فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها11%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 290856 / تحميل: 7129
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ذلك ، كما لا ينبغي إرضاعه فوق حولين كاملين ، ولو اتّفق أبواه على فطامة قبل ذلك كان حسناً.

6 ـ حضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدّة الإرضاع ـ أعني حولين كاملين ـ من حقّ أبويه بالسويّه ، فلا يجوز للأب أن يفصله عن أُمّه خلال هذه المدّة وإن كان اُنثى ـ والأحوط استحباباً أن لا يفصله عنها حتى يبلغ سبع سنين وإن كان ذكراً.

7 ـ إذا افترق الأبوان بفسخ أو طلاق قبل أن يبلغ الولد السنتين لم يسقط حقّ الأُمّ في حضانته ما لم تتزوّج من غيره ، فلا بدّ من توافقهما على ممارسة حقّهما المشترك بالتناوب ، أو بأيّ كيفية أُخرى يتفقان عليها.

8 ـ إذا تزوّجت الأُمّ بعد مفارقة الأب سقط حقّها من حضانة الولد ، وصارت الحضانة من حقّ الأب خاصّة ، ولو فارقها الزوج الثاني عاد حقّ حضانة الطفل إليها مرّة ثانية.

9 ـ إذا مات الأب بعد اختصاصه بحضانة الولد ـ كما مرّ ـ أو قبله فالأُمّ أحقّ بحضانته ـ إلى أن يبلغ ـ من الوصي لأبيه ومن جدّه وجدّته له ، وغيرهما من أقاربه ، سواء تزوّجت أم لا.

10 ـ إذا ماتت الأُمّ في زمن حضانتها اختصّ الأب بحضانة الطفل ، وليس لوصيّها ولا لأبيها ولا لأمها ـ فضلاً عن باقي أقاربها ـ حقّ في ذلك.

11 ـ إذا فقد الأبوان فالحضانة للجدّ من طرف الأب ، فإذا فقد ـ أي هذا الجدّ ـ ولم يكن له وصيّ ، ولا للأب وصيّ أيضاً ، فالأحوط وجوباً التراضي بين أقارب الولد في حضانته مع الاستئذان من الحاكم الشرعي.

١٨١

12 ـ إذا سقط حقّ الأُمّ في إرضاع ولدها لطلبها اُجرة مع وجود المتبرّع ، أو لعدم اللبن لها أو لغير ذلك فلا يسقط حقّها من حضانته ; لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة ، لإمكان كون الولد في حضانة الأُمّ مع كون رضاعه من امرأة اُخرى ، إمّا بحمل الولد إلى المرضعة عند الحاجة إلى اللبن ، أو بإحضار المرضعة عنده مثلاً.

13 ـ يشترط فيمن يثبت له حقّ الحضانة من الأبوين أو غيرهما أن يكون عاقلاً مأموناً على سلامة الولد ، وأن يكون مسلماً إذا كان الولد مسلماً ، فلو كان الأب مجنوناً أو كافراً ، والولد محكوم بالإسلام ، أي كان أحد أبويه مسلمين ، اختصت أُمّه بحضانته إذا كانت مسلمة عاقلة ، ولو انعكس الأمر كانت حضانته من حقّ أبيه خاصّة ، وهكذا الحال في غيرهما ، أي في غير الأبوين من الأقارب.

14 ـ الحضانة كما هي حقّ للأُمّ والأب أو غيرهما على التفصيل المتقدّم ، كذلك هي حقّ للولد عليهم ، فلو امتنعوا اُجبروا عليها ، ولا يجوز لمن يثبت له حقّ الحضانة أن يتنازل عنه لغيره فينقل إليه ـ أي إلى ذلك الغير ـ بقبوله ـ أي مع قبول الغير ـ نعم يجوز لكلّ من الأبوين التنازل عنه ـ أيّ عن حقّ الحضانة ـ للآخر بالنسبة إلى تمام مدّة حضانته أو بعضها.

15 ـ لا تجب المباشرة في حضانة الطفل ، فيجوز لمن عليه الحضانة إيكالها إلى الغير مع الوثوق بقيامه بها على الوجه اللازم شرعاً.

16 ـ الأُمّ تستحقّ أخذ الأُجرة على حضانة ولدها ، إلاّ إذا كانت متبرّعة بها ، أو وجد متبرّع بحضانته ، ولو فصل الأبُ أو غيره الولدَ عن أُمّه ولو عدواناً لم يكن عليه تدارك حقّها في حضانته بقيمة أو نحوها.

17 ـ تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً ، فإذا بلغ رشيداً لم يكن لأحد حقّ

١٨٢

الحضانة عليه حتّى الأبوين فضلاً عن غيرهما ، بل هو المالك لنفسه ذكراً كان أم اُنثى ، فله الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما ، نعم إذا كان انفصاله عنهما يوجب أذيّتهما الناشئة من شفقتهما عليه لم يجز له مخالفتهما في ذلك.

١٨٣

النفقات

تجب النفقة بأحد أسباب أربعة : الزوجيّة ، والقرابة ، والملك ، والاضطرار.

1 ـ تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له فيما يجب إطاعته عليها ، فلا نفقة للزوجة المتمتّع بها إلاّ مع الشرط ـ أي إلاّ إذا شرطت ذلك عليه ضمن العقد ـ كما لا نفقة للزوجة الناشزة على تفصيل تقدّم سابقاً ، وقد تقدّم أيضاً بيان ما يتحقّق به النشوز ، وإن سقوط نفقة الناشزة مشروط بعدم توبتها ، فإذا تابت وعادت إلى الطاعة رجع الاستحقاق.

2 ـ لا فرق في وجوب الإنفاق على الزوجة بين المسلمة والكتابيّة ، وأمّا المرتدّة فلا نفقة لها ، فإن تابت قبل مضيّ العدّة استحقّت النفقة ، وإلاّ بانت من زوجها ، أي فصلت عنه بسبب الارتداد.

3 ـ الظاهر ثبوت النفقة للزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف ، إلاّ مع وجود قرينة على الإسقاط ، أيّ على إسقاط حقّ الزوجة من النفقة ولو كانت هي التعارف الخارجي ، أي ولو كانت هذه القرينة قد ثبتت عرفاً ، كما إذا كانت الزوجة في بيت أبيها مثلاً ، فلا هي تستحقّ النفقة ولا هو يستحقّ الاستمتاع عليها.

والأظهر عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها ، خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ ، وكذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها ، نعم لو كانت الزوجة مراهقة ، وكان الزوج مراهقاً أو كبيراً ، أو كان الزوج مراهقاً وكانت الزوجة كبيرة ، لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها.

4 ـ لا تسقط نفقة الزوجة بعد تمكينها له من نفسها لعذر من حيض أو نفاس أو

١٨٤

إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض مدنف ـ أي ثقيل منعها من تمكين زوجها ـ أو غير ذلك ، ومن العذر ما لو كان الزوج مبتلى بمرض معد خافت من سرايته إليها بالمباشرة.

5 ـ إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر ، وكذا يجب عليه بذل اُجور سفرها ونحوها ممّا تحتاج إليه من حيث السفر ، وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزوجة بنفسها في سفر ضروري يرتبط بشؤون حياتها ، كأن كانت مريضة وتوقّف علاجها على السفر إلى طبيب ، فإنّه يجب على الزوج بذل نفقتها واُجور سفرها.

وأمّا في غيره من السفر الواجب ، كما إذا كان أداءً لواجب في ذمّتها ، كأن استطاعت للحجّ ، أو نذرت الحجّ الاستحبابي بإذن الزوج ، وكذا في السفر غير الواجب الذي أذن فيه الزوج ، فليس عليه بذل اُجوره ، ويجب عليه بذل نفقتها فيه كاملة وإن كانت أزيد من نفقتها في الحضر ، نعم إذا علّق الزوج إذنه لها في السفر غير الواجب على إسقاطها لنفقتها فيه كلاّ أو بعضاً ـ أي جعل إسقاط جميع نفقتها أو بعضها ـ في السفر غير الواجب ـ شرطاً في إذنه وترخيصه لها بالسفر ـ وقبلت هي بذلك لم تستحقّها عليه.

6 ـ تثبت النفقة لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة كما تثبت لغير المطلّقة ، من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً ـ أي حامل أو لا ـ ولو كانت ناشزة وطُلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة ، إلاّ إذا تابت ورجعت إلى الطاعة ، كالزوجة الناشزة غير المطلّقة ، وأمّا ذات العدّة البائنة ـ أي التي لا رجوع فيها ـ فتسقط نفقتها سواء أكانت عن طلاق أو فسخ ـ أي سواء بانت عن الزوج بالطلاق أو بفسخ العقد ـ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً فإنّها تستحقّ النفقة والسكنى حتّى تضع

١٨٥

حملها ، ولا تلحق بها المنقطعة ـ أي الزوجة المؤقتة ـ والحامل الموهوبة : وهي التي وهب لها الزوج المدّة قبل أوانها أو المنقضية مدّتها ، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها ، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها ، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى.

7 ـ إذا ادّعت المطلقة بائناً أنّها حامل ، فإن حصل الوثوق بصحة دعواها استناداً إلى الأمارات التي يستدلّ بها على الحمل عند النساء ، أو تيسّر استكشاف حالها بإجراء الفحص الطبيّ عند الثقة من أهل الخبرة فهو ، وإلاّ ففي وجوب قبول قولها والإنفاق عليها بمجرّد دعواها إشكال ، بل منع ، أي لا يقبل قولها اعتماداً على قولها فقط دون قرائن اُخرى.

ولو أنفق عليها ثمّ تبيّن عدم الحمل استُعيد منها ما دُفع إليها ، ولو انعكس الأمر ـ أي لم يدفع إليها باعتقاد أنّها حائل ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّها حامل ـ دفع إليها نفقتها أيام حملها.

8 ـ لا تقدير للنفقة شرعاً ، بل الضابط القيام بما تحتاج اليه الزوجة في معيشتها من الطعام والادام ، هو الشيء الذي يؤكل معه الخبز(1) .

والكسوة والفراش والغطاء ، والمسكن والخدم ، وآلات التدفئة والتبريد وأثاث المنزل ، وغير ذلك ممّا يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها ، ومن الواضح اختلاف ذلك نوعاً وكمّاً وكيفاً ، بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والحالات والأعراف والتقاليد اختلافاً فاحشاً أي كثيراً.

__________________

(1) الأُدْمُ والإدَام ما يؤتدم به ، تقول منه : أدم الخبز باللحم بأدمه بالكسر ، الصحاح 5 : 1859 « أدم ».

١٨٦

فبالنسبة إلى المسكن مثلاً ربّما يناسبها كوخ ، أو بيت شعر في الريف أو البادية ، وربّما لا بدّ لها من دار أو شقّة أو حجرة منفردة المرافق في المدينة ، وكذا بالنسبة إلى الألبسة ربّما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة إلى ثياب اُخرى ، وربّما لا بدّ من الزيادة عليها بثياب التجمّل والزينة.

نعم ، ما تعارف عند بعض النساء من تكثير الألبسة النفيسة خارج عن النفقة الواجبة ، فضلاً عمّا تعارف عند جمع منهنّ من لبس بعض الألبسة مرّة أو مرّتين في بعض المناسبات ، ثمّ استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الأُخرى.

9 ـ من النفقة الواجبة على الزوج اُجرة الحمّام عند حاجة الزوجة إليه ، سواء أكان للاغتسال أو للتنظيف ، إذا لم تتهيّأ لها مقدّمات الاستحمام في البيت ، أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره ، كما أنّ منها مصاريف الولادة واُجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها عادة ، بل لا يبعد أن يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يتفق الابتلاء بها وإن احتاج إلى بذل مال كثير ما لم يكن ذلك حرجيّاً على الزوج.

10 ـ النفقة الواجبة للزوجة على قسمين :

القسم الأوّل : ما يتوقّف الانتقاع به على ذهاب عينه ـ أي لاذهاب قيمته ـ كالطعام والشراب والدواء ونحوها ، وفي هذا القسم تملك الزوجة عين المال بمقدار حاجتها عند حلول الوقت المتعارف لصرفه ، فلها مطالبة الزوج بتمليكه إيّاها وتسليمه لها تفعل به ما تشاء ، ولها الاجتزاء ـ كما هو المتعارف ـ بما يجعله تحت تصرّفها في بيته ويبيح لها الاستفادة منه ، فتأكل وتشرب ممّا يوفّره في البيت من

١٨٧

الطعام والإدام والشراب حسب حاجتها إليه ، وحينئذٍ يسقط ما لها عليه من النفقة ، فليس لها أن تطالبه بها بعدد ذلك.

11 ـ لا يحقّ للزوجة مطالبة الزوج بنفقة الزمان المستقبل ، ولو دفع إليها نفقة أيام كاسبوع أو شهر مثلاً وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها ، إمّا بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد ، كانت ملكاً لها ، وليس للزوج استردادها ، نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما ـ أي أحد الزوجين ـ أو نشوزها أو طلاقها بائناً ، يوزّع المدفوع على الأيام الماضية والآتية ، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، بل الظاهر ذلك أيضاً فيما إذا دفع إليها نفقة يوم واحد وعرضت إحدى تلك العوارض في أثناء اليوم ، فيستردّ الباقي من نفقة ذلك اليوم.

12 ـ يتخيّر الزوج بين أن يدفع إلى الزوجة عين المأكول كالخبز والطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك ، وأن يدفع إليها موادها كالحنطة والدقيق والأُرز واللحم ونحو ذلك ممّا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومؤونة ، فإذا اختار الثاني كانت مؤونة الإعداد ـ أي الطبخ ونحوه ممّا يجعل الطعام قابلاً للأكل ـ على الزوج دون الزوجة.

13 ـ إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والأدام وتسلّمته ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج ، ولكن ليس للزوج إلزامها بقبول الثمن ، وليس لها إلزامه ببذله ، فالواجب ابتداءً هو العين ، أي لا ثمنها.

القسم الثاني : ما ينتفع به مع بقاء عينه ، وهذا إن كان مثل المسكن فلا إشكال في أنّ الزوجة لا تستحقّ على الزوج أن يدفعه إليها بعنوان التمليك ـ أي يكفي أن يدفعه إليها بعنوان الانتفاع به ـ والظاهر أنّ الفراش والغطاء وأثاث المنزل أيضاً كذلك ، وأمّا الكسوة فلا يبعد كونها بحكم القسم الأوّل فتستحقّ على الزوج تمليكها

١٨٨

إيّاها ، ولها الاجتزاء بالاستفادة بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره ، أي ممّا ليس بملك له ، ولكن يحقّ له التصرّف فيه.

14 ـ إذا دفع إليها كسوة قد جرت العادة ببقائها مدّة ، فلبستها فخلقت ـ أي استهلكت ـ قبل تلك المدّة أو سرقت لا بتقصير منها في الصورتين ، وجب عليه دفع كسوة اُخرى إليها. ولو انقضت المدّة والكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة اُخرى ، ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق ، فإن كان الدفع إليها على وجه الإمتاع والانتفاع ـ كما في البيت وأثاثه ـ جاز له استردادها إن كانت باقية ، وأمّا إذا كان على وجه التمليك ـ كما في الطعام والشراب ـ فليس له ذلك.

15 ـ يجوز للزوجة أن تتصرّف فيما تملكه من النفقة كيفما تشاء ، فتنقله إلى غيرها ببيع أو هبة أو إجارة أو غيرها ، إلاّ إذا اشترط الزوج عليها ترك تصرّف معيّن فيلزمها ذلك ، أي يكون هذا الشرط لازماً لا يجوز لها مخالفته للإمتاع والانتفاع به ، فلا يجوز لها نقله إلى الغير ولا التصرّف فيه بغير الوجه المتعارف إلاّ بإذن من الزوج.

16 ـ النفقة الواجب بذلها للزوجة هو ما تقوّم به حياتها من طعام وشراب وكسوة ومسكن وأثاث ونحوها ، دون ما تشتغل به ذمّتها ممّا تستدينه لغير نفقتها ـ أي أنّ الدين الذي في ذمّتها لا يحسب من نفقتها ـ وما تنفقه على من يجب نفقته عليها ، وما يثبت عليها من فدية أو كفّارة أو أرش جناية ـ أي غرامة الجناية التي ارتكبتها ـ ونحو ذلك.

17 ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته وجب عليه تحصيله بالتكسّب اللائق بشأنه وحاله ، وإذا لم يكن متمكّناً منه أخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والكفّارات ونحوها بمقدار حاجته في الإنفاق عليها ، وإذا لم يتيسّر له ذلك

١٨٩

تبقى نفقتها ديناً عليه ، ولا يجب عليه تحصيلها بمثل الاستيهاب والسؤال.

وهل يجب عليه الاستدانة لها إذا أمكنه ذلك من دون حرج ومشقّة ، وعلم بالتمكين من الوفاء فيما بعد ؟ الظاهر ذلك ، أي يجب عليه الاستدانة. وأمّا إذا احتمل عدم التمكّن من الوفاء احتمالاً معتدّاً به ـ أي ليس احتمالاً قليلاً لا يؤخذ بعين الاعتبار ـ ففي وجوبها عليه إشكال ، هذا في نفقة الزوجة ؟

وأمّا نفقة النفس ـ أي نفقة نفسه لا غيرها ـ فليست بهذه المثابة ، فلا يجب السعي لتحصيلها إلاّ بمقدار ما يتوقّف عليه حفظ النفس والعرض ، والتوقّي عن الإصابة بضرر بليغ ، وهذا المقدار يجب تحصيله بأيّة وسيلة حتى بالاستعطاف ـ أي بطلب العطف والاسترحام من الآخرين ـ والسؤال ، فضلاً عن الاكتساب والإستدانة.

18 ـ إذا كان الزوج عاجزاً عن تأمين نفقة زوجته ، أو امتنع من الإنفاق عليها مع قدرته ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي كما تقدّم.

19 ـ إذا لم تحصل الزوجة على النفقة الواجبة لها كلاّ أو بعضاً ، كمّاً أو كيفاً ـ أي من ناحية مقدارها أو نوعيّتها ـ لفقر الزوج أو امتناعه ، بقي ما لم تحصله منها ديناً في ذمّته كما تقدّمت الإشارة إليه ، فلو مات اُخرج من أصل تركته كسائر ديونه ، ولو ماتت انتقل إلى ورثتها كسائر تركتها ، سواء طالبته بالنفقة في حينه أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها ـ أي النفقة ـ الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء عاشت بالعسر ـ أي بالضيق ـ أو أنفقت هي على نفسها ـ باقتراض أو بدونه ـ أو أنفق الغير عليها تبرّعاً من نفسه ، ولو أنفق الغير عليها ديناً على ذمّة زوجها مع الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي اشتغلت له ذمّة الزوج ـ أي بقي ديناً في ذمّته ـ بما أنفق ، ولو أنفق ـ أي الغير ـ عليها تبرّعاً عن زوجها لم تشتغل ذمّة الزوج له ولا للزوجة ، أي لا يكون ذلك الإنفاق ديناً لا في ذمّتها ولا في ذمّة الزوج.

١٩٠

20 ـ لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها وحاجتها ، بل تستحقّها على زوجها وإن كانت غنيّة غير محتاجة.

21 ـ نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزوجة ، فإذا لم يكن للزوج مال يفي بنفقة نفسه ونفقة زوجته أنفق على نفسه ، فإن زاد شيء صرفه إليها.

22 ـ المقصود بنفقة النفس المقدّمة على نفقة الزوجة مقدار قوت يومه وليلته ، وكسوته وفراشه وغطائه ، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه في معيشته ، بحسب حاله وشأنه.

23 ـ إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ، إذا لم تكن للزوج بيّنة ، أي شاهدين من الرجال.

24 ـ إذا كانت الزوجة حاملاً ووضعت ، وقد طُلّقت رجعيّاً ، فادّعت الزوجة أنّ الطلاق كان بعد الوضع ـ أي وضع حملها ـ فتستحقّ عليه ـ أي على الزوج ـ وادّعى الزوج أنّه كان ـ أي استحقاقها للإنفاق ـ قبل الوضع وقد انقضت عدّتها فلا نفقة لها ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ، فإن حلفت استحقّت النفقة ، ولكن الزوج يلزم باعترافه ـ لأنّه اعترف بانقضاء عدّتها ـ فلا يجوز له الرجوع إليها.

25 ـ إذا اختلفا في الإعسار واليسار ـ أي في كون الزوج قادراً على الإنفاق أو غير قادر عليه لفقره ـ فادّعى الزوج الإعسار وأنّه لا يقدر على الإنفاق ، وادّعت الزوجة يساره ـ أي قدرته عليه ـ كان القول قول الزوج مع يمينه. نعم إذا كان الزوج مؤسراً وادّعى تلف أمواله وأنّه صار معسراً فأنكرته الزوجة كان القول قولها مع يمينها.

١٩١

القرابة

1 ـ يثبت للأبوين حقّ الإنفاق على ابنهما ، كما يثبت للولد ـ ذكراً كان أو أُنثى ـ حقّ الإنفاق على أبيه.

2 ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره ، بمعنى عدم وجدانه لما يحتاج إليه في معيشته فعلاً ، من طعام وأدام وكسوة وفراش وغطاء ومسكن ونحو ذلك ، فلا يجب الإنفاق على الواجد لنفقته فعلاً وإن كان فقيراً شرعاً ، أي لا يملك مؤونة سنته.

وأمّا غير الواجد لها ، فإن كان متمكّناً من تحصيلها بالاستعطاء أو السؤال لم يمنع ذلك من وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال ، نعم لو استعطى فاُعطي مقدار نفقته الفعليّة لم يجب على قريبه الإنفاق عليه ، وهكذا الحال لو كان متمكّناً من تحصيلها بالأخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والصدقات وغيرها ، أو كان متمكّناً من الاقتراض ولكن بحرج ومشقة ، أو مع احتمال عدم التمكّن من وفائه فيما بعد احتمالاً معتدّاً به ، وأمّا مع عدم المشقّة في الاقتراض ووجود محلّ الإيفاء فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه.

ولو كان متمكّناً من تحصيل نفقته بالاكتساب ، فإن كان ذلك بالقدرة على تعلّم صنعة أو حرفة يفي مدخولها بنفقته ولكنّه ترك التعلّم فبقي بلا نفقة ، وجب على قريبه الإنفاق عليه ما لم يتعلّم ، وهكذا الحال لو أمكنه الاكتساب بما يشقّ عليه تحمّله كحمل الأثقال ، أو بما لا يناسب شأنه كبعض الأشغال المناسبة لبعض

١٩٢

الأشخاص ولم يكتسب لذلك ، فإنّه يجب على قريبه الإنفاق عليه.

وإن كان قادراً على الاكتساب بما يناسب حاله وشأنه ، كالقويّ القادر على حمل الأثقال ، والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال ، ومن كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع ، وقد ترك ذلك طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه ، نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلاً بالنسبة إلى يوم أو أيام ، غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الإنفاق عليه وإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره ، كما أنّه لو ترك الاشتغال بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهم كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك التكليف بوجوب الإنفاق عليه.

3 ـ إذا أمكن المرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً ، فلا يجب على أبيها أو إبنها الانفاق عليها.

4 ـ لا يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كون المُنفِق أو المُنفَق عليه مسلماً أو عادلاً ، ولا في المنفَق عليه كونه ذا علّة من عمىً وغيره ، نعم يعتبر فيه ـ فيما عدا الأبوين ـ أن لا يكون كافراً حربيّاً ـ أي غير كتابيّ من أصناف الكفّار الذين لا ينتسبون إلى الاسلام ـ أو من بحكمه ، أي الكتابيّ الذي بغى واعتدى على المسلمين ، أو الذي أخلّ بشرائط الذمّة من اليهود والنصارى والمجوس ، وغير ذلك من أقسام الكفّار ، وكذلك الخوارج والغلاة والنواصب.

5 ـ هل يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كمال المنفِق بالبلوغ والعقل ، أم لا ؟

وجهان ، أقربهما العدم ، فيجب على الولي أن ينفق من مال الصبيّ والمجنون على من يثبت له حقّ الإنفاق عليهما.

6 ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المنفِق على نفقته بعد نفقة

١٩٣

نفسه وزوجته الدائمة ، فلو حصل له قدر كفاية نفسه وزوجته خاصة لم يجب عليه الإنفاق على أقربائه ، ولو زاد من نفقة نفسه وزوجته شيء صرفه في الإنفاق عليهم ، والأقرب منهم مقدّم على الأبعد ، فالولد مقدّم على ولد الولد ، ولو تساووا وعجز عن الإنفاق عليهم جميعاً فالأظهر وجوب توزيع الميسور عليهم بالسويّة إذا كان ممّا يقبل التوزيع ويمكنهم الانتفاع به ، والاّ فالأحوط الأولى أن يقترع بينهم وإن كان الأقرب أنّه يتخير في الانفاق على أيّهم شاء.

7 ـ إذا كان بحاجة إلى الزواج ، وكان ما لديه من المال لا يفي بنفقة الزواج ونفقة قريبة معاً ، جاز له أن يصرفه في زواجه وإن لم يبلغ حدّ الاضطرار إليه أو الحرج في تركه.

8 ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على قريبه ، وكان متمكّناً من تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه ، وجب عليه ذلك ، وإلاّ أخذ من حقوق الفقراء أو استدان لذلك.

9 ـ لا تقدير لنفقة القريب شرعاً ، بل الواجب القيام بما يقيم حياته من طعام وأدام وكسوة ومسكن وغيرها ، مع ملاحظة حاله وشأنه زماناً ومكاناً ، حسبما مرّ في نفقة الزوجة.

10 ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب ـ ولداً كان أو والداً ـ بذل مصاريف زواجه من الصداق وغيره وإن كان ذلك أحوط ـ وجوباً ـ لا سيّما في الأب مع حاجته ـ أي مع حاجة الأب أو الابن ـ الى الزواج وعدم قدرته على نفقاته.

11 ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب أداء ديونه ، ولا دفع ما ثبت عليه من فدية أو كفّارة أو أرش جنايةٍ ـ أي غرامة الجناية ـ ونحو ذلك.

12 ـ يجب على الولد نفقة والده دون أولاده ـ أي سواء كانوا إخوته من أبيه أو من اُمّه وأبيه ـ لأنّهم إخوته ، ودون زوجته ـ أي زوجة الأب ـ ويجب على الوالد نفقة

١٩٤

ولده دون زوجته ـ أي زوجة الولد ـ ونفقة أولاد ولده ـ أي أحفاده ـ أيضاً بناءً على ما تقدّم من وجوب نفقة الولد على جدّه.

13 ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل المال له على وجه الإمتاع ـ أي على نحو يمكنه الاستفادة منه ـ والانتفاع ، ولا يجب تمليكه له ، فإن بذله له من دون تمليك لم يكن له ـ أي لا يحقّ له ـ أن يملّكه أو يبيحه للغير ، إلاّ إذا كان مأذوناً في ذلك من قبل المالك ، ولو ارتزق بغيره وجبت عليه إعادته إليه ـ أي إلى المالك ـ ما لم يكن مأذوناً بالتصرّف فيه حتى على هذا التقدير.

14 ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل الطعام والأدام ونحوهما له في دار المُنفِق ، ولا يجب نقلها إليه في دار اُخرى ، ولو طلب المنفَق عليه ذلك لم تجب إجابته ، إلاّ إذا كان له عذر من استيفاء النفقة في بيت المنفِق من حرّ أو برد أو وجود من يؤذيه هناك أو نحو ذلك.

15 ـ نفقة الأقارب تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الزمان الحاضر على الأظهر ، ولا تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الأزمنة المستقبلة.

16 ـ لا تُقضى ولا تُتدارك نفقة الأقارب لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المُنفِق ، ولا تستقرّ في ذمّته ـ أي في ذمّة المنفق ـ بخلاف نفقة الزوجة كما مرّ ـ أي لا تسقط وإن فات وقتها ـ نعم لو أخلّ بالإنفاق الواجب عليه ورفع من له الحقّ ـ أي الذي تجب نفقته ـ أمره إلى الحاكم الشرعي فأذن له في الاستدانة عليه ـ أي يستدين من شخص ويكون الوفاء على الذي يجب أن ينفِق ـ ففعل اشتغلت ذمّته بما استدانه ووجب عليه أداؤه.

17 ـ إذا دافع وامتنع من وجبت عليه نفقة قريبة عن بذلها جاز لمن له الحقّ

١٩٥

إجباره عليه ، ولو باللجوء إلى الحاكم وإن كان جائراً. وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال جاز له أن يأخذ منه بمقدار نفقته بإذن الحاكم الشرعي ، وإلاّ ـ أي وإن لم يكن له مال ـ جاز له ـ أي لمن له الحقّ ـ أن يستدين على ذمّته بإذن الحاكم ، فتشتغل ذمّته ـ أي ذمّة من وجب عليه الانفاق ـ بما استدانه ويجب عليه قضاؤه ، وإن تعذّر عليه ـ أي على صاحب الحقّ ـ مراجعة الحاكم رجع إلى بعض عدول المؤمنين ، واستدان عليه بإذنه ، فيجب عليه أداؤه.

١٩٦

كتاب الطلاق

شروط المطلِّق

يشترط في المطلِّق أُمور :

الأمر الأوّل البلوغ : فلا يصح طلاق الصبيّ ، لا مباشرة ولا بتوكيل الغير وإن كان مميّزاً ـ والمميِّز : هو الذي يدرك الطلاق ويعقله ـ وإن لم يبلغ عشر سنين ، وأمّا طلاق من بلغها ـ أي العشر سنين ـ ففي صحته إشكال ، فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه(1) .

2 ـ كما لا يصح طلاق الصبيّ بالمباشرة ولا بالتوكيل ، لا يصح طلاق وليّه عنه ، كأبيه وجدّه فضلاً عن الوصي والحاكم الشرعي.

الأمر الثاني العقل : فلا يصح طلاق المجنون وإن كان جنونه أدواريّاً ـ أي غير مستغرق لجميع الوقت ، بل يجنّ في بعض الأوقات ويرجع إلى عقله في الأوقات الاُخرى ـ إذا كان الطلاق في دور جنونه.

3 ـ يجوز للأب والجدّ للأب أن يطلّق عن المجنون المطبق ـ أي غير الإدواري ـ زوجته مع مراعاة مصلحته ، سواء بلغ مجنوناً ـ أي وصل إلى سنّ البلوغ وهو مجنون ـ أو عرض عليه الجنون بعد البلوغ ، فإن لم يكن له أب ولا جدّ كان الأمر إلى الحاكم الشرعي.

وأمّا المجنون الإدواري فلا يصح طلاق الولي عنه وإن طال دوره ، بل يطلّق هو

__________________

(1) الاحتياط هنا وجوبي.

١٩٧

حال إفاقته ، وكذا السكران والمغمى عليه فإنّه لا يصح طلاق الولي عنهما ، بل يطلّقان حال إفاقتهما.

الأمر الثالث القصد : بأن يقصد الفراق حقيقةً ، فلا يصح طلاق السكران ونحوه ممّن لا قصد له معتدّاً به ، وكذا لو تلفّظ بصيغة الطلاق في حالة النوم ، أو هزلاً ، سهواً أو غلطاً أو في حال الغضب الشديد الموجب لسلب القصد ، فإنّه لا يؤثر في الفرقة ، وكذا لو أتى بالصيغة للتعليم أو الحكاية أو التلقين ، أو مداراةً لبعض نسائه مثلاً ولم يردّ الطلاق جدّاً.

4 ـ إذا طلّق ثمّ ادّعى عدم القصد فيه ، فإن صدّقته المرأة فهو ـ أي فلا يقع الطلاق ـ وإلاّ ـ أي وإن لم تصدّقه ـ لم يسمع منه ، أي يقع الطلاق.

الأمر الرابع الاختيار : فلا يصح طلاق المكرَه ومن بحكمه ، أي المضطرّ على الطلاق لسبب ما.

5 ـ الإكراه : وهو إلزام الغير بما يكرهه بالتوعيد على تركه بما يضرّ بحاله ممّا لا يستحقّه ، مع حصول الخوف له من ترتّبه ، أي من ترتّب الضرر ، ويلحق به ـ موضوعاً أو حكماً ـ ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من إضراره به لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد أو تهديد(1) ، وكذا لو أمره بذلك وخاف المأمور من قيام الغير بالإضرار به على تقدير مخالفته ، وهذا هو مثال ما يلحق به حكماً.

ولا يلحق به موضوعاً ولا حكماً ما إذا أوقع الفعل مخافة إضرار الغير به على تقدير تركه من دون إلزام منه إيّاه ، كما لو تزوّج امرأة ثمّ رأى أنّها لو بقيت في عصمته

__________________

(1) الإلزام بما يكرهه موضوعاً : بمعنى أن الآمر يريد منه إيجاد شيء يكرهه ـ مع خوف المأمور من الضرر ـ حتى وإن لم يوعده أو يهدّده.

١٩٨

لوقعت عليه وقيعة من بعض أقربائها ، فالتجأ إلى طلاقها فإنّه لا يضرّ ذلك بصحة الطلاق.

وهكذا الحال فيما إذا كان الضرر المتوعّد به ممّا يستحقّه ، كما إذا قال وليّ الدم للقاتل : طلّق زوجتك وإلاّ قتلتك ، أو قال الدائن للغريم : طلّق زوجتك وإلاّ طالبتك بالمال ، فطلّق فإنّه يصح طلاقه في مثل ذلك.

6 ـ المقصود بالضرر الذي يخاف من ترتّبه ـ على تقدير عدم الإتيان بما اُلزم به ـ ما يعمّ الضرر الواقع على نفسه وعرضه وماله ، وعلى بعض من يتعلّق به ممّن يهمّه أمره.

7 ـ يعتبر في تحقّق الإكراه أن يكون الضرر المتوعّد به ممّا لا يتعارف تحمّله لمثله تجنّباً عن مثل ذلك العمل المكروه ، بحيث يعدّ عند العقلاء مُلجِأً إلى ارتكابه ، وهذا أمر يختلف باختلاف الأشخاص في تحمّلهم للمكاره ، وباختلاف العمل المكروه في شدّة كراهته وضعفها ، فربّما يعدّ الإيعاد بضرر معيّن على ترك عمل مخصوص موجِباً ـ أي مؤدّياً ـ لإلجاء شخص إلى ارتكابه ، ولا يعدّ موجِباً لإلجاء آخر إليه ، وأيضاً ربّما يعدّ شخص مُلجأ إلى ارتكاب عمل يكرهه بإيعاده بضرر معيّن على تركه ، ولا يعدّ ملجأً إلى ارتكاب عمل آخر مكروه له أيضاً بإيعاده بمثل ذلك الضرر ، أي ربّما يكون شخص واحد يتحمّل مشقّة وضرر الإكراه على عمل دون عمل آخر.

8 ـ يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصّي ـ أي التخلّص ـ عنه بغير التورية ممّا لا يضرّ بحاله كالفرار والاستعانة بالغير ، ويعتبر فيه ـ أي في صدق عنوان الإكراه ـ عدم إمكان التفصّي بالتورية ولو من جهة الغفلة عنها ـ أي عن التورية ـ أو الجهل بها ، أو حصول الاضطراب المانع من استعمالها ، أو نحو ذلك.

١٩٩

9 ـ إذا أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه ـ أي لا على وجه التعيين ـ فطلّق إحداهما المعيّنة تجنّباً من الضرر المتوعّد به بطل ، ولو طلّقهما معاً بإنشاء واحد صحّ فيهما ـ وكذا لو أكرهه على طلاق كلتيهما بإنشاء واحد فطلّقهما تدريجاً ـ أي لا دفعة واحدة ـ أو طلّق إحداهما فقط.

وأمّا لو أكرهه على طلاقهما ولو متعاقباً ـ أي واحدة بعد الأُخرى ـ وأوعده على ترك مجموع الطلاقين فطلّق إحداهما عازماً على طلاق الأُخرى أيضاً ، ثمّ بدا له فيه وبنى على تحمّل الضرر المتوعّد به فالأظهر بطلان طلاقها ، أي لا يقع طلاق واحدة منهما.

10 ـ لو أكرهه على أن يطلّق زوجته ثلاث طلقات بينها رجعتان ، فطلّقها واحدة أو اثنتين ، ففي بطلان ما أوقعه إشكال بل منع ـ أي لا يبطل الطلاق ـ إلاّ إذا كان متوعّداً بالضرر على ترك كلٍّ منها أو كان عازماً في حينه على الإتيان بالباقي ثمّ بدا له فيه وبنى على تحمّل الضرر المتوعّد به ، أو أنّه احتمل قناعة المكره بما أوقعه وإغماضه عن الباقي فتركه ونحو ذلك.

11 ـ إذا أوقع الطلاق عن إكراه ثمّ رضي به لم يفد ذلك في صحته ، وليسَ كالعقد المكره عليه الذي تعقّبه الرضى.

12 ـ لا حكم للإكراه إذا كان على حقّ ، فلو وجب عليه أن يطلّق وامتنع منه فاُكره عليه فطلّق صحّ الطلاق.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وفي حديث عمر بن ميمون الأودي قال: كنت عند عمر بن الخطاب حين وليَ الستة الأمر، فلمّا جازوا أتبعهم بصره، ثمّ قال: لئن ولّوها الأجيلح ليركبن بهم الطريق، يريد عليّاً(١) .

وفي حديث أبي مجلز في مثل ذلك: قال عمر: مَنْ تستخلفون بعدي؟... فقال رجل من القوم: نستخلف عليّاً. فقال: إنّكم لعمري لا تستخلفونه. والذي نفسي بيده لو استخلفتموه لأقامكم على الحقّ وإن كرهتم...(٢) .

كما يعلمون أنّه (عليه السّلام) لو وليَ الخلافة لوسعه أن يظهر الحقيقة، ثمّ لم تخرج الخلافة عن أهل البيت (صلوات الله عليهم).

وإذا كان مقام أمير المؤمنين (عليه السّلام) مجهولاً عند عامّة المسلمين نتيجة ما سبق، فالمفترض أن لا يخفى عليهم مقام الكتاب المجيد والسُنّة الشريفة، وانحصار المرجعية في العلم والعمل بهما، لولا الذهول والاندفاع في تمجيد الحكّام والتبعية لهم في الدين، الأمر الذي سبق الكلام فيه في المبحث الأوّل.

واكتفى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بالامتناع عن قبول الشرط المذكور - وإن أدّى ذلك إلى إقصائه عن الخلافة - التزاماً منه بمبادئه، وإقامة للحجّة على عدم شرعية هذا الشرط.

ولم يكن في وسعه (عليه السّلام) حينئذ أن يشنّع على ذلك الشرط، ويحمل العامّة

____________________

١ - المصنّف - لعبد الرزاق ٥/٤٤٦ - ٤٤٧ كتاب المغازي، بيعة أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) في سقيفة بني ساعدة، واللفظ له، أنساب الأشراف ٢/٣٥٣ وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، تاريخ دمشق ٤٢/٤٢٧ - ٤٢٨ في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، الكامل في التاريخ ٣/٣٩٩ أحداث سنة أربعين من الهجرة، ذكر بعض سيرته (أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام»، شرح نهج البلاغة ١٢/١٠٨، وغيرها من المصادر.

٢ - كنز العمّال ٥/٧٣٥ - ٧٣٦ ح ١٤٢٥٨.

٢٦١

على الإنكار والتغيير؛ لعدم وجود الأرضية الصالحة لذلك، بعدما سبق من اندفاع الناس مع أولياء الأمور، مع إنّه ربما كان لا يرى الصلاح في أن يبدأ هو بشقّ كلمة المسلمين، وزرع بذور الخلاف بينهم على ما أشرنا إليه آنفاً.

مدى اندفاع العامّة مع السلطة في تلك الفترة

ويمكن أن نعرف مدى اندفاع الناس مع أولياء الأمور في ذلك الوقت، وعدم اهتمامهم بمعرفة الحقيقة والدفاع عنها، ممّا تقدّم في قصّة صبيغ بن عسل(١) من امتناع الناس عن مجالسته لمنع عمر عن ذلك من دون أن يذكروا جرمه أو يقيموه.

وما رواه جندب بن عبد الله الأزدي عند تعرّضه للمشادّة بين المقداد وعبد الرحمن بن عوف من أجل إقصاء أمير المؤمنين (عليه السّلام) في تلك الشورى، وما تقدّم من قول المقداد: أما والله، لو أنّ لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إيّاهم ببدر وأُحد(٢) .

قال جندب: فأتبعته، وقلت له: يا عبد الله، أنا من أعوانك. فقال: رحمك الله، إنّ هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا الثلاثة.

قال: فدخلت من فوري ذلك على علي (عليه السّلام) فقلت: يا أبا الحسن، والله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك. فقال: «صبر جميل، والله المستعان». فقلت: والله إنّك لصبور. قال: «فإن لم أصبر فماذا أصنع؟»... فقلت: تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك، وتخبرهم أنّك أولى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتسألهم النصر على هؤلاء المظاهرين عليك، فإن أجابك عشرة من مئة شددت بهم على الباقين.

____________________

١ - تقدّم في ص: ١٧٧.

٢ - تقدّم في ص: ١٩٣.

٢٦٢

فإن دانوا لك فذاك، وإلاّ قاتلتهم وكنت أولى بالعذر قُتلت أو بقيت، وكنت أعلى عند الله حجّة.

فقال: «أترجو يا جندب أن يبايعني من كلّ عشرة واحداً؟». قلت: أرجو ذلك. قال: «لكنّي لا أرجو ذلك. لا والله، ولا من المئة واحداً...».

هذا في المدينة المنوّرة التي هي موطن المهاجرين والأنصار، والتي يعرف الكثير من أهلها أو جميعهم مقام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وحقّه، وما حصل من الظلم عليه خاصة وعلى أهل البيت عموماً نتيجة الانحراف.

أمّا في غيرها من أمصار المسلمين فمن الطبيعي أن يكون الحال أشدّ، والناس أبعد عن معرفة الحقيقة والاهتمام بأمره.

قال جندب بعد أن ذكر حديث أمير المؤمنين (عليه السّلام) السابق حول موقف الناس معه: فقلت: جُعلت فداك يابن عمّ رسول الله! لقد صدعت قلبي بهذا القول، أفلا أرجع إلى المصر فأوذن الناس بمقالتك، وأدعو الناس إليك؟ فقال: «يا جندب، ليس هذا زمان ذاك». قال: فانصرفت إلى العراق، فكنت أذكر فضل علي على الناس فلا أعدم رجلاً يقول لي ما أكره، وأحسن ما أسمعه قول مَنْ يقول: دع عنك هذا، وخذ فيما ينفعك، فأقول: إنّ هذا ممّا ينفعني، فيقوم عنّي ويدعني(١) .

وعن أبي الطفيل قال: خرجت أنا وعمرو بن صليع المحاربي حتى دخلنا على حذيفة... فقال: حدّثنا يا حذيفة. فقال: عمّا أحدّثكم؟ فقال: لو أنّي أحدّثكم بكلّ ما أعلم قتلتموني، أو قال: لم تصدّقوني. قالوا: وحقّ ذلك؟ قال: نعم. قالوا: فلا حاجة لنا في حقّ تحدّثناه فنقتلك عليه، ولكن حدّثنا بما ينفعنا ولا يضرّك. فقال: أرأيتم لو حدّثتكم أن أُمّكم تغزوكم إذاً صدّقتموني؟

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ٩/٥٨.

٢٦٣

قالوا: وحقّ ذلك؟!(١) . وقريب منه حديث خيثمة بن عبد الرحمن عن حذيفة(٢) .

وهي تدل على أنّ عامّة المسلمين قد تمسّكوا بثقافة خاصّة لا يقبلون بغيرها حتى إنّ حذيفة - مع ما له من مقام رفيع - لو حدّثهم بخلافها لكذّبوه، بل قد يقتلونه.

اختلاف عثمان عن عمر في الحزم والسلوك

ولكنّ تداعيات الانحراف في أمر السلطة بدأت تظهر للناس؛ لأنّ عثمان يختلف عن عمر بأمرين:

الأوّل : ضعف الإدارة وفقد الحزم، وسوء التعامل مع الأحداث.

الثاني : إنّه توسّع في إنفاق المال، وظهرت عليه وعلى زمرته مظاهر التسامح والترف، وقرّب بني أُميّة ومكّنهم في البلاد، وولاّهم الأمصار مع ما عرف عنهم من العداء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللإسلام، والكيد لهما في بدء الدعوة، ثمّ النفاق بعد أن اضطروا للدخول في الإسلام، ولم يمنعه ذلك من تقريبهم وتحكيمهم فاتّخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً، وانتهكوا حرماتهم وحرمات دينهم بتخالع واستهتار بنحو لم يعهده عامّة المسلمين من قبل.

ظهور الإنكار على عثمان من عامّة المسلمين

وقد أضرّ ذلك بمصالح الخاصّة والعامّة؛ فأثار حفيظتهم كما أثار حفيظة أهل الدين، وكلّ مَنْ يهمّه الصالح العام.

____________________

١ - المصنّف - لعبد الرزاق ١١/٥٢ - ٥٣ باب القبائل.

٢ - المستدرك على الصحيحين ٤/٤٧١ كتاب الفتن والملاحم، وقال بعد إيراد الحديث: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

٢٦٤

وبذلك بدأ الإنكار على عثمان والتشنيع عليه، وإثارة مشاعر الناس ضدّه، وتهييج الرأي العام عليه، وظهرت بوادر التغيير.

تحقّق الجو المناسب لإظهار مقام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وبيان ظلامته

وحينئذ تحقّقت الأرضية الصالحة لتعريف العامّة بمقام الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ونشر فضائله، وهو الذي كان في الشورى الطرف الوحيد المقابل لعثمان، والذي أقصته المصالح الضيّقة، وقدّمت عليه عثمان؛ تجاهلاً لمصلحة الإسلام العلي، وتجاوزاً عليه.

وهو (عليه السّلام) يحظى بأعظم رصيد من الفضائل والمناقب، وبالمؤهّلات المميّزة في قيادة الأُمّة، والسير بها على الطريق الواضح والصراط المستقيم.

ولاسيما أنّ خاصّة شيعته المتفانين في الدعوة له قد كانت لهم المكانة السامية من بين الصحابة والتابعين بحيث يسمع منهم جمهور المسلمين، ويتفاعل بتوجيهاتهم وإرشاداتهم في خضمّ الهيجان والصراع.

جهود الخاصة في التعريف بمقامه (عليه السّلام) وكشف الحقيقة

وهنا جاء دورهم ليقوموا بمهمّتهم الكبرى التي أعدّوا لها، وذلك ببيان الحقيقة والدعوة له من أجل أن يكون التغيير المتوقّع لصالحه، لا للأسوأ، أو من أجل إقامة الحجّة على الناس لو لم يتقبّلوه، ويؤدّوا وظيفتهم إزاءها.

ولا يتيسّر لنا فعلاً الاطّلاع الكافي على مفردات ما حصل، إلّا إنّ خير شاهد على ما ذكرنا هو هتاف الجماهير باسم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أواخر أيّام عثمان عند ظهور النقمة عليه مع إنّه (عليه السّلام) كان أخفّ النفر على عثمان.

نعم، من المظنون قويّاً أنّ الأمر مع عامّة الناس لم يكن يتجاوز بيان الفضائل

٢٦٥

التي تقتضي تقديمه على غيره من الموجودين، بل ربما على جميع المسلمين حتى على الشيخين، لكن من دون تركيز على النصّ القاضي باختصاص الحقّ به وبذرّيته، وعدم شرعية خلافة مَنْ سبق كما هو مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ لعدم تهيؤ عامّة المسلمين نفسيّاً لذلك، وعدم تقبّلهم له.

ولاسيما أنّ سيرة عثمان، وتدهور الأوضاع في عهده، وظهور الخلاف والشقاق في الكيان الإسلامي بعد استقراره، قد أكّدت في نفوسهم ما سبق من احترام الشيخين أو تقديسهم؛ نتيجة انتشار الإسلام في عهدهم، وما استتبعه من الغنائم التي لم تكن العرب تحلم بها، وألقاب التمجيد والأحاديث التي وضعت في تلك الفترة كما سبق.

مضافاً إلى أنّ في المعارضة لعثمان عناصر مهمّة هي على خلاف خطّ أهل البيت، والاعتراف بالنصّ يفوّت عليها أطماعها، كما أنّها تهتم بالتركيز على سيرة الشيخين وتمجيدهم؛ من أجل التنفير من عثمان والتهريج عليه.

وإذا كان النصّ قد ذكر وركّز عليه فمن الغريب أن يكون ذلك مقتصراً على القليل من ذوي التعقّل والدين، ممّن يهمّه معرفة الحقيقة والوصول إليها.

وعلى كلّ حال فقد أدّت الخاصة من شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) - فيما يظهر - دورها الذي أعدّت له، وحقّقت خدمة كبرى للحقيقة المضطهدة التي عُتّم عليها في الفترة السابقة.

وبالمناسبة يقول ابن قتيبة عند عرض أحداث واقعة الجمل: فلمّا قدم علي طيء أقبل شيخ من طيء قد هرم من الكبر، فرفع له من حاجبيه فنظر إلى علي، فقال له: أنت ابن أبي طالب؟ قال: «نعم».

قال: مرحباً وأهلاً... لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك؛ لقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأيّامك الصالحة، ولئن كان ما يُقال فيك من الخير حقّاً إنّ في

٢٦٦

أمرك وأمر قريش لعجب؛ إذ أخرجوك وقدّموا غيرك...(١) .

وبذلك ظهرت ثمرة الصبر والموادعة من أجل الحفاظ على هذه الثلّة الصالحة، وعدم التفريط بها في مبدأ الانحراف في السلطة عند ارتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرفيق الأعلى.

توجّهات المعارضة لعثمان

هذا ويبدو أنّ المعارضين لعثمان على قسمين:

الأوّل : النفعيون والانتهازيون الذين يريدون القضاء على عثمان؛ لتضرّر مصالحهم، أو بأمل الحصول على مكاسب مادية، أو تبوّء مراكز قيادية من دون رؤية واضحة للنتائج المترتّبة على ذلك، أو لعدم الاهتمام بها من أجل أهدافهم.

وقد كشفتهم الأحداث بعد مقتل عثمان، والتداعيات التي ترتّبت عليه، ممّا يسهّل التعرّف عليه بالرجوع لتاريخ تلك الفترة.

الثاني : الناقمون من سوء الأوضاع الذين يريدون تحسّنها، وتحقيق السلطة للعدالة والتزامها بها من دون أن يكون لهم مشروع خاصّ لحلّ المشكلة، وهم الأكثرية.

مقتل عثمان بعد فشل مساعي أمير المؤمنين (عليه السّلام) لحلّ الأزمة

أمّا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فقد بذل جهده من أجل إصلاح الأمور، وحلّ المشكلة بين عثمان والناس؛ تجنّباً للفتنة حيث يعلم (عليه السّلام) بما يترتّب عليها من تداعيات وسلبيات على الإسلام والمسلمين.

ويشير إلى ذلك كلامه (عليه السّلام) مع عثمان حينما دخل عليه بعد أن شكاه الناس

____________________

١ - الإمامة والسياسة ١/٥٢ استنفار عدي بن حاتم قومه لنصرة علي (رضي الله عنه).

٢٦٧

له، حيث قال في جملته: «وإنّي أنشدك الله أن لا تكون إمام هذه الأُمّة المقتول؛ فإنّه كان يُقال: يُقتل في هذه الأُمّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويبثّ الفتن عليها، فلا يبصرون الحقّ من الباطل، يموجون فيها موجاً، ويمرجون فيها مرجاً»(١) .

وقد كاد أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) يستوعب الخلاف، ويحلّ الأزمة بسلام، لولا سوء إدارة عثمان، وفساد بطانته، وضعف شخصيته، وتأرجح موقفه.

وانتهى الأمر بحصار عثمان ثمّ قتله، بل المنع من دفنه لولا استنجاد ذويه بأمير المؤمنين (عليه السّلام)(٢) .

مطالبة الجماهير ببيعة أمير المؤمنين (عليه السّلام)

واندفعت بعد ذلك الجماهير من خاصة المسلمين وعامّتهم تريد بيعة أمير المؤمنين (عليه السّلام)؛ لأنّه الشخصية الأولى - ولو في عصره - بنظرهم، ولما يتميّز به من مؤهّلات - وعمدتها عندهم العلم، والاستقامة، والسابقة، والأثر الحميد في الإسلام، والقرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمل تحقّق الإصلاح على يديه، وسير عجلة الإسلام في الطريق الصحيح وفي مأمن من الاستئثار والفساد.

____________________

١ - نهج البلاغة ٢/٦٩، واللفظ له، تاريخ الطبري ٣/٣٧٦ أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة، ذكر الخبر عن صفة اجتماعهم لذلك وخبر الجرعة، الكامل في التاريخ ٣/١٥١ أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة، ذكر ابتداء قتل عثمان، البداية والنهاية ٧/١٨٨ - ١٨٩ أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة، إمتاع الأسماع ١٣/٢٠٨، وغيرها من المصادر.

٢ - شرح نهج البلاغة ٢/١٥٨، و١٠/٦، تاريخ الطبري ٣/٤٣٨ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر الخبر عن الموضع الذي دفن فيه عثمان (رضي الله عنه)، الكامل في التاريخ ٣/١٨٠ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر الموضع الذي دُفن فيه ومَنْ صلّى عليه، وغيرها من المصادر.

٢٦٨

وربما كان هدف كثير ممّن يعرف حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) تعديل مسار السلطة في الإسلام بذلك، ورجوع الحقّ إلى أهله في مأمن من الزيغ والانحراف.

إباء أمير المؤمنين (عليه السّلام) البيعة تنبئه بالمستقبل القاتم

وكيف كان فقد امتنع (صلوات الله عليه) من القبول بالبيعة؛ لعلمه بأنّه لا يتم لهم ما أرادوا؛ لأنّ الناس - ولاسيما الخاصة - لا تطيق عدله، والتزامه بنصوص الدين بعد أن تعودّت على التسامح، وفتحت عيونها على الدنيا، وراقهم زبرجها.

وكان فيما قال إيضاحاً للحال، وكبحاً لجماح التفاؤل والآمال: «دعوني والتمسوا غيري؛ فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم به القلوب، ولا تثبت عليه العقول»(١) . وقد أشار (عليه أفضل الصلاة والسّلام) إلى ما توقّعته الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) في كلامها السابق، وهما يأخذان من أصل واحد.

ولمّا أصرّوا عليه قال (عليه السّلام) إقامة للحجّة: «قد أجبتكم، واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنّما أنا كأحدكم، إلّا أنّي أسمعكم وأطوعكم لِمَنْ ولّيتموه»(٢) .

____________________

١ - نهج البلاغة ١/١٨١، واللفظ له، تاريخ الطبري ٣/٤٥٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الكامل في التاريخ ٣/١٩٣ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الفتوح - لابن أعثم ٢/٤٣١ ذكر بيعة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وغيرها من المصادر.

٢ - الكامل في التاريخ ٣/١٩٣ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، واللفظ له، تاريخ الطبري ٣/٤٥٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، خلافة أمير =

٢٦٩

بيعة أمير المؤمنين (عليه السّلام) وما استتبعها من تداعيات

وأخيراً تمّت البيعة، وتوالت الفتن والأحداث على النحو المعلوم تاريخياً، وكان آخرها مقتل أمير المؤمنين، وصلح الإمام الحسن (صلوات الله عليهما)، واستيلاء معاوية على السلطة، والقضاء على مشروع الإصلاح، حيث لم يُكتب له الاستمرار ست سنين، رغم الجهود الجبّارة والتضحيات الكبرى من أجل المحافظة عليه وتنفيذه.

قد يبدو فشل أمير المؤمنين (عليه السّلام) في تسلّمه للسلطة

وبذلك يبدو لأوّل وهلة فشل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في تسلّمه السلطة، وأنّه لم يحقّق نجاحاً، بل زادت الأمور سوءاً؛ لأنّه (عليه السّلام) اضطر لمباشرة حروب ثلاثة ذهب ضحيّتها كثير من المسلمين، وزادت بسببها مشاكلهم وخلافاتهم، ثمّ تسنّم السلطة معاوية ومَنْ بعده من الأمويين وغيرهم، وكانت عهودهم أسوأ بكثير بحسب المنظور العام من عهد عثمان ومَنْ قبله.

علمه (عليه السّلام) بفشل مشروع الإصلاح الجذري

لكنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كان يعلم من أوّل الأمر بفشل مشروع الإصلاح الذي طلبوا منه البيعة من أجله، كما يشير إلى ذلك ما تقدّم من قوله (عليه السّلام): «فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان، لا تقوم به القلوب، ولا تثبت عليه العقول»، وما يأتي من خطبته حين بويع.

وقد عهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بل للأُمّة عامّة - بخروج الناكثين والقاسطين والمارقين عليه(١) ، وبكثير من تفاصيل ذلك، ومنها إرغامه على

____________________

= المؤمنين علي بن أبي طالب، نهج البلاغة ١/١٨٢، وغيرها من المصادر.

١ - المستدرك على الصحيحين ٣/١٣٩،١٤٠ كتاب معرفة الصحابة، فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): =

٢٧٠

التحكيم(١) ، وما استتبعه من فتنة الخوارج(٢) ، ثمّ قتله (عليه السّلام) بعد أن يتجرّع الغيظ(٣) ، وبقيام دولة بني أُميّة الشجرة الملعونة في القرآن(٤) .

____________________

= إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل علي، مجمع الزوائد ٥/١٨٦ كتاب الخلافة، باب الخلفاء الأربعة، و٦/٢٣٥ كتاب قتال أهل البغي، باب ما جاء في ذي الثدية وأهل النهروان، و٧/٢٣٨ كتاب الفتن، باب فيما كان بينهم في صفين، السُنّة - لعمرو بن أبي عاصم/٤٢٥، مسند أبي يعلى ١/٣٩٧ مسند علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، و٣/١٩٤ - ١٩٥ مسند عمار بن ياسر، المعجم الكبير ٤/١٧٢ فيما رواه محنف بن سليم عن أبي أيوب، و١٠/٩١ - ٩٢ باب من روى عن ابن مسعود، المعجم الأوسط ٨/٢١٣، و٩/١٦٥، الاستيعاب ٣/١١١٧ في ترجمة علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - السنن الكبرى - للنسائي ٥/١٦٧ كتاب الخصائص، ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ذكر ما خصّ به علي من قتال المارقين، ذكر الأخبار المؤيدة لما تقدّم وصفه، فتح الباري ٧/٣٨٦، شرح نهج البلاغة ٢/٢٣٢، تاريخ الإسلام ٢/٣٩١ قصّة غزوة الحديبية، السيرة الحلبية ٢/٧٠٧ غزوة الحديبية، مجمع البيان - للطبرسي ٩/١٩٩، وغيرها من المصادر.

٢ - مجمع الزوائد ٦/٢٤١ كتاب قتال أهل البغي، باب منه في الخوارج، فتح الباري ١٢/٢٦٤ - ٢٦٥، مسند أبي يعلى ١/٣٧٠ - ٣٧١ مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٣٥٨ كتاب فضائل القرآن، باب سجود الرجل شكر، السُنّة - لعمرو بن أبي عاصم/٥٨٥، السنن الكبرى ٥/١٦٣ كتاب الخصائص، ثواب من قاتلهم (الخوارج)، المعجم الأوسط ٤/٢٢٤، تاريخ بغداد ١٢/٤٤٨ في ترجمة قيس بن أبي حازم، و١٣/٩٧ في ترجمة مسلم بن أبي مسلم، وص ٢٢٣ في ترجمة ميسرة أبي صالح، كنز العمّال ١١/٢٨٩ - ٢٩٠ ح ٣١٥٤٨، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٣ - المستدرك على الصحيحين ٣/١٣٩ كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ممّا لم يخرجاه، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، تاريخ دمشق ٤٢/٤٢٢، ٥٣٦ في ترجمة علي بن أبي طالب، الكامل في التاريخ ٣/٣٨٨ أحداث سنة أربعن من الهجرة، ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، ذكر أخبار أصبهان ٢/١٤٧ في ترجمة عطاء بن السائب، كنز العمّال ١١/٦١٨ ح ٣٢٩٩٩، الفصول المهمّة ١/٦٠٩ الفصل الأوّل في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، فصل في مقتله ومدّة عمره وخلافته (عليه السّلام)، وغيرها من المصادر.

٤ - سنن الترمذي ٥/١١٥ كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، باب سورة القدر، المستدرك على الصحيحين ٣/١٧٠ - ١٧١ كتاب معرفة الصحابة، ومن فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) وذكر مولده ومقتله، سير أعلام النبلاء ٣/٢٧٢ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب. =

٢٧١

وهو القائل: «أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت رجلي في الغرز، وأنا أريد العراق، فقال: لا تأتي [كذا في المصدر] العراق؛ فإنّك إن أتيته أصابك به ذباب السيف». قال أبو الأسود الدؤلي: قال علي: «وأيم الله، لقد قالها لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلك»(١) .

والقائل في حرب صفين، وهو في أوج قوّته العسكرية: «ما اختلفت أُمّة قطّ بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقّها»(٢) ، والقائل في الكوفة: «إنّي أُقاتل على حقّ؛ ليقوم، ولن يقوم، والأمر لهم»(٣) .

كما قال (عليه السّلام) أيضاً: «أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد فاقتلوه، ولن تقتلوه، ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي...»(٤) ، إلى غير ذلك ممّا يجده الناظر في تاريخ تلك الحقبة وما يتعلّق بها، ولاسيما ما ورد في أخبار أهل البيت (صلوات الله عليهم).

____________________

= المعجم الكبير ٣/٨٩ - ٩٠ فيما رواه يوسف بن مازن الراسبي عن الحسن بن علي (رضي الله عنه)، مسند الشاميين ٢/١٥٢، فضائل الأوقات - للبيهقي/٢١١ باب فضل ليلة القدر، تاريخ دمشق ١٣/٢٧٨ - ٢٧٩ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، أُسد الغابة ٢/١٤ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - المستدرك على الصحيحين ٣/١٤٠ كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ممّا لم يخرجاه، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له، صحيح ابن حبان ١٥/١٢٧ باب إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عمّا يكون في أُمّته من الفتن والحوادث، ذكر الإخبار عن خروج علي بن أبي طالب (رضوان الله عليه) إلى العراق، مسند الحميدي ١/٣٠، الآحاد والمثاني ١/١٤٤، موارد الظمآن ٧/١٤٨، تاريخ دمشق ٤٢/٥٤٥ في ترجمة علي بن أبي طالب، أُسد الغابة ٤/٣٤ في ترجمة علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - وقعة صفين/٢٢٤، شرح نهج البلاغة ٥/١٨١، الأمالي - للمفيد/٢٣٥، الأمالي - للطوسي/١١.

٣ - الفتن - لابن حماد/٧٠ ما يذكر في ملك بني أُميّة وتسمية أسمائهم بعد عمر (رضي الله عنه)، واللفظ له، إمتاع الأسماع ١٢/٢١١ إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بملك معاوية، الملاحم والفتن - لابن طاووس/٣٣٩ ب ٣٧.

٤ - نهج البلاغة ١/١٠٥ - ١٠٦.

٢٧٢

أهداف أمير المؤمنين (عليه السّلام) من تسلّمه للسلطة

ومن هنا لا بدّ أن يكون هدفه (صلوات الله عليه) من تسنّم السلطة ليس هو ما اندفعت الجماهير له وتخيّلته ممكن من إصلاح الأوضاع العامّة، أو تعديل مسار السلطة في الإسلام، وإنّما الدافع المهم له عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالقيام بالأمر إذا وجد أنصاراً حيث يأتي منه (عليه السّلام) التصريح حين بويع بأنّه قد نُبئ بهذا المقام وهذا اليوم.

وهو (عليه السّلام) القائل في الخطبة الشقشقية: «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عَنز»(١) ... إلى غير ذلك ممّا يشهد بأنّه (عليه السّلام) ينفذ عهداً عُهِد له وأمراً فرض عليه، وربما يأتي بعض كلامه (عليه السّلام) في ذلك.

وعلم الله تعالى ما هي المصالح والأهداف التي ألزمته (عليه السّلام) بذلك، لكنّ الذي يظهر لنا أمران مهمّان جدّاً في صالح الإسلام بعد تحقّق الانحراف في مسيرته، وفرضه عليه كواقع لا يمكن التخلّص منه.

سعيه (عليه السّلام) لإيضاح الحقائق الدينية

الأمر الأوّل : ما أشرنا إليه آنفاً من أنّ جمهور المسلمين كانوا في غفلة عن انحراف مسار السلطة في الإسلام، وتحكّمها في الدين بحيث كان معرضاً للضياع والتشويه، فإبقاؤهم على غفلتهم يضيّع عليهم معالم الحقّ، ويعرّض

____________________

١ - نهج البلاغة ١/٣٦ - ٣٧، واللفظ له، علل الشرائع ١/١٥١، الإفصاح - للمفيد/٤٦، ينابيع المودّة ١/٤٣٨، وغيرها من المصادر.

٢٧٣

الدين للتحريف التدريجي بتعاقب السلطات غير المشروعة حتى يُمسخ كما مُسخت بقيّة الأديان؛ نتيجة تحكّم غير المعصوم فيه.

فكان الهدف من تسنمه (صلوات الله عليه) للسلطة أن يُفسح المجال له ولمَنْ يعرف حقّه من الصحابة لكشف حقيقة الحال، وتنبيه الأُمّة من غفلتها، وتعريفها بدعوة الحقّ، وإيضاح معالمه؛ ليحملها - بل قد يدعو لها - مَنْ يوفّقه الله تعالى لذلك.

وذلك من أجل أن تظهر هذه الدعوة الشريفة في المجتمع الإسلامي والإنساني على الصعيد العام بحيث يسمع صوته؛ لتقوم الحجّة على الناس حتى لو عاد مسار السلطة للانحراف كما هو المتوقّع له (عليه السّلام) والذي حصل فعلاً.

وقد يشير إلى ذلك ما ورد عنه (صلوات الله عليه) في بيان ما دعاه لقبول الخلافة من قوله: «والله، ما تقدّمت عليها إلّا خوفاً من أن ينزو على الأمر تيس من بني أُميّة فيلعب بكتاب الله عزّ وجلّ»(١) .

إصحاره (عليه السّلام) بالحقيقة وبحقّه في الخلافة وبظلامته

وعلى كلّ حال فقد تحقّق له ذلك؛ حيث وجد الأرضية الصالحة، خصوصاً في الكوفة، فأصحر (عليه السّلام) هو ومَنْ يعرف حقّه من الصحابة بالحقيقة، وبمقامه ومقام أهل البيت (صلوات الله عليهم)، والتأكيد على استحقاقهم الخلافة، واختصاص الإمامة الحقّة بهم، وأنّهم (عليهم السّلام) المرجع للأُمّة في دينها يعصمونها من الزيغ والضلال مع الاستدلال على ذلك بالكتاب المجيد، والنصوص النبويّة الشريفة التي هي أكثر من أن تُحصى.

____________________

١ - أنساب الأشراف ٢/٣٥٣ في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، ونحوه في بحار الأنوار ٣٤/٣٥٨.

٢٧٤

ثمّ أصحر بالشكوى من الانحراف الذي حصل، وسلْب الشرعية عنه، وشجْب مَنْ قام به وغير ذلك ممّا سجّله التاريخ واستوعبته كتب الكلام، واشتمل على كثير منه كتاب نهج البلاغة.

إيضاحه للمراد من الجماعة التي يجب لزومها

كما إنّه (عليه أفضل الصلاة والسّلام) أوضح أنّ المراد بالجماعة التي لا يجوز الخروج عنها هي جماعة الحقّ التي تُعتصم بأئمّة الحقّ (صلوات الله عليهم)، وهو (عليه السّلام) أوّلهم.

ففي حديث عبد الله بن الحسن قال: كان علي يخطب، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني مَنْ أهل الجماعة؟ ومَنْ أهل الفرقة؟ ومَنْ أهل السُنّة؟ ومَنْ أهل البدعة؟ فقال: «ويحك! أمّا إذ سألتني فافهم عنّي، ولا عليك أن تسأل عنها أحداً بعدي؛ فأمّا أهل الجماعة: فأنا ومَنْ اتّبعني وإن قلّوا؛ وذلك الحقّ عن أمر الله وأمر رسوله، فأمّا أهل الفرقة: فالمخالفون لي ومَنْ اتّبعهم وإن كثروا...»(١) .

وهو كالصريح من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما خطب في مسجد الخيف: «ثلاث لا يغلُ عليهنّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم؛ فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم...»(٢) . إذ بعد أن

____________________

١ - كنز العمّال ١٦/١٨٣ - ١٨٤ ح ٤٤٢١٦، واللفظ له، الاحتجاج ١/٢٤٦.

٢ - تقدمت مصادره في ص: ١٥٧. ويحسن إثبات ما رواه في الكافي ١/٤٠٣:

قال: «محمد بن الحسن عن بعض أصحابنا عن علي بن الحكم عن الحكم بن مسكين عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: اذهب بنا إلى جعفر بن محمد. قال: فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف... قال: فنزل، فقال له سفيان: مر لي =

٢٧٥

كانت الإمامة الحقّة في أهل البيت (صلوات الله عليهم) - على ما ثبت في محلّه -؛ فجماعة أئمّة المسلمين هم جماعة أئمّة أهل البيت دون غيرهم من الفرق.

ويناسبه ما عن الثعلبي بسنده عن عبد الله البجلي قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ مات على حبّ آل محمد مات شهيداً...، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمد مات على السُنّة والجماعة...»(١) .

____________________

= بداوة وقرطاس، حتى أثبته، فدعا به، ثم قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف: «نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه ...: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم...» فكتبه سفيان، ثم عرضه عليه، وركب أبو عبد الله عليه السلام.

وجئت أنا وسفيان، فلما كنا في بعض الطريق قال لي: كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث. فقلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً. فقال: وأي شيء ذلك؟

فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قبل امرئ مسلم: إخلاص العمل لله قد عرفناه، والنصيحة لأئمة المسلمين. من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم؟! معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وكل من لا تجوز شهادته عندنا، ولا تجوز الصلاة خلفهم؟!

وقوله: واللزوم لجماعتهم. فأي الجماعة؟! مرجئ يقول: من لم يصلّ ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل؟! أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل، ويكون ما شاء إبليس؟! أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر؟! أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شيء غيرها؟! قال: ويحك وأي شيء يقولون؟ قلت: يقولون إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم أهل بيته. قال: فأخذ الكتاب فخرقه، ثم قال: لا تخبر بها أحداً».

١ - العمدة لابن البطريق/٥٤، تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ٣/٢٣٨، تفسير الكشّاف ٣/٤٦٧ في تفسير قوله تعالى:( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) ، تفسير الرازي =

٢٧٦

كما إنّه الأنسب بما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما سأله رجل عن جماعة أُمّته، فأجابه بقوله: «جماعة أُمّتي أهل الحقّ وإن قلّوا»(١) .

وما عن عمرو بن ميمون قال: صحبت معاذاً باليمن...، ثمّ صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة؛ فإنّ يد الله على الجماعة، ويرغّب في الجماعة، ثمّ سمعته يوماً من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخّرون الصلاة عن مواقيتها، فصلّوا الصلاة لميقاتها؛ فهو الفريضة، وصلّوا معهم؛ فإنّها لكم نافلة. قال: قلت: يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدّثوا. قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضّني عليها، ثمّ تقول لي: صلِّ الصلاة وحدك... قال: يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنّك أفقه أهل هذه القرية، تدري ما الجماعة؟ قال: قلت: لا. قال: إنّ جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة؛ الجماعة ما وافق الحقّ وإن كنت وحدك. وفي طريق للحديث آخر: الجماعة ما وافق طاعة وإن كنت وحدك(٢) .

وبالجملة: قد أوضح أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أيام حكمه القليلة كثيراً من الحقائق الدينية التي كان عامّة المسلمين في غفلة عنها.

مميّزاته الشخصية ساعدت على تأثيره وسماع دعوته

وقد ساعد على تأثيره (عليه السّلام) في رفع غفلتهم مميّزاته الشخصية؛ من السبق

____________________

= ٢٧/١٦٦ في تفسير الآية المتقدّمة، تفسير القرطبي ١٦/٢٣ في تفسير الآية المتقدّمة، ينابيع المودّة ١/٩١، و٢/٣٣٣، و٣/١٤٠، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف/١٥٩ - ١٦٠، سعد السعود/١٤١، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - المحاسن - للبرقي ١/٢٢٠، معاني الأخبار/١٥٤، تحف العقول عن آل الرسول/٣٤ مواعظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحكمه.

٢ - تاريخ دمشق ٤٦/٤٠٩ في ترجمة عمرو بن ميمون، واللفظ له، تهذيب الكمال ٢٢/٢٦٤ - ٢٦٥ في ترجمة عمرو بن ميمون، النصائح الكافية/٢١٩.

٢٧٧

للإيمان، والقرابة القريبة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعظيم الأثر في رفع منار الإسلام بجهاده الفريد في سبيل الله تعالى، والعدل بين الرعية، والفناء في ذات الله تعالى، والشجاعة الخارقة، والتحبّب للعامّة أخلاقاً وسلوكاً، وما ظهر منه (صلوات الله عليه) من فنون العلم والمعرفة، والكرامات الباهرة، والأخبار الغيبية الصادقة... إلى غير ذلك ممّا يشهد بتميّزه عن عامّة الناس بنحو يناسب اختياره (عليه السّلام) واختيار أهل بيته لخلافة النبوّة من قبل الله (عزّ وجلّ).

كما إنّ ذلك من شأنه أن يوجب إعجاب كثير من الناس به وانشدادهم له عاطفيّاً، وتعلّقهم به، وموالاتهم له، وحبهّم إيّاه حبّاً قد يبلغ العشق.

وبعبارة أُخرى: إنّ شجرة التشيّع التي غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقام الحجّة عليها، وثبت عليها الخاصة من أصحابه (رضي الله عنهم)، قد استطاع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في فترة حكمه القصيرة المليئة بالمتاعب والمشاكل أن يسقيها وينميها، ويعمق جذورها، وينشر فروعها، بعد أن ذبلت وكادت تموت؛ نتيجة جهود الأوّلين، وسياستهم التي سبق التعرّض لها.

وإنّ النظر في كتاب نهج البلاغة - الواسع الانتشار - بتروٍّ واستيعاب ومقارنة، وبموضوعية بعيدة عن التكلّف والتعسّف، يكفي في استيضاح ذلك؛ فهو يصلح لأن يكون أطروحة مستوفية لأبعاد العقيدة الشيعيّة التي توارثتها الأجيال حتى عصرنا الحاضر، أمّا التراث والجهود الواردة عنه (عليه السّلام) في غير نهج البلاغة فالأمر فيها أظهر.

إيمان ثلّة من الخاصّة بدعوته (عليه السّلام) وتضحيتهم في سبيلها

ووجد (صلوات الله عليه) من ذوي المقام الرفيع في العقل والدين وقوّة الشخصية، والذين فرضوا احترامهم على المسلمين - بورعهم وأثرهم الحميد

٢٧٨

في الإسلام - من تقبّلها بتفّهم وتبصّر وإخلاص وإصرار، وتبّنى حمل رايتها والدعوة لها متحدّياً قوى الشرّ والطغيان.

وتحمّل في سبيل ذلك ضروب المصائب والمحن، ومختلف أنواع التنكيل من السجن والتشريد، والقتل والتمثيل، والصلب وتشويه السمعة والتشنيع غير المسؤول، وانتهاك الحرمات العظام بوحشيّة مسرفة.

ثمّ تعاهد شجرتها من بعده بقيّة الأئمّة من ولده (صلوات الله عليهم). ودعمها الإمداد والتسديد الإلهي على طول الخطّ.

وبذلك بقيت هذه الدعوة الشريفة وانتشرت بين المسلمين، بل في جميع أنحاء العالم، وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، مرفوعة الراية، مسموعة الصوت على طول المدّة، وشدّة المحنة، وتتابع الفتن.

بل لم يشهد التاريخ - فيما نعلم - دعوة حافظت على أصالتها ونقائها، واستمرت في مسيرتها وتوسّعها وانتشارها - رغم المعوّقات الكثيرة - كهذه الدعوة الشريفة.

العقبة الكؤود في طريق الدعوة احترام الأوّلين

نعم، كانت العقبة الكؤود التي تقف في طريقه (عليه السّلام) وطريق دعوته هذه هي إعجاب كثير من المسلمين بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر، وحبّهم لهما حبّاً قد يبلغ حدّ التقديس؛ نتيجة العوامل التي سبق التعرّض لها، بحيث اضطر (صلوات الله عليه) إلى ترك بعض ما سنّاه في الدين على حاله مداراة لهم.

حتى إنّه ربما اتّخذ البعض ذلك شاهداً على إقراره لها وشرعيتها عنده (عليه السّلام)، وهو يجهل أو يتجاهل الظروف الحرجة التي كان (صلوات الله عليه) يمرّ بها ويعيشها، والتصريحات الكثيرة منه ومن الأئمّة من ولده (صلوات الله

٢٧٩

عليهم) بعدم شرعيتها، والحديث في ذلك طويل لا يسعنا استيعابه.

خطبة له (عليه السّلام) يستعرض فيها كثيراً من البدع

إلاّ إنّه يحسن بنا أن نذكر خطبة له (صلوات الله عليه) رواها الكليني بطريق معتبر قال (عليه السّلام) فيها:

«وإنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تُتبع وأحكام تُبتدع يُخالَف فيها حكم الله، يتولّى فيها رجال رجالاً، ألا إنّ الحقّ لو خلُص لم يكن اختلاف، ولو أنّ الباطل خلُص لم يخفَ على ذي حِجا، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيُمزجان فيُجللان معاً، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.

إنّي سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وآله وسلم: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها، ويتّخذونها سُنّة، فإذا غُيّر منها شيء قيل: قد غُيّرت السُنّة، وقد أتى الناس منكراً، ثمّ تشتدّ البلية، وتُسبى الذريّة(١) ، وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب، وكما تدق الرحا بثفالها، ويتفقّهون لغير الله، ويتعلّمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة».

ثمّ أقبل بوجهه، وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته، فقال:

«قد عمل الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسُنّته، ولو حملت الناس على تركه، وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لتفرّق عنّي جندي حتى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي، وفرض إمامتي من كتاب الله

____________________

١- لعله إشارة إلى ما حدث بعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام) من سبي عوائل وذراري أهل البيت (صلوات الله عليهم).

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672