فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها5%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 290936 / تحميل: 7135
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وتثقيفهم على خلاف ثقافة السلطة.

ونتيجة لذلك يُستغفل الجمهور، ويألف مرجعية الدولة في الدين، وأخذه منه، وتأخذ الدولة حريتها فيما تريد، وتتمّ لها أهدافها.

وهناك محذوران آخران يترتبان على ذلك لا يقلان أهمّية عنه:

تبعية الدين للسلطة تخفف وقعه في نفوسهم

الأوّل : إنّ الناس إذا ألفت الدين الذي تأخذه من الدولة، وتعارفت عليه، ونسي الدين الحقّ، خفّ وقع الدين في نفوسهم، وضعفت حيويته وفاعليته، وبقي طقوساً وشعارات فارغة، وهو ما سعى إليه معاوية من تحكيم الترهيب والترغيب، وإثارة النعرات الجاهلية، وعزل المبادئ والمثل على ما سبق.

بل يتلوّث الدين على الأمد البعيد بجرائم السلطة، وتتشوّه صورته تبعاً له؛ فتتنكّر الناس له لشعورهم بأنّه جاء ليدعم الدولة، ويكون آلة بيدها تنفّذ عن طريقه مشاريعها الظالمة وأهدافها العدوانية، وحينئذ تبدأ الناس بالتحلل منه والخروج عنه تدريجاً، كما حصل في الأديان السابقة.

ومن المعلوم أنّ من أهم أسباب الموقف السلبي - الذي اتخذه الغرب الرأسمالي والشيوعية الشرقية في العصور القريبة - من الدين هو ردّ الفعل لاستغلال السلطة للدين في العصور المظلمة، وتنسيقها مع مؤسساته لخدمة أهدافها، واستعبادها للشعوب.

قد ينتهي التحريف بتحول الدين إلى أساطير وخرافات

الثاني : إنّ التحريف كثيراً ما ينتهي بالدين إلى أساطير وخرافات وتناقضات تتنافى مع الفطرة، ولا يتقبّلها العقل السليم؛ فإمّا أن يرفضه ذوو

٣٦١

المعرفة والعقول المتفتحة جملة وتفصيلاً، أو يكتفوا في اعتناقه بمحض الانتساب تأثراً بالبيئة، أو مع التبني تعصّباً وتثبيتاً لهويتهم التي توارثوها عن آبائهم من دون أن يأخذ موقعه المناسب من نفوسهم.

ويتّضح ذلك بالنظرة الفاحصة للتراث الذي ينسب للأديان السماوية السابقة على الإسلام، وتتبنّاه حتى الآن المؤسسات الدينية الناطقة باسمها.

وهكذا الحال في كثير من التراث الإسلامي المشوّه الذي كان لانحراف السلطة الأثر في إقحامه في تراث الإسلام الرفيع.

وقد استغلّه أعداء الإسلام - من المستشرقين وأمثالهم - للنيل من الإسلام والتهريج عليه، وهم يجهلون أو يتجاهلون براءة الإسلام منه، وأنّه دخيل فيه مكذوب عليه.

بل من القريب أن تكون كثير من الأديان الباطلة الوثنية وغيرها ترجع في أصولها إلى أديان سماوية حقّة قد مسختها يد التحريف والتشويه حتى أخرجتها عن حقيقتها، وإن بقيت تحمل بعض ملامحه، أو شيئاً من تعاليمها.

ويتّضح ذلك في العرب قبل الإسلام حيث بقيت فيهم كثير من ملامح دين إبراهيم (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسّلام) كالحج والعمرة، والختان وغسل الجنابة والميت، وكثير من محرّمات النكاح، وتعظيم البيت الحرام، واحترام إبراهيم نفسه، وغير ذلك.

ضرورة إحراج السلطة بموقف يلجئها لمغامرة سابقة لأوانها

وعلى ضوء ذلك لا علاج لمأساة الإسلام والمسلمين في تلك المرحلة الحساسة، إلّا بإحراج السلطة بموقف يستثيرها، ويفقدها توازنها، لتتخذ خطوة سابقة لأوانها، وتقوم بجريمة نكراء، تنكشف به على حقيقتها، تستفز جمهور

٣٦٢

المسلمين، وتذكّرهم بدينهم ومبادئهم السامية، وتثير غضبهم، وتفصلهم عن السلطة فتخسر ثقتهم بها.

وبذلك تفقد السلطة فاعليتها في التثقيف، وقدرتها على التحريف، ويكون تعامل الجمهور معها تعامل الضعيف مع القوي، والمقهور مع القاهر، لا تعامل الرعية مع الراعي، والأتباع مع القائد.

سنوح الفرصة لاتخاذ الموقف المذكور بعد معاوية

ومن الظاهر أنّ الفرصة قد سنحت بعد معاوية لاتخاذ الموقف المذكور للأسباب التالية:

الأوّل : التحوّل في مسار السلطة، وفي معيار اختيار الخليفة، وفي شخص الخليفة بالنحو غير المألوف للمسلمين، ولا المقبول عندهم في وقته.

حيث يصلح ذلك مبرّراً لإعلان عدم الشرعية، والامتناع من البيعة، ثمّ التذكير بجرائم الأمويين عموماً، والإنكار عليهم وفضحهم.

الثاني : طيش يزيد، واعتماده القوة والعنف في مواجهة الأزمات ومعالجة المشاكل من دون تدبّر في العواقب وحساب لها، على خلاف ما كان عليه الأمر في عهد معاوية.

الثالث : وجود جماعة كبيرة مندفعة مبدئياً وعاطفياً نحو التغيير، مقتنعة بإمكانه، واثقة بالقيادة المعصومة، وتدعوها للعمل على ذلك، وتَعِدُها النصرة. حيث تتحقّق بتلك الجماعة آلية العمل، واتخاذ الموقف المذكور.

الرابع: أنّ فاجعة الطفّ - بأبعادها الدينية والعاطفية والإلهية التي تقدّم تفصيل الكلام فيها - كانت هي الجريمة الأحرى باستفزاز جمهور المسلمين

٣٦٣

واستثارة غضبهم، وفصلهم عن السلطة وسلب ثقتهم بها.

كما إنّها الأحرى بأن تبقى عاراً على الأمويين ومَنْ يتبنّى خطّهم، ويتحمّلوا معرّتها ما بقيت الدنيا، كما صرّح بذلك الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في كتابه المتقدّم لابن زياد الذي قال فيه: أمّا بعد، فإنّ الحسين بن علي قد توجّه إلى العراق، وهو ابن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله، فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء، فتهيج على نفسك وقومك في هذه الدنيا ما لا يسدّه شيء، ولا تنساه الخاصّة والعامّة أبداً ما دامت الدنيا(١) .

وربما يفسّر ذلك ما تقدّم في حوار الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مع أخيه محمد بن الحنفية حينما سأله عن وجه تعجيله بالخروج، فقال (عليه السّلام): «أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما فارقتك، فقال: يا حسين اخرج؛ فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً». فقال محمد: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ فقال: «قد قال لي: إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا»(٢) .

وعلى كلّ حال فيتم بذلك الشوط الذي بدأه أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام)، وصالح من أجله الإمام الحسن (صلوات الله عليه) - على ما يأتي في المقصد الثالث إن شاء الله تعالى - وصارع من أجل استمراره خواص الشيعة، وتحمّلوا في سبيله صنوف الأذى والتنكيل.

اقتحام السلطة له (عليه السّلام) يزيدها جرأة على انتهاك الحرمات

نعم، اقتحام السلطة للإمام الحسين (صلوات الله عليه) وانتهاكها لحرمته

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/١٣٤.

٢ - تقدّمت مصادره في/٤٢.

٣٦٤

يزيد في جرأتها على الحرمات، ويهون عليها كلّ جريمة، كما توقّعه هو (عليه السّلام) وغيره على ما سبق، وقد حصل فعلاً.

إلاّ إنّ ذلك إنّما يكون مضرّاً بالدين إذا حافظت السلطة على شرعيته، كما هو المتوقّع لو بايع الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وكسبت السلطة الشرعية عند جمهور المسلمين، وصفت لها الأمور.

حيث تسعى لتحقيق أهدافها، بانتهاك الحرمات والتخلّص من المعارضة بصورة تدريجية متّزنة، يستغفل بها الجمهور، ولا تفقدها الشرعية بنظرهم، وبذلك تنطمس معالم الدين الحقّ، وتخنق دعوته، ولا يُسمع صوته، كما تقدم.

استهتار السلطة بعد سقوط شرعيتها لا يضرّ بالدين

أمّا إذا فقدت السلطة شرعيتها وانفصلت عن الدين بنظر الجمهور؛ نتيجة قيامها بمثل هذه الجريمة النكراء، فتكون للتضحية ثمرتها المهمّة لصالح الدين، بل تكون فتحاً عظيماً تهون دونه هذه النتائج والسلبيات.

بل كلّما زاد الحاكم إمعاناً في الجريمة تأكّد عند الناس بعده عن الشرعية، وكلّما شعر هو بأنّ الناس لا تقتنع بشرعيته زاد استخفافاً بالدين وتجاهراً بمخالفته؛ لشعوره بعدم الفائدة من مجاملة الناس وستر أمره عليهم.

وذلك مكسب عظيم جدّاً للإسلام في تلك الظروف التي كان يمرّ بها؛ حيث يؤكّد عدم شرعية السلطة التي تحاول أن تقنع الناس بأنّها هي الممثّل له.

أثر الفاجعة في حدّة الخلاف بين الشيعة وخصومهم

كما إنّ فاجعة الطفّ قد أوجبت حدّة الخلاف بين شيعة أهل البيت وخصومهم وتعمّقها ولو على الأمد البعيد؛ نتيجة تركيز السلطات المتعاقبة

٣٦٥

المخالفة لخطّ أهل البيت (صلوات الله عليهم) على احترام الأوّلين وموالاتهم والتديّن بشرعية خلافتهما، وشرعية نظام الخلافة الذي بدأ العمل عليه منهما، واهتزاز ذلك بسبب الفاجعة، على ما يأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى.

دفع محاذير الاختلاف

لكن سبق منّا أن ذكرنا أنّه بعد أن تعذّر اتفاق المسلمين على الحقّ؛ نتيجة الانحراف الذي حصل، فاختلافهم في الحقّ خير من اتفاقهم على الباطل، ثمّ ضياع الحقّ عليهم وعلى غيرهم بحيث لا يمكن الوصول إليه(١) . ولاسيما إذا كان الاختلاف مشفوعاً بظهور معالم الدين الحقّ وسماع دعوته، وقوّة الحجّة عليه كما يأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

مواقف الأنبياء والأوصياء وجميع المصلحين

وعلى هذا جرى جميع الأنبياء والأوصياء (صلوات الله عليهم) وكلّ المصلحين، خصوصاً الأُمميين الذين تعمّ دعوتهم العالم أجمع، ولا تختص بمدينة خاصة أو قبيلة خاصة أو شعب خاص.

فإنّهم بدعوتهم وتحرّكهم قد خالفوا المحيط الذي عاشوا فيه، وشقّوا كلمة أهله، ولم يتيسّر لهم غالباً أو دائماً توحيد كلمة المعنيين بدعوتهم وحركتهم، وكسب اتفاقهم لصالحهم.

وأنجحهم من استطاع أن يوحّد جماعة صالحة تتمسّك بخطّه وتعاليمه وتدعوا إليها في مقابل دعوة الباطل التي كان يفترض لها أن تنفرّد في الساحة لولا نهضته وظهور دعوته.

____________________

(١) تقدم في ص: ٢١٧.

٣٦٦

ولا مبرّر لهم في ذلك إلّا تنبيه الغافل، وإيضاح معالم الحقّ الذي يدعون له، وإقامة الحجّة عليه؛ ليتيسّر لطالب الحقّ الوصول إليه، كما قال الله (عزّ وجلّ):( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُور ) (١) ، وقال سبحانه:( ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (٢) .

المقارنة بين دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفاجعة الطفّ

وما الفرق بين دعوة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وحركته التي تسببت عن اختلاف الناس عامّة في الدين الحقّ، ونهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي عمّقت الخلاف بين المسلمين في تعيين الإسلام الحقّ، وكان لها أعظم الأثر في إيضاح معالمه؟!

وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نجح في قيام أُمّة تعتنق الإسلام، وتستظل برايته، فإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) قد كان له أعظم الأثر في نشاط الفرقة المحقّة التي تلتزم بالإسلام الحقّ المتمثل بخطّ أهل البيت (صلوات الله عليهم)، والتي تهتدي بهداهم، وتستضيء بنورهم، وفي قوّة هذه الفرقة وتماسكها كما يأتي توضيحه في المطلب الثاني إن شاء الله تعالى.

لا بدّ من حصول الخلاف بين المسلمين بسبب الانحراف

على أنّه بعد أن لم يتفق المسلمون على التمسّك بأهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ ليعتصموا بهم من الخلاف والضلال، وانحراف مسار السلطة، فالإسلام - كسائر الأديان - معرض للخلاف والانشقاق، تبعاً لاختلاف الاجتهادات والآراء والمصالح والمطامع التي لا تقف عن حدّ.

____________________

١ - سورة الدهر/٣.

٢ - سورة الأنفال/٤٢.

٣٦٧

ولأَن يكون الخلاف بين حق واضح المعالم، ظاهر الحجّة، وباطل مفضوح، يعتمد على السلطة والقوّة - كالذي حصل نتيجة جهود أهل البيت (عليهم السّلام) وشيعتهم وفي قمّتها نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي ختمت بفاجعة الطفّ - خير من أن تضيع معالم الحقّ، ثمّ يكون الصراع بين القوى المختلفة من أجل تثبيت مواقعها، وتحقيق أهدافها من دون هدى من الله (عزّ وجلّ)، ولا بصيرة في دينها، ومن دون مكسب للدين.

بل يأتي إن شاء الله تعالى أنّ لفاجعة الطفّ أعظم الأثر في بقاء معالم الدين حيث اتفق المسلمون بكيانهم العام على مشتركات كثيرة تحفظ للدين صورته ووحدته، ويكون الخارج عنها معزولاً عن الكيان الإسلامي العام بحيث قد يصل حدّ التكفير والخروج عن الدين، ولولا ذلك لانتشر الأمر، واتّسعت شقّة الخلاف من دون حدود ولا ضوابط.

محذور إضعاف الدولة العربية والإسلامية

ومثل ذلك ما قد يُقال من أنّ فاجعة الطفّ - بتداعياتها التي يأتي التعرّض لها - قد أضعفت الدولة العربية، أو الدولة الإسلامية؛ بسبب اهتزاز الكيان العربي والإسلامي، وظهور الانقسامات والشروخ فيها.

ولعلّ ذلك هو الذي يحمل كثيراً من الباحثين على التململ من نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أو نقدها أو التهجّم عليها.

فإنّه يندفع بوجهين:

الدولة بتركيبتها معرّضة للضعف والانهيار

الأوّل: إنّ مثل هذه الدولة المبنية على الاستغلال والظلم والجبروت

٣٦٨

والقهر، وعلى عدم الانضباط في نظام الحكم، معرّضة للصراع والضعف والانهيار، كما انهارت الدول بمرور الزمن مهما كانت قوّتها.

ولأن يكون الصراع داخل الدولة بين الحقّ والباطل، وتمتاز إحدى الفئتين عن الأخرى، خير من ضياع الحقّ وموته بمرور الزمن، ثمّ يكون الصراع بعد ذلك بين فئات الباطل المختلفة من أجل الاستيلاء على السلطة من دون هدف ديني أو إنساني نبيل.

لا أهمية للدولة العربية في منظور الإسلام

الثاني: إنّ كون الدولة عربية لا أهمية لها في منظور الدين الإسلامي العظيم، بل لا يخرج ذلك عن منظور جاهلي حاربه الإسلام، وشدّد في الإنكار عليه ونبذه.

وهو عدوان في حقيقته على الإسلام الذي قام عليه كيان الدولة، وسرقة منه؛ فإنّ كون العرب هم الحاكمين في تلك الفترة باسم الإسلام شيء، وكون الدولة عربية شيء آخر.

فهو نظير ما يُنسب لبعض الأمويين من قوله عن سواد العراق: إنّما هذا السواد بستان لأُغيلمة من قريش(١) . وما يُنسب للتعاليم اليهودية المحرّفة من أنّ الدين اليهودي مخصّص لصالح بني إسرائيل، ويقرّ امتيازاتهم على

____________________

١ - الطبقات الكبرى ٥/٣٢ في ترجمة سعيد بن العاص، واللفظ له، تاريخ دمشق ٢١/١١٤ - ١١٥ في ترجمة سعيد بن العاص، تاريخ الإسلام ٣/٤٣١ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، مقتل عثمان (رضي الله عنه)، ونحوه في تاريخ الطبري ٣/٣٦٥ أحداث سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة، ذكر تسيير عثمان من سير من أهل الكوفة إلى الشام، والكامل في التاريخ ٣/١٣٩ أحداث سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة، ذكر تسيير عثمان من سير من أهل الكوفة إلى الشام، وتاريخ ابن خلدون ٢ ق ٢/١٤٠، وشرح نهج البلاغة ٣/٢١، وغيرها من المصادر.

٣٦٩

بقية الشعوب.

لو شكر العرب النعمة

نعم، لو أنّ العرب شكروا نعمة الله (عزّ وجلّ) ولم يخرجوا بالسلطة عن موضعها الذي وضعها الله تعالى فيه، ووفوا بعهد الله سبحانه الذي أخذه عليهم، لأبقى الله (جلّ شأنه) عزّهم فيهم، ولحملوا دعوة الله (عزّ وجلّ) للأمم، وانتشر الإسلام بحقّه وحقيقته، وعدله واستقامته، وخيره وبركته، بعيداً عن الانحراف والاستغلال والمحسوبيات.

ولعمّت لغة العرب الدنيا، لا لأنّها لغة العرب؛ لتتحسّس منها الشعوب الأخرى، بل لأنّها لغة الدين العظيم والقرآن المجيد والسُنّة الشريفة - بما في ذلك الأدعية والزيارات الكثيرة - وبقية التراث الإسلامي.

وبذلك تُهمل الفوارق تدريجاً، وتموت العصبيات، ويكون للعرب شرف ذلك كلّه، ويكسبون احترام العالم ومودّته.

لكنّهم أخطأوا حظّهم، وضيّعوا نصيبهم، و( بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) (١) فكان عاقبة أمرهم خسراً.

وإلى ذلك يشير عمار بن ياسر رضي الله عنه في كلام له يوم الشورى بعد صرف الأمر عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وبيعة عثمان. فقد روى الجوهري قال: «نادى عمار بن ياسر ذلك اليوم: يا معشر المسلمين، إنّا كنّا وما كنّا نستطيع الكلام قلة وذلة، فأعزنا الله بدينه، وأكرمنا برسوله. فالحمد لله رب العالمين. يا معشر قريش، إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم، تحولونه ههنا مرة، وههنا مرة؟! ما أنا آمن أن ينزعه منكم ويضعه في غيركم، كما نزعتموه من

____________________

١ - سورة إبراهيم/٢٨.

٣٧٠

أهله ووضعتموه في غير أهله»(١) . وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولله أمر هو بالغة.

إظهار دعوة الإسلام الحقّ أهم من قوّة دولته

أمّا كون الدولة إسلامية فهو من الأهمية بمكان، خصوصاً في تلك الظروف؛ حيث تكون سبباً في حفظ كيان الإسلام، وإيصال دعوته الشريفة للعالم، كما حصل فعلاً؛ ولذا تقدّم أنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ترك الصراع مع القوم لاسترجاع حقّه حفاظاً على كيان الإسلام العام.

إلاّ إنّ من أهم الثمرات المطلوبة من بقاء الكيان الإسلامي العام هو تحقيق الأرضية الصالحة لإيصال الإسلام الحقّ للمسلمين، بل للعالم عامّة وتعرّفهم به، فلا معنى للتفريط بهذه الثمرة حذراً من ضعفٍ مؤقت في قوّة الدولة الإسلامية التي هي في مقام تحريف الدين وتضييع معالمه.

بل يتعين إيقاف الدولة عند حدّها، والسعي لسلب شرعيتها؛ لتعجز عن تحريف الدين وتضييع معالمه، ثمّ تترك لتقوّي كيانها باسم الإسلام من دون أن تقوى على التدخّل في الدين؛ لحفظ معالمه، واتضاح ضوابطه مع ظهور دعوة الدين الحقّ وقوّته، وسماع صوتها في ضمن الكيان الإسلامي العام.

وهو ما حصل بجهود أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وفي قمّتها نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) التي انتهت بفاجعة الطفّ المدوّية الخالدة.

والحاصل: إنّه قد كان لفاجعة الطفّ التي ختمت بها نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) - الذي هو المسؤول الأوّل في المسلمين - في هذا المفصل التاريخي من مسار السلطة، والوضع الحرج الذي يمرّ به الإسلام، ضرورة

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ج: ٩ ص: ٥٨. ونظيره في مروج الذهب ج: ٢ ص: ٣٤١ ذكر خلافة عثمان بن عفان: عمار بن ياسر.

٣٧١

ملحة من أجل التنفير من السلطة المنحرفة، وسلب الشرعية عنها؛ لدفع غائلتها عن الإسلام، ومن أجل إيضاح معالم الدين والتذكير بضوابطه.

حقّقت فاجعة الطفّ هدفها على الوجه الأكمل

وقد حقّقت هدفها على أكمل وجه؛ حيث صارت الفاجعة - بأبعادها المتقدّمة - صرخة مدوّية هزّت ضمير الأُمّة، ونبّهتها من غفلتها، وأشعرتها بالخيبة والخسران؛ لخذلان الحقّ ودعم الباطل، وبالهوّة السحيقة بين الواقع الذي تعيشه، والواقع الديني الذي أراد الله (عزّ وجلّ) منها أن تكون عليه.

ولاسيما مع قرب العهد النبوي الشريف وعهد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)؛ حيث يتجسّد الإسلام الحقّ على الأرض، ولا يزال المسلمون يتذكّرونه ويتحدّثون عنه.

وبذلك تزعزعت الأسس التي قام عليها كيان الظالمين، وابتنت عليها شرعية حكمهم، وسعة صلاحياتهم، وتأثيرهم في تثقيف الأُمّة وتوجيهها.

وقد سبق أنّ السلطة بعد انحراف مسارها في الإسلام - باستيلاء غير المعصوم المنصوص عليه على الحكم - قد حاولت في الصدر الأوّل تمرير مشروع تدويل الإسلام الذي يُراد به تبعية الدين الإسلامي للدولة والسلطة بحيث يؤخذ منها، وتكون هي المرجع فيه، ويتيسّر لها التحكّم فيه لصالحها، وتبعاً لأهوائها.

وإذا كان أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) في فترة حكمه القصيرة قد وقف في وجه المشروع المذكور، وأصحر بمقاومته وعدم شرعيته، واستمرّ خواص شيعته في صراع مرير ضدّه؛ فإنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) قد اغتنم الفرصة للإجهاز على المشروع المذكور، والقضاء عليه تماماً

٣٧٢

بفاجعة الطفّ الدامية؛ حيث قامت السلطة بأفظع جريمة في تاريخ الإسلام، لا يزال صداها مدوياً حتى اليوم، وبذلك تمّ الفتح على يديه (صلوات الله عليه).

هذا وقد سبق منّا(١) في المقصد الأوّل التعرّض في تتمّة الكلام في أبعاد الفاجعة وعمقها إلى ردود الفعل السريعة للفاجعة، وتأثيرها على موقف السلطة نفسها بعد شعورها بالخطأ والخيبة.

تداعيات فاجعة الطفّ في المراحل اللاحقة

ويحسن منّا هنا التعرّض لتداعيات الفاجعة في المراحل اللاحقة، وتأثيرها على موقف جمهور المسلمين وخاصتهم من السلطة؛ من أجل أن يتضح كيف سارت الأمور في اتجاه الفتح العظيم، وتحقيق أهداف تلك الملحمة الإلهية المباركة، فنقول بعد الاتكال على الله (عزّ وجلّ) وطلب التسديد منه:

ثورة أهل المدينة وعبد الله بن الزبير

من المعلوم أنّ من نتائج فاجعة الطفّ وتداعياتها السريعة الثورات المتلاحقة، والخروج على حكم يزيد من أهل المدينة المنوّرة الذي انتهى بواقعة الحرّة الفظيعة، ومن عبد الله بن الزبير الذي أدّى لانتهاك الأمويين حرمة الحرم، ورميهم مكة المكرّمة بالمنجنيق حتى أُصيبت الكعبة المعظمة واحترقت(٢) .

____________________

١ - راجع/٩٣ وما بعده.

٢ - الكامل في التاريخ ٤/١٢٤ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر مسير مسلم لحصار ابن الزبير وموته، تاريخ الطبري ٤/٣٨٣ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، البداية والنهاية ٨/٢٤٧ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، السيرة الحلبية ١/٢٩٠، تاريخ دمشق ١٤/٣٨٥ في ترجمة حصين بن نمير، تاريخ الإسلام ٥/٣٤ حوادث سنة أربع وستين من الهجرة، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٦٦ أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير، الوافي بالوفيات ج: ١٣ =

٣٧٣

موت يزيد بن معاوية

وبعد ذلك عجّل الله تعالى على يزيد وأهلكه، وقد مقته الناس وأبغضوه حتى إنّ ابن زياد لما نعاه إلى أهل البصرة نال منه وثلبه(١) ، وما ذلك إلّا لإرضائهم، طمعاً في ودّهم وكسبهم لصالحه.

إعلان معاوية بن يزيد عن جرائم جدّه وأبيه

وكان يزيد قد عهد بالخلافة من بعده لابنه معاوية، فأعلن معاوية عن جرائم جدّه وأبيه بنحو يوحي بعدم شرعية خلافتهم، ثمّ رفض تحمّل مسؤولية الخلافة، وتعيين ولّي العهد له.

فقد خطب الناس، وقال في جملة ما قال: ألا وإنّ جدّي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر مَنْ كان أولى به منه في القرابة برسول الله، وأحق في الإسلام، سابق المسلمين، وأوّل المؤمنين، وابن عمّ رسول ربّ العالمين، وأبا بقيّة خاتم المرسلين. فركب منكم ما تعلمون، وركبتم منه ما لا تنكرون حتى أتت منيّته، وصار رهناً بعمله.

ثمّ قلّد أبي وكان غير خليق للخير، فركب هواه، واستحسن خطأه، وعظم رجاؤه، فأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل؛ فقلّت منعته، وانقطعت مدّته، وصار

____________________

= ص: ٥٧ في ترجمة حصين السكوني، تهذيب التهذيب ٥/١٨٨ في ترجمة عبد الله بن الزبير بن العوام، فتح الباري ٣/٣٥٤، و٨/٢٤٥، إمتاع الأسماع ١٢/٢٧٢، تعجيل المنفعة/٤٥٣، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - الكامل في التاريخ ٤/١٣١ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر حال ابن زياد بعد موت يزيد، تاريخ الطبري ٤/٣٨٩ أحداث سنة خمس وستين من الهجرة، ذكر الخبر عمّا كان من أمر عبيد الله بن زياد وأمر أهل البصرة معه بها بعد موت يزيد، تاريخ دمشق ١٠/٩٥ في ترجمة أيوب بن حمران، وغيرها من المصادر.

٣٧٤

في حفرته، رهناً بذنبه، وأسيراً بجرمه.

ثمّ بكى وقال: إنّ أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وقبح منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله، وأباح الحرمة، وحرق الكعبة.

وما أنا بالمتقلّد أموركم، ولا المتحمّل تبعاتكم؛ فشأنكم أمركم. فوالله، لئن كانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظّاً، وإن تكن شرّاً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها.

فقال له مروان بن الحكم: سنّها فينا عمرية. قال: ما كنت أتقلدكم حيّاً وميتاً. ومتى صار يزيد بن معاوية مثل عمر؟! ومَنْ لي برجل مثل رجال عمر؟!

هذا ما رواه اليعقوبي(١) ، وذكر قريباً منه باختصار المقدسي(٢) . أمّا ما رواه الدميري(٣) وابن الدمشقي(٤) والعصامي(٥) فهو أظهر في تعظيم أمير المؤمنين وأهل البيت (صلوات الله عليهم) وبيان حقّهم، بل فيه تلويح أو تصريح بظلمهم (عليهم السّلام) حتى من قِبَل الأوّلين.

وقال البلاذري: وحدّثني هشام بن عمّار عن الوليد بن مسلم قال: دخل مروان بن الحكم على معاوية بن يزيد فقال له: لقد أعطيت من نفسك ما يُعطي

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/٢٥٤ أيام معاوية بن يزيد بن معاوية، واللفظ له، وقريب منه في النجوم الزاهرة ١/٦٥ ولاية سعيد بن يزيد على مصر، وينابيع المودة ٣/٣٧.

٢ - البدء والتاريخ ٦/١٦ - ١٧ ولاية معاوية بن يزيد بن معاوية.

٣ - حياة الحيوان/١١٢ في مادة: أوز في خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

٤ - جواهر المطالب ٢/٢٦١ - ٢٦٢ الباب الثاني والسبعون في ذكر الوافدات على معاوية بعد قتل علي (عليه السّلام) وما خاطبوه به وما أسمعوه، خطبة معاوية بن يزيد بن معاوية.

٥ - سمط النجوم العوالي ٣/١٠٢، وفاة يزيد وبيعة معاوية ابنه وملكه.

٣٧٥

الذليل المهين. ثمّ رفع صوته فقال: مَنْ أراد أن ينظر في خالفة آل حرب فلينظر إلى هذا.

فقال له معاوية: يابن الزرقاء! اخرج عنّي، لا قَبِل الله لك عذراً يوم تلقاه(١) .

ولم يطل عهده، بل بقي عشرين يوماً(٢) أو أربعين يوماً(٣) أو ثلاثة أشهر(٤) أو أربعة(٥) ، وقيل: إنّه مات مطعوناً(٦) ، وقيل: مات مسموماً(٧) ولعلّه الأشهر.

____________________

١ - أنساب الأشراف ٥/٣٨١ في ترجمة معاوية بن يزيد.

٢ - أنساب الأشراف ٥/٣٧٩ في ترجمة معاوية بن يزيد، تاريخ دمشق ٥٩/٣٠٠ في ترجمة معاوية بن يزيد بن معاوية، البدء والتاريخ ٦/١٧ ولاية معاوية بن يزيد بن معاوية.

٣ - صحيح ابن حبان ١٥/٣٩ كتاب التاريخ، باب إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عمّا يكون في أُمته من الفتن والحوادث، بيان سني الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الطبقات الكبرى ٤/١٦٩ في ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب، و٥/٣٩ في ترجمة مروان بن الحكم، الاستيعاب ٣/١٣٨٩ في ترجمة مروان بن الحكم، أنساب الأشراف ٥/٣٧٩ في ترجمة معاوية بن يزيد، تاريخ دمشق ٥٧/٢٥٩ في ترجمة مروان بن الحكم، و٥٩/٢٩٧ في ترجمة معاوية بن يزيد بن معاوية، حياة الحيوان/١١٢ في مادة: أوز في خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، تاريخ خليفة بن خياط/١٩٦، البدء والتاريخ ٦/١٧ ولاية معاوية بن يزيد بن معاوية، شرح نهج البلاغة ٦/١٥٢، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٤ - الطبقات الكبرى ٥/٣٩ في ترجمة مروان بن الحكم، أنساب الأشراف ٥/٣٧٩ في ترجمة معاوية بن يزيد، تاريخ دمشق ٥٧/٢٥٩ في ترجمة مروان بن الحكم، البدء والتاريخ ٦/١٧ ولاية معاوية بن يزيد بن معاوية، سير أعلام النبلاء ٤/١٣٩ في ترجمة معاوية بن يزيد، الكامل في التاريخ ٤/١٣٠ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٥ - تاريخ دمشق ٥٩/٣٠٥ في ترجمة معاوية بن يزيد بن معاوية، البداية والنهاية ٨/٢٦٠ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٥٤ في أيام معاوية بن يزيد بن معاوية.

٦ - البداية والنهاية ٨/٢٦١ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية.

٧ - تاريخ الطبري ٤/٤٠٩ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة: مبايعة أهل الشام لمروان بن الحكم. =

٣٧٦

انتقام الأمويين من مؤدّب معاوية بن يزيد

وسواء انتقم منه الأمويون بالسّم، أم لم ينتقموا؛ فإنّهم قد انتقموا من مؤدّبه عمر بن نعيم العنسي المعروف بالمقصوص(١) فدفنوه حياً(٢) .

وقال الدميري: ثمّ إنّ بني أمية قالوا لمؤدّبه عمر المقصوص: أنت علّمته هذا ولقّنته إيّاه، وصددته عن الخلافة، وزيّنت له حبّ علي وأولاده، وحملته على ما وسمنا به من الظلم، وحسنت له الباع حتى نطق بما نطق، وقال ما قال. فقال: والله ما فعلته، ولكنّه مجبول ومطبوع على حبّ علي. فلم يقبلوا منه ذلك، وأخذوه ودفنوه حيّاً حتى مات(٣) .

وذكره مختصراً ابن الدمشقي، لكنّه قال: فقال: لا والله، وإنّه لمطبوع عليه. والله ما حلف قطّ إلّا بمحمد وآل محمد، وما رأيته أفرد محمداً منذ عرفته(٤) .

____________________

= البداية والنهاية ٨/٢٦١ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية، الكامل في التاريخ ٤/١٣٠ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية، سمط النجوم العوالي ٣/١٠١ وفاة يزيد وبيعة معاوية ابنه وملكه، الفخري في الآداب السلطانية ١/٤٣ في ترجمة معاوية بن يزيد، نهاية الأرب في فنون الأدب ٢٠/٣١٣ أحداث سنة ثلاثة وستين من الهجرة، ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية.

١ - جواهر المطالب ٢/٢٦٢.

٢ - البدء التاريخ ٦/١٧ ولاية معاوية بن يزيد بن معاوية، تاريخ مختصر الدول/١١١ الدولة التاسعة: معاوية بن يزيد، سمط النجوم العوالي ٣/١٠٢ وفاة يزيد وبيعة معاوية ابنه وملكه، تاريخ الخميس ٢/٣٠١ خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية.

٣ - حياة الحيوان/١١٢ في مادة: أوز في خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، واللفظ له، سمط النجوم العوالي ٣/١٠٢ وفاة يزيد وبيعة معاوية ابنه وملكه.

٤ - جواهر المطالب ٢/٢٦١ - ٢٦٢ الباب الثاني والسبعون في ذكر الوافدات على معاوية بعد قتل علي (عليه السّلام) وما خاطبوه به وما أسمعوه، خطبة معاوية بن يزيد بن معاوية.

٣٧٧

انهيار دولة آل أبي سفيان

وكيف كان فالذي لا ريب فيه أنّه لم يعهد لأحد من بعده بالخلافة.

وبذلك انهارت دولة آل معاوية أو آل أبي سفيان، تلك الدولة العظمى التي جهد معاوية بدهائه ومكره، وجرائمه وموبقاته وقوّة سلطانه في إرساء قواعدها وإحكام بنيانها، وبنى عليها آمالاً طويلة عريضة( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (١) .

اختلاف الأمويين وتعدد الاتجاهات في العالم الإسلامي

وقد استتبع ذلك اختلاف الأمويين فيما بينهم، وتعددت الاتجاهات في المسلمين، كما قال المساور بن هند بن قيس: وتشعّبوا شعب، فكلّ قبيلة فيها أمير المؤمنين(٢) .

حيث ظهر التوّابون، ثمّ المختار، ونشط ابن الزبير والخوارج، ورفع غير واحد رأسه في المناطق الإسلامية المختلفة، وقد أُريق بسبب ذلك أنهار من الدماء، وانتُهكت كثير من الحرمات، وعمّ الهرج والمرج.

تنبؤ الصديقة فاطمة (عليها السّلام) بما آلت إليه الأمور

وكأنّه إلى ذلك وأمثاله ممّا حصل للمسلمين في مفاصل تاريخية كثيرة تنظر الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) في قولها المتقدّم في ختام خطبتها الصغيرة، تعقيباً على انحراف مسار السلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أما لعمري، لقد

____________________

١ - سورة النور/٣٩.

٢ - تاريخ اليعقوبي ٢/٢٦٣ أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير.

٣٧٨

لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً، وزعافاً مبيداً، هنالك( يَخسَرُ المُبطِلُونَ ) ، ويعرف البطالون غبّ ما أسس الأوّلون، ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفساً، وأطمئنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً...»(١) .

أهمية الفترة الانتقالية التي استمرت عشر سنين

ولم يستقر الأمر لعبد الملك بن مروان نسبياً إلّا بعد قتل عبد الله بن الزبير سنة ثلاث وسبعين، في السنة الثالثة عشرة لفاجعة الطفّ ومقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه).

وقد كان لهذه الفترة الانتقالية - التي استمرت عشر سنين تقريباً - أهمية كبرى من جهتين:

وضوح عزل الدين في الصراع على السلطة وفي كيانها

الجهة الأولى: وضوح تجرّد السلطة عن الدين والمبادئ في صراعها مع الآخرين، وفي سلوكها مع الرعية؛ وقد تجلّى ذلك على أتمّ وجه فيمَنْ كانت له الغلبة أخيراً، وهم آل مروان بن الحكم بن العاص الذين هم من أبعد الناس عن واقع الإسلام، وأسوئهم أثراً فيه.

وقد صدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، ودين الله دغلاً»(٢) .

____________________

١ - راجع ملحق رقم (٢).

٢ - المستدرك على الصحيحين ٤/٤٨٠ كتاب الفتن والملاحم، واللفظ له، مسند أبي يعلى ١١/٤٠٢ ح ٦٥٢٣، مجمع الزوائد ٥/٢٤١ كتاب الخلافة، باب في أئمّة الظلم والجور وأئمّة الضلالة، المعجم الصغير ٢/١٣٥، سير أعلام النبلاء ٣/٤٧٨ في ترجمة مروان بن =

٣٧٩

وقد أمعنوا في الاستهتار بالدين، والخروج على المبادئ الشريفة، وانتهاك الحرمات العظام في سبيل الاستيلاء على السلطة والاستئثار بالحكم.

كما أكّدوا واقع الأمويين الأسود بسوء سلطانهم وجبروتهم وطغيانهم، واستهتارهم وانتهاكهم للحرمات ومقارفتهم للموبقات واستغراقهم في الشهوات.

وقد أثار ذلك التوجّس والحذر والنقد لكلّ سلطة تُفرض، بل البغض والتنفّر منها نوعاً حتى سقطت حرمة السلطة، وفقدت قدسيتها عند جمهور المسلمين.

فالخليفة عندهم لا يمثّل الحقيقة الدينية المقدّسة وإن حاول أن يدّعي لنفسه ذلك، ويطلق عليها ألقاب الاحترام والتقديس، كخليفة الله، وسلطانه في الأرض، وخليفة رسوله، وأمير المؤمنين... إلى غير ذلك.

غاية الأمر أنّ التعامل وتمشية الأمور يكون معه؛ تبعاً للقوّة، رضوخاً للأمر الواقع، وانسجاماً معه في شرعية مهزوزة مادامت القوّة من دون إيمان بها في الأعماق، فضلاً عن التقديس المفترض لمقام الخلافة والإمامة. وكلّما زاد إجراماً وانتهاكاً للحرمات زاد بُعداً عن الحقيقة الدينية.

والحاصل: إنّه سبق أنّ الكتاب المجيد والسُنّة النبوية الشريفة قد أكّدا على وجوب معرفة الأئمّة، وفرض طاعتهم وموالاتهم والنصيحة لهم، ولزوم جماعتهم، وحرمة الخروج عليهم، وسقوط حرمة الخارج بحيث يكون باغياً يجب على المسلمين قتاله... إلى غير ذلك ممّا يفترض أن يترتّب عليه انشداد جمهور المسلمين للخلفاء وتقديسهم لهم بحيث يكونون هم الممثلين للدين

____________________

= الحكم، تاريخ الإسلام ٥/٢٣٣ في ترجمة مروان بن الحكم، تاريخ دمشق ٥٧/٢٥٣ في ترجمة مروان بن الحكم بن أبي العاص، إمتاع الأسماع ١٢/٢٧٦، كنز العمال ١١/١١٧ ح ٣٠٨٤٦، وص ١٦٥ ح ٣١٠٥٧، وغيرها من المصادر.

٣٨٠

بنظرهم والقدوة التي يقتدون بها في حياتهم.

وقد حاول الأوّلون بمختلف الوسائل، وبجهود مكثّفة استغلال ذلك كلّه لصالحهم، ونجحوا في ذلك نسبياً، كما يظهر ممّا سبق.

إلاّ إنّ الصراع الذي بدأه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، واستمر عليه خواص شيعته، وتحمّلوا صنوف الأذى والتنكيل من أجله، وختم بفاجعة الطفّ وتداعياتها، كلّ ذلك قد جعل من واقع الخلفاء بنظر جمهور المسلمين أمراً لا ينسجم مع شيء من ذلك.

بل هم ينظرون لهم كذئاب كاسرة لا يؤمنون على دنيا ولا دين، وأصبح تقييمهم للخليفة منوطاً بعمله وسلوكه معهم من دون صبغة دينية ترفع من شأنه، وتجعلهم يتفاعلون معه.

اتضاح أنّ بيعة الخليفة لا تقتضي شرعية خلافته

كما إنّ البيعة للخليفة - حتى من الخاصة - لا تعني إضفاء الشرعية على خلافة الخليفة، بل الرضوخ له والتعايش معه؛ دفعاً لشرّه، وتقيّة منه.

أوّلاً : لتبلور مفهوم التقيّة تدريجاً نتيجة إفراط الخلفاء في الظلم والجبروت والطغيان، نظير ما تقدّم من الإمام علي بن الحسين زين العابدين (صلوات الله عليه) حول البيعة التي طلبها مسلم بن عقبة بعد واقعة الحرّة(١) .

وثانياً : لتسافل أمر الخلافة بتسافل وسائل الوصول إليه، وتحوّلها إلى سلطة قمع لتثبيت الطغاة.

وثالثاً : لتسافل واقع الخلفاء، ونزولهم للحضيض، وتوحّلهم في مستنقع

____________________

١ - تقدّم في/٣٥٦.

٣٨١

الجريمة والرذيلة والخلاعة والتحلل.

ومثل هذه الخلافة لا يمكن الاقتناع بشرعيتها من كلّ مسلم مهما كان التزامه الديني وثقافته، وإن كان يتعامل معها كأمر واقع مفروض عليه.

وإذا كان معاوية في حديثه المتقدّم(١) مع المغيرة بن شعبة قد استصعب الولاية بالعهد ليزيد لما يعرفه من واقعه المشين، ولبقاء شيء من الحرمة للخلافة، فإنّ الأمر بعد ذلك لم يعد صعباً؛ لسقوط حرمة الخلافة، وتحوّلها إلى أداة قمع ووسيلة للترف والاستهتار.

اتضاح أنّ وجوب الطاعة ولزوم الجماعة لا يعني الانصياع للسلطة

وقد اضطر ذلك رجال الدين والفقهاء - فيما بعد - إلى أن يفصحوا بحرمة طاعة السلطة في معصية الله تعالى(٢) ؛ لأنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

كما إنّ الجماعة التي يجب لزومها، ولا يجوز الخروج عنها ليست هي جماعة الخليفة الحاكم كما كان عليه الأمر في الصدر الأوّل، وحاول الحكّام التشبّث به على طول الخطّ، بل هي جماعة الحقّ أين كان، وكيف كان.

قال أبو شامة: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد لزوم الحقّ واتّباعه وإن كان المتمسّك به قليلاً والمخالف كثيراً؛ لأنّ الحقّ هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه (رضي الله عنهم)، ولا ننظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم(٣) .

____________________

١ - تقدّم في/٣٤٦.

٢ - المغني - لابن قدامة ٩/٤٧٩، بدائع الصنائع ٧/١٠٠، الثمر الداني/٢٤، كشاف القناع - للبهوتي ٥/٦١١، جواهر العقود - للمنهاجي الاسيوطي ٢/٢٨٠، فقه السنة ٢/٦٤٣ - ٦٤٤، عمدة القارئ ١٤/٢٢١، تحفة الأحوذي ٥/٢٩٨، وغيرها من المصادر.

٣ - شرح العقيدة الطحاوية - لابن أبي العزّ الحنفي/٣٠٧ - ٣٠٨، واللفظ له، فيض القدير ٤/١٣١، النصائح الكافية/٢١٩.

٣٨٢

وقد استحسن ذلك منه ابن أبي العزّ الحنفي(١) .

وقال أبو حاتم: الأمر بالجماعة بلفظ العموم، والمراد منه الخاص؛ لأنّ الجماعة هي إجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمَنْ لزم ما كانوا عليه وشذّ عمّنْ بعدهم لم يكن بشاقٍّ للجماعة، ولا مفارقٍ لها، ومَنْ شذّ عنهم وتبع مَنْ بعدهم كان شاقّاً للجماعة. والجماعة بعد الصحابة هم أقوام اجتمع فيهم الدين والعقل والعلم، ولزموا ترك الهوى فيما هم فيه وإن قلّت أعدادهم، لا أوباش الناس ورعاعهم وإن كثروا(٢) ، ونحوه كلام غيرهم.

بل بلغ الأمر بهم أنّهم رووا تفسير الجماعة التي يجب لزومها بالسواد الأعظم(٣) ، ومع ذلك قال إسحاق بن راهويه: لو سألت الجهّال عن السواد الأعظم قالوا: جماعة الناس. ولا يعلمون أنّ الجماعة عالم متمسّك بأثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمَنْ كان معه وتبعه فهو الجماعة، ومَنْ خالفه فيه ترك الجماعة(٤) .

تخبّط الجمهور في تحديد وجوب الطاعة ولزوم الجماعة

نعم، هذا منهم تخبّط في تحديد وجوب الطاعة ولزوم الجماعة؛ لظهور أنّه بعد أن وجبت عندهم البيعة للخليفة؛ لأنّ مَنْ مات من دون بيعة مات ميتة جاهلية كما تظافرت به النصوص، ولتوقّف حفظ كيان الإسلام وإدارة أمور المسلمين على الخلافة والإمامة، فمن الظاهر أنّ الإمامة لا تؤدّي وظيفتها إلّا بالطاعة، وأي خليفة وإمام يستطيع حفظ كيان الإسلام وإدارة أمور المسلمين

____________________

١ - شرح العقيدة الطحاوية - لابن أبي العزّ الحنفي/٣٠٧ - ٣٠٨.

٢ - صحيح ابن حبان ١٤/١٢٦ - ١٢٧ كتاب التاريخ، باب بدء الخلق، ذكر تشبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عيسى بن مريم بعروة بن مسعود.

٣ - فتح الباري ١٣/٣١، عمدة القاري ٢٤/١٩٥، تحفة الأحوذي ٦/٣٢١.

٤ - حلية الأولياء ٩/٢٣٨ في ترجمة محمد بن أسلم.

٣٨٣

إذا كان لا يُطاع؟!

مع إنّ تمييز تصرّفات الخليفة المحلّلة من المحرّمة لا يتيسّر لعامة الناس، وحتى الخاصة كثيراً ما يختلفون في ذلك، وفي ذلك اضطراب أمور المسلمين، وانفراط نظمهم، وهو الذي حصل فعلاً.

كما إنّ الجماعة فيما يبدو من نصوصها - ومنها خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف المتقدّمة في أوائل المبحث الأوّل(١) - هي جماعة الخليفة والإمام الذي يقوم به كيان الإسلام، وينتظم المجتمع الإسلامي.

وببيان آخر: لزوم الجماعة إنّما ورد من أجل أن تكون الجماعة علماً على الحقّ، يعتصم به المسلمون، فإذا توقّف وجوب لزوم الجماعة على إحراز كونها جماعة حقّ لم تكن الجماعة علماً على الحقّ يعتصم به المسلمون، بل يعتصمون بالحقّ الذي لا بدّ لهم من معرفته قبل أن يعتصموا بالجماعة، كما لا يقوم بها كيان الإسلام؛ لخفاء الحقّ على جمهور الناس، واختلاف الخاصة فيه.

تناسق مفهوم الإمامة والطاعة والجماعة عند الإمامية

ولا مخرج عن ذلك إلّا بما سبق من أنّ المراد بالجماعة جماعة الإمام الحقّ، بعد الفراغ عن أنّ الله (عزّ وجلّ) قد عيّن الإمام الحقّ المعصوم بالنصّ الواضح الجلي الذي يجب على الأُمّة التسليم له، كما عليه الإمامية في أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم).

والإمام المذكور هو الذي تجب طاعته ولزوم جماعته، ولا يجوز الخروج عليه، ومَنْ لا تجب طاعته ولزوم جماعته على الإطلاق؛ لعدم عصمته لا بدّ أن لا يكون ممّا عند الله تعالى بحيث تجري عليه أحكام الإمام الشرعية.

____________________

١ - تقدّمت مصادرها في/١٥٧.

٣٨٤

وقد تقدّم بعض الكلام في ذلك عند التعرّض لجهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في كشف الحقيقة، وبيان معالم الدين في المقام الأوّل من هذا المبحث(١) .

إلاّ إنّ الجمهور حيث لم يقرّوا بالنصّ، ولم يذعنوا له - وذهبوا إلى أنّ الإمامة والخلافة تكون ببيعة الناس من دون ضابط -، ولم يمكنهم البناء على وجوب طاعة الخليفة، ولزوم جماعته مطلقاً وإن كان فاسقاً جائراً - نتيجة ما سبق -؛ اضطروا لهذا التخبط.

والمهم في المقام أنّ ضوابط الطاعة ولزوم الجماعة قد اهتزّت، واختلفت عمّا كانت عليه قبل فاجعة الطفّ كما يظهر بمراجعة ما سبق من الصدر الأوّل في التأكيد على لزوم الجماعة.

وقد اضطروا أخيراً للالتزام نظرياً بعدم وجوب الطاعة المطلقة لخليفة الجور، وإن كانوا كثيراً ما لا يجرون على ذلك عملياً؛ غفلة منهم أو تغافلاً.

وترتّب على ذلك أمران في غاية الأهمية:

الخروج على السلطة لم يَعُدْ يختصّ بالخوارج

الأوّل : إنّ الخروج على الحاكم لا يختص بالخوارج الذين تشوهّت صورتهم، وسقط اعتبارهم؛ من أجل ما سبق، بل خرج كثير من غيرهم على السلطات المتعاقبة، وفيهم مَنْ يَكنّ له المسلمون - على اختلاف ميولهم وتوجّهاتهم - الاحترام أو التقديس.

وتقييم جمهور الناس لخروج الخارج تابع لتقييمهم لشخصه، ولِما يقتنعون به من مبادئه وأهدافه وسلوكه، ولا يكون الخروج على الحاكم بنفسه جريمة بنظر عموم المسلمين حسب مرتكزاتهم كما هو الحال عند الشارع الأقدس في

____________________

١ - تقدّم في/٢٥٤ وما بعدها.

٣٨٥

الخروج على الإمام الشرعي؛ حيث يكون الخارج عليه باغياً يجب على المسلمين قتاله حتى يفيء لطاعته ويلزم جماعته.

غاية الأمر أنّ الخليفة نفسه حيث يفترض شرعية سلطته، فهو ومرتزقته يفترضون الخارجين عليه بغاة يعاملونهم معاملتهم، بل كثيراً ما يزيدون في التنكيل بهم على حكم البغاة تعدّياً وطغياناً.

إلاّ إنّ ذلك يفقد المصداقية عند جمهور المسلمين وعامّتهم، فلا يعترفون للخليفة بذلك، بل يرون هدفه الدفاع عن سلطته، وإشباع شهوته في الحكم والسلطة والاستغلال والاستئثار.

غاية الأمر أنّهم يستسلمون أخيراً للغالب بغض النظر عن شرعيته؛ اعترافاً بالأمر الواقع كما هو الحال في صراع الملوك فيما بينهم.

صارت الإمامة عند الجمهور دنيوية لا دينية

الثاني : إنّ الخلافة والإمامة في الصدر الأوّل كانت دينية ودنيوية، فكما يكون الخليفة مرجعاً للمسلمين في أمور دنياهم وسياسة أمورهم يكون مرجعاً لهم في دينهم.

وهو وإن كان قد يسأل غيره، ويستعين برأيه، إلّا أنّ له القول الفصل فيه. وتقدم عن ابن مسعود أنّه قال: إنّما نقضي بقضاء أئمّتنا(١) .

وعن سعيد بن جبير قال: «كنت أسأل ابن عمر في صحيفة ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه. قال: فسألته عن الإيلاء. فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر، وقال ابن عمر. قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع. قال: يقول

____________________

١ - المحلّى ٩/٢٨٣، ٢٨٦، الإيضاح/٣٤١.

٣٨٦

في ذلك الأمراء»(١) .

وعن مطر قال: «ما لقيت شامياً أفقه من رجاء بن حياة إلا أنه إذا حركته وجدته شامياً وربما جرى الشيء فنقول [فيقول.ظ]: فعل عبد الملك بن مروان رحمة الله»(٢) .

وعن هشام بن عروة قال: «ما رأيت عروة يسأل عن شيء قط فقال فيه برأيه، إن كان عنده فيه علم قال بعلمه، وإن لم يكن عنده فيه علم قال: هذا من خالص السلطان»(٣) .

ولا يتوجّه الجمهور للسؤال من غيره والأخذ منه إلّا في حدود ما يسمح به. كما يظهر بأدنى ملاحظة لتاريخ الإسلام في الصدر الأول، وتقدم ويأتي بعض مفردات ذلك.

أمّا بعد أن سقطت قدسية الخلافة - نتيجة العوامل المتقدّمة - فقد اقتصرت الخلافة أخيراً عند الجمهور على الأمور الدنيوية وسياسة الدولة، تدعمها في ذلك القوّة والبطش بلا ضوابط من دون أن يكون الخليفة مرجعاً في أمور الدين.

واضطر الجمهور نتيجة ذلك للالتزام بعدم تشريع إمامة الدين في الإسلام - على خلاف ما عليه الشيعة - وأنّ على الناس أن يرجعوا للفقهاء على

____________________

(١) الطبقات الكبرى ج: ٦ ص: ٢٥٨ في ترجمة سعيد بن جبير. وقريب منه في مصنف ابن أبي شيبة ج: ٤ ص: ٩٨ كتاب الطلاق: في المولي يوقف وتفسير الطبري ج: ٢ ص: ٥٩١.

(٢) تاريخ دمشق ج: ١٨ ص: ١٠٤ في ترجمة رجاء بن حيوية، واللفظ له. تهذيب الكمال ج: ٩ ص: ١٥٤ في ترجمة رجاء بن حياة. تهذيب التهذيب ج: ٣ ص: ٢٢٩ في ترجمة رجاء بن حياة. طبقات الفقهاء ج: ١ ص: ٧٥ في ترجمة رجاء بن حياة الكندي. وغيرها من المصادر.

(٣) تاريخ دمشق ج: ٤٠ ص: ٢٥٧ في ترجمة عروة بن الزبير، واللفظ له. جامع بيان العلم وفضله ج: ٢ ص: ١٤٣.

٣٨٧

اختلافهم، وأنّ الله (عزّ وجلّ) لم يجعل لهم علماً يعصمهم من الاختلاف.

بل قد يصل الأمر بهم إلى الالتزام بصواب الكلّ على اختلافهم، وأنّ الحقّ يتعدّد في مورد الخلاف بعدد آراء المجتهدين، وأنّ اختلافهم رحمة للأُمّة؛ لأنّ فيه سعة له.

ومهما يكن في ذلك من التخبّط فهو فتح عظيم للدين؛ حيث حرّره من تحكّم الخليفة غير المعصوم فيه، ومسخِه له كما حصل نظيره في الأديان السابقة.

كسر طوق الضغط الثقافي في الفترة الانتقالية

الجهة الثانية: كسر طوق الضغط الثقافي على المسلمين، وارتفاع الحجر عملياً عن الحديث النبوي الشريف، فأصحرت كلّ فئة بمفاهيمها التي تتبنّاها وثقافتها التي تحملها، وأخذت تحاول تعميم تلك المفاهيم والثقافة على المسلمين، وبدأت اات المختلفة تتضح، وتتميّز بعضها عن بعض في المجتمع الإسلامي.

مكسب التشيّع نتيجة كسر طوق الضغط الثقافي

وكان لشيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) الدور الأكبر في ذلك.

أوّلاً : لِما يأتي - في المطلب الثاني - من أنّ نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) شيعية الاتجاه.

وثانياً : لأنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) نفسه - الذي هو الرجل الأوّل عند عموم المسلمين، والذي ضحى هذه التضحية الكبرى - هو الإمام الثالث للشيعة.

حيث يترتّب على هذين الأمرين أن يكون ردّ الفعل على العدوان الذي

٣٨٨

حصل هو نشر الثقافة الشيعية من أجل الإنكار على العدوان المذكور، وبيان بشاعته.

وثالثاً : لأصالة المفاهيم الشيعية وعقلانيتها، وارتفاع مستوى ثقافة الشيعة، تبعاً لرفعة مقام أئمّتهم (صلوات الله عليهم) الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبواب مدينة علمه.

ورابعاً : لكثرة ما تضمّنه الكتاب المجيد والسُنّة النبوية الشريفة ممّا يخدم دعوة التشيّع، وعلم الله تعالى كم ظهر في هذه الفترة من الأحاديث التي تؤيّد الدعوة المذكورة من بقية الصحابة ومن التابعين، خصوصاً بعد مؤتمر الإمام الحسين (عليه السّلام) الذي سبق أنّه قد عقده في الحج لحفظ ونشر التراث الذي يخص أهل البيت (عليهم السّلام)، ويتضمّن رفعة مقامهم(١) .

وخامساً : لوجود القيادة الحكيمة المعصومة الراعية للشيعة ولدعوتهم، وتسديدها ودعمها بالمدّ الإلهي غير المحدود.

ولذا كتب لدعوة التشيّع البقاء والخلود والظهور والانتشار من بين جميع الدعوات التي ظهرت في مواجهة انحراف السلطة، رغم كلّ المعوّقات والألغام التي زُرعت في طريقها على طول التاريخ.

وبعد أن انتهى الحديث عن هذه الفترة الانتقالية وثمراتها المهمّة نقول:

التوجّه الديني في المجتمع الإسلامي نتيجة فاجعة الطفّ

من الطبيعي أن يكون لفاجعة الطفّ بأبعادها السابقة وتداعياتها السريعة أثرها العميق في المسلمين بحيث أدّت إلى يقظة كثير منهم، ورجوعهم لدينهم، واهتمامهم بالتعرّف عليه وتحمّل ثقافته؛ لعدّة عوامل أفرزتها واقعة الطفّ

____________________

١ - تقدّم تفصيله ومصدره في/١٠٧.

٣٨٩

وتداعياتها السابقة:

أوّلها : الشعور بتدهور المجتمع الإسلامي، وابتعاده عن الدين وتقصيره في أمره بنحو يستوجب تأنيب الضمير على ذلك.

خصوصاً بعد أن ركّز أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم على عظم الجريمة، واهتمّوا بإحيائها والتذكير بها؛ بإقامة المآتم، وزيارة قبر الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، ورثائه وما يجري مجرى ذلك.

حيث يكون ردّ الفعل المناسب لذلك من كثير ممّن لهم جذور دينية هو ترك السلطة ومَنْ يتنازع عليها جانباً والرجوع للدين، والتعرّف عليه، والتمسّك به.

ثانيها : معاناة الناس من السلطة الجائرة، ومن تدهور الأوضاع؛ نتيجة الصراعات والفوضى، فإنّ ردّ الفعل المناسب لذلك والميسور لعامّة الناس - ممّن لا حول له ولا قوّة - هو الانكفاء على النفس، والبُعد عن الفتن، واللجأ إلى الله (عزّ وجلّ) وطلب رضاه بالرجوع لدينه، والتزام تعاليمه الشريفة.

ولاسيما بعد أن ظهر على السلطة الاستهتار بالدين والاستهانة به؛ فإنّ ذلك يؤكّد الاندفاع نحو الدين؛ لكونه مظهراً إرادياً، أو لا إرادياً للتحدّي العملي للسلطة، والاحتجاج الصامت عليها الذي فيه السلامة من خطر الاحتكاك بها، مع ما فيه من فضح السلطة، والتنبيه لسلبياتها.

ولعلّ لهذين الأمرين أعظم الأثر في الصحوة الدينية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية في أيامنا هذه بعد موجة التحلّل من الدين؛ تبعاً للغرب والشرق الماديين، ثمّ ظهور العدوان منهما والتجاوز على حقوق الشعوب.

ثالثها : قوّة التشيّع وانتشاره بعد فاجعة الطفّ حيث إنّ من أبرز مفاهيم

٣٩٠

التشيّع وتعاليمه ضمّ العمل للعقيدة؛ فقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة من أهل بيته (صلوات الله عليهم) أنّ الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان(١) ، وأكّدوا (صلوات الله عليهم) على العمل كثيراً.

وكان التديّن والالتزام بالأحكام الشرعية من السمات البارزة في الشيعة، وقد سبق عن سفيان الثوري قوله: وهل أدركت خير الناس إلّا الشيعة؟ وسبق عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه) ما يُناسب ذلك(٢) .

وذلك ينضمّ للعاملين السابقين في تنبيه عامّة المسلمين لدينهم، وتحفيزهم على العمل بأحكامه، والتعرّف عليها وعلى واقع دينهم في العقائد والفقه والسلوك والأخلاق.

حاجة المجتمع الإسلامي لمتخصصين في الثقافة الدينية

وحيث تحرّر الدين وخرج عن هيمنة السلطة؛ لسقوط شرعية الدولة، نتيجة العوامل السابقة، فمن الطبيعي أن يحقّق التوجّه الديني المذكور الحاجة لجمهور المسلمين - على اختلاف توجّهاتهم - إلى جماعة يتوجّهون للثقافة الدينية، ويتخصّصون فيه، ويعرّفون به.

وهذه الطبقة قد كان لها وجود قبل ذلك من بقايا الصحابة والتابعين،

____________________

١ - نهج البلاغة ٤/٥٠، الخصال/١٧٨ ح ٢٣٩، وص ١٧٩ ح ٢٤١، عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) ٢/٢٠٤، سنن ابن ماجة باب في الإيمان، المعجم الأوسط ٦/٢٢٦، و٨/٢٦٢، تفسير القرطبي ١/٣٧٢، الدرّ المنثور ٦/١٠٠، تاريخ بغداد ١/٢٧١ في ترجمة محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الله، تهذيب الكمال ١٨/٨٢ في ترجمة عبد السّلام بن صالح، سير أعلام النبلاء ١٥/٤٠٠ في ترجمة علي بن حمشاذ، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - تقدّمت مصادره في/٣٥٨.

٣٩١

خصوصاً من أصحاب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، إلّا إنّها كانت محاصرة ومعزولة عن المجتمع العام؛ نتيجة الحجر الثقافي الذي قوي في عهد معاوية، ولعدم حاجة المجتمع لها، وعدم تبنّيه لها بعد مرجعية السلطة في الدين، ومن ثمّ كانت معرّضة للاضمحلال لو استمرت تلك المرجعية.

أمّا بعد سقوط شرعية السلطة، وفصل الدين عنها فقد قويت هذه الطبقة تدريجاً؛ نتيجة حاجة المجتمع إليها، وتعلّقهم بها، وتبنّيهم لها، وصار لها وجودها المتميّز على اختلاف توجّهاتها من حملة الحديث الشريف، والفقهاء، ومفسري القرآن المجيد، والزهّاد، والمتألهين، والوعّاظ ونحوهم ممّنْ يتميّز بجانب من جوانب الدين، ويكون مرجعاً أو قدوة فيه.

أهمية دور رجال الشيعة في مجال التخصص الديني

وقد كان لشيعة أهل البيت (عليهم السّلام) الحظّ الأوفر من ذلك؛ لثقافتهم العالية الأصيلة التي فتح الباب لها أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وتعاهدها الأئمّة من ولده (عليهم السّلام)، ولصدق لهجتهم في الحديث وثقة الناس بهم.

وقد فرضوا أنفسهم بذلك على عموم المسلمين حتى ذكر الذهبي - مع ما هو عليه من التحامل على الشيعة - أنّه لو ردّ حديث الشيعة لذهبت جملة من الآثار النبوية(١) .

وقال الجوزجاني - على نصبه -: وكان قوم من أهل الكوفة لا يحمد الناس مذاهبهم هم رؤوس محدّثي الكوفة...، احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث...(٢) ... إلى غير ذلك.

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١/٥ في ترجمة أبان بن تغلب.

٢ - أحوال الرجال/٧٨ - ٨٠ في ترجمة فائد أبي الورقاء، واللفظ له، تاريخ دمشق ٤٦/٢٣٣ في ترجمة عمرو بن عبد الله بن أبي شعيرة، ميزان الاعتدال ٢/٦٦ في ترجمة زبيد بن الحارث اليامي، وقال الذهبي: وقال أبو إسحاق الجوزجاني - كعوائده في فظاظة عبارته - كان من أهل الكوفة...، =

٣٩٢

عدم اقتصار الأمر على الشيعة

غير أنّ ذلك لا يعني اقتصار الأمر على الشيعة؛ فقد عمّ ذلك جميع المسلمين على اختلاف توجّهاتهم كما هو ظاهر بأدنى ملاحظة لتاريخ تلك الفترة، بل قد يكون ظهور ذلك في الشيعة محفّزاً لغيرهم على التوجّه في هذه الوجهة، ولو من أجل أن لا ينفرد الشيعة في الساحة، ويستقطبوا طلاب العلم والثقافة الدينية، فتفرض ثقافتهم على جميع المسلمين.

ظهور طبقة الفقهاء والمحدّثين

والحاصل: إنّ جمهور المسلمين على اختلاف توجّهاتهم ومشاربهم بدؤوا يرجعون في دينهم لفقهائهم، فظهر الفقهاء السبعة في المدينة المنوّرة، وظهر غيرهم في بقيّة أمصار المسلمين، وصار للحديث والفقه سوق رائج.

وأخذوا يتسابقون في ذلك؛ إمّا اهتماماً بمعرفة الحقيقة، أو لدعم الوجهة التي يتوجّه إليها الفقيه والمحدّث ويتعصّب لها، أو ليَبدو تفوّقه ويكون رأساً يرجع إليه الناس في دينهم... إلى غير ذلك من العوامل المختلفة.

الاتفاق على انحصار مرجعية الدين بالكتاب والسُنّة

ولهذا الأمر - على سلبياته الكثيرة - أهميته العظمى في ظهور معالم الدين، وقيام الحجّة عليه حيث كانت نتيجة ذلك الاتفاق على انحصار المرجعية في الدين بالكتاب المجيد والسُنّة الشريفة من دون أن تكون للسلطة، أو غيرها حق التدخّل فيه.

____________________

= تهذيب التهذيب ٨/٥٩ في ترجمة عمرو بن عبد الله بن عبيد، وغيرها من المصادر.

٣٩٣

وحتى لو رجعوا في الدين لغير الكتاب والسُنّة - كالإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، وغيرها - فإنّهم حاولوا بعد ذلك توجيه العمل عليها بالكتاب والسُنّة؛ لدعوى دلالة الكتاب والسُنّة على حجّية الأمور المذكورة، أو كشف تلك الأمور عن دلالة الكتاب والسُنّة على ما يطابقها.

وأخذوا تدريجاً بتثبيت الضوابط لذلك حتى تبلور الفقه عن طريق الفقهاء - على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم - من دون دخل مباشر للسلطة.

تعامل السلطة مع الواقع الجديد بتنسيق وحذر

وقد فُرض هذا الأمر أخيراً في الواقع الإسلامي؛ نتيجة لما سبق حتى اضطرت السلطة لغض النظر عنه، بل للاعتراف به.

وقد حاولت التعامل معه بنحو من التنسيق والحذر يخفّف من وقعه عليها، وتناقضه معها، وذلك بأمرين:

إقدام السلطة على تدوين السُنّة

الأوّل : الاهتمام بتدوين السُنّة ولو بالنحو الذي يعجبها - على خلاف ما كان عليه الأوّلون - في محاولة منها للسيطرة على مسيرة الحديث والفقه.

فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو سُنّة ماضية، أو حديث عمرة فاكتبه؛ فإنّي خشيت دروس العلم وذهاب أهله(١) .

____________________

١ - الطبقات الكبرى ٨/٤٨٠ في ترجمة عمرة بنت عبد الرحمن، واللفظ له، وج ٢/٣٨٧ عند ذكر عمرة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير، معرفة السنن والآثار ٦/٣٨٩، التمهيد - لابن عبد البر ١٧/٢٥١، الأعلام - للزركلي ٥/٧٢، تقييد العلم ١/٢٥٢ ح ٢١٨ الرواية عن الطبقة الثانية والثالثة من التابعين في ذلك، المعرفة والتاريخ ١/٤٤١، وغيرها من المصادر.

٣٩٤

وعن الزهري: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كلّ أرض له عليها سلطان دفتراً(١) .

تبنّي الخلفاء لبعض الفقهاء لكسب الشرعية منهم

الثاني: تبنّي الخلفاء لبعض الفقهاء جيلاً بعد جيل ودعمهم؛ من أجل تحسين صورتهم أمام الجمهور في محاولة لإثبات شرعية سلطتهم وتصرّفاتهم، وتسيير الفقه والحديث لصالحهم بعد فرض الدين في الواقع الإسلامي، وتحرّره من هيمنة السلطة.

مكسب الدين نتيجة هذين الأمرين

وباب الخطأ والتلاعب من المحدّثين والفقهاء وإن كان مفتوحاً، خصوصاً من أجل إرضاء السلطة كما يظهر بمراجعة التاريخ، إلّا أنّ لهذين الأمرين أهمّيتهما في صالح الدين؛ لأنّهما يتضمّنان الاعتراف ضمناً بمرجعية الكتاب المجيد والسُنّة الشريفة، وأنّه لا مجال لتحكّم الخليفة، أو غيره في الدين بالمباشرة.

غاية الأمر أنّه قد يستعين بالفقهاء والمحدّثين الذين يتبنّاهم، أو ينسّق معهم لتحقيق هدفه، بل قد يشتدّ ويقسو في فرض ما يريد والمنع من مخالفته.

إلا إنّ ذلك لا يضيع معالم الحقّ بعد أن تسالم الجميع على أنّ المرجع في الدين هو الكتاب المجيد المحفوظ بين الدفتين المنتشر بين المسلمين، والسُنّة الشريفة المحفوظة في الصدور والمسطورة في الزبر.

____________________

١ - جامع بيان العلم وفضله ١/٧٦.

٣٩٥

موقف مالك بن أنس صاحب المذهب

ويبدو أنّ مالك بن أنس صاحب المذهب قد أدرك ذلك، فعن محمد بن عمر: سمعت مالك بن أنس يقول: لما حجّ المنصور دعاني فدخلت عليه فحادثته، وسألني فأجبته. فقال: عزمت أن آمر بكتبك هذه - يعني الموطأ - فتُنسخ نسَخاً، ثمّ أبعث إلى كلّ مصر من أمصار المسلمين بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيه، ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المحدّث؛ فإنّي رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم.

قلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل؛ فإنّ الناس قد سيقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كلّ قوم بما سيق إليهم، وعملوا به ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم، وإنّ ردّهم عمّا اعتقدوه شديد؛ فدع الناس وما هم عليه، وما اختار كلّ بلد لأنفسهم. فقال: لعمري، لو طاوعتني لأمرت بذلك(١) .

وعن ابن مسكين ومحمد بن مسلمة قالا: سمعنا مالكاً يذكر دخوله على المنصور، وقوله في انتساخ كتبه وحمل الناس عليه، فقلت: قد رسخ في قلوب أهل كلّ بلد ما اعتقدوه وعملوا به، وردّ العامّة عن مثل هذا عسير(٢) .

وروي أنّ هارون الرشيد أراد من مالك الذهاب معه إلى العراق، وأن يحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال له مالك: أمّا

____________________

١ - سير أعلام النبلاء ٨/٧٨ - ٧٩ في ترجمة مالك الإمام، واللفظ له، جامع بيان العلم وفضله ١/١٣٢، الانتقاء من فضائل الثلاثة الأئمّة الفقهاء/٤١، المنتخب من ذيل المذيل/١٤٤ القول في تاريخ التابعين والخالفين والسلف الماضين من العلماء ونقلة الآثار، ذكر مَنْ هلك منهم في سنة ١٦١ من الهجرة.

٢ - سير أعلام النبلاء ٨/٧٩ في ترجمة مالك الإمام، واللفظ له، الانتقاء من فضائل الثلاثة الأئمّة الفقهاء/٤١.

٣٩٦

حمل الناس على الموطأ فلا سبيل إليه؛ لأنّ الصحابة (رضي الله تعالى عنهم) افترقوا بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم في الأمصار، فعند كلّ أهل مصر علم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «اختلاف أُمّتي رحمة»(١) .

على أنّ التلاعب والخطأ محدودان نسبياً؛ نتيجة الصراع بين الفقهاء والمحدّثين، واختلاف الأنظار والمصالح حيث يحاسب المخطئ والمتلاعب من قبل الآخرين على ضوء الكتاب والسُنّة، ويكون هدفاً لإنكارهم وتشنيعهم.

ولو فرض أن شذّ بعضهم في اختلاق الحديث، أو في آرائه الفقهية، بعيداً عمّا هو المألوف كان معزولاً عن الكيان العام، ولا احترام لرأيه.

كما إنّه ربما يكون انتساب الفقيه، أو المحدّث للسلطة نقطة ضعف فيه تقلّل من احترام رأيه وحديثه، وتكون مثاراً للإنكار عليه؛ لِما سبق من وهن شرعية السلطة، وتشوّه صورتها عند جمهور المسلمين.

قوّة الكيان الشيعي نتيجة ما سبق

وقد ساعد على ذلك كثيراً قيام كيان معتدٍّ به لشيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ حيث يهتمّون - بتوجيه من أئمّتهم (صلوات الله عليهم) - بالحق ويدعون له، وينكرون على الظالمين والمنحرفين، ويتتبعون سقطاتهم، ويشنّعون عليهم... إلى غير ذلك ممّا يكبح جماح الانحراف، وإن تحمّلوا في سبيل ذلك ضروب المحن والمصائب.

____________________

١ - فيض القدير ١/٢٧١، واللفظ له، حياة الحيوان الكبرى ٢/٥٧١ باب الميم، في مطية، آداب العلماء والمتعلمين ١/٢ الفصل الأوّل، آداب العالم في علمه، النوع الثالث، وقد روي أنّ ذلك كان مع المأمون كما في تاريخ دمشق ٣٢/٣٥٦ في ترجمة عبد الله بن محمد، وحلية الأولياء ٦/٣٦١ - ٣٦٢ في ترجمة مالك بن أنس.

٣٩٧

تحوّل مسار الثقافة الدينية بعد الفترة الانتقالية

والمتحصّل من جميع ما سبق: إنّه يبدو التحوّل واضحاً في مسار الثقافة الدينية على الصعيد العام بالمقارنة بين ما كان الوضع عليه من الصدر الأوّل حتى موت معاوية، وما صارت الأمور إليه بعد الفترة الانتقالية واستيلاء المروانيين على السلطة.

وبذلك بقيت معالم الدين، وكيانه العام، واتفق المسلمون على مشتركات كثيرة تحفظ صورة الدين ووحدته، وأهمّها انحصار المرجعية بالكتاب المجيد، والسُنّة الشريفة.

عقدة احترام سُنّة الشيخين

نعم، بقي أمر مرجعية سيرة الشيخين والأخذ بسنّتهما، الذي بدا بصورة رسمية في الشورى عند بيعة عثمان. وربما كانت الأرضية له قد سبقت ذلك.

فعن عبد الله بن عمر أنه قال: «قيل لعمر: ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فأثنوا عليه. فقال: راغب وراهب. وددت أني نجوت منها كفافاً، لا لي ولا عليّ. لا أتحملها حياً وميتاً»(١).

فإنه كالصريح في ان عمل أبي بكر سنّة تصلح لأن تتبع، كسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن الوظيفة مع اختلافهما التخيير بينهما، ولا يتعين الأخذ بسنّة

____________________

(١) صحيح البخاري ج: ٨ ص: ١٢٦ كتاب الأحكام: باب الاستخلاف، واللفظ له. صحيح مسلم ج: ٦ ص: ٤-٥ كتاب الأمارة: باب الاستخلاف وتركه. مسند أحمد ج: ١ ص: ٤٣ مسند عمر بن الخطاب. السنن الكبرى للبيهقي ج: ٨ ص: ١٤٨ كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب الاستخلاف. سنن الترمذي ج: ٣ ص: ٣٤١ أبواب الفتن: باب ما جاء في الخلافة. وغيرها من المصادر الكثيرة جداً.

٣٩٨

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وكيف كان فنظراً لاحترام الجمهور لهما احتراماً يبلغ حدّ التقديس، نتيجة العوامل المتقدّمة حاول كثير منهم أن يقرّوا ما صدر عنهما من التشريعات، ويجعلوا سنّتهما ماضية بنفسها - من دون نظر لموافقتها للكتاب المجيد والسُنّة الشريفة - بحيث لا يحق لأحد الخروج عنها، كما سبق في حديث أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام)(١) .

وقد بقي ذلك بعده (عليه السّلام) مع شدّة النكير عليه منه ومن الأئمّة من ذريته (صلوات الله عليهم) ومن شيعتهم، وبعض مَنْ اقتنع بوجهة نظرهم.

حتى ورد في الحديث عن ابن عباس: قال: تمتّع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عباس: ما يقول عرية؟! قال: يقول: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون؛ أقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول: نهى أبو بكر وعمر(٢) .

وفي حديث آخر أنّه قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر(٣) .

وفي حديث ثالث له: والله ما أراكم منتهين حتى يعذّبكم الله، نحدّثكم

____________________

١ - تقدّم في/٢٧٥ وما بعده.

٢ - مسند أحمد ١/٣٣٧ مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، واللفظ له، جامع بيان العلم وفضله ٢/١٩٦، تذكرة الحفاظ ٣/٨٣٧ في ترجمة محمد بن عبد الملك بن أيمن، سير أعلام النبلاء ١٥/٢٤٣ في ترجمة ابن أيمن، المغني - لابن قدامة ٣/٢٣٩، الشرح الكبير - لابن قدامة ٣/٢٣٩، الفقيه والمتفقه ١/٣٧٧، حجّة الوداع ١/٣٩٨ ح ٣٦٩ الباب الرابع والعشرون الأحاديث الواردة في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفسخ الحجّ بعمرة في حجّة الوداع... وغيرها من المصادر.

٣ - كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد/١٤٩، واللفظ له، زاد المعاد ٢/١٧٨ أعذار مَنْ لم يأخذ بفسخ الحجّ إلى العمرة، أضواء البيان ٧/٣٢٨، النصائح الكافية/٢١٣، وغيرها من المصادر.

٣٩٩

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتحدّثونا عن أبي بكر وعمر...(١) .

وقال أيضاً: أما تخافون أن يخسف الله بكم الأرض؟! أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!...(٢) .

وعن ابن عمر أنّه كان يأتي بمتعة الحجّ، فيُقال له: إنّ أباك كان ينهى عنها؟ فيقول: لقد خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء، قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أفسُنّة رسول الله تُتبع، أم سُنّة عمر بن الخطاب؟!(٣) .

وفي صحيح زرارة: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر (عليه السّلام) فقال له: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: «أحلّها الله في كتابه وعلى لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، فهي حلال إلى يوم القيامة». فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرّمها عمر، ونهى عنها؟! فقال: «وإن كان فعل». قال: إنّي أُعيذك بالله من ذلك، أن تحلّ شيئاً حرّمه عمر. قال: فقال له: «فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهلمّ أُلاعنك أنّ القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ الباطل ما قال صاحبك...»(٤) .

وفي حديث أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): «يا أبا محمد، كان عندي رهط من أهل البصرة فسألوني عن الحجّ، فأخبرتهم بما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبما أمر به. فقالوا لي: إنّ عمر قد أفرد الحجّ. فقلت لهم: إنّ هذا رأي رآه عمر، وليس رأي عمر كما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله»(٥) ... إلى غير ذلك.

____________________

١ - جامع بيان العلم وفضله ٢/١٩٦، واللفظ له، التمهيد - لابن عبد البر ٨/٢٠٨، أضواء البيان ٤/٣٥٢، إمتاع الأسماع ٩/٣١ فصل في ذكر حجّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من المصادر.

٢ - الإحكام - لابن حزم ٢/١٤٨، و٤/٥٨١، و٥/٦٥٠.

٣ - البداية والنهاية ٥/١٥٩ في فصل لم يسمه بعد ذكر حجّة من ذهب إلى أنّه (عليه السّلام) كان قارناً، وقريب منه في مسند أحمد ٢/٩٥ في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب.

٤ - الكافي ٥/٤٤٩ من أبواب المتعة ح ٤.

٥ - وسائل الشيعة ٨/١٧٣ باب ٣ من أبواب أقسام الحج ح ٦.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672