اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)18%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 214

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66021 / تحميل: 8242
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

قول الله أصدق مِن قولك

زرارة قال: دخلت أنا وحمران على أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، فقلت له: مَن وافقنا مِن علويٍّ أو غيره تولَّيناه، ومَن خالفنا مِن علويٍّ أو غيره برِئنا منه.

فقال لي: (يا زرارة، قول الله أصدق مِن قولك، فأين الذين قال الله عَزَّ وجَلَّ: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيل ) (1).

أين المُرجَون لأمر الله؟!

أين الذين خلطوا عَملاً صالحاً وآخر سيِّئاً؟!

أين أصحاب الأعراف؟!

أين المُؤلَّفة قلوبهم؟!) (2) .

____________________

(1) النساء: 98.

(2) المعاد، ج1.

١٠١

...............................

إنَّ سعد بن عبادة قال: إنَّ بَكراً أخا بني ساعدة، توفِّيت أُمَّه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إنَّ أُمِّي توفِّيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إنْ تصدَّقت بشيء عنها؟

قال: (نعم).

قال: فإنِّي أُشهِدك أنَّ حائط المَخْرَف صدقة عليها.

الولد الصالح كالصدقة الجارية، مصدر أجر وثواب للوالدين في عالم البرزخ، فالولد الصالح يستغفر أحياناً لوالديه، وهذا الأمر يجعل الوالدين يتمتَّعان بالعفوِّ الإلهي، والرحمة الإلهيَّة في عالم البرزخ، أو أنَّ الولد الصالح، ونظراً لأنَّ تربيته تربية صالحة مِن قِبَل أبويه، هي التي جعلته يقوم بهذا العمل الصالح الحسن؛ فإنَّ ثواب وأجر هذا العمل الصالح، الذي قام به الولد يعود إلى والديه في عالم البرزخ.

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

مَرَّ عيسى بن مريم (عليه السلام) بقبر يُعذَّب صاحبه، ثمَّ مَرَّ به مِن قابل، فإذا هو ليس يُعذَّب، فقال: (يا رَبِّ مررت بهذا القبر عامَ أوَّلٍ فكان صاحبه يُعذَّب؟!).

فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه: (يا روح الله، إنَّه أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً وآوى يتيماً؛ فغفرت له بما فعل ابنه) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٢

كرامة عبد المُطَّلب جَدُّ النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

قام إبراهيم الخليل، وابنه إسماعيل، بأمر مِن الله ببناء الكعبة، وإقامة ذلك البيت المَقْدس، وأقام إسماعيل في مَكَّة، وكان إبراهيم (عليه السلام) يأتي إلى مَكَّة في مواسم الحَجِّ، وكان إسماعيل يشكو لوالده شُحَّ المياه، وطلب منه أنْ يُساعده للتغلُّب على هذه المُشكلة، فأوحى الله إلى إبراهيم أنْ يقوم بحفر بئر لتأمين مِياه الشِّرب للحجيج، وتوفير سُبل الراحة لهم، وبالطبع فإنَّ عمليَّة حَفر البئر في تلك المنطقة، والوصول إلى الماء لم تكن عمليَّة سهلة، فأمر الله جبرائيل أنْ يُحدِّد نقطة مُعيَّنة، أو مكان مُعيَّن يُحفر فيه البئر، وهذا المكان هو الذي يقع فيه اليوم بِئر زمزم.

قاموا بالفعل بحفر البئر، وخلافاً للتوقُّعات، وصلوا إلى الماء على عُمقٍ قليل، وفرحوا كثيراً لهذه العناية الإلهيَّة.

بعد ذلك، طلب جبرائيل مِن إبراهيم أنْ ينزل إلى داخل البئر، وتبعه جبرائيل الذي طلب مِن إبراهيم أنْ يضرب بفأسه في كلِّ زاوية مِن الزوايا الأربع، في قعر البئر، وأنْ يذكر اسم الله في كلِّ مَرَّة يضرب فيها بمِعوله، وكان إبراهيم يفعل ذلك، فكان الماء يتدفَّق مِن كلِّ زاوية مِن زوايا البئر.

فقال جبرائيل: (يا إبراهيم، اشرب الآن مِن ماء البئر وادع لولدك بالبركة)، ثمَّ خرج إبراهيم وجبرائيل مِن البئر.

وفي فترة كانت قبيلة جُرهم تُسيطر على مدينة مَكَّة، وتتولَّى سَدانة الحرم الإلهي، حيث كان المسؤولون عن شؤون الكعبة، يستلمون الهدايا والقرابين، التي كان الناس في الجاهليَّة يهدونها ويُقدِّمونها إلى آلهتهم، التي كانت موجودة في داخل الكعبة، ويحتفظون بها في مكان خاصٍّ يخضع لإشرافهم.

كان في الكعبة غَزالان مِن ذهب، وخمسة أسياف فلمَّا غلبت خُزاعة جُرهم على

١٠٣

الحرم، ألقت جُرهم الأسياف والغزالين في بِئر زمزم، وألقوا فيها الحِجارة، وطمُّوها وعموا أثرها، فلمَّا غلب قُصي على خُزاعة، لم يعرفوا موضع زمزم وعَمِيَ عليهم، وبقي مكان بئر زمزم مجهولاً لا يعرفه أحد، حتى جاء دور السيادة لعبد المُطَّلب جَدِّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي كان يحظى بمكانةٍ عظيمة، وموقعٍ اجتماعيٍّ كبيرٍ بين القبائل العربيَّة في ذلك الوقت؛ بحيث إنَّهم كانوا يفرشون له البساط لكي يستريح عليه في ظِلِّ جِدار الكعبة، ولم يكونوا يفعلون ذلك لأحدٍ مِن قبله، وفي إحدى المَرَّات، عندما كان عبد المُطَّلب نائماً عند جدار الكعبة، رأى في المنام أنَّ شَخصاً جاء إليه، وقال له: احفر زمزم واعلم أنَّه يوجد في مكان زمزم غُراب أبيض الجناحين، ووَكر للنمل، وكان بالفعل يوجد في مكان بئر زمزم صخرة، تحتها وَكْر للنمل، وفي النهار عندما كان النمل يخرج مِن وكره، كان يأتي غراب أبيض الجناح، ويلتقط النمل بمنقاره ويأكله.

وقد عرف عبد المُطَّلب مكان بئر زمزم، استناداً إلى تلك الرُّؤيا الحقيقية؛ فقام هو وأبناؤه بحفر ذلك المكان، وأزالوا عنه الحِجارة والرِّمال، حتَّى عثروا على الماء، فكبَّروا الله.

مِن خلال هذه الرُّؤيا ظهر مكان بئر زمزم، الذي كان يجهله الناس في ذلك الوقت، ظهر بصورة حقيقيَّة كما هو، وتعرَّف عبد المُطَّلب - بموجب تلك الرُّؤيا - على مكان البئر المجهول، وأُلهِم بحقيقة كانت مَخفيَّة وغير معروفة، دون أنْ تكون هناك حاجة إلى تفسير هذه الرؤيا (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٤

عبد المُطَّلب وحُلْم الشجرة التي تنبت في ظهره

كان عبد المُطَّلب في إحدى الليالي إلى جانب الكعبة، بالقُرب مِن الحَجر الأسود، فرأى حُلْماً بَدَّاً عَجيباً بنظره، فسيطر عليه الخوف والهلع؛ فذهب إلى أحد مُفسِّري الأحلام، وأخبره بما رآه في المنام، وقال: رأيت في المنام أنَّ شجرة نبتت في ظهري، امتدَّت أغصانها إلى عِنان السماء، وغطَّت أوراقها وأغصانها الشرق والغرب، ثمَّ رأيت نوراً ينبعث مِن تلك الشجرة، وهو أكثر بريقاً مِن نور الشمس وضوئها، ورأيت الناس مِن العرب والعَجم يسجدون لهذه الشجرة، وكلُّ يوم كان يمرُّ كانت هذه الشجرة تزداد نوراً، ورأيت أنَّ جماعة مِن قريش جاءت لكي تجتثُّ تلك الشجرة، وتقتلعها مِن جذورها، ولكنْ كلَّما اقتربوا مِن تلك الشجرة بهدف الإساءة إليها، كان يظهر شابٌّ حَسَن الملبس والمظهر، فيصدُّهم عنها، ويقصم ظهورهم، ويقتلع عيونهم، وقد مدْدْت يدي لكي آخذ غِصناً مِن أغصانها؛ فصاح بي الشابُّ الوسيم قائلاً: أنْ أيضاً ليس لك نصيب مِن هذه الشجرة، فقلت له: ومَن هم الذين لهم نصيب منها؟

فقال: إنَّ هذه الشجرة هي مِلك للذين يتمسَّكون بها، ويُمسكون بأغصانها؛ فتغيَّر وجه الشخص الذي كان يستمع إلى هذه الرؤيا مِن عبد المُطَّلب واضطربت أحواله.

ثمَّ قال: لئِن صدقت، ليخرجَنَّ مِن صُلْبك وَلد يَمْلك الشرق والغرب، ويُنبِّأ في الناس... وكان أبو طالب يُحدِّث بهذا الحديث، والنبي قد خرج ويقول: كانت الشجرة - والله - أبا القاسم الأمين.

ووفقاً لما قاله الشخص، الذي فسَّر هذه الرؤيا، فإنَّ الرؤيا المذكورة تتضمَّن مجموعة مِن الأنباء الغيبيَّة، بدأت تتحقَّق بصورة تدريجيَّة بعد ذلك بعشرات السنين، ففي بداية الأمر يُرزَق عبد المُطَّلب بولدٍ.

١٠٥

وثانياً: هذا الولد يَحُكم الشرق والغرب.

وثالثاً: يقوم بنشر وترويج التعاليم الإلهيَّة بين الناس.

ورابعاً: هذا المولود يرتفع نجمه، وتزداد شُهرته، وتتعزَّز مكانته يوماً بعد يوم.

خامساً: مجموعة مِن قريش تبدأ في مُناهضته ومُعارضة رسالته، وبالتالي فهي تسعى للقضاء عليه.

سادساً: إنَّ شابَّاً ينبري للدفاع عن هذه الشجرة، ويقضي على المُعارضين، وهذا الشاب ليس سوى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

سابعاً: إنَّ يَد عبد المُطَّلب لا تصل إلى أغصان الشجرة؛ لأنَّه يُفارق الحياة قبل أنْ يُبعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٦

إيَّاكم وتعلُّم النجوم إلاَّ ما يُهتدى به في بَرٍّ أو بحر

عندما أعدَّ عليٌّ (عليه السلام) جنوده لمُحاربة الخوارج، واستعدَّ للانطلاق، تقدَّم إليه رجل، وقال له: إذا ذهبت إلى الحرب في هذا الوقت بالذات، أخاف أنْ لا تحقَّق هدفك، وتعود مُنهزماً، وقد عرفت ذلك عن طريق الحسابات الفلكيَّة، والتدقيق في أوضاع الكواكب والنجوم في السماء.

فقال (عليه السلام): (أتزعم أنَّك تهدي إلى الساعة، التي مَن سار فيها صُرِف عنه السوء، وتُخوِّف مِن الساعة، التي مَن سار فيها حاق به الضُّرُّ؟! فمَن صَدَّقك بهذا؛ فقد كَذَّب القرآن؛ واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المَحبوب، ودفع المكروه، وتبتغي في قولك للعامل بأمرك أنْ يُولْيك الحمد دون رَبِّه؛ لأنَّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فهيا النفع وأمن الضُّرَّ).

ثمَّ أقبل (عليه السلام) على الناس فقال: (أيُّها الناس، إيَّاكم وتعلُّم النجوم، إلاَّ ما يُهتدى به في بَرٍّ أو بحرٍ؛ فإنَّها تدعو إلى الكَهانة، والمُنجِّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٧

ما مؤمن يموت..

إلاَّ قيل لروحه: الحَقْي بوادي السلام

عن حبَّة العَرني قال: خرجت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الظهر، فوقف بوادي السلام، كأنَّه مُخاطب لأقوام، فقُمت بقيامه حتَّى أعييت، ثمَّ جلست حتَّى مَلَلت، ثمَّ قُمت حتَّى نالني مِثل ما نالني أوَّلاً، ثمَّ جلست حتَّى مَلَلت، ثمَّ قُمت وجمعت ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنِّي قد أشفقت عليك مِن طول القيام فراحة ساعة.

ثمَّ طرحت الرداء ليجلِس عليه، فقال لي: (يا حبَّة، إنْ هو إلاّ مُحادثة مؤمن أو مُؤانسته).

قلت: يا أمير المؤمنين، وإنَّهم لكذلك؟!

قال: (نعم، ولو كُشِف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً، مُحتَبين يتحادثون).

فقلت: أجسام أمْ أرواح؟

فقال: (أرواح، وما مؤمن يموت في بُقعة مِن بِقاع الأرض، إلاَّ قيل لروحه: الحقي بوادي السلام، وإنَّها لبُقعة مِن جَنَّة عَدْنٍ) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٨

سلمان وتكليم المَيِّت له

عيَّن أمير المؤمنين (عليه السلام) سلمان الفارسي والياً على المَدائن.

ويقول أصبغ بن نُباتة: كنت مع سلمان في المدائن، وكنت أُكثِر مِن زيارته ولقائه. وفي أحد الأيَّام ذهبت لعيادته عندما كان مريضاً، وهو المرض الذي أودى بحياته في نهاية الأمر، وكنت أعوده باستمرار، وأسأل عن حاله وشيئاً فشيئاً اشتدَّ به المرض، وأيقن بالموت، فالتفت إليَّ وقال لي: يا أصبغ، عهدي برسول الله يقول: (يا سلمان، سيُكلِّمك مَيِّت إذا دنت وفاتك)، وقد اشتهيت أنْ أدري أدنت أم لا؟.

فقال أصبغ: يا سلمان، اطلب ما تُريده فسأُنجزه لك.

فقال: تذهب الآن، وتُحضِر لي تابوتاً، وتفرش في داخله نفس البساط الذي يُفرش للموتى عندما يوضعون داخل التابوت، ومِن ثمَّ تُحضر معك أربعة أشخاص، فتحملوني إلى المقبرة، فقام أصبغ على عَجَلٍ، وعاد بعد ساعة وقد أحضر كلَّ ما طلبه منه سلمان الفارسي، وفعل كلَّ ما أمره به، وحمله إلى المقبرة، وعندما وصل إلى هناك وضع التابوت على الأرض.

فقال سلمان: ضعوني أمام القبلة؛ ففعلوا ذلك، عندها نادى سلمان بأعلى صوته:

السلام عليكم يا أهل عَرصة البلاء، السلام عليكم يا مُحتجبين عن الدنيا، فلم يسمع جواباً. ثمَّ كرَّر السلام عليهم قائلاً:

أقسمتكم بالله وبرسوله الكريم، أنْ يُجيبني واحد منكم، فأنا سلمان الفارسي صاحب رسول الله، وهو الذي أخبرني: بأنَّه إذا دنا أجلي، فإنَّ مَيِّتاً سيُكلِّمني، وإنِّي أُريد أنْ أعرف هل دنا أجلي أم لا؟

عندها سمع سلمان الجواب مِن الروح الذي رَدَّ السلام، وقال لسلمان:

لقد سمعنا كلامك، فاسأل ما تُريد.

١٠٩

فسأل سلمان الروح قائلاً: هل أنت مِن أهل الجَنَّة أمْ مِن أهل النار؟

فقال الروح: بلْ أنا مِن الذين شملتهم الرَّحمة والمَغفرة الإلهيَّة وفازا بالجَنَّة.

ثمَّ سأل سلمان الروح عن كيفيَّة مُفارقته الدنيا، وعن الأوضاع بعد الموت، وكان الروح يُجيب على أسئلة سلمان الفارسي واحداً واحداً، وبعد أنْ انتهى الحديث بين سلمان والروح، أخرجوه مِن التابوت، ووضعوه على الأرض فتوجَّه سلمان إلى الله قائلاً:

يا مَن بيده ملكوت كلِّ شيء، وإليه تُرجعون، وهو يُجير ولا يُجار عليه، بك آمنت ولنبيِّك اتَّبعت، وبكتابك صدقت، وقد أتاني ما وعدتني، يا مَن لا يُخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك، وأنزلني دار كرامتك (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١١٠

صَفاء الروح وقوَّة الحُلْم

قبل سنوات عديدة، كان يعيش في إحدى مُدن إيران رجل شريف ومؤمن، وكان ولده الأكبر أيضاً رجلاً صالحاً ومؤمناً، كوالده وكان الأب والابن يعيشان في منزلٍ عاديٍّ، في وضع ماديٍّ صعب؛ حيث كانا يقتصدان كثيراً في النفقات؛ لكي يُحافظا على سُمعتهما، ولا يمدَّا يد الحاجة إلى الآخرين، وقد بلغ بهما الوضع حَدَّاً، بحيث إنَّهما صارا يستعملا ماء الحنفيَّة في المنزل للشرب والطبخ فقط. أمَّا لغسل الملابس ومَلء الحوض الموجود في باحة المنزل، وسقي حديقة المنزل، فإنَّهما كانا يستعملان ماء البئر، كما أنَّهما قاما ببناء غرفة صغيرة فوق البئر؛ لكي تقي الأشخاص الذين يُريدون إخراج الماء، مِن البئر الحَرَّ، وأشعَّة الشمس المُحرقة في فصل الصيف، والبرد والأمطار والثلوج في فصل الشتاء، كما أنَّ وجود مِثل هذه الغرفة الصغيرة، يمنع سقوط الأجسام الغريبة، والقاذورات، والأحجار، وغيرها في داخل البئر، وبالتالي تُحافظ على نظافة البئر.

لقد كان الأب وابنه يقومان - بنفسهما - بسحب الماء مِن البئر، ولم يستأجرا أحداً للقيام بهذا العمل.

وفي أحد الأيَّام، لاحظ الأب وابنه أنَّ الطبقة الطينيَّة، التي تُغطِّي سقف هذه الغرفة مِن الداخل، يُمكن أنْ تسقط على الأرض، أو في داخل البئر، أو يُمكن أنْ تسقط على رأس أحد، يُصادف وجوده في الغرفة في تلك اللحظة، ونظراً لأنَّهما لا يملكان المال اللازم لاستخدام عمَّال بناء، يقومون بصيانة السقف وترميمه، فقد قررَّا أنْ يقوما بنفسيهما بهذا العمل في يوم عطلة.

وبالفعل قاما في اليوم المُتَّفق عليه بتغطية فوهة البئر، بقطع الأخشاب، وقطعة مِن البساط، وبدءا بإزالة الطبقة الطينيَّة مِن السقف، وقاما بتجميع هذه القطع في باحة

١١١

المنزل، وصبَّا عليها الماء، حتَّى أصبحت ليِّنة طريَّة، وأخذ الأب يقوم بعمل البناء، وابنه يُناوله الطين، حتَّى انتهى الأب مِن تغطية سقف الغرفة بأكمله، بالطين المخلوط بالقَشِّ أو التبن، وبعد انتهاء العمل لاحظ الأب أنَّ خاتمه ليس موجوداً في إصبعه، فاعتقد في بادئ الأمر أنَّه نسيه إلى جانب الحوض، عندما كان يغسل يديه، ولكنَّه لم يعثر عليه هناك.

وظلَّ الأب يبحث عن خاتمه، على مدى يومين كاملين في كلِّ مكان، ولكنَّه لم يعثر على أيِّ أثرٍ، وتأثَّر كثيراً لضياع خاتمه، ويئس مِن إمكانيَّة العثور عليه، وظلَّ لفترة مِن الوقت يتحدَّث مع أهله وعياله عن الخاتم المفقود، وكان يتأسَّف كثيراً على ذلك، وبعد عِدَّة سنوات مِن هذه القضيَّة توفِّي الأب إثر نوبة قلبيَّة.

يقول الابن: بعد فترة مِن وفاة والدي، رأيته يوماً في المنام، وكنت أعلم أنَّه ميِّت، فاقترب مِنِّي، وسلَّم عليَّ، وسألني عن أحوالي، ثمَّ قال لي: يا ولدي، إنَّني مَدينٌ للشخص الفلاني بخمسمائة تومان، فأرجو أن تخلصني مِن العذاب.

استيقظ الولد مِن نومه، ولم يكترث بالحُلْم الذي رآه، ولم يعمل بما طلبه منه أبوه، وبعد فترة رأى الابن والده مَرَّة أُخرى في المنام، وكرَّر ما سبق أنْ طلبه منه، وعاتبه على عدم تلبية طلبه، فقال له الابن - وهو في المنام ويعلم أنَّ والده مَيِّت ـ: أعطني عَلامة؛ حتَّى أطمئن بأنَّك والدي.

قال له: أتذكر قبل عِدَّة سنوات، أنَّنا قُمنا - معاً - بتغطية سقف غرفة البئر بالطين، وبعدها اكتشفت أنَّ خاتمي مفقود، وبحثنا عنه في كلِّ مكان، فلم نعثر عليه.

قال الابن: نعم، أذكر ذلك.

قال الأب: إنَّ الشخص عندما يموت، تتَّضح له كثير مِن القضايا والأُمور المجهولة، فلقد عرفت بعد موتي أنَّ خاتمي أضعته داخل الطين الذي أصلحت به سقف الغرف، حيث انزلق الخَاتم مِن إصبعي عندما كنت أعِجن الطين وأقلبه. ولكي

١١٢

تطمئنَّ بأنِّي أبوك الذي أتحدَّث معك، عليك أنْ تُزيل الطين مِن السقف وتخلطه بالماء، حتَّى يُصبح طريَّاً عندها سوف تعثر على الخاتم.

في الصباح نفَّذ الولد ما قاله له أبوه، دون أنْ يُخبر أحداً بالأمر، فعثر بالفعل على خاتم والده.

يقول الابن: بعد ذلك ذهبت إلى السوق، للشخص الذي أخبرني به والدي، فسلَّمت عليه وسألته عن حاله، ثمَّ قلت له: هل أنَّ والدي مَدينٌ لك بمبلغ مِن المال؟

قال الرجل صاحب الدُّكَّان: لماذا تسأل مِثل هذا السؤال؟

قلت: أُريد أنْ أعرف حقيقة الأمر.

قال: أطلب والدك بخمسمائة تومان.

سألته: كيف كان ذلك؟

قال: جاءني أبوك يوماً إلى هنا، وطلب مِنِّي قرضاً بمبلغ خمسمائة تومان، فأعطيته المبلغ دون أنْ آخذ منه إيصالاً بذلك، وبعد فترة توفِّي والدك بالنوبة القلبيَّة.

ـ لماذا لم تُطالب بقرضك؟

قال الرجل: لأنِّي لم أكُن أملك وثيقة أو إيصالاً، ورأيت أنَّ مِن غير المُناسب أنْ أُطالب بالمبلغ، فقد لا تصدِّقونني.

سلَّم الابن المبلغ المذكور إلى الدائن صاحب الدُّكَّان، ونقل له القِصَّة مِن أوَّلها إلى آخرها (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١١٣

توقَّع الموت صباحاً ومساءً

جاء موسى العطَّار إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال له: يا ابن رسول الله، رأيت رؤيا هالتني: رأيت صِهراً لي مَيِّتاً، وقد عانقني، وقد خِفت أنْ يكون الأجل قد اقترب.

فقال: (يا موسى، توقَّع الموت صباحاً ومساءً؛ فإنَّه مُلاقينا، ومُعانقة الأموات الأحياء أطول لأعمارهم فما كان اسم صِهرك؟).

قال: حسين.

فقال: (أمَّا رؤياك تدلُّ على بقائك وزيارتك لأبي عبد الله الحسين { عليه السلام }) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١١٤

ليس هناك ليلٌ وإنَّما هو ضوء ونور

قال رجل: يا رسول الله، هل في الجَنَّة مِن ليلٍ؟

قال: (وما هيَّجك على هذا؟).

قال: سمعت الله يذكر في الكتاب: ( ... وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (مريم)، والليل مِن البُّكْرة والعَشيِّ.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس هناك ليلٌ، وإنَّما هو ضوء ونور يَرد الغُدوَّ على الرواح والرواح على الغدوِّ، وتأتيهم طرف الهدايا مِن الله لمواقيت الصلوات، التي كانوا يُصلُّون فيها في الدنيا، وتُسلِّم عليهم الملائكة) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٥

امرأة تدخل النار في هِرَّة حبستها

وأُخرى تدخل الجَنَّة في كلب سقته

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (اطَّلعت ليلة الإسراء على النار فرأيت امرأة تُعذَّب، فسألت عنها: فقيل: إنَّها ربطت هِرَّة، ولم تُطعمها، ولم تُسقها، ولم تدعها تأكل مِن خَشاش الأرض حتَّى ماتت، فعذَّبها بها بذلك.

واطَّلعت على الجَنَّة، فرأيت امرأة مومس، فسألت عنها: فقيل: إنَّها مَرَّت بكلب يلهث مِن العطش، فأرسلت إزارها في بئر، فعصرته في حلقه حتَّى روي فغفر الله لها) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٦

البئر صدقة

خَرج سعد يُرافقه عدد مِن الأشخاص يوماً مِن المدينة، مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريقهم إلى الحرب، وكانت أُمُّ سعد مريضة، حيث فارقت الحياة أثناء غياب ابنها، وكان سعد مُقاتلاً في جيش الإسلام ويُحبُّ والدته كثيراً، وعندما سمع بوفاتها لدى عودته تأثَّر كثيراً، فجاء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: أردت قبل سفري أنْ أُعطي صدقة عن والدتي، ولكنِّي لم أستطع، والآن حيث فارقت والدتي الدنيا هل ينفعها إذا قدَّمت صدقة عنها؟

فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (نعم).

فقال سعد: ما هي أفضل صدقة أُقدِّمها لها؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لقد رأيت أنَّ الجنود يُعانون أثناء الطريق مِن شَحَّة الماء، فبإمكانك أنْ تحفر بئراً في الطريق؛ لكي تستفيد منه القوافل التي تمرُّ مِن هناك، وتكون صدقة جارية لوالدتك).

فقام سعد - استجابة لأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - بحفر بئر على نيَّة والدته، وأسماه: بئر أُمَّ سعد وجعلها وقفاً للجميع (1).

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٧

غفر لك بالخوف فانظر كيف تكون فيما تستقبل

عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: (إنَّ رجلاً ركب البحر بأهله، فكُسر بهم فلم ينجُ مِمَّن كان في السفينة إلاَّ امرأة الرجل، فإنَّها نجت على لوح مِن ألواح السفينة، حتَّى لجأت إلى جزيرة مِن جُزر البحر، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق، ولم يَدَعْ لله حُرمَة إلاَّ وانتهكها، فلم يعلم إلاَّ والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه إليها، فقال: إنسيَّة أمْ جِنِّيَّة؟

قالت: إنسيَّة.

فلم يكلِّمها كلمة، حتَّى جلس منها مجلس الرجل مِن أهله، فلمَّا أنْ همَّ بها اضطربت، فقال لها: ما لك تضطربين؟

قالت: أفرق مِن هذا، وأومأت بيدها إلى السماء.

قال: وما صنعتِ مِن هذا الشيء، وإنَّما أستكرِهُك استكراهاً، فأنا - والله - أولى بهذا الفَرق والخوف أحقُّ منك.

[ قال: ] فقام ولم يُحدِث شيئاً، ورجع إلى أهله، وليست له هِمَّة إلاَّ التوبة والمُراجعة.

فبينا هو يمشي، إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس، فقال الراهب للشابِّ: ادعُ الله يُظلُّنا بغَمامة، فقد حَميت علنيا الشمس.

فقال الشابُّ: ما أعلم أنَّ لي عند رَبِّي حسنة، فأتجاسر على أنْ أسأله شيئاً.

قال: فأدعو أنا، وتؤمِّن أنت؟

قال: نعم.

فأقبل الراهب يدعو والشابُّ يؤمِّن، فما كان بأسرع مِن أنْ أظلَّتهما غَمامة، فمشيا

١١٨

تحتها مَليَّاً مِن النهار، ثمَّ تفرَّقت الجادَّة جادَّتين، فأخذ الشابُّ في واحدة، وأخذ الراهب في واحدة، فإذا السحابة مع الشابِّ، فقال الراهب: أنت خيرٌ مِنِّي، لك استُجيب، ولم يُستجَب لي، فأخبرني ما قِصَّتك، فأخبره بخبر المرأة.

فقال: غُفر لك ما مضى؛ حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٩

المرء مع مَن أحبَّ

عن أنس قال: جاء رجل مِن أهل البادية - وكان يُعجبنا أنْ يأتي الرجل مِن أهل البادية يسأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - فقال يا رسول الله: متى قيام الساعة؟

فحضرت الصلاة، فلمَّا قضى (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاته، قال: (أين السائل عن الساعة؟).

قال: أنا يا رسول الله.

قال: (أعددت لها؟).

قال: والله، ما أعددت لها مِن كثيرِ عملٍ، صلاة ولا صوم، إلاَّ أنِّي أُحبُّ الله ورسوله.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): (المرء مع مَن أحبَّ).

قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء أشدُّ مِن فرحهم بهذا (1) .

____________________

(1) المعاد، ج3.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) )(١)

هـ ـ وروي في الكافي عن أبي جعفر الجوادعليه‌السلام قال:(قال الله عزَّ وجلَّ في ليلة القدر: ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) يقول:ينزل فيها كل أمر حكيم. والمحكم ليس بشيئين، إنّما هو شيء واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عَزَّ وجَلَّ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت. إنه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا. وإنّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم الله عَزَّ وجَلَّ الخاص والمكنون العجيب المخزون، مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر . ثمّ قرأ:( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ) (٢) .

٢ ـ من تراثه الكلامي

أ ـ ضرورة التحصين العقائدي: روى في الاحتجاج عن الإمام محمد الجوادعليه‌السلام أنه قال:(من تكفّل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم، الأُسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين بردّ وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودلائل أئمتهم؛ ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على

ـــــــــ

(١) معاني الأخبار: ٣٩٠.

(٢) أصول الكافي: ١ / ٢٤٨.

١٨١

أخفى كواكب السماء) . (١)

ب ـ التوحيد: وروي أيضاً عن أبي داود بن القاسم الجعفري أنه قال: (قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام :( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ، ما معنى الأحد ؟ قالعليه‌السلام :المجمع عليه بالوحدانية أما سمعته يقول: ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ثم يقولون بعد ذلك له شريك وصاحبة .

فقلت: قوله( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) ؟ قالعليه‌السلام :(ياأبا هاشم ! أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدرك ببصرك ذلك، فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف تدركه الأبصار ؟) (٢)

ج ـ النبوة: عن الحسن بن عبّاس بن حريش عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:(قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أرواحنا وأرواح النبيين توافي العرش كل ليلة جمعة فتصبح الأوصياء وقد زيد في علمهم مثل جمّ الغفير من العلم) .(٣)

د ـ الإمامة: وروي عنه أيضاً:(أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لابن عباس: إنّ ليلة القدر في كل سنة، وانه لينزل في تلك الليلة أمر السنة ولذلك الأمر ولاةٌ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فقال ابن عباس: من هم ؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدّثون) .(٤)

هـ ـ وسأله أبو هاشم الجعفري: هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال: (نعم . قال: فقلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائمعليه‌السلام ؟ فقال:(إنّ القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد) . (٥)

و ـ عن بنان بن نافع عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام :(إنّا معاشر الأئمة إذا حملته

ـــــــــ

(١) الاحتجاج: ١ / ٩.

(٢) الاحتجاج: ٢ / ٣٣٨.

(٣) بصائر الدرجات: ١٣٢.

(٤) اُصول الكافي: ١ / ٥٣٢.

(٥) غيبة النعماني: ٣٠٢.

١٨٢

أمه يسمع الصوت من بطن أمه أربعين يوماً فإذا أتى له في بطن أمه أربعة أشهر رفع الله تعالى له أعلام الأرض فقرب له ما بَعدُ عنه حتى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارة) .(١)

ز ـ قال عمرو بن الفرج الرُخجي: (قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : إن شيعتك تدّعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه ؟ وكنا على شاطئ دجلة، فقالعليه‌السلام لي:يقدر الله تعالى أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا ؟ قلت: نعم يقدر. فقالعليه‌السلام :أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه ).(٢)

٣ ـ من تراثه الفقهي

أ ـ روى أبو خداش المهري: (أن شخصاً دخل على الرضاعليه‌السلام فسأله عن أمور ثلاثة فأجابهعليه‌السلام عنها. ثم حضر أبو خداش مجلس أبي جعفرعليه‌السلام في ذلك الوقت فسأله الأسئلة ذاتها فكان الجواب هو الجواب.

قال: فقلت: جعلت فداك إن أم ولد لي أرضعت جارية لي بلبن ابني أيحرم عليّ نكاحها ؟ فقالعليه‌السلام :لا رضاع بعد فطام . قلت: الصلاة في الحرمين ؟ قال:إن شئت قصرت وإن شئت أتممت . قال: قلت: الخادم يدخل على النساء ؟ فحوّل وجهه، ثم استدناني فقال:وما نقص منه إلاّ الواقعة عليه )(٣) .

ب ـ عن علي بن مهزيار قال: (كتبت إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : جُعلت فداك أصلي خلف من يقول بالجسم ومن يقول بقول يونس يعني ابن عبد الرحمن ؟ فكتبعليه‌السلام :لا تصلّوا خلفهم ولا تعطوهم من الزكاة

ـــــــــ

(١) المناقب: ٢ / ٤٣٢.

(٢) بحار الأنوار: ٥٠ / ١٠٠.

(٣) دلائل الإمامة: ٢٠٦.

١٨٣

وابرؤا منهم برئ الله منهم) (١) .

ج ـ سأله سائل عن الملاّح يقصّر في السفينة؟ فقالعليه‌السلام :(لا؛ لأن السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها) (٢) .

د ـ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل ـ وكان يتولّى له الوقف بقم ـ فقال: (ياسيدي أجعلني من عشرة آلاف في حلّ فإنّي أنفقتها. فقال لهعليه‌السلام :أنت في حلّ ، فلمّا خرج صالح قال أبو جعفرعليه‌السلام لإبراهيم بن هاشم:أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: اجعلني في حلّ: أتراه ظنّ أني أقول لا أفعل ؟ ! والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً )(٣) .

هـ ـ عن علي بن مهزيار قال: (قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام : قوله عَزَّ وجَلَّ: ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) وقوله عَزَّ وجَلَّ:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) . وما أشبه هذا، فقال:إن الله عَزَّ وجَلَّ يقسم من خلقه بما يشاء وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به عَزَّ وجَلَّ )(٤) .

و ـ قالعليه‌السلام : (ما استوى رجلان في حسب ودين قطّ إلاّ كان أفضلهما عند الله عَزَّ وجَلَّ آدبهما ، فسأله الراوي عن وجه فضله عند الله عَزَّ وجَلَّ ؟ فقالعليه‌السلام :بقراءة القرآن كما أُنزل ودعائه الله عَزَّ وجَلَّ من حيث لا يلحن وذلك أن الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله عَزَّ وجَلَّ )(٥) .

ـــــــــ

(١) أمالي الصدوق: ١٦٧.

(٢) الثاقب في المناقب: ٢٠٩.

(٣) الكافي: ١ / ٥٤٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٣٧٦.

(٥) عدّة الداعي: ١٨.

١٨٤

٤ ـ من تراثه التاريخي

أ ـ روى المجلسي عن الصدوق بإسناده عن عبد العظيم الحسني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام أسأله عن ذي الكفل ما اسمه ؟ وهل كان من المرسلين ؟ فكتب صلوات الله وسلامه عليه:(بعث الله تعالى جلّ ذكره مئة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبيّاً، المرسلون منهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً. وإنّ ذا الكفل منهم صلوات الله عليهم، وكان بعد سليمان بن داود عليه‌السلام . وكان يقضي بين الناس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلاّ لله عَزَّ وجَلَّ وكان اسمه (عويديا) وهو الذي ذكره الله تعالى جلّت عظمته في كتابه حيث قال: ( وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ) ) (١) .

ب ـ المسعودي، بإسناده عن أبي جعفر الثاني محمد بن علي الرضاعليهما‌السلام أنه قال عن آبائه صلوات الله عليهم. قال:(أقبل أمير المؤمنين ومعه أبو محمد (أي الحسن المجتبى عليه السلام)وسلمان الفارسي فدخل المسجد وجلس فيه فاجتمع الناس حوله إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين عليه‌السلام وجلس، ثم قال: ياأمير المؤمنين إني قصدت أن أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أنك وصي رسول الله حقاً وإن لم تخبرني بهن علمت أنك وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنين: (سل عما بدا لك). فقال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه، وعن الرجل كيف يذكر وينسى، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال ؟ فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمد فقال: (ياأبا محمد أجبه، فقال أبو محمد: (أما الإنسان إذا نام فإن روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء إلى وقت يتحرك صاحبها إلى اليقظة.

ـــــــــ

(١) بحار الأنوار: ١٣ / ٤٠٥.

١٨٥

فإذا أذن الله برد الروح جذبت تلك الروح الريح وجذبت الريح الهواء فرجعت الروح إلى مسكنها في البدن، وإن لم يأذن الله برد الروح إلى صاحبها جذبت الهواء الريح وجذبت الريح الروح فلم ترجع إلى صاحبها إلى أن يبعثه الله تعالى، وأما الذكر والنسيان فإن قلب الرجل في مثل حق وعليه طبق.

فإن سمى الله وذكره وصلى عند نسيانه على محمد وآله انكشف ذلك الطبق وهو غشاوة عن ذلك الحق وأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي وان هو لم يصلّ على محمد وآله بعد ذكر الله تعالى انطبقت تلك الغشاوة على ذلك الحق فأظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر.

وأما المولود الذي يشبه الأعمام والأخوال فإن الرجل إذا أتى أهله فوطأها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب استكنت تلك النقطة(١) في جوف الرحم وخرج الرجل يشبه أباه وأمه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النقطة فوقعت في اضطرابها على بعض العروق.

فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه وان وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه أخواله).

فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أن محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه وخليفته والقائم بحجته. وأشار إلى أمير المؤمنين: وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته. وأشار إلى الحسن: وأشهد أن أخاك الحسين وصي أبيك ووصيك والقائم بحجته بعدك وأشهد أن علي بن الحسين القائم بأمر الحسين وأشهد أن محمد بن علي القائم بأمر علي بن الحسين واشهد أن جعفر بن محمد القائم بأمر الله بعد أبيه وحجته وأشهد أن موسى بن جعفر القائم بأمر الله بعد أبيه جعفر وأشهد أن علي بن موسى القائم بأمر الله بعد أبيه. وأشهد أن محمد بن علي القائم بأمر الله بعد أبيه وأشهد أن علي بن محمد القائم بأمر الله بعد أبيه محمد بن علي وأشهد أن الحسن بن علي القائم بأمر أبيه علي بن محمد وأشهد أن رجلاً من ولد الحسين بن علي لا يسمى ولكن يكنى حتى يظهر الله أمره يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً والسلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ومضى.

ـــــــــ

(١) كذا في الأصل والظاهر: النطفة.

١٨٦

فقال أمير المؤمنين: (اتبعه ياأبا محمد فانظر أين يقصد ، قال: فخرج الحسن بن علي في أثره فلما وضع الرجل رجله خارج المسجد لم يدر كيف أخذ من أرض الله فرجع إليه فأعلمه، فقال:ياأبا محمد أتعرفه . قال:الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم به ، قال:ذاك الخضر ).(١)

ج ـ روى أبو جعفر المشهدي بإسناده عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قال: (بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلمان إلى فاطمةعليها‌السلام لحاجة، قال سلمان: فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن خفاءً والرحى تدور من برّ ما عندها أنيس، قال: فعدت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يارسول الله سمعت فاطمة تقرأ القرآن من خفاء والرحى تدور من برّ ما عندها أنيس.

قال: فتبسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: ياسلمان إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى مبانيها ففرغت لطاعة الله، فبعث الله ملكاً اسمه روفائيل. وفي موضع آخر (رحمة )، فأدار لها الرحى وكفاها الله مؤونة الدنيا والآخرة )(٢) .

د ـ روى الحافظ أبو نعيم، فقال حدّثنا أحمد بن إسحاق حدثنا إبراهيم بن نائلة حدثنا جعفر بن محمّد بن مزيد قال: كنتُ ببغداد فقال لي محمّد بن مَنْدة بن مهربزذ: هل لك أن أدخلك على ابن الرِضا ؟ قلتُ: نعم. قال: فأدخلني فسلّمنا

ـــــــــ

(١) إثبات الوصية: ١٥٧.

(٢) الثاقب في المناقب: ١١٩، مخطوط.

١٨٧

عليه وجلسنا، فقال له حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أنّ فاطمة أحصنت فَرْجَها فحرّم الله ذرّيّتها على النار ، قال:خاصٌّ للحسن والحسين رضي الله عنهما )(١) .

هـ ـ روى بإسناده عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: (قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن موسىعليهم‌السلام : إن قوماً من مخالفيكم يزعمون أباك إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده. فقال: (كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا لأنه كان رضي الله عَزَّ وجَلَّ في سمائه ورضي لرسوله والأئمة من بعده صلوات الله عليهم في أرضه قال: فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك الماضينعليهم‌السلام رضي الله تعالى ولرسوله والأئمةعليهم‌السلام ؟ فقال:بلى ، فقلت: فلم سمي أبوك من بينهم الرضا ؟ قال:لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ولم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم‌السلام ، فلذلك سمي من بينهم الرضا عليه‌السلام (٢) .

٥ ـ الطب في تراث الإمام الجوادعليه‌السلام

لقد استوعب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام شتّى العلوم ومنها علوم الطبّ والحكمة بما آتاهم الله من فضله، وأطلعهم على غيبه، وحباهم من نوره، وألهمهم من معرفته، وبما ورّثوه من علوم خاتم الأنبياء وسيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانواعليهم‌السلام يعالجون المرضى تارةً بالقرآن والدعاء والأحراز والرقى والصدقة، وتارةً يوصونهم بضرورة النظافة والطهارة والوقاية العامّة، وثالثة يصفون لهم الأعشاب والنباتات وغيرها من العقاقير الطبّية التي كانت تؤثر بشكل فعّال في شفاء المرضى ممّا يدلّ على قدراتهمعليهم‌السلام الكبيرة وإمكاناتهم الواسعة بتشخيص المرض من دون اللجوء إلى إجراء التحليلات المختبريّة والصور الشعاعيّة والتخطيطات وما إلى ذلك من الوسائل المتطورة الحديثة المعروفة في يومنا هذا.

وينمّ أيضاً عن درايتهمعليهم‌السلام واطّلاعهم الواسع بخواص تلك العقاقير وتأثيرها المباشر على المرض وبالتالي صحّة تشخيصهم لمختلف الأمراض.

ـــــــــ

(١) أخبار أصفهان: ١ / ٢٤٢ و ٢ / ٢٠٦، وتاريخ بغداد: ٣ / ٥٤، والوفيات: ٣ / ٣١٥.

(٢) عيون الأخبار: ١ / ١٣، والعلل: ١ / ١٢٦.

١٨٨

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه بعد مرور عدّة قرون جاء الطبّ الحديث بإمكاناته الواسعة ليبرهن على صحة وصواب ما ورد عنهمعليهم‌السلام من أخبار وأحاديث في هذا المجال لا بل إنّه اعتمد الكثير من تلك الأخبار، وما العودة إلى استخدام الحجامة والفصد علاجاً أساسياً أو مساعداً لغيره من العلاجات ومتعاضداً معها للوصول إلى الشفاء إلاّ مثالاً صارخاً على صحة ما ذكرناه.

ولقد أقرّ الكثير من العلماء والمستشرقين في بحوثهم وتحقيقاتهم بتلك الحقائق والأخبار الواردة عنهمعليهم‌السلام واتّفقوا على أنّ قوانين الطبّ قد جمعت في قوله تعالى: ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ) (١) . ولا بأس أن نذكر هنا لمحاً عن الحجامة والفصد.

يقال: فصد العرق فصداً: شقّه، ويقال: فُصد المريض: اُخرج مقدار من دم وريده.

وقد تكامل الفصد اليوم باستعمال إبرة واسعة القناة بواسطتها ويؤخذ الدم من الوريد مباشرة، وتتراوح كميّة الدم المفصود بين ٣٠٠ ـ ٥٠٠ سم٣، ويجب أن يتم بأسرع ما يمكن.

وتختلف الحجامة عن الفصد في أنّ الأخير هو إخراج دم الوريد بشقّه كما هو نقيّاً كان أو غليظاً، بينما الحجامة هي إخراج الدم الفاسد بواسطة آلة ماصّة من العروق الدقيقة والشعيرات الدمويّة المبثوثة في اللحم، والفصد يقلل الدم، وبالتالي يحتاج إلى تعويض وخلق جديد، بينما الحجامة تنقّي الدم وتصفّيه دون أن يفقد الجسم كميّة كبيرة منه بل العكس أنّها تنشّط الدورة الدمويّة وتوجب الرشد. وعلى هذا فالحجامة لا تضعف البدن كما في الفصد.

ـــــــــ

(١) الأعراف (٧): ٣١.

١٨٩

وتستعمل الحجامة أساساً للتخفيف عن الدورة الدمويّة وما يثقلها من سموم الفضلات والدهون والمتخلّفات من الإفراز، وقد استعملت منذ قديم الزمان كواجب من الواجبات الفصليّة، وكعلاج ناجح لعدد من الأمراض كالجلطة الدمويّة والسكتة القلبيّة، وانفجار الشريان الدماغي. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(عليكم بالحجامة، لا يتبيّغ الدم بأحدكم، فيقتله) .

وقال جالينوس: دمك عبدك، وربّما قتل العبد سيّده، فأطلقه، فإن رأيته صالحاً فأمسكه.

والأحاديث فيها كثيرة ويعدّ العلق الطبّي ـ واحدتها علقة ـ وهي دودة تعيش في الماء تمص الدم ـ من ملحقات الحجامة، وله أهميته أيضاً في العلاج الموضعي لكثير من أمراض الأوردة الدمويّة كركود الدم في منطقة ما في الجسم، وذلك بما يتمتع به العلق من غريزة خاصّة في مصّ الدم الفاسد، وإدخاله الهواء أثناء عمليّة المصّ تحت الجلد.

ومن ناحية أخرى ينفرد الفصد في علاج الحالات التالية:

١ ـ الهبوط الوظيفي في البطين الأيسر المؤدّي إلى تورّم في الرئتين ينجم عنها عسر شديد في التنفس. ٢ ـ ضغط الدم الدماغي العالي لغلظة الدم. ٣ ـ ازدياد عدد كريات الدم الأولى. ٤ ـ الاحتقان الرئوي.

وللفصد عروق معروفة ولها أسماء خاصة كالعرق الزاهر والأكحل يخرج منها الدم، وقد ورد عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم أن للفصد أوقات معينة.

وأمّا الحجامة فلها مواضع معروفة كاليافوخ من الرأس والنقرة من الظهر وغيرها، ولها أوقات معيّنة أيضاً، وردت عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم في الأحاديث الشريفة.

١ ـ جاء في المناقب لابن شهرآشوب: وفي كتاب(معرفة تركيب الجسد) عن الحسين بن أحمد التيميّ: روي عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : أنّه استدعى فاصداً في أيّام المأمون فقال له:أفصدني في العرق الزاهر ! فقال له: ما أعرف هذا العرق ياسيّدي، ولا سمعت به. فأراه إيّاه، فلمّا فصده خرج منه ماء أصفر، فجرى حتّى امتلأ الطست، ثمّ قال له:أمسكه . وأمر بتفريغ الطست ;

١٩٠

ثمّ قال:خلّ عنه . فخرج دون ذلك، فقال: شدّه الآن . فلمّا شدّ يده أمر له بمئة دينار، فأخذها وجاء إلى يوحنّا بن بختيشوع (١) فحكى له ذلك، فقال: والله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطبّ، ولكن هاهنا فلان الأسقف (٢) قد مضت عليه السنون، فامض بنا إليه، فإن كان عنده علمه وإلاّ لم نقدر على من يعلمه، فمضيا ودخلا عليه وقصّا القصة. فأطرق مليّاً، ثمّ قال: يوشك أن يكون هذا الرّجل نبيّاً أو من ذريّة نبيّ. (٣)

٢ ـ وجاء في رجال الكشيّ: ـ يأتي في باب حال عمّ أبيه عليّ بن جعفرعليه‌السلام :

ودنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام عليّ بن جعفرعليه‌السلام فقال: ياسيّدي، يبدأ بي ليكون حدّة الحديد فيّ قبلك...

ـــــــــ

(١) ويوحنا بن بختيشوع: هو طبيب أخي المعتمد، شخص أسقفاً على الموصل سنة (٨٩٣ م) ـ (٢٧٩ هـ) وهذا التاريخ بعيد عن حياة الإمام الجوادعليه‌السلام والّذي أُستشهد سنة ٢٢٠ هـ. والظاهر أنّه جبرئيل بن بختيشوع بن جورجيس، طبيب المأمون، توفي سنة (٨٢٨ م) (٢١٢ هـ). وأُسرة بختيشوع: أُسرة أطباء من النساطرة أصلها من جند نيسابور، خدمت الخلفاء العباسيين نحو ثلاثة قرون. اشتهر منها: جورجيس بن جبرئيل وبختيشوع بن جبرئيل.

(٢) الأسقف: فوق القسيس ودون المطران، والكلمة يونانيّة.

(٣) المناقب: ٣ / ٤٩٥، وبحار الأنوار: ٥٠ / ٥٧ ضمن ح٣١، ومدينة المعاجز: ٥٣٣ ح٦٠.

١٩١

علاج حمّى الغب (١) والربع (٢)

١ ـ عن الحسن بن شاذان، قال: حدّثنا أبو جعفرعليه‌السلام ، عن أبي الحسنعليه‌السلام (وسئل عن حمّى الغبّ الغالبة)، فقالعليه‌السلام :يؤخذ العسل والشونيز (٣) ويلعق منه ثلاث لعقات فإنّها تنقلع. وهما المباركان قال الله تعالى في العسل: ( يخرُجُ مِن بطونِها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيهِ شِفاءٌ للنّاسِ ) (٤) .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في الحبّة السوداء شفاء من كلّ داء إلاّ السام. قيل يارسول الله، وما السام ؟ قال: الموت. قال: وهذان لا يميلان إلى الحرارة والبرودة، ولا إلى الطبائع، إنّما هما شفاء حيث وقعا )(٥) .

٢ ـ عن الحسن بن شاذان، قال: حدّثنا أبو جعفر، عن أبي الحسنعليهما‌السلام (٦)

ـــــــــ

(١) غبّت عليه الحمّى: أخذته يوماً وتركته يوماً.

(٢) حمّى الربع: هي الّتي تنوب كلّ رابع يوم.

(٣) الشينيز والشونيز والشونوز والشهنيز: الحبّة السوداء (القاموس المحيط: ٢ / ١٧٩) وقال ابن البيطار في الجامع لمفردات الأدوية والأغذية: ٣ / ٧٢: الحبّة السوداء: وتسمّى أيضاً بالشونيز. وهو نبات صغير دقيق العيدان، طوله نحو شبرين أو أكثر، وله ورق صغار، وعلى طرفه رأس شبيهة بالخشخاش في شكله، طويلة مجوفّة تحوي بزراً أسوداً حريفاً طيّب الرائحة

وفيه عن جالينوس أنّه يشفي الزكام إذا صيّر في خرقة وهو مقلوّ وشمّه الانسان...

(٤) النحل (١٦): ٦٩.

(٥) رجال الكشي: ٦٥، عنه الوسائل: ١٧ / ٧٦ ح ١٥، والبحار: ٦٢ / ١٠٠ ح ٢٣ وص ٢٢٧ ح ٣.

(٦) زاد في م (الثالث) وهو تصحيف بقرينة سند الحديث السابق وعدم رواية الجواد عن ولدهعليهما‌السلام ومكاتبة ابن شاذان لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام وعليه فلا تصحّ رواية ابن شاذان عن أبي الحسن الثالث بواسطة، ويحتمل (الثالث) تصحيف (الثاني) اُنظر معجم رجال الحديث: ٤ / ٣٦٧.

١٩٢

قال:خير الأشياء لحمّى الربع أن يؤكل في يومها الفالوذج (١) المعمول بالعسل، ويكثر زعفرانه، ولا يؤكل في يومها غيره )(٢) .

علاج اليرقان (٣)

عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن مهزيار، قال: تغدّيت مع أبي جعفرعليه‌السلام فأتى بقطاة(٤) ، فقال: (إنّه مبارك، وكان أبي عليه‌السلام يعجبه، وكان يأمر أن يطعم صاحب اليرقان، يشوى له فإنّه ينفعه )(٥) .

علاج ضربة الريح الخبيثة

عن أحمد بن إبراهيم بن رياح، قال: حدّثنا الصباح بن محارب، قال: (كنت عند أبي جعفر ابن الرضاعليهما‌السلام فذكر أنّ شبيب بن جابر ضربته الريح الخبيثة، فمالت بوجهه وعينه(٦) ، فقال:يؤخذ له القرنفل (٧) خمسة مثاقيل، فيصير في قنّينة يابسة، ويضمّ رأسها ضمّاً شديداً، ثمّ تطيّن وتوضع في الشمس قدر يوم في الصيف، وفي الشتاء قدر يومين. ثمّ يخرجه فيسحقه سحقاً ناعماً، ثم يديفه (٨) بماء المطر حتّى يصير بمنزلة الخلوق، ثمّ يستلقي على قفاه، ويطلي ذلك القرنفل المسحوق على الشقّ الماثل (٩) ولا يزال مستلقياً حتّى يجفّ القرنفل، فإنّه إذا جفّ رفعه الله عنه، وعاد إلى أحسن عاداته بإذن الله تعالى .

ـــــــــ

(١) الفالوذج: حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل.

(٢) رجال الكشي: ٦٥، عنه البحار: ٦٢ / ١٠٠ ح ٢٤.

(٣) اليرقان: حالة مرضيّة تمنع الصفراء من بلوغ المعى بسهولة، فتختلط بالدم فتصفّر بسبب ذلك أنسجة الحيوان.

(٤) القطاة، واحدة القطا: هو ضرب من الحمام ذوات أطواق يشبه الفاختة والقماري.

(٥) الكافي: ٦ / ٣١٢ ح ٥، عنه البحار: ٦٥ / ٤٣ ح ٢، والوسائل: ١٧ / ٣٣ ح ٢.

(٦) (وعينيه) م.

(٧) القرنفل: ثمر شجرة كالياسمين، وهو أفضل الأفاوية الحارة.

(٨) داف الدواء ونحوه: خلطه. أذابه في الماء وضربه فيه ليختثر. وفي م (تدنفه) تصحيف.

(٩) (الحامل) خل.

١٩٣

قال: فابتدر إليه أصحابنا فبشّروه بذلك، فعالجه بما أمره به، فعاد إلى أحسن ما كان بعون الله تعالى).(١)

علاج من أصابها حيض لا ينقطع

عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن مهزيار، قال: إنّ جارية لنا أصابها الحيض وكان لا ينقطع عنها حتّى أشرفت على الموت، فأمر أبو جعفرعليه‌السلام أن تسقى سويق العدس(٢) ، فسقيت فانقطع عنها وعوفيت)(٣) .

علاج برد المعدة وخفقان الفؤاد

عن محمّد بن عليّ زنجويه(٤) المتطبّب، قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان، قال: شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسىعليهم‌السلام برد المعدة وخفقاناً في فؤادي، فقالعليه‌السلام :(أين أنت عن دواء أبي، وهو الدواء الجامع ـ ؟ !) قلت: يابن رسول الله ! وما هو ؟ قال:معروف عند الشيعة . قلت: سيّدي ومولاي، فأنا كأحدهم فأعطني صفته حتّى أعالجه وأعطي الناس.

ـــــــــ

(١) الكافي: ٦ / ٨١، عنه في بحار الأنوار: ٦٢ / ١٨٦ ح ٢، ومستدرك الوسائل: ١٦ / ٤٤٦ ح ١١.

(٢) سويق العدس: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: سويق العدس يقطع العطش ويقوّي المعدة، وفيه شفاء من سبعين داء، ويطفئ الصفراء، ويبرّد الجوف، وكانعليه‌السلام إذا سافر لا يفارقه، وكانعليه‌السلام إذا هاج الدم بأحد من حشمه قال له: أشرب من سويق العدس، فإنّه يسكّن هيجان الدم، ويطفئ الحرارة (الكافي: ٦/٣٠٧ ح١).

وقال المجلسيرحمه‌الله في البحار: ٦٦ / ٦٣:... وأمّا إطفاؤه للصفراء والحرارة) كما في رواية أبي عبد اللهعليه‌السلام أعلاه (فقيل لجهتين: أحدهما من جهة التبريد في الأمزجة الحارّة، والآخر من جهة تغليظ الدم وتسكين حدّته، فيقلّ جريانه وسيلانه في العروق، ولهذا السبب يقطع دم الحيض كما في الخبر....

(٣) الكافي: ٦ / ٣٠٧ ح ٢، عنه الوسائل: ١٧ / ١٠ ح ٢.

(٤) (رنجومة) كما في نسخة اُخرى.

١٩٤

قال:خذ زعفران (١) وعاقرقرحا (٢) وسنبل (٣) وقاقلّة (٤) وبنج (٥) وخربق أبيض (٦) وفلفل أبيض (٧) أجزاء سواء، وأبرفيون (٨) جزءين، يدقّ ذلك كلّه دقّاً ناعماً، وينخل بحريرة، ويعجن بضعفي وزنه عسلاً (٩) منزوع

ـــــــــ

(١) الزعفران: نبات معمّر من الفصيلة السوسنيّة، منه أنواع بريّة ونوع صبغي طبيّ مشهور وهو حارّ يابس مفرح يقوّي الروح، وجيّده الطريّ الحسن اللون، الزكيّ الرائحة، على شعره قليل بياض غير كثير ممتلئ صحيح، سريع الصبغ، غير ملزج ولا متفتّت، وإذا كان في بيت لا يدخله سام أبرص. راجع الطب من الكتاب والسنّة: ١١٣، القانون: ١ / ٣٠٦، القاموس المحيط: ٢ / ٣٩.

(٢) العاقر قرحا: نبات من الفصيلة المركّبة تستعمل جذوره في الطبّ، ويكثر في إفريقية، وقال في إحياء التذكرة: ٤٣٠: هو أصل الطرخون الجبلي، ينقّي البلغم من الرأس، ويزيل وجع الأسنان والسعال وأوجاع الصدر وبرد المعدة والكبد، ويزيل الخناق غرغرة...

(٣) قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: ٣ / ٣٩٨: السنبل، كقنفذ: نبات طيّب الرائحة ويسمّى سنبل العصافير، أجوده السوري وأضعفه الهندي مفتّح محلّل مقوّ للدماغ والكبد والطحال والكلى والأمعاء مدرّ، وله خاصيّة في حبس النزف المفرط من الرحم، والسنبل الرومي الناردين.

(٤) القاقلّة: ثمر نبات هندي من العطر والأفاوية مقوّ للمعدة والكبد، نافع للغثيان والأعلال الباردة حابس، والقاقلّة الكبيرة أشدّ قبضاً من الصغيرة وأقل حرافة، قاله في القاموس المحيط: ٤ / ٣٩.

(٥) البنج: قال في المعجم الوسيط: ١ / ٧١: (من الهندية): جنس نباتات طبيّة مخدّرة من الفصيلة الباذنجانيّة. وقال في القاموس المحيط: ١ / ١٧٩: مسكّن لأوجاع الأورام والبثور ووجع الأذن، وأخبثه الأسود ثمّ الأحمر، وأسلمه الأبيض.

(٦) الخربق ـ كجعفر ـ نبات ورقه كلسان الحمل أبيض وأسود وكلاهما يجلو ويسخّن وينفع الصرع والجنون والمفاصل والبهق والفالج ويسهّل الفضول اللزجه، وربما أورث تشنّجات، وإفراطه مهلك... قاله في القاموس المحيط: ٣ / ٢٢٥، وقال ابن البيطار في جامعه: ٢ / ٥٥: عن ابن سرابيون أنّه قال: الخربق الأسود يسهّل المرّة الصفراء الغليظة جداً، ويعطى في العلل الحادة والمزمنة التي تحتاج إلى دواء يسهل المرّة الصفراء كعلل الصدر، وهو نافع في تنقية الأحشاء جداً والرحم والمثانة والعلل المتقادمة في قصبة الرئة.

(٧) الفلفل (كهدهد وزبرج): حبّ هندي، والأبيض أصلح وكلاهما نافع لقلع البلغم اللزج مضغاً بالزفت، ولتسخين العصب والعضلات تسخيناً لا يوازيه غيره وللمغص والنفخ واستعماله في اللعوق للسعال وأوجاع الصدر وقليله يعقل وكثيره يطلق ويجفّف ويدرّ ويبرّد المني بعد الجماع. القاموس المحيط: ٤ / ٣٢.

(٨) أبرفيون: هو صمغ تنتجه شجرة شائكة، ويحصل عليه بواسطة شق أغصان الشجرة فتسيل منها عصارة صمغية لا تلبث أن تجفّ وتتجمّد بعد ملامستها الهواء، ومن أسمائها، الفربيون، قال في القاموس المحيط: ٤ / ٢٥٥: هو دواء ملطف نافع لعرق النسا وبرد الكلى والقولنج ولسع الهوام وعضّة الكلب ويسقط الجنين ويسهّل البلغم اللزج.

(٩) العسل: قال تعالى في سورة النحل: ٦٩:( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) . هو غذاء ودواء ذكرت منافعه في الكثير من كتب الطبّ لا مجال لذكرها لكثرتها.

١٩٥

الرغوة، فيسقى منه صاحب خفقان الفؤاد، ومن به برد المعدة حبّة بماء كمّون (١) يطبخ، فإنّه يعافى بإذن الله تعالى .(٢)

علاج وجع الحصاة

عن محمّد بن حكام، قال: حدّثنا محمّد بن النضر ـ مؤدب ولد أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسىعليهم‌السلام ـ قال: شكوت إليه ما أجد من الحصاة، فقال: (ويحك ! أين أنت عن الجامع دواء أبي ؟ فقلت: سيّدي ومولاي أعطني صفته. فقال:هو عندنا، ياجارية أخرجي البستوقة الخضراء . قال: فأخرجت البستوقة، وأخرج منها مقدار حبّة. فقال:اشرب هذه الحبّة بماء السداب (٣) أو بماء الفجل (٤) المطبوخ، فإنّك تعافى منه (٥) . قال: فشربته بماء السداب، فوالله ما أحسست بوجعه إلى يومنا هذا)(٦) .

ـــــــــ

(١) الكمّون (كتنّور): حبّ مدرّ مجشّ هاضم طارد للرياح وابتلاع ممضوغه بالملح يقطع اللّعاب، والكمّون الحلو الآنيسون، والحبشي شبيه بالشونيز، والأرمني الكوربا، والبريّ الأسود. وقال في الطبّ من الكتاب والسنّة: ١٤٧: حار يحلّ القولنج ويطرد الريح، وإذا نقع في الخلّ وأكل قطع شهوة الطين والتراب وروي ليس شيء يدخل الجوف إلاّ تغيّر إلاّ الكمون.

(٢) راجع مستدرك عوالم العلوم والمعارف: ٢٣ / ٣٦١ ـ ٣٦٨.

(٣) ذكر المجلسي في بحار الأنوار: ٦٢ / ١٤٥. قال في القانون (١ / ٣٨٨)، السداب الرطب حارّ يابس في الثاني، واليابس حارّ يابس في الثالثة، واليابس السري حارّ يابس في الرابعة، وعصارته المسخّنة في قشور الرمان يقطر في الأذن فينقّيها ويسكن الوجع والطنين والدويّ، ويقتل الدود، ويطلي به قروح الرأس، ويحدّ البصر خصوصاً عصارته مع عصارة الرازيانج والعسل كحلاً وأكلاً، وقد يضمد به مع السويق على ضربان العين (انتهى).

وفي المعجم الوسيط: ١ / ٤٢٤ ـ بالذال المعجمة ـ: جنس نباتات طبيّة من الفصيلة السدابيّة. وقيل: نبات ورقه كالصعتر ورائحته كريهة.

(٤) الفجل: غذاؤه قليل وفيه حرارة، ويفتح سدد الكبد ويعين على الهضم ويعسر هضمه وأكله يولّد القمل. قاله في الطبّ من الكتاب والسنّة: ١٤٠، وفي هامشه: يؤكل الفجل مع باقي المشهّيات والمقبّلات للطعام، ويحتوي على الفيتامين (c) ومدرّ للبول، يساعد على الهضم، ويكافح السعال.

(٥) راجع هذا البحث في مستدرك عوالم العلوم (الإمام محمد بن علي الجوادعليه‌السلام ): ٢٣ / ٣٥٨ ـ ٣٧٠.

(٦) الكافي: ٩٩، عنه في بحار الأنوار: ٦٢ / ٢٤٩ ح ١١، ومستدرك الوسائل: ١٦ / ٤٦٥ / ح ٢٥.

١٩٦

٦ ـ الدعاء في تراث الإمام الجوادعليه‌السلام

هذه مجموعة من الأدعية الجليلة رواها الإمام الجوادعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله عز وجل وهي بمثابة صحيفة الجوادعليه‌السلام في الدعاء والمناجاة.

روى السيد ابن طاووس بإسناده إلى أبي جعفر بن بابويه عن إبراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي، قال: (حدّثنى أبي ـ وكان خادماً لمحمد بن علي الجوادعليه‌السلام : لمّا زوج المأمون أبا جعفر محمد بن على بن موسىعليهم‌السلام ابنته، كتب إليه:إن لكل زوجة صداقاً من مال زوجها، وقد جعل الله أموالنا في الآخرة، مؤجلة مذخورة هناك، كما جعل أموالكم معجّلة في الدنيا وكنزها هاهنا. وقد أمهرت ابنتك: الوسائل إلى المسائل، وهي مناجاة دفعها إليَّ أبي، قال: دفعها إليَّ أبي موسى، قال: دفعها إليَّ أبي جعفر، قال: دفعها إليَّ محمد أبي، قال: دفعها إليَّ علي بن الحسين أبي، قال: دفعها إليَّ الحسين أبي: قال: دفعها إليَّ الحسن أخي، قال: دفعها إليَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)، قال: دفعها إليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: دفعها إليَّ جبرئيل عليه‌السلام ، قال: يا محمد... ربّ العزّة يقرئك السلام ويقول لك: هذه مفاتيح كنوز الدنيا والآخرة، فاجعلها وسائلك إلى مسائلك، تصل إلى بغيتك وتنجح في طلبتك، فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظّ في آخرتك. وهي عشر وسائل (إلى عشر مسائل)تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح، وتطلب بها الحاجات فتنجح وهذه نسختها )(١) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ـ ٢٣٨.

١٩٧

١ ـ المناجاة للاستخارة:

(بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إن خيرتك فيما استخرتك فيه تُنيل الرغائب، وتجزل المواهب، وتغنم المطالب، و تطيب المكاسب، وتهدي إلى أجمل المذاهب، وتسوق إلى أحمد العواقب، وتقي مخوف النوائب.

اللهمّ إني أستخيرك فيما عزم رأيي عليه، وقادني عقلي إليه، فسهّل اللهمّ منه ما توعّر، ويسّر منه ما تعسّر، واكفني فيه المهمّ، وادفع عنّي كلّ ملمّ، واجعل يا ربّ عواقبه غُنماً، ومخوفه سلماً، وبُعده قرباً، وجدبه خصباً.

وأرسل اللهم إجابتي، وأنجح طلبتي، واقض حاجتي، واقطع عنّي عوائقها، وامنع عنّي بوائقها، واعطني اللهمّ لواء الظفر والخيرة فيما استخرتك، ووُفور المغنم فيما دعوتك، وعوائد الإفضال فيما رجوتك. واقرُنه اللهمّ بالنجاح، وخصّه بالصلاح، وأرني أسباب الخيرة فيه واضحة، وإعلام غُنمها لائحة، و اشدد خناق تعسّرها، وانعش صريع تيسّرها. وبيّن اللهمّ ملتبسها واطلق محتبسها، ومكّن أُسّها حتّى تكون خيرة مقبلة بالغُنم مزيلة للغُرم، عاجلة للنفع، باقية الصنع، إنّك مليئ بالمزيد، مبتدئ بالجود) .

٢ ـ المناجاة بالاستقالة:

(بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إنّ الرجاء لسعة رحمتك أنطقني باستقالتك والأمل لأناتك، ورفقك شجعني على طلب أمانك وعفوك، ولي يا ربِّ ذنوب قد واجَهَتها أوجه الانتقام، وخطايا قد لاحظتها أعين الاصطلام، واستوجبت بها على عدلك أليم العذاب، واستحققت باجتراحها مبير العقاب، وخفت تعويقها لإجابتي، وردّها إيّاي عن قضاء حاجتي، وإبطالها لطلبتي، وقطعها لأسباب رغبتي، من أجل ما قد أنقض ظهري من ثقلها، وبهظني من الاستقلال بحملها، ثمّ تراجعت ربّ إلى حلمك عن الخاطئين، وعفوك عن المذنبين، ورحمتك للعاصين، فأقبلت بثقتي متوكّلاً عليك، طارحاً نفسي بين يديك، شاكياً بثّي اليك، سائلاً ما لا استوجبه من تفريج الهمّ، ولا استحقه من تنفيس الغمّ، مستقيلاً لك إيّاي، واثقاً مولاي بك.

اللهمّ فامنُن عليّ بالفرج، وتطوّل بسهولة المخرج، وادلُلني برأفتك على سمت المنهج، وأزلقني بقدرتك عن الطريق الأعوج، وخلّصني من سجن الكرب بإقالتك، واطلق أسري برحمتك، وطُل عليّ برضوانك، وجُد عليّ بإحسانك، وأقلني عثرتي، وفرّج كربتي، وارحم عبرتي، ولا تحجب دعوتي، واشدد بالإقالة أزري، وقوّ بها ظهري، وأصلح بها أمري، وأطل بها عمري، وارحمني يوم حشري ووقت نشري، انك جواد كريم، غفور رحيم) .

١٩٨

٣ ـ المناجاة بالسفر:

(بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إنّي أريد سفراً فخر لي فيه، وأوضح لي فيه سبيل الرأي، وفهّمنيه، وافتح عزمي بالاستقامة، واشملني في سفري بالسلامة، وأفدني جزيل الحظ والكرامة، واكلأني بحسن الحفظ والحراسة، وجنّبني اللهمّ وعثاء الأسفار، وسهّل لي حُزونة الأوعار، وأطو لي بساط المراحل، وقرّب منّي بُعد نأي المناهل، وباعدني في المسير بين خُطى الرواحل، حتّى تقرّب نياط البعيد، وتسهّل وعور الشديد.

ولقّني اللهمّ في سفري نجح طائر الواقية، وهبني فيه غُنم العافية، وخفير الاستقلال، ودليل مجاوزة الأهوال، وباعث وفور الكفاية، وسانح خفير الولاية، واجعله اللهمّ سبَب عظيم السِلم حاصل الغُنم.

واجعل الليل عليّ ستراً من الآفات، والنهار مانعاً من الهلكات، واقطع عنّي قطع لصوصه بقدرتك، واحرسني من وحوشه بقوّتك، حتى تكون السلامة فيه مصاحبتي، والعافية مُقاربتي، واليُمن سائقي، واليُسر مُعانقي، والعسر مفارقي، والفوز موافقي، والأمن مُرافقي، إنك ذو الطول والمنّ، والقوّة والحول، وأنت على كلّ شيء قدير، وبعبادك بصير خبير) .

٤ ـ المناجاة في طلب الرزق:

(بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ أرسل عليّ سجال رزقك مدراراً، و أمطر عليّ سحائب إفضالك غِزاراً، وأدم غيث نيلك إلي سجالاً، وأسبل مزيد نعمك على خلّتي إسبالاً، وأفقرني بجودك إليك، وأغنني عمّن يطلب ما لديك، وداوِ داء فقري بدواء فضلك، وانعش صرعة عَيلتي بطولك، و تصدّق على إقلالي بكثرة عطائك، وعلى اختلالي بكريم حبائك، وسهّل ربّ سبيل الرزق إلي، وثبّت قواعده لديّ، وبجّس لي عيون سعته برحمتك، وفجّر أنهار رغد العيش قبلي برأفتك، وأجدب أرض فقري، وأخصب جدب ضرّي، واصرف عنّي في الرزق العوائق، واقطع عنّي من الضيق العلائق، وارمني من سهم الرزق اللهم بأخصب سهامه، وأحيني من رغد العيش بأكثر دوامه، واكسُني اللهمّ سرابيل السعة، وجلابيب الدّعة فإنّي يا ربّ منتظر لإنعامك بحذف المضيق، ولتطوّلك التعويق، ولتفضلك بإزالة التقتير، ولوصول حبلي بكرمك بالتيسير.

وأمطر اللهمّ عليّ سماء رزقك بسجال الدّيم، وأغنني بعوائد النّعم، وارم مقاتل الإقتار منّي، واحمل كشف الضر عنّي على مطايا الإعجال، واضرب عنّي الضيق بسيف الاستيصال، وأتحفني ربّ منك بسعة الإفضال، وامددني بنموّ الأموال، واحرسني من ضيق الإقلال.

١٩٩

واقبض عنّي سوء الجدب، وابسط لي بساط الخصب، واسقني من ماء رزقك غدقاً، وانهج لي عميم بذْلك طُرُقاً، وفاجئني بالثروة والمال، وأنعشني به من الإقلال، وصبّحني بالاستظهار، ومسّني بالتمكّن من اليسار، إنّك ذوالطول العظيم، والفضل العميم، والمنّ الجسيم وأنت الجواد الكريم) .

٥ ـ المناجاة بالاستعاذة:

(بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إني أعوذ بك من ملمّات نوازل البلاء، وأهوال عظائم الضرّاء، فأعذني ربّ من صرعة البأساء، واحجُبني من سطوات البلاء، ونجّني من مفاجأة النقم وأجرني من زوال النعم ومن زلل القدم، واجعلني اللهمّ في حياطة عزّك، وحفاظ حرزك من مباغتة الدوائر، ومعاجلة البوادر.

اللهمّ ربّ، وأرض البلاء فاخسِفها، وعرصة المحن فارجفها، وشمس النوائب فاكسِفها، وجبال السوء فانسفها، وكُرَبَ الدهر فاكشفها، وعوائق الأمور فاصرفها، وأوردني حياض السلامة، واحملني على مطايا الكرامة، واصحبني بإقالة العثرة، واشملني بستر العورة.

وجُدْ عليّ يا رب بآلائك، وكشف بلائك، ودفع ضرّائك، وادفع عنّي كلاكل عذابك، واصرف عنّي أليم عقابك، وأعذني من بوائق الدهور، وأنقذني من سوء عواقب الأمور، واحرسني من جميع المحذور.

واصدع صفات البلاء عن أمري، واشلُل يده عنّي مدى عُمري. إنّك الربّ المجيد، المبدئ المعيد، الفعّال لما تريد) .

٦ ـ المناجاة بطلب التوبة:

(بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إني قصدت إليك بإخلاص توبة نصوح، وتثبيت عقد صحيح، ودعاء قلب قريح وإعلان قول صريح.

اللهمّ فتقبّل منّي مخلص التوبة، وإقبال سريع الأوبة، ومصارع تخشّع الحوبة. وقابل ربّ توبتي بجزيل الثواب، وكريم المآب، وحطّ العقاب، وصرف العذاب، وغُنم الإياب، وستر الحجاب.

وامحُ اللهمّ ما ثبت من ذنوبي، واغسل بقبولها جميع عيوبي، واجعلها جاليةً لقلبي، شاخصة لبصيرة لُبّي، غاسلة لدرني، مطهّرة لنجاسة بدني، مصحّحة فيها ضميري، عاجلة إلى الوفاء بها بصيرتي.

واقبَل ياربّ توبتي، فإنها تصدر من إخلاص نيّتي، ومحض من تصحيح بصيرتي، واحتفال في طويّتي واجتهاد في نقاء سريرتي، وتثبيت لإنابتي، مسارعةً إلى أمرك بطاعتي.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214