التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 208522
تحميل: 8807

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208522 / تحميل: 8807
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

القضية الأولى : إثبات وجود الحوادث(١)

الحوادث عبارة عن :

١ - الحركة.

٢ - السكون.

٣ - الاجتماع.

٤ - الافتراق.

ووجود هذه الحالات في الأجسام أمر بديهي لا يحتاج إلى استدلال.

التعريف بالحوادث :(٢)

١ - الحركة : هي كون الجسم في مكان بعد كونه في مكان آخر.

٢ - السكون : هي كون الجسم في مكان بعد كونه في ذلك المكان.

٣ - الاجتماع : هي كون الجسمين في مكانين بحيث لا يكون بينهما مسافة ولا بُعد.

٤ - الافتراق : هي كون الجسمين في مكانين بحيث يكون بينهما مسافة وبُعد.

القضية الثانية : إثبات أنّ الأجسام لا تخلو من الحوادث

إنّ الأجسام لا تخلو من الحوادث ، أي : لا تخلو من " الحركة " و " السكون " و " الاجتماع " و " الافتراق ".

توضيح ذلك :

لابدّ لكلّ " جسم " أن يكون في " مكان ".

ومن المستحيل أن يكون " الجسم " في لا " مكان ".

وكون " الجسم " في " مكان " معناه : أنّه لا يخلو من " السكون " و " الحركة " ، أي :

____________________

١ - انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الأوّل ، ص٣٩.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الأوّل ، ص١٣٥.

٢ - انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٤٢ ، باب إثبات حدوث العالم ، ذيل ٧ ، ص٢٩٦ قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الأوّل ، ص٤٠.

٢١

١ - يستقر " الجسم " في " مكانه " فيكون في " سكون ".

٢ - ينتقل " الجسم " إلى " مكان آخر " ، فيكون في " حركة ".

وإذا كان مع " الجسم " " جسماً " آخر :

فلا تخلو علاقة هذا الجسم مع الجسم الآخر من " الاجتماع " و " الافتراق " ، أي :

١ - لا يتوسّط بين " الجسمين " شيء آخر ، فيكونان في " اجتماع ".

٢ - يتوسّط بين " الجسمين " شيء آخر ، فيكونان في " افتراق ".

فنستنتج : أنّ الأجسام لا تخلو من الحوادث(١) .

القضية الثالثة : إثبات كلّ ما لا يخلو من " الحوادث " فهو " حادث ".

إنّ الأجسام تعتريها حالات خارجية ، وهي :

١ - الحركة.

٢ - السكون.

٣ - الاجتماع.

٤ - الافتراق.

وماهية جميع هذه الحالات هي " التغيير "(٢) الدال على " الحدوث " ، أي : الدال على الاتّصاف ب- " الوجود " المسبوق ب- " العدم ".

فيثبت أنّ الأجسام حادثة.

قال الشيخ الصدوق :

" ومن الدليل على أنّ الأجسام مُحدَثة :

أنّ الاجسام لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو مفترقة ، ومتحرّكة أو ساكنة.

والاجتماع والافتراق والحركة والسكون مُحدَثة.

____________________

١ - انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الأوّل ، ص٤٠.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الأوّل ، ص ١٣٧.

٢ - يتمثّل هذا التغيير بتبدّل بعض الأجسام إلى البعض الآخر ، وتطرّق الزيادة والنقصان إليها واحتياجها في وجودها إلى غيرها و

٢٢

فعلمنا أنّ الجسم محدَث ; لحدوث ما لا ينفك منه "(١) .

الدليل الثاني على حدوث الأجسام :(٢)

لا يصح أن تكون الأجسام أزلية.

لأنّها لو كانت أزلية لكانت في الأزل إمّا " متحرّكة " أو " ساكنة " وكلاهما محال.

دليل استحالة كون الأجسام متحرّكة في الأزل :

" الأزلية " تستدعي المسبوقية بالغير(٣) .

و " الحركة " تستدعي المسبوقية بالغير(٤) .

ف- " الأزلية " و " الحركة " لا يجتمعان.

فيثبت أنّ الأجسام لا يصح أن تكون أزلية.

حدوث العالم في روايات أهل البيتعليهم‌السلام

١ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو الملك الحقّ المبين

كنت قبل كلّ شيء.

وكوّنت كلّ شيء.

وابتدعت كلّ شيء )(٥) .

٢ - قال الإمام عليعليه‌السلام :

( لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة.

ولا من أوائل أبديّة.

بل خلق ما خلق فأقام حدّه.

وصوّر ما صوّر ، فأحسن صورته )(٦) .

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : الباب ٢٤ : باب إثبات حدوث العالم ، ذيل الحديث ٧ ، ص٢٩٣.

٢ - انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الأوّل، ص ٤٣ - ٤٤.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الأوّل، ص١٤٤.

٣ - لأنّ " الأزلي " عبارة عن الشيء الذي لا بداية له ، فلا يكون قبله شيء.

٤ - لأنّ " الحركة " عبارة عن كون الجسم في مكان بعد كونه في مكان آخر.

٥ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج٥٧ ، باب ١ : حدوث العالم ، ح٩،ص ٣٦ - ٣٧.

٦ - نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة ١٦٣ ، ص ٣٠٧.

٢٣

٣ - قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( كان الله ولا شيء غيره )(١) .

٤ - قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( ياذا الذي كان قبل كلّ شيء ، ثمّ خلق كلّ شيء ، ثمّ يبقى ويفنى كلّ شيء )(٢) .

٥ - قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام :

( خلق [ الله تعالى ] الشيء لا من شيء كان قبله.

ولو خلق الشيء من شيء ، إذن لم يكن له انقطاع أبداً ، ولم يزل الله إذن ومعه شيء.

ولكن كان الله ولا شيء معه ، فخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه )(٣) .

٦ - قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام :

( إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل عالماً قديماً خلق الأشياء لا من شيء.

ومن زعم أنّ الله تعالى خلق الأشياء من شيء فقد كفر ؛

لأنّه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديماً معه في أزليّته وهويته كان ذلك الشيء أزلياً.

بل خلق الله تعالى الأشياء كلّها لا من شيء )(٤) .

٧ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام :

( الحمد لله الذي كان إذ لم يكن شيء غيره،

وكوّن الأشياء فكانت كما كوّنها )(٥) .

٨ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ما الدليل على حدث الأجسام ؟

فقالعليه‌السلام : ( إنّي ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلاّ إذا ضمّ إليه مثله صار أكبر ، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى.

____________________

١ - المصدر السابق : باب ١١ : باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح ١٢، ص ١٤١.

٢ - المصدر السابق : باب ٢ : باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح١١، ص٤٨.

٣ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢ : باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح٢٠ ، ج٦٦.

٤ - علل الشرائع ، الشيخ الصدوق : ج٢ ، باب ٣٨٥ ، ح ٨١ ، ص٦٠٧.

٥ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢ : باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ٢٩٠ ، ص ٧٣.

٢٤

ولو كان قديماً ما زال ولا حال ؛ لأنّ الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث )(١) .

٩ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( إنّه ليس شيء إلاّ يبيد أو يتغيّر أو يدخله الغِيَر والزوال ، أو ينتقل من لون إلى لون ، ومن هيئة إلى هيئة ، ومن صفة إلى صفة ، ومن زيادة إلى نقصان ، ومن نقصان إلى زيادة إلاّ ربّ العالمين )(٢) .

١٠ - قال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام :

( وهو الأوّل الذي لا شيء قبله.

والآخر الذي لا شيء بعده.

وهو القديم وما سواه مخلوق مُحدَث ، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً )(٣) .

النتيجة :

إنّ الله سبحانه وتعالى متفرّد بالأزلية ، ولا حقّ لأحد أن يوصف شيئاً غير الله تعالى بالقدم والأزلية.

تنبيه :

١ - قولنا بحدوث العالم لا يعني وجود مدّة بين الله تعالى وأوّل المحدثات ؛ لأنّ الأوقات محدثة ، بل المقصود أنّه تعالى قبلها(٤) .

٢ - وصفه تعالى ب-" كان " لا يعني تحديده تعالى في إطار الزمان ، بل معنى ذلك كما قال الإمام عليعليه‌السلام :

" إن قيل : " كان " فعلى تأويل أزلية الوجود.

وإن قيل : " لم يكن " فعلى تأويل نفي العدم "(٥) .

____________________

١ - المصدر السابق : باب ٤٢ : باب إثبات حدوث العالم ، ح٦، ص٢٩٠.

٢ - المصدر السابق : باب ٤٧ ، ح٢ ، ص٣٠٧.

٣ - المصدر السابق : باب ٢ : باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ٣٢ ، ص ٧٤.

٤ - انظر : كنز الفوائد ، أبو الفتح الكراجكي : ١ / ٤٦.

٥ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢ ، ح ٢٧ ، ص ٧١.

٢٥

بيان المقدّمة الثانية لبرهان الحدوث : كلّ حادث يحتاج إلى مُحدِث :

هذه المقدّمة بديهية ، ولهذا فهي غنيّة عن الإثبات بالدليل والبرهان.

ويطلق على هذه المقدّمة ب-" قانون العلية " ، وهو قانون عام شامل ، ويعتبر الأساس لجميع المساعي العلمية والعادية للبشرية.

دور " قانون العلية " في إثبات الصانع لهذا العالم :

١ - قال الشيخ الصدوق : " [ لولا قبول قانون العلية لجاز ] وجود كتابة لا كاتب لها ، ودار مبنية لا باني لها ، وصورة محكمة لا مصوّر لها [ وهذا غير معقول، فيثبت وجود صانع لهذا العالم ] "(١) .

٢ - قال الشيخ الطوسي : " الذي يدل على أنّ لها [ أي : للأجسام ] مُحدِثاً هو ما يثبت في الشاهد ، من أنّ الكتابة لابدّ لها من كاتب ، والبناء لابدّ له من بان ، والنساجة لابدّ لها من ناسج ، وغير ذلك من الصنائع "(٢) .

٣ - قال سديد الدين الحمصي : " إذا ثبت حدوث الأجسام ، فلابدّ لها من مُحدِث لحاجة كلّ محدَث في الشاهد في حدوثه مع الجواز إلى مُحدِث منّا ، كالصياغة مثلاً والكتابة ، وقد ثبت حدوث الأجسام على هذا الوجه ، فيجب أن يكون لها مُحدِث "(٣) .

تنبيه :

هذه الأقوال ، كلّها مقتبسة من حديث شريف للإمام عليعليه‌السلام قال فيه :

( فالويل لمن أنكر المقدِّر ، وجحد المدِّبر !

زعموا أنّهم كالنبات ما لهم زارع

ولا لاختلاف صورهم صانع ،

لم يلجؤوا إلى حجّة فيما ادّعوا

ولا تحقيق لما وَعَوا !

____________________

١ - المصدر السابق : باب ٤٢ : باب إثبات حدوث العالم ، ذيل ح ٦ ، ص ٢٩٢.

٢ - الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، ص ٤٩.

٣ - غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، الفصل الثاني ، ص ٢٦.

٢٦

وهل يكون بناء من غير بان ؟ ! )(١) .

برهان الحدوث في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام :

١ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( الحمد لله الدالّ على قِدَمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده مستشهدٌ بحدوث الأشياء على أزليّته )(٢) .

٢ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( الحمد لله الدال على وجوده بخلقه، وبمُحدَثِ خلقِه على أزليّته)(٣) .

٣ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( بصنع الله يستدل عليه جعل الخلق دليلاً عليه )(٤) .

٤ - سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ما الدليل على صانع العالم ؟

قالعليه‌السلام : ( وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعها صنعها.

ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبني ، علمت أنّ له بانياً وإن كنت لم تر الباني وتشاهده )(٥) .

٥ - سُئل الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ما الدليل على حدوث العالم ؟

قالعليه‌السلام : ( أنت لم تكن ، ثمّ كنت ، وقد علمت أنّك لم تكوّن نفسك ، ولا كوّنك من هو مثلك )(٦) .

تنبيه :

إثبات " وجود الله " عن طريق " وجود الحوادث " في برهان الحدوث ، يعدّ دليلاً لأصحاب المستويات المتوسّطة في الوعي الديني ، وإلاّ فإنّ دليل إثبات وجود الله تعالى عند أصحاب المستويات الرفيعة في الوعي الديني ، أسمى من هذا الاستدلال.

ولهذا ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام :

____________________

١ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٣ ، كتاب التوحيد ، ب ٣ ، ح ١، ص ٢٦.

٢ - نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة ١٨٥ ، ص ٣٦٠.

٣ - المصدر السابق : الخطبة ١٥٢ ، ص ٢٧٨.

٤ - الإرشاد ، الشيخ المفيد : ج١ ، باب الخبر عن أميرالمؤمنين ، فصل في مختصر من كلامهعليه‌السلام في وجوب المعرفة بالله ، ص ٢٢٣ - ٢٢٤.

٥ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٣٦ ، ح ١، ص ٢٣٩.

٦ - المصدر السابق : باب ٤٢ : باب إثبات حدوث العالم ، ح ٣ ، ص ٢٨٦.

٢٧

١ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( يا من دلّ على ذاته بذاته )(١) .

٢ - قال الإمام الحسينعليه‌السلام :

( كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟ !

أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك ؟ !

متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ؟ !

ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك ؟ !

عميت عين لا تراك عليها رقيباً ! )(٢) .

____________________

١ - بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : ج ٧٨ ، باب ٨٢ ، ح ١٩ ، ص ٣٣٩.

٢ - المصدر السابق : ج ٦٤ ، باب ٤ ، ذيل ح ٧ ، ص ١٤٢.

٢٨

المبحث الخامس :برهان الامكان

تمهيدات :

التمهيد الأوّل : بطلان الدور

معنى الدور:

"ا لدور " ، عبارة عن توقّف كلّ واحد من الشيئين على صاحبه(١) .

بعبارة أخرى :

" الدور " هو أن يكون وجود أحد الأشياء متوقّفاً على وجود شيء ثان ، وفي نفس الوقت يكون وجود هذا الشيء الثاني متوقّفاً على وجود الشيء الأوّل.

دليل بطلان الدور :

مقتضى كون وجود الشيء الأوّل متوقّفاً على وجود الشيء الثاني ، أن يكون الشيء الثاني متقدّماً على الشيء الأوّل.

ومقتضى كون وجود الشيء الثاني متوقّفاً على وجود الشيء الأوّل ، أن يكون الشيء الثاني متأخّراً عن الشيء الأوّل.

فينتج كون الشيء الواحد في حالة واحدة وبالنسبة إلى شيء واحد :

متقدّم وغير متقدّم ، ومتأخّر وغير متأخّر.

وهذا جمع بين نقيضين ، ولا شك في بطلانه(٢) .

____________________

١ - النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٠ - ٢١.

الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي ، شرح مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٨

٢ - انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الأوّل ، ص ٢٤٥.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، ص ١٥٧.

٢٩

النتيجة :

كلّ أمر قائم على " الدور " لا يتحقّق أبداً.

مثال ذلك :

إذا كان شخصان في مكان.

فقال أحدهم : لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الشخص الثاني.

وقال الثاني : لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الشخص الأوّل.

فإذا أراد كلّ واحد منهما أن يلتزم بقوله ، فلن يتحقّق خروج أحدهما من ذلك المكان أبداً.

؛ لأنّ خروج الشخص " الأوّل " ، متوقّف على خروج الشخص " الثاني ".

وخروج الشخص " الثاني " ، متوقّف على خروج الشخص " الأوّل ".

والشخص " الأوّل " لا يخرج حتّى يخرج الشخص " الثاني ".

والشخص " الثاني " لا يخرج حتّى يخرج الشخص " الأوّل ".

فلن يتحقّق الخروج أبداً.

؛ لأنّه قائم على " الدور ".

التمهيد الثاني : بطلان التسلسل

معنى التسلسل :

لكلّ معلول علّة ، ولهذه العلّة علّة أخرى ، وهكذا يستمر الأمر إلى ما لا نهاية من العلل المفتقرة في وجودها إلى العلل الأخرى(١) .

دليل بطلان التسلسل :

جميع " العلل " في التسلسل غير قائمة بذاتها ، بل مفتقرة إلى غيرها.

فيُطرح - في هذا المقام - هذا السؤال :

____________________

١ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢١.

الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي ، شرح مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٨ - ٩.

٣٠

ما هو السبب الذي أخرج هذا التسلسل من " العدم " إلى " الوجود " ؟

وهذا السؤال هو الذي يفنّد التسلسل ويثبت بطلانه(١) .

النتيجة :

يحكم العقل عند تسلسل العلل بلزوم انتهاء هذه العلل إلى علّة قائمة بذاتها ، وغير مفتقرة في وجودها إلى غيرها ، لتكون هذه العلّة هي السبب لخروج هذا التسلسل من " العدم " إلى " الوجود "(٢) .

مثال ذلك :

لو فرضنا وجود مجموعة لا متناهية من الأشخاص في مكان فقال أحدهم : لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الثاني.

وقال الثاني : لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الثالث.

وقال الثالث : لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الرابع.

وهكذا كلّ واحد من هؤلاء يعلّق خروجه على خروج الذي بعده.

فالنتيجة واضحة ، وهي عدم تحقّق خروج أي واحد من هولاء من هذا المكان

؛ لأنّ خروج كلّ واحد من هؤلاء متوقّف على الآخر ، وهذا التوقّف لا نهاية له.

ولهذا :

لا يوجد طريق لتحقّق " الخروج " إلاّ بوجود شخص في هذه المجموعة يخرج من ذلك المكان بذاته ومن دون تعليق خروجه على غيره ، فبذلك يتحقّق خروج الباقين واحداً تلو الآخر.

التمهيد الثالث : تعريف الواجب والممكن والممتنع

لكلّ ما يتصوّره العقل " وجوداً " لا يخلو من إحدى الأوصاف التالية :(٣)

١ - واجب الوجود.

٢ - ممتنع الوجود.

٣ - ممكن الوجود.

____________________

١ - المصدر السابق.

٢ - المصدر السابق.

٣ - انظر : الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي ، شرح مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٥ - ٦.

٣١

تعريف هذه الأقسام :

" الوجوب " ، عبارة عن صفة للشيء الذي يحكم العقل بحتمية وجوده.

و " واجب الوجود " هو الشيء الذي يكون موجوداً بذاته ، ولا يفتقر في وجوده إلى غيره ، ولا يتوقّف وجوده على وجود موجود آخر(١) .

ممتنع الوجود :

" الامتناع " ، عبارة عن صفة للشيء الذي يحكم العقل باستحالة وجوده الخارجي.

و" ممتنع الوجو د" ، هو الذي يستدعي من صميم ذاته عدم وجوده ، فلا يحتاج إلى علّة في اتّصافه بالعدم.

مثال ذلك :

وجود معلول بلا علّة ، اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، شريك الباري.

ممكن الوجود :(٢)

" الإمكان " ، عبارة عن صفة للشيء الذي يحكم العقل بجواز " وجوده " و " عدم وجوده " على السواء.

و" ممكن الوجود " ، هو الشيء الذي تكون نسبة كلّ من " الوجود " و " العدم " إليه

____________________

١ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢١.

الرسائل العشر ، الشيخ الطوسي : مسائل كلامية ، مسألة ٣ ، ص ٩٣.

تنبيه : من أمثلة عدم توقّف الشيء على غيره :

إنّ الشيء " المضيء " يكتسب إضاءته من " النور " ، ولكن " النور " لا يكتسب إضاءته من شيء آخر ، وإنّما هو مضيء بذاته.

إنّ الطعام " الحلو " يكتسب حلاوته من " السكّر " ولكن " السكر " لا يكتسب حلاوته من شيء آخر ، وإنّما هو حلو بذاته.

٢ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢١.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الأوّل ، ص ٢٤٢.

٣٢

متساوية ، فهو قد يكون " موجوداً " وقد يكون " معدوماً ".

توضيح ذلك :

" واجب الوجود " ، هو الذي لا يحتاج إلى " علّة " في اتّصافه ب-" الوجود " ، بل يتّصف بالوجود من صميم ذاته.

و" ممتنع الوجود " ، هو الذي لا يحتاج إلى " علّة " في اتّصافه ب-" العدم " ، بل يتّصف بالعدم من صميم ذاته.

ولكن " ممكن الوجود " ، هو الذي يحتاج إلى " علّة " في اتّصافه ب-" الوجود " أو "العدم"؛ لأنّه في حالة التساوي بين " الوجود " و " العدم " ، فيحتاج إلى علّة تخرجه من حالة التساوي ، وتجرّه إمّا إلى جانب " الوجود " أو إلى جانب " العدم ".

برهان الإمكان(١)

المقدّمة الأولى :

الإذعان بأنّ هناك واقعية ووجوداً ، وأنّ العالم ليس وهماً وخيالاً.

المقدّمة الثانية :

كلّ " موجود " لا يخلو - بلحاظ ذاته - من إحدى القسمين التاليين :

١ - واجب الوجود.

٢ - ممكن الوجود.

المقدّمة الثالثة :

" ممكن الوجود " يستحيل أن يكون موجوداً بذاته ، بل يحتاج في " وجوده " إلى غيره ،

وهذا هو " قانون العلّية " الذي يحكم به العقل بالبداهة.

المقدّمة الرابعة :

موجِد العالم لا يخلو من وصفين :

____________________

١ - انظر : الإشارات والتنبيهات ، ابن سينا : ج ٣ ، ص ١٨ - ٢٠.

٣٣

١ - أن يكون " واجب الوجود ".

٢ - أن يكون " ممكن الوجود ".

فإذا كان " واجب الوجود " ثبت المطلوب.

وإذا كان " ممكن الوجود " ، فإنّه سيكون مفتقراً في وجوده إلى موجِد آخر.

وننقل الكلام إلى هذا الموجِد ، فإنّه :

إذا كان " واجب الوجود " ثبت المطلوب.

وإذا كان " ممكن الوجود " ، فإنّه سيكون أيضاً مفتقراً في وجوده إلى موجِد آخر فإذا كان هذا الموجِد هو الموجِد الأوّل ، لزم " الدور " ، وهو باطل ، كما بيّناه سابقاً.

وإذا استمر وجود الموجِدات إلى مالا نهاية له ، لزم " التسلسل " ، وهو باطل ، كما بيّناه سابقاً.

فنضطر - في نهاية المطاف - إلى الإذعان بوجود " موجِد " يكون وجوده من ذاته ، وغير مفتقر إلى غيره ، أي : يكون وجوده " واجب الوجود " وهو المطلوب(١) .

النتيجة :

إنّ العالم بحاجة إلى موجِد واجب الوجود ، أي : موجد غير محتاج في وجوده إلى علّة أخرى ، ولا يتوقّف وجوده على وجود غيره.

أهم خواص واجب الوجود :(٢)

١ - قائم بذاته ، ولا يتوقّف وجوده على وجود غيره ؛ لأنّه لو كان كذلك لزال بزوال ذلك التوقّف ، ولكان ممكن الوجود.

____________________

١ - انظر: تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الأوّل ، ص ٢٤٥.

قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الأوّل ، ص ٤٦.

كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الأوّل ، ص ١٤٨ - ١٤٩.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الثاني ، ص ١٥٨.

الباب الحادي عشر ، للعلاّمة الحلّي ، شرح مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٧.

٢ - انظر : الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي ، شرح مقداد السيوري : الفصل الأوّل ، ص ٦.

٣٤

٢ - بسيط ؛ لأنّه لو كان مركّباً ، لكان محتاجاً إلى أجزائه - والأجزاء بما هي أجزاء غير الكل - فيلزم أن يكون محتاجاً في وجوده إلى الغير ، فيكون ممكن الوجود.

٣ - ليس بجسم ؛ لأنّ كلّ جسم مركّب من أجزاء ، وواجب الوجود لا يصح أن يكون مركّباً ، للسبب المذكور في الخاصيّة السابقة.

٤ - ليس بعرض من قبيل الألوان والأشكال وأمثالها ؛ لأنّ الأعراض تفتقر إلى الأجسام ، والافتقار والاحتياج من صفات ممكن الوجود.

٥ - لا يقبل التغيّر أبداً ؛ لأنّ التغيّر يحصل بوقوع الزيادة أو النقصان في ذات الشيء أو صفاته ، وكلّ ذلك يستلزم أن يكون المتغيّر مركباً ، وواجب الوجود لا يكون مركبّاً ، للسبب الذي مرّ ذكره في الخاصيّة الثانية.

٦ - لا يقبل التعدّد أبداً ؛ لأنّ التعدّد يستلزم أن يكون المعدود مركّباً ، وواجب الوجود لا يكون مركباً ، للسبب المذكور في الخاصيّة الثانية.

" واجب الوجود " لا يكون إلاّ واحداً :

لو افترضنا موجودين واجبي الوجود :

لكان كلّ واحد منهما :

مشاركاً للآخر في كونه واجباً.

ومبايناً عنه بما يميّزه عن الآخر.

و " ما به المشاركة " غير " ما به المباينة ".

فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما مركّباً " مما به المشاركة " و " مما به المباينة ".

وكلّ مركّب ممكن الوجود ؛

لأنّ كلّ مركّب محتاج إلى جزئه.

وما يحتاج إلى غيره لا يكون واجب الوجود.

فيكون واجب الوجود ممكن الوجود ، وهذا خلاف ما ذكرناه في البداية.

فيثبت أنّ واجب الوجود لا يكون إلاّ واحداً.

٣٥

برهان الإمكان في القرآن والسنّة :

١ - إنّ برهان الإمكان قائم على هذه الحقيقة ، بأنّ ما في الوجود ينقسم إلى قسمين :

أوّلاً : واجب الوجود ، وهو الموجود الغني بذاته.

ثانياً : ممكن الوجود ، وهو الموجود الفقير بذاته.

وقد أشار الباري عزّ وجلّ إلى غناه ، وإحتياج الإنسان إليه في القرآن الكريم بقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) [ فاطر : ١٥]

( وَ اللَّهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ) [ محمّد : ٣٨ ]

٢ - يفيد برهان الإمكان بأنّ ممكن الوجود لا يتحقّق بلا علّة ، ولا يكون هو العلّة لنفسه لبطلان الدور ، وقد أشار الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى :

( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ‌ءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‌ ) [ الطور : ٣٥ ]

٣ - أشار الإمام عليعليه‌السلام إلى حقيقة اتّصافه تعالى بصفة واجب الوجود : ( كلّ شيء قائم به [ عزّ وجلّ ] )(١) .

تنبيه :

إنّ القاعدة العقلية : " كلّ موجود يحتاج إلى علّة " غير منتقضة بقولنا : " الله موجود لا يحتاج إلى علّة " ؛ لأنّ هذه القاعدة تشمل ما هو " ممكن الوجود " فقط.

والأصح أن نقول : " كلّ ممكن الوجود يحتاج إلى علّة " ، والله تعالى واجب الوجود ، فلا تشمله هذه القاعدة العقلية.

____________________

١ - نهج البلاغة ، الشريف الرضي : خطبة ١٠٩ : في بيان قدرة الله ، ص ٢٠٤.

٣٦

٣٧

الفصل الثاني :معرفة اللّه تعالى

وجوب معرفة الله تعالى

عجز الحواس عن معرفة الله تعالى

عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله تعالى

كيفية معرفة الله تعالى

٣٨

٣٩

المبحث الأوّل :وجوب معرفة الله تعالى

أدلة وجوب معرفة الله تعالى :(١)

١ - وجوب دفع الضرر.

معرفة الله تعالى تزيل من الإنسان الخوف المحتمل والمُعتد به من استحقاق العقاب والحرمان من الثواب ، الذي بيّنه الأنبياء على مرّ العصور وكلّ ما يؤمّل به زوال الخوف المُعتد به فهو واجب فلهذا يثبت وجوب معرفة الله تعالى.

٢ - وجوب شكر المنعم.

لا يأمن الإنسان - كما بيّن الأنبياء على مرّ العصور - أن يكون له صانعاً أخرجه من العدم إلى الوجود ، وأنعم عليه بختلف النعم.

وبما أنّ شكر المنعم واجب ، فلهذا تجب معرفة هذا المنعم ؛ لأنّه لا يتم هذا الشكر إلاّ بعد معرفة المنعم.

تنبيه :

معرفة الله أمر فطري ، أي : الدافع لمعرفة الله في وجود الإنسان غير شعوري ، والإنسان يمتلك في أعماق وجوده دافعاً ذاتياً يحفّزه على معرفة الله عزّ وجلّ.

____________________

١ - انظر : المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الثاني ، البحث الرابع ، ص ٩٧ - ٩٨.

٤٠