن علمها " معدومة " ، وكونه عالماً بأنّها " ستوجد " من كونه عالماً " بوجودها " إذا " وُجدت " لا يجدّد حال له بذلك "(١) .

الآيات القرآنية المشيرة إلى العلم الفعلي لله :

١ -( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْکُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيکُمْ ضَعْفاً ) [ الأنفال : ٦٦ ]

٢ -( فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْکَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً ) [ الكهف : ١٢ ]

____________________

١- التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي : ج ٥ ، تفسير آية ١٠٥ من سورة التوبة ، ص ٢٩٥.

١٨٩

٣ -( وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْکُمْ وَ الصَّابِرِينَ ) [ محمّد : ٣١ ]

٤ -( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْکُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ‌ ) [آل عمران : ١٤٢ ]

٥ -( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّکُمُ اللَّهُ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيکُمْ وَ رِمَاحُکُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ) [ المائدة : ٩٤ ]

٦ -( وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ) [ الحديد : ٢٥ ]

٧ -( وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي کُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) [ البقرة : ١٤٣ ]

تنبيه :

إذن ، المقصود من علم الله بهذه الأمور هو علمه تعالى " بوجودها " ؛ لأنّ قبل وجود هذه الأمور لا يصح القول بأنّه تعالى عالم بوجودها ، بل الله تعالى يعلم قبل ذلك بأنّها " ستوجد " أو " لا توجد ، فإذا " وُجدت " صح القول بأنّه تعالى عالم " بوجودها ".

١٩٠

المبحث العاشر :سعة علم الله تعالى

إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يصح أن يكون معلوماً ، سواء كان هذا المعلوم موجوداً أو معدوماً ، واجباً أو ممكناً ، قديماً أو حادثاً ، كلّياً أو جزئياً ، متناهياً أو غير متناه و(١) .

دليل ذلك :

إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يصح تعلّق العلم به من دون وجود مخصّص يخصّصه ببعض المعلومات دون البعض ،

ولهذا يلزم أن يكون علمه تعالى شاملاً لجميع المعلومات(٢) .

بعبارة أخرى :

نسبة تعلّق علم الله بجميع المعلومات متساوية ،

وعدم تعلّق علم الله بمعلوم يحتاج إلى سبب ،

ولا يوجد في هذا الصعيد أيّ سبب.

فنستنتج بأنّ علم الله يتعلّق بجميع المعلومات(٣) .

____________________

١- انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، ص ٥٣.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني : صفات الصانع ، العلم ، ص ١٧١.

النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ، مقداد السيوري : الفصل الثاني ، الصفة الثانية : أنّه تعالى عالم ، المقصد الثاني ، ص ٣٦.

٢- انظر : المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ١ / ٨٢.

٣- انظر : الياقوت ، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت : القول في إثبات الصانع ، ص ٤٢.

النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٤.

إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة ١٦ ، المبحث الأوّل ، ص ٢٧٣.

النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ، مقداد السيوري : الفصل الثاني ، الصفة الثانية : أنّه تعالى عالم ، المقصد الثاني ، ص ٣٦.

١٩١

علم الله بالجزئيات :

إنّ الله تعالى عالم بالجزئيات.

دليل ذلك :

١ - العلم بالجزئيات صفة كمال ، والجهل بها صفة نقصان.

وبما أنّ الله أكمل الموجودات ، فلهذا يوجب وصفه بالكمال الاعتقاد بأنّه عالم بالجزئيات.

تنبيه :

علم الله بالجزئيات المتغيّرة لا يوجب التغيّر في علمه تعالى ؛ لأنّ التغيير في هذا المقام يكون في " المعلومات " لا في " العلم ".

وحقيقة علم الله شيء واحد ، وهي الإحاطة الشاملة بكلّ المعلومات المتغيّرة من دون أن يطرء على هذه الإحاطة أيّ تغيير ، بل لا معنى لوقوع التغيير في الإحاطة(١) .

الآيات القرآنية الدالة على سعة علم الله تعالى :

١ - ( إنّ الله بكل شيء عليم ) [ الأنفال : ٧٥ ] [ التوبة : ١١٥ ] [ العنكبوت : ٦٢ ]

٢ - ( إنّ الله قد أحاط بكل شيء علماً ) [ الطلاق : ١٢ ]

٣ - ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البرِّ والبحر و ) [ الأنعام : ٥٩ ]

٤ - ( لا يعزب [ أي : لا يغيب ] عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في

____________________

١- انظر : الياقوت ، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت : القول في إثبات الصانع ، ص ٤٢.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٩٥.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث التاسع ، ص ٩٨ - ٩٩.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الثانية ، ص ٤٠٠.

إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة ١٦ ، المبحث الثالث ، ص ٢٧٥ - ٢٧٦ اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الأوّل ، ص ٢٠٠.

١٩٢

الأرض ) [ سبأ : ٣ ]

٥ - ( إنّه يعلم الجهر وما يخفى ) [ الأعلى : ٧ ]

٦ - ( إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ) [ آل عمران : ٥ ]

٧ - ( وسع ربّنا كلّ شيء علماً ) [ الأعراف : ٨٩ ]

٨ - ( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض ) [ آل عمران : ٢٩ ]

١٩٣

١٩٤

الفصل التاسع :إدراك اللّه تعالى

معنى الإدراك ( لغة واصطلاحاً )

صلة الإدراك بالعلم

صلة الإدراك بالحياة

خصائص الإدراك عند الله تعالى

١٩٥

١٩٦

المبحث الأوّل :معنى الادراك ( لغة واصطلاحاً )

" الإدراك " صفة من صفات الله المذكورة في القرآن الكريم.

قال تعالى : ( وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) [ الأنعام : ١٠٣ ]

معنى الإدراك ( لغةً ) :

الإدراك في أصل اللغة هو بلوغ أقصى الشيء ومنتهاه(١) .

معنى الإدراك ( اصطلاحاً )

اختلف العلماء في معنى الإدراك نتيجة اختلافهم في صلة " الإدراك " بصفة " العلم " ، والمشهور وجود معنيين ، سنذكرهما في المبحث التالي.

____________________

١- راجع المعاجم اللغوية ، من قبيل : المنجد في اللغة ، والمعجم الوسيط مادة ( درك ).

١٩٧

المبحث الثاني :صلة الادراك بالعلم

الرأي الأوّل :

الإدراك هو العلم بالمُدَرك.

أي : الإدراك نوع من أنواع العلم ، وهو علم خاص يشمل العلم بالموجودات الجزئية العينية(١) .

وبعبارة أخرى : إدراك الله عبارة عن علمه بالأشياء الخارجية.

الرأي الثاني :

الإدراك لا يتعلّق بالعلم ، وهو وصف مستقل وزائد على العلم(٢) .

دليل ذلك :

إنّنا نجد في أنفسنا بأنّ " الإدراك " يفترق عن " العلم ".

فنعلم ما لا ندركه.

وندرك ما لا نعلمه.

فنستنتج مطلقاً بأنّ " الإدراك " مغاير " للعلم ".

مثال ذلك :

____________________

١- انظر : النكت الإعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٥.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ص ٤٧.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث السابع ، ص ٩٥ - ٦٠.

الأبحاث المفيدة ، العلاّمة الحلّي : الفصل الرابع ، المبحث السابع ، ص ٣٤.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، إثبات الإدراك للباري تعالى ، ص ٢٠٧.

٢- ذهب الشريف المرتضى والشيخ الطوسي إلى هذا الرأي ، وسيأتي لاحقاً بيان أقوالهما في هذا المجال مع ذكر المصدر.

١٩٨

مثال علم الإنسان بما لا يدركه :

١ - المعدومات ، فإنّها تقع في دائرة علم الإنسان ، ولكنّها لا تقع في دائرة إدراكه ؛ لأنّ الإدراك مختص بالموجودات(١) .

٢ - الموجودات التي يعلمها الإنسان وليس له اتّصال مباشر بها ، أي : لم تقع في دائرة إدراكه.

مثال إدراك الإنسان ما لا يعلمه :

إدراك النائم الأصوات وغيرها التي تكون سبباً في انتباهه.

وهذه الأصوات يدركها الإنسان من دون علمه بها ؛ لأنّه لا يمكن له العلم بها وهو نائم ، ولا يمكن القول بأنّه يدركها بعد الانتباه ؛ لأنّه لا يوجد سبب في استيقاظه إلاّ هي(٢) .

قال الشريف المرتضى : " لا يجوز أن ترجع هذه الصفة [ الإدراك ] إلى كونه عالماً ؛ لأنّه قد يعلم ما لا يدركه ، مثل : القديم سبحانه والقيامة ، وذلك غير مدرك "(٣) .

قال الشيخ الطوسي : " [ لا يرجع الإدراك ] إلى كونه عالماً ؛ لأنّه تعالى يكون عالماً بها قبل إدراكها وبعد انقضائها "(٤) .

____________________

١- إنّ " الإدراك " يشمل " العلم بالموجودات " فقط ، ولا يشمل " العلم بالمعدومات ".

انظر : عجالة المعرفة ، محمّد بن سعيد الراوندي : فصل في الصانع وصفاته ، ص ٣٢.

وخالف ميثم البحراني هذا الرأي وقال : " لا نسلّم أنّ المعدومات غير مدركة لنا " ، فإنّ المفهوم المتعارف من " الإدراك " هو لحوق العقل أو الحس للمعقول أو المحسوس ، وهو بهذا الاعتبار صادق على المعدومات ".

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث السابع ، ص ٩٦.

٢- انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : باب الكلام في الصفات ، ص ٩٢.

الاقتصاد ، الشيخ الطوسى : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، الإدراك ، ص ٥٦.

غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، الفصل الثالث ، في وجوب كونه تعالى مدركاً ، ص ٣١.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث السابع ، ص ٦٠.

٣- شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد ، وجوب كونه تعالى مدركاً ، ص ٥٣.

٤- الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، الإدراك ، ص ٥٦.

١٩٩

٢٠٠