التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 208255
تحميل: 8800

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208255 / تحميل: 8800
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل الثالث عشر :البداء

خصائص مسألة البداء

أهمية الاعتقاد بالبداء

معنى البداء

بيان كيفية وأسباب وقوع البداء

أسباب التسمية بالبداء

المقصود من " الظهور لله تعالى "

صلة البداء بالقضاء الإلهي

البداء ولوح المحو والإثبات

أمثلة وقوع البداء لله تعالى

أسباب أهمية البداء

البداء والردّ على مقولة اليهود

البداء ومشكلة عدم تحقّق إخبار الأنبياء بالمغيّبات

مستثنيات البداء

المشابهة والفرق بين البداء والنسخ

٢٨١

٢٨٢

المبحث الأوّل :خصائص مسألة البداء

١ - وقعت مسألة البداء موقع سوء الفهم عند أهل السنة ، وفهم هؤلاء من البداء ما لم يقصده أتباع مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولهذا جعل هؤلاء مسألة البداء ذريعة لشنّ الهجمات ضدّ مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

٢ - أدّى الصراع العقائدي بين الشيعة ومخالفيهم حول مسألة البداء إلى اشتهار هذه المسألة، وتسليط المزيد من الأضواء عليها في الساحات العلمية وغير العلمية.

٣ - الأمر الباعث على الاستغراب حول مسألة البداء أنّها مسألة : يعتبرها أتباع مذهب أهل البيتعليهم‌السلام من صميم الدين ! ويعتبرها أتباع مذهب أهل السنة عقيدة هدّامة للدين !

٤ - أكّد أهل السنة على إنكار عقيدة البداء ؛ لأنّهم ظنّوا بأنّها تستلزم اتّصاف الله تعالى بالجهل وخفاء الأمور عليه ، ويعود هذا الظن إلى عدم فهمهم الصحيح لهذه المسألة ، واكتفائهم بالمعنى اللغوي الظاهري لمصطلح البداء.

٢٨٣

المبحث الثاني :أهمية الاعتقاد بالبداء

أكّد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام على أهمية الاعتقاد بالبداء أشدّ التأكيد بحيث ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

١ - قالعليه‌السلام : ) لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه ((١) .

٢ - وقالعليه‌السلام : ( ما عُظِّم الله بمثل البداء )(٢) .

٣ - وقالعليه‌السلام : ( ما عُبد الله بشيء مثل البداء )(٣) .

٤ - وقالعليه‌السلام : ( ما بعث الله عزّ وجلّ نبيّاً حتّى أخذ عليه ثلاث خصال : ، أنّ الله يقدّم ما يشاء ، ويؤخّر ما يشاء )(٤) .

وسيتبيّن لاحقاً - بعد بيان معنى البداء - أسباب أهمية الاعتقاد بالبداء والفوائد المترتبة على الإيمان به.

____________________

١ - (٢ ) (٣ ) (٤ ) الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، باب البداء ، ح ١٢ ، ١ ، ٣ ، ص ١٤٦ - ١٤٨ التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٤ ، ح ٧ ، ٢ ، ١ ، ٣ ، ص ٣٢٤ - ٣٢٥.

٢٨٤

المبحث الثالث: معنى البداء

معنى البداء(١) في الاصطلاح اللغوي :

البداء يعني الظهور.(٢) (٣)

قال الشيخ الصدوق : " البداء هو ظهور أمر ، يقول العرب : بدا لي شخص في طريقي ، أي : ظهر "(٤) .

قال الشيخ المفيد : " الأصل في البداء هو الظهور "(٥) .

قال الشيخ الطوسي : " البداء حقيقة في اللغة هو الظهور "(٦) .

المعنى اللغوي للبداء في آيات القرآن الكريم :

١ -( بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا کَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ) [ الأنعام : ٢٨ ] أي : ظهر لهم.

٢ -( ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‌ ) [ يوسف : ٣٥ ] أي : ظهر لهم.

٣ -( وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَ مَا تَکْتُمُونَ‌ ) [ المائدة : ٩٩ ] أي : يعلم ما تظهرون.

____________________

١ - البداء مصدر بدا ، يبدو ، بدواً ( من الناقص الواوي ).

وليس من بدا بالهمز ( الذي يعني الابتداء ).

٢ - تنبيه : لا يكون " الظهور " إلاّ بعد " الخفاء " ، ولهذا فالمعنى الأدق للبداء هو " الظهور بعد الخفاء ".

٣ - انظر : لسان العرب ، ابن منظور : مادة (بدو) ، ١ / ٣٣٤.

مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : مادة (بدا) ، ص ١١٣.

٤ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٥٤ ، ذيل ح ٩ ، ص ٣٢٧.

٥ - تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : فصل في معنى البداء ، ص ٦٥.

٦ - الغيبة ، الشيخ الطوسي : ذيل ح ٤١٨ ، ص ٤٢٩.

٢٨٥

٤ -( بَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ) [ الجاثية : ٣٣ ] أي ، ظهر لهم.

٥ -( فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ) [ الأعراف : ٢٢ ] أي ، ظهرت لهما.

معنى البداء في الاصطلاح العرفي :

اكتسب " البداء " في الاستعمال العرفي معنىً آخر له صلة بالظهور ، وهو كما أشار إليه الشيخ المفيد : " إنّ لفظ البداء أطلق في أصل اللغة ، على تعقّب الرأي والانتقال من عزيمة إلى عزيمة "(١) .

توضيح ذلك :

يقال : بدا له.

ويُقصد : أراد أن يقوم بفعل معيّن ، فظهر له أمراً دفعه إلى تغيير موقفه الذي كان يقصده فيما سبق.

وعلى ضوء هذا المعنى يكون المقصود من البداء المنسوب إلى الله هو : أن يقدّر الله شيئاً في المستقبل بالنسبة إلى العباد ، فيصدر بعد ذلك من العباد شيئاً يدعو الله إلى تغيير ما قدّره لهم.

وهل يصلح نسبة هذا المعنى إلى الله أم لا ؟

هذا ما سيتبيّن في البحوث القادمة.

____________________

١ - تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : فصل في معنى البداء ، ص ٦٧.

٢٨٦

المبحث الرابع :بيان كيفية وقوع البداء في أفعال الله وأسباب ذلك

إذا أراد الله وقوع فعل من أفعاله في المستقبل ، فستتجلّى هذه الإرادة الإلهية في الواقع الخارجي على شكل " تقدير " يتمّ تثبيته في " لوح المحو والإثبات ".

وبعد ذلك :

توجد مرحلة بين " ما قدّر الله وقوعه " وبين " تحقّق هذا التقدير " ، وفي هذه المرحلة لا يلزم على الله أن يحقّق ما قدّر وقوعه ، بل الله مخيّر بعد ذلك :

بين " تحقّق " هذا التقدير.

وبين " عدم تحقّق " هذا التقدير.

فإذا حقّق الله ما قدّره ، وأبقاه على ما كان عليه ، ولم يغيّره بتقدير آخر ، سُمّي هذا الأمر ب- " الإمضاء ".

وإذا لم يحقّق الله ما قدّره ، ولم يبقه على ما كان عليه ، وغيّره بتقدير آخر ، سُمّي هذا الأمر ب- " البداء ".

بعبارة أخرى :

" الإمضاء " ، عبارة عن إبقاء التقدير الأوّل على ما كان عليه ، وعدم استبداله بتقدير آخر ، وإيصال التقدير الأوّل إلى مرحلة التنفيذ.

و " البداء " ، عبارة عن عدم إبقاء التقدير الأوّل على ما كان عليه ، بل استبداله بتقدير آخر ، وإيصال التقدير الثاني إلى مرحلة التنفيذ.

فقوله تعالى :( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ ) [ الرعد : ٣٩ ]

( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) هو البداء.

٢٨٧

( وَ يُثْبِتُ ) هو الإمضاء.

وإذا أمضى الله شيئاً فلا بداء بعد ذلك.

إذ لا معنى بعد وقوع الفعل أن نقول بأنّ هذا الفعل هل سيقع أو لا يقع ،

ولهذا قال الإمام علي بن موسىعليه‌السلام : ( فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء )(١) .

أسباب تغيير التقدير الإلهي إزاء العباد :

لا يتعامل الله مع العباد وفق مشيئة أو إرادة محدّدة مسبقاً ، أو قضاء وقدر غير قابل للتغيير ، بل يتّخذ الله دائماً إزاء العباد المواقف المنسجمة مع المتطلّبات الجديدة.

وقد جعل الله لأفعال العباد الدور الكبير في كيفية تعامله معهم ،

ومن هذا المنطلق يغيّر الله ما قدّره للعباد بموازات تغييرهم لسلوكهم وتصرّفاتهم.

قال تعالى :( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [ الرعد : ١١ ]

مثال ذلك :

١ - يشاء الله أن يرزق أحد العباد مالاً ، فيقدّر له أن يحصل على هذا الرزق بعد يومين ، وفي اليوم التالي يصدر من العبد فعلاً شيئاً ، فيغيّر الله تعالى تقديره السابق وفق المتطلّبات الجديدة ، ويقدّر حرمان هذا العبد من هذ الرزق أو يقدّر وصول هذا الرزق إلى هذا العبد بعد أربعة أيام.

٢ - يشاء الله أن ينزل البلاء على أحد العباد ، فيقدّر أن يتحقّق نزول هذا البلاء بعد يومين ، وفي اليوم التالي يتوسّل هذا العبد بالدعاء ويسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة ، فيغيّر الله تبعاً لذلك ما قدّره لهذا العبد ، ويستبدل تقديره السابق بتقدير جديد منسجم مع المتطلّبات الجديدة.

ولهذا :

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( الدعاء يردّ القضاء بعد ما أُبرم

____________________

١ - الكافي : الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب البداء ، ح ١٦ ، ص ١٤٩.

٢٨٨

إبراماً )(١) .

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( عليكم بالدعاء ، فإنّ الدّعاء لله والطلب إلى الله يردّ البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبق إلاّ إمضاؤه )(٢) .

____________________

١ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ٢ ، باب : إنّ الدعاء يردّ البلاء والقضاء ، ح ٧ ، ص ٤٧٠.

٢ - المصدر السابق : ح ٨.

٢٨٩

المبحث الخامس :أسباب التسمية بالبداء

الرأي الأوّل :

نسبة " البداء " إلى الله نسبة مجازية.

والمقصود من " البداء " هو " الإبداء " بمعنى " الإظهار ".

أي : يظهر من أفعال الله للعباد ما كان خافياً عنهم ، وما لم يتوقّعوه ، ولم يكن في حسبانهم لعدم اطّلاعهم على علله وأسبابه.

قال الشيخ المفيد :

إنّ " اللام " في مقولة " بدا لله " بمعنى " من ".

أي : بدا من الله للناس.

يقول العرب : قد بدا لفلان عمل حسن أو بدا له كلام فصيح ،

كما يقولون : بدا من فلان كذا ، فيجعلون " اللام " مقام " من " ،

فقولهم " بدا لله " ، أي : بدا من الله سبحانه(١) .

قال الشيخ الطوسي :

" إنّ البداء في اللغة هو الظهور ، فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنّا نظن خلافه أو نعلم ولا نعلم شرطه "(٢) .

يلاحظ عليه :

هذا المعنى بحدّ ذاته صحيح.

____________________

١ - انظر : تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : فصل في معنى البداء ، ص ٦٥. ( بتصرّف ).

٢ - الغيبة ، الشيخ الطوسي : ذيل ح ٤١٨ ، ص ٤٣٠.

٢٩٠

ولكن يستبعد أن يكون هذا المعنى هو المقصود من البداء الذي اهتمّ به أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وأكّدوا عليه أشدّ التأكيد ، كما اتّضح من أحاديثهم الشريفة التي أشرنا إلى أهمّها في المبحث الثاني من هذا الفصل.

دليل ذلك :

إنّ ظهور ما لم يتوقّعه العباد من الله شيء طبيعي ، وذلك لقصور معرفة العباد وقلّة إلمامهم وعلمهم ، وقد قال تعالى :( وَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) [ الإسراء : ٨٥ ]

ويتبيّن من هنا بأنّ المعنى المقصود من البداء ، أرفع شأناً من هذا المعنى الذي لا يدل إلاّ على قلّة مستوى علم الإنسان بالأفعال الإلهية.

الرأي الثاني :

البداء عبارة عن تغيير الله ما قدّره للعباد ، وقد سمّي البداء ب- " البداء " ؛ لأنّ هذا التغيير لا يتحقّق إلاّ بعد أن يظهر لله تعالى في الواقع الخارجي أمراً من العباد يدعوه إلى هذا التغيّر في التعامل معهم ، وسيتبيّن في المبحث اللاحق المقصود من " الظهور لله تعالى ".

٢٩١

المبحث السادس :المقصود من " الظهور لله تعالى "

معنى الظهور الذي لا يصح نسبته إلى الله تعالى(١) :

الظهور بعد الخفاء بمعنى العلم بعد الجهل.

دليل تنزيه الله تعالى عن هذا الظهور :

يتضمّن هذا المعنى اتّصاف الله بالجهل ، وخفاء الأمور عنه تعالى ، وعدم معرفته بعواقب الأمور ، ولكنّه عزّ وجلّ منزّه عن هذه الأمور ، وهو الذي لا تخفى عليه خافية ، وهو بكلّ شيء عليم.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له )(٢) .

قالعليه‌السلام : ( إنّ الله لم يُبد له من جهل )(٣) .

قالعليه‌السلام : ( ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إنّ الله لا يبدو له من جهل )(٤) .

سُئلعليه‌السلام : " هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس ؟ قالعليه‌السلام : ( لا ، من قال هذا فأخزاه الله )(٥) .

قالعليه‌السلام : ( من زعم أنّ الله عزّ وجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرؤوا

____________________

١ - انظر : تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : فصل في معنى البداء ، ص ٦٥.

٢ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب البداء ، ح ٩ ، ص ١٤٨.

٣ - المصدر السابق : ح ١٠ ، ص ١٤٨.

٤ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج٤ ، باب ٣ ، ح ٦٣ ، ص ١٢١.

٥ - الكافي ، الشيخ الكليني ، ج١ ، كتاب التوحيد ، باب البداء ، ح ١١، ص ١٤٨.

٢٩٢

منه )(١) .

قالعليه‌السلام : ( من زعم أنّ الله بدا له في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم )(٢) .

معنى الظهور الذي يصح نسبته إلى الله تعالى :

الظهور بعد الخفاء بمعنى أن يجد الله تحقّق الشيء في الواقع الخارجي بعد عدمه.

توضيح ذلك :

ينقسم ظهور الأشياء لله إلى قسمين :

١ - ظهور في مقام العلم الذاتي لله تعالى.

وجميع الأشياء - على ضوء هذا المعنى - ظاهرة لله ، ولا يمكن استثناء شيء منها.

٢ - ظهور في مقام العلم الفعلي لله تعالى.

والعلم الفعلي عبارة عن ظهور الأشياء لله بعد تحقّقها في الواقع الخارجي.

والأشياء - على ضوء هذا المعنى - لا تكون ظاهرة لله في مقام الفعل إلاّ بعد تحقّقها في الواقع الخارجي ، أمّا الأشياء التي لم توجد بعد ، ولم يكن لها وجود في الواقع الخارجي فهي لا تتّصف بالظهور في مقام الفعل ، بل لا معنى للقول بأنّها ظاهرة في مقام الفعل ، وهي بعد معدومة وليس لها وجود في الواقع الخارجي(٣) .

بعبارة أخرى :

إنّ الأشياء الموجودة والمتحقّقة في الواقع الخارجي :

يعلمها الله تعالى بالعلم الذاتي ، ولها عنده تعالى ظهور في الواقع الخارجي.

____________________

١ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٤ ، باب ٣ ، ح ٣٠ ، ص ١١١.

٢ - الاعتقادات ، الشيخ الصدوق : باب الاعتقاد في البداء ، ص ٤١.

٣ - انظر : عدّة الأصول ، الشيخ الطوسي : ج ٢ ، الباب السابع ، الفصل الأوّل ، ص ٤٩٦.

٢٩٣

إنّ الأشياء غير الموجودة والتي ستتحقّق في الواقع الخارجي.

يعلمها الله تعالى بالعلم الذاتي ، ولكن ليس لها عنده ظهور إلاّ بعد تحقّقها.

النتيجة :

نستنتج من التقسيم الذي تمّ بيانه حول مصطلح " الظهور " بأنّ قولنا في البداء :

ظهر لله كذا بعد أن لم يكن ظاهراً ،

أي : وجد الله كذا في الواقع الخارجي بعد أن لم يجده.

مثال هذا الظهور في القرآن الكريم :

قال تعالى :( وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْکُمْ ) [ محمّد : ٣١ ]

أي : " حتّى نعلم جهادكم موجوداً "(١) ؛ لأنّ قبل وجود الجهاد لا يُعلم الجهاد موجوداً ، وإنّما يُعلم كذلك بعد حصوله "(٢) .

قال تعالى :( وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي کُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) [ البقرة : ١٤٢ ]

أي : لنعلم ذلك في مقام الفعل وفي الواقع الخارجي ،

وإلاّ فالله عالم بالأشياء قبل كونها بعلمه الذاتي الأزلي ،

وإنّما المقصود هنا هو " العلم الفعلي " الذي هو عبارة عن وجود وتحقّق الشيء في الواقع الخارجي(٣) .

____________________

١ - التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي : تفسير آية ٣١ من سورة محمّد ، ٩ / ٣٠٦.

مجمع البيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطبرسي : تفسير آية ٣١ من سورة محمّد ، ٩ / ١٦١.

٢ - عدّة الأصول ، الشيخ الطوسي : ج ٢ ، الباب السابع ، الفصل الأوّل ، ص ٤٩٦.

٣ - للمزيد راجع في هذا الكتاب : الفصل الثامن : علم الله تعالى ، المبحث التاسع : علم الله بالأشياء بعد إيجادها.

٢٩٤

المبحث السابع :صلة البداء بالقضاء الالهي

أقسام القضاء الإلهي :

١ - القضاء المحتوم :

وهو القضاء القطعي الذي لا يقبل المحو والتبديل والتغيير.

٢ - القضاء غير المحتوم :

وهو القضاء غير القطعي الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.

ولهذا يقع التبديل والتغيير في هذا القضاء فيما لو لم تتوفّر بعض شروطه أو فيما لو لم تنتف منه بعض الموانع.

صلة البداء بالقضاء الإلهي :

البداء يكون في القضاء غير المحتوم دون المحتوم.

ولهذا قال الشيخ المفيد : " فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطاً في التقدير "(١) .

مثال للقضاء الإلهي المحتوم وغير المحتوم : الأجل

معنى الأجل : هو المدّة المعيّنة للإنسان ليعيش في الحياة الدنيا.

أقسام الأجل

١ - الأجل المحتوم ( المقضي ) ( المسمّى ) :

____________________

١ - تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : فصل في معنى البداء ، ص ٦٧.

٢٩٥

وهو الأجل الذي قضاه الله وقدّره بصورة حتمية بحيث جعله لا يقبل التقديم والتأخير.

٢ - الأجل غير المحتوم ( الموقوف ) ( غير المسمّى ) :

وهو الأجل الذي جعل الله فيه قابلية التقديم والتأخير.

أقوال أهل البيتعليهم‌السلام حول قوله تعالى :

( ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) [ الأنعام : ٢ ]

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهم‌السلام :

( هما أجلان :

أجل موقوف يصنع الله ما يشاء ،

وأجل محتوم )(١) .

وقالعليه‌السلام أيضاً :

( الأجل الذي غير مسمّى موقوف يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء ،

وأمّا الأجل المسمّى [ فهو محتوم ، ومنه ] قول الله :( إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ‌ ) [ الأعراف : ٣٤ ] )(٢) .

سأل حمران بن أعين الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام حول هذه الآية ، فقالعليه‌السلام : ( إنّهما أجلان : أجل محتوم وأجل موقوف )

قال حمران : ما المحتوم ؟

قالعليه‌السلام : ( الذي لا يكون غيره )

قال : وما الموقوف ؟

قالعليه‌السلام : ( هو الذي لله فيه المشيّة [ أي : يقدّم أو يؤخّر منه ما يشاء ] )(٣) .

____________________

١ - التفسير ، العياشي : ج ١ ، تفسير سورة الأنعام ، ح ٧ ، ص ٣٥٥.

٢ - المصدر السابق : ح ٥ ، ص ٣٥٤.

٣ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٥٢ ، باب ٢٥ ، ح ١٣٣ ، ص ٢٤٩.

٢٩٦

المبحث الثامن :البداء ولوح المحو والاثبات

قال تعالى :( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ‌ ) [ الرعد : ٣٩ ]

أنواع اللوح :

١ - اللوح المحفوظ ( أم الكتاب )

وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي المحتوم ، ولهذا يكون هذا اللوح مصوناً من المحو والإثبات والتغيير والتبدّل ، ولا يطرأ البداء على ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.

٢ - لوح المحو والإثبات

وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي غير المحتوم ، أي : القدر والقضاء الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.

ولهذا يقع التغيير والتبديل في ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.

ويمحو الله تعالى في هذا اللوح ما يشاء ويثبت ما يشاء.

توضيح :

يكتب الله في لوح المحو والإثبات ما قدّر تحقّقه في المستقبل ،

وبما أنّ لأفعال ومواقف العباد دوراً في تغيير ما قدّره الله لهم ، فلهذا إذا غيّر العباد سلوكهم وتصرّفاتهم فإنّ الله سيغيّر ما قدّره لهم ، وسيمحو ما كتبه في لوح المحو والإثبات ويبدل ذلك بتقدير آخر.

٢٩٧

صلة البداء بعلم الله الذاتي :

وقوع التغيير في التقدير الإلهي لا يوجب وقوع التغيير في العلم الإلهي الذاتي ؛ لأنّه تعالى كما هو عالم بالتقدير الأوّل فإنّه كذلك عالم من الأزل بأنّه سيغيّر هذا التقدير بتقدير آخر.

٢٩٨

المبحث التاسع :أمثلة وقوع البداء لله تعالى

البداء الأوّل : رفع العذاب عن قوم يونسعليه‌السلام

قال تعالى :( فَلَوْ لاَ کَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا کَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‌ ) [ يونس : ٩٨ ]

خطوات تحقق البداء الإلهي بالنسبة إلى قوم يونسعليه‌السلام :(١)

١ - أرشد النبي يونسعليه‌السلام قومه إلى الهدى والإيمان.

٢ - أصرّ قوم يونس على الكفر والعصيان.

٣ - أيس النبي يونسعليه‌السلام من دعوة قومه ، فطلب من الله أن ينزل عليهم العذاب.

٤ - استجاب الله دعاء النبي يونسعليه‌السلام على قومه.

٥ - قضى الله قضاءً غير حتمياً بإنزال العذاب على قوم يونسعليه‌السلام .

٦ - أخبر الله النبي يونسعليه‌السلام بأنّه سينزل على قومه العذاب في يوم كذا.

٧ - أخبر النبي يونسعليه‌السلام قومه بتعلّق الإرادة الإلهية بإنزال العذاب عليهم في يوم كذا.

٨ - خرج النبي يونسعليه‌السلام في اليوم المحدّد من المنطقة التي يسكنها قومه.

٩ - ظهرت آثار نزول العذاب الإلهي على قوم يونسعليه‌السلام في الوقت المحدّد.

١٠ - ندم قوم يونسعليه‌السلام على عصيانهم لله، فتابوا وفزعوا إلى الله تعالى.

١١ - ظهر لله في الواقع الخارجي ندم وتوبة قوم يونسعليه‌السلام واستغاثتهم به لرفع

____________________

١ - انظر : مجمع البيان ، الشيخ الطبرسي : ج ٥ ، تفسير آية ٩٨ من سورة يونس ، ص ٢٠٣ - ٢٠٥.

٢٩٩

العذاب.

١٢ - غيّر الله ما قدّره من العذاب على قوم يونسعليه‌السلام بعد توبتهم.

١٣ - محا الله تقديره الأوّل بإنزال العذاب على قوم يونسعليه‌السلام واستبدله بتقدير آخر.

١٤ - كان التقدير الإلهي الثاني أن يرفع عنهم العذاب ويمتّعهم إلى حين.

١٥ - وهنا وقع البداء ، وكذلك يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أُمّ الكتاب.

البداء الثاني : بداء آخر بالنسبة إلى النبي يونسعليه‌السلام

قال تعالى :( فَلَوْ لاَ أَنَّهُ کَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‌ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ‌ ) [ الصافات : ١٤٤ - ١٤٣ ]

خطوات تحقّق هذا البداء :(١)

١ - استاء النبي يونسعليه‌السلام لعدم نزول العذاب على قومه، فلم يرجع إليهم.

٢ - قدّر الله وقضى أن تبلع الحوت النبي يونسعليه‌السلام ، وأن يلبث في بطنها إلى يوم القيامة.

٣ - أكثر النبي يونسعليه‌السلام في بطن الحوت من ذكر الله وتسبيحه.

٤ - ظهر لله في الواقع الخارجي توسّل النبي يونسعليه‌السلام بالذكر والتسبيح.

٥ - غيّر الله ما قدّره للنبي يونسعليه‌السلام في خصوص بقائه في بطن الحوت إلى يوم القيامة.

٦ - استبدل الله تقديره الأوّل بتقدير آخر ، وهو إخراج النبي يونسعليه‌السلام من بطن الحوت.

٧ - أخرج الله النبي يونسعليه‌السلام من بطن الحوت ، وقال تعالى :( فَلَوْ لاَ أَنَّهُ کَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‌ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [ الصافات : ١٤٣ - ١٤٤ ]

____________________

١ - انظر : المصدر السابق.

٣٠٠