فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 273751
تحميل: 6259

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273751 / تحميل: 6259
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عبد امتحن الله قلبه بالإيمان إلا أصبح يجد مودتنا على قلبه، ولا أصبح عبد ممن سخط الله عليه إلا يجد بغضنا على قلبه، فأصبحنا نفرح بحب المؤمن لنا، ونعرف بغض المبغض لنا.

وأصبح محبنا مغتبطاً بحبنا برحمة من الله ينتظرها كل يوم، وأصبح مبغضنا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار، فكان ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم. وكأن أبواب الرحمة قد فتحت لأصحاب الرحمة. فهنيئاً لأصحاب الرحمة رحمتهم، وتعساً لأهل النار مثواهم. إن عبداً لن يقصر في حبنا لخير جعله الله في قلبه.

ولن يحبنا من يحب مبغضنا، إن ذلك لا يجتمع في قلب واحد و( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) يحب بهذا قوماً، ويحب بالآخر عدوهم، والذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب لا غش فيه.

نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء، وأنا وصي الأوصياء، وأنا حزب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. والفئة الباغية حزب الشيطان.

فمن أحب أن يعلم حاله في حبنا فليمتحن قلبه، فإن وجد فيه حب من ألّب علينا فليعلم أن الله عدوه وجبرئيل وميكائيل، والله عدو الكافرين»(١) .

ومن الظاهر أن مجالس التثقيف مساءً وفي بيت الإمام عليه السلام نفسه تختص بالخاصّة، ولا تكون مع العامّة. ولا سيما في تلك العصور.

ومن ثم عرف جماعة من ذوي المقام الرفيع بأنهم من خواص أصحابه الحاملين لتعاليمه وأسراره التي لا يسهل تقبلها على العامّة.

وكيف كان فقد بقي ولاء الأولين حاجزاً للكثيرين عن تقبل ما أوضحه

____________________

(١) الأمالي للطوسي ص: ١٤٨ - ١٤٩.

٣٠١

(صلوات الله عليه) من حقّ أهل البيت (عليهم السّلام)(١) ، بل سبباً للتشنيع والتشهير بشيعتهم، ومبرّراً لانتهاك حرماتهم في دمائهم وأموالهم وكرامتهم. إلّا أنّ إيمان الشيعة بقضيتهم كان أقوى من أن يقف ذلك في طريقه.

وبالجملة : كانت نتيجة جهود أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وخاصة أصحابه ظهور دعوة التشيّع لأهل البيت (صلوات الله عليهم) المبتنية على أنّ الإمامة والخلافة حقّ يختصّ بهم. تبعاً للنصّ عليهم من الله (عزّ وجلّ) ورسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.

____________________

(١) وربما صار ذلك عقدة بينه عليه السلام وبين بعض من كان في طاعته، بحيث كانوا في أزمة نفسية انفجرت في التحكيم، لتتشبث به كمبرر لتكفيره (صلوات الله عليه) والخروج عليه، وظهور فرقة الخوارج. كما يناسب ذلك.

أولاً: ضعف شبهتهم وظهور وهنها، لولا العقد التي تتحقق بها الأرضية الصالحة للتشبث بالشبه الضعيفة.

وثانياً: تقديسهم الشديد لأبي بكر وعمر، وعدم محاولتهم النظر في سلبياتهما. ولا سيما مع ما ورد من عناية عمر ببعضهم، كعبد الرحمن بن ملجم، حيث كتب لعاملة على مصر عمرو بن العاص أن قرّب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه فوسع له. راجع لسان الميزان ج: ٣ ص: ٤٤٠ في ترجمة عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والأنساب للسمعاني ج: ١ ص: ٤٥١ في التدؤلي، وتاريخ الإسلام ج: ٣ ص: ٦٥٣، في أحداث سنة أربعين من الهجرة، والوافي بالوفيات ج: ١٨ ص: ١٧٢ في ترجمة عبد الرحمن بن ملجم، وغيرها من المصادر.

وثالثاً: تميزهم بقراءة القرآن المجيد وتشبثهم بظواهر بعض آياته الكريمة، من دون تعريج على السنة النبوية الشريفة، التي كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يركز عليها في إثبات حقه وحق أهل البيت (عليهم السلام)، وفي توجيه كثير من مواقفه.

حيث قد يوحي ذلك بعدم ألفتهم التعريج على السنة في الخروج عن الظواهر القرآن البدوية والجمع بينها، تأثراً بمواقف الأولين من السنة، وتركيزهم على القرآن وحده، حتى اشتهر عنهم قولهم: «حسبنا كتاب الله».

نعم لا يزيد ذلك على الاحتمال أو الظن، ويحتاج لمزيد من الفحص والتأمل قد يتيسر للباحثين، من أجل التعرف على التراكمات التي انفجرت لتتجسد في هذه الدعوة.

٣٠٢

وهي تعتمد على الاستدلال والبرهان.

وذلك في مقابل ما كان عليه الجمهور من عدم اختصاص الإمامة والخلافة بأهل البيت (صلوات الله عليهم). وهو مدعوم باحترام الأوّلين احتراماً قد يبلغ حدّ التقديس، بحيث يكون ديناً يتديّن به؛ نتيجة العوامل التي سبق ويأتي التعرّض لها.

إيضاحه (عليه السّلام) لأحكام حرب أهل القبلة

الأمر الثاني: أنّ مقتل عثمان كان مفتاحاً للصراع الدموي على السلطة في الإسلام، ولظهور الانقسام في الأُمّة وظهور الفرق فيها.

وقد تنبّأ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بذلك في أحداث الشورى، نتيجة لما عنده من مكنون العلم. فقد روي عنه (عليه السّلام) أنّه قال لجماعة الشورى بعد أن ذكر حقّ أهل البيت (صلوات الله عليهم):

«اسمعوا كلامي، وعوا منطقي. عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع تنتضي فيه السيوف، وتخان فيه العهود حتى لا يكون لكم جماعة، وحتى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضلالة، وشيعة لأهل الجهالة»(١) .

وقد سبق أنّه (عليه السّلام) قال لعثمان: «وإنّي أنشدك الله أن لا تكون إمام هذه الأُمّة المقتول؛ فإنّه كان يُقال: يُقتل في هذه الأُمّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة...»(٢) .

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١/١٩٥، واللفظ له، نهج البلاغة ٢/٢٣، تاريخ الطبري ٣/٣٠٠ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، قصّة الشورى، الكامل في التاريخ ٣/٧٤ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ذكر قصّة الشورى.

٢ - تقدّم في/٢٦٨.

٣٠٣

ومن الظاهر أنّ المسلمين لا عهد لهم بهذه الحروب ولا يعرفون أحكامها، وإنّما يعهدون حرب الكفّار من المشركين وأهل الكتاب، فتتحكّم فيها اجتهادات السلطة ونزواتها من دون تحديد للحقّ والباطل، والعدل والجور.

وفي الحقيقة: قد سبقت الحرب للمسلمين من أجل السلطة قبل ذلك عند ارتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرفيق الأعلى؛ فإنّ بعض الحروب التي أطلق عليها حروب الردّة لم تكن في الحقيقة حروب ردّة، بل كانت من أجل تثبيت سلطة أبي بكر على ما ذكرناه في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).

إلاّ إنّ السلطة قد حاولت تشويه موقف المعارضة بإطلاق حروب الردّة عليها، كما إنّها تخبّطت في التعامل مع المعارضة عن عمد أو جهل، كما أشرنا لشيء من ذلك في المبحث الأوّل عند عرض نماذج من الانحراف في العهد الأموي(١) ، ومن ثمّ لم يعرف المسلمون شيئاً عن التعامل الإسلامي الحقّ في حرب أهل القبلة.

سيرته (عليه السّلام) في حروبه صارت سنّة للمسلمين

فكانت بيعة أمير المؤمنين (عليه السّلام) وتولّيه السلطة، ومباشرته لتلك الحروب التي ترتّبت على بيعته سبباً في وضوح أحكامه، وصارت سيرته (عليه السّلام) فيها علماً للمسلمين.

حتى قال أبو حنيفة: ما قاتل أحد علياً إلّا وعلي أولى بالحقّ منه، ولولا ما سار علي فيهم ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين(٢) . وسُئل عن يوم الجمل.

____________________

١ - تقدّم في/٢٣٤ وما بعده.

٢ - بغية الطلب في تاريخ حلب ١/٢٩١ باب في ذكر صفين...، الفصل الثاني في بيان أنّ علياً (عليه السّلام) على الحقّ في قتاله معاوية (رحمه الله)، واللفظ له، مناقب أبي حنيفة - للخوارزمي ٢/٨٣ الباب الرابع والعشرون في ذكر ألفاظ جرت على لسانه فصارت أمثالاً بين الناس، مناقب أبي حنيفة - للكردري ٢/٧١.

٣٠٤

فقال: سار علي فيه بالعدل، وهو علّم المسلمين السنّة في قتال أهل البغي(١) .

وقال تلميذه محمد بن الحسن: لو لم يقاتل معاوية علياً ظالماً له، متعدّياً باغياً كنّا لا نهتدي لقتال أهل البغي(٢) .

وقال الشافعي: لولا علي لما عُرف شيء من أحكام أهل البغي(٣) .

ولمّا أنكر يحيى بن معين على الشافعي استدلاله بسيرة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في قتال البغاة، وقال: أيجعل طلحة والزبير بغاة؟! ردّ عليه أحمد بن حنبل وقال: ويحك! وأي شيء يسعه أن يضع في هذا المقام؟! وقال ابن تيمية: يعني: إنْ لم يقتد بسيرة علي في ذلك لم يكن معه سنّة من الخلفاء الراشدين في قتال البغاة(٤) .

وقد أوضح أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بسيرته وأقواله في تلك الحروب أمرين:

إسلام الباغي يعصمه من الرق ويعصم ماله

أوّلهما : إنّ الباغي وإنْ هدر دمه دفعاً لشرّه، إلّا إنّ إسلامه يعصمه من الرق، ويعصم ماله الذي لم يقاتل به(٥) ، أو جميع ماله حتى ما قاتل

____________________

١ - مناقب أبي حنيفة - للخوارزمي ٢/٨٤ الباب الرابع والعشرون في ذكر ألفاظ جرت على لسانه فصارت أمثالاً بين الناس، مناقب أبي حنيفة - للكردري ٢/٧٢.

٢ - الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢/٢٦ في ترجمة محمد بن أحمد بن موسى بن داود الرازي البرزالي.

٣ - شرح نهج البلاغة ٩/٣٣١.

٤ - مجموع الفتاوى ٤/٤٣٨ مفصل اعتقاد السلف، فصل في أعداء الخلفاء الراشدين والأئمّة الراشدين.

٥ - شرح نهج البلاغة ١/٢٥٠، جامع بيان العلم وفضله - لابن عبد البر ٢/١٠٥، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٧١٠ كتاب الجمل، مسير عائشة وعلي وطلحة والزبير، الدراية - لابن حجر ٢/١٣٩ باب البغاة، المحلّى ١١/١٠٣ حكم قتل أهل البغي، كنز العمال ١١/٣٣٦ ح ٣١٦٧٦ - ٣١٦٧٧. وغيرها من المصادر.

٣٠٥

به(١) ، وليس هو كالكافر في ذلك.

وقد سبب ذلك له (عليه السّلام) إحراجاً في واقعة الجمل؛ لأنّ المسلمين لم يعهدوا التفريق بين الأمرين في حروبهم، إلّا أنّه استطاع أن يقنعهم حينما قال: «فأقرعوا على عائشة؛ لأدفعها إلى مَنْ تصيبه القرعة». فعرفوا خطأهم، وقالوا: نستغفر الله يا أمير المؤمنين(٢) .

وهذا من مظاهر أمانته (صلوات الله عليه) واهتمامه بتطبيق أحكام الله (عزّ وجلّ). فهو لم يندفع في الانتقام من محاربيه شفاءً لغيظه وتحكيماً لعاطفته، بل وقف عند الحكم الشرعي، لا من أجل مجاراة الناس، فإنّهم يجهلون الحكم المذكور، بل قياماً بوظيفته الشرعية، وأداءً لأمانته وما عهد إليه من تعريف الأُمّة بدينها، وإنّ سبّب ذلك إحراجاً له مع عسكره.

كما إنّه صار سبباً لزهد الناس في الجهاد معه في تلك الحروب التي بها تقرير مصير حكمه وتثبيت سلطته؛ لأنّ من أهمّ دواعي الجهاد عند عامة الناس هو الفوز بالغنائم والاستكثار منها.

والسلطة من بعده (عليه السّلام) وإن خرجت عن ذلك بسبب انحرافها، كما هو المعلوم بأدنى مراجعة للتاريخ، وأشرنا إلى بعض ذلك في المبحث الأوّل عند عرض نماذج من الانحراف في العهد الأموي، إلّا أنّ سيرته (عليه السّلام) صارت سبباً لظهور جورها في سيرته، وهو مكسب عظيم للإسلام؛ حيث ظهرت

____________________

١ - جواهر الكلام ٢١/٣٣٩ - ٣٤١.

٢ - شرح نهج البلاغة ١/٢٥١، واللفظ له، جامع بيان العلم وفضله - لابن عبد البر ٢/١٠٥، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٧١٠ كتاب الجمل، مسير عائشة وعلي وطلحة والزبير، الدراية - لابن حجر ٢/١٣٩ باب البغاة، المحلّى ١١/١٠٣ حكم قتل أهل البغي، كنز العمال ١١/٣٣٦ ح ٣١٦٧٦ - ٣١٦٧٧، نصب الراية ٤/٣٦٣ باب البغاة، وصيّة سيّدنا علي (كرّم الله وجهه) يوم الجمل والحديث في ذلك. وغيرها من المصادر.

٣٠٦

براءته من تلك السيرة الجائرة.

سقوط حرمة الباغي وانقطاع العصمة معه

ثانيهما: التأكيد على بغي الخارج على الإمام الحقّ، وسقوط حرمته، وخروجه عن ضوابط الإيمان والإسلام الحقّ مهما كان شأنه الديني والاجتماعي، كما يشير إلى ذلك ما يأتي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفتنة.

وقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «أنا فقأت عين الفتنة. لم يكن ليجترئ عليها غيري. ولو لم أكُ فيكم ما قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان...»(١) .

وفي كتاب له (عليه السّلام) إلى معاوية: «وإنّ طلحة والزبير بايعاني، ثمّ نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردّتهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون...»(٢) .

____________________

١ - بحار الأنوار ٣٣/٣٦٦، واللفظ له، كتاب السنّة - لعبد الله بن أحمد ٢/٦٢٧، حلية الأولياء ٤/١٨٦ في ترجمة علي بن أبي طالب، السنن الكبرى - للنسائي ٥/١٦٥ كتاب المناقب، ذكر ما خصّ به علي من قتال المارقين، ثواب من قاتلهم، إلّا إنّه ذكر أهل النهروان ولم يذكر أهل الجمل، بينما ذكرهم في كتاب خصائص أمير المؤمنين/١٤٦ ما خصّ به علي من قتال المارقين، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٦٩٨ كتاب المغازي، ما ذكر في عثمان، إلّا إنّه كنّى عن عائشة وطلحة والزبير بـ: (فلان وفلان وفلان)، كنز العمال ١١/٢٩٨ ح ٣١٥٦٥، تاريخ اليعقوبي ٢/١٩٣ خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كتاب سليم بن قيس/٢٥٦. وغيرها من المصادر.

وروي مبتوراً في علل الدارقطني ٤/٢٣ مسند علي بن أبي طالب، تاريخ دمشق ٤٢/٤٧٤ في ترجمة علي بن أبي طالب.

٢ - شرح نهج البلاغة ٣/٧٥، واللفظ له، و١٤/٣٦. الإمامة والسياسة ١/٨٠ كتاب علي إلى معاوية مرّة ثانية، تاريخ دمشق ٥٩/٢٨ في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان، العقد الفريد ٤/٣٠٦ فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، خلافة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، أخبار علي ومعاوية، وقعة صفين/٢٩، المناقب - للخوارزمي/٢٠٢. وغيرها من المصادر.

٣٠٧

ولما أرادوا كتابة عهد التحكيم بعد حرب صفين قيل له (عليه السّلام): أتقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون؟ فقال (صلوات الله عليه): «ما أقرّ لمعاوية ولا لأصحابه أنّهم مؤمنون ولا مسلمون، ولكن يكتب معاوية ما شاء لنفسه وأصحابه، ويسمّي نفسه وأصحابه ما شاء»(١) .

بل ليس سقوط حرمة الباغي بهدر دمه فقط، كالزاني المحصن، بل ورد عنه (عليه السّلام) ما يناسب انقطاع العصمة بين الباغي وأهل الحقّ، فلا تجري عليه أحكام المسلمين بعد القتل مراسيم التجهيز الشرعية(٢) ، كما تجري على المسلمين.

وعلى هذا يبتني حديث الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مع معاوية. قال اليعقوبي بعد أن ذكر مقتل حجر بن عدي الكندي وجماعته (رضوان الله عليهم): "وقال معاوية للحسين بن علي (عليهم السلام): يا أبا عبد الله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك، فحنطناهم وكفناهم وصلينا عليهم ودفناهم. فقال الحسين: حججتك ورب الكعبة. لكنا والله إن قتلنا شيعتك ما كفناهم، ولا حنطناهم، ولا صلينا عليهم ولا دفناهم"(٣) .

وقيل: "ولما بلغ الحسن البصري قتل حجر وأصحابه قال: أصلوا عليهم، وكفنوهم، ودفنوهم، واستقبلوا بهم القبلة؟ قالوا: نعم. قال: حجوهم ورب الكعبة"(٤) .

____________________

(١) وقعة صفين/٥٠٩ - ٥١٠، واللفظ له، شرح نهج البلاغة ٢/٢٣٣، ينابيع المودّة ٢/٢٠.

(٢) تاريخ الطبري ٤/٦٦ أحداث سنة سبع وثلاثين من الهجرة: ذكر ما كان من خبر الخوارج. الكامل في التاريخ ٣/٣٤٨ أحداث سنة سبع وثلاثين من الهجرة: ذكر مقتل ذي الثدية. تاريخ ابن خلدون ٢ ق:٢/١٨١ أمر الخوارج وقتالهم.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢/٢٣١ وفاة الحسن بن علي، واللفظ له. الاحتجاج ٢/١٩. وسائل الشيعة ٢/٧٠٤ باب:١٨ من أبواب تغسيل الميت ح:٣.

(٤) الكامل في التاريخ ٣/٤٨٦ أحدث سنة إحدى وخمسين من الهجرة: ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهم، واللفظ له. تاريخ دمشق ٨/٢٧ في ترجمة أرقم بن عبد =

٣٠٨

حيث يظهر من ذلك أن إجراء السلطان أحكام الإسلام على من يقتله ممن لا يعترف بشرعية سلطتة يكون حجة للمقتول على السلطان، لأنه لا يجتمع مع شرعية قتله له، وأن القتل والقتال من الإمام لمناوئية متى كان بحق ولم يكن تعدياً أوجب انقطاع العصمة بينهما، وسقوط الحرمة.

وقد صرّح بذلك زهير بن القين (رضوان الله عليه) في خطبته على عسكر الأمويين قبيل معركة الطف، حيث قال: "يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار. إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم. ونحن حتى الآن أخوة، وعلى دين واحد، وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل. فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة..."(١) .

وبذلك يظهر موقف أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من جميع من قاتله في حروبه، ونظرته إليهم، وتقييمه لهم.

الخلاصة في هدفه (عليه السّلام) من تولي السلطة

والمتحصل من جميع ما سبق: أن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لم يقبل بالبيعة من أجل أن يَرجِع الحقّ إلى أهله، وتبقى السلطة في الإسلام في مسارها الذي أراده الله تعالى له. لأنه (عليه السّلام) كان على يقين من عدم تيسر ذلك، وأنه لابد من عود السلطة إلى الانحراف في مسارها.

وإنما كانت الثمرة المهمة لتوليه (عليه السّلام) الخلافة تنبيه الأمة لانحراف مسار السلطة في الإسلام، وظهور كثير من الأحكام الشرعية والحقائق التي يتوقف عليها بقاء دعوة الإسلام الحقّ، وسماع صوته، إقامة للحجة، حتى مع عود السلطة

____________________

= الله الكندي. تاريخ الطبري ٤/٢٠٧ أحدث سنة إحدى وخمسين من الهجرة: تسمية من قتل من أصحاب حجر (رحمه الله).

(١) تقدمت مصادره في/١٤١.

٣٠٩

للانحراف الذي فرض على الإسلام بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرفيق الأعلى.

قيامه (عليه السّلام) بالأمر بعد عثمان بعهد من الله تعالى

ومن الطبيعي أن ذلك كله كان بعهد إليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) .

قال (عليه السّلام) في خطبته لما بويع: "ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم. والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة، ولتغربلن غربلة، ولتساطن سوط القدر، حتى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم. وليسبقن سابقون كانوا قصرو، وليقصرن سباقون كانوا سبقو. والله ما كتمت وشمة، ولا كذبت كذبة. ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم... حق وباطل. ولكل أهل. فلئن أمر الباطل لقديماً فعل. ولئن قلّ الحقّ فلربما ولعل. ولقلما أدبر شيء فأقبل"(٢) .

وذيل هذا الكلام مشعر بيأسه (عليه السّلام) من تعديل مسار السلطة في الإسلام، وبقاء الخلافة في موضعها الذي وضعها الله عز وجل فيه بعد أن خرجت عنه وأدبرت.

كلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفتنة

وقال ابن أبي الحديد في التعقيب على كلام لأمير المؤمنين في الفتنة مذكور في نهج البلاغة: "وهذا الخبر مروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رواه كثير من المحدثين عن علي (عليه السّلام) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب عليّ جهاد المشركين. قال: فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة

____________________

(١) سورة الأنفال الآية: ٤٢.

(٢) نهج البلاغة ١/٤٧-٤٨، واللفظ له. الكافي ٨/٦٧-٦٨.

٣١٠

التي كتب عليّ فيها الجهاد؟ قال: قوم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وهم مخالفون للسنة. فقلت: يا رسول الله فعلام أقاتلهم وهم يشهدون كما أشهد؟ قال: على الإحداث في الدين ومخالفة الأمر... فقلت: يا رسول الله لو بينت لي قليل.

فقال: إن أمتي ستفتن من بعدي، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع، وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتغلب كلمة الضلال. فكن جليس بيتك حتى تقلَّده. فإذا قلِّدتها جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور. تقاتل حينئذ على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله. فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى.

فقلت: يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك، أبمنزلة فتنة أم بمنزلة رِدّة؟ فقال: بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل..."(١) ... إلى غير ذلك مما ورد عنهم (صلوات الله عليهم).

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٩/٢٠٦.

٣١١

٣١٢

المقام الثاني

في مواجهة السلطة لجهود

أمير المؤمنين (عليه السّلام) وخاصته

بعد أن استولى معاوية على السلطة، وصفت له الأمور، وظّف قدراتِ الإسلام المعنوية والمادية لصالح حكمه، وتثبيت أركانه وإرساء قواعده، بأمل قيام دولة أموية تتولى قيادة المسلمين، وتتحكم في الإسلام لصالحها وصالح أصولها الجاهلية، مهما كانت الوسائل والنتائج.

اهتمام معاوية بالقضاء على خط أهل البيت (عليهم السّلام)

وكان همه الأكبر القضاء على خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) الذي يمثل الإسلام الصحيح، ويذكر به، ويدعو له.

ويبدو أنه كان يرى في بدء الأمر أن سياسة الترغيب والترهيب تكفي في نجاح الخط الأموي، وفشل خط أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وأن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) إنما نصره من نصره رغبة ورهبة حينما كان له السلطان، وكان بمقدوره أن يضر وينفع.

أما بعد أن قتل (عليه السّلام) وخرج السلطان عنه وعن أهل بيته - بحيث لا يُخافون ولا يُرجَون - فسوف يُنسى هو وأهل البيت من بعده، وتنسى معهم دعوة الحقّ - المتمثلة بخط أهل البيت (عليهم السّلام) وتموت بموته، وينفرد معاوية في الساحة، ولا يعيقه عن تحقيق هدفه شيء.

٣١٣

إدراك معاوية قوة خط أهل البيت (عليهم السّلام) عقائدي

لكنه فوجئ بأن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قد أخذ موقعه من قلوب كثير من الناس، وتعلقوا به، وثبتوا على موالاته، والإيمان بدعوته، والتمسك به. حتى قال معاوية عنه (عليه السلام): "والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته"(١) .

وأدرك أن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) قد أرسى دعوة ذات بعد عقائدي، تهدد مشروعه، وتقف حجر عثرة في طريقه، حيث ترتفع الأصوات من حملتها بالإنكار عليه وفضحه.

ولاسيما أن خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) بما له من بُعد عقائدي يعتمد على أمور لها أهميتها في تركيز العقيدة وإرسائها وتجذره.

دعم العقل والدليل لخط أهل البيت (عليهم السّلام)

الأول: العقل والبرهان. حيث يملك الدليل الكافي على إثبات حقهم (عليهم السّلام). وقد نبّه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الناس إلى ذلك في فترة حكمه القصيرة.

ومن الأحاديث المهمة التي ذكرها (عليه السّلام) حديث الدار عند إنذار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشيرته الأقربين في بدء الدعوة، حيث أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أخوة أمير المؤمنين له صلى الله عليه وآله وسلم ووصيته وخلافته فيهم، وأمرَهم بأن يسمعوا له ويطيعوا(٢) .

____________________

(١) العقد الفريد ٢/٨٣ فرش كتاب الجمانة في الوفود: الوافدات على معاوية: وفود الزرقاء على معاوية، واللفظ له. تاريخ دمشق ٦٩/١٦٧ في ترجمة زرقاء بنت عدي بن مرة الهمدانية. بلاغات النساء/٣٤ في كلام الزرقاء بنت عدي.

(٢) تاريخ الطبري ٢/٦٣-٦٤ ذكر الخبر عما كان من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه =

٣١٤

ومنها حديث الغدير في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد روى أحمد بن حنبل عن حسين بن محمد وأبي نعيم المعني قالا: حدثنا فطر عن أبي الطفيل قال: "جمع علي (رضي الله عنه) الناس في الرحبة. ثم قال لهم: أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام. فقام ثلاثون من الناس. وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فهذا مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئ، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياً (رضي الله عنه) يقول كذا وكذ. قال: فما تنكر؟! قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك له"(١) .

وهذه المناشدة للناس مشهورة بين رجال الحديث تعرضنا لبعض الكلام فيها في جواب السؤال السابع من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة).

وقد دعم جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في ذلك جماعة من أكابر الصحابة ممن كان معه سواءً كان ذلك منهم أيام عثمان - كما ذكرناه آنفاً - أم بعده في عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام). ومن ذلك استجابتهم له في مناشدة الرحبة.

بل دعمه بعد ذلك بعض من لم يكن معه ولا على خطه من الصحابة، بعد أن أصيبوا بالإحباط، واستشعروا الوهن، لتولي معاوية الأمر وتقدمه عليهم،

____________________

= بإرسال جبرئيل (عليه السّلام) إليه بوحيه. الكامل في التاريخ ٢/٦٣ ذكر أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بإظهار دعوته. تاريخ دمشق ٤٢/٤٩، ٥٠ في ترجمة علي بن أبي طالب. شرح نهج البلاغة ١٣/٢١٠-٢١١. كنز العمال ١٣/١١٤ ح:٣٦٣٧١،/١٣١-١٣٣ ح:٣٦٤١٩. وغيرها من المصادر.

وقد أبدل ابن كثير في تفسيره (٣/٣٦٤) وصيي وخليفتي بـ (كذا وكذ)، وكذا فعل في كتابه البداية والنهاية (٣/٥٣) باب الأمر بإبلاغ الرسالة. وقد سبقه في ذلك الطبري في تفسيره (١٩/١٤٩) مع أنه رواه في تاريخه بدون تصرف.

(١) مسند أحمد ٤/٣٧٠ حديث زيد بن أرقم (رضي الله عنه).

٣١٥

فنشروا كثيراً من مناقب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الشاهدة بحقه وحق أهل بيته (عليهم السلام)، كرد فعل على ابتزاز معاوية للخلافة.

وأحد هؤلاء سعد بن أبي وقاص الذي كان ينال من أمير المؤمنين (عليه السّلام) في عهد رسول الله(١) صلى الله عليه وآله وسلم، وامتنع من بيعته حينما بايعه المسلمون بعد مقتل عثمان(٢) ، وكان ثالث ثلاثة تظاهروا عليه (عليه السّلام) في الشورى لصالح عثمان الذي صارت خلافته سبباً لنفوذ الأمويين. حتى انتهى الأمر إلى خلافة معاوية وتقدمه عليه وعلى غيره من المهاجرين والأنصار، ورأى بعينه سوء عاقبة مواقفه، فروى كثيراً من مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام). كما يظهر بالرجوع للمصادر الكثيرة(٣) .

____________________

(١) الأحاديث المختارة ٣/٢٦٧ فيما رواه مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه (رضي الله عنه). مجمع الزوائد ٩/١٢٩ كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه. مسند أبي يعلى ٢/١٠٩ مسند سعد بن أبي وقاص. تاريخ دمشق ٤٢/٢٠٤ في ترجمة علي بن أبي طالب. البداية والنهاية ٧/٣٨٣ أحداث سنة أربعين من الهجرة: شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر.

(٢) تاريخ الطبري ٣/٤٥٤ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة: خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أنساب الأشراف ٣/٧ بيعة علي بن أبي طالب (عليه السّلام). الكامل في التاريخ ٣/١٩١ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة: ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. البداية والنهاية ٧/٢٥٣ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة: ذكر بيعة علي (رضي الله عنه) بالخلافة. تاريخ ابن خلدون ١/٢١٤. الفتوح لابن أعثم ٤/٤٤٠ ذكر من فشل عن البيعة وقعد عنه. شرح نهج البلاغة ٤/٩. وغيرها من المصادر.

(٣) راجع صحيح مسلم ٧/١٢٠ كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل علي (رضي الله عنه)، ومسند أحمد ١/١٨٢ في مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه)، والمستدرك على الصحيحين ٣/٤٩٩-٥٠٠ كتاب معرفة الصحابة (رضي الله عنهم): مناقب سعد بن أبي وقاص، والسنن الكبرى ٥ كتاب الخصائص/١٠٨ ذكر منزلة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)،/١١٨، ١١٩ ذكر قوله صلى الله عليه وآله وسلم ما أنا أدخلته وأخرجتكم بل الله أدخله وأخرجكم، وسنن ابن ماجة ١/٤٥ باب اتباع سنة رسول (صلى الله عليه وسلم): فضل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ومجمع الزوائد ٩/١٠٧ كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب: باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه، والمصنف لابن أبي شيبة ٧/٤٩٦ كتاب الفضائل: فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وكتاب السنة لابن أبي عاصم/٥٩٥، ٥٩٦، ٦١٠، ومسند أبي يعلى =

٣١٦

انشداد الناس عاطفياً لخط أهل البيت (عليهم السّلام)

الثاني: العاطفة، لما لأهل البيت (صلوات الله عليهم) من المكانة السامية في نفوس المسلمين، لقربهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولمؤهلاتهم الشخصية، ومثاليتهم العالية، الموجبة لانشداد الناس لهم.

خصوصاً بعد مرور تجربة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الحكم، وما استتبعها من أسباب تعلق الناس به التي تقدم التعرض لها.

ويزيد في ذلك ابتناء حكم معاوية على التجبر والطغيان والظلم والاستئثار، حيث يذكّر ذلك بعدل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، بنحو يوجب انشداد الناس له ولنهجه، والتنفر من معاوية ونهجه، ويتجلى به الفرق بين النهجين. (والضد يظهر حسنه الضد).

ظهور فشل نظرية عدم النص في الخلافة

الثالث: ظهور فشل نظرية عدم النص في الخلافة. فقد ظهر للعيان تردي الأوضاع حتى انتهت الخلافة إلى معاوية، وهو من الطلقاء، واستولى الأمويون ذوو الأثر السيء في الإسلام في عهده وعهد عثمان - من قبله - على مقدرات الإسلام والمسلمين، وانتهكوا من الحرمات ما لا يحصى.

كلّ ذلك بسبب انفراط أمر الخلافة، وعدم تحديد ضوابطها بعد خروجها بالقوة عن موضعها الذي جعله الله عز وجل فيه.

____________________

= ٢/١٠٩، ١٣٢ مسند سعد بن أبي وقاص، والدر المنثور ٢/٣٩، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.

٣١٧

تنبؤ سيدة النساء فاطمة (عليه السّلام) وغيرها بنتائج الانحراف

وسبق من سيدة النساء فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) أن قالت في مبدأ الانحراف، بعد التحاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى، وافتتان الأمة، وخروج الخلافة عن موضعها الذي وضعها الله تعالى فيه: "أما لعمرُ الله لقد لَقِحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقر. هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن أنفسكم نفس، واطمئنوا للفتنة جأش، وابشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً..."(١) .

وعن عبد الله بن عمر أنه قال: "لما بايع الناس أبا بكر سمعت سلمان الفارسي يقول: كرديد ونكرديد. أما والله لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فلما سمعت سلمان يقول ذلك أبغضته، وقلت: لم يقل هذا إلا بغضاً منه لأبي بكر". قال: "فأبقاني الله حتى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر رسول الله. فقلت: رحم الله أبا عبد الله. لقد قال ما قال بعلم كان عنده"(٢) .

وفي حديث أبي الأشعث الصنعاني أن ثمامة كان على صنعاء، وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فلما جاء نعي عثمان بكى بكاءً شديد، فلما أفاق قال: "هذا حين انتزعت خلافة النبوة من آل محمد وصارت ملكاً وجبرية، من غلب على كلّ شيء أكله"(٣) .

فإن ذلك يؤكد صدق مدعي النص. ولاسيما بعد كون المنصوص عليه

____________________

(١) راجع ملحق رقم (٢).

(٢) الإيضاح/٤٥٧-٤٥٨.

(٣) تاريخ دمشق ١١/١٥٨ في ترجمة ثمامة بن عدي القرشي.

٣١٨

هم أهل البيت (صلوات الله عليهم)، الذين هم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخصهم به، وأعلمهم بالدين، وأحرصهم عليه، وأكملهم تطبيقاً له وعملاً به، وتفاعلاً معه.

وأولهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي رأوا في تجربته الحفاظ على الضوابط الدينية، والعدل والمثالية، ونشر المعارف الدينية، وظهور المعاجز والكرامات على يديه، ودعم التسديدات الإلهية له... إلى غير ذلك، بحيث يصلح عهده لأن يكون امتداداً للعهد النبوي الشريف.

انتشار التشيع إذا لم تزرع الألغام في طريقه

وهذه الأمور بمجموعها تقتضي تقبل المسلمين لدعوة التشيع وانتشارها بينهم إذا لم تزرع الألغام في طريقها وتوضع المعوقات أمامه.

وكأنه لذلك قال الإمام الصادق (صلوات الله عليه) - في حديث سليمان بن خالد: "إذا أراد الله بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة بيضاء، فجال القلب يطلب الحقّ، ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره"(١) . وقريب منه غيره.

الألغام التي زرعها معاوية في طريق التشيع

وبعد أن أدرك معاوية ذلك، وعرف حجم المشكلة التي تواجهه بأبعادها المتقدمة، فقد سلك في سبيل تنفيذ مخططه، والقضاء على خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) والوقوف في وجه دعوتهم وتطويقها طريقين:

____________________

(١) المحاسن/٢٠١، واللفظ له. بحار الأنوار ٥/٢٠٤.

٣١٩

التنكيل بالشيعة

الأول: التنكيل بالشيعة وإسقاط حرمتهم كمسلمين، بحرمانهم من العطاء، وقتلهم، والتمثيل بهم، وسجنهم، وتشريدهم، وهدم دورهم... إلى غير ذلك مما تعرض له المؤرخون والباحثون عن سيرة معاوية والأمويين عموم. وقد أغرقوا في ذلك، حتى ورد عن أبي عبد الرحمن المقرئ أنه قال: "كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه"(١) . وهو من الشيوع والوضوح بحيث لا ينبغي إطالة الكلام هنا في ذكر مفرداته. ولاسيما أنها أكثر من أن تستقصى.

أثر التنكيل بالشيعة على التشيع

وهذا وإن عاق نشر مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم) مؤقت، إلا أنه حيث لم يقض عليه، لكثرة الشيعة وإصرارهم، فقد خدمه على الأمد البعيد. لأن الظلامة والتضحيات تمنح دعوة الحقّ قوة ورسوخاً وفخر، وتوجب تعاطف الناس معه. خصوصاً إذا صدرت الظلامة من مثل الأمويين الذين عمّ ظلمهم، واستهتروا بالدين، فأبغضهم عامة المسلمين.

عود التحجير على السنة النبوية

الثاني: ما جرى عليه الأولون من التحجير على السنة النبوية. فعن عبد الله بن عامر اليحصبي قال: "سمعت معاوية على المنبر بدمشق يقول: أيها الناس إياكم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا حديث كان يذكر على عهد عمر. فإن

____________________

(١) تاريخ دمشق ٤١/٤٨١ في ترجمة علي بن رباح، واللفظ له. تهذيب الكمال ٢٠/٤٢٩ في ترجمة علي بن رباح بن قصير. سير أعلام النبلاء ٥/١٠٢ في ترجمة علي بن رباح. تاريخ الإسلام ٧/٤٢٧ في ترجمة علي بن رباح. تهذيب التهذيب ٧/٢٨١ في ترجمة علي بن رباح. الوافي بالوفيات ٢١/٧٢ في ترجمة اللخمي المصري علي بن رباح. وغيرها من المصادر.

٣٢٠