الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية18%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99357 / تحميل: 7782
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

البركة فيه؛ وذلك لأن الفعل يحمل في طيّاته الطبيعة العامة والسنّة الإلهية الشاملة؛ ولذا قال اللَّه عزّ وجلّ في نفس سورة يوسف: ( لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً في السورة ذاتها: ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ) (٢) .

إذن، آية الاستشفاء ومشروعيته عامّة والمورد لا يخصّص الوارد.

هل الآية دليل على مشروعية الاستشفاء فقط؟

لابدّ من التنبيه هنا على أن الاستشفاع والتوسّل والاستغاثة والتبرّك والاستشفاء كلّها من باب واحد، وتندرج تحت طبيعة واحدة وإن تعدّدت عناوينها، فهي أصناف لطبيعة واحدة عامّة، وهي توسيط الواسطة لنجح المسؤول ونيل المطلوب.

فالتبرك مثلاً هو طلب البركة، أي طلب الحاجة بواسطة ما جعله اللَّه عزّ وجلّ من الحظوة والبركة في ذوات الأنبياء والأولياء المقدّسة أو ما يتعلّق بهم وينتسب إليهم.

وكذا الاستغاثة طلب قضاء الحاجة بواسطة المستغاث به في حالة خاصة، وهكذا بقيّة العناوين الأخرى كما ستأتي الإشارة إلى بعضها عند ذكر الفرق بين التوسّل والاستشفاع والشفاعة في الفصل الرابع.

وبناء على هذا يكون الاستشفاء بقميص يوسف عليه‌السلام المذكور في الآية

____________________

(١) يوسف: ٧.

(٢) يوسف: ١١١.

١٤١

المباركة توسيط وتبرّك وتوسّل بالقميص إلى اللَّه عزّ وجلّ.

وتكون هذه الآية الكريمة دالّة على مشروعية مطلق التوسيط بكلّ أصنافه، وليست الآية خاصة بالاستشفاء فقط، وهذا من الاستدلال على مشروعية النوع أو الجنس بمشروعية الصنف أو النوع.

هذا تمام الكلام في هذه الآية.

٢ - قصة البقرة، الواردة في قوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (١) ، فإن هذه القصة تتحدّث عن إحياء شخص من بني إسرائيل، قتل ظلماً واختلفوا في قاتله فأمرهم اللَّه تعالى للكشف عن قاتله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها، لتعود إليه الحياة ويتكلّم بذكر قاتله، قال عزّ وجلّ: ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَاتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٢) ، فهنا الباري تعالى مع كون الإحياء من فعله وليس هو بالأمر الهين، بل هو من الأمور العظيمة والكمالات الأولية لا الثانوية، مع ذلك جعل الوسيلة إليه الضرب بلحم بقرة مذكّاة، فكيف بك بالأنبياء والأوصياء، ألا تُستدرُّ بهم رحمة اللَّه عزّ وجلّ؟!

وتجدر الإشارة إلى أن البقرة لم تكن بقرة عادية، بل كانت محلّ العناية الإلهية، وقد ذُكرت لها أوصافاً خاصّة في الآيات المباركة وإن كان الاستقرار عليها بعناد من بني إسرائيل.

____________________

(١) البقرة: ٦٧.

(٢) البقرة: ٧٢ - ٧٣.

١٤٢

والفرق بين ما هو مذكور في هذه الآيات المباركة وبين تقديس البقر وعبادتها، هو وجود الأمر الإلهي وعدمه، وقد جعل اللَّه عزّ وجلّ البقرة سبباً من الأسباب الإلهية وموضعاً من مواضع قدره وإبرام قضائه في القصة المذكورة.

ويشهد على ما ذكرنا قوله تعالى في ذيل الآية الكريمة: ( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .

ومعنى ذلك أن اللَّه عزّ وجلّ جعل البقرة آية وواسطة لإحياء الموتى بإذنه ومشيئته.

٣ - قصة التابوت، التي وردت في قوله تعالى: ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (١) .

فالتابوت الذي فيه سكينة وبقيّة ممَّا ترك آل موسى وآل هارون جُعل آية معجزة لمُلك طالوت وإمامته، فتلك التركة بسبب علقتها بآل موسى وآل هارون واكتسابها البركة لإضافتها إليهم تصل إلى درجة الإعجاز والآية البيّنة لإثبات مطالب حقّة، وهي إمامة طالوت، وتوجب بروز ظواهر خارقة للعادة للتابوت تكوّن منه معجزة كما ورد في روايات الفريقين.

فهذه الواسطة تجاوزت حدّ الكرامة والبركة لتصل إلى درجة الحجّية

____________________

(١) البقرة: ٢٤٧ - ٢٤٨.

١٤٣

والإعجاز؛ ولذا قال اللَّه عزّ وجلّ في ذيل الآية الكريمة: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وذلك لبيان أن التابوت آية وعلامة وواسطة يتوسّط ويتوسل بها لإثبات مُلك طالوت وإمامته.

٤ - قصة السامري صاحب العجل، التي وردت في قوله تعالى في بني إسرائيل عندما ذهب موسى عليه‌السلام إلى ربّه: ( قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ) (١) ، إلى أن قال اللَّه عزّ وجلّ حكاية عن لسان موسى عليه‌السلام : ( قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) (٢) ، والرسول في الآية الكريمة كما في بعض الروايات هو جبرئيل عليه‌السلام عندما هبط وتمثّل على حصان ليستنقذ موسى عليه‌السلام وبني إسرائيل من فرعون وجنوده ويرشدهم إلى الطريق، من أجل العبور من مصر إلى الطرف الآخر، فكان على حصان نوريّ تمثّلي، وكان السامري من خواصّ النبيّ موسى عليه‌السلام ، فلاحظ أن حافر حصان جبرئيل عليه‌السلام عندما كان يخطو الحصان ينبت الزرع دفعة واحدة من تحته، فقبض قبضة من أثر حصان الرسول فنبذها في العجل، فإذا هو له خوار.

وقد وردت هذه القصة في روايات الفريقين:

ففي تفسير القمي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: (وكان السامري على مقدّمة موسى يوم أغرق اللَّه فرعون وأصحابه، فنظر إلى جبرئيل وكان على حيوان في صور

____________________

(١) طه: ٨٧ - ٨٨.

(٢) طه: ٩٥ - ٩٦.

١٤٤

رمكة (١) ، فكانت كلّما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري، وكان من خيار أصحاب موسى، فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل وكان يتحرك، فصرّه في صرّة، وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل، فلمَّا جاءهم إبليس واتخذوا العجل، قال للسامري: هات التراب الذي معك، فجاء به السامري، فألقاه إبليس في جوف العجل، فلمَّا وقع التراب في جوفه تحرك وخار) (٢) .

وفي جامع البيان للطبري قال: (وقوله: ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) يقول: قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرئيل)، ثم أخرج عن ابن عباس قوله: (لمَّا قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النار وتكسّرت، ورأى السامري أثر فرس جبرئيل عليه‌السلام فأخذ تراباً من أثر حافره، ثم أقبل إلى النار فقذفه فيها، وقال: كن عجلاً جسداً له خوار، فكان للبلاء والفتنة) وفي‏ حديث آخر عنه أيضاً: (فألقى القبضة على حُليّهم فصار عجلاً جسداً له خوار).

وأخرج أيضاً عن مجاهد في قول اللَّه تعالى: ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) قال: (من تحت حافر فرس جبرئيل، نبذه السامري على حلية بني إسرائيل فانسبك عجلاً جسداً له خوار) (٣) .

فإذا كان أثر التراب الذي لامس حافر فرس جبرئيل عليه‌السلام له ذلك التأثير مع أن السامري استخدمه في طريق الضلالة والغواية، فما بالك بمَن هو أشرف من جبرئيل عليه‌السلام ؟! ألا تكون المواضع التي وقف فيها الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبره

____________________

(١) الرمكة: الأنثى من الخيل.

(٢) تفسير القُمِّي، ج٢، ص٦٢.

(٣) جامع البيان، ج١٦، ص٢٥٤ - ٢٥٥.

١٤٥

والمواطن التي لامست بدنه الشريف ذات بركة وتأثير خارق لِمَا هو المعتاد، لا سيما إذا كان في طريق الهداية والانصياع للأوامر الإلهية؟!

٥ - عصا موسى عليه‌السلام ؛ حيث كانت وسيلة وواسطة للعديد من المعاجز الإلهية كانقلابها أفعى، وضرب البحر بها فكان كلّ فرق كالطود العظيم، وضرب الحجر بها فانفجرت اثنتا عشرة عيناً؛ كلّ ذلك لكونها مضافة إلى موسى عليه‌السلام ، فهي مباركة ببركة موسى عليه‌السلام وواسطة للكثير من المعاجز، فكيف بك بنفس موسى ومَن هو أفضل من موسى، ألا يكون واسطة ووسيلة لقضاء الحوائج التي هي لا تصل في العظمة والخطورة إلى حدّ المعجزة؟!

٦ - البيت الحرام؛ حيث جعله اللَّه عزّ وجلّ مباركاً تُطلب فيه البركة ويدعى فيه لقضاء الحوائج، وهو نوع توسيط لأجل طلب البركة، وذلك ما جاء في قوله تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) (١) .

____________________

(١) آل عمران: ٩٦.

١٤٦

الفصل الثالث:

شرطية التوسّل وضرورته في مقامات ثلاثة:

* قبول التوبة.

* قبول العبادات.

* نيل المقامات الإلهيّة.

١٤٧

الدليل الأول: معطيات الشهادة الثانية.

الدليل الثاني: التوسّل ضرورة عقلية.

الدليل الثالث: عموم وجوب طاعة اللَّه ورسوله وأولي الأمر.

الدليل الرابع: اقتران اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام بأعظم العبادات.

الدليل الخامس: ابتغاء الوسيلة ضرورة قرآنية.

الدليل السادس: شرطية الاستجارة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في طلب المغفرة.

الدليل السابع: التوسّل بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ميثاق مأخوذ على الأنبياء.

الدليل الثامن: ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم ) .

الدليل التاسع: الاستكبار والصدّ عن آيات اللَّه تعالى موجب لحبط الأعمال.

الدليل العاشر: خضوع الملائكة لوليّ اللَّه وخليفته.

١٤٨

شرطية التوسّل

وضرورته في مقامات ثلاثة

نريد أن نبيّن تحت هذا العنوان دور التوسّل وشرطيته في مقامات ثلاثة، وهي كالتالي:

المقام الأول: إن من شرائط التوبة وقبولها التوسّل بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

المقام الثاني: إن من شرائط قبول وصحة الإيمان (العقيدة) والعبادات مطلقاً التوسّل والتوجّه بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

المقام الثالث: إن أي توجّه إلى الحضرة الربوبية في صدد نيل مقام من المقامات الإلهية أو حظوة عند اللَّه تعالى لابدّ فيه من التوجّه بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام والتوسّل بهم.

فإن فقهاء الإمامية وغيرهم أيضاً ذكروا أن ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط في تلك المقامات الثلاثة، بمعنى معرفتهم والإيمان بإمامتهم.

وليس هذا ما نريد إثباته هنا؛ إذ هو مع وضوحه خارج عن محلّ البحث.

إذن؛ ما نريد بيانه هنا هو شرطية التوسّل بالنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام في تلك المقامات الثلاثة.

١٤٩

ولأجل اشتراك ما ادّعيناه في المقامات الثلاثة في طبيعة الأدلّة، نستعرضها ببيان واحد؛ وذلك يكون صالحاً لإثبات المدّعيات الثلاثة في المقامات المذكورة.

وإليك فيما يلي استعراض الأدلّة:

الدليل الأول: معطيات الشهادة الثانية

إن المعرفة والعقيدة والإيمان - الذي هو من العبادات، بل أعظم الفرائض الإلهية؛ لأنه إذعان وإخبات وتسليم وخضوع وانقياد للَّه تعالى، وهذه المعرفة الإيمانية للعقل والقلب هي عبادتهما وطوعانيتهما للَّه - نوع توجّه ولقاء للَّه تعالى ووفود على الحضرة الربوبية وزلفى وقرب بتوسّط الإيمان القلبي، وهذه العبادة القلبية العظيمة ممتنعة بلا واسطة، وذلك لعظمة اللَّه عزّ وجل، فلا اكتناه ولا إحاطة ولا مماسّة ولا ملامسة ولا مواجهة جسمية أو عقلية أو نفسية؛ إذ لا يُجابه الجسم إلّا ما يماثله في الجسمية، ولا يُجابه النفس أو العقل إلّا ما يماثلهما، واللَّه تعالى منزّه عن كونه جسماً أو نفساً أو عقلاً؛ لكونها من الممكنات المحدودة بحدود الماهية والفقر والحاجة.

إذن لابدّ من الوسيلة والواسطة في الإيمان، الذي هو أعظم العبادات وأعظم أنواع التوجّه إلى اللَّه تعالى؛ والواسطة هي الإيمان بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بالشهادة الثانية في مقام الإدلاء بالشهادة التوحيدية المقبولة عند اللَّه تعالى، والموجبة للخروج من حظيرة الشرك إلى التوحيد الإسلامي الخالص؛ لأنه أعظم آية للحقّ سبحانه.

وإذا كان للوسيلة هذا الدور الخطير في المعرفة وأن التوجّه إليها في المعرفة

١٥٠

توجّهاً إلى اللَّه تعالى، والمعرفة أعظم شأناً من سائر العبادات، فكيف لا يكون التوجّه في عبادة البدن والنفس إلى اللَّه تعالى بالوسيلة؟! وكيف لا يسوغ التوجّه في الخطاب الكلامي بألفاظ الدعاء إلى الوسيلة، ويكون دعاؤها دعاء بها إلى اللَّه تعالى؟!

ففي حاقِّ وعمق عبادة الإيمان والتوجّه القلبي لابدّ من التوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للوفود على اللَّه عزّ وجل، فلا يتحقّق التوحيد ولا يكون المرء مؤمناً، إلّا إذا توجّه بقلبه إلى اللَّه تعالى بالشهادة الأولى والشهادة الثانية، ومَن ينفي أي اسم أو واسطة مع اللَّه تعالى عند التوجّه إليه فهو واقع في مغبّة الشرك والوثنية من حيث يشعر أو لا يشعر، نظير وثنية قريش؛ حيث كانوا لا يدينون اللَّه تعالى بطاعة وولاية نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإذا كان الإيمان والمعرفة كذلك، فكيف بباقي العبادات التي هي أقلّ شأناً وخطورة؟!

والحاصل: أن المعرفة والإيمان والتوحيد الذي يتضمّن الدين بأجمعه لا يحصل إلّا بالتوسل بآيات اللَّه الكبرى، ومزاوجة الشهادة الثانية بالشهادة الأولى، وهذا يعني أن أي شأن من الشؤون الدينية كالتوبة أو العبادة أو نيل مقام من المقامات الإلهية لا يمكن أن يتحقّق إلّا بالمحافظة على الشهادة الثانية، والإقرار بها وبمعطياتها وتداعياتها ومقتضياتها في كافّة أصول وفروع المعارف التوحيدية، ولا شك أن الإيمان بالشهادة الثانية توجّه قلبي بالنبي الأكرم للَّه عزّ وجل؛ إذ الإيمان كما أسلفنا طلب للقرب والزلفى ولقاء اللَّه تعالى، وهذا القرب إنما يتحقّق بتوسيط الشهادة الثانية، وهي شهادة أن محمّداً رسول

١٥١

اللَّه ووليّه وخليفته في أرضه.

فالإسلام يدعو إلى التوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الإيمان والاعتقاد، وهو أفضل عبادة، فضلاً عن بقيّة العبادات الأخرى، والإباء عن التوجّه في العبادة بخاتم الأنبياء إنكار للشهادة الثانية ودعوة إلى الشرك باسم التوحيد، وهذا ما أخفق فيه السلفيُّون؛ حين جحدوا التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تراهم يقرنون لون الشهادة الثانية ومؤداها ومعطياتها بلون الشهادة الأولى في رسم بناء التوحيد في أدبيات كتبهم، فيقتصرون على تفسير الشهادة الأولى في التوحيد، من دون أن يهتدوا إلى كيفية ركنية مؤدّى الشهادة الثانية في أركان التوحيد، وكيفية ضرورة الربط والارتباط بين مؤدّى كل من الشهادتين في رسم أصل التوحيد، ومنه يظهر أن التوسّل والتوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرورة وليس مجرد خيار مشروعية.

الدليل الثاني: التوسّل ضرورة عقلية

على الرغم من أن هناك من أعلام السُّنَّة من أكّد على رجحان التوسّل ومشروعيّته، كالقاضي عياض في كتابه: (الشفا بتعريف حقوق المصطفى)، والسُبكي في: (شفاء السقام والسيف الصقيل)، والسمهودي في: (وفاء الوفا)، وتقي الدين الحصني الشافعي في كتابه: (دفع الشبه عن الرسول والرسالة) وغيرهم.

إلّا أن ما نرمي إليه في هذه الأبحاث أبعد من ذلك؛ إذ إن الرجحان والمشروعية لا يثبتان سوى التخيير وكون التوسّل أمراً مرغوباً فيه، يجوز للمكلف تعاطيه وله تركه أيضاً، وما نريد التأكيد عليه هنا هو أن مبدأ التوسّل أمر ضروري يحكم العقل بلا بُدِّيَّته وعدم إمكان المحيص عنه؛ وذلك لأن نفي

١٥٢

الواسطة والوسيلة بين العبد وبين ربّه في مقام التوجّه إليه تعالى لا يخرج عن أحد فروض ثلاثة كلّها باطلة:

الأول: فرض المجابهة والمواجهة المباشرة للَّه تعالى حين التوجّه إليه في الدعاء والعبادة، وبطلان هذا الفرض واضح؛ إذ يلزم منه التشبيه للذات الإلهية، وقد ثبت بطلانه في الأبحاث العقائدية؛ لتنافيه مع الصفات الكمالية اللّامتناهية لواجب الوجود.

بيان الملازمة:

إن مجابهة ومواجهة البشر العاديين المباشرة للذات الإلهية المقدّسة إمَّا أن تكون حسّية جسمانية أو نفسانية روحية أو عقلية، وهذه الأقسام الثلاثة من المجابهة المباشرة هي التشبيه الباطل بعينه؛ وذلك لأن ارتباط المواجهة الجسمية إنما يفرض مع ما هو جسم، لقانون التضايف بين المتجابهين، وهكذا توجّه المواجهة الروحية والقلبية لِمَا هو روح والمواجهة العقلية لِمَا هو عقل أيضاً. فكلّ هذه الأقسام المفروضة للمواجهة المباشرة للَّه تعالى لم تخرج عن دائرة التشبيه للذات المقدّسة بكونها جسماً أو روحاً أو عقلاً، وهو الشرك بعينه؛ لكونه موجباً لسلب واجب الوجود عن واجبيَّته وكماله المطلق اللّامتناهي، ووصفه بصفات المخلوق المحدود بحدود الإمكان والماهية والفقدان والاحتياج والافتقار.

وحاصل هذا الفرض هو: مواجهة البشر العاديين المباشرة للَّه تعالى، وهو فرض التشبيه الباطل بكلّ مراتبه.

١٥٣

الثاني: القول بالتعطيل وعدم السبيل إلى اللَّه تعالى ومعرفته والتوجّه إليه، وهو باطل؛ لأن معرفة اللَّه تعالى واجبة والتي هي نوع لقاء للَّه عزّ وجل وتوجّه إليه وزلفى.

الثالث: دعوى أن الناس بأجمعهم لهم ارتباط مباشر مع اللَّه تعالى فوق الجسم والروح والقلب والعقل بما لا يستلزم التشبيه، وهذا باطل بالوجدان، وقد رفض القرآن الكريم أيضاً الإيحاء والوحي إلى جميع البشر واستنكر ذلك على المشركين، كما في قوله تعالى: ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِيٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً ) (١) . وقد ردّ اللَّه عزّ وجل في آيات أخرى على هذه المقالة الباطلة؛ حيث قال: ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ) (٢) .

ومع بطلان هذه الفروض الثلاثة تكون النتيجة ضرورة الإيمان بالوسائل والوسائط والآيات، والرجال المؤهّلين للارتباط باللَّه تعالى، وهم الأنبياء والأولياء والمصطفين، الذين اصطفاهم اللَّه عزّ وجل وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في كلّ ما يحتاج الخلق إليه وفي كلّ توجّه وطلب ودعاء وزلفى إلى اللَّه تعالى، سواء كان على مستوى التوبة أو سائر العبادات أو نيل مقام من المقامات الإلهية، وليس ضرورة التوسيط إلّا لعظمة اللَّه عزّ وجل وعلوه عن التجسيم

____________________

(١) المدّثر: ٥٢.

(٢) الأنعام: ١٢٤.

١٥٤

والتشبيه والتعطيل.

ثم إن آيات اللَّه الكبرى وأسمائه العظمى - التي جعلها واسطة في التوجّه إليه - هي أيضاً لا تتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل بالمباشرة، ولا تجابهه إلّا بذواتها، فتوجّه الوسائط أيضاً إلى اللَّه تعالى إنما يكون بذواتها التي هي آية لمعرفة اللَّه عزّ وجل، ولا توجد أي مجابهة بالمباشرة لأيّ مخلوق من المخلوقات.

التوسّل في كل النشآت، ولأصناف المخلوقات:

والحاصل: أن اللَّه تعالى لعظمته وعظيم صفاته لا يجابه ولا يواجه إلّا بالوسائل والآيات، ولا يستثنى من ذلك القانون وتلك السنّة الإلهية التكوينية أي مخلوق من المخلوقات في كلّ شأن من شؤونه المعرفية والعبادية في هذه النشأة وفي جميع النشآت؛ ولذا قالت الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام في مستهل خطبتها المعروفة في هذا المجال: (فاحمدوا اللَّه الذي بعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات ومَن في الأرض إليه الوسيلة، فنحن وسيلته في خلقه، ونحن آل رسوله، ونحن حجّة غيبه وورثة أنبيائه) (١) .

وكذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : (وبعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات والأرض مِن جميع خلائقه إليه الوسيلة) (٢) .

إذن قانون ومبدأ التوسّل ضرورة يدركها العقل ويُقرّ بها - لعظمة اللَّه تعالى - وليس أمراً تخييرياً ولا مشروعاً فحسب.

____________________

(١) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج١٦، ص٢١١، وأبو بكر الجوهري البغدادي، السقيفة وفدك، ص١٠١.

(٢) الكافي، ج١، ص١٢٩.

١٥٥

الدليل الثالث: عموم طاعة اللَّه ورسوله وأولي الأمر

إن ضرورة المسلمين قائمة على أن جميع العبادات فيها ما هو فرائض قرآنية إلهية ومنها ما هو سنن نبويّة، كما في الصلاة والصيام والحجّ والزكاة والجهاد وغيرها؛ إذ هي فرائض إلهية في أصل وجوبها في الدين. وأمَّا تفاصيلها وأجزائها وشرائطها وأقسامها، فهي سنن نبويّة وصلتنا عن طريق أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكلّ المسلمين بتلك التفاصيل والتشريعات الخاصة. ومن أمثلة ذلك ما ورد في روايات الفريقين من أن الصلوات كان فرضها من اللَّه تعالى ركعتين لكلّ صلاة وما زاد عليها في كلّ صلاة كان من سنّة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره وفرضه (١) ، وهكذا بقيّة التفصيلات والتشريعات القانونية النبويّة ضمن الفرائض الإلهية، وكتب الحديث مليئة بالأوامر النبويّة في مجمل الأبواب الفقهية وغيرها.

إذن، فيكون الإتيان بالصلاة والزكاة والحجّ وغيرها طاعة لأمر اللَّه وأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تُستعلم طاعة اللَّه عزّ وجل من دون طاعة الرسول الأكرم في أوامره ونواهيه، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله باب طاعته تعالى؛ لأنه هو الدالّ والمبيّن والناطق الرسمي عن أوامر اللَّه عزّ وجل ونواهيه.

وهذا ما كنّا نُعبّر عنه بتداعيات ومقتضيات الشهادة الثانية؛ إذ هي تستدعي الإتيان والالتزام بجملة الدين طاعة للَّه ورسوله.

وهذا ما تكاثرت ودلّت عليه جملة من الآيات القرآنية، كما في قوله تعالى:

____________________

(١) وسائل الشيعة، أبواب القراءة في الصلاة، ب١، ح٤، ومسند أحمد، ج٦، ص٢٤١، ومسند عائشة، والهيثمي، مجمع الزوائد، ج٢، ص١٥٤.

١٥٦

( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ) (١) .

وقوله تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٢) .

ثم إن اللَّه عزّ وجل حذّر المسلمين من المخالفة لأوامر الرسول الأكرم، وبيّن في آيات عديدة العواقب الوخيمة التي تترتب على مخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أوامره، كما في قوله تعالى: ( لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٣) ، وكذا قوله تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ) (٤) ، وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٥) ، وقوله عزّ وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (٦) ، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية التي جاءت في ضمن السلك العام والسنّة الإلهية الشاملة لطاعة الرُّسُل كافّة، كما في قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) (٧) ، ومن الجدير بالالتفات أن تتمة هذه الآية المباركة هو قوله

____________________

(١) آل عمران: ٣٢.

(٢) آل عمران: ١٣٢.

(٣) النور: ٦٣.

(٤) المائدة: ٩٢.

(٥) الأنفال: ٢٠.

(٦) محمد: ٣٣.

(٧) النساء: ٦٤.

١٥٧

عزّ وجل: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (١) والتي سيأتي الاستدلال بها على شرطية التوسّل في المقامات الثلاثة المتقدّمة.

والحاصل: أن أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اقترنت بأوامر اللَّه وفرائضه في مجمل أحكام الدين الإسلامي، وقد أكّدت الآيات القرآنية على وجوب اقتران طاعة اللَّه تعالى بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه طاعة عامّة كطاعة اللَّه عزّ وجل في كلّ أبواب الدين برمّته، بلا استثناء لأي جانب من جوانب الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي؛ ومعنى ذلك أن نيّة القربة إلى اللَّه تعالى وطاعته في جميع العبادات إنما تتحقّق بتوجّه العبد إلى ربّه بطاعة نبيّه، ففي كلّ عبادة إنما يتوجّه العبد إلى اللَّه تعالى للتقرّب إليه بطاعته وطاعة رسوله.

فذلكة صناعية لأخذ التوسّل في نية القربة:

ولا شك أن حقيقة العبادات بالنيّة القربيّة، والنيّة القربيّة إنما تحصل بالسبب المؤدّي إلى القربة، والقربى غاية مسبّبة سببها الطاعة لأوامر للَّه تعالى، وطاعة اللَّه عزّ وجل لا تتحقّق إلّا إذا كانت مقترنة بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ إنَّ النيّة التي هي روح العبادة إنما تحصل بوسيلة وواسطة طاعة النبي، ومَن لم ينوِ القربة بهذا النحو في العبادة تكون عبادته شركاً باللَّه تعالى؛ لعدم التوجّه إلى اللَّه عزّ وجل بأبوابه التي أمر بتوسيطها وطاعتها وامتثال العبادات انقياداً لأوامرها.

ومَن يريد أن يفصل في صلاته وحجّه وصومه طاعة اللَّه عن طاعة الرسول

____________________

(١) النساء: ٦٤.

١٥٨

يكون على الوثنية الجاهلية التي يشنؤها اللَّه عزّ وجل وعبّر عنها في قرآنه الكريم بالشرك والنجس، وطاعة كلّ مَن لم يأمر اللَّه بطاعته وثن من الأوثان، بل حتى صلاته تصبح وثناً إذا كانت صادرة عن طاعة غير مَن أمر اللَّه بطاعته، وإن كان ذلك المطاع هو الهوى وتحكيم سلطان الذات على سلطان اللَّه عزّ وجل، كما في الوثنية القرشية التي ذمّها القرآن الكريم.

ومن ذلك يتّضح أن أي عبادة من العبادات أو قربة من القربات أو نيل مقام من المقامات القُربية أو الفوز بحظوة عند اللَّه تعالى لا يمكن أن تتحقّق من دون توسيط طاعة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك العبادة أو ذلك المقام.

ففي مقام التقرّب والنيّة والقصد جُعلت القبلة المعنوية طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتدين بولايته والخضوع له، الذي هو خضوع للَّه عزّ وجل، كخضوع الملائكة لآدم؛ لأنه باب اللَّه تعالى.

هذا كلّه في مقتضيات الشهادة الثانية وضرورة اقترانها بالشهادة الأولى.

كذلك أكّدت الآيات القرآنية على ضرورة الشهادة الثالثة واقترانها بالشهادة الثانية تبعاً للشهادة الأولى.

والشهادة الثالثة عبارة عن طاعة أولي الأمر، الذين أمر اللَّه بطاعتهم في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلاً ) (١) ؛ حيث قرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد بيّن اللَّه تبارك وتعالى في قرآنه الكريم المراد من أولي الأمر الذين تجب

____________________

(١) النساء: ٥٩.

١٥٩

طاعتهم، بعد أن بيّن تعالى المقصود من الأمر الذي هم أولياؤه، وأنه أمر ملكوتي من عالم كن فيكون، كما في قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) ، وقوله تعالى: ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) (٢) ، وكذا قوله عزّ وجل: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) (٣) ، وقوله تعالى: ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٤) ، ثم أفصحت الآيات القرآنية عن كون الأمر عبارة عن تدبير السماوات والأرض، قال تعالى: ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (٥) .

إذن؛ أولو الأمر هم الذين يتنزّل عليهم الأمر في ليلة القدر وفيها يفرق كلّ أمر حكيم، قال تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (٦) ، وقال عزّ وجلّ في وصف ليلة القدر: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٧) ، ثم بيّن اللَّه عزّ وجلَّ أن شريعة النبي الأكرم من ذلك الأمر الحكيم الذي يفرق في ليلة القدر؛ حيث قال عزّ وجلَّ مخاطباً نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ

____________________

(١) يس: ٨٢.

(٢) القمر: ٥٠.

(٣) الشورى: ٥٢.

(٤) الأعراف: ٥٤.

(٥) السجدة: ٥.

(٦) القدر: ٣ - ٥.

(٧) الدخان: ٣ - ٦.

١٦٠

الفصل الرابع

الإمام الحسينعليه‌السلام ترجمته وفضائله

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مولده ووفاتهعليه‌السلام وعمره الشريف

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه ـ أولادهعليه‌السلام

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام :

ـ فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

ـ الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

ـ جملة من مناقب الحسينعليه‌السلام

٦ ـ الذرية والإمامة :

ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر

ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.

١٦١
١٦٢

الفصل الرابع :

الإمام الحسينعليه‌السلام

(ترجمته وفضائله)

١٠٦ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)

ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.

الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.

ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

١٠٧ ـ نسبه الشريف :

الإمام الحسينعليه‌السلام هو أحد أولاد الإمام عليعليه‌السلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنينعليها‌السلام .

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمةعليها‌السلام التي تزوجها الإمام عليعليه‌السلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن

١٦٣

والحسينعليهما‌السلام لا نقطعت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد تربيا في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان(١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسنعليه‌السلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين

إمامان ، قاما أو قعدا».

٢ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف

١٠٨ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف :

قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسنعليه‌السلام بخمسين ليلة.

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.

وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :

ولد الحسينعليه‌السلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.

وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :

ولد الحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.

وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :

الأشهر في ولادتهعليه‌السلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه‍ يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه‍ ، وهو قول الشيخ المفيد.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :

وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن عليعليهم‌السلام .

وروى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسنعليه‌السلام والحمل بالحسينعليه‌السلام إلا طهر واحد.

والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسينعليه‌السلام كانت بكربلاء يوم العاشر من

__________________

(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.

١٦٤

المحرم سنة ٦١ ه‍ ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت.ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليه‌السلام .

١٠٩ ـ معاصرته للمعصومينعليهم‌السلام :

وقد عاش الحسينعليه‌السلام من حياته مع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيهعليه‌السلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.

وحين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعده بقليل ، كان عمر الحسينعليه‌السلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه

١١٠ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

لما ولد الحسينعليه‌السلام جاءت به أمه فاطمةعليها‌السلام إلى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل

في فمه.

فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.

١١١ ـ اسمه الشريف :

يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).

وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم

١٦٥

كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيىعليه‌السلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.

وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسينعليهما‌السلام حتّى سمّى بهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.

وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :

عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم : ٧] الحسين بن عليعليهما‌السلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكرياعليه‌السلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.

١١٢ ـ ألقابهعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.

ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).

١١٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)

قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما سقط الحسينعليه‌السلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.

قالت صفية : فقبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟.قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.

١٦٦

(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسينعليه‌السلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.

١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :

(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)

في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام . فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمةعليها‌السلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعليعليه‌السلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسينعليه‌السلام .

ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.

١١٥ ـ رواية أم الفضل :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت :فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم

١٦٧

حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.

١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسينعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسينعليه‌السلام وجف لبنها.فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رزقا يغذوه.

ويقال : بل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه(١) . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :

يبدو من الروايات أن فاطمةعليها‌السلام لما ولدت بالحسينعليه‌السلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أرضعه.

والظاهر أن الحسينعليه‌السلام لما لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضع الحسينعليه‌السلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.

ولله درّ الشاعر حيث قال :

لله مرتضع لم يرتضع أبدا

من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة

لسانه ، فاستوت منه طبائعه

__________________

(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام

١٦٨

١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)

نبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذا كان يشمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».

يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :

أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أراقته سيوف بني أمية.وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :

ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد

حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا

منه ترضّ الصافنات ضلوعا

وقد تربّى الحسينعليه‌السلام في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :

يومان لم ترني الأيام مثلهما

فسرّني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

ويوم شمر على صدر الحسين رقى

١١٨ ـ أولاد الحسينعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :

ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.

ـ علي الأوسط : زين العابدينعليه‌السلام وكان مريضا في كربلاء.

ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.

ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.

ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهماعليه‌السلام .

ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقيةعليهم‌السلام .

* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.

١٦٩

والذكر المخلّد هو لزين العابدينعليه‌السلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

١١٩ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته :

(غصن الرسول : الحسين بن عليعليه‌السلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)

في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسينعليه‌السلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.

١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :

(المصدر السابق ص ٣٥)

روى ابن عساكر عن قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.

وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد:رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).

وعن الشعبي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام يتختّم في شهر رمضان.

وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسينعليه‌السلام

١٧٠

وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال :خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.

وقال المفيد في (الإرشاد) : كانعليه‌السلام يخضب بالحناء والكتم(١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه(٢) .

١٢١ ـ جمال الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)

كان الحسينعليه‌السلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).

وكان الحسنعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رأسه إلى صدره ، والحسينعليه‌السلام يشبه من صدره إلى رجليه.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسينعليه‌السلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال :أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أي أشبه أهل البيت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسينعليه‌السلام غنّة.

١٢٢ ـ نور وجههعليه‌السلام :

في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسينعليه‌السلام كان إذا جلس في المكان المظلم

__________________

(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.

١٧١

يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام

١٢٣ ـ بعض فضائل الحسينعليه‌السلام :

فضائل الإمام الحسينعليه‌السلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.

يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسينعليه‌السلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.

١٢٤ ـ وصف الإمام الحجةعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام في زيارة الناحية :

قال الحجة المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسينعليه‌السلام : كنت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.

١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسينعليه‌السلام :

في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسينعليه‌السلام ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

١٧٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : قال الحسنعليه‌السلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسينعليه‌السلام .

فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

١٢٦ ـ ما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)

قيل للحسينعليه‌السلام : ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال سمعته يقول :

«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.

وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».

١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)

عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا الحسينعليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :«أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».

١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره ، وهو يقول :

١٧٣

«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».

قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :

«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».

١٢٩ ـ الحسينعليه‌السلام سبط من الأسباط :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)

حدثنا الحسين بن عرفة عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.

١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)

روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن أو للحسينعليهما‌السلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».

١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :

(المصدر السابق)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فإني سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

وفي (القمقام) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . إنما الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».

فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.

١٧٤

١٣٣ ـ الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)

وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.

ألا وإن الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».

١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :

في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :

«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن عليعليهما‌السلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»

وفي رواية الشيخ الصدوق :

(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن اللهعزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).

ثم أخذ بيده ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».

١٣٥ ـ عوّض الله الحسينعليه‌السلام عن قتله بأربع خصال :

عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادقعليهما‌السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.

١٧٥

وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.

فضائل الحسينعليه‌السلام على لسان الصحابة

١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)

روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

١٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)

روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.

١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)

روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«هما ريحانتاي من الدنيا».

١٧٦

وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر تمام الحديث ، ثم قال :

حسن صحيح.

١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :

(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)

روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟.(وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».

وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ :والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».

رواية مشابهة عن الحسن البصري :

(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)

وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسينعليه‌السلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.

الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

١٤٠ ـ التشابه بين الحسينعليه‌السلام والقرآن :

(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)

ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسينعليه‌السلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.

١٧٧

قال الشيخ جعفر التستري :

* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسينعليه‌السلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.

* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل(١) ، والحسينعليه‌السلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.

* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال :( هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) ، وقد سمّى الله الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، فيقول :

«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».

* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسينعليه‌السلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.

١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسينعليه‌السلام في القرآن :

(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)

يقول الشيخ جعفر التستري :

١ ـ في بيان الحمل بهعليه‌السلام وولادته ، وهو قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].

__________________

(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :

السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.

١٧٨

ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام .

يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسينعليه‌السلام أيضا.

٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسنعليه‌السلام حين كفّ يده وصالح.( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليه‌السلام .

٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاتهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :( كهيعص ) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.

٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتلهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : يعني الحسينعليه‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.

٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٣٣) [الإسراء : ٣٣].فالحسينعليه‌السلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائمعليه‌السلام .( فَلا يُسْرِفْ فِي ) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.

٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنها نزلت في الحسينعليه‌السلام ،

١٧٩

لأن الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.

والمقصود( الْمَوْؤُدَةُ ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.

وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :

عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.

جملة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام

سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تشمل محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.

يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) :وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الحب للحسينعليه‌السلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.

١٤٢ ـ شدة حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)

قال ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الحسينعليه‌السلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.

ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

(أقول) : لم يستطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمع بكاء الحسينعليه‌السلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.

١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :

(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)

في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320