التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 208322
تحميل: 8800

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208322 / تحميل: 8800
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١ - ذات الفعل.

٢ - صفات الفعل ، وهي الصفات التي تُنتزع من خلال لحاظ " دواعي " القيام بالفعل.

وهذه الصفات في أفعال الإنسان عبارة عن :

أوّلاً : " العبث " ، فيما لو كان داعي الفعل من دون غرض.

ثانياً : " الطاعة " ، فيما لو كان داعي الفعل تلبية الأوامر الشرعية.

ثالثاً : " المعصية " ، فيما لو كان داعي الفعل مخالفة الأوامر الشرعية.

وما ينبغي الالتفات إليه : أنّ ما يستلزم المحذور ، عبارة عن تشابه دواعي الله في الفعل مع دواعي الإنسان ؛

لأنّنا إذا قلنا بأنّ دواعي الله مشابهة لدواعي الإنسان ، فإنّ أفعال الله تعالى ستُصوف بالعبث أو الطاعة أو المعصية ، وهذا محال.

لكنّنا إذا قلنا بأنّ الله قادر على القيام بما يقوم به العبد من حيث ذات الفعل وهيئته ، وله تعالى دواعي مغايرة لدواعي الإنسان ، فإنّه لا يكون أيّ محذور في هذا المجال.

فتثبت قدرة الله على مثل ما يقدر عليه الإنسان.

بعبارة أخرى :

دواعي فعل الله مغايرة لدواعي فعل الإنسان ،

فلهذا لا يوصف فعل الله بالأوصاف التي يوصف بها فعل الإنسان ( وهي : العبث أو الطاعة أو المعصية ).

وعدم اتّصاف فعله تعالى بالأوصاف التي يتّصف بها فعل الإنسان ، لا يوجب إنكار قدرته تعالى على مثل ما يقوم به الإنسان ،

بل غاية ما يثبته أنّ دواعي فعل الله مغايرة لدواعي فعل الإنسان.

فلا يبقى أيّ إشكال في أن يكون الله قادراً على مثل ما يقوم به الإنسان ، وأن

٢٤١

يكون الله فاعلاً لمثل الفعل الذي يفعله الإنسان من حيث " الذات والهيئة " لا من حيث " الداعي والأوصاف ".

تنبيه :

المقصود من قدرة الله على مثل ما يقوم به الإنسان ، هي الأفعال التي يصح نسبتها إلى الله عزّ وجلّ ، وليس المقصود منها الأفعال القائمة بالفاعل المادي والجسماني ، كالأكل والشرب وما شابه ذلك ؛ لأنّ هذه الأفعال ممّا يتنزّه عنها الله تعالى ، وهي خارجة عن البحث.

الإشكال الثالث :(١)

إنّ الله تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد.

أي : إذا تعلّقت قدرة الإنسان بشيء ، فلا يمكن بعد ذلك أن تتعلّق قدرة الله بذلك الشيء.

دليل ذلك :

إذا تعلّقت قدرة الإنسان بشيء ، وتعلّقت قدرة الله - في نفس الوقت - فإنّه يلزم اجتماع قادرين على مقدور واحد ، وهو محال ؛ لأنّ الإنسان قد يريد وقوع الشيء ، ويريد الله تعالى عدم وقوعه.

فيكون ذلك الشيء - في نفس الوقت - " واقع " و " غير واقع " ، وهذا محال ؛ لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين.

فيثبت عدم تعلّق قدرة الله بالشيء فيما لو تعلّقت قدرة الإنسان بذلك الشيء.

يرد عليه :

إنّ هذا الإشكال يصحّ فيما لو قلنا بأنّ قدرة الإنسان قدرة مستقلة وقائمة بذاتها ، فيؤدّي اجتماعها مع قدرة الله إلى اجتماع النقيضين.

ولكن قدرة الإنسان غير مستقلة ، وهي لا تترك أثرها إلاّ بإذن الله ، ولهذا لا

____________________

١ - أشير إلى هذا الإشكال والرد عليه في :

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الثامن ، ص ٩٧.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الأولى ، ص ٣٩٦.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، مذهب الكعبي ، ص ١٩٣.

٢٤٢

يشكّل فرض اجتماع قدرة الإنسان مع قدرة الله أيّ محذور أبداً ؛ لأنّ قدرة الإنسان لوحدها لا تشكّل العلّة التامّة في التأثير ، بل لابدّ من وجود إذن إلهي في هذا الصعيد لتترك هذه القدرة أثرها في الواقع الخارجي.

الإشكال الرابع :

نظرية الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد.

ذهب بعض الفلاسفة إلى أنّ قدرة الله تعالى لا تتعلّق مباشرة إلاّ بشيء واحد ، أي : لا يفعل الله بذاته إلاّ شيئاً واحداً فقط ، ثمّ يكون تعلّق قدرة الله بسائر الأشياء بصورة غير مباشرة وعن طريق وجود واسطة(١) .

دليل ذلك :

إنّ الله تعالى واحد بذاته ، وهو منزّه عن جميع أنواع الكثرة ، وصدور أكثر من شيء واحد عنه تعالى يلزم وجود تكثّر في ذاته ، فيكون الله تعالى مركّباً ، وهذا محال.

يرد عليه :

١ - نظرية " الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد " تصحّ مع الفاعل الموجب ( المضطر ) ، وبما أنّ هؤلاء الفلاسفة يقولون أو يلازم قولهم بأنّ الله تعالى فاعل موجب ، فلهذا يذهبون إلى أنّ الله تعالى لا يصدر عنه إلاّ شيئاً واحداً ، ولا تتعلّق قدرته مباشرة إلاّ بشيء واحد.

ولكن الله تعالى - في الواقع - فاعل مختار ، فلهذا لا تشمله هذه النظرية(٢) .

قال العلاّمة الحلّي :

____________________

١ - انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني : في ذكر صفات الله ، عموم العلم والقدرة ، ص ٥٤.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني ، الصفات الثبوتية (٢) ، العلم ، الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد ، ص ١٧٠.

وللمزيد راجع : المطالب العالية ، فخرالدين الرازي : ٤ / ٣٨١ - ٣٩٧.

٢ - مرّ في هذا الفصل ، المبحث الثاني التعريف بالفاعل الموجب والفاعل المختار.

٢٤٣

" المؤثّر إن كان مختاراً جاز أن يتكثّر أثره مع وحدته ، وإن كان موجباً فذهب الأكثر إلى استحالة تكثّر معلوله باعتبار واحد "(١) .

٢ - الامتناع وعدم الصدور في نظرية " الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد " يكون فيما لو كان الصدور من جهة واحدة ، ولكن الله فاعل مختار ، وبإمكانه أن يصدر عنه الفعل من جهات متعدّدة حسب اختلاف مشيئته وإرادته ، فلهذا يصحّ عنه صدور أفعال كثيرة ، بحيث يكون لكلّ فعل جهة مغايرة للأخرى(٢) .

٣ - يلزم القول بأنّ الله تعالى لا يصدر عنه إلاّ الواحد :

أوّلاً : أن تكون رتبة الله في التأثير أقل من رتبة المؤثّرات الأخرى.

ثانياً : إنكار قدرة الله الشاملة لكلّ المقدورات.

ثالثاً : إخراج الله عن سلطانه.

وبما أنّه تعالى يتنزّه عن هذه الأمور فلا يصح قبول هذه النظرية.

الإشكال الخامس :(٣)

إنّ الله تعالى غير قادر على خلاف ما يعلم.

دليل ذلك :

إنّ ما علم الله وقوعه ، يقع قطعاً ، فهو " واجب " الوقوع.

وإنّ ما علم الله عدم وقوعه ، لا يقع قطعاً ، فهو " ممتنع " الوقوع.

وما هو " واجب " أو " ممتنع " الوقوع ، لا تتعلّق به القدرة ؛

لأنّ القدرة إنّما تتعلّق بما يصح " وقوعه " و " عدم وقوعه " ، ويمكن " فعله " و" عدم فعله ".

____________________

١ - كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الأوّل ، الفصل الثالث ، المسألة الثالثة ، ص ١٧٢.

٢ - انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : رسالة في العلل والمعلولات ، ص ٥٠٩.

٣ - أُشير إلى هذا الإشكال والرد عليه في :

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة : الركن الثالث ، البحث الثامن ، ص ٩٧.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الأولى ، ص ٣٩٦.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، مذهب الكعبي... ، ص ١٨٩ - ١٩٠.

٢٤٤

فيثبت أنّ الله تعالى غير قادر على خلاف ما يعلم.

بعبارة أخرى :

لو لم يقع ما علم الله وقوعه ،

أو وقع ما علم الله عدم وقوعه ،

لزم انقلاب علمه تعالى جهلاً ، وهو محال.

يرد عليه :

١ - إنّ الله تعالى بكلّ شيء عليم ، والأشياء كلّها تنقسم في علم الله تعالى إلى قسمين :

أوّلاً : يعلم بأنّها تقع ، فتكون هذه الأشياء - حسب الإشكال المذكور - واجبة الوقوع.

ثانياً : يعلم بأنّها لا تقع ، فتكون هذه الأشياء - حسب الإشكال المذكور - ممتنعة الوقوع ،

ولازم هذا القول أن لا تتعلّق قدرة الله بأيّ شيء أبداً ؛ لأ نّه تعالى بكلّ شيء عليم ، وهذا الأمر واضح البطلان.

والصحيح أن يُقال :

١ - علم الله بوقوع شيء يعني ، أنّه يعلم بأنّ ذلك الشيء سيقع بتأثير من قدرته المباشرة أو غير المباشرة.

٢ - إنّ علم الله تعالى بعدم وقوع شيء يعنى ، أنّه يعلم بأنّ ذلك الشيء لا يقع لعدم تعلّق قدرته أو قدرة مخلوقاته به أو عدم سعة قدرة غيره لتحقّقه.

فتكون القدرة - في جميع الأحوال - هي المؤثّرة في وقوع الأشياء.

بعبارة أخرى :

إنّ العلم لا يشكّل العلّة لوقوع أو عدم وقوع الأشياء ، وإنّما العلم مجرّد كاشف يكشف عن :

٢٤٥

وقوع الشيء عند تحقّق علّته التامّة.

أو عدم وقوع الشيء عند عدم تحقق علّته التامّة ،

وإحدى العلل الحتمية لوقوع الشيء هي " القدرة " ،

ومن المستحيل أن يقع شيء من دون وجود " قدرة ".

إذن :

تعلّق العلم بوقوع " شيء " لا يجعل ذلك الشيء واجب الوقوع نتيجة تعلّق العلم به ،

وإنّما يكون الشيء واجب الوقوع من خلال علّته التامّة ، والتي تكون القدرة جزءاً أساسياً من هذه العلّة.

ومهمة " العلم " ، هو الكشف عن تلك العلّة والإخبار عن وقوع ذلك الشيء لا غير ، وليس لهذا العلم أي أثر في وقوعه أبداً.

٢٤٦

٢٤٧

الفصل الثاني عشر :مشيئة اللّه تعالى وإرادته

مراتب صدور الفعل من الله تعالى

معنى وأقسام مشيئة الله تعالى

خصائص مشيئة الله تعالى

معنى الإرادة ( لغة واصطلاحاً )

أقسام إرادة الله تعالى

إرادة الله صفة ذات أم صفة فعل ؟

خصائص إرادة الله تعالى

حسن وقبح الإرادة

عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة

كراهة الله لبعض الأفعال

٢٤٨

٢٤٩

المبحث الأوّل :مراتب صدور الفعل من الله تعالى

١ - العلم

٢ - المشيئة

٣ - الإرادة

٤ - القدر

٥ - القضاء

٦ - الإمضاء

حديث شريف :

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام :

( عَلِم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى

بعلمه كانت المشيئة

وبمشيئته كانت الإرادة

وبإرادته كان التقدير

وبتقديره كان القضاء ،

وبقضائه كان الإمضاء

والعلم متقدّم على المشيئة

والمشيئة ثانية

والإرادة ثالثة

والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء

٢٥٠

فبالعلم علم الأشياء قبل كونها

وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها ، وأنشأها قبل إظهارها

وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها

وبالتقدير قدّر أقواتها ، وعرّف أوّلها وآخرها

وبالقضاء أبان للناس أماكنها ، ودلّهم عليها

وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها

وذلك تقدير العزيز العليم )(١)

معنى مراتب الفعل الإلهي :

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى )

ثمّ عرّف الإمامعليه‌السلام هذه المراحل كما يلي :

المشيّة : الذكر الأوّل.

الإرادة : العزيمة على ما شاء.

القدر : وضع الحدود.

القضاء : إقامة العين )(٢) .

وفي حديث آخر عنهعليه‌السلام :

( المشيّة : همّه بالشيء.

الإرادة : إتمامه على المشيّة.

القدر : الهندسة من الطول والعرض والبقاء .)

ثمّ قالعليه‌السلام : ( إنّ الله إذا شاء شيئاً أراده ، وإذا أراده قدّره ، وإذا قدّره قضاه ، وإذا قضاه

____________________

١ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب البداء ، ح ١٦ ، ص ١٤٨ - ١٤٩.

٢ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب الجبر والقدر ، ح ٤ ، ص ١٥٨.

٢٥١

أمضاه )(١) .

وجاء في حديث آخر عنهعليه‌السلام :

( المشيّة : ابتداء الفعل.

الإرادة : الثبوت عليه.

القدر : تقدير الشيء من طوله وعرضه.

وإذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له )(٢) .

وجاء في حديث آخر عنهعليه‌السلام :

( المشيّة : الاهتمام بالشيء.

الإرادة : إتمام ذلك الشيء )(٣) .

____________________

١ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٥ ، ب ٣ ، ح ٦٩، ص ١٢٢.

٢ - المصدر السابق : ح ٦٨ ، ص ١٢٢.

٣ - المصدر السابق : ح ٧٥ ، ص ١٢٦.

٢٥٢

المبحث الثاني :معنى وأقسام مشيئة الله تعالى

معنى المشيئة :

المشيئة عبارة عن الاهتمام بفعل تمهيداً للقصد والميل القاطع نحو ذلك الفعل(١) .

أقسام مشيئة الله تعالى :

١ - مشيئة حتمية ( مشيّة حتم ).

٢ - مشيئة غير حتمية ( مشيّة عزم ).

حديث شريف :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ لله مشيّتين : مشيّة حتم ، ومشيّة عزم )(٢) .

____________________

١ - هذا المعنى مقتبس من الأحاديث الشريفة التي ذكرناها في المبحث السابق.

٢ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٥ ، ب ٣ ، ح ٧٣ ، ص ١٢٤.

٢٥٣

المبحث الثالث :خصائص مشيئة الله تعالى

١ - العلم الإلهي بوجود الحكمة والمصلحة في فعل معيّن ، هو الذي يدعو الله إلى مشيئة هذا الفعل.

فالمشيئة - في الواقع - منبعثة من العلم ، ولكن لا يمكن القول بأنّ هذا العلم هو المشيئة ؛ لأنّ ماهية " العلم " غير ماهية " المشيئة ".

ولهذا جاز القول : " إن شاء الله ".

ولم يجز القول : " إن علم الله "(١) .

٢ - إنّ مشيئة الله مُحدثة ، وهي من صفات الله الفعلية.

أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام حول حدوث المشيئة :

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( المشيئة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد )(٢) .

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( المشيئة مُحدثة )(٣) .

وعنهعليه‌السلام : ( خلق المشيّة قبل الأشياء ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيّة )(٤) .

وعنهعليه‌السلام : ( خلق الله المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة )(٥) .

____________________

١ - هذا المعنى مقتبس من حديث شريف للإمام الصادقعليه‌السلام .

انظر : الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ، ح ٢ ، ص ١٠٩.

٢ - التوحيد ، الصدوق : باب ٥٥ : باب المشيئة والإرادة ، ح ٥ ، ص ٣٢٩.

٣ - الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب : الإرادة ، ح ٧ ، ص ١١٠.

التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١١ ، ح ١٨ ، ص ١٤٣.

٤- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٥ : باب المشيئة والإرادة ، ح ٨ ، ص ٣٣٠.

٥ - الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب الإرادة ، ح ٤ ، ص ١١٠.

التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب١١ ، ح ١٩ ، ص ١٤٣.

٢٥٤

تنبيه :

ذكر العلاّمة المجلسي في بيان معنى " خلق الله المشيئة بنفسها " عدّة وجوه ، منها :(١)

أوّلاً : " أن يكون المشيئة بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى ، غير متوقّفة على تعلّق إرادة أُخرى بها ، فيكون نسبة الخلق إليها مجازاً عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقّف على مشيئة أخرى ".

ثانياً : " لمّا كان ههنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيئة فبمَ خلق المشيئة ، أبمشيئة أخرى ؟ فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيئة مشيئة إلى ما لا نهاية له.

فأفاد الإمامعليه‌السلام : ( أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة ، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة أُخرى بل هي مخلوقة بنفسها )

نظير ذلك :

١ - " إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود ، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر ، بل إنّما يوجد بنفسه ".

٢ - " الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها ، لذيذة بنفسها ، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة ".

____________________

١ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٤ ، ب ٤ ، ذيل ج ٢٠ ، ص ١٤٥ - ١٤٧.

٢٥٥

المبحث الرابع :معنى الارادة ( لغة واصطلاحاً )

معنى الإرادة ( في اللغة ) :

الإرادة هي القصد والميل القاطع نحو الفعل(١) .

معنى الإرادة ( في الاصطلاح العقائدي ) :(٢)

الإرادة صفة توجب ترجيح أحد طرفي ما يقع في دائرة القدرة.

توضيح ذلك :

من يمتلك القدرة يكون بين أمرين :

١ - إجراء القدرة ( ترجيح جانب الفعل ).

٢ - عدم إجراء القدرة ( ترجيح جانب الترك ).

وترجيح أحد هذين الأمرين يحتاج إلى " مخصّص ".

وهذا " المخصّص " هو " الإرادة ".

أضف إلى ذلك :

____________________

١ - انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الثاني ، باب : الكلام في الإرادة وما يتعلّق بها ، ص ٣٥٥.

٢ - انظر : المصدر السابق ، ص ٣٧٢ - ٣٧٣.

كنز الفوائد ، أبو الفتح الكراجكي : ج ١ ، فصل في المقدّمات في صناعة الكلام ، ص ٣١٧.

المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مريداً ، ص ٦٣.

تجريد الاعتقاد ، نصيرالدين الطوسي : المقصد الثالث ، الفصل الأوّل ، ص ١٩٢.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٨٥.

قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، إرادته تعالى ، ص ٥٥ - ٥٦.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص ٨٨ - ٨٩ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني ، الإرادة ، ص ١٧٩ - ١٨٠.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث السابع ، ص ١٧١. نهج الحق وكشف الصدق ، العلاّمة الحلّي : المسألة الثالثة ، المبحث (١١) المطلب (١٥) : في الإرادة ، ص ١٣١.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، إثبات الإرادة لله تعالى ، ص٢٠٣.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الخامس ، الفصل الثاني ، البحث الثالث ، ص ١٣٦.

٢٥٦

يجد كلّ من يمتلك القدرة على الفعل أنّه قادر على أن :

١ - تصدر منه بعض الأفعال دون البعض الآخر.

٢ - تصدر منه الأفعال في وقت دون غيره من الأوقات.

٣ - تصدر منه الأفعال بصورة وكيفية دون صورة وكيفية أخرى.

فلابدّ من أجل صدور الفعل - في وقت دون غيره وبصورة دون أخرى - إلى " مخصّص " ، وهذا المخصّص هو الذي يطلق عليه " الإرادة ".

تنبيه :

لا يخفى بأنّنا لا يمكننا اعتبار " القدرة " من الأمور :

١ - المخصّصة والمرجّحة لأحد طرفي الفعل والترك.

٢ - المتمكّنة من تخصيص الفعل بوجه دون غيره وبوقت دون غيره ؛

لأنّ " القدرة " شأنها " الإيجاد " فقط ، وليس من شأنها " التخصيص "(١) .

____________________

١ - انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٨٣.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الرابع ، ص ٨٩.

كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني ، الإرادة ، ص ١٧٩.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الرابعة ، ص ٤٠٢.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث السابع ، ص ١٧١.

نهج الحق وكشف الصدق ، العلاّمة الحلّي : المسألة الثالثة ، المبحث (١١) ، المطلب (١٥) : في الإرادة ، ص ١٣١.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، إثبات الإرادة لله تعالى ، ص ٢٠٤.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الأوّل ، ص ٢٠١.

٢٥٧

المبحث الخامس :أقسام ارادة الله تعالى

١ - إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية.

وتسمّى هذه الإرادة : " الإرادة التشريعية ".

٢ - إرادة الله تعالى لأفعال نفسه.

وتسمّى هذه الإرادة : " الإرادة التكوينية "(١) .

مثال إرادة الله التشريعية في القرآن :

قوله تعالى :( كونوا قوامين بالقسط ) [ النساء : ١٦٥ ]

إرادة الله هنا إرادة تشريعية ، أي : طلب الله من مخاطبيه في هذه الآية ، أن يكونوا قوّامين بالقسط.

مثال إرادة الله التكوينية في القرآن :

قوله تعالى :( کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‌ ) [ البقرة : ٦٥ ]

إرادة الله هنا إرادة تكوينية ، ولهذا انقلب أصحاب السبت بعد هذا الخطاب إلى قردة خاسئين.

المقارنة بين الإرادتين في هاتين الآيتين :

لو أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى :( كونوا قوامين بالقسط ) كما أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى :( کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ‌ ) لكانوا كلّهم قوّامين بالقسط شاؤوا أم أبوا ، ولكنّه لو فعل ذلك ما استحقّوا أجراً ولا ثواباً إزاء طاعتهم ، ولهذا أراد الله أن يكون مخاطبيه ( من العباد المكلّفين ) قوّامين بالقسط باختيارهم ، فتكون الإرادة في هذه الآية مغايرة للإرادة في الآية الأخرى.

____________________

١ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : ٢٥.

٢٥٨

دليل وجود إرادة الله التشريعية ( أي : دليل كونه تعالى مريداً لبعض أفعال عباده ) :

أمر الله العباد ببعض الأفعال ، فيلزم ذلك أنّه يريد قيامهم بهذه الأفعال ؛ لأنّ الحكيم لا يأمر إلاّ بما يريد(١) .

دليل وجود إرادة الله التكوينية ( أي : دليل كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه ) :

١ - إنّ الله تعالى صدرت منه بعض الأفعال دون غيرها.

وصدرت منه الأفعال في أوقات دون غيرها. وصدرت منه الأفعال بصورة وكيفية دون غيرها.

وهذا يدل على لزوم وجود " مخصّص " قام بتحديد وقوع هذه الأفعال ، وجعلها تقع في أوقات معيّنة وبصورة وكيفية خاصّة.

وهذا المخصّص هو " الإرادة " ، فثبت كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه(٢) .

٢ - يتضمّن كلام الله أوامر ونواهي وإخبارات و

ولا يقع الكلام على أحد هذه الوجوه إلاّ بعد إرادته تعالى له ، وهذه الإرادة هي التي تخصّص كلام الله ليكون أمراً أو نهياً أو إخباراً و ولولا كونه تعالى مريداً لما وقع منه الأمر أمراً ولا الخبر خبراً ، فوقوع الكلام على إحدى هذه الوجوه يدل على كونه تعالى مريداً(٣) .

____________________

١ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : ٢٦ - ٢٧.

الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى : الجزء الثالث ، باب الكلام في الإرادة وما يتعلّق بها ، ص٣٨٥ - ٣٨٦.

٢ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : ٢٦.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٨١ تجريد الاعتقاد ، نصيرالدين الطوسي : المقصد الثالث ، الفصل الأوّل ، ص ١٩٢.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الرابع ، ص ٨٩.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الرابعة ، ص ٤٠١ - ٤٠٢.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الأوّل ، ص ٢٠١.

٣ - انظر : الملخّص في أصول الدين ، الشريف المرتضى ، الجزء الثالث ، باب : الكلام في الإرادة ، ص ٣٥٧.

رسائل الشريف المرتضى : ج ١ ، رسالة (٨) ، المسألة الرابعة ، ص ٣٧٦.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : كونه تعالى مريداً وكارهاً ، ص ٥٦.

الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، ص ٥٨.

المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مريداً ، ص ٦٤.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطب الثاني ، ص ٥٠.

٢٥٩

معنى إرادة الله التشريعية أي : معنى إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية :

إرادة الله لأفعال عباده تعني أنّه تعالى يطلب منهم أداء هذه الأفعال على وجه الاختيار ، ( لا على نحو الحتم والإجبار والاضطرار )(١) .

حديث شريف :

قال الإمام الرضاعليه‌السلام حول إرادة الله ومشيئته في أفعال العباد : ( أمّا الطاعات فإرادة الله ومشيّته فيها الأمر بها ، والرضا لها ، والمعاونة عليها ، وإرادته ومشيّته في المعاصي النهي عنها ، والسخط لها ، والخذلان عليها )(٢) .

معنى إرادة الله التكوينية

أي : معنى إرادة الله لأفعال نفسه :

الرأي الأوّل : تفسير الإرادة بتنزيه الأفعال عن السهو والعبث

ذهب البعض(٣) إلى أنّ المقصود من وصفه تعالى بأنّه " مريد " بيان هذه الحقيقة ، بأنّه تعالى منزّه في أفعاله عن صفة الساهي والعابث ، وبيان أنّه غير مغلوب ولا مستكره في أفعاله(٤) .

____________________

١ - انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٦: باب الاستطاعة ، ذيل ح ٣ ، ص ٣٣٧.

النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : ٢٥.

أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : القول (٩) ، ص ٥٣. كنز الفوائد ، أبو الفتح الكراجكي : ج١ ، القول في المريد ، ص ٨٣. المسلك في أصول الدين ، المحقّق الطوسي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ، ص ٥٠. مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث السابع ، ص ١٧١. إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث العدل ، كونه تعالى مريداً ، ص ٢٦٩.

٢ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٥ ، ب ١ ، ح ١٨ ، ص ١٢.

٣ - ينسب هذا القول إلى " الحسين بن محمّد النجار " من متكلّمي أهل السنة ، توفّي حوالي سنة ٢٣٠ ه-.

انظر : الملل والنحل ، أبو الفتح محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني : ج ١ ، الباب الأوّل ، الفصل الثاني : الجبرية ، ٢ - النجارية ، ص ٨٩.

٤ - انظر : كنز الفوائد ، أبو الفتح الكراجكي : ج ١ ، فصل في المقدّمات في صناعة الكلام ، ص ٣١٧.

المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى مريداً ، ص ٦٢.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٨١.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثاني ، ص ٥٠.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الرابعة ، ص ٤٠٢.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الثالث ، ص ١٧١.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، إثبات الإرادة لله تعالى ، ص ٢٠٥.

٢٦٠