تقديم تفضّل به سماحة أستاذنا العلامة الدكتور الشيخ معين دقيق العاملي (حفظه الله)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الّّذِي جعل أُمتنا أمةً وسطى، وسلك بنا الطريقة المثلى، وجعلنا على خير ملّةٍ نموت ونحياز ثمَّ الصلاة والسلام على نيّه المصطفى، وابن عمّه المرتضى، وبضعته فاطمة الزهرا، وشبليها ومن جاء بعدهما أئمّة من نسل سيّد الشهدا...
قال تعالى:(
وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاماً
)
[الفرقان: ٦٧].
الوسطية بحسب الاستعمال القرآني: هي الصّيرورة في حدٍّ لا يكون إِلَى جانب الإفراط والتفريط، وهي كلمةٌ وإنْ كانت لم تستعمل بلفظها ومادتها كثيراً في القرآن والسُّنة، ولكنّها بمرادفاتها فاق استعمالها حدّ الإحصاء، وأكثر هذه المرادفات شيوعاً لفظة (العدالة) بمشتقاتها المختلفة.
وهذا المعنى بألفاظه المختلفة هو الغاية من بعثة الأنبياء، قال تعالى:(
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ
)
[الحديد: ٢٥]، ومنه تبرز أهمية الكتابة في هذا المفهوم، وبيان مقوّماته وحدوده، والتحفيز على جعله منهجاً يسلك، في زمنٍ أحاط بالإسلام صنفان من الأعداء دأبا على التشكيك في تشريعاته وأحكامه، وآدابه وقيمه، سواء كان ذلك التشكيك بالقول واللسان أم بالفعل والعمل...
العدو الأوّل: وهو العدو الخارجي، الَّذِي بدأ منذ صدر الإسلام، متمثّلاً بمشركي مكّة تارةً ومنافقي المدينة المفضوحين أُخرى، ويهود الجزيرة ثالثة، ومعسكر الكفر والشرك في بلاد الروم وفارس رابعة.
العدو الثاني: وهو العدو المتغلل في كيان الأُمّة الإسلامية، الَّذِي يتلبّس بلباس التديُّن والإيمان، وهو في واقعه موغلٌ في البعد عن تعاليم الإسلام ومفاهيمه وقيمه. وتلبُّسه الظاهري بالصلاح والتقوى والتديُّن قد يكون عن سبق إصرار وإضمار لما هو خلاف ذلك، وهذا هو المنافق الَّذِي لم يظهر حاله لكثيرين. وقد يكوه عن جهل وبساطةٍ فكرية وقلّة وعيٍّ.
وقد استطاع النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) وثلّةٌ من أصحابه الصالحين أن يُثبتوا للبشرية آنذاك عظمة الإسلام بشتّى الوسائل، ويبطلوا أراجيف الأعداء من كِلا الصِّنفين، خصوصاً عن طريق التجسيد الحقيقي لمفهوم العدالة والوسطية والقسط بين الناس.