فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 273805
تحميل: 6259

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273805 / تحميل: 6259
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يتيسّر لنا الاطلاع تاريخياً على موقف الناس فيهم.

موقف جمهور أهل الكوفة

فقد استقبل الكوفيون العائلة الكريمة - التي عوملت معاملة الكفّار في السلب والأسر والتشهير - بالبكاء والصراخ، والنوح والتوجّع، والتفجّع والتأسّف(١) ، وقد شقّت النساء جيوبهنَّ على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) والتَدَمنَ(٢) .

وعن حاجب ابن زياد أنّه قال: ثمّ أُمر بعلي بن الحسين (عليه السّلام) فُغلَّ، وحُمل مع النسوة والسبايا إلى السجن وكنت معهم، فما مررنا بزقاق إلّا وجدناه مُلئ رجالاً ونساءً يضربون وجوههم ويبكون، فحُبسوا في سجن وطُبق عليهم(٣) .

كما ورد أنّه بعد أن خطبت أُمّ كلثوم (عليها السّلام) ضجّ الناس بالبكاء والنوح، ونشر النساء شعورهنَّ، وخمشنَ وجوههنَّ، وضربنَ خدودهنَّ، ودعونَ بالويل والثبور، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم، فلم يُرَ باكٍ وباكية أكثر من ذلك اليوم(٤) .

ولولا حصول الجوّ المناسب والأرضية الصالحة لما تيسّر لها ولا لغيرها من أفراد العائلة الكريمة الخطبة في الناس بعد أن أُدخلوا إلى الكوفة أسرى يُراد

____________________

١ - بلاغات النساء/٢٣ كلام أُمّ كلثوم بنت علي (عليها السّلام)، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٣٩ تسمية مَنْ قُتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمّه (رضي الله عنهم)، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٥ مقتل الحسين بن علي، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٤٠، مطالب السؤول/٤٠٣، الأمالي - للمفيد/٣٢١، الأمالي - للطوسي/٩٢، اللهوف في قتلى الطفوف/٨٦، بحار الأنوار ٤٥/١٦٢، وغيرها من المصادر.

٢ - بلاغات النساء/٢٣ - ٢٤ كلام أُمّ كلثوم بنت علي (عليها السّلام)، جمهرة خطب العرب ٢/١٣٤خطبة السيدة أُمّ كلثوم بنت علي في أهل الكوفة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام)، الأمالي - للمفيد/٣٢١، الأمالي - للطوسي/٩١، والتدام النساء: ضربهنَّ وجوههنَّ في المأتم.

٣ - الأمالي - للصدوق/١٤٦ مجلس ٣١ رقم الحديث ٣، وعنه في بحار الأنوار ٤٥/١٥٤.

٤ - اللهوف في قتلى الطفوف ٩١ - ٩٢، وذكر قريباً من ذلك الخوارزمي في مقتله ٢/٤١.

١٠١

التشهير بهم وتوهينهم.

على أنّه يبدو من بعض خُطب أهل البيت (عليهم السّلام) في الكوفة أنّ السلطة قد سبقت ركب الأسرى من العائلة الثاكلة ببعض مظاهر التبجّح بالواقعة؛ في محاولة منها للتشهير بها، وإظهار السرور على الصعيد العام بما أوقعته بها.

فقد ورد في خطبة فاطمة الصغرى في الكوفة حال السبي قولها: تبّاً لكم يا أهل الكوفة! كم تراث(١) لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قِبَلكم، وذحوله(٢) لديكم؟! ثمّ غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) جدّي وبنيه وعترة النبي الطيبين الأخيار. وافتخر بذلك مفتخر، فقال:

نحنُ قتلنا علياً وبني علي

بسيوفٍ هنديةٍ ورماحِ

وسبينا نساءَهم سبي ترك

ونطحناهمُ فأيّ نطاحِ

فقالت: بفيك أيّها القائل الكثكث، ولك الاثلب...(٣) .

ولكنّ ذلك لم يقوَ على كبح جماح عواطف جمهور الناس نحو العائلة الكريمة وأهل البيت (صلوات الله عليهم)، وإظهار التعاطف معهم، والبكاء عليهم، والتفجّع لهم.

وهكذا الحال لما أُخرجوا من الكوفة إلى الشام، فقد روى ابن سعد بسنده عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) أنّه قال: «حُملنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية، فغصّت طرق الكوفة بالناس يبكون، فذهب عامّة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس. فقلت: هؤلاء الذين قتلونا، وهم الآن

____________________

١ - التراث: ما يخلفه الرجل لورثته، وفي مثير الأحزان/٦٨: أيّ ترات، بالتاء المثناة. وترات جمع تِرة: وهي إصابة الشخص بظلم أو مكروه، وهو أنسب بالمقام.

٢ - الذحول جمع ذحل وهو الثأر.

٣ - الاحتجاج ٢/٢٨، واللفظ له، اللهوف في قتلى الطفوف/٩٠، مثير الأحزان/٦٨، والكثكث: هو التراب وفتات الحجارة. وكذا الأثلب والإثلب.

١٠٢

يبكون»(١) .

موقف جمهور أهل المدينة المنوّرة

أمّا في المدينة المنوّرة فإنّه لما وصل الخبر بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) لعمرو بن سعد بن العاص الأشدق أمر المنادي أن يعلن بقتله في أزقّة المدينة، فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية بني هاشم، واتصلت الصيحة بدار الأشدق، فضحك شامتاً، وأنشد:

عجّت نساءُ بني زيادٍ عجة

كعجيجِ نسوتنا غداةَ الأرنبِ(٢)

قال ابن طاووس: فعظمت واعية بني هاشم، وأقاموا سنن المصائب والمآتم(٣) .

وقال اليعقوبي: «وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أُمّ سلمة زوج رسول الله، كان دفع إليها قارورة فيها تربة، وقال لها: إنّ جبرئيل أعلمني أنّ أُمّتي تقتل الحسين. قالت: وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنّ الحسين قد قُتل... فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت: وا حسيناه! وا ابن رسول الله! وتصارخت النساء من كلّ ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجّة التي ما سمع بمثلها قطّ»(٤) .

____________________

١ - ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨٩ ح ٣١٣.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٣٥٦ - ٣٥٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، الكامل في التاريخ ٤/٨٩ في أحداث سنة إحدى وستين، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، الإرشاد ٢/١٢٣، مثير الأحزان/٧٤، وغيرها من المصادر.

٣ - اللهوف في قتلى الطفوف/٩٩.

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٦ مقتل الحسين بن علي.

وقد استفاضت أحاديث الشيعة والجمهور المتضمّنة دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأُمّ سلمة (رضي الله عنها) تربة، وأعلمها أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إذا قُتل تصير دماً، وأنّها علمت =

١٠٣

وخرجت بنت عقيل في جماعة من نساء قومها حتى انتهت إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلاذت به، وشهقت عنده، ثمّ التفتت إلى المهاجرين والأنصار وأنشدت:

ماذا تقولونَ إن قالَ النبي لكم

يومَ الحسابِ وصدقَ القولِ مسموعُ

خذلتموا عترتي أو كنتمُ غيب

والحقّ عند وليّ الأمرِ مجموعُ

أسلمتموهم بأيدي الظالمينَ فم

منكم لهُ اليومَ عندَ الله مشفوعُ

ما كانَ عندَ غداةِ الطفِّ إذ حضروا

تلكَ المنايا ولا عنهنَّ مدفوعُ

فأبكت مَنْ حضر، ولم يُرَ باكٍ وباكية أكثر من ذلك اليوم(١) .

____________________

= بقتله (عليه السّلام) حينما رأت أنّ تلك التربة صارت دماً.

قال ابن الأثير: فأعلمت الناس بقتله أيضاً. الكامل في التاريخ ٤/٩٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر أسماء مَنْ قُتل معه، وراجع حديث التربة المذكور في مجمع الزوائد ٩/١٨٩ كتاب المناقب، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام)، والمعجم الكبير ٣/١٠٨ مسند الحسين بن علي، ذكر مولده وصفته، وتاريخ دمشق ١٤/١٩٣ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وتهذيب الكمال ٦/٤٠٩ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وتهذيب التهذيب ٢/٣٠١ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، والوافي بالوفيات ١٢/٢٦٣ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وإمتاع الأسماع ١٢/٢٣٨، والفتوح - لابن أعثم ٤/٣٢٧ ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده وشيعته من ورائه وأهل السنّة وما ذكروا في ذلك من الاختلاف، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - الأمالي - للمفيد/٣١٩، الأمالي - للطوسي/٩٠، مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب/٢٦٢.

وعن أبي الكنود قال: ولما أُتي أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها، وهي حاسرة تلوي بثوبها وتقول:

ماذا تقولونَ إن قالَ النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الأُممِ

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أُسارى ومنهم ضُرّجوا بدمِ

تاريخ الطبري ٤/٣٥٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٨٨ - ٨٩ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، البداية والنهاية ٨/٢١٥ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن، المعجم الكبير ٣/١١٨ مسند الحسين بن علي، ذكر مولده وصفته، مجمع الزوائد ٩/١٩٩ - ٢٠٠ =

١٠٤

ولعلّه؛ لذا أمر عمرو بن سعيد بن العاص بعد قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) صاحب شرطته عمرو بن الزبير أن يهدم دور بني هاشم ففعل، وبلغ منهم كلّ مبلغ، وهدم دار ابن مطيع، وضرب الناس ضرباً شديداً، فهربوا منه إلى ابن الزبير(١) .

حيث لا يبعد أن يكون ذلك منه ردّاً على الناس وعقوبة لهم؛ لأنّهم تحدّوا بعواطفهم موقف السلطة، وإظهاراً لصرامتها في ذلك، وردّاً لهيبتها واعتبارها.

موقف أهل المدينة عند رجوع العائلة الثاكلة إليه

أمّا بعد رجوع ركب العائلة مكرّماً إلى المدينة - نتيجة تراجع السلطة عن موقفها، كما يأتي - فقد اندفع الناس في إظهار عواطفهم.

فعن الواقدي أنّه لم يبقَ بالمدينة أحد، وخرجوا يضجّون بالبكاء(٢) . وقال الخوارزمي: عجت نساء بني هاشم، وصارت المدينة صيحة واحدة(٣) .

وروي أنّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) بعث بشر بن حذلم ينعى الإمام الحسين (عليه السّلام) لأهل المدينة، ويخبرهم بأنّ ركبه قد نزل بساحتهم، فخرج الناس يهرعون، ولم تبقَ مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزنَ من خدورهنّ يدعونَ بالويل والثبور، وضجّت المدينة بالبكاء، فلم يُرَ باكٍ أكثر من ذلك اليوم.، وخرجوا

____________________

=كتاب المناقب، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام)، تاريخ دمشق ٦٩/١٧٨ في ترجمة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر.

١ - الأغاني ٥/٧٥ ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات، وقد تعرّض لبعض ذلك الزركلي في الأعلام ٧/٢٤٨ في ترجمة مصعب بن الزبير.

٢ - ينابيع المودّة ٣/٤٧، تذكرة الخواص/٢٦٧ حديث الجمال التي حمل عليها الرأس والسبايا.

٣ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٧٦.

١٠٥

لاستقبال العائلة الثاكلة وقد أخذوا الطرق والمواضع(١) .

موقف الناس في الشام

وحتى الشام فإنّها وإن حُجر عليها ثقافياً، ولم تعرف عموماً غير ثقافة الأمويين، إلّا إنّه كان هناك تململ وإنكار من بعض الخاصة في مجلس يزيد(٢) ، وفي بعض المناطق بتكتّم وحذر شديدين(٣) .

كما إنّ التاريخ قد تضمّن كثيراً من الإنكارات الفردية بصور متفرّقة، وفي مناسبات مختلفة، ومن الطبيعي أنّ ما لم يسجّل منها أكثر.

وقع الحدث في أمصار المسلمين البعيدة

وعلم الله تعالى كيف كان وقع الحدث في أمصار المسلمين الأُخرى التي هي بسبب بعدها عن الأحداث أبعد عن ضغط الطغمة الحاكمة.

ولاسيما إنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) قد خطا خطوة مهمّة في تعريف المسلمين في أقطار الأرض بمقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) في

____________________

١ - اللهوف في قتلى الطفوف/١١٥، مثير الأحزان/٩٥ - ٩٦.

٢ - تاريخ دمشق ٦٨/٩٥ في ترجمة رجل له صحبة، أسد الغابة ٥/٣٨١ في ذكر عبد الواحد بن عبد الله القرشي عن رجل من الصحابة، تهذيب الكمال ٦/٤٢٩ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، سير أعلام النبلاء ٣/٣٠٩ في ترجمة الحسين الشهيد، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله/٤٦، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨٢ ح ٢٩٦، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٥٠، ١٥٤ ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهما)، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٧١ - ٧٣، تذكرة الخواص/٢٦٣، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٣ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٦١، اللهوف في قتلى الطفوف/١٠٢ - ١٠٣، بحار الأنوار ٤٥/٢٧٣، وغيرها من المصادر.

١٠٦

مؤتمره الذي عقده في الحجّ في أواخر عهد معاوية.

محاولة الإمام الحسين (عليه السّلام) نشر مناقب أهل البيت (عليهم السّلام)

فقد ورد أنّه (عليه السّلام) جمع وجوه مَنْ بقي من المهاجرين والأنصار، وجماعة ممّن يُعرف بالنسك والصلاح من التابعين المنتشرين في الأقطار الإسلامية وخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال (صلوات الله عليه):

«أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني.

أسألكم بحقّ الله عليكم، وحقّ رسول الله، وحقّ قرابتي من نبيّكم، لما سيّرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي، ودعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم مَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا؛ فإنّي أتخوّف أن يُدرس هذا الأمر، ويذهب الحقّ ويُغلَب،( وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) ».

ثمّ ما ترك (صلوات الله عليه) شيئاً ممّا أنزل الله تعالى فيهم من القرآن إلّا تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أبيه وأُمّه وأخيه وفي نفسه وأهل بيته (صلوات الله عليهم) إلّا رواه.

وفي كلّ ذلك يقول مَنْ شهد الحديث من الصحابة: اللّهمّ نعم، وقد سمعنا وشهدنا. ويقول التابعي: اللّهمّ قد حدّثني به مَنْ أصدقه وأئتمنه من الصحابة. فقال (عليه السّلام): «أُنشدكم الله إلّا حدّثتم به مَنْ تثقون به وبدينه». ثمّ تفرّقوا على ذلك(٢) .

____________________

١ - سورة الصف/٨.

٢ - كتاب سليم بن قيس الهلالي/٣٢٠ - ٣٢١، الاحتجاج ٢/١٨ - ١٩.

١٠٧

جهود العائلة الثاكلة في كشف الحقيقة وتهييج العواطف

أمّا العائلة الثاكلة التي لم يكن فيها من الرجال سوى الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) الذي أنهكه المرض فقد رأت الأرضية الصالحة لبيان الحقيقة، والجوّ المناسب لذلك، فاستثمرت الظلامة لتهييج العواطف.

وقد تيسّر لها في هذه المدّة الطويلة أن تكشف الحقيقة، وتُعلن عن شرف النهضة، ورفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وعن فداحة المصاب، وعظم الجريمة، بنحو ينبّه الغافلين، ويهيج العواطف، ويصدع القلوب، ويترك أعمق الأثر في النفوس.

كان ذلك منها في كربلاء قُبيل قتل الإمام الحسين (عليه السّلام)(١) وبعد

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٤٥ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، الكامل في التاريخ ٤/٧٨ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، البداية والنهاية ٨/٢٠٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن، الإرشاد ٢/١١٢، وغيرها من المصادر.

وقد قال الطبري في حديث رواه: وعُتب على عبد الله بن عمار بعد ذلك مشهده قتل الحسين، فقال عبد الله بن عمار: إنّ لي عند بني هاشم ليداً. قلنا له: وما يدك عندهم؟ قال: حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه، فوالله لو شئت لطعنته، ثمّ انصرفت عنه غير بعيد، وقلت: ما أصنع بأن أتولّى قتله؟! يقتله غيري. قال: فشدّ عليه رجّالة ممّن عن يمينه وشماله، فحمل على مَنْ عن يمينه حتى أُذعروا، وعلى مَنْ عن شماله حتى أُذعروا، وعليه قميص له من خز وهو معتم. قال: فوالله، ما رأيت مكسوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، ولا أجرأ مقدماً. والله، ما رأيت قبله ولا بعده مثله؛ إن كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب. قال: فوالله، إنّه لكذلك، إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أُخته... وهي تقول: ليت السماء تطابقت على الأرض. وقد دنا عمر بن سعد من حسين، فقالت: يا عمر بن سعد، أُيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! قال: فكأنّي أنظر إلى دموع عمر وهى تسيل على خدّيه ولحيته. قال: وصرف بوجهه عنها.

١٠٨

قتله(١) ، وفي الكوفة على ملأ من الناس(٢) ، وفي مجلس ابن زياد(٣) ،

____________________

١ - مثير الأحزان/٥٩، مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ٣/٢٦٠، اللهوف في قتلى الطفوف/٧٨ - ٧٩.

ومن ذلك ما رواه الطبري عن قرّة بن قيس التميمي قال: نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحنَ ولطمنَ وجوههنَّ. قال: فاعترضتهنَّ على فرس، فما رأيت منظراً من نسوة قطّ كان أحسن من منظر رأيته منهنَّ ذلك. والله، لهنَّ أحسن من مها يبرين. قال: فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول: يا محمداه! يا محمداه! صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء. يا محمداه! وبناتك سبايا، وذريّتك مقتّلة تسفى عليها الصبا. قال: فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق. تاريخ الطبري ٤/٣٤٨ - ٣٤٩ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة.

٢ - تقدّم التعرّض لبعض ذلك عند ذكر موقف أهل الكوفة حين استقبلوا العائلة الثاكلة. راجع ملحق رقم ٣.

٣ - فقد نقل ابن نما عن حميد بن مسلم أنّه قال: لما أُدخل رهط الحسين (عليه السّلام) على عبيد الله بن زياد - لعنهما الله - أذن للناس إذناً عاماً. وجيء بالرأس فوضِع بين يديه، وكانت زينب بنت علي (عليهما السّلام) قد لبست أردأ ثيابها وهي متنكّرة، فسأل عبيد الله عنها ثلاث مرّات، وهي لا تتكلّم. قيل له: إنّها زينب بنت علي بن أبي طالب، فاقبل عليها، وقال: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب أحدوثتكم. فقالت: الحمد الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وطهرنا تطهيراً، [لا كما تقول أنت. تاريخ الطبري] إنّما يُفتضح الفاسق، ويُكذب الفاجر، وهو غيرنا. فقال: كيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتكِ؟ قالت: ما رأيت إلّا جميلاً، هؤلاء قوم كُتب عليهم القتل؛ فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتُحاج وتُخاصم، فانظر لمَنْ الفلج، هبلتك أُمّك يابن مرجانة.

فغضب ابن زياد، [وكأنّه هم بها. اللهوف، مقتل الحسين (عليه السّلام) ]، وقال له عمرو بن حريث: إنّها امرأة، ولا تُؤاخذ بشيء من منطقها. فقال ابن زياد: لقد شفاني الله من طغاتكِ والعصاة المردة من أهل بيتكِ. فبكت، ثمّ قالت: لقد قتلت كهلي، [وأبّرت أهلي. الطبري] وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي. فإن تشفّيت بهذا فقد اشتفيت. مثير الأحزان/٧٠. راجع الأمالي - للصدوق/٢٢٩، والإرشاد ٢/١١٥، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج:١ =

١٠٩

وفي الشام(١) ، وفي مجلس يزيد(٢) .

وإنّ من أشدّ ذلك خطبة العقيلة زينب (عليها السّلام) بنت أمير المؤمنين (صلوات

____________________

= ص: ٤٧١ - ٤٧٢، واللهوف في قتلى الطفوف/٩٣ - ٩٤، وتجده مع اختلاف يسير في تاريخ الطبري ٤/٣٤٩ - ٣٥٠ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، والكامل في التاريخ ٤/٨١ - ٨٢ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (عليه السّلام)، والبداية والنهاية ٨/٢١٠ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن، والفتوح - لابن أعثم ٥/١٤٢ ذكر دخول القوم على عبيد الله بن زياد، ومقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٤٢، وغيرها من المصادر.

١ - قال الخوارزمي: ثمّ أُتي بهم حتى أقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي، وإذا شيخ أقبل حتى دنا منهم قال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح العباد من رجالكم، وأمكن أمير المؤمنين منكم. فقال له علي بن الحسين (عليه السّلام): «يا شيخ، هل قرأت القرآن؟». قال: نعم. قال: «هل قرأت هذه الآية( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟». قال الشيخ: قرأتها. قال: «فنحن القربى يا شيخ. وهل قرأت هذه الآية( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ؟». قال: نعم. قال: «فنحن أهل البيت الذي خُصصنا بآية الطهارة». فبقي الشيخ ساكتاً ساعة نادماً على ما تكلّم به، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فقال: اللّهمّ إنّي أتوب إليك من بغض هؤلاء، وإنّي أبرأ إليك من عدوّ محمد وآل محمد من الجنّ والإنس.

مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٦١ - ٦٢، وقد ذكر القصّة باختلاف يسير في اللهوف في قتلى الطفوف/١٠٢ - ١٠٣، وفي تفسير الطبري ٢٥/٣٣، وتفسير الثعلبي ٨/٣١١، وتفسير ابن كثير ٤/١٢١، وروح المعاني - للآلوسي ٢٥/٣١، والدرّ المنثور ٦/٧، وغيرها من المصادر.

٢ - قال ابن الجوزي: وكان علي بن الحسين والنساء موثقين في الحبال، فناداه علي: يا يزيد، ما ظنّك برسول الله لو رآنا موثقين في الحبال، عرايا على أقتاب الجمال؟! فلم يبقَ في القوم إلّا مَنْ بكى. تذكرة الخواص/١٦٢، واللفظ له، الأنوار النعمانية ٣/٢٥١ نور في بعض أحوال واقعة الطفوف، اللهوف في قتلى الطفوف/١٠١.

وروى الخوارزمي كلام له (عليه السّلام) مع يزيد أشدّ من هذا لا يسعنا ذكره لطوله. مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٦٣.

١١٠

الله عليه) في مجلس يزيد حينما تبجّح بقتله للحسين (عليه السّلام)، وأنشد الأبيات المتقدّمة، حيث إنّها لم تقتصر على بيان ظلامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وفداحة المصاب، بل زادت على ذلك بتبكيت يزيد وتكفيره، والتأكيد على هوانه على الله تعالى، وعلى خسّته وخسّة أصوله وعراقتهم في الكفر، ووعده بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، والتأكيد على أنّ العاقبة لأهل البيت (صلوات الله عليهم).

كلّ ذلك ببيان فريد، ومنطق رصين يبهر العقول، كأنّها تُفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين، وأُمّها الصديقة الزهراء (صلوات الله عليهم)(١) .

كما خطب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) خطبة طويلة أبكى بها العيون، وأوجل فيها القلوب، انتسب فيها لآبائه الكرام (صلوات الله عليهم)، وأشاد برفيع مقامهم وبمواقفهم وجهادهم، وعرج على مصاب أبيه (عليه السّلام)، فقال: «أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن مَنْ بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَنْ ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء...».

فضجّ الناس بالبكاء، وخشي يزيد من الفتنة، فاضطرّ إلى قطع خطبته بأن طلب من المؤذّن أن يؤذّن، فلمّا انتهى المؤذّن إلى قوله: أشهد أنّ محمداً رسول الله، التفت (عليه السّلام) إلى يزيد، وقال: «يا يزيد، محمد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت، وإن قلت إنّه جدّي فلِمَ قتلت عترته؟!»(٢) .

____________________

١ - راجع ملحق رقم ٤، وتقدّم بعض خطبتها المذكورة في/٨٠، ويأتي لها معه كلام آخر في/٢٤٢.

٢ - راجع ملحق رقم ٥.

١١١

فاجعة الطفّ أشدّ جرائم يزيد وقعاً في نفوس المسلمين

وبالرغم من أنّ يزيد كما قام في السنة الأولى من حكمه بفاجعة الطفّ، قام في السنة الثانية بواقعة الحرّة الفظيعة التي انتُهكت فيها حرمة المدينة المنوّرة وحرمة أهلها على أبشع وجه، وبوحشية مسرفة، وقام في السنة الرابعة باستباحة حرم الله (عزّ وجلّ) ومكّة المكرّمة، ورُمي المسجد الحرام والكعبة المعظمة بالمنجنيق، إلّا أنّه يبدو أنّ فاجعة الطفّ هي الأشدّ وقعاً في نفوس المسلمين.

فقد ورد عن الزبير بن بكار(١) ، وعن البيهقي صاحب التاريخ(٢) أنّ عام قتل الحسين (عليه السّلام) سُمّي عام الحزن، كما ذكر البكري أنّهم كانوا يقولون: ضحّى بنو حرب بالدين يوم كربلاء، وضحّى بنو مروان بالمروءة يوم العقر(٣) .

ندم جماعة من المشاركين في المعركة

كما صرّح غير واحد بالندم والأسف لاشتراكهم في المعركة، وقيامهم بهذه الجريمة الكبرى، وشعورهم بالخزي والعار في الدنيا، وانتظارهم عظيم العقاب والنكال في الآخرة.

ندم عمر بن سعد وموقف الناس منه

فقد قام عمر بن سعد من عند ابن زياد يريد منزله إلى أهله، وهو يقول في طريقه: ما رجع أحد بمثل ما رجعت، أطعت الفاسق ابن زياد، وعصيت

____________________

١ - ملحقات إحقاق الحقّ ٣٣/٦٩٩ عن مختصر تذكرة القرطبي - للشعراني/٢٢٢.

٢ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٤٠.

٣ - معجم ما استعجم ٣/٩٥٠ عند ذكر (العقر)، ومثله مع اختلاف يسير في تاريخ الإسلام ٧/٨ في حوادث سنة اثنتين ومئة، ووفيات الأعيان ٦/٣٠٨، و٤/١٠٩ وقد نسبه فيه إلى كثير، وكذا نسبه في الوافي بالوفيات ٢٤/٢٤٨.

١١٢

الحاكم العدل، وقطعت القرابة الشريفة(١) . وهجره الناس. وكان كلّما مرّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه، وكلّما دخل المسجد خرج الناس منه، وكلّ مَنْ رآه قد سبّه؛ فلزم بيته إلى أن قُتل(٢) .

ومرّ يوماً بمجلس بني نهد حين قتل الحسين (عليه السّلام) فسلّم، فلم يردّوا عليه السّلام، فلّما جاز قال:

أتيتُ الذي لم يأتِ قبلي ابن حرّة

فنفسي ما أحرت وقومي أذلّتِ(٣)

وقال رضي بن منقذ العبدي الذي اشتبك مع برير بن خضير (رضي الله عنه) فصرعه برير، وأنعم عليه كعب بن جابر فاستنقذه بعد أن قتل بريراً:

ولو شاء ربّي ما شهدتُ قتالهم

ولا جعلَ النعماءَ عندي ابن جابرِ

لقد كانَ ذاكَ اليومُ عاراً وسبة

تعيّرهُ الأبناءُ بعدَ المعاشرِ

فيا ليتَ أنّي كنتُ من قبلِ قتله

ويومَ حسينٍ كنتُ في رمسِ قابرِ(٤)

وسُمع شبث بن ربعي في إمارة مصعب يقول: لا يُعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً، ولا يسدّدهم لرشد؛ ألا تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب، ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ابنه - وهو خير أهل الأرض - نقاتله مع آل معاوية وابن سُمية الزانية؟! ضلال يا لك من ضلال!(٥) .

____________________

١ - تذكرة الخواص/٢٥٩، أنساب الأشراف ٣/٤١٤ - ٤١٥ مقتل الحسين بن علي (عليهم السّلام)، الأخبار الطوال/٢٦٠ نهاية الحسين.

٢ - تذكرة الخواص/٢٥٩.

٣ - تاريخ دمشق ٤٥/٥٤ في ترجمة عمر بن سعد، واللفظ له، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨٨ ح ٣٠٧ - ٣٠٨.

٤ - تاريخ الطبري ٤/٣٣٠ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة.

٥ - تاريخ الطبري ٤/٣٣٢ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٦٨ - ٦٩ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه).

١١٣

وقال أبو مخنف: حدّثني نمير بن وعلة أنّ أيوب بن مشرح الخيواني كان يقول: أنا والله عقرت بالحرّ بن يزيد فرسه...، فقال له أشياخ من الحي: أنت قتلته؟ قال: لا والله ما أنا قتلته، ولكن قتله غيري، وما أحبّ أنّي قتلته. فقال له أبو الودّاك: ولِمَ؟ قال: إنّه كان زعموا من الصالحين. فوالله، لئن كان إثماً لأن ألقى الله بإثم الجراحة والموقف أحبّ إليّ من أن ألقاه بإثم قتل أحد منهم...(١) .

ندم جماعة لتركهم نصرة الإمام الحسين (عليه السّلام)

وأمّا الذين ندموا بعد ذلك لتركهم نصرة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) فكثيرون، لا يسعنا استقصاؤهم، وقد تقدّم قول البراء بن عازب: أعظم بها حسرة؛ إذ لم أشهده وأُقتل دونه(٢) .

وذكروا أنّ عبد الله بن الحرّ الجعفي طلب منه الإمام الحسين (عليه السّلام) أن ينصره فأبى ذلك واعتزل(٣) ، وقد أنّبَه ابن زياد على عدم قتاله للإمام الحسين (عليه السّلام) في حديث طويل له معه حينما دخل عليه، ثمّ خرج ابن الحرّ من مجلس ابن زياد ومضى إلى كربلاء، فنظر إلى مصارع القوم فاستغفر لهم هو وأصحابه، ثمّ مضى حتى نزل المدائن. وقال في ذلك:

يقولُ أميرٌ غادرٌ حقّ غادر

ألا كنتَ قاتلتَ الشهيدَ ابن فاطمه

فيا ندمي أن لا أكونَ نصرته

إلا كلّ نفسٍ لا تسدّدُ نادمه

وإنّي لأنّي لم أكن من حماته

لذو حسرةٍ ما إن تُفارقُ لازمه

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٣٣ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة.

٢ - تقدّم في/٢٥.

٣ - تاريخ دمشق ٣٧/٤٢١ في ترجمة عبيد الله بن الحرّ بن عمرو، الفتوح - لابن أعثم ٦/٣٠١ ابتداء خبر عبيد الله بن الحرّ الجعفي، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٩٣ في تتمة حديث سابق بعد حديث برقم ٣٢٩.

١١٤

في أبيات كثيرة يرثي بها الإمام الحسين (عليه السّلام) وأصحابه، ويؤكّد على شدّة جريمة قتلهم(١) ، وله شعر آخر يتضمّن ندمه وحسرته لتقاعسه عن نصره(٢) .

كما إنّ الظاهر أنّ كثيراً من التوّابين قد ندموا على ترك نَصره (عليه السّلام) مع قدرتهم عليه، بل هم إنّما سمّوا بالتوّابين لذلك، وإن كان الظاهر أنّ كثيراً منهم عجز عن نصر الإمام الحسين (صلوات الله عليه)؛ لأنّ ابن زياد قد سجنه، أو لأنّه قد سدّ الطرق بنحو يتعذّر عليه الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السّلام)، كما أشرنا إلى ذلك في المقدّمة.

استغلال المعارضة للفاجعة ضدّ الحكم الأموي

هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الجريمة بأبعادها الواقعية والعاطفية قد استغلّت على أتمّ وجوه الاستغلال من قِبَل المعارضة.

وأظهرها في ذلك الوقت عبد الله بن الزبير العدوّ اللدود لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ولعموم بني هاشم، كما تشهد بذلك مواقفه المشهورة، وقد أشرنا لبعضها في المقدّمة(٣) ، ويأتي الإشارة لبعضها في الموضع المناسب.

ومع ذلك فقد حاول أن يستغلّ الفاجعة لصالحه؛ فقد كان في جملة كلامه - بعد أن ذمّ أهل العراق عامّة والكوفة خاصّة - أن ذكر الإمام الحسين (عليه السّلام) فقال: ولكنّه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة، فرحم الله حسيناً وأخزى قاتل

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٥٩ - ٣٦٠ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، البداية والنهاية ٨/٢٢٩ في شيء من أشعاره التي رويت عنه، تاريخ دمشق ٣٧/٤٢٠ في ترجمة عبيد الله بن الحر بن عمرو، الفتوح - لابن أعثم ٦/٣٠٢ ابتداء خبر عبيد الله بن الحرّ الجعفي.

٢ - تاريخ دمشق ٣٧/٤٢١ في ترجمة عبيد الله بن الحرّ بن عمرو، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٩٤، ٩٦.

٣ - تقدّم في/٦٤.

١١٥

حسين...، أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم، ونصدّق قولهم، ونقبل لهم عهداً؟! لا ولا نراهم لذلك أهلاً. أما والله، لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه، أحقّ بما هم فيه منهم، وأولى به في الدين والفضل. أما والله، ما كان يبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد فسوف يلقون غيّاً، يعرض بيزيد.

فثار إليه أصحابه، فقالوا له: أيّها الرجل أظهر بيعتك؛ فإنّه لم يبقَ أحد - إذ هَلك حسين - ينازعك هذا الأمر. وقد كان يبايع سرّاً، ويظهر أنّه عائذ بالبيت. فقال لهم: لا تعجلوا(٢) .

وهكذا حاول أن يجعل من فاجعة الطفّ مبرّراً للامتناع من بيعة يزيد، وإنكار شرعية حكمه، والدعوة للخروج عليه.

ولنكتف بهذا المقدار في بيان ردود الفعل السريعة من قِبَل المسلمين نتيجة هول الفاجعة، ويأتي إن شاء الله تعالى في المبحث الثالث من الفصل الأوّل من المقصد الثاني تمام الكلام في التداعيات اللاحقة للفاجعة.(٢)

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٦٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر سبب عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وتوليته عليها الوليد بن عتبة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٩٨ - ٩٩ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر ولاية الوليد بن عتبة المدينة والحجاز وعزل عمرو بن سعيد، وقد اقتصر ابن الجوزي على ذكر خطبة ابن الزبير في تذكرة الخواص/٢٦٨.

٢ - راجع ص: ٣٧٣ وما بعدها.

١١٦

المقام الثاني

في موقف السلطة نتيجة ردّ الفعل المذكور

وانقلاب موقفها من الحدث

ومن عائلة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)

من الطبيعي جدّاً أن يكون يزيد قد أوعز لابن زياد بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بعد أن امتنع عن بيعته، واستجاب لطلب شيعته في الكوفة أن يأتيه؛ ليكون هو الخليفة والإمام عليهم.

بل لا يشكّ المنصف في أنّ مثل هذه الجريمة الكبرى لا يمكن أن يقدم عليها ابن زياد لوحده لو لم يكن يزيد من ورائه دافعاً له وداعماً لموقفه.

ولاسيما أنّ ابن زياد قد سبق منه أن قتل سفير الإمام الحسين إلى الكوفة مسلم بن عقيل (عليهما السّلام)، وهاني بن عروة، وأرسل رأسيهما إلى يزيد(١) ، وكان ذلك فاتحة الردّ على موقف الإمام الحسين (عليه السّلام) من يزيد الذي انتدب له ابن زياد، فلو

____________________

١ - الكامل في التاريخ ٤/٣٠٦ أحداث سنة ستين من الهجرة: ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل، تاريخ الطبري ٤/٢٨٥ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، أنساب الأشراف ٢/٣٤١ - ٣٤٢ مقتل مسلم بن عقيل، تاريخ الإسلام ٤/١٧١ حوادث سنة ستين من الهجرة، بيعة يزيد، الفتوح - لابن أعثم ٥/٦٩ - ٧٠ ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية، الإرشاد ٢/٦٥، وغيرها من المصادر.

١١٧

لم يكن من رأي يزيد قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) لكان عليه إلفات نظر ابن زياد وتحذيره من الاندفاع بالاتجاه المذكور.

شواهد أمر يزيد بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام)

على أنّه قد روى غير واحد أنّ يزيد كتب إلى ابن زياد يأمره بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام)(١) ، كما يأتي من يزيد الاعتراف بتحمّله تبعة قتله (عليه السّلام)(٢) .

بل عن ابن زياد في الاعتذار عن قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّه قال: أمّا قتلي الحسين فإنّه أشار عليّ يزيد بقتله أو قتلي؛ فاخترت قتله(٣) .

وهو المناسب لأمور:

الأوّل: حنق يزيد على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من أيام معاوية؛ لأنّه منع من تزويجه بنت عبد الله بن جعفر(٤) ، ورفض بيعته في أيام معاوية، حيث ردّ على معاوية فيمَنْ ردّ عليه(٥) .

وكان يزيد يضيق من مداراة معاوية للإمام الحسين (عليه السّلام) في بعض المناسبات

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٢ أيام يزيد بن معاوية، تاريخ دمشق ١٤/٢١٣ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، الأخبار الطوال/٢٨٤، نور الأبصار/١٤٣، وغيرها من المصادر.

٢ - يأتي في/١٢٨.

٣ - الكامل في التاريخ ٤/١٤٠ في أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر هرب ابن زياد إلى الشام.

٤ - تاريخ دمشق ٥٧/٢٤٥ - ٢٤٦ في ترجمة مروان بن الحكم بن أبي العاص، الكامل ٣/٢٠٨ - ٢٠٩ كتاب معاوية إلى مروان بن الحكم، معجم البلدان ١/٤٦٩ في مادة (بغيبغ).

٥ - تاريخ الطبري ٤/٢٢٦ أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة، دعاء معاوية الناس إلى بيعة ابنه يزيد من بعده وجعله ولي العهد، الكامل في التاريخ ٣/٥٠٩، ٥١١ أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد، البداية والنهاية ٨/١٦٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، قصّة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة ومقتله، الإمامة والسياسة ١/١٥١ قدوم معاوية المدينة على هؤلاء القوم وما كان بينهم من المنازعة، الفتوح - لابن أعثم ٤/٣٤٠ - ٣٤١ ذكر خبر معاوية في خروجه إلى الحج وممّا كان منه بمكة والمدينة إلى رجوعه، وغيرها من المصادر.

١١٨

ويحمله على مجابهته وردعه، ولا يستجيب له معاوية في ذلك(١) .

الثاني: إنّ يزيد كتب للوليد بن عتبة والي المدينة كتاباً يخبره فيه بموت معاوية، ويأمره بأخذ البيعة من الناس، وأرفقه بكتاب صغير كأنّه أُذن فأرة، وفيه: أمّا بعد، فخذ الحسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمَنْ أبى عليك منهم فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه، والسّلام(٢) .

نعم، ذكر بعضهم الكتاب هكذا: أمّا بعد، فخذ حسيناً، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة(٣) . ولو تمّ فهو وإن لم يصرح فيه بالقتل، إلّا إنّه راجع إليه، وإلاّ فكيف يكون الأخذ الشديد من عامل يزيد في مثل هذا الأمر الحساس الذي يتوقّف عليه استقرار حكمه وإحكام سلطانه؟!

____________________

١ - اختيار معرفة الرجال/١٢٤ عند ذكر عمرو بن الحمق، تاريخ دمشق ١٤/٢٠٦ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، تاريخ الإسلام ٥/٦ حوادث سنة واحد وستين من الهجرة، مقتل الحسين، وغيرها من المصادر.

٢ - مقتل الحسين - للخوارزمي ١/١٨٠، واللفظ له، الفتوح - لابن أعثم ٥/٩ ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤١ أيام يزيد بن معاوية إلّا إنّه اقتصر على الإمام الحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير، ونظيره في مناقب آل أبي طالب - لابن شهر آشوب ٣/٢٤٠، واللهوف في قتلى الطفوف/١٦، وغيرها من المصادر.

٣ - تاريخ الطبري ٤/٢٥٠ أحداث سنة ستين من الهجرة، خلافة يزيد بن معاوية، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/١٤ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر بيعة يزيد، البداية والنهاية ٨/١٥٧ أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية، يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه، المنتظم ٥/٣٢٣ أحداث سنة ستين من الهجرة، باب ذكر بيعة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

وأشار إلى هذا الكتاب الدينوري في الأخبار الطوال/٢٢٧ مبايعة يزيد، أنساب الأشراف ٥/٣١٣ ذكر ما كان من أمر الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وابن الزبير في بيعة يزيد بعد موت معاوية بن أبي سفيان، سمط النجوم العوالي ٣/٥٤ بيعة يزيد بن معاوية، تاريخ ابن خلدون ٣/١٩ بيعة يزيد، وغيرها من المصادر.

١١٩

وقد سبق نظيره ممّنْ هو أكثر تعقّلاً من يزيد وأبعد نظراً منه. ففي أحداث السقيفة هُدّد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بالقتل(١) ، وقريب من ذلك كان الموقف من سعد بن عبادة(٢) ، وأخيراً قُتل(٣) ، وفي أحداث الشورى أمر عمر بقتل

____________________

١ - الإمامة والسياسة ١/١٦ كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، شرح نهج البلاغة ٢/٦٠، كتاب سليم بن قيس/١٥٣، الاحتجاج ١/١٠٩، مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ١/٣٨١، بحار الأنوار ٢٨/٣٥٦.

٢ - صحيح البخاري ٨/٢٧ - ٢٨ كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة، باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت، مسند أحمد ١/٥٦ مسند عمر بن الخطاب، حديث السقيفة، المصنف - لابن أبي شيبة ٨/٥٧٢ كتاب المغازي، ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردّة، المصنف - لعبد الرزاق ٥/٤٤٤ كتاب المغازي، بيعة أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) في سقيفة بني ساعدة، صحيح ابن حبان ٢/١٥٠ - ١٥١ باب حق الوالدين، الزجر عن أن يرغب المرء عن أبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر، تاريخ دمشق ٣٠/٢٨٣ في ترجمة أبي بكر الصديق، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٣ - العقد الفريد ٤/٢٤٢ - ٢٤٣ فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، سقيفة بني ساعدة، أنساب الأشراف ١/٢٩١ تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة، و٢/٢٧٢ أمر السقيفة.

وقد اتّهم الجنّ بقتله في كلّ من المستدرك على الصحيحين ٣/٢٨٣ كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب سعد بن عبادة الخزرجي النقيب (رضي الله عنه)، والاستيعاب ٢/٥٩٩ في ترجمة سعد بن عبادة، ومجمع الزوائد ١/٢٠٦ كتاب الطهارة، باب البول قائم، والمعجم الكبير ٦/١٦ في ترجمة سعد بن عبادة الأنصاري، وسير أعلام النبلاء ١/٢٧٧ في ترجمة سعد بن عبادة، وغيرها من المصادر الكثيرة.

وعلّق ابن أبي الحديد على اتّهام الجنّ بقوله: أمّا أنا فلا اعتقد أنّ الجنّ قتلت سعداً، ولا أنّ هذا من شعر الجنّ، ولا أرتاب أنّ البشر قتلوه، وأنّ هذا الشعر شعر البشر، ولكن لم يثبت عندي أنّ أبا بكر أمر خالداً، ولا استبعد أن يكون فعله تلقاء نفسه؛ ليرضي بذلك أبا بكر - وحاشاه - فيكون الإثم على خالد، وأبو بكر برئ من إثمه، وما ذلك من أفعال خالد ببعيد. شرح نهج البلاغة ١٧/٢٢٣ - ٢٢٤.

وقال أيضاً: وقال بعض المتأخّرين:

وما ذنبُ سعدٍ أنّه بالَ قائما

ولكنّ سعداً لم يُبايع أبا بكر

وقد صبرت عن لذةِ العيشِ أنفس

وما صبرت عن لذةِ النهي والأمر

شرح نهج البلاغة ١٠/١١١.

١٢٠