فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 273926
تحميل: 6260

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 273926 / تحميل: 6260
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ملحق رقم (٢)

خطبة الزهراء (عليها السّلام) الصغرى

قال الطبرسي(١) : قال سويد بن غفلة: لما مرضت فاطمة (سلام الله عليها) المرضة التي توفّيت فيها دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلنَ لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟

فحمدت الله، وصلّت على أبيها، ثمّ قالت: «أصبحت والله عائفة(٢) لدنياكن، قالية(٣) لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم(٤) ، وسئمتهم بعد أن سبرتهم(٥) ؛ فقبحاً لفلول الحد(٦) ، واللعب بعد الجد، وقرع الصفاة(٧) ، وصدع القناة(٨) ، وختل(٩) الآراء وزلل الأهواء، وبئس

____________________

١ - الاحتجاج ١/١٤٦ - ١٤٩.

٢ - عاف الشيء: كرهه فتركه.

٣ - قلى الشيء: أبغضه.

٤ - لفظ الشيء: رمى به. وعجم الشيء: اختبره وامتحنه. ومرادها (عليها السّلام) الكناية عن بغضها لرجالهنّ بعد أن اختبرتهم ورأت سوء مواقفهم وأعمالهم.

٥ - يعني: اختبرتهم وامتحنتهم.

٦ - الفلول جمع فل: الكسر أو الثلمة في حدّ السيف. وهو يوجب وهنه، كما وهن رجال المهاجرين والأنصار إزاء واجبهم في أمر الخلافة.

٧ - القرع: الضرب. والصفاة: الحجر الصلد الضخم. وكأنها (عليه السّلام) تشير إلى عدم الفائدة في قرع الحجر الصلد، كما لا يؤثر التقريع في الرجال المذكورين، لقسوة قلوبهم.

٨ - القناة: الرمح. والصَدع: الشق في الشيء الصلب. وهي (عليها السّلام) بذلك تشير إلى أنّ انشقاق عود الرمح يوجب سقوطه عن أن ينتفع به، كما هو حال الرجال المذكورين.

٩ أ الختل: الخدع.

٥٨١

ما قدمت لهم أنفسهم( أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (١) .

لا جرم(٢) لقد قلّدتهم ربقتها(٣) ، وحملتهم أوقتها(٤) ، وشننت عليهم غاراتها(٥) ، فجدعاً(٦) وعقراً(٧) ، و( بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٨) .

ويحهم أنّى زعزعوها(٩) عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين(١٠) بأمور الدنيا والدين؟!( أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (١١) .

وما الذي نقموا من أبي الحسن (عليه السّلام)؟! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلّة مبالاته لحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره(١٢) في ذات الله.

وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سجحاً(١٣) لا يكلم حشاشه(١٤) ، ولا

____________________

١ - سورة المائدة/٨٠.

٢ - عن الفراء أنّه قال: لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بدّ ولا محالة، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحوّلت إلى معنى القسم، وصارت بمنزلة حقّاً.

٣ - التقليد جعل الشيء في العنق، كالقلادة. والربقة بالكسر: العروة في الحبل. ومرادها (عليها السّلام) أنّها تحمّلهم جريمة نقل الخلافة عن موضعها ومسؤولية ذلك.

٤ - الأوق الثقل. وهذه الفقرة مؤكّدة لمضمون الفقرة السابقة.

٥ - شنّ الغارة عليهم: وجهها من كلّ جهة. ومرادها (عليها السّلام) توجيه اللوم والتبكيت عليهم.

٦ - الجدع: قطع الأنف ونحوه. يُقال: جدعاً لك، أي: جعلك الله معيباً وقطع عنك الخير.

٧ - العقر الجرح ونحوه ممّا يوقع بالشيء ويعيبه. وهذه الفقرة مؤكّدة لمضمون الفقرة السابقة.

٨ - سورة هود/٤٤.

٩ - أي: الخلافة.

١٠ - رجل طبن أي: فطن حاذق عالم بكلّ شيء. ولعلّ الطبين مبالغة في ذلك.

١١ - سورة الزمر/١٥.

١٢ - التنمر: الغضب والشدّة.

١٣ - مشية سحج أي: سهلة.

١٤ - الكلم: الجرح. والحشاش بكسر الحاء المهملة: الجانب من كلّ شيء. وكأنّ المراد أنّ السير سهل بحيث =

٥٨٢

يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً(١) نميراً(٢) ، صافي روي، تطفح ضفتاه(٣) ، ولا يترنق جانباه(٤) ، ولأصدرهم بطاناً(٥) ، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلّى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ريّ الناهل(٦) ، وشبعة الكافل(٧) ، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب.

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (٨) ،( وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ) (٩) .

ألا هلمّ فاسمع؟! وما عشت أراك الدهر عجباً! وإن تعجب فعجب قولهم!... ليت شعري إلى أيّ أسناد استندوا؟! وإلى أيّ عماد اعتمدوا؟! وبأيّة عروة تمسّكوا؟! وعلى أيّة ذرية أقدموا واحتنكوا(١٠) ( لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ

____________________

= لا يجرح الحبل الذي يشدّ به وسط الدابة جنبه، وفي نسخة أخرى ورواية أخرى للخطبة: «لا يكلّم خشاشه» بكسر الخاء المعجمة وهو الخشبة التي تجعل في أنف البعير ويشدّ بها الزمام؛ ليكون أسرع لانقياده. وهذه الخشبة قد تجرح أنف البعير، أو تخرمه عند صعوبة السير، ولا يكون ذلك مع سهولة السير.

١ - أورد الإبل الماء: جاء بها ليسقيه. والمنهل: الماء الذي يقع في طريق السائر.

٢ - النمير: الزاكي النامي.

٣ - طفح الإناء: امتلأ وفاض.

٤ - ترنق الماء: تكدر.

٥ - يعني: يرجعهم شباعاً مكتفين. وذلك كلّه لبيان كفاءته (عليه السّلام) وحسن رعايته للرعية.

٦ - النهل: الشرب الأوّل. وفيه إشارة إلى اكتفائه (عليه السّلام) بالقليل.

٧ - الكافل: ذو العيال. ومن شأنه أن يكتفي لنفسه بمقدار الحاجة، وسدّ الرمق من أجل أن يكفي عياله.

٨ - سورة الأعراف/٩٦.

٩ - سورة الزمر/٥١.

١٠ - احتنكه: استولى عليه. واحتنك الجراد الأرض: كلّ ما عليه. ومنه قوله تعالى عن إبليس:( لأَحتَنِكنَّ ذُريتَهُ إلّا قَليلاً ) . ومرادها (عليها السّلام) بالذرية ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

٥٨٣

الْعَشِيرُ ) (١) ، و( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) (٢) ، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم(٣) ، والعجز بالكاهل(٤) ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.( أَلا أنّهم هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ) (٥) . ويحهم( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٦) ؟!.

أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج(٧) ، ثمّ احتلبوا ملء القعب(٨) دماً عبيطاً، وزعافاً مبيداً(٩) ، هنالك( يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ) (١٠) ، ويعرف البطالون(١١) غبّ(١٢) ما أسّس الأوّلون، ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمئنوا للفتنة جاشاً(١٣) ، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج شامل، واستبداد

____________________

١ - سورة الحج/١٣.

٢ - سورة الكهف/٥٠.

٣ - الذنابى: الذنب. والقوادم: مقاديم ريش الطائر، أو أربع ريشات في مقدم جناحه.

٤ - العجز: مؤخّر الجسم أو مؤخّر كلّ شيء. والكاهل: أعلى الظهر ممّا يلي العنق. وكاهل القوم: معتمدهم في الملمات وسندهم في المهمات.

٥ - سورة البقرة/١٢.

٦ - سورة يونس/٣٥.

٧ - شبّهت (عليها السّلام) الفتنة في نقل الخلافة عن موضعها بالجنين الذي يبدأ بلقاح الأنثى من دون أن يكون له مظهر، ولا يظهر إلّا بإنتاج الدابة وولادتها. ثمّ استعرضت (عليها السّلام) ما يترتّب على الفتنة المذكورة بعد الإنتاج من المآسي والسلبيات المريعة.

٨ - القعب: القدح الضخم الغليظ.

٩ - سمّ زعاف: يقتل سريعاً. يعني: إنّ الخير الذي ينتظرونه من الدين الحنيف ينقلب وبالاً. فهم بدل أن يحتلبوا اللبن السائغ يحتلبوا الدم العبيط والسمّ القاتل.

١٠ - سورة الجاثية/٢٧.

١١ - البطال: الفارغ المتعطل عن العمل. ولا يتضح وجه مناسبته للمقام. ومن الظاهر أنّ الصحيح ما في النسخ الأخر وطرق الخطبة الأخر، وهو: «ويعرف التالون...» وهو جمع التالي، بمعنى المتأخّر.

١٢ - الغب بالكسر: العاقبة.

١٣ - جاش: غلا وهاج واضطر. وكأن مرادها (عليها السّلام): وطنوا أنفسكم على هيجان الفتن وتتابعها.

٥٨٤

من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً(١) ، فيا حسرة لكم! وأنّى بكم وقد عميت عليكم!(٢) ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) (٣» ).

قال سويد بن غفلة فأعادت النساء قولها (عليها السّلام) على رجالهنّ؛ فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار متعذرين، وقالوا: يا سيّدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره.

فقالت (عليها السّلام): إليكم عنّي فلا عذر بعد تعذيركم(٤) ، ولا أمر بعد تقصيركم.

____________________

١ - حصد القوم بالسيف: قتلهم.

٢ - كناية عن جهلهم بسوء عاقبة عملهم.

٣ - سورة هود/٢٨.

٤ - التعذير في الأمر التقصير فيه. وعذّر الرجل: لم يثبت له عذر. وذلك إذا لم يأت بعذر صدق.

٥٨٥

مصادر الخطبة

وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة:

١- قال ابن طيفور أحمد بن أبي طاهر: وحدّثني هارون بن مسلم بن سعدان، عن الحسن بن علوان، عن عطية العوفي، قال: لما مرضت فاطمة (عليها السّلام) المرضة التي توفّيت بها دخل النساء عليها...(١) .

٢- قال ابن أبي الحديد: قال أبو بكر: وحدّثنا محمد بن زكريا، قال: حدّثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي، عن عبد الله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن حسن بن حسن، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين (عليها السّلام)، قالت: لما اشتدّ بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوجع، وثقلت في علّتها اجتمع عندها نساء...(٢) .

٣- ورواها جماعة كاملة من دون ذكر السند، كابن الدمشقي(٣) ، والآبي(٤) ، والسيّدة زينب العاملية(٥) .

٤- قال الصدوق: حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني، قال: حدّثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا، قال: حدّثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي، قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين (عليهما السّلام)، قالت: لما اشتدّت علّة فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليها)...

____________________

١ - بلاغات النساء/١٩ - ٢٠ كلام فاطمة وخطبها.

٢ - شرح نهج البلاغة ١٦/٢٣٣.

٣ - جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السّلام) ١/١٦٤ - ١٦٨.

٤ - نثر الدر ٤/٨ الباب الأوّل كلام للنساء الشرائف، فاطمة ابنة رسول الله (عليها السّلام)، قولها عند احتضارها.

٥ - الدرّ المنثور في طبقات ربات الخدور/٢٣٣ في ذكر زينب بنت الإمام علي (كرّم الله وجهه).

٥٨٦

وحدّثنا بهذا الحديث أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن، المعروف بابن مقبرة القزويني، قال: أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام)، قال: حدّثني محمد بن علي الهاشمي، قال: حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام)، قال: «لمّا حضرت فاطمة (عليها السّلام) الوفاة دعتني، فقالت: أمنفّذ أنت وصيّتي وعهدي؟...».

قال: فلما اشتدت علتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار...»(١) .

٥ - قال الشيخ الطوسي: أخبرنا الحفّار، قال: حدّثنا الدعبلي، قال: حدّثنا أحمد بن علي الخزاز ببغداد بالكرخ بدار كعب، قال: حدّثنا أبو سهل الرفاء، قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال الدعبلي: وحدّثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الدبري، بصنعاء اليمن في سنة ثلاث وثمانين ومئتين، قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: دخلت نسوة من المهاجرين والأنصار على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعدنها في علتها...(٢) .

٦ - وقال الطبري(٣) : حدّثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري، قال: حدّثنا علي بن حسان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السّلام)، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين (عليهم السّلام)، قال: «لمّا رجعت فاطمة إلى منزلها فتشكّت، وكانت وفاتها

____________________

١ - معاني الأخبار/٣٥٤ - ٣٥٦.

٢ - الأمالي - للطوسي/٣٧٤.

٣ - دلائل الإمامة/١٢٥ - ١٢٩.

٥٨٧

في هذه المرضة، دخل إليها النساء المهاجرات والأنصاريات...».

وحدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي، قال: حدّثتني أُمّ الفضل خديجة بنت أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قالت: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدّثني محمد بن زكريا، قال: حدّثنا محمد بن عبد الرحمان المهلبي، قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن سليمان المدائني، قال: حدّثني أبي، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين، قالت: لما اشتدّت علّة فاطمة (عليها السّلام)....

٧- وقال ابن جبر(١) : وقد قالت في خطبتها التي رواها كثير من العلماء في مواضع كثيرة لا تُحصى كثرة. والنقل من كتاب جدّي أبي عبد الله الحسين بن جبير (رحمه الله)، المعروف بكتاب الاعتبار في إبطال الاختيار، فمن جملة خطبتها (عليها السّلام) أنّها قالت: «أصبحت والله عائفة...».

____________________

١ - نهج الإيمان - لابن جبر/٦٢١.

٥٨٨

ملحق رقم (٣)

خطبة السيّدة زينب (عليها السّلام) في الكوفة

قال الخوارزمي(١) : قال بشير بن حذيم الأسدي: نظرت إلى زينب بنت علي يومئذٍ - ولم أرَ خفرة قطّ أنطق منها، كأنّما تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وتفرغ عنه - أومأت إلى الناس أن اسكتوا. فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس.

فقالت: الحمد لله، والصلاة على أبي محمد رسول الله وعلى آله الطيبين الأخيار آل الله.

وبعد يا أهل الكوفة، ويا أهل الختل(٢) والخذل، والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة(٣) ، ولا هدأت الرنّة. إنّما مثلكم كمثل( الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قوّة أَنكَاثاً ) (٤) أتتخذون أيمانكم دخلاً بينكم؟(٥) ألا وهل فيكم إلّا الصلف(٦) ،

____________________

١ - مقتل الحسين ٢/٤٠ - ٤٢.

٢ - الختل بالفتح والسكون: الغدر.

٣ - رقأ الدمع والدم: جفّ. وهي (عليها السّلام) تشير بذلك إلى عِظَم الفاجعة بحيث تستحق الاستمرار بالبكاء تفجع، أو إلى عِظَم الجريمة بحيث تستحق الاستمرار بالبكاء ندم.

٤ - سورة النحل/٩٢.

٥ - وفي بعض طرق الخطبة:( تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) . فتكون تتمّة الآية الشريفة.

٦ - صلِف صلفاً: تمدح بما ليس فيه، أو بما ليس عنده، وادّعى فوق ذلك إعجاباً وتكبّراً.

٥٨٩

والطنف(١) ، والشنف(٢) ، والنطف(٣) ، وملق الإماء(٤) ، وغمز الأعداء(٥) ، أو كمرعى على دمنة(٦) ، أو كقصّة على ملحودة!(٧) ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم، أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.

أتبكون وتنتحبون؟ إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها(٨) ، ولن ترحضوها(٩) بغسل بعدها أبداً.

وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم(١٠) ، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدره ألسنتكم(١١) . ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ حريم له أصبتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟( لَقَدْ جِئْتُمْ

____________________

١ - طنِفَ طنفاً: اتهم.

٢ - الشنِف بكسر النون: المبغض. والشنَف بفتح النون: البغض والتنكر، أو شدّة البغض.

٣ - النطِف بكسر الطاء: النجس. والرجل النطف: المريب.

٤ - ملقه وملق له ومالقه: تودّد إليه وتذلّل، وأبدى له بلسانه من الإكرام والود ما ليس له. ونسبته للإماء للكناية عن الهوان وضعف النفس.

٥ - الغمز: الطعن والسعي بالشرّ.

٦ - المرعى: الكلأ ونبات الأرض. والدِمنة بكسر الدال: المزبلة.

٧ - القصة: الجصة. والملحودة: القبر. فشبّهتهم (عليها السّلام) بالجص الذي يجصص به القبر في حسن الظاهر وفساد الباطن. وبذلك تؤكّد مضامين الفقرات السابقة.

٨ - الشنار: أقبح العيب.

٩ - فسر الرحض بالغسل. ومرادها (عليها السّلام) هنا أثره، وهو إزالة القذر؛ لبيان أنّ عار الجريمة لازم لهم، لا ينفع شيء في رفعه ونسيانه.

١٠ - يعني: الذي يلوذ به ويلجأ إليه خياركم. وفي بعض طرق الخطبة: وملاذ حيرتكم، بالحاء المهملة. يعني: الذي تلوذون به، وتلجأون إليه عند تحيّركم واشتباه الأمور عليكم.

١١ - المِدره بكسر الميم وسكون الدال وفتح الراء: زعيم القوم المتكلّم عنهم.

٥٩٠

شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ) (١) .

إنّما جئتم بها لصلعاء عنقاء(٢) ، سوءاء(٣) ، فقماء(٤) ، خرقاء(٥) ، شوهاء(٦) كطلاع الأرض(٧) ، وملأ السماء(٨) . أفعجبتم أن قطرت السماء دماً؟ ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى وأنتم لا تنصرون.

فلا يستخفّنكم المهل؛ فإنّه (عزّ وجلّ) لا يحفزه البدار(٩) ، ولا يخاف فوت الثار. كلا إنّ ربكم لبالمرصاد، فترقّبوا أوّل النحل(١٠) وآخر صاد(١١) .

قال بشير: فوالله، لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى، كأنّهم كانوا سكارى، يبكون ويحزنون، ويتفجعون ويتأسّفون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم.

قال: ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفاً إلى جنبي، قد بكى حتى اخضلّت لحيته بدموعه وهو يقول: صدقتِ بأبي وأُمّي. كهولكم خير الكهول، وشبانكم خير الشبان، ونساؤكم خير النسوان، ونسلكم خير نسل، لا يُخزى ولا يُبزى(١٢) .

____________________

١ - سورة مريم/٨٩ - ٩٠.

٢ - الصلعاء: الداهية الشديدة. والعنقاء: الداهية. وكلاهما يبتني على نحو من المجاز.

٣ - السوءاء بمعنى السيئة، والخلّة القبيحة.

٤ - الأمر الأفقم: الأعوج المخالف. ويرد مورد الذم.

٥ - الخرقاء من الخَرَق - بفتح الخاء - والشق، أو مؤنث الأخرق وهو الأحمق. وعلى كلا التقديرين فهي ترد مورد الذم.

٦ - امرأة شوهاء: قبيحة.

٧ - طلاع الأرض: ملؤه. وهو مبالغة في شدّة الذم وكثرته.

٨ - الظاهر أنّ المراد بالسماء هنا الفضاء الواسع بين السماء والأرض. وملؤه مبالغة في شدّة الذم وكثرته، كسابقه.

٩ - يعني: لا يستخفه ويعجله.

١٠ - وهو قوله تعالى:( أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) .

١١ - وهو قوله تعالى:( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) .

١٢ - يعني: لا يُقهر ولا يُغلب.

٥٩١

مصادر الخطبة

وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة:

١- قال ابن طيفور أحمد بن أبي طاهر(١) : عن سعيد بن الحميري أبي معاذ، عن عبد الله بن عبد الرحمن - رجل من أهل الشام -، عن شعبة، عن حذام الأسدي - وقال مرّة أُخرى حذيم - قال: قدمت الكوفة سنة إحدى وستين وهي السُنّة التي قُتل فيها الحسين (عليه السّلام) فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمنَ مهتّكات الجيوب....

وحدّثنيه عبد الله بن عمرو، قال: حدّثني إبراهيم بن عبد ربّه بن القاسم بن يحيى بن مقدم المقدمي، قال: أخبرني سعيد بن محمد أبو معاذ الحميري، عن عبد الله بن الرحمن رجل من أهل الشام، عن حذام الأسدي، قال: قدمت الكوفة سنة إحدى وستين، وهي السُنّة التي قُتل فيها الحسين بن علي (عليه السّلام)....

٢- ورواها جماعة من دون ذكر السند، كابن أعثم(٢) ، والآبي(٣) ، وابن حمدون(٤) ، وأحمد زكي صفوت(٥) .

٣- قال الشيخ المفيد(٦) : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدّثني أحمد بن محمد الجوهري، قال: حدّثنا محمد بن مهران، قال: حدّثنا

____________________

١ - بلاغات النساء/٢٣ - ٢٥ كلام أُمّ كلثوم بنت علي (عليها السّلام).

٢ - الفتوح - لابن أعثم ٥/١٣٩ - ١٤١ ذكر كلام زينب بنت علي (رضي الله عنهما).

٣ - نثر الدرّ ٤/١٩ - ٢٠ الباب الأوّل كلام للنساء الشرائف، أُمّ كلثوم بنت علي.

٤ - التذكرة الحمدونية ٢/٢٣٥ الباب الثلاثون في الخطب.

٥ - جمهرة خطب العرب ٢/١٣٤ - ١٣٦ الباب الثالث الخطب والوصايا في العصر الأموي، خطب بني هاشم وشيعتهم وما يتصل بها، خطبة السيدة أُمّ كلثوم بنت علي في أهل الكوفة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام).

٦ - الأمالي - للمفيد/٣٢٠ - ٣٢١.

٥٩٢

موسى بن عبد الرحمن المسروقي، عن عمر بن عبد الواحد، عن إسماعيل بن راشد، عن حذلم بن ستير، قال: قدمت الكوفة في المحرّم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن الحسين (عليهما السّلام) بالنسوة من كربلاء، ومعهم الأجناد محيطون بهم وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلمّا أقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء أهل الكوفة....

كما رواها الشيخ الطوسي(١) عن الشيخ المفيد (رضوان الله عليهما) بالسند المتقدّم.

٤- وقد رويت في مصادر كثيرة عند الشيعة(٢) .

____________________

١ - الأمالي - للطوسي/٩١ - ٩٢.

٢ - راجع الاحتجاج ٢/٢٩، ومناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ٣/٢٦١، ومثير الأحزان/٦٦ - ٦٧، واللهوف في قتلى الطفوف/٨٦ - ٨٨، وغيرها من المصادر.

٥٩٣

٥٩٤

ملحق رقم (٤)

خطبة السيّدة زينب (عليها السّلام)

في مجلس يزيد في الشام

قال الخوارزمي(١) : لما أُدخل رأس الحسين وحرمه على يزيد بن معاوية، وكان رأس الحسين بين يديه في طست جعل ينكت ثناياه بمخصرة في يده ويقول:

ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيدَ لا تُشل

لستُ من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كانَ فعل

فقامت زينب بنت علي، وأُمّها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على سيّد المرسلين. صدق الله تعالى إذ يقول:( ثمّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) (٢) .

أظننت يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، وأصبحنا نساق كما تساق الأسارى - أنّ بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وأنّ ذلك لعِظَم

____________________

١ - مقتل الحسين ٢/٦٤ - ٦٦.

٢ - سورة الروم/١٠.

٥٩٥

خَطَرِك(١) عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عِطفك(٢) ، [تضرب أصدريك(٣) فرحاً، وتنفض مذوريك(٤) مرحاً](٥) ، جذلان(٦) مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة(٧) ، والأمور متّسقة(٨) ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا.

فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إنّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إنّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (٩) .

أمن العدل يابن الطلقاء(١٠) تخديرك(١١) حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهنَّ، وأبديت وجوههنَّ، يُحدى بهنَّ من بلد إلى بلد، ويستشرفهنَّ(١٢) أهل المناهل والمناقل(١٣) ، ويتصفّح(١٤) وجوههنَّ القريب والبعيد، والدني والشريف. ليس معهنَّ من رجالهنَّ ولي، ولا من حماتهنَّ حمي.

____________________

١ - الخطر: رفعة الشأن والمقام.

٢ - عِطف الشيء: جانبه. والنظر في العطف كناية عن الإعجاب بالنفس.

٣ - الأصدران: عرقان يضربان تحت الصدغين. يُقال: جاء يضرب أصدريه. يعني جاء فارغاً. ولعلّها (عليها السّلام) أرادت فراغ باله، وانكشاف همّه؛ نتيجة ظفره وانتصاره.

٤ - المذوران: طرفا الإليتين. ومنه جاء ينفض مذوريه. أي باغياً مهدّداً.

٥ - لم ترد هذه الفقرة في مقتل الخوارزمي، وذكرت في مصادر أخرى.

٦ - الجذلان: الفرح.

٧ - استوسق: اجتمع وانقاد. واستوسق الأمر: انتظم.

٨ - اتسق الأمر: انتظم واستوى.

٩ - سورة آل عمران/١٧٨.

١٠ - الطلقاء: هم الذين عفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مشركي قريش بعد فتح مكة، وقال لهم في حديث له معهم: «فاذهبوا فأنتم الطلقاء». ومنهم معاوية أبو يزيد.

١١ - الخِدر بكسر الخاء: ما يفرد للنساء من السكن ويستترنَ به. وخدّر البنت: ألزمها الخِدر.

١٢ - استشرف الشيء: رفع بصره لينظر إليه باسطاً كفه فوق حاجبه.

١٣ - المناهل: المياه التي على طريق الرحل والمسافرين. والمناقل: الطرق المختصرة، أو الطرق في الجبال.

١٤ - تصفّح القوم: تأمّل وجوههم؛ ليتعرّف أمرهم.

٥٩٦

وكيف ترجى المراقبة ممّنْ لفظ فوه(١) أكباد السعداء، ونبت لحمه بدماء الشهداء؟! وكيف لا يُستبطأ في بغضنا أهل البيت مَنْ نظر إلينا بالشنَف والشنَآن(٢) ، والإحَن(٣) والأضغان؟! ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم:

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيدَ لا تُشل

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله تنكتها بمخصرتك(٤) .

وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة(٥) ، واستأصلت الشأفة(٦) ، بإراقتك دماء آل ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب.

أتهتف بأشياخك زعمت تناديهم، فلتردنَّ وشيكاً موردهم، ولتودّنَّ أنّك شُللت وبُكمت، ولم تكن قلت ما قلت.

اللّهمّ خذ بحقنا، وانتقم ممّنْ ظلمنا، وأحلل غضبك بمَنْ سفك دماءنا، وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت إلّا جلدك، ولا جززت إلّا لحمك(٧) ، ولتردنَّ على رسول

____________________

١ - يعني: فمه وفيه. إشارة إلى أنّ هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وأُمّ معاوية وجدّة يزيد بقرت بطن حمزة عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستخرجت كبده وأرادت أكلها فمضغتها فلم تستسغها؛ لأنّها صارت حجراً في فمها؛ فلفظتها ورمت بها.

٢ - الشنَف: البغض. والشنَآن: البغض مع عداوة وسوء خلق.

٣ - الإحن جمع إحنة: الحقد الكامن المضمر.

٤ - نكت الشيء بالقضيب: ضربه به في حال التفكّر بنحو يؤثّر فيه. والمخصرة بكسر الميم: العصا ونحوها ممّا يتوكأ عليه.

٥ - نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ. وهو كناية عن العدوان بتهييج المصائب والآلام.

٦ - شأفة الرجل: أهله وماله. ورجل شأفة: عزيز منيع.

٧ - كأنّها (عليها السّلام) تشير إلى سوء عاقبة عمله عليه. نظير قوله تعالى:( مَن عَمِل صالِحاً فلِنَفسِهِ وَمَن أَساءَ فَعَلَيه ) سورة فصلت/٤٦.

٥٩٧

الله بما تحمّلت من سفك دماء ذريته، وانتهاك حرمته في لحمته(١) وعترته، وليخاصمنّك حيث يجمع الله تعالى شملهم، ويلمّ شعثهم(٢) ، ويأخذ لهم بحقّهم.( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٣) . فحسبك بالله حاكماً، وبمحمد خصماً، وبجبرائيل ظهيراً.

وسيعلم من سوّل لك، ومكّنك من رقاب المسلمين أن( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) (٤) ، وأيّكم( شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُند ) (٥) .

ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك؛ فإنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصدور حرّى.

ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء. فتلك الأيدي تنطف(٦) من دمائنا، وتلك الأفواه تتحلّب(٧) من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل(٨) ، وتعفوها الذئاب، وتؤمّها الفراعل(٩) .

فلئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً(١٠) مغرماً، حين لا تجد إلّا ما قدّمت

____________________

١ - اللُحمة بضم اللام: القرابة.

٢ - الشعث: انتشار الأمر. يُقال: لمّ الله شعثهم. أي جمع أمرهم.

٣ - سورة آل عمران/١٦٩.

٤ - سورة الكهف/٥٠.

٥ - سورة مريم/٧٥.

٦ - نطف: تلطخ بعيب.

٧ - تحلب فمه: سال بالريق.

٨ - تنتابها: تتردّد عليه. والعواسل: الذئاب.

٩ - عفره: مرغه وقلبه في التراب. والفراعل جمع فرعل: ولد الضبع. والمعنى أنّ الضباع تقلّبها في التراب. وكأنّها (عليها السّلام) تشير إلى أنّهم بتركهم تلك الجثث الزواكي من دون دفن جعلوها عرضة للذئاب والضباع. ولا ينافي ذلك أنّ الله سبحانه يسّر لها مَنْ يدفنها ويمنعها من أن تنتهك حرمتها.

١٠ - يعني: قريباً وسريعاً.

٥٩٨

يداك. وأنّ الله ليس بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى، وعليه المعول.

فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب(١) جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تدرك أمدنا(٢) ، ولا ترحض(٣) عنك عارها، ولا تغيب منك شنارها.

فهل رأيك إلّا فند(٤) ، وأيّامك إلّا عدد(٥) ، وشملك إلّا بدد، يوم ينادي المنادي:( أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمينَ ) (٦) .

فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والرحمة، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة. وأسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، وحسن المآب، ويختم بنا الشرافة، إنّه رحيم ودود، و( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٧) ( نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (٨) .

____________________

١ - ناصبه: عاداه وقاومه.

٢ - أمد الخيل في الرهان: منتهى غاياتها التي تسبق إليها. ومرادها (عليها السّلام) الكناية عن مدى شرفهم (عليهم السّلام) ورفعة شأنهم.

٣ - الرحض: الغسل، وروي (تدحض) بالدال من الدحض وهو الدفع.

٤ - الفَنَدْ: الخطّ.

٥ - يعني: معدودة. وذلك كناية عن قلته.

٦ - سورة هود/١٨.

٧ - سورة آل عمران/١٧٣.

٨ - سورة الأنفال/٤٠.

٥٩٩

مصادر الخطبة

وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة:

وقد رواها الخوارزمي(١) بسنده، قال: أخبرنا الشيخ الإمام مسعود بن أحمد، فيما كتب إليّ من دهستان، أخبرنا شيخ الإسلام أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي، أخبرنا الشيخ أبو حامد، أخبرنا أبو حفص عمر بن الجازي بنيسابور، أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد المؤدّب الساري، حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد الحجري، أخبرنا أبو بكر محمد بن دريد الأزدي، حدّثنا العكي، عن الحرمازي، عن شيخ من بني تميم من أهل الكوفة، قال: لما أُدخل....

ورواها جماعة كاملة من دون ذكر السند، كابن طيفور(٢) ، وابن حمدون(٣) ، وأحمد زكي صفوت(٤) وكحالة(٥) .

كما رويت في مصادر الشيعة(٦) .

____________________

١ - مقتل الحسين/٦٣ - ٦٤.

٢ - بلاغات النساء/٢١ - ٢٣ كلام زينب بنت علي (عليها السّلام).

٣ - التذكرة الحمدونية ٢/٢٣٤ الباب الثلاثون في الخطب.

٤ - جمهرة خطب العرب ٢/١٣٦ - ١٣٩ الباب الثالث الخطب والوصايا في العصر الأموي، خطب بني هاشم وشيعتهم وما يتصل بها، خطبة السيدة زينب بنت علي (عليها السّلام) بين يدي يزيد.

٥ - أعلام النساء ٢/٩٥ - ٩٧.

٦ - راجع الاحتجاج ٢/٣٤، واللهوف في قتلى الطفوف/١٠٥ - ١٠٨، ومثير الأحزان/٨٠ - ٨١، وغيرها من المصادر.

٦٠٠