فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 273996
تحميل: 6268

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273996 / تحميل: 6268
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويحذّرهم الفتنة والفرقة، ويُخذّل عن الإمام الحسين (صلوات الله عليه)(١) .

٣٨- ولما جاء مالك بن النسير برسالة عبيد الله بن زياد للحرّ بن يزيد الرياحي يأمره فيها بأن يجعجع بالإمام الحسين (عليه السّلام)، وينزله بالعراء على غير ماء، قال أبو الشعثاء الكندي من أصحاب الإمام (عليه السّلام) لمالك: ثكلتك أُمّك، ماذا جئت فيه؟! فقال مالك: وما جئت فيه؟! أطعت إمامي، ووفيت ببيعتي. فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربّك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، وكسبت العار والنار؛ قال الله (عزّ وجلّ):( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ) (٢) فهو إمامك(٣) .

٣٩- وقال عمرو بن الحجّاج في المعركة يوم عاشوراء: يا أهل الكوفة، ألزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل مَنْ مرق من الدين، وخالف الإمام. فقال له الإمام الحسين (عليه السّلام): «يا عمرو بن الحجّاج، أعليّ تحرّض الناس؟! أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتم عليه؟! أما والله، لتعلمنّ لو قد قُبضت أرواحكم، ومتّم على أعمالكم، أيّنا مرق من الدين، ومَنْ هو أولى بصلي النار»(٤) .

٤٠- وعن أبي إسحاق قال: كان شمر بن ذي الجوشن يصلّي معنا الفجر، ثمّ يقعد حتى يصبح، ثمّ يصلّي فيقول: اللّهمّ إنّك شريف تحبّ الشرف، وأنت

____________________

١ - أنساب الأشراف ٣/٣٨٧ خروج الحسين بن علي من مكة إلى الكوفة.

٢ - سورة القصص/٤١.

٣ - تاريخ الطبري ٤/٣٠٩ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، الفتوح - لابن أعثم ٥/٨٧ ذكر الحر بن يزيد الرياحي لما بعثه عبيد الله بن زياد لحربه الحسين بن علي (رضي الله عنهم)، الإرشاد ٢/٨٣ - ٨٤.

٤ - تاريخ الطبري ٤/٣٣١ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٦٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، البداية والنهاية ٨/١٩٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن.

٢٠١

تعلم أنّي شريف، فاغفر لي. فقلت: كيف يغفر الله لك وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعنت على قتله؟! قال: ويحك! فكيف نصنع؟! إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر(١) .

٤١- ولما خلع أهل المدينة يزيد أنكر عبد الله بن عمر ذلك(٢) ، ودعا بنيه وجمعهم، وقال: إنّا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنّ الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة، فيقول: هذه غدرة فلان...». فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد... فتكون الصيلم بيني وبينه(٣) .

٤٢- وكان أهل المدينة حينما خلعوا بيعة يزيد قد حبسوا بني أُميّة وضيّقوا عليهم، فلمّا أقبل جيش أهل الشام بقيادة مسلم بن عقبة أفرجوا عنهم، وسمحوا لهم بالخروج من المدينة بعد أن أخذوا منهم عهد الله تعالى وميثاقه على أن لا يبغوهم غائلة، ولا يدلوا على عورة لهم، ولا يُظاهروا عليهم عدوّاً.

لكنّ عبد الملك بن مروان حينما دخل على مسلم بن عقبة في الطريق، واستشاره مسلم في خطّة القتال أشار عليه بخطّة محكمة - سار عليها مسلم -

____________________

١ - تاريخ الإسلام ٥/١٢٥ في ترجمة شمر بن ذي الجوشن، واللفظ له، تاريخ دمشق ٢٣/١٨٩ في ترجمة شمر بن ذي الجوشن، ميزان الاعتدال ٢/٢٨٠ في ترجمة شمر بن ذي الجوشن، وغيرها من المصادر.

٢ - صحيح البخاري ٨/٩٩ كتاب الفتن، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه، السنن الكبرى - للبيهقي ٨/١٥٩ كتاب قتال أهل البغي، باب إثم الغادر للبر والفاجر، مسند أحمد ٢/٤٨، ٩٦ مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم)، تفسير ابن كثير ٢/٦٠٥، الطبقات الكبرى ٤/١٨٣ في ذكر عبد الله بن عمر بن الخطاب، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٣ - الطبقات الكبرى ٤/١٨٣ في ذكر عبد الله بن عمر بن الخطاب، واللفظ له، صحيح البخاري ٨/٩٩ كتاب الفتن، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثمّ خرج فقال بخلافه، السنن الكبرى - للبيهقي ٨/١٥٩ كتاب قتال أهل البغي، باب إثم الغادر للبرّ والفاجر، مسند أحمد ٢/٤٨، ٩٦ مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم)، البداية والنهاية ٨/٢٥٥ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ترجمة يزيد بن معاوية، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢٠٢

ثمّ قال له: ثمّ قاتلهم واستعن بالله عليهم، فإن الله ناصرك؛ إذ خالفوا الإمام، وخرجوا من الجماعة(١) .

٤٣- ولما رأى مسلم بن عقبة ضَعفَ قتال أهل الشام في قتال أهل المدينة نادى: يا أهل الشام، هذا القتال قتال قوم يريدون أن يدفعوا به عن دينهم، وأن يعزوا به نصر إمامهم؟!(٢) .

وقال أيضاً في تحريضهم على القتال: يا أهل الشام، إنّكم لستم بأفضل العرب في أحسابها ولا أنسابها، ولا أكثرها عدداً، ولا أوسعها بلداً، ولم يخصصكم الله بالذي خصّكم به - من النصر على عدوّكم، وحسن المنزلة عند أئمتكم - إلّا بطاعتكم واستقامتكم، وإنّ هؤلاء القوم وأشباههم من العرب غيّروا فغيّر الله بهم، فتمّوا على أحسن ما كنتم عليه من الطاعة يتمم الله لكم أحسن ما ينيلكم من النصر والفلج(٣) .

٤٤- ولما انتصر على أهل المدينة، واستباحها وفعل بها الأفاعيل، وانتهك الحرمات العظام، خرج إلى مكة لقتال ابن الزبير، فاحتضر في الطريق، فقال عند الموت: اللّهمّ إنّي لم أعمل عملاً قطّ بعد شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أحبّ إليّ من قتلي أهل المدينة، ولا أرجى عندي في الآخرة(٤) .

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٧٣ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، واللفظ له، البداية والنهاية ٨/٢٤٠ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٣٧٥ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، واللفظ له، جمهرة خطب العرب ٢/٣٢٧ خطبة مسلم بن عقبة يؤنب أهل الشام.

٣ - تاريخ الطبري ٤/٣٧٦ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة.

٤ - تاريخ الطبري ٤/٣٨٤ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/١٢٣ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر مسير مسلم لحصار ابن الزبير وموته، البداية والنهاية ٨/٢٤٦ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، وقريب منه في الفتوح - لابن أعثم ٥/١٨٥ ذكر حرّة واقم وما قُتل فيها من المسلمين.

٢٠٣

وقال: اللّهمّ إن عذّبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية، وقتل أهل الحرّة، فإنّي إذاً لشقي(١) .

٤٥- ثمّ قدم الحصين بن نمير مكة، فناوش ابن الزبير الحرب في الحرم، ورماه بالنيران حتى أحرق الكعبة. وكان عبد الله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة، فنادى بأعلى صوته: يا أهل الشام، هذا حرم الله الذي كان مأمناً في الجاهلية، يأمن فيه الطير والصيد، فاتّقوا الله يا أهل الشام. فيصيح الشاميون: الطاعة الطاعة، الكرّة الكرّة، الرواح قبل المساء. فلم يزل على ذلك حتى أُحرقت الكعبة، فقال أصحاب ابن الزبير: نطفي النار، فمنعهم وأراد أن يغضب الناس للكعبة، فقال بعض أهل الشام: إنّ الحرمة والطاعة اجتمعت، فغلبت الطاعة الحرمة(٢) .

٤٦- وقال ابن أبي الحديد: قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول: إنّما أراد بذلك ألاّ تنتشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة؛ فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخّروا عن بيعة أبي بكر، فإنّه أحضر الحطب؛ ليحرق عليهم الدار(٣) .

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/٢٥١ مقتل الحسين بن علي.

٢ - تاريخ اليعقوبي ٢/٢٥١ - ٢٥٢ مقتل الحسين بن علي.

٣ - شرح نهج البلاغة ٢٠/١٤٧.

ويبدو طروء التحريف والتشذيب على هذا الموضوع من كتاب مروج الذهب؛ ففي طبعة بولاق في مصر عام ١٢٨٣ هـ، ٢/٧٩، والطبعة الأولى من المطبعة الأزهرية المصرية عام ١٣٠٣ هـ الذي بهامشه تاريخ روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر - للعلامة ابن شحنة ٢/٧٢، والطبعة التي بهامش الكامل ٦/١٦٠ - ١٦١ هكذا: وحدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حمّاد بن سلمة قال: كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم، وحصره إيّاهم في الشعب، =

٢٠٤

٤٧- ولما اختلف أهل الشام بعد معاوية بن يزيد في البيعة لابن الزبير، أو لبني أُميّة خطب روح بن زنباع وجاء في جملة خطبته: وأمّا ما يذكر الناس من عبد الله بن الزبير، ويدعون إليه من أمره، فهو والله كما يذكرون بأنّه لابن الزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وابن أسماء ابنة أبي بكر الصديق ذات النطاقين، وهو بعد كما تذكرون في قدمه وفضله، ولكنّ ابن الزبير منافق، قد خلع خليفتين يزيد وابنه معاوية بن يزيد، وسفك الدماء، وشقّ عصا المسلمين، وليس صاحب أمر أُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم المنافق. وأمّا مروان بن الحكم فوالله ما كان في الإسلام صدع قطّ إلّا كان مروان ممّن يشعب ذلك الصدع، وهو الذي قاتل عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان يوم الدار، والذي قاتل علي بن أبي طالب يوم الجمل...(١) .

٤٨- ولما انشقّ عمرو بن سعيد الأشدق عن عبد الملك بن مروان واستولى

____________________

= وجمعه الحطب لتحريقهم، ويقول: إنّما أراد بذلك إرهابهم؛ ليدخلوا في طاعته، كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم؛ إذ هم أبوا البيعة فيما سلف. وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا، وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان.

بينما الموجود في الطبعة الثانية من مطبعة دار السعادة بمصر عام ١٣٦٧هـ/١٩٤٨م تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ٣/٨٦، والطبعة الأولى من مطبعة دار الفكر ببيروت عام ١٤٢١هـ /٢٠٠٠م تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام ٣/٨٧: وحدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حمّاد بن سلمة قال: كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إيّاهم في الشعب وجمعه لهم الحطب لتحريقهم ويقول: إنّما أراد بذلك إرهابهم؛ ليدخلوا في طاعته. إذ هم أبوا البيعة فيما سلف. وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا، وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان.

١ - تاريخ الطبري ٤/٤١٤ أحداث سنة خمس وستين من الهجرة، ذكر السبب في البيعة لمروان بن الحكم، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/١٨٤ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر بيعة مروان بن الحكم، شرح نهج البلاغة ٦/١٦١.

٢٠٥

على دمشق صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر إلّا زعم أنّ له جنة ونار، يدخل الجنّة مَنْ أطاعه والنار مَنْ عصاه. وإنّي أخبركم أنّ الجنّة والنار بيد الله، وأنّه ليس إليّ من ذلك شيء، غير أنّ لكم عليّ حسن المواساة والعطية(١) .

٤٩- وقال الوليد بن عبد الملك: أيّها الناس، عليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، فإنّ الشيطان مع الفرد. أيّها الناس، مَنْ أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومَنْ سكت مات بدائه(٢) .

٥٠- ولما حاصر الحجّاج مكة المكرّمة في قتاله لابن الزبير رُميت بالمنجنيق، فرعدت السماء وبرقت، فتهيّب ذلك أهل الشام، فرفع الحجّاج بيده حجراً ووضعه في كِفّة المنجنيق، ورمى بعضهم. فلمّا أصبحوا جاءت صاعقة فقتلت من أصحاب المنجنيق اثني عشر رجلاً؛ فانكسر أهل الشام. فقال الحجّاج: يا أهل الشام، لا تنكروا ما ترون، فإنّما هي صواعق تُهامة. وعظم عندهم أمر الخلافة وطاعة الخلفاء(٣) .

٥١- وذكر الجاحظ أنّ الحجّاج قال: والله لطاعتي أوجب من طاعة الله؛ لأنّ الله تعالى يقول:( اتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، فجعل فيها مثنوية، وقال:( وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) ، ولم يجعل فيها مثنوية، ولو قلت لرجل: ادخل من هذا الباب، فلم

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٥٩٦ - ٥٩٧ أحداث سنة تسع وستين من الهجرة، واللفظ له، تهذيب التهذيب ٨/٣٥ في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص.

٢ - تاريخ الطبري ٥/٢١٤ أحداث سنة ست وثمانين من الهجرة، خلافة الوليد بن عبد الملك، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٥٢٣ أحداث سنة ست وثمانين من الهجرة، خلافة الوليد بن عبد الملك، البداية والنهاية ٩/٨٥ أحداث سنة ست وثمانين من الهجرة، خلافة الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق، تاريخ ابن خلدون ٣/٥٩ وفاة عبد الملك وبيعة الوليد، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٨٣ أيام الوليد بن عبد الملك.

٣ - أنساب الأشراف ٧/١٢٢ أمر عبد الله بن الزبير في أيام عبد الملك ومقتله.

٢٠٦

يدخل لحلّ لي دمه(١) .

وفي حديث الأعمش أنّ الحجّاج قال: اسمعوا وأطيعوا، ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك. والله، لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد، فخرجوا من باب آخر، لحلّت لي دماؤهم وأموالهم(٢) .

٥٢- وقال أبو اليقظان: بعث الحجّاج إلى الفضيل بن بزوان العدواني - وكان خيرِّاً من أهل الكوفة - فقال: إنّي أريد أن أولّيك. قال: أوَ يُعفيني الأمير؟ فأبى. وكتب عهده، فأخذه وخرج من عنده، فرمى بالعهد وهرب. فأُخِذَ وأُتي به الحجّاج، فقال: يا عدوّ الله. فقال: لست لله ولا للأمير بعدو. قال: ألم أكرمك؟ قال: بل، أردت أن تهينني. قال: ألم أستعملك؟ قال: بل أردت أن تستعبدني. قال:( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) ... الآية. قال: ما استوجبت واحدة منهنّ. قال: كلّ ذلك قد استوجبت بخلافك. وأمر رجلاً من أهل الشام أن يضرب عنقه(٣) .

٥٣- وقال ابن الكلبي: رأيت قاتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) قد أُدخل على الحجّاج وعنده عنبسة بن سعيد، فقال: أأنت [قتلت] حسين؟ قال: نعم. قال: كيف؟ قال: دسرته بالرمح دسراً، وهبرته هبراً. ووكلت رأسه إلى أمر غيري. فقال الحجّاج: والله، لا يجتمعان في الجنة أبداً. فخرج أهل العراق يقولون:

____________________

١ - كتاب الحيوان للجاحظ ٣/١٥ علّة الحجّاج بن يوسف، واللفظ له، البصائر والذخائر المجلد ٢ ق ١/٢٣٠ سياسة الحجّاج، نثر الدرّ ٥/٢٣ الباب الثاني، كلام الحجّاج. ربيع الأبرار ٢/٧٩١ باب الطاعة لله ولرسوله ولولاة المسلمين، التذكرة الحمدونية ١/٣٤٠ الباب الثاني عشر ما جاء في العدل والجور.

٢ - سنن أبي داود ٢/٤٠٠ كتاب السُنّة، باب في الخلفاء، واللفظ له، البداية والنهاية ٩/١٤٨ أحداث سنة خمس وتسعين من الهجرة، ترجمة الحجّاج بن يوسف الثقفي ووفاته.

٣ - عيون الأخبار ٢/٢١٠ كتاب العلم والبيان، التلطف في الكلام والجواب وحسن التعريض، واللفظ له، أنساب الأشراف ١٣/٢٧٢ نسب عدوان.

٢٠٧

والله، لا يجتمع ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقاتله في الجنة أبداً. وخرج أهل الشام يقولون: صدق الأمير، لا يجتمع مَنْ شقّ عصا المسلمين وخالف أمير المؤمنين وقاتِلَه في طاعة الله في الجنة(١) .

٥٢- وقد تقدّم في أوائل هذا المبحث كتاب الوليد بن يزيد بن عبد الملك لرعيته المتضمّن لتعظيم أمر طاعة الخلفاء ولزوم جماعتهم(٢) ... إلى غير ذلك ممّا يجده المتتبّع من أجل التعرّف على نظرتهم للطاعة ولزوم الجماعة وفهمهم له من دون ملاحظة لأهلية الخليفة، وسلوكه في نفسه، وسيرته في المسلمين، وعدله وجوره، بل مع التأكيد على عدم دخلها في وجوب الطاعة والحفاظ على الجماعة.

وقد بقيت السلطة وأتباعها يحاولون التذكير بهذه المفاهيم المشوهة والتأكيد عليها حتى بعد أن سقطت السلطة عن الاعتبار، وفقدت مكانتها الدينية؛ نتيجة فاجعة الطفّ ومضاعفاته، كما يظهر بأدنى ملاحظة لتاريخ المسلمين وتراثهم، ولهم في ذلك نكات ملفتة للنظر.

تبدّل موقف العباسيين من خلافة الأمويين

ومنها ما يأتي في أواخر المقام الثاني من محاولة المنصور العباسي ومَنْ بعده من حكّام بني العباس الاعتراف بشرعية خلافة الأمويين، وبوجوب طاعتهم، تأكيداً لشرعية الخلافة بالقهر والقوّة، ولترتّب وجوب الطاعة ولزوم الجماعة على الخلافة المذكورة.

مع إنّ من المعلوم أنّ دولة بني العباس قامت بناءً على عدم شرعية خلافة بني أُميّة، بل على أنّ الخلافة حق لبني هاشم، ولا شرعية لخلافة غيرهم حتى الأوّلين، كما يأتي بعض شواهد ذلك في أواخر المقام الثاني من المبحث

____________________

١ - البصائر والذخائر ٣/٤٧١، واللفظ له، نثر الدرّ - للآبي ٥/٢١ الباب الثاني، كلام الحجّاج.

٢ - تقدّم في/١٧١.

٢٠٨

الثاني إن شاء الله تعالى(١) .

أثر هذه الثقافة على العامّة

وقد كان لهذه الثقافة تأثيرها المهم على العامّة في طاعتهم للخلفاء، بل تقديسهم لهم، لولا موقف المعارضة المضاد، ويبدو ذلك بوضوح في الشام؛ حيث اقتصر الأمر فيها على ثقافة السلطة، ولم يكن فيها للمعارضة نشاط يذكر، وقد تقدّم عرض بعض شواهد ذلك.

وحتى في إفريقية، فإنّها كانت مدّة طويلة معزولة لا يصل إليها نشاط المعارضة، ولا تعرف إلّا ثقافة السلطة.

أثر هذه الثقافة في إفريقية

ومن الطريف ما رواه الطبري بسنده عن أبي حارثة وأبي عثمان في حديثهما عن فتح إفريقية في عهد عثمان، ثمّ عن أهل إفريقية بعد الفتح، قالا: فمازالوا من أسمع أهل البلدان وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك، أحسن أُمّة إسلاماً وطاعة حتى دبّ إليهم أهل العراق، فلمّا دبّ إليهم دعاة أهل العراق واستثاروهم، شقّوا عصاهم، وفرّقوا بينهم إلى اليوم.

وكان سبب تفريقهم أنّهم ردّوا على أهل الأهواء، فقالوا: إنّا لا نخالف الأئمّة بما تجني العمّال، ولا نحمل ذلك عليهم. فقالوا لهم: إنّما يعمل هؤلاء بأمر أولئك. فقالوا لهم: لا نقبل ذلك حتى نبورهم(٢) . فخرج ميسرة في بضعة عشر إنساناً حتى يقدم على هشام، فطلبوا الإذن، فصعب عليهم.

____________________

١ - يأتي في/٣٣١ وما بعدها.

٢ - بارَ الرجلَ: جرّبه واختبره.

٢٠٩

فأتوا الأبرش فقالوا: أبلغ أمير المؤمنين أنّ أميرنا يغزو بنا وبجنده، فإذا أصاب نَفَلَهم دوننا، وقال: هم أحق به، فقلنا: هو أخلص لجهادنا؛ لأنّا لا نأخذ منه شيئاً. إن كان لنا فهم منه في حلّ، وإن لم يكن لنا لم نُرِده.

وقالوا: إذا حاصرنا مدينة قال: تقدّموا، وأخّر جنده، فقلنا: تقدّموا؛ فإنّه ازدياد في الجهاد، ومثلكم كفى إخوانه، فوقيناهم بأنفسنا وكفيناهم.

ثمّ إنّهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرونها عن السخال يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين، فيقتلون ألف شاة في جلد، فقلنا: ما أيسر هذا لأمير المؤمنين، فاحتملنا ذلك وخليناهم وذلك.

ثمّ إنّهم سامونا أن يأخذوا كلّ جميلة من بناتنا، فقلنا: لم نجد هذا في كتاب ولا سنة، ونحن مسلمون.

فأحببنا أن نعلم أعن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا؟ قال: نفعل.

فلما طال عليهم، ونفدت نفقاتهم، كتبوا أسماءهم في رقاع، ورفعوها إلى الوزراء، وقالوا: هذه أسماؤنا وأنسابنا، فإن سألكم أمير المؤمنين عنّا فأخبروه.

ثمّ كان وجههم إلى إفريقية، فخرجوا على عامل هشام فقتلوه، واستولوا على إفريقية. وبلغ هشاماً الخبر، فإذا هم النفر الذين جاء الخبر أنّهم صنعوا ما صنعوا(١) .

وهو يكشف بوضوح عن تأثير هذه الثقافة في تشويه مفهوم وجوب الطاعة حتى يُتحمّل من أجلها مثل هذا الظلم، كما يكشف عن استغفال الناس - نتيجة

____________________

١ - تاريخ الطبري ٣/٣١٣ أحداث سنة سبع وعشرين من الهجرة، ذكر الخبر عن فتح أفريقية وعن سبب ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر وعزل عثمان عمرو بن العاص عنه، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٣/٩٢ - ٩٣ أحداث سنة سبع وعشرين من الهجرة، ذكر انتقاض افريقية وفتحها ثانية.

٢١٠

العوامل السابقة - حتى صاروا يحترمون هؤلاء الخلفاء الجبّارين، ويعظّمونهم هذا التعظيم مع شدّة تعلّقهم بالدنيا، وانغماسهم في الملذات بإسراف وإفساد بحيث يبلغ بهم الأمر أن يطلبوا جلد السخال البيض ولو توقف تحصيل الواحد منه على أن يبقروا بطن ألف شاة لعامّة الرعية من المسلمين.

وبدلاً من أن يأنف هؤلاء المستغفلون أن يكون هؤلاء ولاة عليهم وأمراء للمؤمنين، يحتملون ذلك ويخلون أمراءهم يفعلونه، ويقولون: ما أيسر هذا لأمير المؤمنين.

ومن الملفت للنظر أنّ الراوي لا ينعى على الخلفاء ظلمهم وظلم عمّالهم لهؤلاء، واحتجابهم عنهم بحيث لا يتسير لهم إبلاغ ظلامتهم حتى يضطرّهم ذلك لشق العصا والخروج عن طاعتهم، بعد أن كانوا - كما يقول - أحسن أُمّة إسلاماً وطاعة، بل يظهر عليه الأسف لإفساد أهل العراق ودعاتهم لهؤلاء المساكين، وحملهم على شق العصا والخروج عن الطاعة، ممّا أدّى إلى خروجهم وخلافهم بعد ما غضوا النظر عن الظلامات الكثيرة حتى بلغ الظلم إلى أعراضهم وغصب نسائهم، وبعد أن طال احتجاب الخليفة عنهم حتى نفدت نفقاتهم، وكانوا قد قصدوه من تلك المسافات البعيدة؛ ليرفعوا له ظلامتهم.

هذه هي مفاهيم الخلافة والطاعة والجماعة والفتنة وشقّ العصا التي حاولت السلطات المنحرفة نشرها بين المسلمين وتثقيفهم بها.

موقف عبد الله بن عمر من الإمامة والجماعة

وقد عُرف عن عبد الله بن عمر أنّه لا يبايع إلّا بعد اجتماع الناس على خليفة واحد من دون نظر إلى كيفية حصول الاجتماع، وأنّه هل حصل بطريق مشروع، أو بطريق عدواني غير مشروع.

وعنه أنّه قال: لا أُقاتل في الفتنة، وأصلي

٢١١

وراء مَنْ غلب(١) .

وقال ابن حجر: وكان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أنّ إحدى الطائفتين محقّة والأُخرى مبطلة(٢) .

وقال زيد بن أسلم: كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلّا صلّى خلفه، وأدّى إليه زكاة ماله(٣) .

وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن محرز قال: أخبرني ميمون بن مهران قال: دخلت على ابن عمر أنا وشيخ أكبر منّي - قال: حسبت أنّه قال: ابن المسيّب - فسألته عن الصدقة أدفعها إلى الأمراء؟ فقال: نعم. قال: قلت: وإن اشتروا به الفهود والبيزان؟ قال: نعم. فقلت للشيخ حين خرجنا: تقول ما قال ابن عمر؟ قال: لا. فقلت أنا لميمون بن مهران: أتقول ما قال ابن عمر؟ قال: لا(٤) .

وروى نحو ذلك عنه غير واحد(٥) .

وقد سبق من ابن عمر أن طلب من الإمام الحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير

____________________

١ - الطبقات الكبرى ٤/١٤٩ في ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب، واللفظ له، إرواء الغليل ٢/٣٠٤.

٢ - فتح الباري ١٣/٤٠، ومثله في عمدة القاري ٢٤/٢٠٠.

٣ - الطبقات الكبرى ٤/١٤٩ في ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب، واللفظ له، البداية والنهاية ٩/٨ أحداث سنة أربع وسبعين من الهجرة، في ترجمة عبد الله بن عمر، إرواء الغليل ٢/٣٠٣ - ٣٠٤.

٤ - المصنّف - لعبد الرزاق ٤/٤٧ كتاب الزكاة، باب موضع الصدقة ودفع الصدقة في مواضعه.

٥ - راجع المصنّف - لعبد الرزاق ٤/٤٦ كتاب الزكاة، باب موضع الصدقة ودفع الصدقة في مواضعه، وص ٥٠ باب لا تحل الصدقة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والسنن الكبرى - للبيهقي ٤/١١٥ كتاب الزكاة، باب الاختيار في دفعها إلى الولي، والمصنّف - لابن أبي شيبة ٣/٤٧ كتاب الزكاة، من قال تدفع الزكاة إلى السلطان، والمجموع للنووي ٦/١٦٤، ونيل الأوطار ٤/٢٢٠، وكتاب المسند - للشافعي/٩٤، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢١٢

أن يبايعا يزيد ولا يُفرّقا جماعة المسلمين(١) .

وهو بذلك يُعطي الشرعية لخلافة مَنْ يغلب وإن كان ظالماً باغياً قد غلب على الإمارة بالقسر والإكراه والطرق الإجرامية المنحطّة.

وما أكثر ما ورد في ذلك عن السلطة وأتباعها ومَنْ سار في خطّها، وعليه جرى عملهم وسيرتهم.

الأحاديث والفتاوى في دعم هذا الاتجاه

بل حاولوا دعم ذلك بأحاديث رواها أتباع السلطة، لتكون ديناً يُتديّن به، كحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: مَنْ رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه؛ فإنّه مَنْ فارق الجماعة شبراً فمات إلّا مات ميتة جاهلية(٢) ، وغيره.

وعلى ذلك جرت فتاوى كثير من فقهاء الجمهور. قال الشوكاني تعقيباً على الحديث المذكور: فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصّصاً لعموم قوله تعالى:( مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) ، وقوله تعالى:( وَجَزَاء

____________________

٣ - تقدّمت مصادره في/١٩٧.

٤ - صحيح البخاري ٨/٨٧ كتاب الفتن، ما جاء في قوله تعالى:( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة ) ، وما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحذّر من الفتن، واللفظ له، صحيح مسلم ٦/٢١ كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن، السنن الكبرى - للبيهقي ٨/١٥٧ كتاب قتال أهل البغي، باب الصبر على أذى يصيبه من جهة إمامه وإنكار المنكر بقلبه وترك الخروج عليه، مسند أحمد ١/٢٧٥، ٢٩٧ مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (رضي الله تعالى عنه)، سنن الدارمي ٢/٢٤١ كتاب الجهاد، باب لزوم الطاعة والجماعة، كتاب السنة - لابن أبي عاصم/٥١٠، مسند أبي يعلى ٤/٢٣٥، معرفة السنن والآثار ٦/٢٨٩، إرواء الغليل ٨/١٠٥، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٢١٣

سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَ ) (١) .

وقال ابن حجر: قال ابن بطال: في الحديث حجّة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلّب والجهاد معه، وأنّ طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجّتهم هذا الخبر وغيره ممّا يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلّا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لِمَنْ قدر عليه...(٢) . والحديث في ذلك طويل.

مشابهة الاتجاه المذكور للتعاليم المسيحية الحالية

وهم يسيرون في ذلك باتجاه التعاليم المسيحية الشائعة الآن في الطاعة للحكام؛ فقد جاء في العهد الجديد:

لتخضع كلّ نفس للسلاطين الفائقة؛ لأنّه ليس سلطان إلّا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتّبة من الله حتى إنّ مَنْ يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة؛ فإنّ الحكّام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة، بل للشريرة(٢) .

حديث أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حقوق الوالي والرعية

بينما نرى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول في خطبة له: «أمّا بعد، فقد جعل الله لي عليكم حقّاً بولاية أمركم، ولكم عليّ من الحقّ مثل الذي عليكم.

____________________

١ - نيل الأوطار ٧/٣٦٠.

٢ - فتح الباري ١٣/٥.

٣ - رسالة بولس إلى أهل رومية الإصحاح الثالث عشر: ١ - ٤.

٢١٤

فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلّا جرى عليه، ولا يجري عليه إلّا جرى له...، وأعظم ما افترض الله سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرعية، وحقّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكلّ على كلّ؛ فجعلها نظاماً لأُلفتهم، وعزّاً لدينهم. فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعية. فإذا أدّت الرعية إلى الوالي حقّه، وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل...، وإذا غلبت الرعية واليها، وأجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور...»(١) .

ويقول في خطبة أخرى: «أيّها الناس، إنّ لي عليكم حقّ، ولكم عليّ حقّ. فأما حقّكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا. وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم»(٢) .

ما تقتضيه القاعدة في البيعة

بل من الظاهر أنّ البيعة لما كانت على شروط خاصّة من العمل بالكتاب والسُنّة، والتناصح بين الوالي والرعية ونحو ذلك؛ فوجوب الوفاء بها من كلّ من الطرفين إنّما يكون مع التزامهما معاً بما اتفقا عليه، كما هو الحال في سائر العقود والعهود، ولا منشأ لوجوب التزام أحدهما بها مع عدم التزام الآخر، كما يحاول

____________________

١ - نهج البلاغة ٢/١٩٨ - ١٩٩، واللفظ له، الكافي ٨/٣٥٢.

٢ - نهج البلاغة ١/٨٤.

٢١٥

أتباع الانحراف في السلطة حمل الناس عليه.

ما آل إليه أمر وجوب البيعة والطاعة ولزوم الجماعة

والحاصل: إنّ وجوب بيعة الإمام وطاعته، ولزوم جماعته والنهي عن الخلاف والفتنة التي جعلها الله (عزّ وجلّ) وشرّعها من أجل نظم أمر الأُمّة، واجتماعها في دعم الحقّ، وتماسكها في وجه الباطل، قد صارت وسيلة لدعم الباطل، وانتهاك الحرمات العظام.

كحرمة مكة المكرّمة، والكعبة المعظّمة، والمدينة المنوّرة، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره الشريف(١) ، وبيت ابنته الصديقة (عليها السّلام) الذي هو من أفاضل البيوت التي أذن الله (عزّ وجلّ) أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، كما في الحديث الشريف(٢) ... إلى غير ذلك من الحرّمات.

كما صارت وسيلة للوقوف في وجه رموز الدين وذوي المقام الرفيع فيه، والإيقاع بهم، كأمير المؤمنين والصديقة الزهراء (صلوات الله عليهما)، والإمام الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته وصحبه الكرام، والمقداد بن الأسود وأبي ذرّ (رضوان الله عليهما)، ومحمد بن الحنفية وابن عباس وبقية بني هاشم في مكة المكرّمة... إلى غير ذلك ممّا تقدّم التعرّض له.

كلّ ذلك في محاولة لفرض طاعة السلطة عليهم، ومنعهم من أداء وظيفتهم في الأمر بالمعروف وإنكار المنكر، والوقوف في وجه الفساد، ومحاولة الإصلاح، والامتناع من بيعة الضلال.

____________________

١ - جوامع السيرة ١/٣٥٧ ولاية يزيد ابنه، فيض القدير ١/٥٨، السيرة الحلبية ١/٢٦٨.

٢ - تفسير الثعلبي ٧/١٠٧، شواهد التنزيل ١/٥٣٤، الدرّ المنثور ٥/٥٠، روح المعاني - للآلوسي ١٨/١٧٤، وغيرها من المصادر.

٢١٦

بينما نجد الإنكار لهذه المفاهيم، والردّ عليه ومحاولة تصحيحها من الخطّ الآخر. وفيهم أعلام الإسلام وذوو التقوى والمقام الرفيع في الدين. وهو الحقيق بالقبول؛ لانسجامه مع الفطرة، وموافقته للأدلّة العقلية والنقلية.

اختلاف الأُمّة في الحقّ خير من اتفاقها على الباطل

وفي الحقيقة أنّ اتفاق الأُمّة إنّما يحسن، بل يجب، إذا كان اتفاقاً على الحقّ، أمّا إذا تعذّر ذلك فاختلافها في الحقّ خير من اتفاقها على الباطل؛ لما في الاختلاف المذكور من التنبيه للحقّ والتذكير به والدعوة إليه، وجعله في متناول الطالب له.

ولو تمّ الاتفاق على الباطل لضاع الحقّ، واختفت معالمه، ولم يتيسّر لأحد الوصول إليه، وفي ذلك تفويت للغرض والحكمة الداعية لتشريع الدين الحقّ، وإرسال الأنبياء به، وجهاد المؤمنين في سبيله، وتضحياتهم الجسيمة من أجله، وربما يأتي عند الكلام في نتائج فاجعة الطفّ مزيد من التوضيح لذلك.

استعانة السلطة بالمنافقين وحديثي الإسلام

الأمر الرابع ممّا قام به الولاة في سبيل دعم سلطانهم: الاستعانة بالمنافقين وحديثي الإسلام في قيادة الجيوش، وولاية الأمصار، وتمكينهم من مقدّرات المسلمين، كما تضمّنه ما تقدّم من كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في أسباب اختلاف الحديث.

وذلك إمّا لعدم تجاوب المهاجرين الأوّلين والأنصار مع السلطة، كما تعرّضنا لذلك بتفصيل في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).

وإمّا لأنّ المنافقين وحديثي الإسلام ليس لهم بأشخاصهم مكانة واحترام في نفوس عامة المسلمين، وإنّما يستمدّون حرمتهم من ارتباطهم بالسلطة، بما لها

٢١٧

من نفوذ واحترام في المجتمع.

وذلك يجعلهم في حاجة للالتزام بتعاليمه، والطاعة العمياء له، والحفاظ على نهجها من أجل أن تدعمهم وترفع من شأنهم، وتمكنهم في البلاد والعباد، فهم أرضية صالحة للولاء للسلطة، وأداة فاعلة في تركيز ولائها في نفوس عامة المسلمين.

مضافاً إلى أنّهم - نوعاً - يفقدون الوازع الديني الذي يمنعهم من تنفيذ تعاليم السلطة إذا انحرفت عن واقع الإسلام، ومن تركيزها بالطرق غير المشروعة، كالاستئثار بالمال، وتفضيل ذوي النفوذ في العطاء، واختلاق الأحاديث لصالحها، كما تضمّنه كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) السابق.

وقد ورد عن عمر بن الخطاب أنّه قال: نستعين بقوّة المنافق، وإثمه عليه(١) .

وقيل له: إنّك استعملت يزيد بن أبي سفيان، وسعيد بن العاص، ومعاوية، وفلاناً وفلاناً من المؤلّفة قلوبهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء، وتركت أن تستعمل عليّاً والعباس والزبير وطلحة. فقال: أمّا علي فأنبه من ذلك، وأمّا هؤلاء النفر من قريش فإنّي أخاف أن ينتشروا في البلاد، فيكثروا فيها الفساد(٢) .

السلطة تمكّن للأمويين وخصوصاً معاوية

وإنّ ممّا يُلفت النظر ويدعو للتساؤل والعجب تمكين السلطة في الصدر الأوّل للأمويين من مقدّرات المسلمين وخصوصاً معاوية.

فقد كان عمر بن الخطاب يحاسب جميع ولاته سوى معاوية، حيث

____________________

١ - المصنّف - لابن أبي شيبة ٧/٢٦٩ كتاب الأمراء، ما ذكر من حديث الأمراء والدخول عليهم، واللفظ له، السنن الكبرى - للبيهقي ٩/٣٦ كتاب السير، باب من ليس للإمام أن يغزو به بحال، كنز العمّال ٤/٦١٤ ح١١٧٧٥، وقريب منه في كنز العمّال ٥/٧٧١ ح١٤٣٣٨.

٢ - شرح نهج البلاغة ٩/٢٩ - ٣٠.

٢١٨

كان يقول له: لا آمرك ولا أنهاك(١) . وكان يغضّ الطرف عنه وينهى عن ذمّه، ويقول: دعونا من ذمّ فتى قريش(٢) . ويقول عنه أيضاً: هذا كسرى العرب(٣) .

ويا ترى هل جاء الإسلام ليبدل كسرى فارس بكسرى العرب؟! وهل إنّ ذلك يتناسب مع ما يُنسب لعمر من خشونة العيش والتركيز على محاسبة العمّال ومنعهم من التوسّع والترف؟!

ويزيد العجب والتساؤل إذا صحّ عن عمر أنّه كان يتوقّع من معاوية الطمع وتحيّن الفرصة للاستيلاء على الخلافة؛ فقد ورد عنه أنّه حذّر أهل الشورى منه، وقال: إيّاكم والفرقة بعدي، فإن فعلتم فاعلموا أنّ معاوية بالشام، فإذا وكلتم إلى رأيكم عرف كيف يستبزّها منكم(٤) .

بل ورد عنه أنّه كان يتوقّع من بني أُميّة عامّة أن يكيدوا للإسلام. فعن

____________________

١ - الاستيعاب ٣/١٤١٧ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، تاريخ دمشق ٥٩/١١٢، ١١٣، ١١٤ في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان، سير أعلام النبلاء ٣/١٣٣ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، البداية والنهاية ٨/١٣٣ أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية، ترجمة معاوية، شرح نهج البلاغة ٨/٣٠٠، وغيرها من المصادر.

٢ - الاستيعاب ٣/١٤١٨ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، تاريخ دمشق ٥٩/١١٢ في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان.

٣ - الاستيعاب ٣/١٤١٧ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، أسد الغابة ٤/٣٨٦. في ترجمة معاوية بن صخر بن حرب، الإصابة ٦/١٢١ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، سير أعلام النبلاء ٣/١٣٤ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، تاريخ دمشق ٥٩/١١٤، ١١٥ في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان، البداية والنهاية ٨/١٣٤ أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية، ترجمة معاوية. أنساب الأشراف ٥/١٥٥ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، وغيرها من المصادر.

٤ - الإصابة ٦/١٢٢ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، تاريخ دمشق ٥٩/١٢٤ في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان، البداية والنهاية ٨/١٣٦ أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية، ترجمة معاوية، وغيرها من المصادر.

٢١٩

المغيرة بن شعبة أنّه قال: قال لي عمر يوماً: يا مغيرة، هل أبصرت بهذه عينك العوراء منذ أُصيبت؟ قلت: لا. قال: أما والله ليُعوِرنّ بنو أُميّة الإسلام كما أعورت عينك هذه، ثمّ ليعمينّه حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجيء...(١) .

ظهور الاستهتار من المنافقين

وعلى كلّ حال يبدو أنّ ظهور المنافقين وحديثي الإسلام في الساحة، وفسح المجال لهم حملهم على الاستهتار، وجرّأهم على أن يبوحوا بما في نفوسهم، ويجهروا به من دون أن يراقبوا أحداً، أو يخافوا مغبّة ذلك بنحو قد يؤدّي إلى تشوّه المفاهيم المتداولة بين عامّة المسلمين.

١- فعن عائشة أنّه لما توفّي النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشرأب النفاق بالمدينة(٢) .

٢- وفي حديث حذيفة: إنّ المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون(٣) .

٣- وعن أبي وائل عن حذيفة قال: قلت: يا أبا عبد الله، النفاق اليوم أكثر

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٢/٨٢.

٢ - السنن الكبرى - للبيهقي ٨/١٩٩ كتاب المرتد، باب ما يحرم به الدم من الإسلام زنديقاً كان أو غيره، معرفة السنن والآثار ٦/٣٠٤، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٥٧٤ كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث/٢٩١، أمالي المحاملي/١٤٠، تاريخ خليفة بن خياط/٦٥ الردّة، تاريخ دمشق ٣٠/٣١١، ٣١٢، ٣١٤، ٣١٥ في ترجمة أبي بكر الصديق، فتوح البلدان ١/١١٤ خبر ردة العرب في خلافة أبي بكر الصديق، بلاغات النساء/٦ - ٧ كلام عائشة وخطبها، تاريخ الإسلام ٣/٢٨ أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة، خبر الردّة، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٣ - صحيح البخاري ٨/١٠٠ كتاب الفتن: باب إذا قال عند قوم شيئاً ثمّ خرج فقال بخلافه، واللفظ له، السنن الكبرى - للبيهقي ٨/٢٠٠ كتاب المرتد، باب قتل مَنْ ارتدّ عن الإسلام، المحلّى ١١/٢٢٥، وغيرها من المصادر.

٢٢٠