التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 208650
تحميل: 8808

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208650 / تحميل: 8808
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٦١

المبحث الخامس :خصائص صفات الله الثبوتية

تنقسم صفات الله الثبوتية - كما ذكرنا في المبحث الثالث من هذا الفصل - إلى صفات الله الذاتية وصفات الله الفعلية.

خصائص صفات الله الذاتية :

١ - ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.

وإنّما هي مختلفة مع الذات في " معانيها ومفاهيمها " لا في " حقائقها ووجوداتها ".

أي : هذه الصفات زائدة على ذاته تعالى من الناحية " الذهنية " لا من الناحية " الواقعية ".

٢ - لا يصح أبداً سلب هذه الصفات من الله تعالى ، ولهذا لا يصح سلب صفة العلم أو القدرة عن الله تعالى في جميع الأحوال.

خصائص صفات الله الفعلية :

١ - لا يوصف الله بهذه الصفات قبل قيامه بالفعل المرتبط بهذه الصفات ، ولهذا :

لا يوصف الله بصفة " الخالق " قبل أن يخلق.

ولا يوصف الله بصفة " الرازق " قبل أن يرزق(١) .

٢ - يصح سلب هذه الصفات عنه تعالى في بعض الأحوال ، ومثاله :

يصح أن يقال بأنّه تعالى خلق هذا ، ولم يخلق ذاك.

يصح أن يقال بأنّه تعالى رزق هذا ، ولم يرزق ذاك(٢) .

____________________

١ - انظر : تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : صفات الله ، فصل في صفات الذات وصفات الأفعال ، ص ٤١.

٢ - انظر ، المصدر السابق.

٦٢

٣ - تعدّ هذه الصفات من أفعاله تعالى لا من ذاته تعالى.

وما يرتبط منها بالذات الإلهية أنّه تعالى قادر على فعل ما هو ممكن في جميع الأحوال.

٤ - لا توجب صفات الله الفعلية كمالاً لله تعالى.

دليل ذلك :

إنّ الصفات التي توجب الكمال يجب أن تكون :

أوّلاً - حقائق عينية لها واقع خارجي.

ثانياً - غير زائدة عن الذات الإلهية.

ولكن صفات الله الفعلية ، عبارة عن صفات :

أوّلاً : اعتبارية يتم انتزاعها من مقام الفعل.

ثانياً : متأخّرة عن رتبة الذات.

وما هو اعتباري وانتزاعي ومتأخّر عن رتبة الذات لا يصلح أن يكون كمالاً للذات.

إذن :

عدم اتّصاف الله تعالى بالصفات الفعلية لا يوجب النقص للذات الإلهية.

وإنّما الذات الإلهية كاملة بذاتها ، ولا توجب لها صفات الفعل أيّ كمال.

بعبارة أخرى :

صفات الله الفعلية " ناشئة " من كمال الذات الإلهية ، لا أنّها " موجبة " لكمال الذات الإلهية.

الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل :

١ - صفات الذات منتزعة من الذات وتحكي عنها.

صفات الفعل منتزعة من مقام الفعل وهي مغايرة للذات.

٢ - صفات الذات قديمة بقدم الذات الإلهية.

صفات الفعل حادثة بحدوث الأفعال الإلهية.

٦٣

٣ - صفات الذات غير متناهية ؛ لأنّها عين الذات.

صفات الفعل متناهية ومحدودة ؛ لأنّها زائدة على الذات.

٤ - صفات الذات لا يصح سلبها عن الله تعالى أبداً ،

فلهذا لا يوصف الله بعدم العلم أو عدم القدرة في أيّ حال.

صفات الفعل يصح سلبها عن الله تعالى أحياناً.

فلهذا يمكن القول بأنّه تعالى : يخلق ولا يخلق ، يرزق ولا يرزق(١) .

____________________

١ - انظر : الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب صفات الذات ، جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل ، ص ١١١.

تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد، صفات الله ، فصل في صفات الذات وصفات الأفعال ، ص ٤١.

٦٤

المبحث السادس :صفات الله الذاتية عين الذات أو زائدة عن الذات ؟

أهم أقوال المسلمين حول صفات الله الذاتية :

١ - قول بعض المعتزلة : نيابة الذات عن الصفات.

٢ - قول بعض المعتزلة : القول بالأحوال.

٣ - قول الكرامية : الزيادة والحدوث.

٤ - قول الأشاعرة : الزيادة والقدم.

٥ - قول الإمامية : عينية الصفات والذات.

القول الأوّل ( قول بعض المعتزلة ) : نيابة الذات عن الصفات

أنكر أصحاب هذا القول اتّصاف الذات الإلهية بالصفات ، وقالوا بنيابة الذات عن الصفات.

أي : ليس للّه صفة ، وإنّما ذاته تعالى هي التي تقوم مقام الصفة " فقالوا : هو عالم بذاته ، قادر بذاته ، حي بذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة "(١) .

يرد عليه :

١ - يستلزم هذا القول خلو الذات عن الصفات الكمالية ، وهو باطل(٢) .

٢ - القرآن والسنّة يثبتان الصفات لله ، ولا يوجد أيّ دليل لصرف هذه النصوص عن ظواهرها.

____________________

١ - انظر : شرح الأصول الخمسة ، القاضي عبدالجبار : فصل والغرض به الكلام في كيفية استحقاقه تعالى لهذه الصفات ، ص ١٨٣.

الملل والنحل للشهرستاني ، الباب الأوّل ، الفصل الأوّل ، ص٤٤.

٢ - قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثالث ، البحث الحادي عشر ، ص ١٠١.

٦٥

القول الثاني ( قول بعض المعتزلة ) : القول بالأحوال(١)

يذهب أتباع هذا الرأي إلى وجود واسطة بين الوجود والعدم ، وهي ثابتة ، وسمّوها " الحال " ، وقالوا بأنّ صفات الله الحقيقية أحوال ، والأحوال لا يكون لها ذات ، فلهذا لا تكون " موجودة " ولا " معدومة " ، بل هي " حال ".

يرد عليه :

يحكم العقل بأنّ كلّ أمر مفروض لا يخلو من الوجود أو العدم ولا واسطة بينهما.

القول الثالث ( قول الكرامية ) : الزيادة والحدوث(٢)

ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية صفات حادثة وهي قائمة به.

يرد عليه :(٣)

١ - إذا كانت صفات الله الأزلية حادثة ، فهي لا تخلو من أمرين :

الأوّل : هي التي أوجدت نفسها ، وهذا محال.

الثاني: أنّ الغير أوجدها، وهذا الغير لا يخلو من أمرين :

الأوّل : هو غير الله ، فلابدّ أن ينتهي إلى الله وإلاّ لزم التسلسل ، وهو محال.

الثاني : هو الله تعالى ، فيلزم أن يكون فاقد الشيء معطياً له ؛ لأنّ الله تعالى - وفق هذا الرأي - كان فاقداً لها قبل إحداثها ، وهذا باطل.

٢ - يلزم اتّصاف الله بصفات حادثة افتقاره تعالى إلى غيره ، والباري منزّه عن جميع أنواع الاحتياج والافتقار.

____________________

١ - يذهب أبو هاشم الجبائي من المعتزلة إلى هذا الرأي.

انظر : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين ، لفخر الدين الرازي : القسم الثاني في الصفات ، ص ١٨٠.

٢ - ينسب هذا القول إلى أتباع محمّد بن كرام السجستاني ( ٢٢٥ ه- ).

انظر : الملل والنحل للشهرستاني ج١ ، الباب الأوّل : المسلمون ، الفصل الثالث : الصفاتية ، ٣ - الكرامية ص ١٠٨.

٣ - انظر : اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الأوّل ، الفصل السابع ، ص١٠٦.

٦٦

القول الرابع ( قول الأشاعرة ) : القول بالقدم والزيادة(١)

قال الفضل بن روزبهان : " مذهب الأشاعرة أنّه تعالى له صفات ، موجودة ، قديمة ، زائدة على ذاته ، فهو عالم بعلم ، وقادر بقدرة ، ومريد بإرادة "(٢) .

ثم ذهب إلى أنّ معنى " الزيادة على الذات " هو : " لا هي عين الذات ولا غيرها "(٣) .

وقال أبو الحسن الأشعري : " الباري تعالى عالم بعلم، قادر بقدرة ، حيّ بحياة ، وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى ، لا هي هو ، ولا هي غيره ، ولا : لا هو ، ولا : لا غيره ! "(٤) .

يرد عليه :

١ - إذا كانت صفات الله " زائدة " على الذات ، فإنّها ستكون " مغايرة " لذاته تعالى.

وإذا كانت صفات الله " عين " الذات ، فإنّها ستكون " غير مغايرة " لذاته تعالى.

وأمّا القول بأنّ صفات الله : " لا هي عين الذات ولا غيرها " ، فإنّه كلام ينتهي إلى ارتفاع النقيضين ، وهو باطل.

٢ - يلزم قول الأشاعرة أن يكون مع الله تعالى قدماء كُثُر بقدر صفاته ، وهذا محال.

لهذا قال الفخر الرازي في مقام ردّه على قول الأشاعرة :

" إنّ النصارى كفروا ؛ لأنّهم أثبتوا قدماء ثلاثة ، وأصحابنا أثبتوا تسعة قدماء ،

____________________

١ - انظر : المواقف ، عضدالدين الأيجي ، بشرح : الشريف الجرجاني : ج ٣ ، الموقف الخامس ، المرصد الرابع ، المقصد الأوّل ، ص ٦٨.

شرح المقاصد ، سعدالدين التفتازاني : ج ٤ ، المقصد السادس ، الفصل الثالث ، المبحث الأوّل : الصفات زائدة على الذات ، ص ٦٩.

٢ - دلائل الصدق ، محمّد حسن المظفر : ج ٢ ، صفاته عين ذاته ، المبحث الثامن ، ص ٢٧٠.

٣ - المصدر السابق ، ص ٢٧٣.

٤ - الملل والنحل ، الشهرستاني : ج ١ ، الباب الأوّل ، الفصل الثالث ، ص ٩٥.

٦٧

الذات وثماني صفات ! "(١) .

٣ - لو كان الله باقياً ببقاء قائم بذاته ، لكان تعالى ممكناً ؛ لأنّ البقاء هو الوجود المستمر ، فلو كان استمرار وجوده مستنداً إلى سوى ذاته كان ممكناً(٢) .

٤ - إذا كان مقصود الأشاعرة من قيام صفاته تعالى بذاته ، حلول هذه الصفات فيه تعالى فهو محال.

وإذا كان مقصودهم إثبات الأحوال كما أثبته بعض المعتزلة وذكرناه في القول الثاني آنفاً ، فهو أيضاً باطل(٣) .

فلا يبقى للأشاعرة سوى القول بزيادة الصفات على الذات ، وهذا ما سنبيّن بطلانه لاحقاً.

أدلة بطلان زيادة صفات الله الحقيقية على ذاته :

١ - إذا كانت صفات الله الحقيقية زائدة على ذاته ، فهي لا تخلو من أمرين(٤) :

أولاً : أن تكون قديمة ، فيلزم منه تعدّد القدماء ، وهذا ما تبطله أدلة وحدانية الله تعالى.

ثانياً : أن تكون حادثة ، فيلزم خلو الذات الإلهية قبل إحداثها ، كما نواجه مشكلة مَن أحدثها ، وقد بيّنا ذلك آنفاً عند الردّ على قول الكرامية.

٢ - يلزم القول بالزيادة ، أن تكون الذات خالية من العلم والقدرة في مرتبة الذات ، ويلزم هذا الخلو كونه تعالى ناقصاً في ذاته ، وهذا ما لا يليق بالذات الإلهية ، فيثبت بطلان القول بزيادة صفات الله على ذاته.

٣ - يلزم القول بالزيادة اتّصاف الله بالاحتياج والافتقار إلى غيره ؛ لأنّ معنى

____________________

١ - انظر : الرسالة السعدية ، العلاّمة الحلّي : الفصل الأوّل ، المسألة الخامسة : ص ٥١.

٢ - انظر : المصدر السابق.

٣ - انظر : المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي ، ج ١ ، الردّ على الفرق المخالفة في التوحيد ، ص ١٣٩ - ١٤٠.

٤ - انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢٩ : باب أسماء الله تعالى ، ذيل ح ١٤ ، ص ٢١٧.

الرسائل العشر ، الشيخ الطوسي : المسألة ٢٠ ، ص ٩٦.

المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي : الرد على الفرق المخالفة في التوحيد ، ص ١٣٩.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الثالث ، ص ٢٠٨.

٦٨

القول بالزيادة :

أنّ الله تعالى يحيى بحياة غير ذاته.

وأنّ الله تعالى يعلم بالعلم الذي هو غير ذاته.

وأنّ الله تعالى قادر بالقدرة التي هي خارجة عن حقيقته.

ويلزم - في جميع هذه الأحوال - أن لا يكون الله غنياً بذاته ، بل يكون محتاجاً إلى غيره ، ولكن الله تعالى منزّه عن الاحتياج ، فيثبت بطلان القول بزيادة صفات الله على ذاته(١) .

٤ - يلزم القول بالزيادة أن يكون الله مركّباً من ذات وصفات قديمة ، ولكنّه تعالى يستحيل أن يكون مركّباً ؛ لأنّ كلّ مركّب محتاج إلى جزئه ، وكلّ محتاج يكون ممكناً(٢) .

موقف أهل البيتعليهم‌السلام من القول بالزيادة والقدم :

١ - عن أبان بن عثمان الأحمر ، قال : قلت للصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام : إنّ رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت ، يقول : إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بسمع ، وبصيراً ببصر وعليماً بعلم وقادراً بقدرة.

فغضبعليه‌السلام ، ثمّ قال : ( من قال ذلك ودان به فهو مشرك ، وليس من ولايتنا على شيء ، إنّ الله تبارك وتعالى ذات علامة ، سميعة ، بصيرة ، قادرة )(٣) .

٢ - عن الحسين بن خالد ، قال : سمعت الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام يقول : ( لم يزل الله تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً ).

فقلت له : يابن رسول الله إنّ قوماً يقولون : إنّه عزّ وجلّ لم يزل عالماً بعلم ، وقادراً

____________________

١ - انظر : الرسالة السعدية ، العلاّمة الحلّي : الفصل الأوّل ، المسألة الخامسة ، ص ٥٠ كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة ١٩ ، ص ٤١٠.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري ، مباحث التوحيد ، مسألة نفي المعاني والأحوال ، ص ٢١٧.

٢ - انظر : كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني ، الوحدانية ، ص ١٩٧.

٣ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١١ ، باب صفات الذات وصفات الفعل ، ح ٨ ، ص ١٣٩.

٦٩

بقدرة ، وحياً بحياة ، وقديماً بقدم ، وسميعاً بسمع ، وبصيراً ببصر.

فقالعليه‌السلام : ( من قال ذلك ، ودان به ، فقد اتّخذ مع الله آلهة أخرى ، وليس من ولايتنا على شيء )(١) .

٣ - قال الإمام عليعليه‌السلام حول الله تعالى : ( كمال الإخلاص له نفي الصفات [ أي : الصفات الزائدة ] عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة.

فمن وصف الله سبحانه [ أي : وصفه بوصف زائد على ذاته ] فقد قرنه [ أي: قرن ذاته بشيء غيرها ].

ومن قرنه فقد ثنّاه [ أي : من قرنه بشيء من الصفات الزائدة فقد اعتبر في مفهومه أمرين : أحدهما الذات والآخر الصفة ].

ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه جهله )(٢) .

تنبيه :

لا يخفى أنّ الإمامعليه‌السلام - كما بيّنا أثناء ذكر خطبته - عندما قال ( كمال الإخلاص نفي الصفات عنه) ، لم يقصد نفي مطلق الصفات عنه تعالى ، بحيث لا نصفه تعالى بالعلم والقدرة وغير ذلك من صفات الكمال ؛ لأنّ الإمامعليه‌السلام ، أثبت وجود الصفات لله تعالى في بداية هذه الخطبة ، وقال حول الله تعالى : ( الذي ليس لصفته حدّ محدود ).

فنستنتج بأنّ مقصود الإمام من نفي الصفات هو نفي الصفات المحدودة ، أي : نفي الصفات الزائدة على ذاته ، ثم بيّن الإمامعليه‌السلام أسباب ذلك في تكملة خطبته.

القول الخامس ( قول الإمامية ) : القول بأنّ صفات الله تعالى عين ذاته(٣)

يذهب أتباع هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية عين ذاته.

أي : ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.

____________________

١ - المصدر السابق ، ح ٣، ص ١٣٥.

٢ - نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة الأولى ، ص ١٤.

٣ - انظر : كشف المراد ، العلاّمة الحلي : المقصد الثالث ، الفصل الثانى ، المسألة ١٩ ، ص ٤١٠ ، إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، كون صفاته تعالى أزلية ، ص ٢٢٢

٧٠

وأنّ هذه الصفات على رغم تعدّد مفاهيمها في الصعيد الذهني والاعتباري ، فإنّها تشير إلى مصداق ووجود واحد في الواقع الخارجي ، وذلك الوجود الواحد هو الذات الإلهية(١) .

دليل ذلك :

كلّ ما دل على بطلان زيادة الصفات على الذات بدوره دليل على عينية الصفات والذات.

توضيح ذلك :

١ - لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته ، لزم احتياجه تعالى في صفاته إلى ما سواه ، وافتقاره إلى شيء وراء ذاته ، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

٢ - لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته ، لزم خلو ذاته تعالى من العلم والقدرة في مرتبة الذات ، وهذا لا يليق بالذات الإلهية ، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

٣ - لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته ، لزم أن تكون الذات مركّبة من أجزاء ، والتركيب مستحيل عليه تعالى ، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

بيان معنى كون صفاته تعالى عين ذاته :

من أهم الأمور التي تساعد على فهم معنى كون صفاته تعالى عين ذاته ، هي مسألة فهم " المفهوم والمصداق ".

المفهوم : مجموع الصفات والخصائص الموضّحة لمعنى كلّي(٢) .

المصداق : الفرد الذي يتحقّق فيه معنى كلّي(٣) .

____________________

١ - هذا القول لا يعني مقولة النيابة ؛ لأنّ النيابة مبنية على نفي الصفات الكمالية كالعلم والقدرة ، ولكن هذا القول يعترف بوجود هذه الصفات الكمالية في مقام الذات.

انظر : أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : القول في الصفات ، ص ٥٢.

٢ - انظر : المعجم الوسيط : مادة ( ف ه م ).

٣ - انظر : المصدر السابق : مادة ( ص د ق ).

٧١

تنبيه :

من الأمور المهمّة التي ينبغي الالتفات إليها ، أنّ المصداق الواحد يصح أن تطلق عليه العديد من المفاهيم.

مثاله :

إنّ الإنسان بكلّ وجوده " مخلوق " لله تعالى.

وهو أيضاً بكلّ وجوده " معلوم " لله تعالى.

ففي هذا المقام : الإنسان " مصداق " واحد.

و" مخلوق " و " معلوم " " مفهومان " يطلقان على هذا " المصداق " الواحد.

وهذا الإطلاق لا يعني :

جزء من ذات الإنسان مخلوق لله تعالى.

وجزء آخر من ذات هذا الإنسان معلوم لله تعالى ،

بل :

هذا الإنسان بكلّ وجوده مخلوق لله تعالى ،

وهو في نفس الوقت بكلّ وجوده معلوم لله تعالى ،

ولا يخفى بأنّ مفهوم " مخلوق " مغاير لمفهوم " معلوم ".

وهما على رغم هذا التغاير من ناحية " المفهوم " يطلقان على " مصداق " واحد.

بيان المفهوم والمصداق الإلهي :

١ - وجود الله تعالى واحد ، ولكن ينتزع منه بالنظر إلى تجلّياته المختلفة مفاهيم كثيرة.

أي : إنّ لله تعالى حقيقة واحدة ، وتعتبر صفاته الذاتية كلّها مفاهيم تعبّر عن مصداق واحد ، هو الله تعالى.

٢ - تعدّد الصفات لا يستلزم التركيب في ذاته تعالى ؛ لأنّ كلّ صفة من صفاته تعالى لا تشكّل جزءاً خاصاً من ذاته تعالى ، بل كلّ واحدة من هذه الصفات تشكّل تمام الذات ، والكثرة هنا تكون في عالم المفهوم دون الواقع الخارجي الذي هو

٧٢

المصداق.

٣ - أوصاف العلم والقدرة والحياة أوصاف مشتركة بين الله تعالى والإنسان من حيث المفهوم ، ولكنّها تختلف من حيث المصداق.

فهذه الأوصاف في الإنسان ممكنة ، فقيرة ، محدودة ، مجسّمة ، ولكنّها في الله تعالى واجبة غنية لا متناهية ،

والله تعالى في المصداق ( ليس كمثله شيء ) [ الشورى : ١١ ]

٤ - السبب في فهم الإنسان لله الواحد الحقيقي البسيط بمجموعة مختلفة من المفاهيم ، يعود إلى الإنسان ذاته وإلى تركيبة جهازه الإدراكي ؛ لأنّ دأب العقل أنّه لا يستوعب الحقيقة التي يواجهها إلاّ بعد تجزئتها(١) .

٥ - المفاهيم أوعية محدودة ، ويبقى الإنسان مقيّداً بهذه الحدود في معرفته التوحيدية ، وتبقى الذات الإلهية فوق جميع التصوّرات.

أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام المبيّنة بأنّ صفات الله عين ذاته :

١ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم ، وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور )(٢) .

٢ - عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال في صفة القديم : ( إنّه واحد صمد أحدي المعنى ، ليس بمعاني كثيرة مختلفة ).

قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغير الذي يبصر ، يبصر بغير الذي يسمع.

____________________

١ - انظر : التوحيد ، بحوث في مراتبه ومعطياته ، تقريراً لدروس السيّد كمال الحيدري ، جواد علي كسار : ١ / ١٧٧ - ١٨٧.

٢ - الكافي ، الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب صفات الذات ، ح ١ ، ص ١٠٧.

التوحيد ، الصدوق : باب ١١ ، ح١ ، ص ١٣٤ ، ١٣٥.

٧٣

قال : ( كذبوا وألحدوا وشبّهوا ، تعالى الله عن ذلك ، إنّه سميع بصير يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع )(١) .

٣ - جاء في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبداللهعليه‌السلام : أنّه قال له : أتقول : إنّه سميع بصير ؟

فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : ( هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي : إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً ، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً ، فأقول يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض لأنّ الكل لنا [ له ] بعض ، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك كلّه إلاّ أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى )(٢) .

ردّ الإشكالات الواردة على القول بالعينية :

الإشكال الأوّل :

لو قلنا بأنّ صفات الله عين ذاته لما صح ، عندئذ حمل أيّة صفة من الصفات على الذات ؛ لأنّه يشترط في صحة حمل شيء على شيء أن يكون هناك نوع تغاير بينهما ، وإلاّ لكان من قبيل حمل الشيء على نفسه ، وهو باطل(٣) .

يرد عليه :

المقصود من القول بأنّ صفاته تعالى عين ذاته :

أنّها عين الذات من ناحية المصداق ،

لا أنّها عين الذات من ناحية المفهوم ،

بل الصفات مغايرة للذات من ناحية المفهوم.

____________________

١ - الكافي ، الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب آخر وهو من الباب الأوّل ، ح ١ ، ص ١٠٨.

٢ - المصدر السابق ، ح ٢ ، ص ١٠٨ - ١٠٩.

٣ - انظر : المواقف ، عضدالدين الايجي ، شرح : الشريف الجرجاني : ج ٣ ، الموقف الخامس ، المرصد الرابع ، المقصد الأوّل ، ص ٦٩.

٧٤

ولوجود هذه المغايرة في المفهوم يصح حمل الصفات على الذات(١) .

الإشكال الثاني :

لو كان العلم نفس الذات ، والقدرة نفس الذات ، لكان العلم نفس القدرة ، وهذا واضح البطلان(٢) .

يرد عليه(٣) :

المقصود من القول : بأنّ " العلم " نفس الذات ، و " القدرة " نفس الذات هو : أنّ مصداق " العلم " ومصداق " القدرة " في الله تعالى واحد.

وأمّا في صعيد المفهوم :

فلا يخفى بأنّ مفهوم " العلم " مغاير لمفهوم " القدرة " ،

ولا يصح القول بأنّ مفهوم " العلم " نفس مفهوم " القدرة " ،

وانّما يصح القول بأنّ هذين المفهومين يطلقان على مصداق واحد.

وكما بيّنا لا إشكال في إطلاق مفاهيم متعدّدة على مصداق واحد.

بعبارة أخرى :

عندما نقول " العلم " و " القدرة " نفس الذات ، فالمقصود :

إنّ " العلم " و " القدرة " مفهومان يطلقان على مصداق واحد ، وهذا المصداق هو ذات الله تعالى.

وليس المقصود : أنّ مفهوم " العلم " نفس مفهوم " القدرة " ليرد عليه الإشكال المذكور.

____________________

١ - انظر : المصدر السابق.

٢ - انظر : المصدر السابق : ص ٧٠.

٣ - انظر : المصدر السابق.

٧٥

الإشكال الثالث :

لو كان علمه تعالى عين ذاته لصح القول : يا علم الله اغفر لي وارحمني(١) .

يرد عليه :

المقصود من القول بأنّ علمه تعالى عين ذاته : أنّ مصداق " العلم " ومصداق " الذات " واحد.

وليس المقصود : أنّ مفهوم " العلم " ومفهوم " الذات " واحد.

ولهذا لا يصح استعمال مفهوم " العلم " بدل مفهوم " الذات " فيما لو كان المقصود الإشارة إلى مفهوم " الذات " ؛ لأنّ ما يفهم من " العلم " غير ما يفهم من " لفظ الجلالة ".

أضف إلى ذلك :

إنّ " العلم " مصدر ، ولا يصح في اللغة أن ينادى المسمّى بالمصدر ، بل الصحيح أن ينادى المسمّى بالاسم.

ولهذا فالصحيح أن نقول : يا عليم اغفر لي وارحمني.

____________________

١ - الإبانة ، أبو الحسن الأشعري : الباب الثامن ، الفصل الثاني ، ص ١٠٩.

٧٦

الفصل الرابع :صفات اللّه التنزيهيّة

( حسب الحروف الألفبائية )

الاتّحاد الرؤية

الاحتياج الزمان

التركيب الشبيه

الجسمانية الشريك

الجهة الضدّ

الجوهروالعرض الكيفيات المحسوسة

الحدّ اللذة والألم

الحركة والسكون المثيل

الحلول المكان

الحوادث

٧٧

٧٨

(١)

الصفات التنزيهيّة

الاتّحاد

الاتّحاد ، عبارة عن صيرورة الشيئين شيئاً واحداً ، من غير زيادة ولا نقصان(١) .

القائلون بالاتّحاد :

١ - النصارى : قالوا بأنّ الله تعالى اتّحد بالمسيح ، أو قالوا باتّحاد الأقانيم الثلاثة الأب والابن وروح القدس(٢) .

٢ - الصوفية : قالوا بأنّ الله تعالى يتّحد بالعارف ، عندما يصل العارف في سيره وسلوكه إلى مرحلة الفناء في الله تعالى(٣) .

٣ - النصيرية : قالوا بأنّ الله تعالى اتّحد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام (٤) .

أدلة نفي اتّحاده تعالى بالأشياء :

١ - الاتّحاد بنفسه محال ؛ لأنّ الأقسام المتصوّرة بعد فرض اتّحاد شيئين عبارة

____________________

١- - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٩.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثاني ، البحث السادس ، ص ٧٤.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني ، ص ٢٢٣.

٢ - انظر : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثاني ، البحث السادس ، ص ٧٤.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الخامس ، البحث الخامس ، ص ٢٠٥.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، الدليل على نفي الاتّحاد ، ص ٢٣٨.

٣ - انظر : المصدر السابق.

قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، لا يجوز عليه الاتّحاد ، ص ٧٢.

٤ - انظر : الملل والنحل ، محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني : ج ١ ، الباب الأوّل ، الفصل السادس ، النصيرية ، ص ١٨٨.

٧٩

عن :

أوّلاً : بقاء الشيئين موجودين على ما كانا عليه : فلا اتّحاد بينهما ؛ لأنّهما في هذه الحالة اثنان متمايزان لا واحد.

ثانياً : انعدام الشيئين معاً وإيجاد شيء ثالث : فلا اتّحاد بينهما ؛ لأنّ المعدوم لا يتّحد بالمعدوم.

ثالثاً : انعدام أحدهما وبقاء الآخر : فلا اتّحاد بينهما ؛ لأنّ المعدوم لا يتّحد بالموجود(١) .

٢ - الأقسام المتصوّرة للشيء قبل اتّحاد الله تعالى به :

أ : واجب الوجود : فيلزم تعدّد الواجب ، وهو محال.

ب : ممكن الوجود : فالشيء الحاصل بعد الاتّحاد لا يخلو من أمرين :

الأوّل : واجب الوجود: فتكون النتيجة أن يصبح الممكن واجباً.

الثاني : ممكن الوجود : فتكون النتيجة أن يصبح الواجب ممكناً.

وكلاهما باطل ، فيثبت بطلان اتّحاد الباري بغيره(٢) .

____________________

١ - انظر : قواعد العقائد ، نصيرالدين الطوسي : الباب الثاني ، لا يجوز عليه الاتّحاد ، ص ٧١.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثالث ، ص ٦٥.

قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثاني ، البحث السادس ، ص ٧٤.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة (١٤) ، ص ٤٠٧.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الخامس ، البحث الخامس ، ص ٢٠٥.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، الدليل على نفي الاتّحاد ، ص ٢٣٨.

٢ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٩ - ٣٠.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة (١٤) ، ص ٤٠٧.

٨٠