فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها5%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 291004 / تحميل: 7138
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: فضرب بيده على جبهته وقال: أوه! وهو اليوم ظاهر، إنّهم كانوا يستخفونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١) .

وفي حديث آخر عن أبي وائل أنّ حذيفة قال: بل هم اليوم أكثر؛ لأنّه كان يومئذ يستسرّونه، واليوم يستعلنونه(٢) .

٤- وفي حديث آخر عن حذيفة أنّه قال: إن كان الرجل ليتكلّم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيصير منافقاً، وإنّي لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرّات...(٣) .

٥- وعنه أنّه قال: إنّكم اليوم معشر العرب لتأتون أموراً إنّها لفي عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النفاق على وجهه(٤) .

٦- وعنه أيضاً أنّه قال: إنّما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمّا اليوم فإنّما هو الكفر بعد الإيمان(٥) .

٧- وقد مرّ أبو سفيان بقبر شهيد واقعة أُحد أسد الله ورسوله حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) فضربه برجله، وقال: يا أبا عمارة، إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه

____________________

١ - البحر الزخار المعروف بمسند البزار ٧/٣٠٣ ح٢٩٠٠ مسند حذيفة بن اليمان (رضي الله عنهم)، واللفظ له، فتح الباري ١٣/٦٤.

٢ - السنن الكبرى - للنسائي ٦/٤٩١ كتاب التفسير، سورة المنافقين.

٣ - مسند أحمد ٥/٣٩٠ حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واللفظ له، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٦٠٩ كتاب الفتن، من كره الخروج في الفتنة وتعوّذ عنها، مجمع الزوائد ١٠/٢٩٧ كتاب الزهد، باب في ما يحتقره الإنسان من الكلام، كتاب الزهد - لابن حنبل/٤٣، حلية الأولياء ١/٢٧٩ في ترجمة حذيفة بن اليمان، تفسير ابن كثير ٢/٣١٢، كنز العمّال ٣/٦٨٦ ح٨٤٦١.

٤ - مسند أحمد ٥/٣٩١ حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واللفظ له، مجمع الزوائد ١٠/٦٤ كتاب المناقب، باب ما جاء في الكوفة.

٥ - صحيح البخاري ٨/١٠٠ كتاب الفتن، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثمّ خرج فقال بخلافه، واللفظ له، تفسير الطبري ١٨/٢١٣، الدرّ المنثور ٥/٥٥، تفسير القرطبي ٨/٢١٤، وغيرها من المصادر.

٢٢١

بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به(١) .

٨- وكان يقول: اللّهمّ اجعل هذا الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أُميّة(٢) .

٩- وعن الحسن أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه، فقال: قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أُميّة؛ فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار. فصاح به عثمان: قم عنّي، فعل الله بك وفعل(٣) . قال ابن عبد البر: وله أخبار من نحو هذا ردية، ذكرها أهل الأخبار، ولم أذكرها(٤) .

وإذا كان عثمان قد صاح به في هذه الواقعة فهو - إن صحّ - لا يزيد على ردّ فعل مؤقّت من دون أن يؤثّر على علاقته به وبأولاده، ولا يمنع من تقريبهم وتمكينهم من مقدّرات الإسلام والمسلمين.

١٠- وباع معاوية سقاية من ذهب أو من ورق بأكثر من وزنه، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن مثل هذا إلّا مثلاً بمثل. فقال معاوية: ما أرى بهذا بأساً. فقال أبو الدرداء: مَنْ يعذرني من معاوية؟! أُخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها. ثمّ قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية أن لا

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٦/١٣٦.

٢ - تاريخ دمشق ٢٣/٤٧١ في ترجمة صخر بن حرب بن أُميّة.

٣ - الاستيعاب ٤/١٦٧٩ في ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب، واللفظ له، النصائح الكافية/١١٠، وقريب منه في تاريخ الطبري ٨/١٨٥ أحداث سنة ٢٨٤ هـ، ومروج الذهب ٢/٣٤١ ذكر خلافة عثمان (رضي الله عنه)، قبل حديثه عن الثورة على عثمان، وأنساب الأشراف ٥/١٩ في ترجمة أبي سفيان، وتاريخ دمشق ٢٣/٤٧١ في ترجمة صخر بن حرب بن أمية، وشرح نهج البلاغة ٢/٤٥، ٩/٥٣ - ٥٤، وسبل الهدى والرشاد ١٠/٩١، وغيرها من المصادر.

٤ - الاستيعاب ٤/١٦٧٩ في ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب.

٢٢٢

يبيع ذلك إلّا مثلاً بمثل، وزناً بوزن(١) .

١١- كما باع معاوية الخمر(٢) .

١٢- وباع سمرة بن جندب الخمر أيضاً، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فقال: قاتل الله سمرة! ألم يعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لعن الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها»(٣) .

____________________

١ - السنن الكبرى - للبيهقي ٥/٢٨٠ كتاب البيوع، باب من قال الربا في الزيادة، واللفظ له، موطأ مالك ٢/٦٣٤ كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالفضة تبراً وعيناً، المجموع ١٠/٣٠، الاستذكار - لابن عبد البر ٦/٣٤٧، ٣٥٤ كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالفضة تبراً وعيناً، أضواء البيان ١/١٨٠، وغيرها من المصادر.

٢ - الرياض النضرة ٢/١٨٣ الباب الثالث في مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه) الفصل الحادي عشر، ذكر ما نقم على عثمان مفصلاً والاعتذار عنه بحسب الإمكان، في مقتله وما يتعلّق به، الأوائل - للعسكري/١٣٠ أوّل ما وقع الاختلاف من الأُمّة فخطّأ بعضهم بعضاً حين نقموا على عثمان أشياء نحن ذاكروه.

وقد استبدل في بعض المصادر اسم معاوية بفلان راجع تاريخ دمشق ٢٦/١٩٧ في ترجمة عبادة بن الصامت، وسير أعلام النبلاء ٢/١٠ في ترجمة عبادة بن الصامت، ومسند الشاشي ٣/٤٥١ ح١١٩٦ ما روى أبو الوليد عبادة بن الصامت، في ما رواه عبيد بن رفاعة عن عبادة بن الصامت.

٣ - صحيح مسلم ٥/٤١ كتاب البيوع، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، واللفظ له، مسند أحمد ١/٢٥ مسند عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه)، السنن الكبرى - للبيهقي ٦/١٢ كتاب البيوع، باب تحريم التجارة في الخمر، السنن الكبرى - للنسائي ٣/٨٧ كتاب الفروع والعتيرة، النهي عن الانتفاع بما حرم الله (عزّ وجلّ)، ٦/٣٤٢ كتاب التفسير، تفسير سورة الأنعام، قوله تعالى:( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَ... ) ، سنن الدارمي ٢/١١٥ كتاب الأشربة، باب في التغليظ لِمَنْ شرب الخمر، سنن ابن ماجة ٢/١١٢٢ كتاب الأشربة، باب التجارة في الخمر، صحيح ابن حبان ١٤/١٤٦ كتاب التاريخ، ذكر لعن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم اليهود باستعمالهم هذا الفعل، المصنّف - لعبد الرزاق ٦/٧٥ بيع الخمر، و٨/١٩٥ كتاب البيوع، باب بيع الخمر، مسند أبي يعلى ١/١٧٨ مسند عمر بن الخطاب، مسند الحميدي ١/٩، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً، وروي في صحيح البخاري ٣/٤٠ كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار، و٤/١٤٥ كتاب بدء الخلق، إلّا إنّ فيه بدل (سمرة) (فلاناً).

٢٢٣

١٣- وروى عائذ بن ربيعة حديث وفد بني نمير على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال في جملته: ثمّ دعا شريح واستعمله على قومه، ثمّ أمره أن يصدقهم ويزكيهم... قال: ولم يزل شريح عامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قومه، وعامل أبي بكر، فلمّا قام عمر (رضي الله عنه) أتاه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذه فوضعه تحت قدمه، وقال: لا، ما هو إلّا مُلك. انصرف(١) ... إلى غير ذلك، وما رواه الشيعة من ذلك كثير.

وذلك يتناسب مع ما صدر من كثير منهم من التحريف في الدين، والمواقف المشينة والأفعال الشنيعة التي تضمّنتها كتب الحديث والتاريخ والسيرة ممّا لا يسعنا استقصاؤه، وربما يأتي في حديثنا هذا الإشارة لبعضه.

موقف أُبي بن كعب وموته

ولعلّه لذا ضاقت الأمور بأُبي بن كعب، ففي حديث قيس بن عباد عنه قال: ثمّ استقبل القبلة، فقال: هلك أهل العقد - ثلاثاً - وربّ الكعبة. ثمّ قال: والله ما عليهم آسى، ولكنّي آسى على ما أضلّوا. قال: قلت: مَنْ تعني بهذا؟ قال: الأُمراء(٢) .

وقريب منه حديثه الآخر، لكن فيه: قلت: يا أبا يعقوب، ما يعني به أهل العقد؟ قال: الأُمراء(٣) . وقريب منهما أحاديث له أُخر(٤) .

____________________

١ - تاريخ المدينة ٢/٥٩٦.

٢ - المستدرك على الصحيحين ١/٢١٤ كتاب الصلاة، ومن كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، واللفظ له. صحيح ابن خزيمة ٣/٣٣ كتاب الصلاة، باب ذكر البيان إنّ أولي الأحلام والنهي أحق بالصف الأوّل؛ إذ النبي أمر بأن يلوه، الأحاديث المختارة ٤/٢٩ - ٣٠ ما رواه قيس بن عباد البصري أبو عبد الله عن أبي بن كعب (رضي الله عنه)، موارد الظمآن ٢/٩٥ كتاب الصلاة، باب في مَنْ يلي الإمام، وغيرها من المصادر.

٣ - السنن الكبرى - للنسائي ١/٢٨٧ كتاب الإمامة والجماعة، من يلي الإمام ثمّ الذي يليه.

٤ - مسند أحمد ٥/١٤٠ حديث قيس بن عباد عن أبي بن كعب (رضي الله عنه)، شعب الإيمان ٦/١٥، =

٢٢٤

ومثله ما عن الحسن قال: قال حذيفة: هلك أصحاب العقد وربّ الكعبة. والله ما عليهم آسى، ولكن على مَنْ يهلكون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسيعلم الغالبون العقد خطّ [حظ. صح] مَنْ ينقصون(١) .

بل يبدو أنّه ضاق صدر أُبي بن كعب فأراد أن يجهر بالحقيقة وإن تعرّض للخطر؛ ففي حديث جندب بن عبد الله البجلي عنه قال: فسمعته يقول: هلك أصحاب العقدة وربّ الكعبة، ولا آسى عليهم، أحسبه قال مراراً...، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلّمنّ بما سمعت من رسول الله، لا أخاف فيه لومة لائم...(٢) .

وفي حديث عتي بن ضمرة عن أبي أيضاً: فقال: لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولنّ فيها قولاً لا أُبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني...(٣) .

لكنّه لم يبقَ للجمعة، بل مات يوم الخميس أو يوم الجمعة، كما في تتمّة حديثي جندب بن عبد الله وعتي بن ضمرة المتقدّمين.

وعلم الله كيف مات وما سبب موته؟! إذ يبدو أنّ الوضع كان حرج خصوصاً في عهد عمر، كما يناسبه ما تقدّم في كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وعثمان بن عفّان وطلحة بن عبيد الله وغيرهم عنه، والنظر في تاريخه وسيرته.

____________________

= مسند ابن الجعد/١٩٧، حلية الأولياء ١/٢٥٢ في ترجمة أبي بن كعب، تاريخ دمشق ٤٩/٤٣٦ في ترجمة قيس بن عباد.

١ - المصنّف - لعبد الرزاق ١١/٣٢٢ باب الإمام راعٍ.

٢ - الطبقات الكبرى ٣/٥٠١ في ترجمة أبي بن كعب، واللفظ له، الأحاديث المختارة ٣/٣٤٦ - ٣٤٧ ما رواه جندب أظنه ابن عبد الله بن سفيان.. عن أبي بن كعب (رضي الله عنه)، تاريخ دمشق ٧/٣٤١ في ترجمة أبي بن كعب، وغيرها من المصادر.

٣ - الطبقات الكبرى ٣/٥٠٠ - ٥٠١ في ترجمة أبي بن كعب، واللفظ له، تاريخ دمشق ٧/٣٤٠ في ترجمة أبي بن كعب، وغيرها من المصادر، تهذيب الكمال ٢/٢٧٠ في ترجمة أبي بن كعب، سير أعلام النبلاء ١/٣٩٩ في ترجمة أبي بن كعب، وغيرها من المصادر.

٢٢٥

حتى إنّ السيد المرتضى (قدّس سرّه) حينما ذكر أنّ غرض عمر من تدبير الشورى بالوجه المعروف هو التحايل لصرف الخلافة عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)؛ تجنّباً عن محذور التصريح بصرفها عنه (عليه السّلام)، حاول ابن أبي الحديد الردّ عليه، فقال:

فقد قلنا في جوابه ما كفى، وبيّنا أنّ عمر لو أراد ما ذكر لصرَفَ الأمر عمّن يريد صرفه عنه، ونصَّ على مَنْ يريد إيصال الأمر إليه ولم يبالِ بأحد؛ فقد عرف الناس كلّهم كيف كانت هيبته وسطوته وطاعة الرعية له حتى إنّ المسلمين أطاعوه أعظم من طاعتهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، ونفوذ أمره فيهم أعظم من نفوذ أمره (عليه السّلام). فمَنْ ذا الذي كان يجسر أو يقدر أن يراجعه في نصّه، أو يرادّه، أو يلفظ - عنده أو غائباً عنه - بكلمة تنافي مراده؟!... فلقد كان أبو بكر وهو خليفة يهابه وهو رعية وسوقة بين يديه، وكلّ أفاضل الصحابة كان يهابه وهو بعد لم يلِ الخلافة...، فمَنْ كانت هذه حاله وهو رعية وسوقة فكيف يكون وهو خليفة قد ملك مشارق الأرض ومغاربها، وخطب له على مئة ألف منبر؟!...(١) .

تبرير السلطة بعض مواقفها بالقضاء والقدر

وزاد في تعقّد الأمر محاولة السلطة وأتباعها الاعتذار عن بعض مواقفهم الخاطئة وتبريرها بالقضاء والقدر، وكأنّه قضاء قهري يكفي في العذر ورفع المسؤولية.

فعن ابن عباس في حديث له مع عمر عندما خرج إلى الشام أنّه قال: فقال لي: يابن عباس، أشكو إليك ابن عمّك، سألته أن يخرج معي فلم يفعل، ولم أزل أراه واجداً، فيم تظنّ موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إنّك لتعلم. قال:

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٢/٢٨٠ - ٢٨١.

٢٢٦

أظنّه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة. قلت: هو ذاك؛ إنّه يزعم أنّ رسول الله أراد الأمر له. فقال: يابن عباس، وأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر له فكان ماذا إذا لم يُرد الله تعالى ذلك؟! إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أمراً، وأراد الله غيره فنفذ مراد الله تعالى، ولم ينفذ مراد رسوله، أوَ كلّما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان؟!...(١) .

وقال الطبري في الحديث عن مقتل عمر والشورى: «فخرجوا ثمّ راحوا، فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو عهدت إلينا عهداً. فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولّي رجلاً أمركم، هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ - وأشار إلى علي - ورهقتني غشية، فرأيت رجلاً يدخل جنّة قد غرسها، فجعل يقطف كلّ غضّة ويانعة فيضمّها إليه ويصيّرها تحته، فعلمت أنّ الله غالب على أمره ومتوفٍّ عمر، فما أريد أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً، عليكم هؤلاء الرهط...». ثمّ ذكر تدبير عمر في الشورى بما هو معروف مشهور(٢) .

فانظر إليه كيف جعل رؤياه مطابقة لقضاء الله تعالى وقدره، ومبرّراً لتركه في اختيار مَنْ هو أحرى أن يحملهم على الحقّ وتدبير أمر الشورى، مع إنّ من المظنون - إن لم يكن من المعلوم - أنّه يؤدّي إلى خلافة عثمان الذي تفرّس فيه أن يلي الخلافة، فيحمل بني أُميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس(٣) .

وقد استمرت السلطة على تأكيد هذا المفهوم حتى تبلورت عقيدة الجبر وظهرت في جمهور المسلمين، والحديث في ذلك طويل لا يسعنا استقصاؤه.

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٢/٧٨ - ٧٩.

٢ - تاريخ الطبري ٣/٢٩٣ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، قصّة الشورى.

٣ - الاستيعاب ٣/١١١٩ في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، تاريخ دمشق ٤٤/٤٣٩ في ترجمة عمر بن الخطاب، تاريخ المدينة ٣/٨٨١، ٨٨٣، ٨٨٤، تاريخ اليعقوبي ٢/١٥٨ أيام عمر بن الخطاب، كنز العمّال ٥/٧٣٨ ح ١٤٢٦٢، وص ٧٤١ ح ١٤٢٦٦، شرح نهج البلاغة ١/١٨٦، بحار الأنوار ٦/٣٢٦، و١٢/٥٢، ٢٥٩، و٣١/٣٩٤، وغيرها من المصادر.

٢٢٧

قيام كيان الإسلام العام على الطاعة العمياء للسلطة

إذا عرفت هذا فمن الطبيعي أن ينشأ المسلمون - بعد تلك الفتوح الكبرى، وانتشار الإسلام الواسع، ودخول مَنْ لا عهد له بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعاليمه - على ذلك، ويبتني كيانهم العام عليه.

وكان نتيجته تشوّه المفاهيم الإسلامية التي تشيع عند عامّة المسلمين، واحترام السلطة كيف كانت، وتحكّم غير المعصوم في الدين، يحلّ ما يشاء، ويحرّم ما يشاء، ويبتدع ما يشاء من دون أن يحيط بأحكام الدين ويعرفها معرفة كاملة، ولا أن يلتزم بحرفية التشريع ويتقيّد به.

والمفروض على المسلمين القبول منه، والطاعة له، واللزوم لجماعته، والرضا بما قضى الله (عزّ وجلّ) من دون اعتراض على الحاكم.

وفي حديث بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس حول مَنْ يستخلفه بعده جاء فيه: يابن عباس، أترى صاحبكم لها موضعاً؟ قال: فقلت: وأين يبتعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه؟! قال: هو والله كما ذكرت، ولو وليهم لحملهم على منهج الطريق، فأخذ المحجّة الواضحة...، والله يابن عباس، إنّ عليّاً ابن عمّك لأحقّ الناس به، ولكنّ قريشاً لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذنهم بمرّ الحقّ لا يجدون عنده رخصة، ولئن فعل لينكثنّ بيعته ثمّ ليتحاربَنّ(١) .

حيث يبدو من ذلك بوضوح أنّ اتّجاه السلطة كان نحو التحلّل من قيود الدين، وافتعال الرخص، وعدم الالتزام بمرّ الحقّ؛ إرضاءً لقريش التي دخل أكثرها في الإسلام خوفاً أو طمعاً من دون أن يستحكم في نفوسها كعقيدة ثابتة

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٥٨ - ١٥٩ أيام عمر بن الخطاب.

٢٢٨

بحيث تجري على تعاليمه وإن خالف أهواءها.

تعرّض الدين للتحريف

وبذلك تعرّض الدين للتحريف عن جهل أو عمد كما قال أبو موسى الأشعري: لقد ذكّرنا علي بن أبي طالب صلاة كنّا نصلّيها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إمّا نسيناه، وإمّا تركناها عمداً...(١) . وقريب منه عن عمران بن حصين(٢) .

وفي حديث أبي الدرداء: والله، ما أعرف من أُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً إلّا إنّهم يصلّون جميعاً(٣) . وفي حديث أنس قال: ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قيل: الصلاة. قال: أليس ضيّعتم ما ضيّعتم فيها؟(٤) ... إلى غير ذلك.

وقد عانى الإسلام نتيجة ذلك من أمور ثلاثة:

جهل المتصدّين للفتوى والقضاء

الأمر الأوّل: جهل المتصدّين لبيان الأحكام في الفتوى والقضاء حيث لا ينتظر من الحاكم غير المعصوم أن يلتزم بالرجوع للمعصوم والإرجاع له،

____________________

١ - مسند أحمد ٤/٣٩٢، واللفظ له، ٤٠٠، ٤١٢، ٤١٥ حديث أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)، المصنّف - لابن أبي شيبة ١/٢٧٢ كتاب الصلوات، مَنْ كان يتم التكبير ولا ينقصه في كلّ رفع وخفض، علل الدارقطني ٧/٢٢٤، فتح الباري ٢/٢٢٤، عمدة القاريء ٦/٥٨ - ٥٩، تفسير القرطبي ١/١٧٢، شرح معاني الآثار ١/٢٢١، التمهيد - لابن عبد البرج ٩/١٧٦، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢- صحيح البخاري ج: ١ ص: ١٩٠، ٢٠٠. صحيح مسلم ج: ٢ ص: ٨.

٣ - صحيح البخاري ١/١٥٩ كتاب الجماعة والإمامة، باب فضل صلاة الجماعة، واللفظ له، مسند أحمد ٥/١٩٥ باقي حديث أبي الدرداء، شرح صحيح مسلم - للنووي ١٦/١٧٥، وغيرها من المصادر.

٤ - صحيح البخاري ١/١٣٤ كتاب مواقيت الصلاة، باب تضييع الصلاة عن وقته، ونحوه في الكافي ٨/٦٤.

٢٢٩

والتقيد بفتواه وقضائه.

خصوصاً بعد ما سبق من تشوّه المفاهيم التي يبتني عليها المجتمع الإسلامي للطاعة ولزوم الجماعة والفرقة والفتنة.

وبعد ما هو المعلوم من كون المعصوم خصماً للسلطة، وقد غُيّب - بما له من مقام رفيع وما يحمله من مفاهيم أصيلة - عن الكيان الإسلامي العام.

ومن الطبيعي حينئذ أن يفسح الحاكم المجال لكلّ مَنْ يتعاون معه، أو يسير في ركابه مهما كانت ثقافته الدينية وتمرّسه في القضاء، خصوصاً مع سعة رقعة الإسلام نتيجة الفتوح، والحاجة للتكثير من القضاة والمفتين.

ظهور الاختلاف في الحديث والقضاء والفتوى

وبذلك ظهر الاختلاف في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو المعلوم بالرجوع لمصادره، وقد تضمنه الحديث السابق عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في بيان أسباب اختلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم(١) .

كما شاع الاختلاف بين القضاة والمفتين مع قربهم من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٢) ، بل كثيراً ما تختلف فتاوى أو قضاء الشخص الواحد في المسألة الواحدة(٣) .

____________________

١ - تقدّم في/١٧٩ - ١٨١.

٢ - ومن مفردات ذلك ما تجده في صحيح مسلم ٥/١٢٥ كتاب الحدود، باب حد الخمر، ومسند أحمد ٣/١١٥ مسند أنس بن مالك، وسنن الدارمي ٢/٣٥٤ كتاب الفرائض: باب قول عمر في الجد، والسنن الكبرى - للبيهقي ٦/٢٤٧ كتاب الفرائض، باب من ورث الإخوة للأب والأُمّ أو الأب مع الجد، ومسند أبي يعلى ٥/٣٦٨ ح ٣٠١٥، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٣ - ومن مفردات ذلك ما تجده في السنن الكبرى - للبيهقي ٦/٢٥٥ كتاب الفرائض، باب المشركة، والمصنّف - لابن أبي شيبة ٧/٣٣٤ كتاب الفرائض، ومعرفة السنن والآثار ٥/٧١ كتاب الفرائض، باب المشركة، المصنّف - لعبد الرزاق ١٠/٢٦٢ كتاب الفرائض، باب فرض الجد، وغيرها من المصادر.

٢٣٠

من دون التزام - مع كلّ ذلك - برفع الاختلاف وتصحيح الخطّ؛ لعدم الاعتراف بالمرجع المعصوم من جهة، وعدم الاهتمام بتوحيد الفتوى وتصحيح الخطأ من جهة أخرى، بل مع إقرار كلّ على ما يقول، بنحو يوحي باحترام أشخاص المفتين والقضاة المنسجمين مع السلطة على حساب الحقّ والحكم الشرعي الواحد.

كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) حول اختلاف القضاء

يقول أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام): «ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثمّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً، وإلههم واحد، ونبيّهم واحد، وكتابهم واحد.

أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه؟! أم نهاهم عنه فعصوه؟! أم أنزل ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه؟! أو كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟! أم أنزل الله سبحانه ديناً فقصّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول:( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ...»(٢) .

وبالمناسبة روي عن حفص بن عمر، قال: كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد، فلقي رجلاً ممّن صرفه إلى زيد، فقال له: ما

____________________

٢ - نهج البلاغة ١/٥٤ - ٥٥.

٢٣١

صنعت؟

قال: قضى عليّ يا أمير المؤمنين.

قال: لو كنت أنا لقضيت لك.

قال: فما يمنعك وأنت أولى بالأمر؟

قال: لو كنت أردّك إلى كتاب الله أو سُنّة نبيّه فعلت، ولكنّي إنّما أردّك إلى رأي، والرأي مشير(١) .

ظهور الجرأة على الفتوى والقضاء

ومن الطبيعي أن يفرز ذلك الجرأة على الفتوى والحكم والتسامح فيهم، والاعتزاز بالرأي والإصرار عليه، وشيوع الاختلاف، وفقد الضوابط في التعرّف على الدين وتعاليمه وأحكامه، وفي التصدّي للفتوى والمرجعية فيه، وفي جميع شؤون الدين من الأصول والفروع.

ولاسيما إنّ الكتاب المجيد لا يتيسّر لعموم الناس معرفة تفاصيل الأحكام منه، وإنّه صالح للتأويل على وجوه مختلفة ولو كانت متكلّفة.

وقد يتشبث بها مَنْ يتعصّب لوجهة نظر خاصة ويسير في خطّه، أو يحاول الظهور ويحبّ السمعة؛ دعماً لرأيه وإصراراً عليه.

كما إنّ السُنّة الشريفة قد ابتُليت بالضياع على عامّة الناس - نتيجة ما سبق من تحجير السلطة عليها -، وبالآفات التي سبق من أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) التعرّض لها في وجه اختلاف الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٢) .

شكوى أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أوضاع الأُمّة

ويبدو تفاقم المشكلة من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السّلام)، قال فيها: «وما كلّ ذي قلب بلبيب، ولا كلّ ذي سمع بسميع، ولا كلّ ناظر ببصير، فيا عجبي

____________________

١ - تاريخ المدينة ٢/٦٩٣.

٢ - تقدّم كلامه (عليه السّلام) في/١٧٩ - ١٨١.

٢٣٢

ـ وما لي لا أعجب - من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينه، لا يقتصّون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب. يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات. المعروف عندهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا. مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأنّ كلّ امرئ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرىً ثِقات، وأسباب محكمات»(١) .

وقد حقّق ذلك الأرضية الصالحة لانقسام الأُمّة، وظهور الفرق في الإسلام التي بدأت بالخوارج، وتتابعت من بعدهم حتى يومنا هذا. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. والحديث في ذلك طويل نقتصر منه على ما ذكرنا.

ظهور الابتداع في الدين ومخالفة نصوصه

الأمر الثاني: ظهور الابتداع في الدين ومخالفة نصوصه وتجاوزه كما يتّضح ذلك بالرجوع لما ذكره أهل الحديث وعلماء الكلام والمؤرّخون.

والناس على دين ملوكهم يأخذونه منهم، بل كثيراً ما لا يهتّمون بمعرفة دينهم والتقيّد به، أو يقدّمون طاعتهم على ما يعرفون من دينهم، وقد تقدّم عند التعرّض لتركيز السلطة على وجوب الطاعة بعض مفردات ذلك.

ويأتي إن شاء الله تعالى في المقام الأوّل من المبحث الثاني كلام لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يتعرّض فيه لبعض تلك المخالفات والبدع(٢) .

____________________

١ - نهج البلاغة ١/١٥٥ - ١٥٦.

٢ - يأتي في/٢٧٥ وما بعده.

٢٣٣

تشويه الحقائق في التاريخ والمناقب والمثالب

الأمر الثالث: تشويه الحقائق في التاريخ والسيرة، وفي المناقب والمثالب كما أشرنا إلى بعضه عند الكلام في ألقاب التشريف التي أُطلقت على الحكّام ومَنْ سار على خطّهم، وفي التحجير على السُنّة النبويّة الشريفة وغير ذلك ممّا تقدّم، وقد يأتي ما ينفع في المقام.

ظهور حجم الخطر بملاحظة ثقافة الأمويين

ويمكن أن نعرف خطورة ما كانت تصل إليه الأمور لو بقيت الأمور على ذلك - من دون إصلاح في مسار السلطة، أو معارضة تقف في وجهه، وإنكار يكبح جماحها - ممّا انتهى إليه الأمر أيام الحكم الأموي.

حيث صفت للأمويين - ولاءً وتثقيفاً - الشام التي هي مركز ثقل قوّتهم، ولم تكن لهم فيها معارضة ظاهرة، واستطاعوا أن يعمّموا ثقافتهم فيها للمناطق النائية عن مواقع المعارضة وتأثيرها كما تقدّم شيء منه عند التعرّض لموقف أهل إفريقية(١) .

نماذج من التحريف في العهد الأموي

فإنّه يبدو مدى تشويه المفاهيم، والتحريف في الدين والتعتيم على الحقائق وتجاهله وقلبه من أفعالهم وتصريحاتهم وتصريحات عمّالهم وأتباعهم حتى في بقيّة بلاد المسلمين؛ استهواناً بالمعارضة، وتحدّياً لشعور المسلمين فيه.

١- فقد سبق من معاوية قوله: الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي، وما تركته للناس فبفضل منّي(٢) .

____________________

١ - راجع/٢٠٥.

٢ - تقدّمت مصادره في/١٦٧.

٢٣٤

٢- ولما دخل معاوية الكوفة بعد صلح الإمام الحسن (عليه السّلام) معه، وبايعه الناس دخل عليه هاني بن الخطاب الهمداني، أو سعيد بن الأسود بن جبلة الكندي، فقال: أبايعك على كتاب الله وسُنّة نبيّه.

فقال له معاوية: ولا شرط لك.

لكنّ الرجل قال له: وأنت أيضاً فلا بيعة لك.

فتراجع معاوية وقال: إذاً فبايع، فما خير شيء ليس فيه كتاب الله وسُنّة نبيّه(١) .

٣- كما صلّى معاوية صلاة الجمعة يوم الأربعاء(٢) .

٤- واتّخذ لعن أمير المؤمنين سُنّة في الدين حتى ورد أنّه إذا تركها بعضهم صاح الناس تركت السُنّة(٣) .

وقال محمد بن عقيل: أجمع أهل حمص في زمنٍ ما على أنّ الجمعة لا تصح بغير لعن أبي تراب (عليه السّلام)(٤) .

وقال عمرو بن شعيب: ويل للأُمّة! رفعت الجمعة، وتركت اللعنة، وذهبت السُنّة(٥) .

____________________

١ - أنساب الأشراف ٣/٢٨٨ - ٢٨٩ أمر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام)، واللفظ له، تاريخ دمشق ٥٢/٣٨٠ في ترجمة محمد بن خالد بن أمة.

٢ - مروج الذهب ٣/٤١ ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان، النصائح الكافية/١١٦، العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل/٥٦.

٣ - النصائح الكافية/١١٦.

٤ - النصائح الكافية/١١٦.

٥ - مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ٣/٢٢.

وقال الشجري: لما أسقط عمر بن عبد العزيز (رحمه الله تعالى) من الخطب على المنابر لعن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، قام إليه عمرو بن شعيب وقد بلغ إلى الموضع الذي كانت بنو أُميّة تلعن فيه علياً (عليه السّلام) فقرأ مكانه:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) ، فقام إليه عمرو بن شعيب (لعنه الله)، فقال: يا أمير المؤمنين، السُنّة السُنّة، يحرّضه على لعنه [كذا في المصدر] علي (عليه السّلام).

فقال عمر: اسكت، قبّحك الله! تلك البدعة لا السُنّة.

وتمم خطبته. الأمالي - للشجري ١/١٥٣ الحديث السابع، فضل أهل البيت (عليهم السّلام) كافة وما يتّصل بذلك.

٢٣٥

ولمّا خطب الخطيب بذلك في جامع صنعاء قام إليه ابن محفوظ، وقال: قطعت السُنّة.

قال: بل هي البدعة.

فقال: لأنهضنّ إلى الشام، فإن وجدت الخليفة قد عزم على قطعها لأضرمنّ الشام عليه ناراً.

لكنّه لما خرج تبعه أهل صنعاء فرجموه بالحجارة حتى غمروه وبغلته بها(١) .

٥- واستلحق زياد بن سُميّة المولود على فراش عبد ثقيف بشهادة أبي مريم السلولي بزنا أبي سفيان بسُميّة(٢) ؛ تحدّياً لسُنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتّفق عليها بين المسلمين حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»(٣) . ونزعاً للحياء، واستهتاراً بالقيم والمثل كما أشار إلى ذلك الشاعر بقوله:

ألا أبلغ معاويةَ بن حرب

مغلغلةً من الرجلِ اليماني

أتغضبُ أن يُقالَ أبوكَ عفّ

وترضى أن يُقالَ أبوك زانِ(٤)

____________________

١ - غاية الأماني في أخبار القطر اليماني/١١٧ في أحداث سنة ٩٩ من الهجرة.

٢ - الكامل في التاريخ ٣/٤٤٤ أحداث سنة أربع وأربعين من الهجرة، ذكر استلحاق معاوية زياد، شرح نهج البلاغة ١٦/١٨٧، مروج الذهب ٣/١٦ ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان، الحقّ زياد بأبي سفيان، خزانة الأدب ٦/٥٠، النصائح الكافية/٨١.

٣ - صحيح البخاري ٣/٥ كتاب البيوع، باب الحلال بيّن والحرام بيّن، وص ٣٩ باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، وص ١٨٧ كتاب الوصايا، باب قول الموصي لوصيه تعاهد ولدي وما يجوز للوصي من الدعوى، و٥/٩٦ كتاب المغازي، باب غزوة الفتح، و٨/٩ كتاب الفرائض، باب الولد للفراش حرّة كانت أو أمة، وغيره، صحيح مسلم ٤/١٧١ كتاب الرضاع، باب الولد للفراش وتوقّي الشبهات، سنن ابن ماجة ١/٦٤٦ باب الولد للفراش وللعاهر الحجر، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٤ - تاريخ الطبري ٤/٢٣٥ أحداث سنة تسع وخمسين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٣/٥٢٣ أحداث سنة تسع وخمسين من الهجرة، ذكر هجاء يزيد بن مفرغ الحميري، الاستيعاب ٢/٥٢٧ في ترجمة زياد بن أبي سفيان، تاريخ دمشق ٣٤/٣١٤ في ترجمة عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص، و٦٥/١٨٠ - ١٨١ في ترجمة يزيد بن زياد بن ربيعة، وفيات الأعيان ٦/٣٥٠ في ترجمة يزيد بن مفرغ الحميري، البداية والنهاية ٨/١٠٣ أحداث سنة تسع وخمسين من الهجرة، قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، وغيرها من المصادر.

٢٣٦

٦- وورد أنّ المغيرة بن شعبة قال لمعاوية: إنّك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً؛ فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه.

فقال له: هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟! مَلَك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلّا أن يقول قائل: أبو بكر، ثمّ مَلَك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلّا أن يقول قائل: عمر، وإنّ ابن أبي كبشة ليُصاح به كلّ يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمداً رسول الله، فأيّ عمل يبقى، وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك؟! لا والله، إلّا دفناً دفناً(١) .

٧- وأمر معاوية بمنبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمل من المدينة إلى الشام، وقال: لا يترك وعصا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وهم قتلة عثمان.

فحُرّك المنبر فكُسفت الشمس حتى رؤيت النجوم بادية؛ فأعظم الناس ذلك فتركه(٢) .

٨- ولما ولي عبد الملك همّ بنقله أيضاً فذُكر له ذلك فتركه(٣) .

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ٥/١٣٠، النصائح الكافية/١٢٤، مروج الذهب ٤/٤٤ - ٤٥ ذكر خلافة المأمون وجمل من أخباره وسيره ولمع ممّا كان في أيامه، المأمون وحديث معاوية.

٢ - الكامل في التاريخ ٣/٤٦٣ - ٤٦٤ أحداث سنة خمسين من الهجرة، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة، واللفظ له، تاريخ الطبري ٤/١٧٧ أحداث سنة خمسين من الهجرة، إمتاع الأسماع ١٠/١٠٨ فصل في ذكر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من المصادر.

٣ - تاريخ الطبري ٤/١٧٧ - ١٧٨ أحداث سنة خمسين من الهجرة، الكامل في التاريخ ٣/٤٦٤ أحداث سنة خمسين من الهجرة، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة، إمتاع الأسماع ١٠/١٠٩ فصل في ذكر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من المصادر.

٢٣٧

٩- وكذلك الوليد بن عبد الملك(١) .

١٠- وفي حديث عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجّاً قدمنا معه مكة، قال: فصلّى بنا الظهر ركعتين، ثمّ انصرف إلى دار الندوة، وقال: وكان عثمان حين أتمّ الصلاة إذا قدم مكّة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصّر الصلاة، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنى أتمّ الصلاة حتى يخرج من مكّة، فلمّا صلّى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمّك بأقبح ما عبته به.

فقال لهما: وما ذاك؟

قال: فقالا له: ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكّة؟

قال: فقال لهما: ويحكما! وهل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر وعمر (رضي الله عنهم).

قالا: فإن ابن عمّك قد كان أتمّها، وإنّ خلافك إيّاه له عيب.

قال: فخرج معاوية فصلاّها بنا أربعاً(٢) .

حيث يبدو مدى استهوانه بأحكام الإسلام وبالمسلمين من تبدّل موقفه السريع، وتفريقه في القصر والإتمام بين صلاتين ليس بينهما فارق زمني طويل.

١١- ومعاوية أوّل مَنْ اتّخذ المقصورة في الصلاة(٣) .

____________________

١ - الكامل في التاريخ ٣/٤٦٤ أحداث سنة خمسين من الهجرة، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة، واللفظ له، تاريخ الطبري ٤/١٧٧ - ١٧٨ أحداث سنة خمسين من الهجرة، إمتاع الأسماع ١٠/١٠٩ فصل في ذكر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من المصادر.

٢ - مسند أحمد ٤/٩٤ حديث معاوية بن أبي سفيان، واللفظ له، مجمع الزوائد ٢/١٥٦ - ١٥٧ كتاب الصلاة، باب في مَنْ أتمّ الصلاة في السفر، وذكر بعضه في فتح الباري ٢/٤٧١، وعمدة القارىء ٧/١٣٤، وتحفة الأحوذي ٣/٨٧، ونيل الأوطار ٣/٢٥٩، وغيرها من المصادر.

٣ - الكامل في التاريخ ٣/٤٤٦ أحداث سنة أربع وأربعين من الهجرة، البداية والنهاية ٧/٣٦٥ أحداث سنة أربعين من الهجرة، صفة مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، المعارف - لابن قتيبة/٥٥٣، أنساب الأشراف ٣/٢٥٢ أمر ابن ملجم وأمر أصحابه ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، وغيرها من المصادر.

٢٣٨

١٢- وهو أوّل مَنْ قعد في الخطبة(١) . وعن ابن أبي رؤبة الدباس أنّ بني أُميّة كانوا يقعدون في إحدى خطبتي العيد والجمعة ويقومون في الأخرى(٢) .

١٣- ولما أراد عمرو بن سعيد الأشدق عامل يزيد بن معاوية على المدينة أن يبعث جيشاً إلى عبد الله بن الزبير في مكة المكرّمة قال له أبو شريح: لا تغزُ مكّة؛ فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنّما أذن لي في القتال بمكة ساعة من نهار، ثمّ عادت كحرمتها». فأبى عمرو أن يسمع قوله، وقال: نحن أعلم بحرمتها منك أيّها الشيخ(٣) .

١٤- ولما استولى عبد الله بن الزبير على السلطة في الحجاز منع عبد الملك بن مروان أهل الشام من حجّ بيت الله الحرام، واستبدله بحجّ بيت المقدس(٤) .

١٥- وكان الوليد بن يزيد يصلّي - إذا صلّى أوقات إفاقته من السكر - إلى

____________________

١ - السنن الكبرى - للبيهقي ٣/١٩٧ كتاب الجمعة، باب الخطبة قائم، المصنّف - لابن أبي شيبة ٢/٢١ كتاب الجمعة، من كان يخطب قائم، فتح الباري ٣/٣٣٣، عمدة القاريء ٦/٢١٩، عون المعبود ٣/٣١٠، نيل الأوطار ٣/٣٣٠، سبل السلام ٢/٤٧، فقه السنة ١/٣١١، الدرّ المنثور ٦/٢٢٢، تاريخ دمشق ٥٩/٢٠٢ في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، البداية والنهاية ٨/١٤٨ أحداث سنة ستين من الهجرة، ترجمة معاوية بن أبي سفيان، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤٠.

٣ - تاريخ الطبري ٤/٢٥٧ أحداث سنة ستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/١٨ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر عزل الوليد عن المدينة وولاية عمرو بن سعيد، تاريخ ابن خلدون ٣/٢١ عزل الوليد عن المدينة وولاية عمر بن سعيد، ونحوه في مسند أحمد ٤/٣٢ حديث أبي شريح الخزاعي (رضي الله عنه)، وشرح معاني الآثار ٣/٣٢٧، والسيرة النبوية - لابن هشام ٤/٨٧٣، وتاريخ دمشق ٤٦/٣٨ في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص، والبداية والنهاية ٤/٣٥٠، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٤ - البداية والنهاية ٨/٣٠٨ أحداث سنة ستة وستين من الهجرة، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٦١ أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير، وفيات الأعيان ٣/٧٢ في ترجمة عبد الله بن الزبير، حياة الحيوان/١١٩ في مادة أوز، خلافة الوليد بن عبد الملك، وغيرها من المصادر.

٢٣٩

غير القبلة، فقيل له في ذلك. فقرأ:( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (١) .

١٦- وكان الحجّاج - عامل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد - مستهتراً بالدين والمسلمين، وهو الذي سمّى المدينة المنوّرة: أُمّ نتن، وأساء إلى أهلها، وقال: أنتم قتلة أمير المؤمنين عثمان...(٢) .

وذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورِمة بالية، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك، ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله؟!(٣) .

١٧- وكذلك خالد بن عبد الله القسري عامل سليمان بن عبد الملك حيث أجرى الماء العذب لأهل مكّة من أجل أن يستبدلوا بها عن زمزم، وخطب الناس فقال: أيّها الناس، أيّهما أعظم أخليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة إلّا أنّ إبراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤٢.

٢ - الكامل في التاريخ ٤/٣٥٨ - ٣٥٩ أحداث سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، ذكر قتل ابن الزبير، أنساب الأشراف ٧/١٣٦ أمر عبد الله بن الزبير في أيام عبد الملك ومقتله، نهاية الأرب في فنون الأدب ٢١/٨٩ أحداث سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، ذكر مبايعة أهل مكة عبد الملك بن مروان وما فعله الحجّاج من هدم الكعبة وبنائها ومسيره إلى المدينة وما فعله فيها بالصحابة (رضي الله عنهم).

٣ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤٢، واللفظ له، النصائح الكافية/١٠٦، وقد روي المقطع الأوّل من قوله: إنّما يطوفون بأعواد ورمة بالية. في إمتاع الأسماع ١٢/٢٥٩، والعقد الفريد ٥/٥١ كتاب اليتيمة الثانية، فرش كتاب أخبار زياد والحجّاج والطالبيين والبرامكة، أخبار الحجّاج، مَنْ زعم أنّ الحجّاج كان كافراً، وحياة الحيوان/١١٩ في مادة أوز، خلافة الوليد بن عبد الملك، ونثر الدرّ ٥/٢٣ الباب الثاني، كلام الحجّاج، وغيرها من المصادر.

وقد روي ما يقرب من المقطع الأخير من كلامه: خليفة المرء خير من رسوله. في سنن أبي داود ٢/٤٠٠ كتاب السُنّة، باب في الخلفاء، وعون المعبود ١٢/٢٥٦، وتاريخ دمشق ١٢/١٥٨ في ترجم الحجّاج بن يوسف، والبداية والنهاية ٩/١٥١ أحداث سنة خمس وتسعين من الهجرة، في ترجمة الحجّاج بن يوسف الثقفي، وغيرها من المصادر.

٢٤٠

ملحاً أُجاجأً، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً(١) .

وخطب أيضاً فقال: قد جئتكم بماء الغادية لا يشبه ماء أُمّ الخنافس، يعني زمزم(٢) .

وكان يقول: والله، لأمير المؤمنين أكرم على الله من أنبيائه(٣) .

وقال: أيّما أكرم عندكم على الرجل، رسوله في حاجته، أو خليفته في أهله؟ يعرض بأنّ هشاماً خير من النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٤) .

وكان يقول حين أخذ سعيد بن جبير وطلق بن حبيب بمكة: كأنّكم أنكرتم ما صنعت؟! والله، لو كتب إليّ أمير المؤمنين أن أنقضها حجراً حجراً لفعلت، يعني الكعبة المعظّمة(٥) .

وأمر خالد ببناء بيعة لأُمّه فكُلّم في ذلك. فقال: نعم يبنونه. فلعنهم

____________________

١ - تاريخ الطبري ٥/٢٢٥ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٥٣٦ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، ذكر ولاية خالد بن عبد الله القسري مكة، البداية والنهاية ٩/٩٢ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، تاريخ الإسلام ٦/٣٥ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، أخبار مكة ٣/٦٠ ذكر منبر مكة وأوّل من جعله وكيف كانوا يخطبون بمكة قبل أن يتخذ المنبر ومَنْ خطب عليه، الأغاني ٢٢/١٧ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة، وغيرها من المصادر.

٢ - أنساب الأشراف ٩/٥٨ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، واللفظ له، تاريخ دمشق ١٦/١٦١ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، سير أعلام النبلاء ٥/٤٢٩ في ترجمة القسري، بغية الطلب في تاريخ حلب ٧/٣٠٨٥ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، وقريب منه في الروض المعطار في خبر الأقطار ١/٢٩٣ في الكلام عن زمزم.

٣ - الأغاني ٢٢/١٧ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة.

٤ - الأغاني ٢٢/١٧ - ١٨ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة، وقريب منه في الكامل في التاريخ ٥/٢٨٠ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، ذكر قتل خالد بن عبد الله القسري.

٥ - أنساب الأشراف ٩/٥٩ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، واللفظ له، تاريخ دمشق ١٦/١٦١ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، سير أعلام النبلاء ٥/٤٢٩ في ترجمة القسري، بغية الطلب في تاريخ حلب ٧/٣٠٨٥ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، الأغاني ٢٢/١٧ في أخبار خالد بن عبد الله يتطاول على مقام النبوّة، وغيرها من المصادر.

٢٤١

الله إن كان دينها شرّاً من دينكم(١) . واتّخذ كنيسة لأُمّه في قصر الإمارة...، وأمر المؤذّنين أن لا يؤذّنوا حتى يضرب النصارى بنواقيسهم(٢) ... إلى غير ذلك ممّا يدلّ على استخفافه بالدين.

١٨- وذكر ابن عائشة أنّ خالد بن سلمة بن العاص بن هشام المخزومي المعروف بالفأفاء كان ينشد بني مروان الأشعار التي هُجي بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٣) .

١٩- وفي حديث جابر الجعفي عن زيد بن علي بن الحسين (عليهم السّلام) في أمر خروجه قال: يا جابر، لا يسعني أن أسكن وقد خولف كتاب الله، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت؛ وذلك أنّي شهدت هشاماً ورجل عنده يسبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقلت للسّاب: ويلك يا كافر! أما إنّي لو تمكّنت منك لاختطفت روحك وعجّلتك إلى النار. فقال لي هشام: مه عن جليسنا يا زيد...(٤) .

٢٠- وكان بنو أُميّة في ملكهم يؤذّنون ويقيمون في صلاة العيد(٥) . وروي أنّ أوّل مَنْ أحدثه منهم معاوية(٦) .

____________________

١ - أنساب الأشراف ٩/٦٠ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، ونظيره في الكامل في التاريخ ٥/٢٨٠ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، ذكر قتل خالد بن عبد الله القسري.

٢ - أنساب الأشراف ٩/٦٣ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، وقريب منه في الأغاني ٢٢/١٤ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة.

٣ - تهذيب التهذيب ٣/٨٤ في ترجمة خالد بن سلمة بن العاص، العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل/٩٣ باب تعديل الفسّاق.

٤ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/١١٣.

٥ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤٠، المحلّى ٥/٨٢ صلاة العيدين، مسألة ٥٤٣، الاستذكار - لابن عبد البر ٢/٣٧٨ كتاب العيدين، باب العمل في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة، تاريخ الطبري ٦/٢٦ أحداث سنة تسع وعشرين ومئة من الهجرة، الكامل في التاريخ ٥/٣٥٩ أحداث سنة تسع وعشرين ومئة من الهجرة، وغيرها من المصادر.

٦، المصنّف - لابن أبي شيبة ٢/٧٥ كتاب صلاة العيدين، مَنْ قال ليس في العيدين أذان ولا إقامة، =

٢٤٢

٢١- وقد قدموا الخطبة في صلاة العيد أيضاً. وأوّل مَنْ قام بذلك عثمان(١) ، أو معاوية(٢) ، أو مروان(٣) ، وروي أنّه سبقهم إلى ذلك عمر بن الخطاب(٤) .

٢٢- كما كان بنو أُميّة يبيعون الرجل في الدين يلزمه، وعقوبة على جرم منه، ويرون أنّه يصير رقيقاً. قال ابن أبي رؤبة الدباس في كتاب افتراق هاشم وعبد شمس: كان معن أبو عمير بن معن الكاتب حرّاً مولى لبني العنبر، فبيع في دين عليه فاشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العتكي، وباع الحجّاج علي بن بشير بن الماحوز - لكونه قتل رسول المهلّب - على رجل من الأزد(٥) .

____________________

= و٨/٣٢٨ كتاب الأوائل، باب أوّل ما فعل ومن فعله، نيل الأوطار ٣/٣٦٤، عمدة القاريء ٦/٢٨٢، فيض القدير ٥/٢٦٨، سبل السلام ٢/٦٧، تحفة الأحوذي ٣/٦٢، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٤ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، نيل الأوطار ٣/٣٦٢ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه.

٢ - المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٤ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، فتح الباري ٢/٣٧٦، نيل الأوطار ٣/٣٦٣ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه، سبل السلام ٢/٦٦ كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين، وغيرها من المصادر.

٣ - المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٥ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، المصنّف - لابن أبي شيبة ٢/٧٧ كتاب صلاة العيدين، مَنْ رخّص أن يخطب قبل الصلاة، نيل الأوطار ٣/٣٦٣ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه، وغيرها من المصادر.

٤ - فقد روي عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أوّل مَنْ بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عمر بن الخطاب لما رأى الناس ينقصون، فلمّا صلّى حبسهم في الخطبة، المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٣ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، وقريب منه في المصنّف - لابن أبي شيبة ٢/٧٧ كتاب صلاة العيدين، مَنْ رخّص أن يخطب قبل الصلاة، وقد نبّه إلى ذلك في نيل الأوطار ٣/٣٦٣ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه.

٥ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤٢.

٢٤٣

٢٣- وكانوا يسبون ذراري الخوارج وغيرهم، ويسترقّونهم كما تُسترقّ الكفّار. قال ابن أبي رؤبة الدباس في كتابه المذكور: لما قُتل قريب وزحاف الخارجيان سبى زياد ذراريهم، فأعطى شقيق بن ثور السدوسي إحدى بناتهم، وأعطى عباد بن حصين الأخرى.

وسُبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري، وبنت لقطري بن فجاءة المازني، فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك، واسمها أُمّ سلمة، فوطئها بملك اليمين على رأيهم، فولدت له المؤمّل ومحمداً وإبراهيم وأحمد وحصيناً بني عباس بن الوليد بن عبد الملك.

وسُبي واصل بن عمرو القن واستُرق، وسُبي سعيد الصغير الحروري واستُرق، وأُمّ يزيد بن عمر بن هبيرة، وكانت من سبي عمان الذين سباهم مجاعة(١) .

وقال ابن أعثم عن واقعة العقر حيث حارب بنو مروان بني المهلّب بقيادة مسلمة بن عبد الملك: ثمّ حلف مسلمة أنّه يبيع نساءهم وأولادهم بيع العبيد والإماء. فقام إليه الجراح بن عبد الله الحكمي، فقال: أصلح الله الأمير، فإنّي قد اشتريتهم منك بمئة ألف درهم؛ تبرئة ليمينك. فقال مسلمة أخزاه الله: قد بعتك إيّاهم. قال: ثمّ استحى مسلمة أن يبيع قوماً أحرار. فقال للجراح: أقلني من بيعتي. قال: قد أقلتك أيّها الأمير، فأعتقهم مسلمة وخلّى سبيلهم، وألحقهم بقومهم بالبصرة(٢) .

ويناسب ذلك من معاوية أمران:

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤١ - ٢٤٢.

٢ - الفتوح - لابن أعثم ٨/٢٥٧ خلافة يزيد بن عبد الملك، ذكر فتنة يزيد بالبصرة ومبايعة يزيد بن المهلّب.

٢٤٤

الأوّل: إنّه في حرب صفين نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة، فقال في ذلك خالد بن المعمر:

تمنّى ابن حربٍ نذرة في نسائنا

ودونَ الذي ينوي سيوف قواضبِ

ونمنحُ ملكاً أنتَ حاولتَ خلعه

بني هاشم قولُ امرئ غيرُ كاذبِ(١)

الثاني : إنّه بعد التحكيم بعث بسر بن أرطاة مُغيراً على الحرمين واليمن، فأغار على همدان وسبى نساءهم فكنّ أوّل نساء مسبيّات في الإسلام(٢) .

وعن أبي رباب وصاحب له أنّهما سمعا أبا ذرّ (رضي الله عنه) يدعو ويتعوّذ في صلاة صلاها، أطال قيامها وركوعها وسجودها. قال: فسألناه مِمَّ تعوّذت وفيمَ دعوت؟ فقال: تعوّذت بالله من يوم البلاء ويوم العورة. فقلنا: وما ذاك؟ قال: أمّا يوم البلاء فتلتقي فتيان [فئتان] من المسلمين فيقتل بعضهم بعضاً، وأمّا يوم العورة فإنّ نساءً من المسلمات ليسبينّ، فيُكشف عن سوقهنّ، فأيّتهنّ كانت أعظم ساقاً اشتُريت على عظم ساقها؛ فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان، ولعلّكما تدركانه. قال: فقُتل عثمان، ثمّ أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساءً مسلمات فأقمنَ في السوق(٣) .

كما يناسب ذلك أيضاً من ابنه يزيد أمران:

____________________

١ - وقعة صفين/٢٩٤.

٢ - الاستيعاب ١/١٦١ في ترجمة بسر بن أرطأة، أسد الغابة ١/١٨٠ في ترجمة بسر بن أرطأة، الوافي بالوفيات ١٠/٨١ في ترجمة بسر بن أرطأة.

٣ - الاستيعاب ١/١٦١ في ترجمة بسر بن أرطأة، واللفظ له، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٦٧٢ كتاب المغازي، ما ذكر في فتنة الدجّال، الوافي بالوفيات ١٠/٨١ - ٨٢ في ترجمة بسر بن أرطأة، ونحوه مختصراً في تاريخ الإسلام ٥/٣٦٩ في ترجمة بسر بن أبي أرطأة.

٢٤٥

الأوّل : ما جرى منه مع عائلة الإمام الحسين (صلوات الله عليه). فعن فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّها قالت: لما أُدخلنا على يزيد ساءه ما رأى من سوء حالنا... قالت: فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، وقال له: يا أمير المؤمنين، هبّ لي هذه الجارية، يعنيني... فارتعدت وفرقت، وظننت أن ذلك يجوز لهم، فأخذت بثياب أُختي وعمّتي زينب. فقالت عمّتي: كذبت والله ولؤمت، ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقال: بل أنتِ كذبتِ، إنّ ذلك لي، ولو شئت فعلته. قالت: كلاّ والله ما جعل لك ذلك، إلّا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بغير ديننا.

فقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدين أبوكِ وأخوكِ. قالت زينب: بدين الله ودين أبي وجدّي اهتديت إن كنت مسلماً. فقال: كذبتِ يا عدوّة الله. قالت زينب: أمير مسلّط يشتم ظالماً، ويقهر بسلطانه. اللّهمّ إليك أشكو دون غيرك. فاستحيى يزيد، وندم وسكت مطرقاً.

وعاد الشامي إلى مثل كلامه... فقال له يزيد: اعزب عنّي لعنك الله، ووهب لك حتفاً قاضياً! ويلك لا تقل ذلك؛ فهذه بنت علي وفاطمة، وهم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا(١) .

الثاني : ما حصل من قائد جيشه في المدينة المنوّرة بعد واقعة الحرّة حيث

____________________

١ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٦٢، واللفظ له، الإرشاد ٢/١٢١، إعلام الورى بأعلام الهدى ١/٤٧٤ - ٤٧٥ الباب الثاني، الفصل الرابع، مثير الأحزان/٨٠، وغيرها من المصادر.

وأُسندت الحادثة لفاطمة بنت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الأمالي - للصدوق/٢٣١ المجلس الحادي والثلاثون، وتاريخ الطبري ٤/٣٥٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، والكامل في التاريخ ٤/٨٦ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، والبداية والنهاية ٨/٢١١ - ٢١٢ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، وتاريخ دمشق ٦٩/١٧٦ - ١٧٧ في ترجمة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر.

٢٤٦

أخذ الناس بالبيعة على أنّهم عبيد ليزيد(١) .

وقد سبقهم إلى ذلك خالد بن الوليد حيث سبى في أوّل خلافة أبي بكر بني حنيفة قوم مالك بن نويرة بعد أن قتله في قضية مشهورة.

لكنّ ذلك أحدث لغطاً بين المسلمين، فلمّا قدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه، ويسأله أن يردّ عليهم سبيهم، ودى أبو بكر مالكاً من بيت المال وأمر بردّ السبي(٢) .

هذا وربما يجد المتتبع كثيراً من مفردات تحكّم الأمويين في الدين وتحريفهم له، ولا يسعنا فعلاً استقصاء ذلك.

٢٤- ومن شواهد تعتيمهم على الحقائق وتشويهها وقلبها ما روي من أنّ عمر بن عبد العزيز كان يلعن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فسمعه معلّمه مرّة فقال له: متى علمت أنّ الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟! فقال له عمر: وهل كان علي من أهل بدر؟ قال: ويحك! وهل كانت بدر كلّها إلّا له؟!(٣) .

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/١٢٦.

٢ - الكامل في التاريخ ٢/٣٥٩ أحداث سنة إحدى عشرة من الهجرة، ذكر مالك بن نويرة، إمتاع الأسماع ١٤/٢٤٠، تاريخ دمشق ١٦/٢٥٧ في ترجمة خالد بن الوليد، تاريخ الإسلام ١/٣٧ مقتل مالك بن نويرة، وص ٣٧٧ في ترجمة خالد بن الوليد، الإصابة ٥/٥٦٠ في ترجمة مالك بن نويرة، تاريخ الطبري ٢/٥٠٣ أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة، ذكر البطاح وخبره، شرح نهج البلاغة ١٧/٢٠٦ - ٢٠٧، سير أعلام النبلاء ١/٣٧٧ في ترجمة خالد بن الوليد، وغيرها من المصادر الكثيرة.

وقريب منه في أسد الغابة ٤/٢٩٦ في ترجمة مالك بن نويرة، وتاريخ خليفة بن خياط/٦٨ أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة، الردّة، وتاريخ دمشق ١٦/٢٥٦ في ترجمة خالد بن الوليد، وغيرها من المصادر.

٣ - شرح نهج البلاغة ٤/٥٨ - ٥٩، وقد ذكر مختصراً في تاريخ دمشق ٤٥/١٣٦ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، وسير أعلام النبلاء ٥/١١٧ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، وتاريخ الإسلام =

٢٤٧

٢٥- وحين حضرت وفود الأنصار بباب معاوية، وخرج إليهم حاجبه سعد أبو درّة، قال له: استأذن لنا. فدخل، وقال لمعاوية: الأنصار بالباب. وكان عنده عمرو بن العاص فضاق بهذا اللقب الذي عرفوا به نتيجة جهودهم العظيمة في نصر الإسلام، وثبت لهم في الكتاب المجيد والسنة الشريفة، وقال لمعاوية: ما هذا اللقب الذي جعلوه نسباً؟! أرددهم إلى نسبهم.

فقال معاوية: إنّ علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك؟! إنّما هي كلمة مكان كلمة، ولا مردّ له. فقال له معاوية: اخرج فنادِ: مَنْ بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل. فخرج فنادى بذلك، فدخل مَنْ كان هناك منهم سوى الأنصار. فقال له: اخرج فنادِ: مَنْ كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فنادى ذلك. فوثب النعمان بن بشير فأنشأ يقول:

يا سعدُ لا تُعِدِ الدعاءَ فما لنا

نسبٌ نجيبُ به سوى الأنصارِ

نسبٌ تخيّرهُ الإلهُ لقومنا

أثقِل به نسباً على الكفّارِ

إنّ الذينَ ثووا ببدرٍ منكم

يومَ القليبِ هم وقودُ النارِ

وقام مغضباً فانصرف. فبعث معاوية فردّه وترضّاه، وقضى حوائجه وحوائج مَنْ حضر معه من الأنصار(١) .

٢٦- ومرّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة - وهو ولي عهد - فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه، فقال أبان: هي عندي قد أخذتها مصحّحة ممّن أثق به. فأمر بنسخه، وألقى فيها إلى عشرة من الكتاب فكتبوها في رق، فلمّا صارت إليه نظر، فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار

____________________

= ٧/١٨٨ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، والوافي بالوفيات ٢٢/٣١٢ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، والبداية والنهاية ٩/٢١٨ أحداث سنة إحدى ومئة من الهجرة، في ترجمة عمر بن عبد العزيز، والسيرة الحلبية ٢/٤٧٠، وغيرها من المصادر.

١ - الأغاني ١٦/٤٨ أخبار النعمان بن بشير ونسبه، الأنصار خير ألقاب أهل المدينة.

٢٤٨

في بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل. فإمّا أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم، وإمّا أن يكونوا ليس هكذا...، ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعلّه يخالفه؟! فأمر بذلك الكتاب فخُرّق.

ولما رجع إلى أبيه أخبره، فقال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟! تريد أن تُعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! قال سليمان: فلذلك يا أمير المؤمنين أمرت بتخريق ما كنت نسخته... فصوّب رأيه(١) .

٢٧- وقال إسماعيل بن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» حق، ولكن أخطأ السامع. قلت: فما هو؟ قال: إنّما هو أنت منّي بمنزلة قارون من موسى. قلت: عمّن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر(٢) .

٢٨- وحكى الأزدي في الضعفاء أنّ حريزاً هذا روى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة؛ ليقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٣) .

٢٩- وعن أبي يحيى السكري قال: دخلت مسجد دمشق فرأيت في مسجدها خلقاً، فقلت: هذا بلد قد دخله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

١ - الموفقيات/٣٣١ - ٣٣٣ خبر أبان بن عثمان يكتب سير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه.

٢ - تهذيب التهذيب ٢/٢٠٩ في ترجمة حريز بن عثمان، واللفظ له، تهذيب الكمال ٥/٥٧٧ في ترجمة حريز بن عثمان، تاريخ بغداد ٨/٢٦٢ في ترجمة حريز بن عثمان، تاريخ دمشق ١٢/٣٤٩ في ترجمة حريز بن عثمان، تاريخ الإسلام ١٠/١٢٢ في ترجمة حريز بن عثمان، النصائح الكافية/١١٧، وغيرها من المصادر.

٣ - تهذيب التهذيب ٢/٢٠٩ - ٢١٠ في ترجمة حريز بن عثمان، واللفظ له، الضعفاء والمتروكين - لابن الجوزي ١/١٩٧ في ترجمة حريز بن عثمان، النصائح الكافية/١١٧، وغيرها من المصادر.

٢٤٩

وعليهم، وملت إلى حلقة في المسجد في صدرها شيخ جالس فجلست إليه، فسأله رجل ممّن بين يديه، فقال: يا أبا المهلّب، مَنْ علي بن أبي طالب؟! قال: خنّاق، كان بالعراق، اجتمعت إليه جميعة فقصد أمير المؤمنين يحاربه فنصره الله عليه.

قال: فاستعظمت ذلك وقمت، فرأيت في جانب المسجد شيخاً يصلّي إلى سارية، حسن السمت والصلاة والهيئة، فقعدت إليه، فقلت له: يا شيخ، أنا رجل من أهل العراق، جلست إلى تلك الحلقة، وقصصت عليه القصّة. فقال لي: في هذا المسجد عجائب، بلغني أنّ بعضهم يطعن على أبي محمد حجّاج بن يوسف، فعلي بن أبي طالب مَنْ هو؟!(١) .

٣٠- وعن معمر أنّه قال: دخلت مسجد حمص، فإذا أنا بقوم لهم رواء فظننت بهم الخير؛ فجلست إليهم، فإذا هم ينتقصون علي بن أبي طالب ويقعون فيه، فقمت من عندهم فإذا شيخ يصلّي ظننت به خير؛ فجلست إليه. فلمّا حسّ بي جلس وسلّم، فقلت له: يا عبد الله، ما ترى هؤلاء القوم يشتمون علي بن أبي طالب وينتقصونه؟! وجعلت أحدّثه بمناقب علي بن أبي طالب، وأنّه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو الحسن والحسين، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: يا عبد الله، ما لقي الناس من الناس، لو أنّ أحداً نجا من الناس لنجا منهم أبو محمد (رحمه الله)، هو ذا يُشتم ويُنتقص. قلت: ومَنْ أبو محمد؟! قال: الحجّاج بن يوسف (رحمه الله). وجعل يبكي. فقمت عنه، وقلت: لا أستحلّ أن أبيت به؛ فخرجت من يومي(٢) .

٣١- ولما سقطت الدولة الأموية أرسل عبد الله بن علي مشيخة من أهل الشام لأبي العباس السفّاح، فحلفوا له أنّهم لا يعرفون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قرابة غير

____________________

١ - تاريخ دمشق ١/٣٦٥ باب ذكر ما ورد في ذم أهل الشام وبيان بطلانه عند ذوي الأفهام.

٢ - تاريخ دمشق ١/٣٦٦ باب ذكر ما ورد في ذم أهل الشام وبيان بطلانه عند ذوي الأفهام.

٢٥٠

بني أُميّة(١) .

٣٢- ومن ذلك رفعهم من شأن الخلفاء، وأن الله عز وجل لا يحاسبهم على أعمالهم ولا يؤاخذهم بها.

مثل ما يأتي في حديث أبي عبيد الله، قال: «دخلت على أبي جعفر المنصور يوماً، فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء، فاحلف بالله أنك تصدقني... فحلفت، فقال: ما قولك في خلفاء بني أمية؟ فقلت: وما عسيت أن أقول فيهم. إنه من كان منهم لله مطيعاً، وبكتابه عاملاً، ولسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم متبعاً، فإنه إمام يجب طاعته ومناصحته، ومن منهم على غير ذلك فلا. فقال: جئت بها - والذي نفسي بيده - عراقية. هكذا أدركت أشياخك من أهل الشام يقولون؟ قلت: لا، أدركتهم يقولون: إن الخليفة إذا استخلف غفر الله له ما مضى من ذنوبه. فقال لي المنصور: إي والله، وما تأخر من ذنوبه...»(٢) .

وفي حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «لما توفي عمر بن عبد العزيز وولي يزيد بن عبد الملك قال: سيروا بسيرة عمر. قال: فأتي بأربعين شيخاً فشهدوا له ما على الخلفاء حساب ولا عذاب»(٣) .

وأمّا وضع الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره في عهدهم فهو أشهر من أن يحتاج إلى بيان، ويأتي التعرّض لطرف منه في المقام الثاني من المبحث الثاني إن شاء الله تعالى.

____________________

١ - سير أعلام النبلاء ٦/٧٩ في ترجمة السفّاح، وفيات الأعيان ٦/١٠١ - ١٠٢ في ترجمة هلال بن المحسن الصابئ، شرح نهج البلاغة ٧/١٥٩، وغيرها من المصادر.

٢- يأتي الحديث بتمامه مع مصادره في ص: ٣٣٤ - ٣٣٥.

٣- تاريخ مدينة دمشق ج: ٦٥ ص: ٣٠٤ في ترجمة يزيد بن عبد الملك بن مروان، واللفظ له. تاريخ الإسلام ج: ٧ ص: ٢٨٠ في ترجمة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم. تاريخ الخلفاء ص: ٢٤٦ في ترجمة يزيد بن عبد الملك بن مروان. وغيرها من المصادر.

٢٥١

ولا ينبغي أن يستُغرب شيء من ذلك بعد فتح هذا الباب من اليوم الأوّل كما سبق، وبعد النظر لواقع الحكّام واهتماماتهم، والقياس على بقيّة الأديان السماوية الحقّة التي انطمست معالمها وتاريخها الصحيح نتيجة تحكّم السلطة فيها، أو تحكّم المؤسسات التي تنسّق مع السلطة.

هذا ما تيسّر لنا التعرّض له في بيان ما من شأنه أن يترتّب على انحراف أمر السلطة في الإسلام لو لم تكن هناك معارضة، وجهود تقف في وجه الانحراف وتكبح جماحه.

والظاهر أنا لم نعطِ الموضوع حقّه، ولم نستوفِ ما حصل، وبمزيد من الفحص تتّضح كثير من الشواهد والمؤيّدات لما سبق، ومن الله (عزّ وجلّ) نستمدّ العون والتوفيق.

٢٥٢

المبحث الثاني

في جهود أهل البيت عليهم السلام في كبح جماح الانحراف

وما كسبه الإسلام بكيانه العام من ذلك

والكلام تارة: في جهود أمير المؤمنين الإمام علي (صلوات الله عليه) وجهود الخاصّة من الصحابة والتابعين الذين كانوا معه.

وأُخرى: في مواجهة معاوية لجهود أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد استيلائه على السلطة بعد مقتل أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام)، وصلح الإمام الحسن (عليه السّلام) معه.

وثالثة: في نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) التي خُتمت بفاجعة الطفّ، وأثرها في الإسلام بكيانه العام.

فهنا مقامات ثلاثة:

٢٥٣

المقام الأوّل

في جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)

وجهود الخاصّة من الصحابة

والتابعين الذين كانوا معه

أشرنا آنفاً إلى أنّ قيام السلطة بعد انحرافها عن خطّ أهل البيت بالفتوح الكبرى، وما استتبعها من الغنائم العظيمة كان هو السبب في نشر الإسلام بواقعه المنحرف.

كما إنّ له أعظم الأثر في احترام الإسلام المذكور، واحترام رموزه في نفوس عامّة المسلمين، خصوصاً بعد ما سبق من التحجير على السُنّة النبويّة، ومنع الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلّا بما يتناسب مع نهج السلطة وتوجّهاته، ولو بوضع الأحاديث، والكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصالحها.

إلاّ إنّ الانحراف لما ابتنى على عدم نظام للسلطة؛ فقد صارت السلطة معرضة لأن تكون مطمعاً لكلّ أحد من قريش قبيلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم - التي ابتنى الانحراف الفاتح على اختصاص حقّ الخلافة بها من دون فرق بين قبائلها - مهما كان حال الشخص ومقامه في الإسلام.

وقد روي عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) أنّه قال لما بويع أبو بكر: كرديد نكرديد. أما والله، لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله(١) .

____________________

١ - الإيضاح/٤٥٧ - ٤٥٨.

٢٥٤

تخوّف عمر بن الخطاب من أطماع قريش

كما إنّ شدّة عمر بن الخطاب وضيق بعض الصحابة من ذلك - على ما سبق في حديث طلحة وغيره(١) - جعلته يخشى من محاولة قريش التخلّص منه، أو الخروج عليه حتى إنّه لما طُعن لم يبرئ الصحابة من التآمر عليه، بل سألهم فقال: عن ملأ منكم ومشورة كان هذا الذي أصابني؟ فتبرؤوا من ذلك وحلفوا(٢) .

وقد أدرك أنّ عامّة المسلمين المنتشرين في أقطار الأرض ما داموا في سكرة الفتوح والغنائم والانتصارات فهم في غفلة عن كلّ تغيير، بل هم يستنكرون ذلك لما للسلطة ورموزها من الاحترام في نفوسهم.

تحجير عمر على كبار الصحابة

ومن أجل إبقائهم على غفلتهم رأى أنّ اللازم الحجر على كبار الصحابة وذوي الشأن منهم وحبسهم في المدينة المنوّرة، وجعلهم تحت سيطرته بحيث لا يخرج منهم خارج عنها إلّا تحت رقابة مشدّدة؛ من أجل الالتزام بتعاليمه والسير على خطّه، ولا أقل من عدم الخروج عنه وزرع بذور الخلاف والانشقاق.

لأنّ صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقدمهم في الإسلام، واشتراكهم في حروبه الأولى تجعل لهم حرمة في نفوس عامّة المسلمين قد يستغلّونها من أجل كشف

____________________

١ - تقدّم في/١٧٥ وما بعده.

٢ - المصنّف - لعبد الرزاق ١٠/٣٥٧ كتاب أهل الكتابين، باب هل يدخل المشرك الحرم، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٥٨١ - ٥٨٢ كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب، الاستيعاب ٣/١١٥٣ - ١١٥٤ في ترجمة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، الطبقات الكبرى ٣/٣٤٨ ذكر استخلاف عمر (رحمه الله)، تاريخ دمشق ٤٤/٤٢٠ في ترجمة عمر بن الخطاب، تاريخ المدينة ٣/٩٠٤ دعاء عمر عند طعنه، شرح نهج البلاغة ١٢/١٨٧، وغيرها من المصادر.

٢٥٥

الحقيقة، وإيضاح واقع الإسلام الحقّ، أو من أجل تثبيت مراكز قوّة ونفوذ لهم في مقابل السلطة؛ لتحقيق أطماعهم الشخصية، أو نحو ذلك ممّا قد يؤدّي إلى تعدّد الاتجاهات داخل الكيان الإسلامي، وظهور الخلافات أو حصول الشقاق.

وهذا بخلاف حديثي الإسلام والمنافقين على ما تقدّم توضيحه عند التعرّض للخطوات التي قامت بها السلطة من أجل تثبيت شرعيتها.

وقد تقدّم منه أنّه لما سُئل عن توليته المؤلّفة قلوبهم والطلقاء وأبناءهم، وترك أمير المؤمنين (عليه السّلام) والعباس والزبير وطلحة، قال: أمّا علي فأنبه من ذلك، وأمّا هؤلاء النفر من قريش فإنّي أخاف أن ينتشروا في البلاد، فيكثروا فيها الفساد(١) .

وعن قيس بن حازم قال: جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو، فقال عمر: اجلس في بيتك، فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فردّد ذلك عليه، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها: اقعد في بيتك. فوالله، إنّي لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم(٢) .

وفي رواية أخرى: فانطلق الزبير وهو يتذمّر. فقال عمر: مَنْ يعذرني من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لولا أنّي أمسك بفمٍ هذا الشغب لأهلك أُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم(٣) .

وفي رواية ابن عساكر: مَنْ يعذرني من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لولا أنّي أمسك بفمي هذا الشِعب لأهدموا أُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم(٤) .

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ٩/٢٩ - ٣٠.

٢ - المستدرك على الصحيحين ٣/١٢٠ كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ممّا لم يخرجاه، واللفظ له، عون المعبود ١١/٢٤٦ - ٢٤٧، كنز العمّال ١١/٢٦٧ ح ٣١٤٧٦.

٣ - تاريخ بغداد ٧/٤٦٤ في ترجمة الحسن بن يزيد بن ماجة بن محمد القزويني.

٤ - تاريخ دمشق ١٨/٤٠٣ في ترجمة الزبير بن العوام.

٢٥٦

قال اليعقوبي: واستأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد، فقال: قد تقدّم لكم مع رسول الله. قال: إنّي آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرّة، لا تخرجوا فتسللوا بالناس يميناً وشمالاً. قال عبد الرحمن بن عوف: فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، ولِمَ تَمنعنا من الجهاد؟ فقال: لأن أسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن أُجيبك. ثمّ اندفع يحدّث عن أبي بكر حتى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها، فمَنْ عاد لمثلها فاقتلوه(١) .

وعن الشعبي أنّه قال: لم يمت عمر (رضي الله عنه) حتى ملّته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة فامتنع عليهم، وقال: إنّ أخوف ما أخاف على هذه الأُمّة انتشاركم في البلاد. فإن كان الرجل يستأذنه في الغزو - وهو ممّن حبس في المدينة من المهاجرين ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان لك في غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك، فلمّا ولي عثمان خلّى عنهم فاضطربوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس(٢) .

قال محمد بن طلحة: فكان ذلك أوّل وهن دخل على الإسلام، وأوّل فتنة كانت في العامّة ليس إلّا ذلك(٣) .

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٥٧ - ١٥٨ في أيام عمر بن الخطاب.

٢ - تاريخ الطبري ٣/٤٢٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٣/١٨٠ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سيرة عثمان، تاريخ دمشق ٣٩/٣٠٢ - ٣٠٣ في ترجمة عثمان بن عفان، كنز العمّال ١٤/٧٦ ح ٣٧٩٧٨، شرح نهج البلاغة ١١/١٢ - ١٣، وغيرها من المصادر.

٣ - تاريخ الطبري ٣/٤٢٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، واللفظ له، كنز العمّال ١٤/٧٦ ح ٣٧٩٧٨، تاريخ دمشق ٣٩/٣٠٢ في ترجمة عثمان بن عفان، وغيرها من المصادر.

٢٥٧

توقّف أهل البيت (عليهم السّلام) عن تنبيه عامّة المسلمين لحقّهم في الخلافة

ونتيجة لجميع ما سبق لا بدّ أن يتوقّف أهل البيت (صلوات الله عليهم) والخاصّة من شيعتهم عن تنبيه عامّة الناس لحقّهم (عليهم السّلام) في الخلافة، ولحصول التشويه والتحريف في كثير من الحقائق الدينية؛ لعدم حصول الأرضية المناسبة لذلك، ويقتصر نشاطهم على الخاصّة من أجل إعدادهم للعمل في الوقت المناسب.

ولاسيما أنّ أخلاقياتهم ومثلهم واهتمامهم بفرض احترامهم على المسلمين قد تمنعهم من أن يُعرف عنهم أنّهم السبب في شقّ كلمة المسلمين، وزرع بذور الخلاف والشقاق بينهم، وكانوا يرون أنّ الأنسب لهم أن تظهر أسباب الخلاف والشقاق والفتنة من غيرهم، وهو ما يتوقّع حصوله في القريب العاجل بسبب تداعيات الانحراف الذي حصل في السلطة.

إحساس عمر بأنّ الاستقرار على وشك النهاية

وكان عمر بن الخطاب قد أدرك ذلك، وعرف أنّ زمان الاستقرار على وشك النهاية. قال ابن أبي الحديد: وروى أبو جعفر الطبري في تاريخه، قال: كان عمر قد حجّر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلّا بإذن وأجل، فشَكَوه، فبلغه، فقام فخطب فقال: ألا إنّي قد سننت الإسلام سنّ البعير، يبدأ فيكون جذع، ثمّ ثني، ثمّ يكون رباعي، ثمّ سديس، ثمّ بازل. ألا فهل ينتظر بالبازل إلّا النقصان.

ألا وإنّ الإسلام قد صار بازلاً، وإنّ قريشاً يريدون أن يتّخذوا مال الله معونات على ما في أنفسهم. ألا إنّ في قريش مَنْ يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة. أما وابن الخطاب حيّ فلا، إنّي قائم دون شعب الحرّة، آخذ بحلاقيم

٢٥٨

قريش وحُجَزها أن يتهافتوا في النار(١) . ولعلّ ذلك هو المنشأ لما سبق من شكّه في الصحابة، واحتماله تآمرهم عليه لما طُعن.

تنبؤ الصديقة الزهراء (عليها السّلام) باضطراب أوضاع المسلمين

وهو ما توقّعته الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) للأُمّة في مبدأ انحراف مسار السلطة وخروجها عن موضعها الذي جعلها الله (عزّ وجلّ) فيه، حيث قالت (عليها السّلام) في ختام خطبتها الصغيرة:

«أما لعمري، لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً، وزعافاً مبيداً. هنالك( يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ) ، ويعرف البطالون غبّ ما أسس الأوّلون، ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمئنوا للفتنة جأشاً، وابشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً...»(٢) .

مجمل الأوضاع في أوائل عهد عثمان

وأخيراً انتهى عهد عمر وجاء عهد عثمان، وعامّة المسلمين بعد في غفلتهم، قد غلبت عليهم سكرة الفتوح والغنائم، وتوسّع رقعة الإسلام، ودخول الناس فيه أفواجاً، وما استتبع ذلك من تمجيد الحكّام الذين حصلت الفتوح على عهدهم، وظهرت الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والألقاب

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١١/١٢، وقريب منه في تاريخ الطبري ٣/٤٢٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وتاريخ دمشق ٣٩/٣٠٢ في ترجمة عثمان بن عفان، وكنز العمّال ١٤/٧٥ ح ٣٧٩٧٧، وغيرها من المصادر إلّا أنّه قد حُذفت منها: إنّ في قريش مَنْ يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة.

٢ - راجع ملحق رقم ٢.

٢٥٩

المنتحلة التي ترفع من شأنهم، على ما سبق.

غفلة العامّة عن ابتناء بيعة عثمان على الانحراف

وقد أذهلهم ذلك كلّه عن تمادي السلطة في الانحراف عن الخطّ السليم في الإسلام؛ نتيجة المخالفات الكثيرة، ومنها ما تمّت على أساسه بيعة عثمان، وهو أخذ سيرة أبي بكر وعمر شرطاً في البيعة يُضاف إلى موافقة كتاب الله (عزّ وجلّ) وسُنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وجعلها في مرتبة واحدة؛ من أجل إقصاء أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي يعلم الخاصّة الذين بيدهم الحلّ والعقد ومَنْ سار في خطّهم أنّه كما قال له عمر: أما والله، لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح والمحجّة البيضاء(١) ، وكما قال عنه لابن عباس: ولئن وليهم ليأخذنّهم بمرّ الحقّ لا يجدون عنده رخصة...(٢) . وفي حديث عبد الرحمن بن عبد القاري في حوار بين عمر وبين رجل من الأنصار: ثمّ قال عمر للأنصاري: مَنْ ترى الناس يقولون يكون الخليفة بعدي؟ قال: فعدّد رجالاً من المهاجرين، ولم يسمِّ عليّاً. فقال عمر: فما لهم من أبي الحسن؟ فوالله إنّه لأحراهم إن كان عليهم أن يقيمهم على طريقة من الحقّ(٣) .

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١/١٨٦، واللفظ له، ويوجد هذا المعنى بألفاظ مختلفة في شرح نهج البلاغة ٦/٣٢٧، و١٢/٥٢، ٢٥٩ - ٢٦٠، والمستدرك على الصحيحين ٣/٩٥ كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، والاستيعاب ٣/١١٣٠ في ترجمة علي بن أبي طالب، والمصنّف - لعبد الرزاق ٥/٤٤٦ - ٤٤٧ كتاب المغازي، بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) في سقيفة بني ساعدة، والطبقات الكبرى ٣/٣٤٢ في ترجمة عمر، ذكر استخلاف عمر (رحمه الله)، والأدب المفرد/١٢٨ البغي، وكنز العمّال ٥/٧٣٤ ح ١٤٢٥٤، وص ٧٣٦ ح ١٤٢٥٨، وص ٧٣٦ - ٧٣٧ ح ١٣٢٦٠، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٥٩ أيام عمر بن الخطاب.

٣ - المصنّف - لعبد الرزاق ٥/٤٤٦ كتاب المغازي، بيعة أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) في سقيفة بني ساعدة، واللفظ له، الأدب المفرد - للبخاري/١٢٨ البغي، كنز العمّال ٥/٧٣٦ - ٧٣٧ ح ١٤٢٦٠، وغيرها من المصادر، وقريب منه في أنساب الأشراف ٣/١٤ - ١٥ بيعة علي بن أبي طالب (عليه السّلام).

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672