اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)0%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 214

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 214
المشاهدات: 63180
تحميل: 7447

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63180 / تحميل: 7447
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اعلام الهداية

الإمام محمد بن علي الجوادعليه‌السلام

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

١

اسم الكتاب: أعلام الهداية (ج١١) الإمام محمد بن علي الجوادعليه‌السلام .

المؤلف: لجنة التأليف.

الموضوع:كلام وتاريخ.

الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام .

الطبعة الأولى: ١٤٢٢ هـ ق.

الطبعة الثانية: ١٤٢٥ هـ ق.

الطبعة الثالثة: ١٤٢٧ هـ ق.

المطبعة: ليلى.

الكمية: ٥٠٠٠.

isbn: ٩٦٤-٥٦٨٨-٢٧-٢

حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

www.ahl-ul-bayt-org

٢

أهل البيت في القرآن الكريم

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )

الأحزاب: ٣٣ / ٣٣

أهل البيت في الُسنّة النبويّة

(إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً)

(الصحاح والمسانيد)

٣

المقدمة

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً لعباده، لا سيَّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله الميامين النجباء.

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.

وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى.

قال تعالى:

( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) (الأنعام (٦): ٧١).

( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (الأحزاب (٣٣): ٤).

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران (٣): ١٠١).

( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (يونس (١٠): ٣٥).

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (سبأ (٣٤): ٦).

٤

( ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) (القصص (٢٨):٥٠).

فالله تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم.

وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال تعالى: ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) (الذاريات (٥١): ٥٦). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً: ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (الرعد (١٣): ٧).

٥

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (الأنعام (٦): ١٢٤) و( اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (آل عمران (٣): ١٧٩).

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمن أرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و (العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (البقرة (٢): ٢١٣).

٣ ـ تكوين أُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى: ( يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (الجمعة(٦٢): ٢) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب(٣٣): ٢١).

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّى بالعصمة.

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وثباتاً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع

٦

والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

٣ ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.

٤ ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.

ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.

٧

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: (إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .

وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده.

إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ الأئمة المعصومونعليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء.

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلَّاء على الله وعلى مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.

٨

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.

إنّ دراستنا لحركة أهل البيتعليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.

ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام محمّد بن علي الجوادعليه‌السلام تاسع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو المعصوم الحادي عشر من أعلام الهداية والذي تمثلت كل جوانب الشريعة في حياته فكراً وخلقاً وسلوكاً فكان نبراساً ومثلاً أعلى للبشرية بعد سيّد المرسلين وآبائه الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور ، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى .

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير.

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدسة

٩

الباب الأول: وفيه فصول:

الفصل الأول: الإمام محمد الجوادعليه‌السلام في سطور.

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصية الإمام الجوادعليه‌السلام .

الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام الجوادعليه‌السلام .

الفصل الأول: الإمام محمّد الجوادعليه‌السلام في سطور

الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجوادعليه‌السلام هو التاسع من أئمة أهل البيت الذين أوصى إليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأمر من الله سبحانه ـ لتولّي مهام الإمامة والقيادة من بعده، بعد أن نصّ القرآن على عصمتهم وتواترت السنة الشريفة بذلك.

وتجسّدت في شخصية هذا الإمام العظيم ـ كسائر آبائه الكرام ـ جميع المثل العُليا والأخلاق الرفيعة التي تؤهّل صاحبها للإمامة الرسالية والزعامة الربّانية.

وتقلّد الإمامة العامة وهو في السابعة من عمره الشريف وليس في ذلك ما يدعو إلى العجب فقد تقلّد عيسى بن مريمعليه‌السلام النبوّة وهو في المهد.

لقد أثبت التاريخ من خلال هذه الإمامة المبكرة صحة ما تذهب إليه الشيعة الإمامية في الإمامة بأنّه منصب إلهي يهبه الله لمن يشاء ممّن جمع صفات الكمال في كل عصر، فقد تحدّى الإمام الجوادعليه‌السلام ـ على صغر سنّه ـ أكابر علماء عصره وعلاهم بحجته بما أظهره الله على يديه من معارف وعلوم أذعن لها علماء وحكّام عصره.

وقد احتفى بهعليه‌السلام ـ وهو ابن سبع سنين ـ كبار العلماء والفقهاء والرواة وانتهلوا من نمير علمه ورووا عنه الكثير من المسائل العقائدية ـ الفلسفية والكلامية ـ والفقهية والتفسيرية إلى جانب عطائه في سائر مجالات المعرفة البشرية.

وقد سار هذا الإمام العظيم على نهج أبيه من القيام برعاية الشيعة وتربيتهم علمياً وروحيّاً وسياسيّاً بما يجعلهم قادرين على الاستمرار في المسيرة التي خططها لهم أئمتهم المعصومون حيث تنتظرهم الأيّام المقبلة الّتي تتميّز بالانقطاع عن أئمتهم فكان لابدّ لهم أن يقتربوا من حالة الاكتفاء الذاتي في إدارة شؤونهم فكريّاً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

١٠

أجل، لقد استطاع هذا الإمام ـ العظيم بالرغم من قصر عمره الشريف ـ أن يحقق أهدافاً كبرى تصبُّ في الرافد الذي ذكرناه.

ويدل استشهاده ـ وهو في الخامسة والعشرين من عمره ـ على مدى نجاحه في حركته وتخطيطه حيث أربك حضوره في الساحة الاجتماعية الإسلامية الحكّام الطغاة واضطرّهم لاغتياله والقضاء على نشاطه البنّاء.

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصية الإمام الجوادعليه‌السلام

إنّ مواهب الإمام التقي محمّد بن علي الجوادعليه‌السلام قد ملكت عقول كل من عاصره وتطّلع إلى شخصيته العملاقة واطلع على عظمة فكره وكمال علمه. وكل من كان يراه لم يقدر أن يتمالك نفسه أمامه ويخرج من عنده إلاّ والإعجاب والخضوع يتسابق بين يديه.

وهنا نشير إلى بعض ما وصلنا من معالم عظمته وسموّ شخصيته على لسان من عاصره ثم من كتب عنه وأرّخ له.

١ ـ والده الإمام الرضاعليه‌السلام : لقد وصف الإمام الرضاعليه‌السلام ابنه الجواد بما يلي:

أ ـ قال عنه قبل ولادته للحسين بن بشار:(والله لا تمضي الأيّام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل) (١) .

وزاد في نص آخر:(حتى يولد ذكر من صُلبي يقوم مثل مقامي يحيي الحق ويمحي الباطل) (٢) .

ـــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٣٢٠، والإرشاد: ٢/٢٧٧.

(٢) رجال الكشي: ٤٦٣.

١١

ب ـ وقال عنه بعد ولادته:(هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه) (١) .

ج ـ وقال أيضاً:(هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني) (٢) .

د ـ وقال أيضاً لصفوان بن يحيى:(كان أبو جعفر محدَّثاً) (٣) .

٢ ـ علي بن جعفر (عمّ أبيه): (قال محمد بن الحسن بن عمّار: دخل أبو جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يديه وعظّمه. فقال له أبو جعفر:يا عمّ اجلس رحمك الله ، فقال: يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم ؟! فلّما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟! فقال: اسكتوا إذا كان الله عَزَّ وجَلَّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أُنكِرُ فضله؟! نعوذ بالله ممّا تقولون ! بل أنا له عبد)(٤) .

٣ ـ قال الشيخ المفيد: وكان المأمون قد شغف بأبي جعفرعليه‌السلام لِما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجه ابنته أمّ الفضل وحملها معه إلى المدينة، وكان متوفّراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره(٥) .

ـــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٣٢١.

(٢) الكافي: ١ / ٣٢١.

(٣) إثبات الوصية: ٢١٢.

(٤) الكافي: ١ / ٣٢٢.

(٥) الإرشاد: ٢/٢٨١.

١٢

وقال في وصف الإمام أبي جعفرعليه‌السلام حينما أراد تزويجه واعترض عليه العباسيون: (وأما أبو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والأعجوبة فيه بذلك.. ثم قال لهم: وَيْحَكم إني أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله، ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال(١) .

وقال له المأمون أيضاً بعد أوّل لقاء معه بعد وفاة أبيه الرضاعليه‌السلام وبعد أن اختبره ـ والإمام لم يتجاوز العقد الأول من عمره ـ: (أنت ابن الرضا حقاً ومن بيت المصطفى صدقاً وأخذه معه وأحسن إليه وقرّبه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه).

٤ ـ وعزّى أبو العيناء ابن الرضاعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام فقال له: (أنت تجلّ عن وصفنا ونحن نقلّ عن عظتك، وفي علم الله ما كفاك، وفي ثواب الله ما عزّاك)(٢) .

٥ ـ وقال عنه العلاّمة سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفّى سنة (٦٥٤ هـ): (ومحمد، الإمام أبو جعفر الثاني كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود.. وكان يلقّب بالمرتضى والقانع...)(٣) .

٦ ـ وقال عنه الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفّى سنة (٦٥٢ هـ): (وإن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر..

وقال أيضاً: مناقب أبي جعفر محمد الجواد ما اتسعت حلبات مجالها ولا

ـــــــــ

(١) الإرشاد: ٢ / ٢٨٢.

(٢) المناقب: ٤ / ٣٦٢.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

١٣

امتدّت أوقاف آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها فقلّ في الدنيا مقامه وعجّل عليه فيها حمامه فلم تطل لياليه ولا امتدّت أيّامه غير أن الله خصّه بمنقبة أنوارها متألّقة في مطالع التعظيم وأخبارها مرتفعة في معارج التفضيل والتكريم.. ثم ذكر تلك المنقبة التي اعترف بعدها المأمون له بالفضل والسموّ)(١) .

٧ ـ وأدلى علي بن عيسى الأربلي المتوفّى سنة (٦٩٣ هـ) في حقّه وشأنهعليه‌السلام بكلمات أعرب فيها عن عمق إيمانه به وولائه له صلوات الله عليه، فقال: (الجوادعليه‌السلام في كل أحواله جواد، وفيه يصدق قول اللُغوي: جواد من الجودة من أجواد، فاق الناس بطهارة العُنصر، وزكاء الميلاد، وافترع قُلَّة العلاء فما فاز به أحد ولا كاد. مجده عالي المراتب، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب، ومنصبه يشرف على المناصب، إذا آنس الوفد ناراً قالوا: ليتها نارُه، لا نار غالب. له إلى المعالي سُموّ، وإلى الشّرف رواح وغُدُوّ، وفي السيادة إغراق وغُلُوّ، وعلى هام السماك ارتفاع وعُلوّ، ومن كل رذيلة بُعْدٌ، وإلى كل فضيلة دُنُوّ. تتأرّج المكارم من أعطافه، ويقطر المجد من أطرافه، وتُروى اخبار السماح عنه وعن أبنائه وأسلافه، فطوبى لمن سعى في ولائه، والويل لمن رغب في خلافه. إذا اقتُسمتْ غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها، وإذا امتُطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها.

ـــــــــ

(١) راجع مطالب السؤول: ٢٣٩، والفصول المهمة: ٢٥٢.

١٤

يباري الغيث جوداً وعطيةً، ويجاري الليث نجدةً وحميّة، ويبذّ السير سيرةً رضية، مرضية سريّة. إذا عُدِّدَ آباؤه الكرام، وأبناؤهعليهم‌السلام نظَم اللئالي الأفراد في عدِّه، وجاء بجماع المكارم في رسمه وحدِّه، وجَمَع أشتات المعالي فيه، وفي آبائه من قبله، وفي أبنائه من بعده، فمن له أبٌ كأبيه أو جد كجدّه ؟ !. فهو شريكهم في مجدهم، وهم شركاؤه في مجده، وكما ملأوا أيدي العفاة بِرِفْدِهم، ملأ أيديهم بِرِفده... بهم اتَّضحت سُبُل الهُدى، وبهم سُلِمَ من الردى، وبِحُبِّهم تُرجى النجاة والفوز غداً، وهم أهل المعروف، وأولوا النَّدى. كُلُّ المدائح دون استحقاقهم، وكُلُّ مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم وكُلّ صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف وأعراقهم، فالجنة في وصالهم، والنار في فراقهم. وهذه الصفات تصدق على الجمع والواحد، وتثبت للغائب منهم والشاهد، وتتنزَّل على الولد منهم والوالد. حُبُّهم فريضة لازمة، ودولتهم باقية دائمة، وأسواق سُؤدَدِهم قائمة، وثغور محبيهم باسمة، وكفاهم شَرَفاً أن جدّهم محمد، وأبوهم علي، وأُمُّهم فاطمةعليهم‌السلام )(١) .

فمن يجاريهم في الفخر؟! ومن يسابقهم في علوّ القدر؟ وما تركوا غاية إلاّ انتهوا إليها سابقين، ولا مرتبة سؤدد إلاّ ارتفقوها آمنين من اللاحقين، وهذا حقّ اليقين بل عين اليقين.

ـــــــــ

(١) راجع كشف الغُمّة في معرفة الأئمة: الإمام محمّد الجواد عليه‌السلام : ٢/٣٧٠ ـ ٣٧١.

١٥

الناس كلّهم عيال عليهم ومنتسبون انتساب العبودية إليهم. عنهم أُخذت المآثر، ومنهم تعلّمت المفاخر، وبشرفهم شرف الأوّل والآخر. ولو أطلتُ في صفاتهم لم آتِ بطائل، ولو حاولت حصرها نادتني الثريا: مَن يد المتناول؟ وكيف تطيق حصر ما عجز عنه الأواخر والأوائل؟)

٨ ـ وقال الذهبي : (كان محمّد يلقّب بالجواد وبالقانع والمرتضى، وكان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد...)(١) .

٩ ـ وقال عنه ابن الصبّاغ المالكي المتوفّى سنة (٨٥٥ هـ): (وهو الإمام التاسع.. عرف بأبي جعفر الثاني، وإن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا.. للنص عليه والإشارة له بها من أبيه كما أخبر بذلك جماعة من الثقات العدول)(٢) .

١٠ ـ وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي المتوفّى سنة (١١٥٤ هـ): التاسع من الأئمة محمد الجواد... ثم ذكر نسب الإمام وولادته سنة (١٩٥ هـ) ثم قال: وكراماته رضي الله عنه كثيرة ومناقبه شهيرة، ثم ذكر بعض مناقبه وختم حديثه بقوله: وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة(٣) .

١١ ـ وقال عنه يوسف إسماعيل النبهاني: (محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمة ومصابيح الأمة من ساداتنا أهل البيت...)(٤) .

ـــــــــ

(١) تاريخ الإسلام: ٨، والوافي بالوفيات ٤: ١٠٥.

(٢) الفصول المهمة: ٢٥١.

(٣) الإتحاف بحب الأشراف: ١٦٨.

(٤) جامع كرامات الأولياء: ١ / ١٠٠.

١٦

١٢ ـ ووصفه محمود بن وهيب البغدادي بقوله: (هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً وأجلّ إخوته قدراً وكمالاً..)(١) .

١٣ ـ وذكره الفضل بن روزبهان المتوفّى سنة (٩٢٧ هـ) في شرحه للصلوات التي أنشأها لبيان فضل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين فقال ما نصّه: (اللهم وصلّ وسلّم على الإمام التاسع الأوّاب السجّاد، الفائق في الجود على الأجواد، مانح العطايا والأوفاد لعامّة العباد، ماحي الغواية والعناد، قامع أرباب البغي والفساد، صاحب معالم الهداية والإرشاد إلى سبل الرشاد، المقتبس من نور علومه الأفراد من الأبدال والأوتاد أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد بن علي الرّضا ساكن روضة الجنة بأنعم العيش، المقبور عند جدّه بمقابر قريش، اللّهم صلّ على سيّدنا محمد وآل سيّدنا سيّما الإمام السجّاد محمد التقي الجواد)(٢) .

١٤ ـ وقال عنه خير الدين الزركلي: (كان رفيع القدر كأسلافه ذكيّاً طلق الّلسان قويّ البديهة.. وللدبيلي محمد بن وهبان كتاب في سيرته سمّاه: (أخبار أبي جعفر الثاني)(٣) .

هذه بعض النصوص التي أدلى بها معاصرو الإمام الجوادعليه‌السلام ومن جاء بعدهم في القرون اللاحقة وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام وشخصيّته الفذّة التي تحكي شخصيّة آبائه الكرام الذين حملوا مشاعل الهداية وأعلامها بعد خاتم المرسلين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــ

(١) جوهرة الكلام: ١٤٧.

(٢) راجع: شرح الصلوات للفضل بن روزبهان، وقد سمّاه بوسيلة الخادم إلى المخدوم أيضاً.

(٣) الأعلام: ٧ / ١٥٥.

١٧

الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام الجوادعليه‌السلام

لا ريب في أن فضائل الأئمة الإثني عشر المعصومينعليهم‌السلام ـ والإمام الجواد منهم ـ كثيرة لا تحصى، كيف وقد اختارهم الله تعالى للإمامة على علم، وهذا الاختيار يكشف عن اختصاصهم بكمالات ومناقب تفرّدوا بها وامتازوا عن من سواهم وبذلك جعلهم حججه على خلقه وأمناء على وحيه.

ولكن لم يصل إلينا ـ للأسف الشديد ـ من تلك الفضائل والمآثر الخاصة بكل إمام إلاّ الشيء القليل والنزر اليسير، بسبب الظروف القاسية التي مرّ بها أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم المعنيّون بنقل تراثنا الإسلامي المجيد.

إنّ الإرهاب الفكري والتصفية الجسدية التي مارستها السلطات الجائرة ضد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وضد أتباعهم وكل من كان يحاول أن يكشف عن شيء من سيرتهم العطرة، كان كافياً لضياع هذا التراث العظيم والعطاء الكبير.

وسنورد في هذا الفصل إشارات إلى بعض ما ورد في أحوال الإمام الجوادعليه‌السلام ومناقبه ومكارم أخلاقه.

أ ـ تكلّمه في المهد:

ذكر المؤرخون أن الإمام الجوادعليه‌السلام تشهّد الشهادتين لمّا وُلد، وأنه حمد الله تعالى وصلّى على الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الراشدين في يومه الثالث.

فعن حكيمة ابنة موسى بن جعفر الكاظمعليهما‌السلام قالت: (لمّا حملت أم أبي جعفر الجوادعليه‌السلام به كتبتُ إليه [يعني: إلى الإمام الرضاعليه‌السلام ]: (جاريتك سبيكة قد علقت. فكتب إليَّ:(إنها علقت ساعة كذا، من يوم كذا، من شهر كذا، فإذا هي ولدت فألزميها سبعة أيام) . قالت: فلمّا ولدته،

١٨

وسقط إلى الأرض، قال:(أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله) . فلمّا كان اليوم الثالث، عطس، فقال:(الحمد لله، وصلّى الله على محمد وعلى الأئمة الراشدين) (١) .

وأيضاً قالت: (لمّا حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفرعليه‌السلام دعاني الرضاعليه‌السلام ، فقال:يا حكيمة احضري ولادتها، وادخلي وإياها والقابلة بيتاً . ووضع لنا مصباحاً، وأغلق الباب علينا، فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح، وبين يديها طست، فاغتممت بطفئ المصباح. فبينا نحن كذلك، إذ بدر أبو جعفرعليه‌السلام في الطست، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت، فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري، ونزعت عنه ذلك الغشاء، فجاء الرضاعليه‌السلام وفتح الباب، وقد فرغنا من أمره، فأخذه ووضعه في المهد، وقال لي:يا حكيمة الزمي مهده . قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره الى السماء ثم نظر يمينه ويساره، ثم قال:أشهد أن لا إله إلاّ الله، واشهد أن محمداً رسول الله ، فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسنعليه‌السلام فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال:وما ذاك ؟ فأخبرته الخبر، فقال:يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر )(٢) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ١٥١ ـ ١٥٢.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ١٥١ ـ ١٥٢.

١٩

ب ـ إتيانه الحكمَ صبياً:

أصبح الإمام الجوادعليه‌السلام خليفة الله تعالى في خلقه وإماماً لهم وهو لم يزل حديث السن، وذلك ما اقتضته مشيئة الله (جلّ جلاله) مثلما اقتضت ذلك مع عيسى وسليمانعليهما‌السلام . وقد أثارت حداثة سنةعليه‌السلام استغراب بعض الناس وتشكيكهم، الأمر الذي دعا الإمام الجوادعليه‌السلام إلى توضيح الأمر لهم، وهو ما نجده في الروايات الآتية:

١ ـ قال الراوي: قلت له (لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام ): إنهم يقولون في حداثة سنك، فقال:(إن الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عُبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى الله إلى داود عليه‌السلام أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فإذا كان من الغد، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود عليه‌السلام فقالوا: قد رضينا وسلَّمنا) (١) .

٢ ـ قال الراوي: رأيت أبا جعفرعليه‌السلام وقد خرج عليّ فأخذت أنظر إليه وجعلت انظر إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال:(يا عليّ ! إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً ) (٢) ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) (٣) ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) (٤) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن الأربعين سنة) (٥) .

ـــــــــ

(١) أصول الكافي: ١ / ٣١٤.

(٢) مريم (١٩): ١٢.

(٣) القصص (٢٨): ١٤.

(٤) الأحقاف (٤٦): ١٥.

(٥) أصول الكافي: ١ / ٣١٥.

٢٠