فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 273847
تحميل: 6260

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273847 / تحميل: 6260
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ملحق رقم (١)

خطبة الزهراء (عليه السّلام) الكبرى

قال الطبرسي(١) : روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه (عليهم السّلام): أنّه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السّلام) فدكاً وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها(٢) ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم. فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء؛ فارتّج المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم.

فلمّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليه السّلام): «الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم؛ من عموم نِعَمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها.

وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في التفكّر معقولها. الممتنع من الأبصار رؤيته،

____________________

١ - الاحتجاج ١/١٣١ - ١٤١.

٢ - يعني: ذيول ثيابه. وهو ما يجرّ منها على الأرض لطوله.

٥٦١

ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته.

ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها. كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها إلّا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، تعبّداً لبريته، وإعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة(١) لعباده من نقمته، وحياشة(٢) لهم إلى جنّته.

وأشهد أنّ أبي محمداً عبده ورسوله. اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه؛ إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة. علماً من الله تعالى بمآيل الأمور(٣) ، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بموقع المقدور. ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه.

فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها(٤) ؛ فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظُلَمها(٥) ، وكشف عن القلوب بُهَمَها(٦) ، وجلّى عن الأبصار غُمَمَها(٧) ، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.

ثمّ قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار. فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم مَنْ تعب

____________________

١ - الذود: الطرد والدفع.

٢ - حاش الإبل: جمعها وساقه.

٣ - المآل: المرجع. والمراد في المقام أنّ الله (عزّ وجلّ) عالم بعواقب الأمور وما تنتهي إليها.

٤ - يعني: إنّهم ينكرون الله (عزّ وجلّ) مع إنّهم بفطرتهم يقرون به وبقدرته.

٥ - الظلم بضم الظاء وفتح اللام: جمع ظلمة.

٦ - البهم بضم الباء وفتح الهاء: مشكلات الأمور.

٧ - الغمم بضم الغين وفتح الميم: جمع غمة. كلّ شيء يستر شيء.

٥٦٢

هذه الدار في راحة، قد حفّ بالملائكة الأبرار، ورضوان الربّ الغفّار، ومجاورة الملك الجبّار، صلّى الله على أبي نبيّه وأمينه، وخِيَرته من الخلق وصفيّه، والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته».

ثمّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت: «أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم. زعيم حق له فيكم(١) ، وعهد قدمه إليكم، وبقيّة استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع. بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائداً إلى الرضوان أتباعه، مؤدٍّ إلى النجاة استماعه. به تنال حجج الله المنوّرة، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المحذّرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.

فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكِبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً للفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر، ومنماة للعدد(٢) ، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً بالعفّة، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية؛ فاتقوا الله حق

____________________

١ - الزعيم في المقام الكفيل. والمراد أنّ القرآن المجيد وثيقة الحقّ التي تركها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أُمّته.

٢ - يعني: سبباً لطول العمر ونماء العدد وكثرة النسل.

٥٦٣

تقاته، ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه؛ فإنّه( إنّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) ».

ثمّ قالت: «أيّها الناس، اعلموا إنّي فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. أقول عوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً،( قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) . فإنّ تعزوه(١) وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم. ولنِعْمَ المعزّى إليه صلّى الله عليه وآله وسلم. فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين(٢) ضارباً ثبجهم(٣) آخذاً بأكظامهم(٤) ، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر [يجذ] الأصنام، وينكث الهام حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر. حتى تفرّى الليل عن صبحه(٥) وأسفر الحقّ عن محضه(٦) ، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق(٧) الشياطين، وطاح وشيظ(٨) النفاق، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص(٩) في نفر من البيض الخماص(١٠) .

____________________

١ - يعني: تنسبوه في أهله.

٢ - يعني: عن مسلك المشركين وطريقتهم.

٣ - الثبج من كلّ شيء وسطه أو أعلاه.

٤ - الأكظام جمع كظَم، وهو مخرج النفس. وذلك كناية عن أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أحرج المشركين وضيق عليهم.

٥ - يعني: انقشع ظلام الكفر والباطل وتجلّى نور الحقّ والإيمان.

٦ - يعني: اتضح الحقّ محضاً من دون لبس بباطل.

٧ - شقشق الجمل هدر، والطير صوّت.

٨ - الوشيظ التاج أو الحلف. والمراد هنا سقوط دعوة النفاق وانهيارها وخمودها.

٩ - يعني: نطقتم بكلمة التوحيد.

١٠ - وهم النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم). وفيه إشارة إلى أنّهم (عليهم السّلام) أهل دعوة التوحيد وحملته، وباقي المسلمين تبع لهم فيه، وهو المناسب لاقتصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المباهلة على نفسه الشريفة وأهل بيته من دون أن يدخل معهم غيرهم من المسلمين مهما كان شأنهم في الدين والتقوى، كما يناسبه أيضاً =

٥٦٤

وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب(١) ونُهزة الطامع(٢) وقبسة العجلان(٣) ، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق(٤) ، وتقتاتون القد(٥) ، أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم؛ فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، بعد اللتيا والتي، وبعد أن مُني ببُهَم(٦) الرجال وذؤبان العرب، ومرَدَة أهل الكتاب.( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) (٧) ، أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه(٨) ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مُجدّاً كادحاً(٩) ، لا تأخذه في الله لومة لائم.

وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر(١٠) ، وتتوكّفون الأخبار(١١) ، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال.

____________________

= قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في كتابه إلى معاوية: «فإنّا صنائع ربّنا، والناس بعد صنائع لنا».

١ - المذقة اللبن الممزوج بالماء، شبهتهم (عليه السّلام) بها لأنّها رديئة.

٢ - النهزة بضم النون الأمر المعرض لأن يغتنم من دون أن يكون له قوّة يمتنع بها.

٣ - القبسة هي الأخذ من النار. وقد شبهتهم (عليها السّلام) بذلك؛ لعدم القوّة والمنعة فيهم، فيأخذ منهم العجلان من دون حاجة إلى تروٍ وإعداد.

٤ - الطرق بسكون الراء: الماء المجتمع الذي يخاض فيه ويبال ويبعر، فيصير كدِر.

٥ - القَد بفتح القاف جلد السخلة. وقد ورد أنّهم كانوا يأكلونه لشدّة حاجتهم وجهدهم.

٦ - جمع بهمة بضم الباء الشجاع. وقيل هو الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى له من شدّة بأسه.

٧ - سورة المائدة/٦٤.

٨ - أخمص القدم ما يرتفع من وسطها فلا يصيب الأرض. وفي بعض طرق الخطبة: «حتى يطأ صماخها بأخمصه» والصماخ وسط الرأس من جهة الأذن.

٩ - الكادح الذي يجهد نفسه وينهكها في سبيل مقصوده وتحقيق مراده.

١٠ - يعني: تنتظرون أن تدور علينا الدوائر وتنزل بنا المصائب.

١١ - يعني: تتوقّعون الأخبار وتنتظرونها.

٥٦٥

فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة(١) النفاق، وسمل جلباب الدين(٢) ، ونطق كاظم الغاوين(٣) ، ونبغ خامل الآقلين(٤) ، وهدر فنيق المبطلين(٥) ، فخطر(٦) في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه(٧) هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزّة فيه ملاحظين(٨) ، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحشمكم فألفاكم غضاباً(٩) ؛ فوسمتم غير إبلكم(١٠) ، ووردتم غير مشربكم(١١) .

هذا والعهد(١٢) قريب، والكلم رحيب(١٣) ، والجرح لما

____________________

١ - الحسك والحسكة والحسيكة الحقد، تشبيهاً بنبات الحسك.

٢ - سمل بمعنى صار خلِق. والجلباب نوع من الثياب، وأضيف للدين على نحو التشبيه. نظير قوله تعالى:( قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ) (سورة الأعراف/٢٦). ومرادها (عليها السّلام) أنّ الدين قد ضعف أثره فيهم.

٣ - الكاظم هو الحابس صوته. ومرادها (عليها السّلام) أنّ الغواة نطقوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن كانوا قد اضطروا للسكوت في حياته.

٤ - يعني: إنّ الخاملين الذين لا شأن لهم قد رفعوا رؤوسهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

٥ - هدر البعير ردّد صوته في حنجرته، والفنيق هو الفحل الذي لا يركب لكرامته على أهله.

٦ - خطر في مشيته سار معجباً بنفسه يرفع يديه ويضعهم.

٧ - كأنّها (عليها السّلام) تشبه الشيطان بالقنفذ الذي يخفي رأسه في بدنه عند الخوف، فإذا ذهب الخوف أطلع رأسه، وكذلك حال الشيطان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

٨ - يعني: تنظرون لأسباب العزّ التي يسوّل بها الشيطان، وتنتهزون الفرصة من أجله.

٩ - أحشمه: هيجه وأغضبه. وكأنّها (عليها السّلام) تريد أنّ الشيطان هيجهم واختبرهم فوجدهم قد فقدوا أحلامهم ورشدهم، فخفوا لطلب الدنيا يغضبون له، وينعطفون إليه.

١٠ - وسم الحيوان: كواه. وكانوا يفعلون به ذلك؛ ليتميز به على أنّه ملكه.

١١ - يعني: أنّكم أتيتم إلى ماء ليس بماء لكم فشربتم منه. وأرادت (عليها السّلام) بهاتين الفقرتين الكناية عن غصبهم للخلافة، وسلبها من أهلها، وهم أهل البيت (عليهم السّلام).

١٢ - لا يبعد كون مرادها (عليها السّلام) أنّ العهد الذي أخذ عليهم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر الخلافة قريب، لم يبعد أمده؛ كي يمكن الغفلة عنه ونسيانه.

١٣ - الكلم: الجرح، والرحيب من الرحب، وهو السعة، وكأنّ مرادها (عليها السّلام) أنّ جرح الإسلام وأهل البيت (عليهم السّلام) =

٥٦٦

يندمل(١) ، والرسول لما يُقبر. ابتداراً زعمتم(٢) خوف الفتنة.( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) (٣) .

فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنّى تؤفكون(٤) ، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم. أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ) (٥) ،( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٦) .

ثمّ لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها(٧) ، ثمّ أخذتم تورون وقدتها وتهيجون جمرتها(٨) ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسواً في ارتغاء(٩) ، وتمشون

____________________

= بوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسع عميق.

١ - يعني: إنّ الجرح بوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبرأ بعد، ولم ينس المصاب به صلى الله عليه وآله وسلم.

٢ - تعريض باعتذارهم عن الإسراع في أمر الخلافة وفي بيعة الخليفة بخوف الفتنة بين المسلمين وانشقاقهم على أنفسهم.

٣ - سورة التوبة/٤٩.

٤ - يعني: تصرفون. وكأنّها (عليها السّلام) بذلك تنذرهم بخطر ما فيه وضرره، وأنّه هيهات أن يقبل منهم عذر، وكيف يكون حالهم وإلى أين صرفهم الشيطان والحال أنّ الكتاب المجيد بين أظهرهم قد أوضح الحقّ وألزمهم به.

٥ - سورة الكهف/٥٠.

٦ - سورة آل عمران/٨٥.

٧ - يعني: سهل عليهم إدارة أمور الخلافة وقيادة الأمور. وقد أشارت (عليها السّلام) بذلك إلى أنّهم بعد أن استولوا على الخلافة واستتبّت لهم الأمور سارعوا إلى العدوان على أهل البيت (عليهم السّلام) بغصب حقوقهم في فدك والميراث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره.

٨ - شبّهت (عليها السّلام) مصيبة أهل البيت (عليهم السّلام) بفقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجمرة الكامنة، وكأنّ الاعتداء عليهم بغصب حقوقهم أشعل النار فيها وهيجه، فاشتدّ مصابهم.

٩ - الارتغاء أخذ رغوة اللبن، والحسو منه شرب اللبن نفسه تدريجاً: فهم يظهرون أنّهم يريدون أخذ الرغوة فقط، لكنّهم في الحقيقة يشربون معه اللبن نفسه، وفي بعض الروايات: «تسرون حسواً في ارتغاء». وهو =

٥٦٧

لأهله وولده في الخمرة والضرّاء(١) ، ويصير [ونصبر] منكم على مثل حزّ المدى، ووخز السنان في الحشا(٢) .

وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا. أفحكم الجاهلية تبغون؟!( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٣) ، أفلا تعلمون؟ بلى، قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية إنّي ابنته. أيّها المسلمون أُغلب على إرثي؟!

يابن أبي قحافة، أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (٤) ، وقال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال:( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٥) ، وقال:( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ) (٦) ، وقال:( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٧) ، وقال:( إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٨) .

____________________

= مثل يضرب لمَنْ يظهر شيئاً ويبطن غيره.

١ - الخمر ما واراك من شجر أو غيره، والخمرة كثرة الناس وزحمتهم، أمّا الضرّاء فقد فسّر بالشجر الملتفّ. وعلى ذلك فكأنّها (عليها السّلام) تريد أن أهل البيت (عليهم السّلام) بعد غصب الخلافة قد اعتزلوا الناس واستتروا في بيوتهم وانشغلوا بمصابهم، ولكنّ القوم لم يتركوهم، بل تعقبّوهم وتتبّعوهم بالتعدّي عليهم وإنزال المصائب بهم.

٢ - شبّهت (عليها السّلام) اعتداء القوم على أهل البيت (عليهم السّلام) وإيذائهم لهم بحزّ السكاكين ووخز أسنة الرماح وطعنها في أحشائهم.

٣ - سورة المائدة/٥٠.

٤ - سورة النمل/١٦.

٥ - سورة مريم/٥ - ٦.

٦ - سورة الأنفال/٧٥، وسورة الأحزاب/٦.

٧ - سورة النساء/١١.

٨ - سورة البقرة/١٨٠.

٥٦٨

وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا. أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟! أم هل تقولون: إنّا أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أو لستُ أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟! فدونكها مخطومة مرحولة(١) تلقاك يوم حشرك. فنِعْمَ الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، و( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (٢) ( مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) (٣» ).

ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: «يا معشر النقيبة(٤) ، وأعضاد الملّة، وحضنة الإسلام، ما هذه الغَمِيزة(٥) في حقّي والسِنة(٦) عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول: المرء يُحفظ في ولده؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(٧) . ولكم طاقة بما أحاول، وقوّة

____________________

١ - الناقة المخطومة: هي التي يوضع خطامها في أنفها لتقاد به، والمرحولة: هي التي يوضع رحلها عليها، وتُهيّأ للركوب. وقد شبّهت (عليها السّلام) ظلامتها بالناقة الجاهزة للركوب؛ لبيان أنّها جاهزة للشكاية يوم القيامة.

٢ - سورة الأنعام/٦٧.

٣ - سورة الزمر/٤٠.

٤ - النقيب: شاهد القوم وكفيلهم. وقد بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة على أن يمنعوه وأهله ممّا يمنعون منه أنفسهم وأهليهم. وقد أخرج منهم اثنى عشر نقيباً يكونون شهداء عليهم بذلك. فلعلّها (عليها السّلام) تشير إلى ذلك وتذكّرهم به. وعن بعض النسخ: «يا معشر البقية»، وعن أخرى: «يا معشر الفتية».

٥ - الغميزة ضعف في العمل وجهل في العقل. وعن بعض النسخ: «ما هذه الفترة».

٦ - السُنّة بكسر السين أوّل النوم. وتشير (عليها السّلام) بذلك إلى تقاعسهم عن نصرها في استرجاع حقّه، في محاولة منها لاستنهاضهم.

٧ - المثل المذكور في كلام اللغويين: سرعان ذا إهالة، وفي القاموس: إنّه يُضرب لمَنْ يخبر بكينونة الشيء قبل وقته. ولعلّ المثل في عهدها (عليها السّلام) كان يُقال بالوجهين، أو إنّها (عليها السّلام) أبدلت سرعان بعجلان من أجل أنّ الفقرة السابقة تضمّنت (سرعان). وغرضها (عليها السّلام) الإنكار على الأنصار في سرعة تبدّل موقفهم إزاء ما يجب عليهم نتيجة إسلامهم والعهد المأخوذ عليهم.

٥٦٩

على ما أطلب وأزاول.

أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فخطب جليل، استوسع وهنه(١) ، واستنهر فتقه(٢) ، وانفتق رتقه(٣) ، وأظلمت الأرض لغيبته، وكُسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال(٤) ، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته(٥) .

فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة(٦) عاجلة، أعلن بها كتاب الله (جلّ ثناؤه) في أفنيتكم، وفي ممساكم ومصبحكم، يهتف في أفنيتكم(٧) هتاف، وصراخ، وتلاوة، وألحان. ولقبله ما حلَّ بأنبياء الله ورسله، حكم فصل، وقضاء حتم( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ فإنّ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (٨) .

إيهاً بني قيلة(٩) أأُهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى منّي ومسمع، ومنتدى(١٠)

____________________

١ - استوسع يعني: اتسع، والوهن الضعف. وكأنّها (عليها السّلام) تريد أنّ موته صلى الله عليه وآله وسلم أوجب سريان الضعف في أُمّته. وقد تقرأ: وهيه، من الوهي وهو الشق والخرق.

٢ - استنهر الفتق اتسع.

٣ - رتق الفتق أصلحه، ورتق فتق القوم أصلح ذات بينهم. وكأنّها (عليها السّلام) تريد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعى جاهداً لرتق فتق قومه وإصلاح أمرهم، وبموته انفتق رتقه، ورجعوا إلى ما كانوا عليه من الفساد والانشقاق.

٤ - أكدى الرجل: بخل، وأكدى العام: أجدب. وهو في المقام كناية عن خيبة الآمال.

٥ - كأنّها (عليها السّلام) تشير إلى انتهاك حرمة أهل البيت (عليهم السّلام) بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

٦ - البائقة الداهية الشديدة.

٧ - الأفنية جمع فناء بالكسر، وهو الساحة أمام البيت.

٨ - سورة آل عمران/١٤٤.

٩ - قال في لسان العرب: وقَيلة أُمّ الأوس والخزرج. وفي حديث سلمان: ابني قيلة. يريد الأوس والخزرج قبيلتي الأنصار. وقيلة اسم أُمّ لهم قديمة. وهي قيلة بنت كاهل.

١٠ - المنتدى: مجلس القوم ومتحدثهم.

٥٧٠

ومجمع، تلبسكم الدعوة(١) ، وتشملكم الخبرة(٢) وأنتم ذوو العدد والعدّة، والأداة والقوّة، وعندكم السلاح والجنّة(٣) . توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت. قاتلتم العرب، وتحملتم الكدّ والتعب، وناطحتم الأُمم، وكافحتم البهم(٤) ، لا نبرح أو تبرحون(٥) نأمركم فتأتمرون حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك(٦) ، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين.

فأنى حزتم بعد البيان؟(٧) ، وأسررتم بعد الإعلان؟(٨) ، ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم،( وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) (٩) .

____________________

١ - شبّهت (عليها السّلام) دعوتها لهم من أجل الانتصار لها بالثوب الملبوس الشامل لجميع البدن؛ لبيان أنّ دعوتها قد وصلت إليهم جميعاً.

٢ - الخبرة بالضم العلم بالشيء على حقيقته.

٣ - الجنة بضم الجيم كلّ ما وقى من السلاح.

٤ - جمع بهمة بضم الباء: الشجاع. وقد تقدّم ذكره بتفصيل.

٥ - وفي بعض طرق الخطبة: «لا نبرح وتبرحون». ولعلّه الأنسب.

٦ - الثغرة بضم الثاء نقرة النحر في أصل الرقبة، وفي ذلك تشبيه للشرك بالإنسان الذي ينحني خضوعاً واستسلاماً لعدوه.

٧ - الحوز: ضم الشيء وجمعه. وكأنّه كناية عن الاستئثار بالشيء تعدّياً. وفي نسخة أخرى: (حرتم) بالمهملتين وضم الحاء بمعنى الرجوع والنكوص، أو كسرها بمعنى التحيّر والتردّد في المواقف. وفي نسخة ثالثة: (جرتم) بالجيم من الجور والميل عن الحقّ. وهما أنسب.

٨ - الظاهر أنّه كناية عن كتمان الحقّ والجبن عن الإعلان به.

٩ - سورة التوبة/١٣.

٥٧١

ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض(١) ، وأبعدتم مَنْ هو أحق بالبسط والقبض(٢) ، وخلوتم بالدعة(٣) ، ونجوتم بالضيق من السعة(٤) ، فمججتم ما وعيتم(٥) ، ودسعتم الذي تسوّغتم(٦) ، فـ( إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فإنّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيد ) (٧) ، ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالجذلة التي خامرتكم(٨) ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة(٩) ، وبثة الصدر، وتقدمة الحجّة.

____________________

١ - يعني: ركنتم إلى لين العيش وسعته، بدلاً من متاعب الجهاد وإنكار المنكر.

٢ - تريد (عليها السّلام) إبعادهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عن الخلافة وإدارة أمور المسلمين.

٣ - خلا بالشيء: انفرد به ولم يخلط به غيره. والدعة الراحة والسكون وخفض العيش.

٤ - النجاء الخلاص والإسراع. وعليه يتعيّن كون المراد بالضيق ضيق المسؤولية الإلهية؛ نتيجة التقصير في أداء الواجب، وبالسعة الثواب الإلهي؛ نتيجة أداء الواجب، فيرجع إلى أنّهم استبدلوا سخط الله تعالى برضاه. وفي بعض النسخ: «ونجوتم من الضيق بالسعة» فيكون المراد بالضيق ضيق الجهاد وكلفته، وبالسعة الراحة في ترك الجهاد.

٥ - مج الماء من فمه رمى به. وتشبيهاً بذلك يُقال: هذا كلام تمجّه الأسماع، أي تنفر منه. ووعى الحديث قبله وتدبّره وحفظه، وعلى ذلك يكون مرادها (عليها السّلام) أنّهم رفضوا ما قبلوه سابقاً من التعاليم الدينية القاضية بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٦ - الدسع في المقام القيء. شبّهت (عليها السّلام) رفضهم لِما قبلوه من تعاليم الدين بتركهم نصرها بمَنْ قاء الشراب بعد أن تسوّغه.

٧ - سورة إبراهيم/٨.

٨ - خامرتكم يعني خالطتكم واستترت في نفوسكم. والجذلة من الجذل بالجيم والذال المعجمة من الفرح. ولا يتّضح وجه إرادتها في المقام، ومن هنا كان الظاهر أنّ الصحيح ما في نسخة أُخرى من قولها (عليها السّلام): «والخذلة التي خامرتكم» بالخاء والذال المعجمتين من الخذلان؛ حيث يتّضح المعنى المراد حينئذٍ.

٩ - الخور الضعف، والقناة الرمح. وهو كناية عن ضعفها (عليها السّلام) عن كتمان غضبها وغيضها على غرار الفقرتين السابقتين والفقرة اللاحقة؛ حيث يؤكّد بعضها بعضاً. أمّا الفقرة الخامسة، وهي تقدمة الحجّة فهي تتضمّن غرضاً آخر له أهميته في المقام.

٥٧٢

فدونكموها فاحتقبوها(١) دبرة الظهر(٢) ، نقبة الخف(٣) ، باقية العار، موسومة بغضب الجبّار، وشنار(٤) لا بدّ موصولة بنار الله الموقدة،( الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) (٥) ، فبعين الله ما تفعلون( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٦) . وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنّا عاملون،( وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) (٧) ».

____________________

١ - الحقب الحزام الذي يلي حقو البعير. واحتقب فلان الإثم كأنّه جمعه واحتقبه من خلفه. وكأنّها (عليها السّلام) تشبه تحملهم مسؤولية ما حصل بمَنْ يشدّ حزام الناقة ويهيؤها ليغصبه.

٢ - يعني: أصابها الدبرة، وهي قرحة في ظهر الناقة من الرحل ونحوه.

٣ - يعني: رق خفه، لجهد أصابه.

٤ - الشنار: العار.

٥ - سورة الهمزة/٧.

٦ - سورة الشعراء/٢٢٧.

٧ - سورة هود/١٢٢.

٥٧٣

مصادر الخطبة

وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة:

١- قال ابن طيفور أحمد بن أبي طاهر: حدّثني جعفر بن محمد - رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة - قال: حدّثني أبي، قال: أخبرنا موسى بن عيسى، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا جعفر الأحمر، عن زيد بن علي (رحمة الله عليه)، عن عمّته زينب بنت الحسين (عليهما السّلام)، قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السّلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها...(١) .

وقال أيضاً: قال أبو الفضل: ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) كلام فاطمة (عليها السّلام) عند منع أبي بكر إيّاها فدك، وقلت له: إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع، وإنّه من كلام أبي العيناء (الخبر منسوق البلاغة على الكلام).

فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم، ويعلّمونه أبناءهم، وقد حدّثنيه أبي عن جدّي يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية. ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جدّ أبي العيناء. وقد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنّه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه...(٢) .

٢- قال الخوارزمي: وأخبرني الإمام شهاب الإسلام أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني فيما كتب إليّ من همدان، أخبرني الحافظ سليمان بن إبراهيم فيما كتب إليّ من أصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمئة، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه فيما أذن لي، قال: حدّثت جعفر بن محمد بن مروان، أخبرنا أبي، أخبرنا سعيد بن محمد الجرمي، أخبرنا عمرو بن ثابت عن

____________________

١ - بلاغات النساء/١٤ وما بعده، كلام فاطمة وخطبه.

٢ - بلاغات النساء/١٢ كلام فاطمة وخطبه.

٥٧٤

أبيه، عن حبّة، عن علي (عليه السّلام)....

وبهذا الإسناد عن الحافظ أبي بكر هذا، أخبرنا عبد الله بن إسحاق، أخبرنا محمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن زياد، أخبرنا شرقي بن قطامي، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنّها قالت: لما بلغ فاطمة أنّ أبا بكر...(١) .

٣- قال ابن أبي الحديد في ذكر ما ورد من السير والأخبار في أمر فدك: الفصل الأوّل: في ما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم، لا من كتب الشيعة ورجالهم؛ لأنّا مشترطون على أنفسنا ألاّ نحفل بذلك.

وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبى بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة وفدك، وما وقع من الاختلاف والاضطراب عقب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدّث كثير الأدب، ثقة ورع، أثنى عليه المحدّثون، ورووا عنه مصنّفاته....

قال أبو بكر: فحدّثني محمد بن زكريا، قال: حدّثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، قال: حدّثني أبي، عن الحسين بن صالح بن حي، قال: حدّثني رجلان من بني هاشم، عن زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السّلام).

قال: وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه.

قال أبو بكر: وحدّثني عثمان بن عمران العجيفي، عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السّلام).

قال أبو بكر: وحدّثني أحمد بن محمد بن يزيد، عن عبد الله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن حسن بن الحسن.

____________________

١ - مقتل الحسين ١/٧٧ - ٧٨ الفصل الخامس في فضائل فاطمة الزهراء (عليها السّلام).

٥٧٥

قالوا جميعاً: لما بلغ فاطمة (عليها السّلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك، لاثت خمارها...(١) .

٤- قال الأربلي(٢) عند ذكره لهذه الخطبة: ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبه تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلّفها المذكور: قرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلثمئة روى عن رجاله من عدّة طرق أنّ فاطمة (عليها السّلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها....

٥- وقد أوردها جماعة كاملة من دون ذكر السند، كأبي سعد منصور بن الحسين الآبي(٣) ، وابن حمدون(٤) ، وابن الدمشقي(٥) كما أشار إليها المسعودي(٦) .

٦- وروى الصدوق بعضها بعدّة أسانيد قال: حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكّل (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن عبد الله البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن أحمد بن محمد بن جابر، عن زينب بنت علي، قالت: قالت فاطمة (عليها السّلام) في خطبته....

أخبرني علي بن حاتم، قال: حدّثنا محمد بن أسلم، قال: حدّثني عبد الجليل الباقلاني، قال: حدّثني الحسن بن موسى الخشاب، قال: حدّثني عبد الله بن محمد العلوي، عن رجال من أهل بيته، عن زينب بنت علي، عن

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٦/٢١١.

٢ - كشف الغمة ٢/١٠٨ وما بعده.

٣ - نثر الدر ٤/٥ وما بعدها الباب الأوّل كلام للنساء الشرائف، فاطمة ابنة رسول الله (عليها السّلام) خطبتها لما منعها أبو بكر فدكاً.

٤ - التذكرة الحمدونية ٢/٢٣١ الباب الثلاثون في الخطب.

٥ - جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السّلام) ١/١٥٦ وما بعده.

٦ - مروج الذهب ٢/٣٠٥ باب ذكر خلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) قبل خاتمة الباب بأسطر.

٥٧٦

فاطمة (عليها السّلام) بمثله.

وأخبرني علي بن حاتم أيضاً قال: حدّثني محمد بن أبي عمير، قال: حدّثني محمد بن عمارة قال: حدّثني محمد بن إبراهيم المصري، قال: حدّثني هارون بن يحيى الناشب، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى العبسي، عن عبيد الله بن موسى العمري، عن حفص الأحمر، عن زيد بن علي، عن عمّته زينب بنت علي، عن فاطمة (عليها السّلام) بمثله، وزاد بعضهم على بعض في اللفظ(١) .

٧- قال السيد المرتضى: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدّثني محمد بن أحمد الكاتب، حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي، قال: حدّثنا الزيادي، قال: حدّثنا الشرقي بن القطامي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدّثنا صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة.

قال المرزباني: وحدّثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي، قال: حدّثنا أبو العينا محمد بن القاسم السيمامي، قال: حدّثنا ابن عائشة، قال: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقبلت فاطمة (عليها السّلام) في لمّة من حفدتها إلى أبي بكر.

وفي الرواية الأولى قالت عائشة: لما سمعت فاطمة (عليها السّلام) إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ثمّ اجتمعت الروايتان من...(٢) .

وقال السيد المرتضى في وسط الخطبة: أو قالت: ويخمد لهبهتا بحدّه مكدوداً في ذات الله وأنتم في رفاهية، فكهون آمنون وادعون. إلى هاهنا انتهى خبر أبي العيناء، عن ابن عائشة، وزاد عروة بن الزبير، عن عائشة...(٣) .

____________________

١ - علل الشرائع ١/٢٤٨.

٢ - الشافي في الإمامة ٤/٦٩ - ٧١.

٣ - الشافي في الإمامة ٤/٧٣ - ٧٤.

٥٧٧

وقال السيد المرتضى: وأخبرنا أبو عبد الله المرزباني، قال: حدّثني علي بن هارون، قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن أبي طاهر، عن أبيه، قال: ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي كلام فاطمة (عليها السّلام) عند منع أبي بكر إيّاها فدكاً.

وقلت له: إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع، وإنّه كلام أبي العيناء؛ لأنّ الكلام منسوق البلاغة. فقال لي: رأيت مشائخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم... إلى آخر ما تقدّم في كلام ابن طيفور(١) .

٨- قال الطبري الإمامي: حدّثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن سعيد الزيات، قال: حدّثنا محمد بن الحسين القصباني، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي السكوني، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب الربعي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما بلغ فاطمة (عليها السّلام) إجماع أبي بكر على منع فدكاً....

وقال أيضاً: وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدّثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري، قال: حدّثنا علي بن حسان، عن عمّه عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السّلام)، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن عمّته زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السّلام)، قالت: لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة (عليها السّلام) فدكاً....

وقال أبو العباس: وحدّثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم الأشعري، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عمرو بن عثمان الجعفي، قال: حدّثني

____________________

١ - الشافي في الإمامة ٤/٧٦ - ٧٨.

٥٧٨

أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن عمّته زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) وغير واحد، من أنّ فاطمة لما أجمع أبو بكر على منعها فدكاً....

وقال أيضاً: وحدّثني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن مخلد بن سهل بن حمران الدقاق، قال: حدّثتني أم الفضل خديجة بنت محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قالت: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري، قال: حدّثنا محمد بن زكريا، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، قال: حدّثني أبي عن الحسن بن صالح بن حي - قال: وما رأت عيناي مثله - قال: حدّثني رجلان من بني هاشم، عن زينب بنت علي (عليهما السّلام)، قالت: لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منع فدك، وانصراف وكيلها عنه، لاثت خمارها... وذكر الحديث.

قال الصفواني: وحدّثني محمد بن محمد بن يزيد مولى بني هاشم، قال: حدّثني عبد الله بن محمد بن سليمان، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن جماعة من أهله... وذكر الحديث.

قال الصفواني: وحدّثني أبي، عن عثمان، قال: حدّثنا نائل بن نجيح، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السّلام)... وذكر الحديث.

قال الصفواني: وحدّثنا عبد الله بن الضحاك، قال: حدّثنا هشام بن محمد، عن أبيه وعوانة.

قال الصفواني: وحدّثنا ابن عائشة ببعضه. وحدّثنا العباس بن بكار، قال: حدّثنا حرب بن ميمون، عن زيد بن علي، عن آبائه (عليهم السّلام) قالوا: لما بلغ فاطمة (عليها السّلام)

٥٧٩

إجماع أبي بكر على منعها فدكاً...(١) .

٩- قال السيد ابن طاووس: ما ذكره الشيخ أسعد بن سقروة في كتاب الفائق، عن الأربعين، عن الشيخ المعظم عندهم، الحافظ الثقة بينهم، أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني في كتاب المناقب، قال: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن إبراهيم، قال: حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي، قال: حدّثنا الزيادي محمد بن زياد، قال: حدّثنا شرفي بن قطامي، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أنّها قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السّلام) أنّ أبا بكر قد أظهر منعها فدكاً لاثت خمارها...(٢) .

١٠- أوردها عمر رضا كحالة من دون ذكر السند(٣) .

____________________

١ - دلائل الإمامة/١١٢ وما بعده.

٢ - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف/٢٦٣ - ٢٦٤.

٣ - أعلام النساء ٤/١١٦ - ١٢٩.

٥٨٠