فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 273888
تحميل: 6260

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273888 / تحميل: 6260
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي حديث محمد بن زيد أنّ جماعة من المهاجرين قالوا لعبد الرحمن: لو أنّك كلّمت أمير المؤمنين؛ فإنّه يقدم الرجل فيطلب الحاجة فتمنعه مهابته أن يكلّمه حتى يرجع، فليلن للناس(١) .

ويبدو الإغراق في الشدّة والإرعاب ممّا عن القاسم بن محمد قال: بينما عمر (رضي الله عنه) يمشي وخلفه عدّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم بدا له فالتفت فما بقي منهم أحد إلّا سقط إلى الأرض على ركبتيه، فلما رأى ذلك بكى، ثمّ رفع يديه فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي منك منهم أشدّ فرقاً منهم منّي(٢) ... إلى غير ذلك ممّا يجده الناظر في سيرته. ويأتي بعض ما يتعلّق بذلك في المقام الأوّل من المبحث الثاني إن شاء الله تعالى.

هذا والحديث في التحجير على السُنّة النبويّة طويل تعرّضنا لطرفٍ منه في جواب السؤال السابع من الجزء الأوّل من كتابنا (في رحاب العقيدة)، وعند التعرّض لمحن الحديث النبوي الشريف في أواخر جواب السؤال الثامن من الجزء الثالث من الكتاب المذكور.

وضع الأحاديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصالح السلطة

كما يبدو أنّ التحجير المذكور قد قارن أمراً لا يقلّ خطورة عنه، بل قد يكون أخطر منه، وهو قيام السلطة بالتعاون مع حديثي الإسلام والمنافقين الذين قرّبتهم - كما يأتي - بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يتناسب مع رغبتها، ويرفع من شأنها وشأن المتعاونين معها.

____________________

١ - تاريخ المدينة ٢/٦٨١ هيبة عمر، واللفظ له، الطبقات الكبرى ٣/٢٨٧ ذكر استخلاف عمر (رضي الله عنه)، تاريخ دمشق ٤٤/٢٦٩ في ترجمة عمر بن الخطاب، كنز العمّال ١٢/٥٦٤ ح ٣٥٧٧٠.

٢ - تاريخ المدينة ٢/٦٨١ هيبة عمر.

١٨١

كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في أسباب اختلاف الحديث

فقد روي بطرق متعدّدة عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السّلام): إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ أشياء من تفسير القرآن، وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمّدين، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟

قال: فأقبل عليّ فقال: «قد سألت فافهم الجواب. إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كُذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده حتى قام خطيباً، فقال: أيّها الناس، قد كثرت عليّ الكذّابة، فمَنْ كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، ثمّ كُذب عليه من بعده.

وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

رجل منافق: يظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمّداً. فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورآه وسمع منه. وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله.

وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره، ووصفهم بما وصفهم، فقال (عزّ وجلّ):( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) .

ثمّ بقوا بعده، فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب

١٨٢

والبهتان، فولّوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلّا مَنْ عصم الله، فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه، ووَهِم فيه، ولم يتعمّد كذباً. فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلو علم المسلمون أنّه وَهِم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وَهِم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً أمر به، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مبغض للكذب؛ خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم ينسه [لم يسه]، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد فيه، ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ، ورفض المنسوخ.

فإنّ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل القرآن ناسخ ومنسوخ، [وخاصّ وعام]، ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان: كلام عامّ، وكلام خاصّ، مثل القرآن، وقال الله (عزّ وجلّ) في كتابه:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، فيشتبه على مَنْ لم يعرف ولم يدرِ ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وليس كلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأله عن الشيء فيفهم، وكان منهم مَنْ يسأله ولا يستفهمه حتى إن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ حتى يسمعوا...»(١) .

____________________

١ - الكافي ١/٦٢ - ٦٤ باب الاختلاف في الحديث ح ١، واللفظ له، الخصال/٢٥٥ - ٢٥٧ باب الأربعة ح ١٣١، غيبة النعماني/٨٠ - ٨٢ باب٤ ح١٠. =

١٨٣

شكوى أمير المؤمنين (عليه السّلام) من التحريف وتعريضه بالمحرّفين

وقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أيضاً: «أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا؟! أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى...»(١) .

قال ابن أبي الحديد: هذا الكلام كناية وإشارة إلى قوم من الصحابة كانوا ينازعونه الفضل، فمنهم مَنْ كان يُدعى له أنّه أفرض، ومنهم مَنْ كان يُدعى له أنّه أقرّ، ومنهم مَنْ كان يُدعى له أنّه أعلم بالحلال والحرام. هذا مع تسليم هؤلاء له (عليه السّلام) أنّه أقضى الأُمّة، وأنّ القضاء يحتاج إلى كلّ هذه الفضائل، وكلّ واحدة منها لا تحتاج إلى غيره.

فهو إذن أجمع للفقه وأكثرهم احتواءً عليه إلّا أنّه (عليه السّلام) لم يرضَ بذلك، ولم يصدق الخبر الذي قيل: أفرضكم فلان... إلى آخره؛ فقال: إنّه كذب وافتراء حمل قوماً على وضعه الحسد والبغي والمنافسة لهذا الحي من بني هاشم، أن رفعهم الله على غيرهم، واختصّهم دون سواهم(٢) .

وعن عباد بن عبد الله الأسدي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: «أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها غيري إلّا كذّاب، ولقد

____________________

= وروى كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) السيّد الرضي، فقال: ومن كلام له (عليه السّلام) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقال (عليه السّلام).... نهج البلاغة ٢/١٨٨، كما روي في كتاب الإمتاع والمؤانسة - للتوحيدي ٣/١٩٧.

وذكر المهمّ من هذا الكلام سبط ابن الجوزي، فقال: قال الشعبي: حدّثني مَنْ سمع علياً (عليه السّلام) وقد سُئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث، فقال: «الناس أربعة: منافق...».

وفي رواية كميل بن زياد عنه أنّه قال: «إنّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً...، وإنّما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس». وذكرهم. تذكرة الخواص/١٤٢ - ١٤٣.

١ - نهج البلاغة ٢/٢٧.

٢ - شرح نهج البلاغة ٩/٨٦.

١٨٤

صلّيت قبل الناس سبع سنين»(١) .

وروت معاذة العدوية قالت: سمعت علياً على منبر البصرة يخطب، يقول: «أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يُؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يُسلم»(٢) . وعنه (عليه السّلام) أنّه قال: «أنا الصدّيق الأكبر، وأنا الفاروق الأوّل، أسلمت قبل إسلام الناس، وصلّيت قبل صلاتهم»(٣) .

وقال ابن عبد البر: وروينا من وجوه عن علي (رضي الله عنه) أنّه كان يقول: «أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلّا كذّاب...»(٤) إلى غير ذلك ممّا يظهر منه تكذيب ما اشتهر من أنّ أبا بكر هو الصدّيق، وأنّ عمر هو الفاروق،

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٣/٢٢٨، تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين/٨٣، وفي ضعفاء العقيلي ٣/١٣٧ في ترجمة عباد بن عبد الله الأسدي أنّه (عليه السّلام) قال: «أنا عبد الله وأخو رسول الله، أنا الصديق الأكبر، وما قالها أحد قبلي وما يقولها إلّا كاذب مفترٍ، ولقد أسلمت وصلّيت قبل الناس سبع سنين». وقد ذكر بدل (لا يقولها غيري) (لا يقولها بعدي) في سنن ابن ماجة ١/٤٤ باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فضل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، والسنن الكبرى - للنسائي ٥/١٠٧ كتاب الخصائص، ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ذكر منزلة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، والمستدرك على الصحيحين ٣/١١٢ كتاب معرفة الصحابة، فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، والمصنّف - لابن أبي شيبة ٧/٤٩٨ كتاب الفضائل، فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، والسُنّة - لابن أبي عاصم/٥٨٤، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - تاريخ دمشق ٤٢/٣٣ في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له، الآحاد والمثاني ١/١٥١، تهذيب الكمال ١٢/١٨ في ترجمة سليمان بن عبد الله، ضعفاء العقيلي ٢/١٣١ في ترجمة سليمان بن عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال - لابن عدي ٣/٢٧٤ في ترجمة سليمان بن عبد الله، شرح نهج البلاغة ٤/١٢٢، و١٣/٢٢٨، ينابيع المودّة ٢/١٤٦، وغيرها من المصادر.

٣ - شرح نهج البلاغة ١/٣٠، ينابيع المودّة ١/٤٥٥.

وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر بعد نقل هذا الحديث عنه (عليه السّلام)، وفي غير رواية الطبري: «أنا الصديق الأكبر، وأنا الفاروق الأوّل، أسلمت قبل إسلام أبي بكر، وصلّيت قبل صلاته بسبع سنين». شرح نهج البلاغة ١٣/٢٠٠.

٤ - الاستيعاب ٣/١٠٩٨ في ترجمة علي بن أبي طالب.

١٨٥

وما روي من أنّ أبا بكر أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١) .

ونظير ذلك ما عن أبي غطفان أنّه قال: سألت ابن عباس أرأيت أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفّي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفّي وهو لمستند إلى صدر علي. قلت: فإنّ عروة حدّثني عن عائشة أنّها قالت: توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سحري ونحري. فقال ابن عباس: أتعقل؟! والله لتوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسّله وأخي الفضل بن عباس...(٢) .

تأكيد السلطة على أهميّة الإمامة وعلى الطاعة ولزوم الجماعة

الأمر الثالث ممّا قام به الولاة في سبيل دعم سلطانهم: التأكيد على الأمور الثلاثة التي سبق أنّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد أكّدا عليها في حقّ الإمام المعصوم المجعول من قبل الله تعالى، وهي: وجوب معرفة الإمام والبيعة له، ووجوب طاعته والنصيحة له، ووجوب لزوم جماعته والنهي عن الاختلاف والتفرّق والفتنة.

وقد أغفلت السلطة أنّ ذلك إنّما جعل في حقّ الإمام المنصوص عليه المعصوم، المأمون على الدين والدنيا دون غيره ممّن لا تُؤمن أخطاؤه وبوائقه على الإسلام والمسلمين.

١- فمن الملفت للنظر أنّ كثيراً من طرق رواية ما تضمّن أنّ مَنْ مات بغير

____________________

١ - صحيح البخاري ٤/١٩١ كتاب بدء الخلق: باب مناقب المهاجرين وفضلهم، مسند أحمد ١/٤٦٣ مسند عبد الله بن مسعود، مسند أبي داود الطيالسي/٤٢، المصنّف - لابن أبي شيبة ٧/٤٧٦ كتاب الفضائل، ما ذكر في أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، المعجم الكبير ١٠/١٠٥ ما روي عن عبد الله بن مسعود، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - الطبقات الكبرى ٢/٢٦٣ ذكر مَنْ قال توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجر علي بن أبي طالب، واللفظ له، فتح الباري ٨/١٠٧، كنز العمّال ٧/٢٥٣ - ٢٥٤ ح ١٨٧٩١.

١٨٦

إمام مات ميتة جاهلية ونحوه - ممّا تقدّم التعرّض له - تنتهي إلى معاوية بن أبي سفيان(١) الذي بقي هو بلا بيعة، ومن دون أن يدّعي لنفسه الخلافة ما يقرب من ثلاث سنين.

٢- ومن الطريف جدّاً ما رواه ابن الأثير؛ فإنّه - بعد أن ذكر بيعة معاوية ليزيد بالشام بالترغيب والترهيب، وأنّه ورد المدينة فنال من النفر الذين بلغه إباءهم البيعة، وشتمهم في وجوههم، ثمّ خطب فأرعد وأبرق مهدّداً معرّضاً بهم - قال: ثمّ دخل على عائشة وقد بلغها أنّه ذكر الحسين وأصحابه، فقال: لأقتلنّهم إن لم يبايعوا، فشكاهم إليها، فوعظته وقالت له: بلغني أنّك تتهدّدهم بالقتل. فقال: يا أُمّ المؤمنين، هم أعزّ من ذلك، ولكنّي بايعت ليزيد وبايعه غيرهم، أفترين أن أنقض بيعة قد تمّت؟!...(٢) .

فكأنَّ مثل هذه البيعة بيعة إلهية نقضها أعظم جريمة من الموبقات التي ارتكبها معاوية!

٣- ولما تخلّف أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومَنْ معه عن بيعة أبي بكر، واجتمعوا في بيت سيّدة النساء الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) أرسل إليهم عمر ليخرجهم من بيتها، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل عمر

____________________

١ - راجع مسند أحمد ٤/٩٦ حديث معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)، ومجمع الزوائد ٥/٢١٨ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم، وص ٢٢٥ باب لا طاعة في معصية، وكتاب السنة - لابن أبي عاصم/٤٨٩، ومسند أبي يعلى ١٣/٣٦٦، وصحيح ابن حبان ١٠/٤٣٤ كتاب السير، باب طاعة الأئمّة، ذكر الزجر عن ترك اعتقاد المرء الإمام الذي يطيع الله (جلّ وعلا) في أسبابه، والمعجم الأوسط ٦/٧٠، والمعجم الكبير ١٩/٣٣٥ فيما رواه ذكوان أبو صالح السمان عن معاوية، وص ٣٨٨ فيما رواه شريح بن عبيد عن معاوية، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - الكامل في التاريخ ٣/٥٠٨ - ٥٠٩ أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد، ونحوه في الفتوح - لابن أعثم ٤/٣٤١ ذكر خبر معاوية في خروجه إلى الحج وممّا كان منه بمكة والمدينة ورجوعه.

١٨٧

ومَنْ معه بقبس من نار فلقيتهم سيّدة النساء، وقالت: «يابن الخطاب! أجئت لتُحرق دارنا؟!». قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة(١) .

٤- ويتحدّث عمر بن الخطاب عن أحداث السقيفة وعن موقفه من سعد بن عبادة؛ لأنّه حاول أن يسبقهم في الاستيلاء على السلطة، فيقول: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً؛ فإنّه صاحب فتنة وشرّ(٢) .

٥- وفي حديث لأبي بكر مع العباس بن عبد المطلب حينما ذهب إليه ليجعل له ولعقبه نصيباً في الخلافة؛ ليقطعه بذلك عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ويضعف موقفه، قال أبو بكر: إنّ الله بعث محمداً نبيّاً... حتى اختار له ما عنده، فخلى على الناس أموراً ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين، فاختاروني عليهم والياً، ولأمورهم راعياً...، وما انفك يبلغني عن طاعنٍ يقول الخلاف على عامة المسلمين يتّخذكم لجأ...، فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه، وإمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليها... فقال عمر بن الخطاب: إي والله. وأُخرى: إنّا لم نأتكم لحاجة إليكم، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم...فأجاب العباس أبا بكر بكلام طويل، ومنه قوله: فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم...، وإن كان هذا الأمر إنّما وجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنّا كارهين. ما أبعد قولك من أنّهم طعنوا عليك من قولك إنّهم اختاروك

____________________

١ - العقد الفريد ٤/٢٤٢ فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، سقيفة بني ساعدة، واللفظ له، المختصر في أخبار البشر ١/١٥٦ ذكر أخبار أبي بكر الصديق وخلافته.

٢ - صحيح ابن حبان ٢/١٥٧ باب حق الوالدين، الزجر عن أن يرغب المرء عن آبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر، تاريخ دمشق ٣٠/٢٨٣ في ترجمة أبي بكر الصديق، تاريخ الإسلام ٣/١١ أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة، خلافة أبي بكر (رضي الله عنه)، النهاية في غريب الحديث ٤/١٣، لسان العرب ١١/٥٤٩، وغيرها من المصادر.

١٨٨

ومالوا إليك!...(١) .

٦- وقال الفضل بن شاذان في التعقيب على محاولة القوم قتل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): فقيل لسفيان وابن حي ولوكيع: ما تقولون فيما كان من أبي بكر في ذلك؟ فقالوا جميعا ً: كانت سيئة لم تتم، وأمّا مَنْ يجسر من أهل المدينة فيقولون: وما بأس بقتل رجل في صلاح الأُمّة؛ إنّه إنّما أراد قتله لأنّ علياً أراد تفريق الأُمّة، وصدّهم عن بيعة أبي بكر(٢) .

٧- ولما امتنعت كندة من بيعة أبي بكر وطاعته وتسليم زكاتها له؛ لأنّها ترى أنّ الحقّ في بني هاشم، وقتل منها مَنْ قتل، وجرت خطوب طويلة في ذلك، كتب أبو بكر إلى الأشعث بن قيس يتهدّده، فلمّا وصل الكتاب إلى الأشعث وقرأه قال للرسول: إنّ صاحبك أبا بكر هذا يلزمنا الكفر بمخالفتنا له، ولا يلزم صاحبه الكفر بقتله قومي وبني عمّي؟! فقال له الرسول: نعم يا أشعث، يلزمك الكفر؛ لأنّ الله تبارك وتعالى قد أوجب عليك الكفر بمخالفتك لجماعة المسلمين(٣) .

٨- وفي خطبة لأبي بكر: «وإنكم اليوم على خلافة نبوة ومفرق محجة. وسترون بعدي ملكاً عضوضاً، وأمة شَعاعاً، ودماً مفاحاً. فإن كانت للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة، يعفو لها الأثر، وتموت السنن. فالزموا المساجد، واستشيروا القرآن، والزموا الجماعة...»(٤) .

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٢٥ خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر، واللفظ له، الإمامة والسياسة ١/١٨ كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، شرح نهج البلاغة ١/٢٢٠.

٢ - الإيضاح/١٥٧ - ١٥٨.

٣ - الفتوح - لابن أعثم ١/٥٦ ذكر كتاب أبي بكر إلى الأشعث بن قيس ومَنْ معه من قبائل كندة.

٤- عيون الأخبار ج:٢ ص: ٢٣٣ كتاب العلم والبيان. الخطب، واللفظ له. نثر الدر ج:٢ ص:٧ الباب الأول من الفصل الثاني: في كلام أبي بكر الصديق رحمة الله عليه ورضي الله عنه. ومثل ذلك في العقد الفريد ج: ٤ ص: ٦٢ فرش كتاب الخطب، إلا أنه فيه: «واعتصموا بالطاعة» بدل «والزموا الجماعة».

١٨٩

٩- كما أن علقمة بن علاثة قد رأى عمر بن الخطاب مساء في الظلام فظنّه خالد بن الوليد، فشدّد في الاستنكار على عمر وذمّه لعزله لخالد ونزعه من الولاية، فأبقاه عمر على غفلته، وقال له: نزعني فما عندك في نزعي؟ فقال علقمة: وماذا عندي في نزعك؟! هؤلاء قوم ولّوا أمراً، ولهم علينا حقّ، فنحن مؤدّون إليهم الحقّ الذي جعله الله لهم، وأمرنا - أو قال: وحسابنا - على الله. وفي الصباح لما اجتمع خالد وعلقمة عند عمر أظهر عمر حقيقة الحال، وأنّ حديث علقمة لم يكن مع خالد، بل مع عمر نفسه، وعزّر عمر علقمة لذمّه إيّاه، ثمّ قال عن كلمته السابقة في الطاعة وعدم محاولة التغيير من أجل عزل خالد: إنّه قال كلمة لأن يقولها مَنْ أصبح من أُمّة محمد أحبّ إليّ من حمر النعم(١) .

١٠- وعن عبد الملك بن عمير قال: كان عامّة خطبة يزيد بن أبي سفيان وهو على الشام: عليكم بالطاعة والجماعة، فمن ثمّ لا يعرف أهل الشام إلّا الطاعة(٢) .

١١- وفي صحيح أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر [يعني: الإمام الباقر] (عليه السّلام) يقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ومعاوية يكتب بين يديه وأهوى بيده إلى خاصرته بالسيف - مَنْ أدرك هذا يوماً أميراً فليبقر خاصرته بالسيف، فرآه رجل ممّن سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً وهو يخطب بالشام على الناس، فاخترط سيفه ثمّ مشى إليه، فحال الناس بينه وبينه، فقالوا: يا عبد الله، ما لك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: مَنْ أدرك هذا يوماً أميراً فليبقر خاصرته بالسيف. فقالوا: أتدري مَنْ استعمله؟ قال: لا. قالوا: أمير المؤمنين عمر. فقال: سمعاً

____________________

١ - تاريخ المدينة ٣/٧٩٥، واللفظ له، الإصابة ٤/٤٥٩ في ترجمة علقمة بن علاثة، تاريخ دمشق ٤١/١٤١ في ترجمة علقمة بن علاثة، وغيرها من المصادر.

٢ - تاريخ دمشق ١/٣١٩ باب ما ذكر من تمسك أهل الشام بالطاعة واعتصامهم بلزوم السنة والجماعة.

١٩٠

وطاعة لأمير المؤمنين»(١) .

١٢- وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنّا مع عبد الله بن مسعود بجمع، فلمّا دخل مسجد منى فقال: كم صلّى أمير المؤمنين؟ قالوا: أربعاً. فصلّى أربعاً. قال: فقلنا له: ألم تحدّثنا أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلّى ركعتين، وأبا بكر صلّى ركعتين؟ فقال: بلى، وأنا أحدّثكموه الآن، ولكنّ عثمان كان إماماً فما أخالفه، والخلاف شرّ(٢) . وروى غير واحد نحو ذلك عن ابن مسعود(٣) .

١٣- وذكر ابن الأثير أنّ عبد الرحمن بن عوف أنكر على عثمان إتمامه الصلاة، وقال: فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود، فقال: يا أبا محمد، غيّر ما تعلم. قال: فما أصنع؟ قال: اعمل بما ترى وتعلم. فقال ابن مسعود: الخلاف شرّ، وقد صلّيت بأصحابي أربعاً. فقال عبد الرحمن: قد صلّيت بأصحابي ركعتين، وأمّا الآن فسوف أصلّي أربعاً(٤) .

١٤- وقال الحارث بن قيس: قال لي عبد الله بن مسعود: أتحبّ أن يسكنك الله وسط الجنّة؟

قال: فقلت: جُعلت فداك! وهل أُريد إلّا ذلك؟! قال: عليك بالجماعة، أو لجماعة الناس(٥) .

____________________

١ - معاني الأخبار/٣٤٦ باب معنى استعانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعاوية في كتابة الوحي.

٢ - السنن الكبرى - للبيهقي ٣/١٤٤ باب مَنْ ترك القصر في السفر غير رغبة عن السُنّة، واللفظ له، تاريخ دمشق ٣٩/٢٥٤ في ترجمة عثمان بن عفان.

٣ - السنن الكبرى - للبيهقي ٣/١٤٤ باب مَنْ ترك القصر في السفر غير رغبة عن السُنّة، سنن أبي داود ١/٤٣٨ كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى، المعجم الأوسط ٦/٣٦٨، المصنّف - لعبد الرزاق الصنعاني ٢/٥١٦ كتاب الصلاة: باب الصلاة في السفر، مسند أبي يعلى ٩/٢٥٦، البداية والنهاية ٧/٢٤٤، فتح الباري ٢/٤٦٥، عمدة القاري ٧/١٢٠ - ١٢٢، معرفة السنن والآثار ٢/٤٢٦ - ٤٢٧، التمهيد - لابن عبد البر ١١/١٧٢، تأويل مختلف الحديث/٢٧، تاريخ دمشق ٣٩/٢٥٥ في ترجمة عثمان بن عفان، وغيرها من المصادر.

٤ - الكامل في التاريخ ٣/١٠٤ أحداث سنة تسع وعشرين من الهجرة، ذكر إتمام عثمان الصلاة بجمع.

٥ - المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٦٤٥ كتاب المغازي، من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنه، مجمع =

١٩١

١٥- وفي خطبة لابن مسعود: أيّها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنّه حبل الله الذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة(١) .

١٦- وعن أبي مسعود أنّه قال: عليكم بالجماعة؛ فإنّ الله لم يكن ليجمع أُمّة محمد على ضلالة(٢) . وفي حديث له آخر: عليك بعظم أُمّة محمد...(٣) .

١٧- وفي أحداث الشورى حينما بايع عبد الرحمن بن عوف عثمان تلكأ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)؛ مؤكّداً على أنّه الأولى بالأمر وبأن يُبايَع، وأخذ يذكر جملة من فضائله التي يتميّز بها على غيره، فقطع عليه عبد الرحمن كلامه وقال: يا علي، قد أبى الناس إلّا عثمان، فلا تجعلنّ على نفسك سبيلاً. ثمّ قال: يا أبا طلحة، ما الذي أمرك به عمر؟ قال: أن أقتل مَنْ شقّ عصا الجماعة. فقال عبد الرحمن لأمير المؤمنين (عليه السّلام): بايع إذن، وإلاّ كنت متّبعاً غير سبيل المؤمنين، وأنفذنا فيك ما أمرنا به!(٤) .

١٨- وفي حديث شقيق بن سلمة أنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لما انصرف إلى رحله قال لبني أبيه: «يا بني عبد المطلب، إنّ قومكم عادوكم بعد

____________________

= الزوائد ٥/٢٢٢ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة والنهي عن الخروج على الأئمّة وقتالهم، كنز العمّال ١/٣٨٠ ح ١٦٥٤، المعجم الكبير ٩/١٩٨ في نقل كلام ابن مسعود.

١ - التمهيد - لابن عبد البر ٢١/٢٧٣، واللفظ له، الاستذكار - لابن عبد البر ٨/٥٧٧، مجمع الزوائد ٥/٢٢٢ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة والنهي عن الخروج على الأئمّة وقتالهم، و٧/٣٢٨ كتاب الفتن، باب ثانٍ في أمارات الساعة، المعجم الكبير ٩/١٩٩ في نقل كلام ابن مسعود، وقد روي بعضه في تفسير الطبري ٤/٤٥، وتفسير ابن أبي حاتم ٣/٧٢٣، وتفسير الثعلبي ٣/١٦٢، والدرّ المنثور ٢/٦٠، وغيرها من المصادر.

٢ - المصنف - لابن أبي شيبة ٨/٦٧٢ كتاب المغازي، ما ذكر في فتنة الدجّال، واللفظ له، كتاب السُنّة - لابن أبي عاصم/٤١ - ٤٢، سير أعلام النبلاء ٢/٤٩٥ - ٤٩٦ في ترجمة أبي مسعود البدري، كنز العمّال ١/٣٨٤ ح ١٦٦٣، كشف الخفاء ٢/٣٥٠.

٣ - المستدرك على الصحيحين ٤/٥٥٦ كتاب الفتن والملاحم، ما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة.

٤ - شرح نهج البلاغة ٦/١٦٨.

١٩٢

وفاة النبي كعداوتهم النبي في حياته، وإن يُطَع قومكم لا تؤمّروا أبداً. ووالله، لا ينيب هؤلاء إلى الحقّ إلّا بالسيف». قال: وعبد الله بن عمر بن الخطاب داخل إليهم قد سمع الكلام كلّه، فدخل وقال: يا أبا الحسن، أتريد أن تضرب بعضهم ببعض؟! فقال: «اسكت ويحك! فوالله، لولا أبوك وما ركب منّي قديماً وحديثاً ما نازعني ابن عفّان ولا ابن عوف». فقام عبد الله فخرج(١) .

١٩- كما إنّ المقداد (رضي الله عنه) قد أنكر ذلك أيضاً، وكان فيما قال: أما والله، لو أنّ لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إيّاهم ببدر وأُحد. فقال عبد الرحمن بن عوف: ثكلتك أُمّك! لا يسمعنّ هذا الكلام الناس؛ فإنّي أخاف أن تكون صاحب فتنة وفرقة. فقال له المقداد: إنّ مَنْ دعا إلى الحقّ وأهله لا يكون صاحب فتنة، ولكن مَنْ أقحم الناس في الباطل، وآثر الهوى على الحقّ، فذلك صاحب الفتنة والفرقة. فتربّد وجه عبد الرحمن(٢) .

٢٠- وعن صهبان مولى الأسلميين قال: رأيت أبا ذرّ يوم دُخل به على عثمان، فقال له: أنت الذي فعلت وفعلت؟ فقال أبو ذرّ: نصحتك فاستغششتني، ونصحت صاحبك فاستغشني. قال عثمان: كذبت، ولكنّك تريد الفتنة وتحبّها، قد أنغلت الشام علينا... قال أبوذر: والله ما وجدت لي عذراً إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فغضب عثمان، وقال: أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب، إما أن أضربه أو أقتله، فإنه قد فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام...(٣) .

٢١- وعتب عثمان على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لتوديعه أباذر،

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ٩/٥٤.

٢ - شرح نهج البلاغة ٩/٥٧، واللفظ له، وذكر بعضه في الأمالي - للمفيد/١٧١، والأمالي - للطوسي/١٩١.

٣ - شرح نهج البلاغة ٣/٥٦، واللفظ له، الشافي في الإمامة ٤/٢٩٦.

١٩٣

وكان عثمان قد نهى الناس عن كلامه وتشييعه، فقال عثمان له (عليه السلام): «أما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر؟» فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: «أو كلما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه؟!»(١) .

٢٢- وعن عبد الله بن رباح قال: دخلت أنا وأبو قتادة على عثمان وهو محصور، فاستأذناه في الحجّ فأذن لنا. فقلنا: يا أمير المؤمنين، قد حضر من أمر هؤلاء ما قد ترى، فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالجماعة. قلنا: فإنّا نخاف أن تكون الجماعة مع هؤلاء الذين يخالفونك. قال: ألزموا الجماعة حيث كانت...(٢) .

وسواء صحّ هذا الحديث أم لم يصح؛ فإنّه يكشف عن وجود مثل هذه الثقافة، وتبنّي بعض الناس لها؛ سواءً كان هو عثمان، أم مَنْ يتقوّل عليه.

٢٣- ولما طلب زياد عامل معاوية على الكوفة من وجوه أهل الكوفة أن يشهدوا على حجر بن عدي وجماعته بما يدينهم عند معاوية كتب أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: هذا ما شهد عليه الشهود أبو بردة بن أبي موسى لله ربّ العالمين. شهد أنّ حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه جموعاً يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية؛ فكفر بالله كفرة صلعاء، وأتى معصية شنعاء. فقال زياد: اشهدوا على مثل شهادته. فشهد جماعة كما قال(٣) .

٢٤- ولما كتب مروان بن الحكم إلى معاوية يخوّفه من وثوب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وخروجه عليه، كتب معاوية للإمام (عليه السّلام) كتاباً يحذّره فيه،

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ج:٨ ص:٢٥٤.

٢ - المصنّف - لعبد الرزاق ١١/٤٤٦ باب مقتل عثمان.

٣ - أنساب الأشراف ٥/٢٦٢ أمر حجر بن عدي ومقتله، واللفظ له، تاريخ الطبري ٤/٢٠٠ أحداث سنة إحدى وخمسين من الهجرة، ذكر سبب مقتل حجر بن عدي، الأغاني ١٧/١٤٥ - ١٤٦ خبر مقتل حجر بن عدي.

١٩٤

وجاء فيه: فاتّقِ شقّ عصا هذه الأُمّة، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة، فقد عرفت الناس وبلوتهم، فانظر لنفسك ولدينك، ولأُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم....

فأجابه (عليه السّلام) على هذه الفقرة في كتابه له: «وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأُمّة من ولايتك عليها، ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني ولأُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلينا أفضل من أن أجاهدك...»(١) .

٢٣- ولما أراد معاوية البيعة ليزيد بولاية العهد قال للضحاك بن قيس الفهري لما اجتمع الوفود عنده: إنّي متكلّم، فإذا سكت فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد، وتحّثني عليها.

فلمّا جلس معاوية للناس تكلّم، فعظّم أمر الإسلام، وحرمة الخلافة وحقّه، وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة، وعرض ببيعته.

فعارضه الضحّاك، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، إنّه لا بدّ للناس من والٍ بعدك، وقد بلونا الجماعة والألفة، فوجدناهما أحقن للدماء، وأصلح للدهماء، وآمن للسبل، وخيراً في العاقبة، والأيام عوج رواجع، والله كلّ يوم في شأن. ويزيد بن أمير المؤمنين في حسن هديه، وقصد سيرته، على ما علمت، وهو من أفضلنا علماً وحلماً، وأبعدنا رأياً؛ فولّه عهدك، واجعله لنا علماً بعدك، ومفزعاً نلجأ إليه، ونسكن في ظلّه. وتكلّم عمرو بن سعيد الأشدق بنحو من ذلك.

ثمّ قام يزيد بن المقنع العذري، فقال: هذا أمير المؤمنين - وأشار إلى معاوية - فإن هلك فهذا - وأشار إلى يزيد - ومَنْ أبى فهذا. وأشار إلى سيفه.

____________________

١ - اختيار معرفة الرجال ١/١٢٠ - ١٢٤ في ترجمة عمرو بن الحمق الخزاعي.

١٩٥

فقال معاوية: اجلس، فأنت سيّد الخطباء. وتكلّم مَنْ حضر من الوفود.

فقال معاوية للأحنف: ما تقول يا أبا بحر؟ فقال: نخافكم إن صدقنا، ونخاف الله إن كذبنا، وأنت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره، وسرّه وعلانيته، ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه لله تعالى وللأُمّة رضى فلا تشاور فيه، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، وإنّما علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا!

وقام رجل من أهل الشام فقال: ما ندري ما تقول هذه المعدية العراقية، وإنّما عندنا سمع وطاعة، وضرب وازدلاف!(١) .

٢٦- وقال معاوية أيضاً لعبد الله بن عمر حين أراد البيعة ليزيد: قد كنت تحدّثنا أنّك لا تحبّ أن تبيت ليلة وليس في عنقك بيعة جماعة وأنّ لك الدنيا وما فيها، وإنّي أُحذّرك أن تشقّ عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم، وأن تسفك دماءهم....

فأجابه ابن عمر، وقال في جملة ما قال:... وإنّك تحذّرني أن أشقّ عصا المسلمين، وأفرّق ملأهم، وأسفك دماءهم، ولم أكن لأفعل ذلك إن شاء الله، ولكن إن استقام الناس فسأدخل في صالح ما تدخل فيه أُمّة محمد(٢) .

٢٧- وكتب يزيد بن معاوية لابن عباس بعد خروج الإمام الحسين

____________________

١ - الكامل في التاريخ ٣/٥٠٧ - ٥٠٨ أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد، واللفظ له، الفتوح - لابن أعثم ٤/٣٣٦ - ٣٣٧ ثمّ رجعنا إلى الخبر الأوّل، نهاية الإرب في فنون الأدب ٢٠/٢٢٢ أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة، من وفد إلى معاوية من أهل الأمصار.

٢ - الإمامة والسياسة ١/١٥١ - ١٥٢ قدوم معاوية المدينة على هؤلاء القوم وما كان بينهم من المنازعة، واللفظ له، تاريخ الإسلام ٤/١٤٨ - ١٤٩ الطبقة السادسة، أحداث سنة أحدى وخمسين من الهجرة، تاريخ خليفة بن خياط/١٦٠ - ١٦١ أحداث سنة أحدى وخمسين من الهجرة، وغيرها من المصادر.

١٩٦

(صلوات الله عليه) إلى مكة، وجاء في كتابه: وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة(١) .

٢٨- ولما علم يزيد امتناع ابن عباس من البيعة لابن الزبير كتب إليه: أمّا بعد، فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته، وعرض عليك الدخول في طاعته؛ لتكون على الباطل ظهيراً، وفي المأثم شريكاً، وأنّك امتنعت عليه، واعتصمت ببيعتنا؛ وفاءً منك لنا، وطاعة لله فيما عرّفك من حقّنا...، وانظر رحمك الله فيمَنْ قِبَلك من قومك ومَنْ يطرأ عليك من الآفاق... فأعلمهم حسن رأيك في طاعتي والتمسّك ببيعتي...(٢) .

٢٩- ولقي عبد الله بن عمر وابن عباس منصرفين من العمرة الإمام الحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير بالأبواء، فقال لهما ابن عمر: أذكّركما الله إلّا رجعتم فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظرا، فإن اجتمع الناس عليه لم تشذّا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان(٣) . وفي رواية أخرى: اتقيا الله، ولا تفرّقا بين جماعة المسلمين(٤) .

____________________

١ - سير أعلام النبلاء ٣/٣٠٤ في ترجمة الحسين الشهيد، البداية والنهاية ٨/١٧٧ أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق، تاريخ دمشق ١٤/٢١٠ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، واللفظ له، تهذيب الكمال ٦/٤١٩ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٥٩ ح ٢٨٣، وغيرها من المصادر.

٢ - تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٧ مقتل الحسين بن علي، واللفظ له. الكامل في التاريخ ٤/١٢٧ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة: ذكر بعض سيرته (يزيد) وأخباره. مجمع الزوائد ٧/٢٥٠ كتاب الفتن: باب فيما كان من أمر ابن الزبير. المعجم الكبير ١٠/٢٤١ مناقب عبد الله بن عباس وأخباره. وغيرها من المصادر.

٣ - تاريخ دمشق ١٤/٢٠٨ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، واللفظ له، تهذيب الكمال ٦/٤١٦ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٥٧ ح٢٨٣، وغيرها من المصادر.

٤ - البداية والنهاية ٨/١٥٨ أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية، يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه، =

١٩٧

٣٠- وكان عبد الله بن عمر يقول: غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرّك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس؛ فإنّ الجماعة خير(١) .

٣١- وقد سبق في المقدّمة كتاب عمرة بنت عبد الرحمن للإمام الحسين (صلوات الله عليه) تعظم عليه ما يريد، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة(٢) .

٣٢- ولما خرج (عليه السّلام) من مكّة متّجهاً إلى العراق اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص فامتنع عليهم امتناعاً قوياً، ومضى (عليه السّلام) لوجهه؛ فنادوه: يا حسين، ألا تتّقي الله، تخرج من الجماعة، وتفرّق بين هذه الأُمّة؟! فتأوّل (عليه السّلام) قول الله (عزّ وجلّ):( لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) (٣) .

٣٣- وكتب عمرو بن سعيد للإمام الحسين (صلوات الله عليه) يحاول صرفه عن وجهه، ويحثّه على الرجوع، وجاء في كتابه: فإنّي أُعيذك بالله من الشقاق... فكتب إليه الإمام الحسين (عليه السّلام) جواباً لكتابه، وكان فيه: «وإنّه لم

____________________

= واللفظ له، تاريخ الطبري ٤/٢٥٤ أحداث سنة ستين من الهجرة، خلافة يزيد بن معاوية.

١ - تاريخ دمشق ١٤/٢٠٨ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، واللفظ له، البداية والنهاية ٨/١٧٥ أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق، تهذيب الكمال ٦/٤١٦ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد/٥٧ ح٢٨٣، وغيرها من المصادر.

٢ - تقدّم في/٤٢.

٣ - سورة يونس/١٠، تجد ذلك في تاريخ الطبري ٤/٢٨٩ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره، واللفظ له، البداية والنهاية ٨/١٧٩ أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق.

١٩٨

يُشاقق مَنْ دعا إلى الله وعمل صالحاً، وقال إنّني من المسلمين»(١) .

٣٤- ولما علم النعمان بن بشير والي الكوفة بقدوم مسلم بن عقيل واختلاف الناس إليه خطب الناس، وكان في جملة ما قال: أمّا بعد، فاتّقوا الله عباد الله، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة؛ فإنّ فيهما يهلك الرجال، وتُسفك الدماء، وتُغصب الأموال. وقال: إنّي لم أُقاتل مَنْ لم يقاتلني...، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثكم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله إلّا هو لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر، أما إنّي أرجو أن يكون مَنْ يعرف الحق منكم أكثر ممّن يرديه الباطل(٢) . ومع ذلك يقول عنه مَنْ يقول: وكان حليماً ناسكاً يحبّ العافية(٣) .

٣٥- وأُخذ مسلم بن عقيل (عليه السّلام) أسيراً لابن زياد، فلمّا انتهوا به إلى باب القصر فإذا قلّة باردة موضوعة على الباب، فقال: اسقوني من هذا الماء، فقال

____________________

١ - تاريخ دمشق ١٤/٢٠٩ - ٢١٠ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، واللفظ له، تهذيب الكمال ٦/٤١٩ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، تاريخ الطبري ٤/٢٩٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره، البداية والنهاية ٨/١٧٦ - ١٧٧ أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٥٧ ح٢٨٣، وغيرها من المصادر.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٢٦٤ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٢٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، الفتوح - لابن أعثم ٥/٣٩ ذكر نزول مسلم بن عقيل الكوفة واجتماع الشيعة إليه للبيعة، وذكر باختصار في تاريخ ابن خلدون ٣/٢٢ مسير الحسين إلى الكوفة ومقتله.

٣ - تاريخ الطبري ٤/٢٦٤ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٢٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، وقريب منه ما في تاريخ ابن خلدون ٣/٢٢ مسير الحسين إلى الكوفة ومقتله.

١٩٩

له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها؟ لا والله، لا تذوق منها قطرة أبداً حتى تذوق الحميم في نار جهنم. فقال له مسلم: ويحك مَنْ أنت؟! قال: أنا ابن مَنْ عرف الحق إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته. أنا مسلم بن عمرو الباهلي. فقال مسلم (عليه السّلام): لأُمّك الثكل، ما أجفاك، وما أفظّك وأقسى قلبك وأغلظك! أنت يابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم منّي(١) .

٣٦- ولما أُدخل على ابن زياد قال له ابن زياد: يا شاق ويا عاق، خرجت على إمامك، وشققت عصا المسلمين، وألقحت الفتنة فقال له مسلم: كذبت يابن زياد، إنّما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج(٢) .

٣٧- ولما عسكر عبيد الله بن زياد بالنخيلة؛ ليخرج الناس لحرب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) دعا كثير بن شهاب الحارثي، ومحمد بن الأشعث بن قيس، والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمن، وأسماء بن خارجة الفزاري، وقال: طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة والاستقامة، وخوّفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية، وحثّوهم على العسكرة، فخرجوا فعذروا، وداروا بالكوفة، ثمّ لحقوا به غير كثير بن شهاب؛ فإنّه كان مبالغاً يدور بالكوفة يأمر الناس بالجماعة،

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٢٨١ - ٢٨٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٣٤ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل، البداية والنهاية ٨/١٧١ - ١٧٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة ومقتله، مقاتل الطالبيين/٦٦ مقتل الحسين (عليه السّلام)، وغيرها من المصادر.

٢ - اللهوف في قتلى الطفوف/٣٥، ومثله في الفتوح - لابن أعثم ٥/٦٤ ذكر دخول مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد وما كان من كلامه وكيف قتل.

٢٠٠