فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها2%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 290907 / تحميل: 7130
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

عمر (رضي الله عنه) كان رجلاً يخيف الناس في الله..."(١) .

ومن كلامه: "يا أيها الناس أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأنتم متحدثون لا محالة فتحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر..."(٢) .

وليس معنى التحجير المذكور الاقتصار على عدم رواية الأحاديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم، كما تضمنه هذا الحديث، بل جعل رواية الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم في خدمة مخطط معاوية ولو كان كذباً وافتراءً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. نظير ما حصل قبل ذلك، على ما سبق التعرض له. بل ربما يزيد عليه.

وذلك بأمور:

المنع من رواية الأحاديث المؤيدة لخط أهل البيت (عليهم السّلام)

أولها: المنع من رواية الأحاديث التي تخدم خط أهل البيت (عليهم السلام)، بذكر مناقبهم وفضائلهم، أو مثالب أعدائهم وسلبياتهم، كما يأتي في كلام المدائني ونفطويه وغيرهم.

بل بلغ الحال أن معاوية حاول بالترهيب والترغيب منع ابن عباس - مع ما له من مكانة علمية واجتماعية - من الحديث وتفسير القرآن المجيد على ما يناسب تفسير أهل البيت (صلوات الله عليهم) له.

____________________

(١) المعجم الكبير ١٩/٣٧٠ في ما رواه عبد الله بن عامر اليحصبي القارئ عن معاوية، واللفظ له. مسند أحمد ٤/٩٩ حديث معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه). صحيح ابن حبان ٨/١٩٤ كتاب الزكاة: باب المسألة والأخذ وما يتعلق به من المكافأة والثناء والشكر: ذكر الزجر عن أن يأخذ المرء شيئاً من حطام هذه الدني. تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة ١/١٤٣ ح:١٢٩. وكذا في صحيح مسلم ٣/٩٥ كتاب الزكاة: باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له، مع تصرف.

(٢) مسند الشاميين ٣/٢٥١ فيما رواه يونس بن ميسرة عن معاوية، واللفظ له. تاريخ دمشق ٢٦/٣٨٢ في ترجمة العباس بن عثمان بن محمد أبي الفضل البجلي. الكامل لابن عدي ١/٥. كنز العمال ١٠/٢٩١ ح:٢٩٤٧٣.

٣٢١

محاورة معاوية مع ابن عباس

ففي حديث سليم بن قيس عن حوار بين معاوية وابن عباس قال: "قال معاوية: فإنا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكفّ لسانك يا ابن عباس، وأربع على نفسك.

فقال له ابن عباس: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: ل. قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم. قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟! قال: نعم. قال: فأيما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال: العمل به. قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علين؟! قال: سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك. قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي، فأسأل عنه آل أبي سفيان، أو أسأل عنه آل أبي معيط، أو اليهود والنصارى والمجوس؟!.

قال له معاوية: فقد عدلتنا بهم، وصيرتنا منهم. قال له ابن عباس: لعمري ما أعدلك بهم. غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن، وبما فيه من أمر ونهي، أو حلال أو حرام، أو ناسخ أو منسوخ، أو عام أو خاص، أو محكم أو متشابه. وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهو.

قال معاوية: فاقرؤوا القرآن وتأولوه. ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم من تفسيره، وما قاله رسول الله فيكم، وارووا ما سوى ذلك. قال ابن عباس: قال الله في القرآن:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .

قال معاوية: يا ابن عباس، اكفني نفسك، وكف عني لسانك. وإن كنت لابد فاعلاً فليكن ذلك سر، ولا يسمعه أحد منك علانية. ثم رجع إلى منزله، فبعث إليه بخمسين ألف درهم"(١) .

____________________

(١) كتاب سليم بن قيس/٣١٥-٣١٦، واللفظ له. بحار الأنوار ٤٤/١٢٤-١٢٥.

٣٢٢

وقد تقدم(١) عند الكلام في ردود الفعل لفاجعة الطف التعرض لشكوى الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من ذلك في المؤتمر الذي عقده في الحج في أواخر أيام معاوية، ومحاولته (عليه السّلام) الرد عليه ببيان فضائل أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ثم طلب روايتها ونشرها ممن حضر المؤتمر من مختلف بلاد المسلمين.

وقد تمّ على الأمد البعيد التغلب على هذه المشكلة، لأن فضائل أهل البيت عموماً وأمير المؤمنين (عليه السّلام) خصوص، من الكثرة والظهور بحيث يتعذر إخفاؤه، ومقامهم (صلوات الله عليهم) من الرفعة والجلالة بحيث لا يمكن تجاهله أو الحط منه.

وإن لم يبعد أن يكون قد ضاع من فضائلهم (عليه السّلام) ومناقبهم الكثير. خصوصاً على الجمهور، بحكم المعايير التي جروا عليها أخيراً في انتقاء الحديث، ولإعراضهم عن ثقافة أهل البيت (صلوات الله عليهم).

افتراء الأحاديث القادحة في أهل البيت (عليهم السّلام)

ثانيها: افتراء الأحاديث القادحة في أهل البيت (صلوات الله عليهم)، خصوصاً أمير المؤمنين (عليه السّلام). وقد ظهر من ذلك حديث موضوع كثير.

قال ابن أبي الحديد: "وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي (رحمه الله تعالى) - وكان من المتحققين بموالاة علي (عليه السّلام)... - أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السّلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله. فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير..." ثم ذكر بعض النماذج من ذلك(٢) .

____________________

(١) راجع/١٠٤-١٠٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤/٦٣ وما بعده.

٣٢٣

موقف الجمهور من الأحاديث المذكورة

لكن الظاهر أن رفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) حملت الجمهور على ترك روايتها وتدارسه، لأنها صارت عاراً على أحاديث الجمهور، ونقطة ضعف فيه، تستغل ضده، وتكون سبباً للتشنيع عليه.

ولاسيما مع التزام الجمهور بعد ذلك بعدالة جميع الصحابة - بمعنى كلّ من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين وسمع حديثه - وتوثيقهم لكثر ممن روى تلك الأحاديث من التابعين.

لظهور أن تلك الأحاديث تكشف عن كذب الراوي لها من الصحابة، أو كذب الراوي لها من التابعين ممن ذهب الجمهور إلى توثيقه والاعتماد على حديثه، فأهملت تلك الروايات نوعاً في كتب الحديث.

ولم يبق منها إلا ما قد يعثر عليه المتتبع في بعض كتب التاريخ أو الاحتجاج أو التراجم أو غيرها مما تضمن ذكره، لا من أجل الاهتمام بروايتها وتدارسه، بل لغرض آخر. ولا يوجد منها في كتب الحديث إلا ما ندر.

قال ابن أبي الحديد: "وأما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء. إنما وليي الله وصالح المؤمنين"(١) .

نعم يبدو أن بشاعة الحديث، وذهاب الجمهور أخيراً إلى عدالة جميع الصحابة، وتعظيمهم للصحيحين، وحكمهم بصحة جميع رواياتهم، كلّ ذلك اضطر المتأخرين إلى حذف كلمة (طالب) وجعل موضعها بياضاً(٢) ، أو إثبات

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤/٦٤.

(٢) كما في صحيح البخاري ٧/٧٣ كتاب الأدب.

٣٢٤

(فلان) بدلها(١) . ولابن حجر كلام طويل حول ذلك. فليراجع(٢) .

ومن هنا لم يكن لهذه المحاولة أثر مهمّ يمنع من انتشار التشيع، إلا في مثل بلاد الشام أيام الأمويين، حيث كانت معزولة عن العالم الإسلامي ثقافي، أو في البلاد البعيدة عن عواصم الثقافة الإسلامية في ظروف اشتداد الضغط الأموي، بحيث يمنع من انتشار ثقافة غير الأمويين بين عامة الناس، من دون أن يمنع من انتشار التشيع على الأمد البعيد.

افتراء الأحاديث في فضل الصحابة والخلفاء الأولين

ثالثها: افتراء الأحاديث في فضل الصحابة الذين هم على خلاف خط أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وخصوصاً الخلفاء الأولين.

ففي حديث للإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه أفضل الصلاة والسلام) بعد أن أكد على نصّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الخلافة، واستعرض ما جرى عليهم وعلى شيعتهم ومواليهم من الظلم وانتهاك الحرمات حتى قتل الإمام الحسين (عليه السّلام)، قال:

"ثم لم نزل - أهل البيت - نستذل ونستضام، ونقصى ونمتهن، ونحرم ونقتل ونخاف، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائن. ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كلّ بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله، ليبغضونا إلى الناس.

وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السّلام)... وحتى صار

____________________

(١) صحيح مسلم ١/١٣٦ كتاب الإيمان: باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم.

(٢) فتح الباري ١٠/٣٥٢.

٣٢٥

الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعاً صدوقاً - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منه، ولا كانت ولا وقعت، وهو يحسب أنها حق، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب، ولا بقلة ورع"(١) .

وقال ابن أبي الحديد: "وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب (الأحداث)، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علي، ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته... وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.

وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يرون [يروون.ظ] فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إليّ بكل ما يروي كلّ رجل منهم، واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي. فكثر ذلك في كلّ مصر. وتنافسوا في المنازل والدني. فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه. فلبثوا بذلك حيناً.

ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر، وفي كلّ وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ١١/٤٣، ٤٤. النصائح الكافية/١٥٢-١٥٣.

٣٢٦

ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في فضل أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة. فإن هذا أحب إلي وأقرّ لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم، من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة له. وجـدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر. وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله... فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر. ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.

وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث، ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل.

حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووه، وهم يظنون أنها حق. ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا به...".

قال ابن أبي الحديد بعد أن ذكر كلام المدائني بطوله: "وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه - وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم - في تاريخه ما يناسب هذا الخبر. وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية، تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم"(١) .

ويبدو أن بعض رجال الجمهور قد أدرك ذلك. فهذا الفيروزآبادي صاحب القاموس يقول: "باب فضائل أبي بكر الصديق (رضي الله عنه). أشهر المشهورات

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ١١/٤٤-٤٦.

٣٢٧

من الموضوعات إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة، وحديث: ما صبّ الله في صدري شيئاً إلا وصبّه في صدر أبي بكر، وحديث: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشتاق الجنة قبل شيبة أبي بكر، وحديث: أنا وأبو بكر كفرسي رهان، وحديث: إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر. وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل"(١) . وذكر نحوه العجلوني(٢) .

كما ذكر السيوطي ما يقرب من ثلاثين حديثاً في فضائل أبي بكر وحكم فيها بالوضع(٣) .

ومن الطبيعي أن ذلك من معاوية يستتبع كتمان أحاديث المثالب في الصحابة والامتناع أو المنع من تدارسها ونشره، بل تكذيبها واستهجانها.

كما أن من المعلوم أن المراد بالصحابة هم الذين على خلاف خط أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ممن قاد عملية الانقلاب عليهم، وحرف مسار السلطة في الإسلام ومن سار في ركابهم. وفيهم جماعة كبيرة من المنافقين والمؤلفة قلوبهم وممن لم يسلم إلا رغبة أو رهبة.

وقد ذكرنا آنفاً أن وضع الأحاديث لصالح هذه الجماعة قد بدأ في العهود الأولى، كما يظهر من كلام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) - المتقدم في أوائل المبحث الأول - وغيره.

وكان له أعظم الأثر في احترام هذه الجماعة، بل تقديسها والتدين بموالاته، والتغاضي عن سلبياتها وتجاهله، أو تكذيبه، أو تكلف توجيهه، بحيث لا يمنع من احترامها وتقديسها.

____________________

(١) سفر السعادة/١٤٣ خاتمة الكتاب.

(٢) كشف الخفاء ٢/٤١٩-٤٢٠.

(٣) اللآلي المصنوعة ١/٢٦١-٢٧٥ مناقب الخلفاء الأربعة.

٣٢٨

وقد أدرك معاوية أهمية ذلك في مقاومة دعوة أهل البيت (صلوات الله عليهم) كما يظهر من كلامه المتقدّم؛ لأنّ مقاومة الدين بالدين أشدّ تأثيراً عليه وصداً له من مقاومته بالدنيا؛ فحاول تأكيد ذلك وتركيزه بحمل الناس على الإكثار من وضع الأحاديث في الاتجاه المذكور، ولاسيما مع وجود الأرضية الصالحة لتقبّله، بسبب كثرة الفتوح في عهد الأوّلين وتدهور الأوضاع بعد ذلك كما سبق.

بل كلّما تعاقبت الأجيال وامتدّ الزمن زادت أهمّية الموروثات العقائدية، وتجذّرت في النفوس، واشتدّ التعصّب له، والإصرار على تجاهل سلبياته، والتغاضي عن الأدلّة المضادّة لها.

وهذه الخطوة من معاوية في غاية الأهمية والخطورة من جهتين:

تقديس الأوّلين يقف حاجزاً دون تقبّل النصّ

الجهة الأولى: إنّها تقف حاجزاً دون تقبّل النصّ في الإمامة واستحقاق أهل البيت (صلوات الله عليهم) له كما سبق.

وقد كان معاوية - قبل رواية هذه الأحاديث وتأثيرها في تأكيد قدسية الأوّلين وشرعية خلافتهم، نظام الخلافة الذي جروا عليه عند جمهور المسلمين، - يحاول أن يشنّع على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في كتبه إليه؛ لموقفه من الأوّلين، كما ذكرنا بعض مفردات ذلك في جواب السؤال الثالث من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).

وكذلك فعل مع الإمام الحسن (عليه السّلام) حينما أشار (صلوات الله عليه) في كتابه إليه إلى تظاهر قريش على أهل البيت، والشكوى من ذلك، فقد كتب إليه معاوية في جوابه: وذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده، فصرّحت بتهمة أبي بكر

٣٢٩

الصديق وعمر، وأبي عبيدة وصلحاء المهاجرين؛ فكرهت لك ذلك...(١) .

وكتب إليه في جواب كتاب آخر له (عليه السّلام) يتضمّن أيضاً الشكوى من تظاهر قريش: وذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتنازع المسلمين الأمر بعده، وتغلّبهم على أبيك، فصرّحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق، وأبي عبيدة الأمين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصلحاء المهاجرين والأنصار؛ فكرهت ذلك لك؛ إنّك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين ولا المسيء ولا اللئيم، وأنا أحبّ لك القول السديد والذكر الجميل(٢) .

وإذا كان الردّ هكذا مع أمير المؤمنين والإمام الحسن (صلوات الله عليهم) قبل ظهور هذه الروايات المفتعلة، ومع علم جميع الأطراف كيف جرت الأمور، فكيف يكون الردّ على شيعتهم الذين أُسقطت حرمتهم، واتهموا بالتآمر على الدين، والخروج عن جماعة المسلمين في دعوتهم مع البعد الزمني عن الأحداث، ومحاولة تحريفها عن حقيقتها، وبعد ظهور الكمّ الهائل من الروايات المفتعلة التي كثفت هالة الإجلال والتقديس للأوّلين وخلافتهم حتى صارت خلافتهم وتقديسهم ديناً يتديّن به؟!

وكيف يسهل مع ذلك على جمهور المسلمين التجرّد عن التراكمات والموروثات، والنظر بموضوعية في النصوص الدالّة على اختصاص الإمامة بأئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وبقيّة الشواهد والقرائن المؤيّدة لذلك، وفي السلبيّات المترتبة على تركه؟!

ضعف غلواء تقديس الشيخين في أواخر العهد الأموي

نعم، لا يبعد أن تكون غلواء التقديس للشيخين قد خفّت في أواخر

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٦/٢٥.

٢ - شرح نهج البلاغة ١٦/٣٥، واللفظ له، مقاتل الطالبيين/٣٦.

٣٣٠

العهد الأموي؛ لأنّ ظلم الأمويين وطغيانهم وسوء سلطانهم، واستهتارهم بالدين والقيم، كلّ ذلك بغّضهم للناس، وكان سبباً في تخفيف احترام المبادئ التي يتبنّونها، ومنها هذا التقديس الذي أكّدوا عليه.

كما إنّ ظلمهم لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ولشيعتهم أوجب تعاطف الناس معهم، وسماعهم منهم، وتفاعلهم بوجهة نظرهم.

ولذا ظهر جماعة من العلماء والرواة في هذه الفترة ممّن يحترمهم الجمهور - في الجملة - يعرفون بالتشيّع، بل قد يُنسب لجماعة منهم النيل من الصحابة، ولبعضهم القدح بالشيخين خاصة، وقد ذكرنا جماعة منهم في جواب السؤال الثاني من الجزء الأوّل من كتابنا (في رحاب العقيدة).

مهاجمة العباسيين للأوّلين في بدء الدعوة

ولولا ذلك لما استطاع العباسيون أن يُقيموا أساس دعوتهم على استحقاقهم الخلافة بالقرابة وعلى الطعن في الشيخين، ويصرّحوا بعدم شرعية خلافة الأوّلين في بدء قيام دولتهم.

فقد دخل محمد المهدي بن المنصور العباسي على أبي عون عبد الملك بن يزيد عائداً له في مرضه - وكان من قدماء شيعة بني العباس، وحملة دعوتهم، والمشاركين في تشييد دولتهم - فأعجبه ما رآه منه وسمعه.

قال أبو جعفر الطبري: وقال: أوصني بحاجتك، وسلني ما أردت، واحتكم في حياتك ومماتك...، فشكر له أبو عون ودعا له، وقال: يا أمير المؤمنين حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون وتدعو به؛ فقد طالت موجدتك عليه. قال: فقال: يا أبا عون، إنّه على غير الطريق، وعلى خلاف رأينا ورأيك. إنّه يقع في الشيخين أبي بكر وعمر، يسيء القول فيهم. قال: فقال أبو عون: هو والله

٣٣١

يا أمير المؤمنين على الأمر الذي خرجنا عليه، ودعونا إليه. فإن كان قد بدا لكم فمرونا بما أحببتم؛ حتى نطيعكم(١) .

ولمّا انتصر جيش الدعوة العباسية ودخل الكوفة، وبويع أبو العباس السفاح، تكلّم داود بن علي - وهو على المنبر أسفل من أبي العباس بثلاث درجات - فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه والله ما كان بينكم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خليفة إلّا علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين هذا الذي خلفي(٢) .

وخطب أبو مسلم الخراساني في السنة التي حجّ فيها في خلافة السفّاح خطبة طويلة، ومنها قوله: ثمّ جعل الحقّ بعد محمد (عليه السّلام) في أهل بيته، فصبر من صبر منهم بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه)على اللأواء والشدّة، وأغضى على الاستبداد والأثرة.... والله، ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قطّ، ومازلتم بعد نبيّه تختارون تيميّاً مرّة، وعدويّاً مرّة، وأمويّاً مرّة، وأسديّاً مرّة، وسفيانيّاً مرّة، ومروانيّاً مرّة... ألا إنّ آل محمد أئمّة الهدى، ومنار سبيل التقى...(٣) .

____________________

١ - تاريخ الطبري ٦/٤٠١ أحداث سنة تسع وستين ومئة من الهجرة، ذكر بعض سير المهدي وأخباره، واللفظ له، تاريخ دمشق ٣٧/١٨١ في ترجمة عبد الملك بن يزيد أبي عون الأزدي.

٢ - تاريخ الطبري ٦/٨٧ أحداث سنة مئة واثنين وثلاثين من الهجرة، خلافة أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٥/٤١٦ أحداث سنة مئة واثنين وثلاثين من الهجرة، ذكر ابتداء الدولة العباسية وبيعة أبي العباس، أنساب الأشراف ٤/١٨٦ أمر قحطبة، عيون الأخبار ٢/٢٥٢ كتاب العلم والبيان: الخطب: خطبة لداود بن علي، مروج الذهب ٣/٢٤٨ - ٢٤٩ ذكر الدولة العباسية ولمع من أخبار مروان ومقتله وجوامع من حروبه وسيره: قول الراوندية في الخلافة، شرح نهج البلاغة ٧/١٥٥، وغيرها من المصادر.

٣ - شرح نهج البلاغة ٧/١٦١ - ١٦٢.

٣٣٢

تراجع المنصور وتقديمه للشيخين

إلا إنّ المنصور الدوانيقي - الذي اشتدّ في القسوة مع العلويين - هو أوّل مَنْ تراجع منهم عن ذلك، فأقرّ خلافة الشيخين وتقديمهم، وإن كان ذلك لا يتناسب مع أُسس الدعوة العباسية كما هو ظاهر.

ويبدو أنّ إقدام المنصور على ذلك ليس من أجل ضغط الجمهور؛ لقوّة ولائهم للأوّلين، بل من أجل ثورات الحسنيين، بحجّة أنّهم الأقرب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّهم من ذريّة أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي هو أوّل الخلفاء من الهاشميين، وظهور دعوى النصّ القاضي بإمامة خصوص أهل البيت من بني هاشم وغير ذلك.

فرأى المنصور أنّه بتقديم الشيخين، وإقرار خلافتهما، والتركيز على تقديسهما - كما صنع معاوية - يحيي دعوة الخطّ الموالي لهما ويستقطبه؛ لتقف في وجه العلويين، كما تقف حجر عثرة أمام دعوى النصّ المذكور؛ فقد قال: والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي(١) .

وبذلك تأكّدت شرعية خلافة الشيخين واحترامهما وتقديسهما، وبدأ عهد تدوين السنّة النبوية على الصعيد العام، وظهرت المقالات والفرق، واشتدّ الضغط على أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وعلى الطالبيين عموماً، وعلى شيعتهم من قبل السلطة العباسية.

اعتراف المنصور ومَنْ بعده بشرعية خلافة الأمويين

بل يبدو إغراق المنصور ومَنْ بعده من حكّام العباسيين في ذلك، فأخذوا يعترفون بشرعية خلافة الأمويين بعد أن أمنوا منازعتهم لهم في السلطة؛ وذلك لتأكيد شرعية الخلافة بالقوّة من أجل إضعاف موقف العلويين.

____________________

١ - منهاج الكرامة/٦٩، واللفظ له، الصراط المستقيم ٣/٢٠٤.

٣٣٣

فعن منصور بن مزاحم أنّه قال: سمعت أبا عبيد الله يقول: دخلت على أبي جعفر المنصور يوماً، فقال: إنّي أُريد أن أسألك عن شيء؛ فاحلف بالله أنّك تصدّقني. قال: فرماني بأمر عظيم؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، وأدين الله بغير طاعتك وصدقك؟! أو أستحلّ أن أكتمك شيئاً علمته؟! فقال: دعني من هذا. والله لتحلفنّ. قال: فأشار إليّ المهدي أن أفعل؛ فحلفت.

فقال: ما قولك في خلفاء بني أمية؟ فقلت: وما عسيت أن أقول فيهم؟ إنّه مَنْ كان منهم لله مطيع، وبكتابه عامل، ولسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم متّبع؛ فإنّه إمام يجب طاعته ومناصحته، ومَنْ منهم على غير ذلك فلا.

فقال: جئت بها - والذي نفسي بيده - عراقية. هكذا أدركت أشياخك من أهل الشام يقولون؟ قلت: لا. أدركتهم يقولون: إنّ الخليفة إذا استخلف غفر الله له ما مضى من ذنوبه. فقال لي المنصور: إي والله، وما تأخّر من ذنوبه.

أتدري ما الخليفة؟ سبيله ما يُقام به من الصلاة، ويحجّ به البيت، ويجاهد به العدو. قال: فعدّد من مناقب الخليفة ما لم أسمع أحداً ذكر مثله.

ثمّ قال: لو عرفت من حقّ(١) الخلافة في دهر بني أُمية ما أعرف اليوم لرأيت من الحقّ أن آتي الرجل منهم حتى أضع يدي في يده، ثمّ أقول: مرني بما شئت. فقال له المهدي: فكان الوليد منهم؟ فقال: قبّح الله الوليد، ومَنْ أقعد الوليد خليفة. قال: فكان مروان منهم؟ فقال أبو جعفر: مروان؟ لله درّ مروان. ما كان أحزمه وأمرسه وأعفّه عن الفيء. قال: فلِمَ لمتموه وقتلتموه؟ فقال: للأمر الذي سبق في علم الله(٢) .

____________________

١ - أثبتنا هذه العبارة من تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء لوجود خلل في هذا الموضع من النصّ المطبوع من تاريخ دمشق.

٢ - تاريخ دمشق ٥٧/٣٣٣ في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، واللفظ له، سير أعلام =

٣٣٤

ومراد المهدي بالوليد هو الوليد بن يزيد الخليع الماجن، والذي برر ابن عمّه يزيد بن الوليد قتله بإلحاده وأفعاله(١) .

لكن قال شبيب بن شيبة: كنّا جلوساً عند المهدي، فذكروا الوليد، فقال المهدي: كان زنديقاً. فقام أبو علاثة الفقيه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الله (عزّ وجلّ) أعدل من أن يولّي خلافة النبوّة وأمر الأمّة زنديقاً. لقد أخبرني مَنْ كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته وصلاته، فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليها المطايب المصبّغة، ثمّ يتوضأ...، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب فلبسها، واشتغل بشربه ولهوه. فهذا فعال مَنْ لا يؤمن بالله. فقال المهدي: بارك الله عليك يا أبا علاثة(٢) .

ويبدو أنّ المهدي قد أقنع نفسه بذلك وجرى عليه. فقد قال البلاذري: وقال أمير المؤمنين المهدي وذكر الوليد: رحمه الله، ولا رحم قاتله؛ فإنّه كان ممّا مجتمعاً عليه. وقيل له: إنّ الوليد كان زنديقاً. فقال: إنّ خلافة الله أعزّ

____________________

= النبلاء ٦/٧٦ في ترجمة مروان بن محمد بن عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص، تاريخ الإسلام ٨/٥٣٥ - ٥٣٦ في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، وج ١٠/٥٥٠ في ترجمة أبي عبيد الله وزير المهدي وكاتبه، إلّا إنّه لم يذكر كلام المهدي، وغيرها من المصادر.

١ - الكامل في التاريخ ٥/٢٩١ - ٢٩٢ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، ذكر بيعة يزيد بن الوليد الناقص، تاريخ الطبري ٥/٥٧٠ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، البداية والنهاية ١٠/١٥ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك، تاريخ خليفة بن خياط/٢٩٠ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، خطبة يزيد بن الوليد طلباً للبيعة، تاريخ الإسلام ٨/٣١١ - ٣١٢ في ترجمة يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، وغيرها من المصادر.

٢ - الكامل في التاريخ ٥/٢٩١ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، واللفظ له، تاريخ ابن خلدون ٣/١٠٦ مقتل الوليد وبيعة يزيد، الأغاني ٧/٨٣ أخبار الوليد بن يزيد ونسبه وكنيته، دافع عنه ابن علاثة الفقيه لدى المهدي، نهاية الأرب في فنون الأدب ٢١/٢٩٥ - ٢٩٦ أحداث سنة (١٢٦) هـ، ذكر مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وشيء من أخباره، وغيرها من المصادر.

٣٣٥

وأجلّ من أن يولّيها مًنْ لا يؤمن به(١) .

وقد دخل على الرشيد ابن للغمر بن يزيد أخي الوليد بن يزيد الأموي المتقدّم. ولما عرّف نفسه للرشيد قال له: رحم الله عمّك الوليد، ولعن يزيد الناقص؛ فإنّه قتل خليفة مجمعاً عليه. ارفع حوائجك. فرفعها فقضاها(٢) .

ويبدو أنّ ثقافة السلطة العباسية أخذت بهذا الاتجاه، وفسح المجال لتمجيد الأمويين في محاولة تعميم هذه الثقافة في الجمهور؛ كردّ فعل على موقف أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم السلبي من الأمويين، خصوصاً بعد فاجعة الطفّ، واستغلال الخلاف المذهبي - في أمر الخلافة واحترام الأوّلين - بين الشيعة والجمهور؛ لتأكيد ولاء الجمهور للأمويين واحترامهم، مضادّة للشيعة.

تراجع المأمون عن موقف آبائه

ولمّا جاء عهد المأمون أدرك أنّ ظُلامة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسّلام) بلغت حدّاً أوجب تعاطف الناس معهم، ونقمتهم على العباسيين من أجل ذلك، ومن أجل ظلمهم وطغيانهم؛ فحاول امتصاص النقمة بالبيعة للإمام الرضا (صلوات الله عليه) على ما أوضحناه في أواخر الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة).

____________________

١ - أنساب الأشراف ٩/١٨٤ خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، عند ذكر مقتله، وقريب منه في البداية والنهاية ١٠/٩ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وسير أعلام النبلاء ٥/٣٧٢ في ترجمة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وتاريخ الإسلام ٨/٢٩١ في ترجمة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الخليفة الفاسق، وغيرها من المصادر.

٢ - الكامل في التاريخ ٥/٢٩١ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، واللفظ له، تاريخ ابن خلدون ٣/١٠٦ مقتل الوليد وبيعة يزيد، الأغاني ٧/٨٢ أخبار الوليد بن يزيد ونسبه، لعن الرشيد قاتليه (يزيد الناقص).

٣٣٦

وخفّ الضغط على الشيعة نسبياً، فانتشرت ثقافة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وقام للشيعة كيانهم كأمر واقع مفروض في المجتمع، وأخذ بالظهور والاتّساع.

إلاّ إنّ الأمر لم يتجاوز ذلك؛ ليصل إلى القدح في الخطّ الآخر، بل بقي احترام الخطّ المخالف لأهل البيت (عليهم السّلام)، والتزام نهجه الفقهي ومعالمه المميّزة هو السمة العامّة في الدولة العباسية وثقافتها، إمّا لقناعة السلطة بذلك، أو مجاراة للجمهور الذي أخذت تلك الثقافة موقعها منه.

حتى إنّ المأمون لما رأى في معاوية ما استوجب اللعن نادى مناديه: برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير، أو قدّمه على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...(١) . وأُنشئت الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر.

فأعظم الناس ذلك وأكبروه، واضطربت العامّة منه؛ فأُشير عليه بترك ذلك، فأعرض عمّا همّ به(٢) .

تأكّد عدالة الصحابة وتقديس الشيخين في عهد المتوكّل

ثمّ جاء عهد المتوكّل الذي يبدو من الجمهور تعظيمه وتبجيله حتى قيل: إنّه أحيى السُنّة وأمات البدعة!(٣) ؛ فأعلن النصب والعداء لأمير المؤمنين

____________________

١ - مروج الذهب ٤/٤٤ ذكر خلافة المأمون، المأمون وحديث معاوية، وقريب منه في تاريخ الطبري ٧/١٨٧ في أحداث سنة إحدى عشرة ومئتين، والكامل في التاريخ ٦/٤٠٦ في أحداث سنة إحدى عشرة ومئتين، وتاريخ الإسلام ١٥/٦ - ٧ في أحداث سنة إحدى عشرة ومئتين، تشيّع المأمون.

٢ - مروج الذهب ٤/٤٤ - ٤٥ ذكر خلافة المأمون، المأمون وحديث معاوية.

٣ - راجع تاريخ الإسلام ١٧/١٣ أحداث سنة أربع وثلاثين ومئتين من الهجرة، إظهار المتوكّل للسُنّة، والبداية والنهاية ١٠/٣٨٧ أحداث سنة سبع وأربعين ومئتين من الهجرة، في ترجمة المتوكّل على الله، وتاريخ بغداد ٧/١٨٠ في ترجمة جعفر أمير المؤمنين المتوكّل على الله، والوافي بالوفيات ١١/١٠١ في ترجمة المتوكّل على الله جعفر بن محمد أبي الفضل، وفوات الوفيات ١/٢٨٩ في ترجمة المتوكّل العباسي، وغيرها من المصادر.

٣٣٧

(صلوات الله عليه) ولذريته، وفعل الأفاعيل في سبيل ذلك، ونشط في عهده الفقهاء والرواة ممّنْ هم على خلاف خطّ أهل البيت (عليهم السّلام)؛ وبذلك عاد مسار ثقافة السلطة إلى ما كان عليه في عهد المنصور ومَنْ بعده.

ودوّنت في قرنه - وهو القرن الثالث - أصول كتب الحديث عند الجمهور وصحاحهم، وشيّدت عقيدتهم في تقديم الأوّلين وفي عدالة الصحابة عموماً، بما في ذلك معاوية وأمثاله.

وتأكّد ذلك عند العامّة على مرّ الزمن وتجذّر فيهم، بل أغرقوا فيه حتى ربما ضاقت السلطة ببعض مواقفهم وممارساتهم.

ففي سنة مئتين وسبعين للهجرة قضت السلطة على صاحب الزنج. قال العلاء بن صاعد بن مخلد: لما حمل رأس صاحب الزنج، ودخل به المعتضد إلى بغداد، دخل في جيش لم يرَ مثلُه، واشتق أسواق بغداد والرأس بين يديه. فلمّا صرنا بباب الطاق صاح قوم من درب من تلك الدروب: رحم الله معاوية، وزاد حتى علت أصوات العامّة بذلك، فتغيّر وجه المعتضد، وقال: ألا تسمع يا أبا عيسى؟! ما أعجب هذا! وما الذي اقتضى ذكر معاوية في هذا الوقت؟!

والله لقد بلغ أبي إلى الموت، وما أفلَتّ أنا إلّا بعد مشارفته، ولقينا كلّ جهد وبلاء حتى أنجينا هؤلاء الكلاب من عدوّهم، وحصّنّا حرمهم وأولادهم.

فتركوا أن يترحّموا على العباس وعبد الله ابنه ومن ولد من الخلفاء، وتركوا الترحّم على علي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن والحسين!

والله لا برحت أو أؤثر في تأديب هؤلاء أثراً لا يعاودون بعد هذا الفعل مثله. ثمّ أمر بجمع النفّاطين؛ ليحرق الناحية.

فقلت له: أيّها الأمير، أطال الله بقاءك، إنّ هذا اليوم من أشرف أيام الإسلام فلا تفسده بجهل عامّة لا خلاق لهم. ولم أزل أداريه وأرفق

٣٣٨

به حتى سار(١) .

ويبدو أنّ ذلك بقي في نفس المعتضد رغم إغراق الجمهور في تقديس الصحابة الأوّلين ومَنْ سار على نهجهم في نظام الخلافة، نتيجة تأكيد السلطة العباسية وثقافتها العامّة عليه في مواجهة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم، وخصوصاً معاوية الذي صار رمز العداء الظاهر لهم. وربما كان لإغراق الجمهور هذا بعض الأثر في إثارة حفيظة المعتضد.

فعزم في سنة مئتين وأربع وثمانين على لعن معاوية على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس، فخوّفه وزيره عبيد الله بن سليمان اضطراب العامّة، وأنّه لا يأمن أن تكون فتنة، فلم يلتفت إلى ذلك من قوله، وصمّم على ما عزم عليه.

وبدأ - في أواخر جمادى الأولى وأوائل جمادى الثانية من السنة المذكورة - بخطوات تمهيدية لمنع العامّة من التجمّع والشغب وإثارة المشاكل والفتن، وآخر تلك الخطوات منع السقّائين الذين يسقون الماء في الجامعين من الترحّم على معاوية وذكره بخير.

وتحدّث الناس أنّ الكتاب الذي أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر. فلمّا صلّى الناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يُقرأ.

قال الطبري - بعد أن ذكر ذلك -: فذكر أنّ المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فأُخرج له من الديوان، فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب، وذكر أنّها نسخة الكتاب الذي أُنشئ للمعتضد

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ٨/٢١٢ - ٢١٣، واللفظ له، نثر الدرّ ٣/٩٥ - ٩٦ الباب الثالث، كلام الخلفاء من بني هاشم، المعتضد.

٣٣٩

بالله: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله.... وذكر كتاباً طويلاً يقرب من سبع صفحات يتضمّن كثيراً من مثالب الأمويين، وخصوصاً معاوية، ممّا تضمّنته الأحاديث الشريفة والأحداث التاريخية.

ثمّ قال الطبري بعد أن أنهى الكتاب: وذكر أنّ عبيد الله بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي، وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد؛ فمضى يوسف بن يعقوب فكلّم المعتضد في ذلك، وقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي أخاف أن تضطرب العامّة، ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة. فقال: إن تحرّكت العامّة أو نطقت وضعت سيفي فيها.

فقال: يا أمير المؤمنين، فما تصنع بالطالبيين الذين هم في كلّ ناحية يخرجون، ويميل إليهم كثير من الناس؛ لقرابتهم من الرسول ومآثرهم؟! وفي هذا الكتاب إطراؤهم، أو كما قال: وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا في أبسط ألسنةٍ، وأثبت حجّة منهم اليوم؛ فأمسك المعتضد فلم يردّ عليه جواب، ولم يأمر في الكتاب بعده بشيء(١) .

وهكذا يكون الموقف السلبي من الطالبيين وأهل البيت (صلوات الله عليهم) حاجزاً دون بيان الحقائق، ومحفّزاً على تحريفها وتشويهها.

كما يتزامن تأكيد السلطة على احترام الأوّلين ومَنْ هو على خطّهم مع ارتفاع مستوى نصبها وعدائها لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، بحيث تكون إحدى الظاهرتين قرينة للأخرى؛ ليتم بهما هدف واحد.

وبذلك تأكّد وتركّز ما بدأه الأوّلون، وزاد فيه معاوية من تفعيل احترام الخطّ المخالف لأهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسّلام)، ومن أهم أسبابه افتعال الأحاديث في تقديم الأوّلين، وفي فضائل الصحابة الذين هم على خطّهم.

____________________

١ - تاريخ الطبري ٨/١٨٢ - ١٩٠ في أحداث سنة ٢٨٤هـ.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672