اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)36%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 214

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66005 / تحميل: 8239
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فقولك: (إن الله قدير) خبّرت أنه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز سواه.

وكذلك قولك: (عالم) إنما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه، وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع، ولا يزال من لم يزل عالماً .

فقال الرجل: فكيف سمّينا ربنا سميعاً ؟

فقال:لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس وكذلك سمّيناه بصيراً لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار، من لون أو شخص أو غير ذلك، ولم نصفه ببصر لحظة العين وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك، وموضع النشوء منها، والعقل والشهوة للفساد والحدب على نسلها وإقام بعضها على بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والقفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، وإنما الكيفية للمخلوق المكيّف.

وكذلك قويّاً لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصاً كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزاً.

فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ولا ندّ ولا كيف ولا نهاية ولا تبصار بصر، ومحرّم على القلوب أن تمثّله، وعلى الأوهام أن تحدّه، وعلى الضمائر أن تكوّنه، جلّ وعزَّ عن أداة خلقه وسمات بريّته، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً) (١) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٣٥٤ ـ ٣٥٦.

١٤١

مكافحة الغلو:

من الانحرافات الخطيرة التي انتشرت عند البعض الغلو بأهل البيتعليهم‌السلام . وقد وقف الائمة من أهل البيتعليهم‌السلام بالمرصاد للمغالين فيهم فردّوهم وأفحموهم وأمروا أتباعهم بالابتعاد عنهم.

وقد سار الإمام الجوادعليه‌السلام على نهج آبائه في هذه المسألة وكان حذراً من نشأة بذور الغلو، كما يظهر ذلك من خلال ترصّده لبعض الممارسات ومن الأدلة على هذا الأمر، ما ذكره المؤرخون عن الحسين بن محمد الأشعري حيث قال: (حدثني شيخ من أصحابنا يقال له عبد الله بن رزين قال: كنت مجاوراً بالمدينة مدينة الرسول وكان أبو جعفرعليه‌السلام يجيء في كل يوم مع الزوال إلى المسجد فينزل إلى الصخرة ويمرّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسلّم عليه، ويرجع إلى بيت فاطمة ويخلع نعله فيقوم فيصلّي فوسوس إليّ الشيطان، فقال: إذا نزل فاذهب حتى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه فجلست في ذلك اليوم انتظره لأفعل هذا.

فلمّا أن كان في وقت الزوال أقبلعليه‌السلام على حمار له فلم يزل في الموضع الذي كان ينزل فيه فجازه حتى نزل على الصخرة التي كانت على باب المسجد ثم دخل فسلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم رجع إلى مكانه الذي كان يصلّي فيه ففعل ذلك أياماً، فقلت: إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصا الذي يطأ عليه بقدميه.

فلما كان من الغد جاء عند الزوال فنزل على الصخرة ثم دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاء إلى الموضع الذي كان يصلّي فيه ولم يخلعهما ففعل ذلك أياماً فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي ههنا ولكن أذهب إلى باب الحمّام فإذا دخل أخذت من التراب الذي يطأ عليه فسألت عن الحمّام فقيل لي إنه يدخل حمّاماً بالبقيع لرجل من ولد طلحة، فتعرّضت اليوم الذي يدخل فيه الحمّام، وصرت إلى باب الحمّام وجلست إلى الطلحي أحدّثه وأنا انتظر مجيئهعليه‌السلام .

فقال الطلحي: إن أردت دخول الحمام فقم فادخل فإنه لا يتهيأ لك بعد ساعة، قلت: ولم ؟ قال: لأن ابن الرضاعليه‌السلام يريد دخول الحمام، قال: قلت: ومَن ابن الرضا ؟ قال: رجل من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له صلاح وورع، قلت له: ولا يجوز أن يدخل معه الحمام غيره ؟ قال: نخلي له الحمام إذا جاء، قال: فبينا أنا كذلك إذ أقبلعليه‌السلام ومعه غلمان له، وبين يديه غلام، ومعه حصير حتى أدخله المسلخ، فبسطه ووافى وسلّم ودخل الحجرة على حماره، ودخل المسلخ، ونزل على الحصير.

فقلت للطلحي: هذا الذي وصفته بما وصفته من الصلاح والورع ؟

١٤٢

فقال: ياهذا والله ما فعل هذا قط إلا في هذا اليوم، فقلت في نفسي: هذا من عملي أنا جنيته، ثم قلت: انتظره حتى يخرج فلعلّي أنال ما أردت إذا خرج. فلمّا خرج وتلبّس دعا بالحمار وأدخل المسلخ، وركب من فوق الحصير وخرجعليه‌السلام ، فقلت في نفسي: قد والله آذيته ولا أعود أروم ما رمت منه أبداً وصحّ عزمي على ذلك. فلمّا كان وقت الزوال من ذلك اليوم أقبل على حماره حتى نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه في الصحن، فدخل فسلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاء إلى الموضع الذي كان يصلّي فيه في بيت فاطمةعليها‌السلام وخلع نعليه وقام يصلّي)(١) .

ب ـ تعميق البناء العلمي

ومن جملة المجالات التي تحرّك فيها الإمام الجوادعليه‌السلام هو إكماله لبناء الصرح العلمي الذي أشاده الائمةعليهم‌السلام من آبائه الكرام، وفي سياق هذا النشاط نلاحظ إجابته على الاستفسارات العلمية والاستفتاءات الفقهية التي كانت تستجد للطائفة الشيعية والأمة الإسلامية آنذاك.

والأهم من ذلك ملاحظة نشاطه في إكمال الأدوات والمنهج العلمي.

ـــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٥٠ / ٥٩ ـ ٦١.

١٤٣

إكمال الأدوات والمنهج العلمي:

تشكّل القواعد الأصولية جزءً من المنهج العام لفهم الشريعة واستنباط أحكامها. ونوجز منهجهعليه‌السلام فيما يلي:

أ ـ عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلاّ بعد معرفة تفسيرها من الأئمّةعليهم‌السلام .

فقد روي في الكافي عن الإمام الجوادعليه‌السلام أنه قد روى عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّ رجلاً سأل أباه محمّد الباقرعليه‌السلام عن مسائل، فكان ممّا دار بينهما أن قال:(قل لهم: هل كان فيما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم الله (عزّ ذكره) اختلاف ؟ فإن قالوا لا، فقل لهم: فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف، فهل خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فيقولون: نعم، فإن قالوا: لا ; فقد نقضوا أوّل كلامهم ; فقل لهم: ( مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) . فإن قالوا: من ( الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ؟ فقل: من لا يختلف في علمه. فإن قالوا: فمن هو ذاك ؟ فقل: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب ذلك إلى أن قال:وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف في علمه أحداً فقد ضيّع من في أصلاب الرّجال ممّن يكون بعده .

قال أيضاً: وما يكفيهم القرآن ؟ قال:بلى، إن وجدوا له مفسّراً .

قال: وما فسّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال:بلى قد فسّره لرجل واحد، وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل، وهو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام )(١) .

ـــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٢٤٥.

١٤٤

وقال عليه‌السلام أيضاً: (والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد ; فمن حكم بما ليس فيه اختلاف، فحكمه من حكم الله عَزَّ وجَلَّ ; ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب، فقد حكم بحكم الطاغوت) (١) .

ب ـ وجوب العمل بأحاديث الأئمّةعليهم‌السلام المنقولة في الكتب المعتمدة.

فقد جاء في الكافي أيضاً عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شنبولة، أنّه قال: (قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام : جعلت فداك، إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام وكانت التقيّة شديدة، فكتموا كتبهم، ولم ترو عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا.

فقال عليه‌السلام : (حدّثوا بها، فإنّها حقّ) (٢) .

ج ـ جواز العمل بقول من أجازه الإمامعليه‌السلام في العمل برأيه.

فقد جاء في رجال الكشّي: عن خيران الخادم أنّه قال: (وجّهت إلى سيّدي(٣) ثمانية دراهم ـ في حديث ـ وقال: قلت: جعلت فداك، إنّه ربّما أتاني الرجل لك قبله الحقّ، أو يعرف موضع الحقّ لك، فيسألني عمّا يعمل به، فيكون مذهبي أخذ ما يتبرّع في سرّ ؟ قال:اعمل في ذلك برأيك، فإنّ رأيك رأيي، ومن أطاعك فقد أطاعني )(٤) .

د ـ عدم جواز الإفتاء من دون علم

فقد مرّ أنه حينما توفي الإمام الرضاعليه‌السلام كان عُمر أبي جعفرعليه‌السلام حينذاك سبع سنين، فاختلفت كلمة الشيعة حوله ببغداد والأمصار فاجتمع وجهاء الشيعة

ـــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٢٤٨.

(٢) أصول الكافي: ١ / ٥٣ ح ١٥، عنه الوسائل: ١٨ / ٥٨ / ٢٧.

(٣) المراد بسيّده هنا إمّا الإمام الرضا، أو الإمام الجواد، أو الإمام الهاديعليهم‌السلام لأنّه خدمهم ثلاثتهمعليهم‌السلام ، والمرسل إليه يحتمل الثلاثة.

(٤) رجال الكشي: ٦١٠ ح ١١٣٤، وزاد فيه: قال أبو عمرو: هذا يدل على أنّه كان وكيله، ولخيران هذا مسائل يرويها عنه، وعن أبي الحسنعليهما‌السلام ، عنه في الوسائل: ١٢ / ٢١٦ / ح ٦.

١٤٥

وفقهاؤهم في الموسم ليشاهدوا أبا جعفرعليه‌السلام فوجدوا في دار جعفر الصادقعليه‌السلام عبد الله بن موسى قد جلس في صدر المجلس وكان يُسأل فيجيب بأجوبة دعتهم إلى الحيرة فاضطربوا وهمّوا بالانصراف، وإذا بموفّق الخادم يدخل عليهم مع أبي جعفرعليه‌السلام فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه ثم جلس وبدأوا بالسؤال فكان يجيب على أسئلتهم بالحق. ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه وقالوا له: إن عمّك عبد الله أفتى بكيت وكيت فقالعليه‌السلام :لا إله إلاّ الله ! ياعمّ ! إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك ؟! )(١)

الإجابة على الاستفتاءات الفقهيّة والاستفسارات العلمية:

لقد أسهمت إجابات الإمام الجوادعليه‌السلام على الاستفتاءات الفقهية وغيرها من الاستفسارات العلمية في البناء العلمي للجماعة الصالحة ولك أن تلاحظها في النصوص التالية:

وقت صلاة الفجر: عن الحصين بن أبي الحصين، قال: (كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام : جعلت فداك، اختلف مواليك في صلاة الفجر، فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء، ومنهم مَن يصلي إذا اعترض في أسفل الأرض واستبان، ولست أعرف أفضل الوقتين فأُصلي فيه. فإن رأيت يامولاي ـ جعلني الله فداك ـ أن تعلّمني أفضل الوقتين، وتحدّ لي كيف أصنع مع القمر والفجر لأتبين معه حتى يحمرّ ويصبح ؟ وكيف أصنع مع الغيم ؟ وما حدّ ذلك في السفر والحضر ؟ فعلت إن شاء الله.

ـــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٥٠ / ٩٩.

١٤٦

فكتب بخطّهعليه‌السلام :(الفجر ـ يرحمك الله ـ الخيط الأبيض، وليس هو الأبيض صعداً، ولا تصلّ في سفر، ولا في حضر حتى تتبيّنه ـ رحمك الله ـ، فإن الله لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال تعالى: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (١) فالخيط الأبيض هو الفجر الذي يحرم به الأكل والشرب في الصيام، وكذلك هو الذي يوجب الصلاة) (٢) .

البسملة في الصلاة: عن يحيى بن أبي عمران الهمداني، قال: (كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام : جعلت فداك، ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب، فلمّا صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها ؟ فقال العباسي(٣) : ليس بذلك بأس. فكتب بخط يده:(يعيدها مرتين على رغم انفه) يعني العباسي(٤) .

الإكراه في الزواج: جاء في رواية علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري، قال: (كتب بعض بني عمي إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : ما تقول في صبيّة زوّجها عمّها، فلمّا كبرت أبت التزويج ؟ فكتب بخطهعليه‌السلام :(لا تكره على ذلك، والأمر أمرها) (٥) .

ـــــــــ

(١) البقرة (٢): ١٨٧.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٣٨٢ ـ ٣٨٢.

(٣) هو هشام بن إبراهيم العباسي وكان يعارض الرضا والجوادعليهما‌السلام .

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٥) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٤٧٥.

١٤٧

حكم الوقف: عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، قال: (كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام اسأله عن أرض أوقفها جدّي على المحتاجين من ولد فلان بن فلان وهم كثير، متفرقون في البلاد ؟

فأجابعليه‌السلام :(ذكرت الأرض التي أوقفها جدك على فقراء ولد فلان بن فلان وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف، وليس لك أن تتبع من كان غائباً) (١) .

شهادة الزوج وغير الزوج: عن محمد بن سليمان أنه قال: قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام : (كيف صار الزوج إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله ؟ وكيف لا يجوز ذلك لغيره وصار إذا قذفها غير الزوج جلد الحدّ، ولو كان ولداً أو أخاً ؟

فقال: (قد سئل أبو جعفرعليه‌السلام عن هذا، فقال: ألا ترى أنه إذا قذف الزوج امرأته، قيل له: وكيف علمت أنها فاعلة ؟ فإن قال: رأيت ذلك منها بعيني، كانت شهادته أربع شهادات بالله، وذلك أنه قد يجوز للرجل أن يدخل المدخل في الخلوة التي لا تصلح لغيره إن يدخلها ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل والنهار، فلذلك صارت شهادته أربع شهادات بالله إذا قال: رأيت ذلك بعيني.

وإذا قال: إني لم أعاين، صار قاذقاً في حدّ غيره، وضرب الحدّ إلاّ أن يقيم عليها البيّنة، وإن زعم غير الزوج إذا قذف وادّعى أنه رآه بعينه قيل له: وكيف رأيت ذلك ؟ وما أدخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك ؟ أنت متّهم في دعواك، وإن كنت صادقاً فأنت في حدّ التهمة، فلا بدّ من أدبك بالحدّ الذي أوجبه الله عليك).

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٤٦٦.

١٤٨

قال:(وإنما صارت شهادة الزوج أربع شهادات بالله لمكان الأربعة شهداء مكان كل شاهد يمين) (١) .

إنّ ما ذكر من الأمثلة السابقة نماذج لبعض توجهات الإمام الجوادعليه‌السلام وهو تفقيهه لشيعته ومواليه عن طريق مراسلتهم إياه أو سؤاله بصورة مباشرة.

ج ـ تعميق البناء التربوي

من المفردات الأساسية التي اهتم بها الإمام الجوادعليه‌السلام هو مسألة بناء الخلق الإسلامي عند الفرد والمجتمع.

وقد كان الإمامعليه‌السلام وفي سياق تربية الأمة ينقل لهم أحاديث أجداده خصوصاً أمير المؤمنينعليه‌السلام لما تحتويه من توجيهات تربوية عميقة ومؤثرة وفي هذا المجال سنعتبر كلمات الإمام الجوادعليه‌السلام وما نقله عن أجداده الائمةعليهم‌السلام وطرحه للأمة مادة لفهم توجهاته التربوية.

الحكمة في العمل:

أراد الإمام الجوادعليه‌السلام ان يعلم شيعته ضرورة اعتماد الحكمة في العمل ومراعاة عامل الزمن في اتضاح الأشياء فللأمور دورات زمنية ينبغي أن تمرّ بها حتى تكتمل، وعدم الالتفات إلى هذا الجانب يفسد العمل ويجهضه قبل استوائه.

قال عليه‌السلام : (إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له) (٢) .

كما أن للمحن دورات لا يستطيع المرء أن يتخلص منها قبل انتهاء دورتها الزمنية وهذا الأمر أشبه شيئاً بالدورات المرضية التي لا يمكن تقليل مدتها، وهذا التوجه لا يعني عدم استعمال الوسيلة لإزالة المحن بل العمل مطلوب وهو يسهم

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٤٨٤ ـ ٤٨٥.

(٢) تحف العقول: ٤٥٧.

١٤٩

بتقليل مدة المحنة وبالتالي إزالتها وإلى هذا المعنى أشار الإمام الجوادعليه‌السلام عندما نقل حديثاً عن جده أمير المؤمنينعليه‌السلام :(قال لقيس بن سعد، وقد قدم عليه من مصر: (ياقيس إن للمحن غايات لا بد أن ينتهي إليها، فيجب على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها، فإنّ مكايدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها) (١) .

كما أنهعليه‌السلام نقل عن جده أمير المؤمنينعليه‌السلام العناصر المساعدة على اكتمال الأعمال فقال:(أربع خصال تعين المرء على العمل: الصحة والغنى والعلم والتوفيق) (٢) .

التعامل مع الظالمين:

ركّز الإمام الجوادعليه‌السلام على ضرورة ابتعاد المسلم عن مجاراة الظالمين والركون إليهم، ودعا إلى رفضهم والابتعاد عنهم.

فقد روىعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله:(العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء) (٣) .

وكذلك ما رواه عنهعليه‌السلام :(من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه) (٤) .

كما أنهعليه‌السلام شدّد على عدم طاعة المنحرفين والاستماع إليهم واعتبر ذلك كالطاعة والاستماع للشيطان. قالعليه‌السلام :(من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس) (٥) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٦.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٦.

(٣) مستدرك عوالم العلوم:: ٢٣ / ٢٧٨.

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٨٠.

(٥) تحف العقول: ٤٥٦.

١٥٠

وبلحاظ الرفض الشديد للظالمين والتنديد بهم كان للإمام الجوادعليه‌السلام تفسير مهم لمعنى التديّن يتضح من قولهعليه‌السلام :(أوحى الله إلى بعض الأنبياء: أما زهدك في الدنيا فتعجّلك الراحة، وأما انقطاعك إليّ فيعزِّزك بي، ولكن هل عاديتَ لي عدوّاً وواليت لي ولياً) (١) فالدين حسب هذه الرواية، يتحقق بموالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله، وعدم مهادنتهم ومسالمتهم ولإذكاء هذه الروح عند الأمة كان ينقل حديث جده أمير المؤمنينعليه‌السلام عندما قال لأبي ذر:(إنما غضبت لله عزَّ وجلَّ فارج من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، والله لو كانت السماوات والأرضون رتقاً على عبد، ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجاً، لا يؤنسنّك إلاّ الحق، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل) (٢) .

النشاط الاجتماعي:

إن حركة الإنسان في المجتمع تشتدّ بمقدار تجذّره وتأثيره في ذلك المجتمع، لذلك توجّه الإمام الجوادعليه‌السلام إلى توضيح المفاهيم المتصلة بالنشاط الإسلامي للطليعة المؤمنة، وفيما يأتي نذكر بعضاً من هذه المفاهيم:

١ ـ كلما ترسخ مركز الإنسان في المجتمع ازداد توجه الناس إليه وطلبهم منه في قضاء حوائجهم وحل مشاكلهم. روى الإمام الجوادعليه‌السلام عن أجداده عن الإمام عليعليه‌السلام :(ما عظمت نعمة الله على عبد إلاّ عظمت عليه مؤونة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرّض النعمة للزوال) (٣) .

٢ ـ بقاء نعمة الإنسان واستمرار موقعه في الأمة مقترن بدرجة إحسانه إليها وخدمته لها، فقد روى الإمامعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :(إن لله عباداً يخصهم

ـــــــــ

(١) تحق العقول: ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٥٧.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٦.

١٥١

بالنعم، ويقرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها إلى غيرهم) (١) . وقالعليه‌السلام :(أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه، لأن لهم أجره وفخره وذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبنّ شكر ما صنع إلى نفسه من غيره) (٢) .

٣ ـ ضرورة مجازاة المحسن بالشكر، يقولعليه‌السلام راوياً عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :(كفر النعمة داعية المقت ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك) (٣) .

٤ ـ كما أن الإمامعليه‌السلام بيّن طرق تحسين العلاقة بين الناس وأصول التعامل بين الأصدقاء فقد روى عن جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام :(ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الإنصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدّة، والانطواع والرجوع إلى قلب سليم) (٤) .

وقالعليه‌السلام :(لا يفسدك الظنّ على صديق وقد أصلحك اليقين له، ومن وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظ علانية فقد شانه. استصلاح الأخيار بإكرامهم، والأشرار بتأديبهم، والمودّة قرابة مستفادة، وكفى بالأجل حرزاً، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة، فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه، وما أنعم الله عزَّ وجلَّ على عبد نعمة فعلم أنها من الله إلاّ كتب الله جلّ اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب ذنباً فعلم أن الله مطّلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إلاَّ غفر الله له قبل أن يستغفره) (٥) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٦.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣/٢٧٦.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٨٠.

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٩.

(٥) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٨٠.

١٥٢

٥ ـ كما شدّدعليه‌السلام على ضرورة اختيار القرين الصالح لما يورثه من اثر على المرء، فقد روىعليه‌السلام :(فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته، والناس إخوان، فمن كانت إخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة، وذلك قوله تعالى: ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) (١) ) (٢) .

فإذا حصل المرء على الأخ المخلص في الله فانه فاز بشيء عظيم وينبغي له مشاورته واستنصاحه. روى الإمام الجوادعليه‌السلام عن عليعليه‌السلام قال:(بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن، فقال لي وهو يوصيني: (ياعلي، ما حار من استخار، ولا ندم من استشار) ، وقالعليه‌السلام :(من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة) (٣) .

وصايا للعاملين:

كان الإمام الجوادعليه‌السلام يزرع روح الأمل والصبر في قلوب المؤمنين ليسلّحهم بالسلاح الفاعل عند مقارعتهم للظلم والطغيان وتحركهم ضده.

لقد أشار إلى يوم يعاقب فيه الظالم عندما ينتصر العدل فينتقم للمظلومين من جوره اشد الانتقام. إن حمل المستضعفين لهذا المفهوم ومعايشتهم إياه يصنع منهم قوة لا تلين وثورة لا تقاوم. روى الإمام الجوادعليه‌السلام :(يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم) (٤) .

ولقد روىعليه‌السلام :(أن صبر المؤمن على البلاء من أشد الأسلحة ضد الظالمين) ، وقالعليه‌السلام :(الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها) (٥) .

كما أنهعليه‌السلام روى عن جده أمير المؤمنينعليه‌السلام المنهاج الذي ينبغي أن يلتزم به المؤمنون ليبلغوا غاياتهم السامية.

ـــــــــ

(١) الزخرف (٤٣): ٦٧.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٩.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٥.

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٨.

(٥) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣/٢٧٨.

١٥٣

عنهعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال:(من وثق بالله أراه السرور، ومن توكل عليه كفاه الأمور، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا مؤمن أمين، والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو، والدين عزّ، والعلم كنز، والصمت نور، وغاية الزهد الورع، ولا هدم للدين مثل البدع، ولا أفسد للرجال من الطمع، وبالراعي تصلح الرعية، وبالدعاء تصرف البليّة، ومن ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر، ومن عاب عيب، ومن شتم أجيب، ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى) (١) .

الحث على اكتساب العلم:

حثّ الإمام الجوادعليه‌السلام على طلب العلم وبيّن فضل العلماء من خلال أحاديثه ورواياته عن جده أمير المؤمنينعليه‌السلام وفيما يأتي نماذج من هذه الأحاديث:

قالعليه‌السلام :(عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، والبحث عنه نافلة، وهو صلة بين الإخوان، ودليل على المروّة، وتحفة في المجالس، وصاحب في السفر، واُنس في الغربة) (٢) .

وقالعليه‌السلام :(العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع، ومن عرف الحكمة لم يصبر على الازدياد منها، الجمال في اللسان، والكمال في العقل) (٣) .

وعنهعليه‌السلام عن علي، قال:(في كتاب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : أن ابن آدم

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٦.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٧.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٧.

١٥٤

أشبه شيء بالمعيار، إما راجح بعلم ـ وقال مرة : بعقل ـ أو ناقص بجهل) (١) .

وقالعليه‌السلام :(اقصد العلماء للمحجّة الممسك عند الشبهة، والجدل يورث الرياء، ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل، والطامع في وثاق الذلّ، ومن أحب البقاء فليعدّ للبلاء قلباً صبوراً) (٢) .

كما أنه كان يتألّم لكثرة الجهلاء وابتلاء العلماء بهم وكان يعتبر سبب الاختلاف هو ما يطرحه الجهلاء نتيجة جهلهم، فقد روى عن جده أمير المؤمنينعليه‌السلام :(العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم) (٣) .

وقالعليه‌السلام :(لو سكت الجاهل ما اختلف الناس) (٤) .

الحث على التوبة:

دعا الإمام إلى كيفية التوبة إلى الله تعالى وبيّن طريقها، فقد روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :(التوبة على أربعة دعائم: ندم القلب، واستغفار باللسان، وعمل بالجوارح، وعزم على أن لا يعود) .(وثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة) (٥) .

كما أنهعليه‌السلام أشار إلى فوريّتها وحذّر من التسويف بها بقوله:(تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمنٌ

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٥.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٨.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٨.

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٩.

(٥) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٧٩.

١٥٥

لمكر الله و ( لَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (١) ) (٢) .

٣ ـ إحكام تنظيم الجماعة الصالحة وإعدادها لدور الغيبة

أ ـ نظام الوكلاء ودقة التحرّك:

إنّ بناء الجماعة الصالحة وتنظيم شؤونها وتحرّك الائمةعليهم‌السلام من خلالها كان هدفاً أساسيّاً لأهل البيتعليهم‌السلام وقد قاموا بإشادة صرحه منذ عصر الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام واستمروا بإكمال البناء وتعميق الطرح وتوسيع دائرة العمل حتى عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وابنه الإمام المهدي عجل الله فرجه.

لقد كانت رقابة السلطة الحاكمة على تحرّكات أهل البيتعليهم‌السلام تزيد في ضرورة إكمال الطرح والبناء. وكان لأصحاب الأئمةعليهم‌السلام وتلامذتهم وثقاتهم دور رساليّ في تحقيق بعض أهداف الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وكان لاتّساع دائرة أفراد الجماعة الصالحة وتعدد مراكز النشاط والحضور في مختلف حواضر العالم الإسلامي أثر كبير في إيجاد وتوسيع دائرة نظام الوكلاء الذي كان قد أصبح ضرورة من ضرورات عمل الائمةعليهم‌السلام ليساعدهم على سهولة وسرعة التحرّك والارتباط.

كما كان لازدياد الضغط والرقابة عليهم لا سيَّما في عصر الإمام الرضاعليه‌السلام بعد قبوله ولاية العهد ثم الإمام الجوادعليه‌السلام أثر بالغ في الاهتمام الكبير بنظام الوكلاء الذي كان يشرف عليه الإمام المعصوم مباشرة، إذا كان الارتباط بالوكلاء بحاجة إلى دقة ومراقبة لحراجة الظرف المحيط بالإمامعليه‌السلام .

إن البحث عن دقة الإمام الجوادعليه‌السلام في التحرك بعد الاعتراف بأنه الإمام المعصوم والقائد الشرعي للأمة المسلمة الذي ورث العلم والخط الصحيح من آبائه الميامين المنتجبينعليهم‌السلام يكون بحثاً مفروغاً منه.

ـــــــــ

(١) الأعراف (٧): ٩٧.

(٢) تحف العقول: ٤٥٦.

١٥٦

وإنّ دراسة حياة الإمام الجوادعليه‌السلام تكشف للدارس بشكل واضح وجليّ مدى الدقة والمتانة في التحرك عند الإمامعليه‌السلام ، فكل مفردة مرتبطة مع نظيرتها ومتجانسة مع ظرفها ومعبرة عن رأي الرسالة في ذلك الموضوع.

وعند الحديث عن أساليب العمل عند الإمامعليه‌السلام يَرد هذا الكلام كذلك، وسنذكر لتوضيح هذه القضية نماذج لتبيان المقصد.

ومن أصول التحرّك عند الإمامعليه‌السلام تجاه قواعده الشعبية يمكن ذكر ما يلي:

ب ـ المراسلات السرّيّة:

لا شك في أن الاتصالات كانت جارية بين الإمام وأتباعه إلاّ أن بعضها كان سريّاً وذلك خشية تفشّي أسماء مرسليها إلى الإمام خصوصاً وأن الإمام كان مرصوداً من الداخل عن طريق زوجته.

هذا إلى جانب أن نمطاً معيناً من الرسائل كان يصل الإمام دون ذكر أسماء مرسليها عليها، ولكن الإمامعليه‌السلام كان يستطيع معرفة المرسلين لهذه الرسائل بطريقته الخاصة، ولا نستبعد أن ذلك كان يتم عن طريق وجود رمز معين في هذه الرسائل، هذا إذا لم نحاول تفسير ذلك بعلم الإمام المعصوم بالغيب، باعتبار أنه:إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك (١) .

قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري: (دخلت على أبي جعفر

ـــــــــ

(١) راجع أصول الكافي: ١ / ٢٠١.

١٥٧

الثانيعليه‌السلام ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت لذلك، فتناول إحداهن وقال:هذه رقعة ريّان بن شبيب ثم تناول الثانية فقال:هذه رقعة محمد بن حمزة وتناول الثالثة وقال:هذه رقعة فلان فبهت فنظر إليَّ وتبسّمعليه‌السلام )(١) .

وقد أحصيت مكاتبات الإمام الجوادعليه‌السلام ـ بحسب ما جاء في موسوعة الإمام الجوادعليه‌السلام ـ فبلغت اثنين وسبعين مكاتبة(٢) .

ج ـ الإحاطة بدقائق الأمور الاجتماعية:

لم يكن الإمامعليه‌السلام بمنأى وبمعزل عن مجتمعه، بل كان حاضراً دائماً بين الناس يعيش احتياجاتهم وتطلّعاتهم.

وهناك أمثلة كثيرة تعكس مثل هذا التوجه عند الأئمةعليهم‌السلام .

والإمام الجوادعليه‌السلام ينطبق عليه ما ينطبق على أجداده ومن ذلك هذا المثال:

جاء في تكملة الرواية السابقة أن داود بن القاسم الجعفري قال: وأعطاني أبو جعفر ثلاثمائة دينار في صرّة وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه وقال:(أما أنه سيقول لك دلّني على حرّيف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه) . قال: فأتيته بالدنانير فقال لي:(يا أبا هاشم دلّني على حرّيف يشتري لي بها متاعاً) ، ففعلت(٣) .

يتضح من هذا المثال أنّ الإمامعليه‌السلام كان يتتبع الاحتياجات ويسعى إلى سدّها.

ـــــــــ

(١) إعلام الورى بأعلام الهدى: ٢ / ٩٨.

(٢) راجع موسوعة الإمام الجوادعليه‌السلام : ٢/٤١٣ ـ ٥١٥.

(٣) إعلام الورى بأعلام الهدى: ٢ / ٩٨.

١٥٨

د ـ متابعة تربية الأفراد:

ومن الأمور التي تصدّى لها الإمام الجوادعليه‌السلام اهتمامه بتربية أتباعه وشيعته ومتابعته لتربيتهم، ومن الأمثلة على ذلك موقفه من الشاعر المعروف دعبل الخزاعي. فعن دعبل بن علي: (أنه دخل على الرضاعليه‌السلام فأمر له بشيء فأخذه ولم يحمد الله، فقال له:لِمَ لَمْ تحمد الله ؟ قال: ثم دخلت على أبي جعفر فأمر له بشيء فقلت: الحمد لله. فقال:تأدّبت )(١) .

إنّ هذا المثال يكشف عن تتبّع الإمامعليه‌السلام لسلوك أتباعه واهتمامه بتكاملهم الثقافي والروحي.

٤ ـ التمهيد لإمامة علي الهاديعليه‌السلام المبكرة

من المهام التي اشترك فيها الائمةعليهم‌السلام دعوتهم إلى الإمام الآتي بعدهم. وقد سار الإمام الجوادعليه‌السلام على منهج آبائه في قضية الدعوة إلى الإمام القادم بعده وترسيخ ذلك عند الطليعة المؤمنة من الأمة، وفيما يأتي أمثلة على هذا الأمر عند الإمامعليه‌السلام :

أ ـ عن الخيراني عن أبيه أنه قال: كنت ألزم باب أبي جعفرعليه‌السلام للخدمة التي وُكّلت بها، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري يجيء في السحر من آخر كل ليلة ليتعرف خبر علّة أبي جعفرعليه‌السلام ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد وخلا به.

ـــــــــ

(١) كشف الغمة: ٢ / ٣٦٣.

١٥٩

قال الخيراني: فخرج ذات ليلة وقام أحمد بن محمد بن عيسى عن المجلس، وخلا بي الرسول، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول: إن مولاك يقرأ عليك السلام، ويقول لك:(إني ماض، والأمر صائر إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي) . ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه، فقال لي: ما الذي قال لك ؟ قلتُ: خيراً، قد سمعتُ ما قال، وأعادَ عليّ ما سمع، فقلتُ له: قد حرّم الله عليك ما فعلتَ، لأن الله تعالى يقول:( وَلَا تَجَسَّسُوا ) (١) ، فإذا سمعت فاحفظ الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما، وإياك أن تظهرها إلى وقتها.

قال: وأصبحت وكتبتُ نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمتها ودفعتها إلى عشرة من وجوه أصحابنا، وقلتُ: إن حدث بي حدثُ الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

فلمّا مضى أبو جعفرعليه‌السلام لم أخرج من منزلي حتى عرفتُ أن رؤساء العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج(٢) يتفاوضون في الأمر. وكتب إليَّ محمد بن الفرج يُعلِمُني باجتماعهم عنده ويقول: لولا مخافةُ الشهرة لصرتُ معهم إليك، فأحب أنْ تركب إلي. فركبتُ وصرتُ إليه، فوجدتُ القومَ مجتمعين عنده، فتجارينا في الباب، فوجدت أكثرهم قد شكّوا، فقلتُ لمن عنده الرقاع ـ وهم حضور ـ: أخرجوا تلك الرقاع، فأخرجوها، فقلت لهم: هذا ما أمرت به.

فقال بعضهم: قد كنّا نحبّ أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكّد القول.

فقلتُ لهم: قد أتاكم الله بما تحبّون، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي

ـــــــــ

(١) الحجرات (٤٩): ١٢.

(٢) هو محمد بن الفرج الرُخّجي، من أصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من بين المسلمين علماء في كافة التخصصات للرجوع إليهم.

وينبغي التنويه هنا إلى ضرورة الرجوع إلى المتخصص الثابت علمه وتمكنه في اختصاصه، بالإضافة إلى توفر عنصر الإخلاص في عمله فهل يصح أن نراجع طبيبا متخصصا ـ على سبيل المثال ـ غير مخلص في علمه؟!

ولهذا وضع شرط العدالة في مسائل التقليد إلى جانب الاجتهاد والأعلمية ، أي لا بدّ لمرجع التقليد من أن يكون تقيا ورعا بالإضافة إلى علميته في المسائل الإسلامية.

* * *

٢٠١

الآيات

( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) )

التّفسير

لكلّ ذنب عقابه :

ثمّة ربط في كثير من بحوث القرآن بين الوسائل الاستدلالية والمسائل الوجدانية بشكل مؤثر في نفوس السامعين ، والآيات أعلاه نموذج لهذا الأسلوب.

فالآيات السابقة عبارة عن بحث منطقي مع المشركين في شأن النّبوة والمعاد ، في حين جاءت هذه الآيات بالتهديد للجبابرة والطغاة والمذنبين.

فتبتدأ القول :( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) من الذين حاكوا الدسائس المتعددة حسبا منهم لإطفاء نور الحق والإيمان( أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ) .

فهل ببعيد (بعد فعلتهم النكراء) أن تتزلزل الأرض زلزلة شديدة فتنشق القشرة الأرضية لتبتلعهم وما يملكون ، كما حصل مرارا لأقوام سابقة؟!

٢٠٢

«مكروا السيئات» : بمعنى وضعوا الدسائس والخطط وصولا لأهدافهم المشؤمة السيئة ، كما فعل المشركون للنيل من نور القرآن ومحاولة قتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما مارسوه من إيذاء وتعذيب للمؤمنين المخلصين.

«يخسف» : من مادة «خسف» ، بمعنى الاختفاء ، ولهذا يطلق على اختفاء نور القمر في ظل الأرض اسم (الخسوف) ، يقال (بئر مخسوف) للذي اختفى ماؤه ، وعلى هذا يسمّى اختفاء الناس والبيوت في شق الأرض الناتج من الزلزلة خسفا.

ثمّ يضيف :( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) أي عند ذهابهم ومجيئهم وحركتهم في اكتساب الأموال وجمع الثروات.( فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

وكما قلنا سابقا ، فإنّ «معجزين» من الإعجاز بمعنى ازالة قدرة الطرف الآخر ، وهي هنا بمعنى الفرار من العذاب ومقاومته.

أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقرونا بالأنذار المتكرر :( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) .

فاليوم مثلا ، يصاب جارهم ببلاء ، وغدا يصاب أحد أقربائهم ، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم والخلاصة ، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الأخرى ، فإن استيقظوا فما أحسن ذلك ، وإلّا فسيصيبهم العقاب الإلهي ويهلكهم.

إنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة ، واللهعزوجل لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) .

ومن الملفت للنظر في الآيات مورد البحث ، ذكرها لأربعة أنواع من العذاب الإلهي :

الأوّل : الخسف.

الثّاني : العقاب المفاجئ الذي يأتي الإنسان على حين غرة من أمره.

الثّالث : العذاب الذي يأتي الإنسان وهو غارق في جمع الأموال وتقلبه في

٢٠٣

ذلك.

الرّابع : العذاب والعقاب التدريجي.

والمسلم به أنّ نوع العذاب يتناسب ونوع الذنب المقترف ، وإن وردت جميعها بخصوص( الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) لعلمنا أنّ أفعال الله لا تكون إلّا بحكمة وعدل.

وهنا لم نجد رأيا للمفسّرين ـ في حدود بحثنا ـ حول هذا الموضوع ، ولكن يبدو أنّ النوع الأوّل من العقاب يختص بأولئك المتآمرين الذين هم في صف الجبارين والمستكبرين كقارون الذي خسف الله تعالى به الأرض وجعله عبرة للناس ، مع ما كان يتمتع به من قدرة وثروة.

أمّا النوع الثّاني فيخص المتآمرين الغارقين بملذات معاشهم وأهوائهم ، فيأتيهم العذاب الإلهي بغتة وهم لا يشعرون.

والنوع الثّالث يخص عبدة الدنيا المشغولين في دنياهم ليل نهار ليضيفوا ثروة إلى ثروتهم مهما كانت الوسيلة ، حتى وإن كانت بارتكاب الجرائم والجنايات وصولا لما يطمحون له! فيعذبهم الله تعالى وهم على تلك الحالة(1) .

وأمّا النوع الرّابع من العذاب فيخص الذين لم يصلوا في طغيانهم ومكرهم وذنوبهم إلى حيث اللارجعة ، فيعذبهم الله بالتخويف. أي يحذرهم بإنزال العذاب الأليم في أطرافهم فإن استيقظوا فهو المطلوب ، وإلّا فسينزل العذاب عليهم ويهلكهم.

وعلى هذا ، فإنّ ذكر الرأفة والرحمة الإلهية ترتبط بالنوع الرّابع من الذين مكروا السّيئات ، الذين لم يقطعوا كل علائقهم مع الله ولم يخربوا جميع جسور العودة.

* * *

__________________

(1) مع أنّ «التقلب» لغة ، بمعنى التردد والذهاب والمجيء ، مطلقا ولكن في هكذا موارد ـ كما قال أكثر المفسّرين وتأييد الرّوايات لذلك ـ بمعنى التردد في طريق التجارة وكسب المال ـ فتأمل.

٢٠٤

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) )

التّفسير

سجود الكائنات للهعزوجل :

تعود هذه الآيات مرّة أخرى إلى التوحيد بادئة ب :( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ ) (1) .

أي : ألم يشاهد المشركون كيف تتحرك ظلال مخلوقات الله يمينا وشمالا لتعبر عن خضوعها وسجودها له سبحانه؟!

ويقول البعض : إنّ العرب تطلق على الظلال صباحا اسم (الظل) وعصرا

__________________

(1) داخر : في الأصل من مادة (دخور) أي : التواضع.

٢٠٥

(الفيء) ، وإذا ما نظرنا إلى تسمية (الفيء) لقسم من الأموال والغنائم لوجدنا إشارة لطيفة لحقيقة إنّ أفضل غنائم وأموال الدنيا لا تلبث أن تزول ولا يعدو كونها كالظل عند العصر.

ومع ملاحظة ما اقترن بذكر الظلال في هذه الآية من يمين وشمال ، وإنّ كلمة الفيء استعملت للجميع فيستفاد من ذلك : أن الفيء هنا ذو معنى واسع يشمل كل أنواع الظلال.

فعند ما يقف الإنسان وقت طلوع الشمس متجها نحو الجنوب فإنّه سيرى شروق قرص الشمس من الجهة اليسرى لأفق الشرق ، فتقع ظلال جميع الأشياء المجسمة على يمينه (جهة الغرب) ، ويستمر هذا الأمر حتى تقترب الظلال نحو الجهة اليمنى لحين وقت الظهر، وعندها ستتحول الظلال إلى الجهة المعاكسة (اليسرى) وتستمر في ذلك حتى وقت الغروب فتصبح طويلة وممتدة نحو الشرق ، ثمّ تغيب وتنعدم عند غروب الشمس.

وهنا يعرض الباري سبحانه حركة ظلال الأجسام يمينا وشمالا بعنوانها مظهرا لعظمته جل وعلا واصفا حركتها بالسجود والخضوع.

أثر الظلال في حياتنا :

ممّا لا شك فيه أنّ لظلال الأجسام دور مؤثر في حياتنا ، ولعل الكثير منّا غير ملتفت إلى هذه الحقيقة ، فوضع القرآن الكريم إصبعه على هذه المسألة ليسترعي الانتباه لها.

للظلال (التي هي ليست سوى عدم النّور) فوائد جمّة :

1 ـ كما أنّ لأشعة الشمس دور أساسي في حياتنا ، فكذلك الظلال ، لأنّها تقوم بعملية تعديل شدّة الحرارة لأشعة الشمس.

إنّ الحركة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل ومؤثر ، وبدون

٢٠٦

الظلال فسيحترق كل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة وبدرجة واحدة ولمدّة طويلة.

2 ـ وثمّة موضوع مهم آخر وربّما على خلاف تصور معظم الناس ، ألا وهو :إنّ النّور ليس هو السبب الوحيد في رؤية الأشياء ، بل لا بدّ من اقتران الظل بالنّور لتحقيق الرؤية بشكل طبيعي.

وبعبارة أخرى : إنّ النّور لو كان يحيط بجسم ما ويشع عليه باستمرار بما لا يكون هناك مجالا للظل أو نصف الظل ، فإنّه والحال هذه لا يمكن رؤية ذلك الجسم وهو غارق بالنّور

أي : كما أنّه لا يمكن رؤية الأشياء في الظلمة القائمة ، فكذا الحال بالنسبة للنور التام ، ويمكن رؤية الأشياء بوجود النّور والظلمة (النّور والظلال).

وعلى هذا يكون للظلال دور مؤثر جدّا في مشاهدة وتشخيص ومعرفة الأشياء وتمييزها ـ فتأمل.

وثمّة ملاحظة أخرى في الآية : وهي : ورود «اليمين» بصيغة المفرد في حين جاءت الشمال بصيغة الجمع «شمائل».

فالاختلاف في التعبير يمكن أن يكون لوقوع الظل في الصباح على يمين الذي يقف مواجها للجنوب ثمّ يتحرك باستمرار نحو الشمال حتى وقت الغروب حين يختفي في أفق الشرق(1) .

واحتمل المفسّرون أيضا : مع أن كلمة (اليمين) مفردا إلّا أنّه يمكن أن يراد بها الجمع في بعض الحالات ، وهي في هذه الآية تدل على الجمع(2) .

وجاء في الآية أعلاه ذكر سجود الظلال بمفهومه الواسع ، أما في الآية التالية فقد جاء ذكر السجود بعنوانه برنامجا عاما شاملا لكل الموجودات المادية وغير

__________________

(1) تفسير القرطبي ، ضمن تفسير الآية.

(2) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج 7 ، ص 110.

٢٠٧

المادية ، وفي أي مكان ، فيقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ، مسلمين لله ولأوامره تسليما كاملا.

وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة ، وما نؤديه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلّا مصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.

وبما أنّ جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلمة للقوانين العامّة لعالم الوجود، التي أفاضتها الإرادة الإلهية فإنّ جميع المخلوقات في حالة سجود له جلّ وعلا ، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن مسير هذه القوانين ، وكلها مظهرة لعظمة وعلم وقدرة الباريعزوجل ، ولتدلل على أنّها آية على غناه وجلاله والخلاصة : كلها دليل على ذاته المقدسة.

«الدابة» : بمعنى الموجودات الحية ، ويستفاد من ذكر الآية لسجود الكائنات الحية في السماوات والأرض على وجود كائنات حية في الأجرام السماوية المختلفة علاوة على ما موجود على الأرض.

وقد احتمل البعض : عبارة «من دابة» قيد لـ «ما في الأرض» فقط ، أي : إنّ الحديث يختص بالكائنات الحية الموجودة على الأرض.

ويبدو ذلك بعيدا بناء على ما جاء في الآية (29) من سورة الشورى( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

صحيح أنّ السجود والخضوع التكويني لا ينحصر بالكائنات الحية ، ولكنّ تخصيص الإشارة بها لما تحمله من أسرار وعظمة الخلق أكثر من غيرها.

وبما أنّ مفهوم الآية يشمل كلا من : الإنسان العاقل المؤمن ، والملائكة ، والحيوانات الأخرى ، فقد استعمل لفظ السجود بمعناه العام الذي يشمل السجود الاختياري والتشريعي وكذا التكويني الاضطراري.

أمّا الإشارة إلى الملائكة بشكل منفصل في الآية فلأنّ الدابة تطلق على الكائنات الحيّة ذات الجسم المادي فقط ، بينما للملائكة حركة وحضور وغياب ،

٢٠٨

ولكن ليس بالمعنى المادي الجسماني كي تدخل ضمن مفهوم «الدابة».

وروي في حديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ لله تعالى ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله تعالى ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صارت ملكا ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حق عبادتك»(1) .

أمّا جملة( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) فإشارة لحال وشأن الملائكة التي لا يداخلها أيّ استكبار عند سجودها وخضوعها للهعزوجل .

ولهذا ذكر صفتين للملائكة بعد تلك الآية مباشرة وتأكيدا لنفي حالة الاستكبار عنهم :( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

كما جاء في الآية (6) من سورة التحريم في وصف جمع من الملائكة :( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

ويستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ علامة نفي الاستكبار شيئان :

أ ـ الشعور بالمسؤولية وإطاعة الأوامر الإلهية من دون أي اعتراض ، وهو وصف للحالة النفسية لغير المستكبرين.

ب ـ ممارسة الأوامر الإلهية بما ينبغي والعمل وفق القوانين المعدة لذلك

وهذا انعكاس للأول ، وهو التحقيق العيني له.

وممّا لا ريب فيه أنّ عبارة( مِنْ فَوْقِهِمْ ) ليست إشارة إلى العلو الحسي والمكاني ، بل المراد منها العلو المقامي ، لأنّ اللهعزوجل فوق كل شي مقاما.

كما نقرأ في الآية (61) من سورة الأنعام :( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) ، وكذلك في الآية (127) من سورة الأعراف :( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) حينما أراد فرعون أن يظهر قدرته وقوته!

* * *

__________________

(1) مجمع ذيل البيان ، ذيل الآية المبحوثة.

٢٠٩

الآيات

( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) )

التّفسير

دين حق ومعبود واحد :

تتناول هذه الآيات موضوع نفي الشرك تعقيبا لبحث التوحيد ومعرفة الله عن طريق نظام الخلق الذي ورد في الآيات السابقة ، لتتّضح الحقيقة من خلال المقارنة بين الموضوع ، ويبتدأ ب :( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .

وتقديم كلمة «إيّاي» يراد بها الحصر كما في «إيّاك نعبد» أي : يجب الخوف

٢١٠

من عقابي لا غير.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية أشارت إلى نفي وجود معبودين في حين أن المشركين كانوا يعبدون أصناما متعددة.

ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى إحدى النقاط التالية أو إلى جميعها :

1 ـ إنّ الآية نفت عبادة اثنين ، فكيف بالأكثر؟!

وبعبارة أخرى : إنّها بيّنت الحد الأدنى للمسألة ليتأكّد نفي الأكثر ، وأيّ عدد ننتخبه (أكثر من واحد) لا بدّ له أن يمر بالإثنين.

2 ـ كل ما يعبد من دون الله جمع في واحد ، فتقول الآية : أن لا تعبدوها مع الله ، ولا تعبدوا إلهين (الحق والباطل).

3 ـ كان العرب في الجاهلية قد انتخبوا معبودين :

الأوّل : خالق العالم ، أي اللهعزوجل وكانوا يؤمنون به.

والثّاني : الأصنام ، واعتبروها واسطة بينهم وبين الله ، واعتبروها كذلك منبعا للخير والبركة والنعمة.

4 ـ يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى نفي عقيدة (الثنويين) القائلين بوجود إله للخير وآخر للشر ، ومع انتخابهم لأنفسهم هذا المنطق الضعيف الخاطئ ، إلّا إنّ عبدة الأصنام قد غالوا حتى في هذا المنطق وتجاوزوه لمجموعة من الآلهة!

وينقل المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي في تفسير هذه الآية عبارة لطيفة نقلها عن بعض الحكماء : (نهاك ربك أن تتخذ إلهين فاتخذت آلهة ، عبدت : نفسك وهواك ، وطبعك ومرادك ، وعبدت الخلق فأنّى تكون موحدا).

ثمّ يوضح القرآن أدلة توحيد العبادة بأربعة بيانات ضمن ثلاث آيات فيقول أوّلا( وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فهل ينبغي السجود للأصنام التي لا تملك شيئا ، أم لمن له ما في السموات والأرض؟

ثمّ يضيف :( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) .

٢١١

فعند ما يثبت أن عالم الوجود منه ، وهو الذي أوجد جميع قوانينه التكوينية فينبغي أن تكون القوانين التشريعية من وضعه أيضا ، ولا تكون طاعة إلّا له سبحانه.

«واصب» : من «الوصوب» ، بمعنى الدوام. وفسّرها البعض بمعنى (الخالص) (ومن الطبيعي أن ما لم يكن خالصا لم يكن له الدوام. أما الذين اعتبروا «الدين» هنا بمعنى الطّاعة ، فقد فسّروا «واصبا» بمعنى الواجب ، أي : يجب إطاعة الله فقط.

ونقرأ في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ شخصا سأله عن قول الله( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) قال : «واجبا»(1) .

والواضح أنّ هذه المعاني متلازمة جميعها.

ثمّ يقول في نهاية الآية :( أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ ) .

فهل يمكن للأصنام أن تصدّ عنكم المكروه أو أن تفيض عليكم نعمة حتى تتقوها وتواظبوا على عبادتها؟!

هذا( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ) .

فهذه الآية تحمل لبيان الثّالث بخصوص لزوم عبادة الله الواحد جلّ وعلا ، وأنّ عبادة الأصنام إن كانت شكرا على نعمة فهي ليست بمنعمة ، بل الكل بلا استثناء منّعمون في نعم الله تعالى ، وهو الأحق بالعبادة لا غيره.

وعلاوة على ذلك( ... ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ) .

فإن كانت عبادتكم للأصنام دفعا للضر وحلا للمعضلات ، فهذا من الله وليس من غيره ، وهو ما تظهره ممارستكم عمليا حين إصابتكم بالضر ، فلمن تلتجئون؟ إنّكم تتركون كل شيء وتتجهون إلى الله.

وهذا البيان الرّابع حول مسألة التوحيد بالعبادة.

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 373.

٢١٢

«تجئرون» : من مادة (الجؤار) على وزن (غبار) ، بمعنى صوت الحيوانات والوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم ، ثمّ استعملت كناية في كل الآهات غير الاختيارية الناتجة عن ضيق أو ألم.

إنّ اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى أنّه عند ما تتراكم عليكم الويلات ويحل بكم البلاء الشديد تطلقون حينها صرخات الإستغاثة اللااختيارية وأنتم بهذه الحال ، أتوجهون النداء لغيره سبحانه وتعالى؟! فلما ذا إذن في حياتكم الاعتيادية وعند ما تواجهون المشاكل اليسيرة تلتجئون إلى الأصنام؟!

نعم. فالله سبحانه يسمع نداءكم في كل الحالات ويغيثكم ويرفع عنكم البلاء( ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) بالعود إلى الأصنام!

وفي الحقيقة فالقرآن في الآية يشير إلى فطرة التوحيد في جميع الناس ، إلّا أنّ حجب الغفلة والغرور والجهل والتعصب والخرافات تغطيها في الأحوال الاعتيادية.

ولكن ، عند ما تهب عواصف البلاء تنقلع تلك الحجب فيظهر نور الفطرة براقا من جديد ليرى الناس لمن يتوجهون ، فيدعون الله مخلصين بكامل وجودهم ، فيرفع عنهم أغطية البلاء المتأتية من تلك الحجب ، (لاحظوا أنّ الآية قالت :( كَشَفَ الضُّرَّ ) أي : رفع أغطية البلاء).

ولكن عند ما تهدأ العاصفة ويرتفع البلاء وتعودون إلى شاطئ الأمان ، تعاودون من جديد على الغفلة والغرور ، وتظهرون الشرك بعبادتكم للأصنام مجددا!

وفي آخر آية (من الآيات مورد البحث) يأتي التهديد بعد إيضاح الحقيقة بالأدلة المنطقية :( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .

ويشبّه ذلك بتوجيه النصائح والإرشادات لمنحرف متخلف لا يفيد معه هذا الأسلوب المنطقي فيقطع معه الحديث باللين ليواجه بالتهديد عسى أن يرعوي

٢١٣

فيقال له : مع كل ما قلنا لك افعل ما شئت ولكن سترى نتيجة عملك عاجلا أم آجلا.

وعلى هذا فتكون اللام في «ليكفروا» يراد به التهديد ، وكذا «تمتعوا» أمر يراد به التهديد أيضا ، أمّا مجيء الفعل الأوّل بصيغة الغائب «ليكفروا» والثّاني بصيغة المخاطب «تمتعوا» ، فكأنه افترض غيابهم أوّلا فقال : ليذهبوا ويكفروا بهذه النعم ، وعند تهديدهم يلتفت إليهم ويقول : تمتعوا بهذه النعم الدنيوية قليلا فسيأتي اليوم الذي تدركون فيه عظم خطئكم وسترون عاقبة أعمالكم.

والآية (30) من سورة إبراهيم تشابه الآية المذكورة من حيث الغرض :( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (1)

* * *

__________________

(1) احتمل جمع من المفسّرين : أنّ «ليكفروا» غاية ونتيجة للشرك والكفر الذي نسب إليهم في الآية التي قبلها ، فيكون المعنى أنّهم بعد إنجائهم من الضر تركوا طريق التوحيد وساروا في طريق الشرك ليكفروا بنعم الله وينكرونها.

٢١٤