الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية25%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99351 / تحميل: 7781
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

مَحْذُورًا ) (١) .

حيث بيّن أمير المؤمنين عليه‌السلام ضرورة الوسيلة، وأن اشتباه وخطأ المشركين إنما هو في اتخاذهم وسيلة اقتراحية غير مأذون بها، حيث طبّقوا الوسيلة الأعظم كمالاً على غير المصداق والفرد الحقيقي لها، فذمّهم اللَّه عزّ وجلّ على ذلك.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذا المجال: ( فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكلّ محمول يحمله اللَّه بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشور ) (٢) .

فإن الأعمال المختلفة والأديان المشتبهة ناتج اتخاذ الخلق الوسيلة إلى اللَّه تعالى، بسبب عظمته ونوره وتعاليه عزّ وجل.

ومن ذلك كلّه يتّضح أن من ينكر التوسّل أسوء حالاً من قريش التي آمنت بالوسيلة وأخطأت المصداق؛ حيث جعلوا وسائط باقتراحهم من غير سلطان أتاهم، لشعورهم بالفطرة التي خلقهم اللَّه عليها بعظمته تعالى عن أن ينال أو يدرك بلا واسطة.

____________________

(١) الإسراء: ٥٧.

(٢) الكافي، ج١، ص١٣٠.

١٨١

ترامي الوسائل وتعاقبه:

ثم إن الآيات الكبرى تتفاوت فيما بينها، فأهل البيت عليهم‌السلام شفيعهم ووسيطهم إلى اللَّه تعالى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في نيل المقامات، وبالنسبة للنبيّ ذاته فهو بذاته آية وعلامة عظمى على صفات اللَّه تعالى، فتكون نفسه من حيث هي مخلوقة وفعل للَّه تعالى وسيلة لنفسه، نظير ما ورد في الروايات (خلق اللَّه المشيّة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيّة) (١) .

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرآة الكمالات والصفات الإلهية له ولغيره في جميع جهات الارتباط باللَّه تعالى كقبول التوبة أو بقيّة العبادات أو مطلق نيل مقامات القرب من اللَّه عزّ وجل، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله أمينه على وحيه وعزائم أمره.

الدليل السادس: شرطية الاستجارة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في طلب المغفرة

هنا أيضاً نريد التعرّض لبيان أدقّ وأعمق ودالّ على المطلوب في المقام لقوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (٢) .

لقد نصّت هذه الآية المباركة على ثلاثة شروط لقبول التوبة والاستغفار من هذه الأمة، وهي:

١ - المجي‏ء إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - إبراز الاستغفار من اللَّه عزّ وجل.

____________________

(١) توحيد الصدوق، ص١٤٨.

(٢) النساء: ٦٤.

١٨٢

٣ - إمضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك الاستغفار، واستغفاره للتائبين.

فهذه الآية من ضمن مجموع الآيات التي تعرّضت لذكر شرائط التوبة، وأوّل شرط لقبول توبة المذنب والظالم لنفسه ليس إظهار الندامة من العبد أمام اللَّه تعالى مباشرة، بل الشرط الأوّل هو المجي‏ء إلى الحضرة النبويّة والالتجاء إليه، واللّواذ والاستعاذة والاستجارة به صلى‌الله‌عليه‌وآله . فأولاً لابدّ أن يأتي العبد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويلوذ به، ثم بعد ذلك يُظهر الندامة والاستغفار؛ إذ الترتيب للشروط في الآية المباركة ترتيب رتبي ترتيبي، حيث أخذت المراتب بعين الاعتبار، لا أنه ذكري فقط؛ بقرينة العطف بالفاء.

والمجي‏ء إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عين التوجّه إليه والتوسّل به في قبول التوبة.

وهذه الآية كشفت النقاب عن شرطية التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أكبر خطر مصيريّ يُحدق بالإنسان وهو الذنب والمعصية، التي قد تؤدّي بالعبد إلى الهلاك والسقوط في الهاوية، في مثل هذا الأمر الخطير جعل اللَّه تعالى الملاذ والملجأ هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلابدّ من الكينونة في الحضرة النبوية ثم إظهار عبادة الاستغفار، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله باب اللَّه تعالى الذي منه يؤتى، فيكون اللّواذ باللَّه عزَّ وجلَّ باللّواذ بنبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولذا بعد الاستجارة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعالى: ( لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) .

إذن؛ الاستعاذة والاستجارة واللجوء إلى اللَّه بنبيّه أُخذ شرطاً في أخطر موقف للعبد مع ربّه، وهو التوبة وغفران الذنوب.

ومن الواضح أيضاً أن الظلم المذكور في الآية المباركة ليس مختصّاً بالذنوب

١٨٣

الفردية التي بين العبد وربّه، وإنما هو شامل للظلم الاجتماعي السياسي أو النظام الاقتصادي المعاشي أو التعدّي على المنظومة الحقوقية والأخلاقيّة، ومعنى ذلك أن استعلام ومعرفة تلك الأمور الفردية والاجتماعية لا يمكن أن يتحقّق إلّا عن طريق الالتجاء واللّواذ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكلّ حيف أو زيغ يحصل من الفرد أو المجتمع في تلك الأمور لابدّ من الرجوع فيها إلى الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي مقابل تعدّد أنواع الظلم يتعدّد أنواع اللجوء والتولّي والتوجّه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم إن ذكر التوبة والاستغفار في الآية المباركة لا لخصوصية فيها، وإنما ذكرت بما هي عبادة من العبادات؛ لكونها أوبة ورجوع إلى اللَّه تعالى واقتراب منه وقصد وتوجّه إليه، فليست الآية في ذكرها لشرطية التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة بالتوبة، بل هي شاملة في ذلك لكلّ العبادات. خصوصاً وأن التوبة هي الأوبة، من آب يؤوب، والأوبة الرجوع إلى اللَّه تعالى، أي الاقتراب والزلفى منه عزّ وجل. ولا شك أن العبادات بمجموعها طلب الأوبة والقرب والزلفى إلى اللَّه تعالى، فهي نوع من أنواع التوبة؛ وبناءً على ذلك لا تكون التوبة عملاً منحازاً ومنفصلاً عن سائر العبادات كالصلاة والحجّ وغيرهما، بل هي عمل عام وشامل للعبادات كافَّة.

كذلك التوبة نوع من أنواع الدعاء؛ لأنها طلب المغفرة من اللَّه تعالى ودعاء بالغفران، فمضمون هذه الآية المباركة مشترك مع ما تقدم من الروايات الدالّة على أن الدعاء وطلب العبد القرب من اللَّه تعالى لا يرتفع إلى السماء ولا تُفتّح له الأبواب ما لم يقترن بذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة على محمّد وآل محمّد، وإذا كان كذلك، فإن الدعاء وطلب القرب من اللَّه عزّ وجلَّ شامل للمقامات الثلاثة التي

١٨٤

ذُكرت في صدر البحث، وهي: قبول التوبة والعبادة ونيل مقامات القرب، وهو لا يقبل إلّا باللّواذ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتوجّه إليه والاستعاذة والاستجارة والتوسّل به، بالمجي‏ء في حضرته المباركة.

وهذه الآية الكريمة الدالّة على شرطية التوجّه والتوسّل وضرورته في جميع المقامات ليست خاصّة بحياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ ليس المراد من المجي‏ء الحضور الفيزيائي لبدن المذنب عند النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط، بل المجي‏ء الفيزيائي والبدني المكاني أحد المصاديق المقصودة في الآية المباركة، والتعبير بالمجي‏ء كنائي، يراد به مطلق الاستغاثة والتوسّل والتوجّه القلبي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشواهد على ذلك عديدة، منها:

١ - إن هذه الآية المباركة جاءت لبيان ماهية التوبة وشرائطها العامة، التي يشترك فيها كافّة المسلمين وفي جميع الأزمنة، فلا يمكن أن تكون مختصّة بالفترة التي عاشها النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بمَن زامن وعايش تلك الفترة، فالمراد من المجي مطلق الارتباط بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالتوجّه إليه والكينونة في حضرته المباركة، ثم الإتيان بعبادة الاستغفار، وهذا المضمون متطابق مع مفاد قوله تعالى: ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) ، إذ معنى ذلك أن حضرة الأنبياء ومحضرهم مشاعر شعّرها اللَّه تعالى ليُتقرّب بها إليه.

ويتّضح هذا الشاهد أكثر إذا علمنا أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بُعث رحمة للعالمين، وهذه من الرحمات العامة للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذه الأمة، وغير مختصّة بمَن حضر الحضور الفيزيائي البدني عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - إن نفس التعبير بقوله تعالى: ( جَاءُوكَ ) يتضمّن معنى اللّواذ واللجوء

١٨٥

والاستغاثة والتوسّل والتوجّه القلبي، وليس فيه دلالة على الاختصاص بالحضور الجسماني.

٣ - استغفار آدم عليه‌السلام وتوبته أيضاً كانت - كما مرَّ - بالمجي‏ء للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن كان مجيئه إليه في أفق القلب والقصد؛ فقد ورد في روايات الفريقين أن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (لمَّا اقترف آدم الخطيئة، قال: ياربّ أسألك بحقّ محمّد لَمَا غفرت لي، فقال: ياآدم وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟ قال: ياربّ لأنَّك لمَّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوب، لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه، فعلمت أنك لم تُضف إلى اسمك إلّا أحبّ الخلق إليك، فقال: صدقت ياآدم، إنه لأحبّ الخلق إليّ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّد ما خلقتك) (١) وغيرها من الروايات الدالّة على أن مجي‏ء آدم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولواذه به كان بالتوجّه القلبي به إلى اللَّه تعالى.

وفي هذه الرواية الأخيرة التي نقلناها إشارة أخرى إلى اقتران اسم النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله باسم اللَّه عزّ وجلَّ في أعظم عبادة وأشرف كلمة في الإسلام، وهي كلمة التوحيد.

٤ - إن المسلمين في سيرتهم منذ الصدر الأول فهموا من هذه الرواية الشمول والعموم وعدم الاختصاص بالفترة الزمنية التي عاشها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا دليل على عموم المعنى المستعمل في ارتكاز أبناء اللغة، ولذا كانوا يتوجّهون إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في طلب المغفرة ويأمرون الآخرين بذلك حتى بعد وفاة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشواهد الروائية والتاريخية على ذلك كثيرة جدّاً:

____________________

(١) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج٢، ص٦١٥.

١٨٦

منها: ما أخرجه النووي عن العتبي قال: (كنت جالساً عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء أعرابي، فقال: السلام عليك يارسول اللَّه، سمعت اللَّه تعالى يقول: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (١) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي، ثم أنشأ يقول:

يا خير مَن دفنت بالقاع أعظمه

فطاب مِن طيبهنَّ القاع والأكمُ

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

قال: ثم انصرف، فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم، فقال لي: ياعتبي، ألحق الأعرابي فبشّره بأن اللَّه تعالى قد غفر له) (٢) .

ومنها: ما أخرجه السيوطي عن أبي حرب الهلاليّ قال: (حجّ أعرابي، فلمَّا جاء إلى باب مسجد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى دخل القبر ووقف بحذاء وجه رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: بأبي أنت وأمي يارسول اللَّه، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا مستشفعاً بك على ربّك، لأنه قال في محكم كتابه: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (٣) وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا استشفع بك على اللَّه ربّك أن يغفر لي ذنوبي وأن يشفع فيّ( (٤) .

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال: (قدم علينا أعرابي بعد ما دفنّا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) النساء: ٦٤.

(٢) النووي، الأذكار النووية، ص٢٠٦، وكذلك في تفسير ابن كثير، ج١، ص٥٣٢.

(٣) النساء: ٦٤.

(٤) الدرّ المنثور، ج١، ص٢٣٨.

١٨٧

وحثا من ترابه على رأسه، وقال: يا رسول اللَّه قلت فسمعنا قولك ووعيت عن اللَّه فوعينا عنك، وكان فيما أنزل اللَّه عليك: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (١) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر أنه غفر لك ) (٢) ، إلى غير ذلك من الشواهد.

٥ - إن القرآن الكريم قد دلّ على حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ربّه، كما قال تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) ، بل وكذا قوله تعالى: ( يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ ) (٤) وغيرها من عشرات الآيات الدالّة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى ويشهد على جميع أعمال العباد إلى يوم القيامة، فهو حيّ عند ربّه. كيف لا وقد دلّ القرآن على حياة الشهداء في قوله تعالى: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٥) ، وقد اتّفقت روايات الفريقين المتواترة أيضاً الدالّة على حياة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها ما ورد عن الإمام الحسن عليه‌السلام قال: (إن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: حيثما كنتم فصلّوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني) (٦) .

____________________

(١) النساء: ٦٤.

(٢) كنز العمال، ج٢، ص٣٨٦، والصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج١٢، ص٣٩٠.

(٣) التوبة: ١٠٥.

(٤) النحل: ٨٩.

(٥) آل عمران: ١٦٩.

(٦) الطبراني، المعجم الأوسط، ج١، ص١١٧.

١٨٨

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزاز ورجال أبي يعلى ثقات (١) .

وقد نقل السقّاف في كتابه الإغاثة جملة من الروايات وكلمات علماء السُّنَّة التي ادّعي فيها الإجماع والتواتر والعلم القطعي بحياة النبي الأكرم فراجع (٢) .

وإذا ثبت ذلك ثبت عموم الآية المباركة بالرجوع إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغاثة به.

٦ - آيات وروايات عرض الأعمال على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في قوله تعالى: ( قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) وهذه الآية متطابقة ومتشاهدة مع آية ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ... ) . وأمَّا الروايات في هذا المجال، فهي كثيرة جدّاً:

منها: ما عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام قال: (تعرض الأعمال على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ صباح أبرارها وفجّارها فاحذروه) (٤) .

ومنها: ما عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال: (إن الأعمال تعرض على نبيكم كلّ عشية خميس، فليستحي أحدكم أن يعرض على نبيه العمل القبيح) (٥) .

منها: ما ورد عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (حياتي خير لكم

____________________

(١) مجمع الزوائد، ج٨، ص٢١١.

(٢) الإغاثة، ص ٧ - ٥.

(٣) التوبة: ١٠٥.

(٤) تفسير البرهان، ج ٣، ص ٤٨٨.

(٥) تفسير البرهان، ج ٣، ص ٤٩٠.

١٨٩

تحدّثون وتحدّث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم، فما رأيتُ من خير حمدت اللَّه عليه، وما رأيت من شرّ استغفرت لكم). قال الهيثمي: رواه البزاز ورجاله رجال الصحيح (١) .

وهذه الرواية وغيرها منسجمة المضمون مع الشرط الثالث في الآية التي هي محلّ البحث؛ حيث جاء فيها: (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)، فالتائب والمستغفر يتوجّه إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعرض استغفاره عنده لكي يستغفر له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويشفع له عند اللَّه تعالى في قبول توبته، فعبادات الأمة لابدّ أن يشفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ربّه في قبولها، وهو المضمون والغرض والحكمة من عرض الأعمال وأنَّ قبولها مشروط بإمضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشفاعته. فكما أن آيات وروايات عرض الأعمال ذكرت أن سبب العرض هو أن يستغفر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمته، كذلك في الآية المباركة إنما يعرض العبد استغفاره في الحضرة النبويّة لكي يستغفر له، وإذا كانت آيات وروايات العرض عامة لحال الحياة وبعد الممات، فكذلك الآية المباركة.

وهذا الذي ذكرناه أخيراً هو الشرط الثالث في الآية المباركة وهو استغفار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للمذنب الظالم لنفسه.

٧ - إن كل الأحكام في الآيات الكثيرة التي أخذ فيها الحكم مرتبطاً بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا تختص بحياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في قوله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٢) وقوله تعالى: ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا

____________________

(١) مجمع الزوائد، ج٩، ص٢٤.

(٢) الممتحنة: ٦.

١٩٠

الرَّسُولَ ) (١) وقوله تعالى: ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) وقوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (٣) وغيرها من الآيات، فإنه لو توهم اختصاصها بحياته صلى‌الله‌عليه‌وآله الدنيوية لعُطّل العمل بهذه الآيات وتقوّضت أركان الدين.

والذي يتحصّل من الآية: أن المجي‏ء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتوجّه إليه شرط في قبول التوبة، بل كافّة العبادات ومطلق المقامات القُربيَّة عند اللَّه تعالى.

كما يستفاد من الآية المباركة أيضاً أن التوسّل والتوجّه أمر تعييني ضروري لابدّ منه، وليس هو أمراً تخييرياً بيد العبد فعله أو تركه.

واتضح أن التوجّه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك المقامات ليس خاصّاً بالتوجّه الفيزيائي البدني، بل شامل للتوجّه القلبي أيضاً.

ثم إن المجي‏ء إلى النبيِّ والتوسّل به بمعنى الارتباط به والانتماء إليه بكلّ أنحاء الانتماء، كانتماء المواطنة والانتماء الأُسري والوظيفي والتنظيمي، وغيرها من أنحاء الانتماء إلى الرسالة الخاتمة والحاكمية الإلهية المتمثّلة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

كذلك لابدّ أن يُعلم أن الآية الخاصّة في المقام غير مختصّة بالرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هي سُنَّة إلهيّة جارية في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فالآية عامة؛ ولذا نصّت على هذا العموم آية عرض الأعمال؛ حيث شملت الذين آمنوا وهم أولوا الأمر من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما نصّ على ذلك قوله تعالى: ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ

____________________

(١) النساء: ٥٩.

(٢) الحشر: ٧.

(٣) الأنبياء: ١٠٧.

١٩١

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (١) إذ هم الأمة المسلمة من ذرِّيَّة إبراهيم وإسماعيل المجتباة الذين بعث فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعلهم اللَّه شهداء على الناس وأعمالهم وعقائدهم، ويدلّ على العموم أيضاً الآيات المتقدّمة التي نصّت على وجوب المجي‏ء إلى إبراهيم في الحجّ ووجوب الصلاة عند مصلّاه وهويّ القلوب إلى ذرّيته، وسيأتي من الآيات ما يدلّ على العموم أيضاً.

إذن؛ التوجّه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام في التوبة والعبادة ونيل المقامات شرط ومشارطة إلهية لابدّ من توفّرها لنيل ما يبتغيه العبد.

الدليل السابع: التوسّل بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ميثاق الأنبياء

قال تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النبيينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (٢) ، فالميثاق المذكور في هذه الآية المباركة معناه أن هناك تعاقداً بين اللَّه تعالى والأنبياء عليهم‌السلام ، والطرفان اللذان وقع عليهم الميثاق والتعاقد هما النبوّة والمقامات الغيبة التي أعطاها اللَّه تعالى للأنبياء في مقابل أمر مهمّ وخطير لابدّ أن يؤمنوا به، وهو قوله تعالى: ( ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) فالمقامات الإلهية والمنح

____________________

(١) الحج: ٧٨.

(٢) آل عمران: ٨١.

١٩٢

الربّانية إنما تعطى للأنبياء بشرط الإيمان بخاتمهم ونصرته، ولا شك أن الذي يكون ناصراً إنما هو تابع للمنصور والمنصور قائد له، فالأنبياء كلّهم مأمومون والرسول الأكرم إمامهم، والأنبياء سبقوا الناس بالاصطفاء الإلهي الخاصّ وحُبوا بالنبوّة والرسالة والمقامات الغيبيّة بتوسّط إيمانهم بولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعهّدهم بنصرته ومؤازرته، وهم أسبق الناس شيعة وإسلاماً لخاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الأنبياء على دين النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

ومن ثمّ فإن هذه الآية المباركة تدلّل على أن دين الأنبياء بعد الإيمان باللَّه عزّ وجلَّ هو الإيمان بخاتم الأنبياء ومشايعته ومؤازرته، فالأنبياء كانوا على دين النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الإسلام.

بيان ذلك:

إن قوله تعالى في الآية المباركة: ( مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ ) معناه أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس تابعاً للأنبياء، بل تابع للوحي الإلهي جملة، الذي هو فعل اللَّه تعالى؛ ولذا لم يأمر اللَّه عزّ وجلَّ نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاقتداء بالأنبياء وإنما بالهدى الذي هم عليه، قال اللَّه تعالى: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) (١) .

فالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس على هدى نبيّ من الأنبياء وليس هو تابعاً لأحد من الرسل، بل هو على هدى اللَّه عزّ وجلَّ، وهو أوّل المسلمين، والفاتح الأول للهدى الإلهي والدين الإسلامي الواحد هو خاتم الأنبياء، ولم يُعبَّر عن نبيٍّ من الأنبياء في القرآن الكريم بأنه أوّل المسليمن على الإطلاق سوى النبي

____________________

(١) الأنعام: ٩٠.

١٩٣

محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في قوله تعالى: ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ) (١) وقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (٢) وقوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ ِلأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) (٣) . وأمَّا سائر الأنبياء، فقد عُبّر عنهم في القرآن الكريم بأنهم من المسلمين، بما فيهم أنبياء أولي العزم، فقد حكى اللَّه عزّ وجلَّ على لسان نوح قوله:

( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٤) ولم يُعبَّر عنه بأنه أوّل المسلمين. ولا شك أن الدين عند اللَّه عزّ وجلَّ واحد، قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلَامُ ) (٥) ، ولا يتقبّل من مخلوق من المخلوقات غير الإسلام، قال تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٦) ، فالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل المسلمين وأوّل مَن نطق بميثاق التوحيد والتسليم للَّه عزّ وجل، فكان هو أفضل الأنبياء وهو الإمام المتبوع وهم المأمومون التابعون له في الدين الإسلامي، فضلاً عن غيرهم من المخلوقين؛ ولذا ورد في الحديث عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام : (أن بعض قريش قال لرسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) الأنعام: ١٤.

(٢) الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣.

(٣) الزمر:١١ - ١٢.

(٤) يونس: ٧٢.

(٥) آل عمران: ١٩.

(٦) آل عمران: ٨٥.

١٩٤

بأي شي‏ء سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال: إني كنت أوّل مَن آمن بربّي وأوّل مَن أجاب حين أخذ اللَّه ميثاق النبيين ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) فكنت أنا أوّل نبيّ قال بلى، فسبقتهم بالإقرار باللَّه) (١) .

وفي الحديث أيضاً عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديثه لأصحابه قال: (فأخذ لي العهد والميثاق على جميع النبيين، وهو قوله الذي أكرمني به جلَّ مَن قائل: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النبيينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ‏لَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (٢) وقد علَّمتهم أن الميثاق أُخذ لي على جميع النبيِّين، وأنا الرسول الذي ختم اللَّه بي الرسل، وهو قوله تعالى: ( رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النبيينَ ) (٣) فكنت - واللَّه - قبلهم وبُعثتُ بعدهم وأعطيتُ ما أعطوا وزادني ربّي من فضله ما لم يعطه لأحد من خلقه غيري، فمِن ذلك إنه أخذ لي الميثاق على سائر النبيِّين ولم يأخذ ميثاقي لأحد، ومن ذلك ما نَبَّأ نبيّاً ولا أرسل رسولاً إلّا أمره بالإقرار بي وأن يبشّر أمته بمبعثي ورسالتي) (٤) .

إذن؛ فالدين دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو فاتح ذلك الصرح العظيم، وإن كانت الفطرة والملّة ملّة إبراهيم عليه‌السلام ، وهي غير الدين. وكذلك للأنبياء شرائع ومناهج مختلفة وهي غير الدين أيضاً، وإنما هي تفصيلات وتنزّلات كلّيات ذلك الدين الحنيف، وهو الإسلام؛ ولذا جاء في دعاء التوجّه في الصلاة:

____________________

(١) الكافي، ج ١، ص ٤٤١.

(٢) آل عمران: ٨١.

(٣) الأحزاب: ٤٠.

(٤) الحسين بن حمدان الخصيبي، الهداية الكبرى، ص٣٨٠.

١٩٥

(وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً على ملّة إبراهيم ودين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهدي علي أمير المؤمنين عليه‌السلام وما أنا من المشركين) (١) .

إذن الإسلام دين النبي، والأنبياء على دينه ومن شيعته؛ ولذا فُسّر قوله تعالى: ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (٢) بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن إبراهيم من شيعته وعلى دينه الحنيف؛ حيث ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال: (قوله عزّ وجل: ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) أي إن إبراهيم عليه‌السلام من شيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) وقد اختار هذا القول الكلبي وابن السائب والفرّاء (٤) .

فالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس تابعاً للأنبياء، بل على العكس، فهو على الهدى الذي هو هدى اللَّه تعالى، ومصدّق لِمَا مع الأنبياء؛ أي شاهد على ما هم عليه من دينه الحنيف وبإمضائه يُصدّق ما هم عليه. أمَّا الأنبياء، فهم يؤمنون بخاتم الأنبياء ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) لا أنهم يؤمنون بما معه، فإيمانهم بذات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد مطّلع مصدّق على ما عندهم. وأمَّا هم، فيؤمنون به، وهذا يعني أنه لا يوجد في مقامات الأنبياء ودرجاتهم عند اللَّه تعالى ما هو غيب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . وأمَّا الذي يؤمن بذات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله - وهم سائر الأنبياء عليهم‌السلام - فهو يؤمن بأمر غيبيّ، فمقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة إلى باقي الأنبياء

غيب الغيوب. وأمَّا مقامات سائر الأنبياء، فالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله مطّلع عليها ويعلمها ويشهد لهم على صدقها، والأنبياء في أصل نيلهم لمقام النبوّة إنما استأهلوه بعد أن آمنوا بخاتم الأنبياء قبل سائر

____________________

(١) الطبرسي، الاحتجاج، ج٢، ص٣٠٧.

(٢) الصافات: ٨٣.

(٣) هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن، ج٦، ص٤١٩.

(٤) تفسير القرطبي، ج١٥، ص٩١.

١٩٦

الأرواح في عالم الأرواح وشرطوا على أنفسهم نصرته، ولذا فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شفيع الكلّ، والأنبياء لم ينالوا ما نالوا إلّا بالديانة لخاتم الأنبياء، فهو الشفيع لقبول الأعمال، وهو باب رحمة اللَّه العامّة ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (١) .

ومن ذلك كلّه يتّضح أن هذه الآية المباركة نصّ في المقام الثالث، وأن التوجّه إلى اللَّه لنيل أي مقام أو قربى أو زلفى لا يتمّ إلّا بالتوسل

بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتشفّع به، وبالتشفّع به يعطى للعبد أعظم الأرزاق، وهو النبوّة والكتاب والحكمة، فكيف بك بسائر الأرزاق الأخرى، التي لا تقاس بمقامات الأنبياء؟!

ثم إن الآية الكريمة رسمت خطورة الأمر في ضمن تأكيدات مغلّظة، حيث جاء فيها قوله تعالى: ( أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ) ، وبعد أن تم الإقرار والمعاهدة والمعاقدة المشدّدة أشهدهم اللَّه تعالى على ذلك، حيث قال: ( فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (٢) ، وهذا يعني أن للتوسُّل والتوجّه دوراً مهمّاً ومحورية رئيسية في رسم معالم الدين.

وإنكار التوسّل في المسائل الدنيوية غير الخطيرة ليس إلّا تعظيماً لصغائر الأمور وتصغيراً لِمَا عظّمه اللَّه عزّ وجل، فإن الإيمان بكون الأنبياء لم يستحقّوا ما استحقّوه إلّا بتوسُّلهم بالإيمان بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنكار التوسّل في بعض الأمور الدنيويّة والحاجات المعاشية ليس له معنى إلّا الاستهانة بتلك المقامات الشامخة وتعظيم وتهويل ما ليس حقّه ذلك.

____________________

(١) الأنبياء: ١٠٧.

(٢) آل عمران: ٨١.

١٩٧

أهل البيت عليهم‌السلام شركاء النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الميثاق

ثمّ إن أهل البيت عليهم‌السلام يشتركون مع النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في دائرة الميثاق والدين الحنيف الذي أُخذ على الأنبياء الإيمان به ونصرته والدعوة إليه، وإن كان أهل البيت عليهم‌السلام تابعين للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم يتوجّهون به إلى اللَّه تعالى، وبشفاعته يكونون معه صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقامه، وهو مقام الشفاعة الكبرى والوسيلة العظمى.

ويدلّ على اشتراك أهل البيت عليهم‌السلام مع النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في دائرة الميثاق الذي أخذ على الأنبياء وجوه عديدة، وإليك بعضها:

١ - إن نصرة الأنبياء للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تتحقّق إلى يومنا الحاضر، وهي إنما تتحقّق بالنصرة لأهل بيته عند ظهور المهدي من آل محمّد، وعند رجعة الأئمة عليهم‌السلام ، كما نصّت على ذلك الروايات المتضافرة؛ حيث جاء فيها أن عيسى عليه‌السلام وإدريس وغيرهما من الأنبياء سوف يقاتلون بين يدي الإمام المهدي عليه‌السلام عند قيامه بدولة الحقّ والعدل، هذا من طرق الفريقين. وأمَّا من

طرقنا، فقد دلّت الروايات المتضافرة أيضاً على أن جميع الأنبياء والمرسلين سوف يقاتلون مع الأئمة عليهم‌السلام عند رجوعهم وكرّتهم في دولتهم العالمية المباركة، بل إن بعض الأنبياء - كإلياس والخضر عليهما‌السلام على القول بنبوّة الخضر عليه‌السلام - هم الآن وزراء في حكومة الإمام المهدي عليه‌السلام الخفيّة، وهي حكومة خليفة اللَّه في أرضه، التي لا يمكن أن تفتقدها البشرية في لحظة من اللحظات؛ وإلاّ لساخت الأرض بأهلها.

ونشير فيما يلي إلى بعض تلك الروايات التي وردت في هذا المجال:

١٩٨

منها: طوائف الروايات التي دلّت على أن المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ينزل لنصرة المهدي عليه‌السلام . وإليك فيما يلي هذه الرواية - ننقلها بطولها لارتباطها بالبحث الذي نحن فيه - قال أبو عبداللَّه الصادق عليه‌السلام :

(أتى يهودي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام بين يديه يحدّ النظر إليه، فقال: يايهودي ما حاجتك؟ قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه اللَّه، وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظلّه بالغمام؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه يكره للعبد أن يزكّي نفسه، ولكنّي أقول: إن آدم عليه‌السلام لمَّا أصاب الخطيئة، كانت توبته أن قال: اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لَمَا غفرت لي، فغفرها اللَّه

له، وإن نوحاً عليه‌السلام لمَّا ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لَمَا نجّيتني من الغرق، فنجّاه اللَّه منه، وإن إبراهيم عليه‌السلام لمَّا ألقي في النار قال: اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لَمَا نجّيتني منها، فجعلها اللَّه عليه برداً وسلاماً، وإن موسى عليه‌السلام لمَّا ألقى عصاه أوجس في نفسه خيفة، قال: اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لَمَا آمنتني منها، فقال اللَّه جل جلاله: ( لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ) (١) . يايهودي: إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوّتي، ما نفعه إيمانه شيئاً ولا نفعته نبوّته. يايهودي: ومن ذرِّيَّتي المهدي؛ إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته، فقدّمه وصلّى خلفه) (٢) .

____________________

(١) طه: ٦٨.

(٢) الصدوق، الأمالي، ص٢٨٨، النيسابوري، روضة الواعظين، ص٢٧٢.

١٩٩

وفي حديث آخر: (فيلتفت المهدي فينظر عيسى عليه‌السلام فيقول لعيسى: ياابن البتول، صلِّ بالناس، فيقول: لك أقيمت الصلاة، فيتقدّم المهدي فيصلّي بالناس ويصلّي عيسى خلفه ويبايعه) (١) .

ولا شك أن المبايعة لأجل نصرته عليه‌السلام لإقامة دولة الحقّ، بقرينة تتمّة الرواية؛ حيث ورد فيها أن المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام - بعد المبايعة - يكون من وزراء المهدي عليه‌السلام ويخرج لقتال الدجَّال.

ومنها: الروايات التي دلّت على أن نصرة الأنبياء للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما تحصل بالنصرة لوصيّه أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام والقتال بين يديه عند الكرّة والرجعة في دولة الحقّ. وذلك نظير ما أخرجه سعد بن عبداللَّه القمي عن فيض بن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه‌السلام يقول وتلا هذه الآية: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النبيينَ ) : (لتؤمننّ برسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولتنصرنّ علياً أمير المؤمنين عليه‌السلام . قال: نعم - واللَّه - مِن لدن آدم وهلمّ جراً، فلم يبعث اللَّه نبيّاً ولا رسولاً إلّا ردَّ جميعهم إلى الدنيا حتّى يقاتلوا بين يدي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ) (٢) .

ومن الواضح أن نصرة أمير المؤمنين عليه‌السلام نصرة لرسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وللدين الذي جاء به.

وحاصل هذه النقطة هو: اشتراك أهل البيت عليهم‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الميثاق الذي أخذ على الأنبياء؛ إذ إن إيفاءهم بالعهد إنما يكون بنصرتهم لأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) الشافعي، عقد الدرر، ص٢٧٥.

(٢) الحسن بن سليمان الحلّي، مختصر بصائر الدرجات، ص٢٥.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320