التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 208645
تحميل: 8808

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208645 / تحميل: 8808
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يلاحظ عليه :

يبيّن هذا المعنى أوصافاً ملازمة لمعنى " الإرادة " ، ولا تعتبر هذه الأوصاف معنىً للإرادة نفسها(١) .

الرأي الثاني : تفسير الإرادة بالعلم(٢)

الإرادة هي علم الله الموجب لإيجاد فعل معيّن بسبب اشتمال ذلك الفعل على مصلحة داعية إلى إيجاده.

بعبارة أخرى :

معنى كونه تعالى مريداً ، أي : عالماً بأنّ المصلحة والحكمة تقتضي صدور هذا الفعل منه بصورة محدّدة ووقت معيّن ، فيدعوه هذا العلم إلى إيجاد هذا الفعل بتلك الصورة وفي ذلك الوقت دون غيره.

توضيح ذلك :

إنّ علم الله بوجود المصلحة في صدور فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى إيجاده ، فيوجد الفعل بصورة دون غيرها وفي الوقت دون غيره ، لعلمه تعالى بأنّ هذا الفعل يشتمل على المصلحة في تلك الصورة وذلك الوقت دون غيره.

____________________

١ - انظر : إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، إثبات الإرادة لله تعالى ، ص ٢٠٥.

٢ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : ٢٥.

عجالة المعرفة ، محمّد بن سعيد الراوندي : مسألة في الإرادة ، ص ٣١.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الرابع ، ص ٨٨ - ٩٨.

إشراق اللاهوت ، عبدالمطلب العبيدلي : المقصد الخامس ، المسألة السادسة ، ص ٢١٥.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، تحقيق حول الإرادة والكراهة ، ص ١١٨ - ١١٩ إثبات الإرادة لله تعالى ، ص ٢٠٤.

٢٦١

تفصيل ذلك :

الإرادة - كما ورد في تعريفها - عبارة عن " مخصّص ".

ويقوم هذا المخصّص بعملية تحديد الفعل وزمانه وكيفية وقوعه.

وبيان ذلك - كما ذكرناه سابقاً - :

من يمتلك القدرة يكون بين أمرين :

١ - إجراء القدرة ( ترجيح جانب الفعل ).

٢ - عدم إجراء القدرة ( ترجيح جانب الترك ).

ويقتضي إجراء القدرة إلى :

١ - تحديد الحالة ؛ لأنّ الفعل يمكنه أن يتّصف بحالات كثيرة.

٢ - تحديد الوقت ؛ لأنّ الفعل لابدّ أن يتحقّق في وقت دون وقت.

وتخصيص الفعل بحالة دون غيرها وبوقت دون غيره يحتاج إلى مخصّص ، وهذا " المخصّص " عبارة عن علمه تعالى بالفعل والوجه والوقت المشتمل على المصلحة ، فيكون هذا " العلم " سبباً لصدور الفعل وتخصيصه بوجه دون وجه ووقت دون وقت ، فيكون هذا " العلم " هو " الإرادة".

تنبيهات :

١ - ليس المقصود من " العلم " في هذا المقام " العلم المطلق " ؛ لأنّ الله تعالى يعلم بعلمه المطلق كلّ شيء ، ولكنّه لا يريد كلّ شيء.

وإنّما المقصود هو العلم الخاص ، وهو العلم باشتمال بعض الأفعال على الخير والمصلحة.

٢ - لا يخفى بأنّ المصلحة التي تدعو الله إلى الفعل ، ترجع إلى العباد ولا ترجع إلى الله عزّ وجلّ ؛ لأنّ الله تعالى غني بالذات ، وهو منزّه عن الاحتياج.

٣ - تكون الإرادة - وفق هذا المعنى - من صفات الله الذاتية ؛ لأنّ مرجعها هو " العلم " ، والعلم من صفات الله الذاتية ، فتكون الإرادة من صفات الله الذاتية(١) .

____________________

١ - انظر : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الرابع ، ص ٨٩.

الأنوار الجلالية ، مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٨٩.

٢٦٢

٤ - يعود سبب القول بهذا المعنى إلى الهروب من توصيف الله بأمر حادث ، يستلزم الفعل والانفعال كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.

مناقشة الرأي الثاني ( تفسير الإرادة بالعلم ) :

١ - لا يوجد شك في أنّ الله تعالى عالم بذاته ، وعالم بالأفعال التي يؤدّي فعلها إلى فعل الأصلح والأنفع ، ولكن تفسير الإرادة بالعلم يؤدّي إلى إنكار حقيقة الإرادة ، ويؤدّي إلى القول بأنّ الله تعالى موجود غير إرادي ، يعمل وفق البرمجة المسبقة الكامنة في ذاته ، والله تعالى منزّه عن ذلك(١) .

٢ - الإرادة صفة مخصّصة لأحد المقدورين ، أي : الفعل والترك ، وهذه الصفة مغايرة للعلم.

دليل ذلك :

مفهوم " العلم " يختلف عن مفهوم " الإرادة "(٢) .

والعلم على رغم كونه مخصّصاً لأحد الطرفين ، ولكن لا يصح تسميته بالإرادة وإن اشترك مع الإرادة في النتيجة ، وهي تخصيص الفاعل قدرته بأحد الطرفين ؛

لأنّ الاشتراك في النتيجة لا يوجب أن يقوم " العلم " مقام " الإرادة ".

وما يمكن قوله :

إنّ العلم من الأمور القريبة للإرادة ،

والإرادة من الأمور القريبة للفعل(٣) .

٣ - سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : لم يزل الله مريداً ؟ فقالعليه‌السلام : ( إنّ

____________________

١ - انظر : الإلهيات ، محاضرات ، جعفر سبحاني ، بقلم : حسن محمّد مكي العاملي : ١ / ١٦٩.

٢ - أشار العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي إلى هذه الحقيقة بأنّنا إذا أردنا توصيفه تعالى بالإرادة - بعد تجريدها من النقائص - فلا يمكننا تطبيقها على علمه تعالى ؛ لأنّ ماهية وحقيقة العلم غير ماهية الإرادة.

انظر : نهاية الحكمة ، العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي : المرحلة الثانية عشر ، الفصل الثالث عشر: في قدرة الله تعالى ، ص ٢٦٣.

٣ - انظر : الإلهيات ، محاضرات ، جعفر سبحاني : بقلم : حسن محمّد مكي العاملي : ١ / ١٦٩.

٢٦٣

المريد لا يكون إلاّ لمراد معه ، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد )(١) .

ويدل هذا الحديث بصورة واضحة على أنّ " الإرادة " غير " العلم " و " القدرة ".

٤ - سأل أحد الأشخاص الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

( علم الله ومشيئته هما مختلفان أو متّفقان ؟ فقالعليه‌السلام : العلم ليس هو المشيئة ، ألا ترى أنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك : إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم الله سابق للمشيئة )(٢) .

تنبيه :

لا يصح القول بأنّ حقيقة " إرادة الله " نفس " علم الله " بذريعة أنّ صفات الله الذاتية عين ذاته.

دليل ذلك :

ليس المقصود من كون صفات الله الذاتية عين ذاته إرجاع مفهوم كلّ واحدة من هذه الصفات إلى الأخرى ، وأن يقال - على سبيل المثال - علمه قدرته ، وقدرته حياته و ؛ لأنّ لازم ذلك إنكار جميع هذه الصفات ، بل المقصود إثبات حقيقة بسيطة اجتمعت فيها الحياة والعلم والقدرة ، من دون أن يحدث في الذات تكثّر وتركّب(٣) .

النتيجة :

الإرادة صفة غير العلم : وهي صفة زائدة على ذاته تعالى.

الرأي الثالث حول معنى إرادة الله لأفعال نفسه : تفسير الإرادة بالخلق والإيجاد

إرادة الله لشيء تعني نفس عملية الخلق والإيجاد لذلك الشيء.

فعندما نقول : أراد الله شيئاً ، أي : خلقه وأوجده.

____________________

١ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب : الإرادة أنّها من صفات الفعل ، ح ١ ، ص ١٠٩.

٢ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١١ ، ح ١٦ ، ص ١٤٢.

الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب : الإرادة أنّها من صفات الفعل ، ح ٢ ، ص ١٠٩.

٣ - انظر : معارف القرآن ، الجزء الأوّل : في معرفة الله ، محمّد تقي المصباح ، تعريب : محمّد عبدالمنعم الخاقاني : إرادة الله وكلامه ، ص ١٦٥.

٢٦٤

وعندما نقول : أراد الله كذا ولم يرد كذا ، أي : فعل كذا ولم يفعل كذا(١) .

قال تعالى :( إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : ٨٥ ](٢)

قال الشيخ المفيد : " إنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، وبهذا جاءت الآثار عن أئمة الهدى من آل محمّد "(٣) .

حديث شريف :

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك ؛ لأنّه لا يروّي(٤) ولا يهمّ ولا يتفكّر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي من صفات الخلق ،

فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك ،

يقول له : كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ، ولا همّة ، ولا تفكّر ، ولا كيف لذلك ، كما أنّه بلا كيف )(٥) .

الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التكوينية :

١ -( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ‌ ) [ يس : ٨٢ ]

٢ -( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْ‌ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ ) [ النحل : ٤٠ ]

٣ -( وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ) [ الرعد : ١١ ]

٤ -( إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ کَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ

____________________

١ - انظر : كنز الفوائد ، أبو الفتح الكراجكي : ج ١ ، القول في المريد ، ص ٨٣.

٢ - تنبيه : ليس المقصود من هذه الآية أنّه تعالى يخاطب شيء غير موجود ، بل الآية من باب المجاز ، والمقصود أنّه تعالى إذا أراد شيئاً فإنّ هذا الشيء سيوجد بسهولة ومن دون أي مانع أو تأخير.

انظر : كنز الفوائد ، أبو الفتح الكراجكي : ج ١ ، فصل مما ورد في القرآن في هذا المعنى ، ص ٥٧ - ٥٨.

٣ - أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : القول (١٩) : القول في الصفات ، ص ٥٣.

٤ - روّى في الأمر : نظر فيه وتفكّر.

٥ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١١ ، ح ١٧ ، ص ١٤٢.

٢٦٥

مُمْسِکَاتُ رَحْمَتِهِ ) [ الزمر : ٣٨ ]

٥ -( قُلْ فَمَنْ يَمْلِکُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِکَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) [ المائدة : ١٧ ]

الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التشريعية :

-( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَکِيمٌ ) [ الأنفال : ٦٧ ]

-( وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْکُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ) [ النساء : ٢٧ ]

أقسام إرادة الله التكوينية :

١ - زمن صدور الإرادة وتحقّقها واحد

أي : تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في نفس وقت صدورها ( ومعنى صدورها نفس تحقّقها في الواقع الخارجي ).

مثال ذلك قوله تعالى :( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ‌ ) [ يس : ٨٢ ]

٢ - زمن صدور الإرادة وتحقّقها مختلف

أي : تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في المستقبل ( ومعنى صدورها تسجيلها في اللوح المحفوظ أو لوح المحو والإثبات )

وتنقسم هذه الإرادة إلى قسمين :

١ - إرادة حتم ( الإرادة الحتمية ) : وهي الإرادة التي لا يطرء عليها تغيير ، ولابدّ من تحقّقها في المستقبل.

٢ - إرادة عزم ( الإرادة غير الحتمية ) : وهي الإرادة التي قد يطرء عليها تغيير ، فيعتريها البداء ولا تتحقّق في المستقبل(١) .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ لله إرادتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، إرادة حتم لا تخطىء ،

____________________

١ - للمزيد راجع في هذا الكتاب : الفصل الثالث عشر ، المبحث الرابع والثامن.

٢٦٦

وإرادة عزم تخطىء وتصيب(١) )(٢) .

____________________

١ - أي : إرادة عزم قد لا تقع وقد تقع.

٢ - بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : ج ٥ ، ب ٣ ، ح ٧٣ ، ص ١٢٤.

٢٦٧

المبحث السادس :ارادة الله صفة ذات أم صفة فعل

إنّ إرادة الله من صفات الله الفعلية ؛ لأنّ إرادة الله تعني قصده تعالى للفعل ، وهذا القصد لا ينفك عن الفعل.

تبيين فعلية صفة الإرادة :

١ - من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية : الصفات الذاتية لا تقع في دائرة النفي والإثبات.

فلا يقال : إنّ الله يعلم ولا يعلم.

ولا يقال : إنّ الله قادر وغير قادر.

ولكن الصفات الفعلية تقع في دائرة النفي والإثبات.

فيقال : إنّ الله يعطي ولا يعطي.

ويقال : إنّ الله يرزق ولا يرزق.

وعلى ضوء هذا المقياس نجد بأنّ الإرادة تقع في دائرة النفي والإثبات ، ويقال : إنّ الله يريد كذا ولا يريد كذا.

فيثبت أنّ إرادة الله تعالى من صفات الله الفعلية.

٢ - من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية : صفات الذات تُنتزع من الذات الإلهية مع قطع النظر عن مخلوقاته تعالى ، من قبيل : الحياة ، العلم ، القدرة.

وصفات الفعل تُنتزع من الأفعال الإلهية ، ولا يمكن نسبتها إلى الله إلاّ بعد لحاظ إحدى مخلوقاته تعالى(١) ، من قبيل : الخالق ، الرازق ، المدبّر.

____________________

١ - أي : تحكي هذه الصفات عن الأفعال الإلهية وكيفيتها.

٢٦٨

والإرادة - في الواقع - تنتزع من الأفعال الإلهية ؛

لأنّ الإرادة تعني " الحدوث بعد العدم " و " الوجود بعد اللاوجود " ، وبهذا المعنى يستحيل أن تكون الإرادة وصفاً لذاته تعالى.

فيثبت أنّ الإرادة من صفات الله الفعلية ، وليست من صفات الله الذاتية.

الأحاديث الشريفة المبيّنة بأنّ الإرادة من صفات الله الفعلية :

١ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( المشيّة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً فليس بموحّد )(١) .

٢ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : لم يزل الله مريداً ؟ فقالعليه‌السلام : ( إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه ، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد )(٢) .

٣ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( كان الله ، وهو لا يريد بلا عدد أكثر مما كان مريداً )(٣) .

ومن هذا المنطلق قال السيّد عبدالله شبّر :

" ورد في جملة من الأخبار عن الأئمة الأطهارعليهم‌السلام الملك الغفّار ، أنّ إرادته عبارة عن إيجاده وإحداثه ، وأنّها من صفات الفعل الحادثة كالخالقية والرازقية ونحوها ، لا من صفات الذات بمعنى العلم بالأصلح "(٤) .

تنبيه :

لو كانت الإرادة قديمة ومن الصفات الذاتية ، فسيلزم ذلك قدم المرادات ، وهو باطل(٥) .

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٥: باب المشيئة والإرادة ، ح ٥ ، ص ٣٢٩.

٢ - الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب : الإرادة ، ح١ ، ص١٠٩.

التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١١ ، ح ١٥ ، ص ١٤١.

٣ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٤ ، ب ٤ ، ح ١٧ ، ص ١٤٥.

٤ - حقّ اليقين ، عبدالله شبّر : ج ١ ، كتاب التوحيد ، الفصل الثالث ، الباب الأوّل ، ص ٥٤.

٥ - انظر : كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة الرابعة ، ص ٤٠٢.

إشراق اللاهوت ، عميدالدين العبيدلي : المقصد الثاني عشر ، المسألة الثالثة ، ص ٤٠٨.

٢٦٩

النتيجة :

إنّ الإرادة من صفات الله الفعلية ، وهي حادثة.

وما هو من صفات الله الذاتية هو " الاختيار " بمعنى أنّه تعالى غير مضطر ولا مجبور.

٢٧٠

المبحث السابع :خصائص ارادة الله تعالى

١ - العامل المؤثّر في حدوث الفعل هو القدرة فحسب.

والإرادة لا تؤثّر في حدوث الفعل ، وإنّما تؤدّي إلى إعمال القدرة في اتّجاه معيّن ، فتنطلق القدرة وتحقّق الفعل المقصود وفق الخصائص المطلوبة(١) .

٢ - لا يكون الله مريداً لشيء بإرادة أخرى ، ليحتاج في إرادته إلى إرادة أخرى.

دليل ذلك :

أوّلاً : يوجب احتياج الإرادة إلى إرادة أخرى تسلسل الإرادات إلى ما لا نهاية له ، وهذا محال ، فيثبت أنّ إرادة الله تصدر منه تعالى ، من دون احتياجها إلى إرادة أخرى(٢) .

ثانياً : لا يحتاج تحقّق الإرادة إلى وجود إرادة أُخرى ؛ لأنّ الإرادة لا تقع على وجوه مختلفة لتحتاج إلى ما يؤثّر في وقوعها على بعض تلك الوجوه(٣) .

ثالثاً : لا تتحقّق الإرادة لغرض يخصّها ، وإنّما تتحقّق والمراد والمقصود شيء آخر ، فلا تكون الإرادة مُرادة ليتطلّب تحقّقها إلى إرادة أخرى ، وإنّما المقصود هو ذلك الشيء فيحتاج تحقّقه إلى إرادة(٤) .

____________________

١ - انظر : الملخّص ، الشريف المرتضى : الجزء الثالث ، ص ٣٤٧.

٢ - انظر : مسألة في الإرادة ، الشيخ المفيد : ٧ - ٨.

الملخّص ، الشريف المرتضى : الجزء الثالث ، ص ٣٤٧.

غنية النزوع ، حمزة الحلبي : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الرابع ، ص ٤٣.

٣ - انظر : رسائل الشريف المرتضى : جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة ، المسألة السابعة ، ص ٣٨٩.

٤ - انظر : الملخص ، الشريف المرتضى : الجزء الثالث ، ص ٣٤٧.

غنية النزوع ، حمزة الحلبي : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الرابع ، ص ٤٤.

٢٧١

٢٧٢

المبحث الثامن :حسن وقبح الارادة

١ - الإرادة لا تمتلك " الحسن " أو " القبح " الذاتي.

ولا تؤثّر في حسن وقبح الأشياء ،

وإنّما تترك الإرادة الأثر في وقوع الشيء على بعض الوجوه.

وهذه الوجوه :

قد تكون حسنة ،

وقد تكون قبيحة.

فتتصف الإرادة عن طريق هذه الوجوه بالحسن أو القبح(١) .

مثال ذلك :

إنّ " الخبر " بذاته فاقد للحسن أو القبح ،

وإنّما يكون حسنه وقبحه بالواسطة.

فإذا كان " الخبر " مطابقاً للواقع ، كان صدقاً وحسناً.

وإذا كان " الخبر " مخالفاً للواقع ، كان كذباً وقبيحاً(٢) .

٢ - كلّ " إرادة " تعلّقت بمراد حسن فهي حسنة.

ولكن يشترط في هذا المقام " انتفاء وجوه القبح " ؛ لأنّ " المراد " قد يكون

____________________

١ - انظر : الملخّص ، الشريف المرتضى : الجزء الثالث ، فصل فيما يؤثّر من الإرادات ولا يؤثّر ، ص ٣٤٨.

٢ - انظر : المصدر السابق.

٢٧٣

" حسناً " ، وتكون الإرادة قبيحة ، من قبيل : إرادة الفعل الحسن ممن لا يطيقه(١) .

٣ - إرادة القبيح قبيحة ؛ لأنّ الذمّ يتعلّق بمريد القبيح كما يتعلّق بفاعله(٢) .

____________________

١ - انظر : المصدر السابق ، ص ٣٤٧.

٢ - انظر : الملخّص ، الشريف المرتضى : الجزء الثالث ، ص ٣٨٦.

رسائل الشريف المرتضى : جوابات المسائل الطبرية ، المسألة الثانية ، ص ١٤١.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، ص ١٠٥.

الاقتصاد ، الشيخ الطوسي ، القسم الثاني ، الفصل الأوّل ، ص٨٩.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : الرسالة الماتعية ، الفصل الثاني ، ص ٣٠٠.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الخامسة ، الركن الأوّل ، البحث السادس ، ص ١١٢.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الخامسة ، ص ٤٢٢.

الاعتماد ، مقداد السيوري : الركن الثاني : في العدل ، ص ٧٦.

٢٧٤

المبحث التاسع :عدم تعلّق ارادة الله بأفعال العباد القبيحة

قال الشيخ المفيد : " إنّ الله تعالى لا يريد إلاّ ما حسن من الأفعال ، ولا يشاء إلاّ الجميل من الأعمال ، ولا يريد القبائح ، ولا يشاء الفواحش ، تعالى الله عمّا يقول المبطلون علوّاً كبيراً "(١) .

قال السيّد المرتضى : " إنّ الله تعالى لم يرد شيئاً من المعاصي والقبائح ، ولا يجوز أن يريدها ولا يشاءها ولا يرضاها ، بل هو تعالى كاره وساخط لها "(٢) .

قال سديدالدين الحمصي : " ذهب جماهير أهل العدل إلى أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش والمعاصي ، ولم يحبّها ولم يرض بها ، بل كرهها "(٣) .

أدلة عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة :

١ - نهى الله العباد عن القيام ببعض الأفعال ،

وهذا ما يكشف كراهته تعالى لهذه الأفعال.

وليس من المعقول أن يكره الله صدور فعل من العبد ، ثمّ تتعلّق إرادته تعالى به ؛

لأنّ تعلّق الإرادة والكراهة بشيء واحد في آن واحد محال.

فيثبت عدم تعلّق إرادة الله بما نهى العباد عنه وكرهه لهم.

____________________

١ - تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : فصل في الإرادة والمشيئة ، ص ٤٩ ، ٥٠.

٢ - رسائل الشريف المرتضى : جوابات المسائل الطبرية ، المسألة الثانية ، ص ١٤٠.

٣ - المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش ، ص ١٧٩.

٢٧٥

أي : لا تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة(١) .

٢ - لو كان الله مريداً لفعل القبائح التي تصدر من العباد ، لكان العاصي مطيعاً لله بفعل القبائح ؛ لأنّ العاصي يكون - في حالة عصيانه - مؤدّياً لما أراده الله ، فيكون بذلك مطيعاً لله(٢) .

٣ - من مستلزمات الإرادة : الحبّ والرضا.

فلو جاز أن تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة ، جاز أن يحبّ الله هذه الأفعال القبيحة ويرضى بها.

فلمّا لم يجز أن يحبّ الله هذه الأفعال أو يرضى بها ، لم يجز أن تتعلّق إرادته بها(٣) .

٤ - إذا كان مرجع الإرادة هو الداعي ، فلا شك في أنّه تعالى لا داعي له إلى فعل القبيح ، فلا تتعلّق إرادته بالفعل القبيح.

وإذا كان مرجع الإرادة أمراً زائداً على الداعي ، فلا يمكن أيضاً نسبة إرادة القبيح إلى الله ؛ لأنّ إرادة القبيح قبيحة ، وهي بمنزلة فعل القبيح ، والله تعالى منزّه عن ذلك.

وبهذا يثبت أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح التي تصدر من العباد(٤) .

٥ - لا يرضى الله أن يُفترى عليه أو يُكذّب أنبياؤه ، فكيف يريد ذلك ؟ ! فيثبت أنّ

____________________

١ - انظر : الملخّص ، الشريف المرتضى : الجزء الثالث ، ص ٣٨٧.

الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الثاني ، الفصل الأوّل ، ص ٨٩.

غنية النزوع ، حمزة الحلبي : ج ٢ ، باب الكلام في العدل ، ص ٧٦.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش ، ص ١٨٠.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث العدل ، كونه تعالى مريداً للطاعات و ، ص ٢٦٩.

٢ - انظر : المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش ، ص ١٨٠.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الخامسة ، ص ٤٢٣.

الرسالة السعدية ، العلاّمة الحلّي : القسم الأوّل ، المسألة السادسة ، البحث الثالث ، ص ٦٠.

٣ - انظر : رسائل الشريف المرتضى : ج ٢ ، باب : الكلام في الإرادة وحقيقتها ، ص ٢٣١.

٤ - انظر : المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش ، ص ١٧٩.

٢٧٦

إرادة الله ، لا تتعلّق بأفعال العباد القبيحة(١) .

٦ - " إن قالوا : إنّ الذي نريده من الكفّار الإيمان.

قيل لهم : فأيّهما أفضل ما أردتم من الإيمان أو ما أراد الله من الكفر ؟

فإن قالوا : ما أراد الله خير مما أردنا من الإيمان.

فقد زعموا أنّ الكفر خير من الإيمان !

وإن قالوا : إنّ ما أردنا من الإيمان خير مما أراده الله من الكفر.

فقد زعموا أنّهم أولى بالخير والفضل من الله !

وكفاهم بذلك خزياً "(٢) .

وبهذا يثبت عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة.

بعض الآيات القرآنية التي تنزّه الله عن إرادة الفعل القبيح :

١ -( شَهِدَ اللهُ أَنّهُ لا إَلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُوا العلِمِ قائِماً بِالقِسطِ ) [ آل عمران : ١٨]

٢ -( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئاً ) [ الأنبياء : ٤٧ ]

٣ -( إنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهم يَظلِمُون ) [ يونس : ٤٤ ]

٤ -( فَما كانَ اللهُ لِيَظْلمَهُم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُم يَظلِمُون ) [ التوبة : ٧٠ ]

٥ -( إنَّ اللهَ لا يَظلمُ مِثقالَ ذَرَّة ) [ النساء : ٤٠ ]

٦ -( ولا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحداً ) [ الكهف : ٤٩ ]

٧ -( وَما رَبُّكَ بِظَلام للعَبيد ) [ فصّلت : ٤٦ ]

____________________

١ - انظر : رسائل الشريف المرتضى : ج ٢ ، باب : الكلام في الإرادة وحقيقتها ، ص ٢٣١.

٢ - رسائل الشريف المرتضى : ج ٢ ، فصل : الإيمان وحقيقة المشيئة ، ص ٢٣٩.

٢٧٧

٨ -( وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلماً للعالَمينَ ) [ آل عمران : ١٠٨ ]

٢٧٨

المبحث العاشر :كراهة الله لبعض الافعال

معنى الكراهة :

الكراهة هي القصد والميل القاطع نحو ترك الفعل.

الداعي إلى الكراهة :

العلم باشتمال الفعل أو اشتمال بعض خصائصه على المفسدة ،

وهذا العلم هو الصارف عن إيجاد الفعل أو إيجاده وفق تلك الخصائص(١) .

أقسام كراهة الله لصدور بعض الأفعال :(٢)

١ - كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من نفسه.

٢ - كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من عباده.

تنبيهات :

١ - لا يصح أن يكره الله شيئاً من أفعاله ؛ لأنّ كراهته تعالى لأيّ فعل تقتضي قبح ذلك الفعل ، والله تعالى منزّه عن فعل القبيح(٣) (٤)

____________________

١ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٥ - ٢٦.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الرابع ، ص ٨٨ - ٨٩.

عجالة المعرفة ، محمّد بن سعيد الراوندي : مسألة في الإرادة والاختيار ، ص ٣١.

الاعتماد ، مقداد السيوري : الركن الأوّل ، ص ٦٧.

٢ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٥.

٣ - انظر : الملخّص ، الشريف المرتضى ، الجزء الثالث ، ص ٣٨٥.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، ص ١٠٣.

٤ - وإنّما يصح من الإنسان أن يكره بعض أفعاله ليصرف نفسه بذلك عن فعلها ، وليوطّن نفسه على أن لا يفعلها ، وكلّ ذلك لا يجوز عليه تعالى.

٢٧٩

٢ - لا يصح أن يكره الله شيئاً مما أراده من أفعال عباده وأمرهم بها ؛ لأنّ كراهيته تعالى لشيء تستلزم قبح ذلك الشيء ، وقد علمنا حسن هذه الأفعال نتيجة أمر الله تعالى بها(١) .

٣ - تتمثّل كراهة الله لبعض أفعال عباده في نهيه إيّاهم عنها ، ليتركوها على وجه الاختيار(٢) .

____________________

١ - انظر : تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، ص ١٠٤.

٢ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٦.

الاعتماد ، مقداد السيوري : الركن الأوّل ، ص ٦٧.

٢٨٠