الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية18%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99350 / تحميل: 7781
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

٢ - مرّ بنا أن الدين عند اللَّه الإسلام - وهو واحد لا تعدّد فيه - وأن جميع المخلوقات بما فيهم سائر الأنبياء عجزوا عن تحمّل الدين والسبق في فتح سبله وبلوغ مقاماته الرفيعة، سوى الذات النبويّة المباركة التي لها الأهلية والاستعداد لتلقّي ذلك عن اللَّه عزّ وجل، فكان للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الأسبقية في الإسلام والتسليم للَّه تعالى؛ ولذا كان الدين دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . إذن؛ دين الإسلام الواحد عبارة عن تلك المقامات السامية والنور الأعظم الذي لم يتحمّله مخلوق عن اللَّه تعالى سوى خاتم الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأسكن اللَّه عزَّ وجلَّ ذلك النور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وكان بدن النبي الأكرم مسكناً لذلك النور؛ لأنه أوّل مَن قال بلى عندما قال اللَّه تعالى للبشر: ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) .

ومن هنا يتّضح أن الميثاق والعهد الذي أخذه اللَّه على أنبيائه هو الإيمان بذات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإيمان بمقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الدين الذي بُعث به جميع الأنبياء، وهو بدرجاته العالية غيب اللَّه وسره المكنون الذي أمر الأنبياء بالإيمان به والتسليم له. وكان نيل مقامات النبوّة على قدر درجة التسليم لذلك الدين، وقد مدح اللَّه تعالى أنبياءه لكونهم مسلمين، قال عزّ وجلَّ: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١) ، وقد أمر اللَّه تعالى أنبياءه باتخاذ الإسلام ديناً، كما في قوله لإبراهيم: ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٢) .

إذن؛ الدين الواحد هو الميثاق الذي أخذ على جميع الأنبياء التسليم له

____________________

(١) آل عمران: ٦٧.

(٢) البقرة: ١٣١.

٢٠١

والإيمان به ونصرته، وهو دين النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله المتمثِّل برسالته ووساطته بين اللَّه وخلقه، فهو دين اللَّه الناطق.

وإذا كان الأمر كذلك، فكلّ ما هو داخل في دائرة الدين يكون من الميثاق الذي‏ أُخذ على الأنبياء الإيمان به ونصرته والتسليم له، ومن الدين ولاية أهل البيت عليهم‌السلام بنصّ القرآن الكريم؛ وذلك في قوله تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلَامَ دِينًا ) (١) حيث نصّت روايات الفريقين على أن هذا المقطع من الآية المباركة نزل عند تنصيب اللَّه عزّ وجلَّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لمقام الخلافة والإمامة بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك في واقعة الغدير (٢) .

إذن؛ الولاية والخلافة بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدين الذي بعث به جميع الأنبياء، وقد أُكمل بتنصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد حجّة الوداع. مضافاً إلى أن جملة الآيات والأدلّة القائمة على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام دالّة على أن إمامتهم وولايتهم من أصول الدين تتلو أصل النبوّة، سيما وأن الأنبياء مخاطبون بآيات الولاية والقربى والمودّة عند رجوعهم للنصرة، فهم مأمورون بطاعة أولي الأمر والمودّة للقربى والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى.

والحاصل: إنه لم يبعث نبيّ من الأنبياء إلّا بعد أن آمن وسلّم بالدين الذي هو ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، فالولاية دين اللَّه الذي بتسليمه استحقّ الأنبياء مقام النبوّة كلّ بحسب ما بلغه من درجة التسليم، فإن للولاية والتسليم درجات

____________________

(١) المائدة: ٣.

(٢) لاحظ كتاب الغدير للأميني وشرح إحقاق الحق؛ حيث تتبَّعا الروايات في هذا المجال.

٢٠٢

وبحسب درجة التسليم لكلّ نبيّ يعطى ذلك النبي مقام الحظوة عند اللَّه تعالى ويستحقّ مقام النبوّة، وإذا ازدادت درجة التسليم، كان ذلك النبي من أولي العزم. فتفضيل الأنبياء الوارد في قوله تعالى: ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيينَ عَلَى بَعْضٍ ) (١) ، كذلك تفضيل الرسل كما في قوله تعالى: ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) (٢) ، كلّ ذلك التفضيل بحسب درجة التسليم والتولّي

لدين اللَّه عزّ وجل؛ وذلك بالولاية للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، فالتسليم للنبيّ وأهل بيته والإيمان بولايتهم نوع توجّه قلبي إلى اللَّه عزّ وجلَّ بهم، وهو شرط لنيل المقامات العظيمة عند اللَّه تعالى كالنبوّة والرسالة، فضلاً عن غيرها من العبادات وقبول التوبة واستدرار الأرزاق الإلهيّة.

٣ - لقد بيّن اللَّه عزّ وجلَّ حقيقة الميثاق الذي أخذه على الأنبياء وكيفية إقرارهم وإيمانهم به وثباتهم عليه كما في قصة آدم عليه‌السلام ؛ حيث جاء فيها أن الأمانة والميثاق الذي أقرّ به آدم وتحمّله لنيل منصب الخلافة الإلهية عبارة عن الأسماء الحيّة العاقلة الشاعرة، التي علّمها اللَّه عزَّ وجلَّ آدم، وليست هي من السماوات والأرض، بل هي ملكوتها وباطنها ومحيطة بها ومهيمنة عليها، والأسماء هم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، كما تقدّم في الأبحاث السابقة كما نصّت عليه روايات الفريقين، وعليه فيكون الميثاق الذي تحمّله آدم وآمن به ونال بواسطته مقام الخلافة هو الولاية للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت عليهم‌السلام .

____________________

(١) الإسراء: ٥٥.

(٢) البقرة: ٢٥٣.

٢٠٣

كذلك الحال في الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه‌السلام ، فلمَّا أتمّهن نال مقام الإمامة، فهذه الكلمات هي ميثاق إبراهيم عليه‌السلام لمَّا أتمّها وآمن بها وأسلم بواسطتها للَّه ربّ العالمين، استحقّ مقام الإمامة الإلهية، وسبق أيضاً أن تلك الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم وكان إتمامها سبباً لنيل المقامات العالية هم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الطاهرين عليهم‌السلام .

إذن؛ الميثاق عبارة عن امتحان وابتلاء لنيل المقامات الرفيعة كالنبوّة والإمامة، والميثاق هو ولاية أهل البيت الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

نعم، النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلى مقاماً من أهل بيته عليهم‌السلام ، وهم يتوجّهون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اللَّه عزّ وجلَّ وبشفاعته ينالون درجة مقامه عند اللَّه.

٤ - إن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام وأهل البيت عليهم‌السلام ذكرت تلو ولاية النبي الأكرم في جملة من آيات الطاعة والولاية التي تقدَّم ذكرها، ممَّا يدلّل على أن ولاية المعصومين عليهم‌السلام من الدين الذي بعث به الأنبياء؛ إذ الدين دائرته موحّدة بين الأنبياء، والذي هو عبارة عن أصول العقائد وأصول الواجبات والمحرّمات، التي هي أركان الفروع كأصل وجوب الصلاة والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه كلّها من دائرة الدين لا الشريعة المختلفة من نبيّ إلى آخر، وولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام من الدين الذي بعث به جميع الأنبياء والرسل.

كذلك من الآيات التي قرنت الرسول الأكرم بأهل بيته عليهم‌السلام آيات الفي‏ء والخمس، كما في قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) فإن الآية المباركة

____________________

(١) الأنفال: ٤١.

٢٠٤

تبيّن أن أولياء الخمس الذين لهم الولاية على اقتصاد الدولة الإسلامية هم اللَّه تعالى ورسوله وذوي القربى؛ بقرينة الاشتراك بـ (اللام) الدالّة على ملكية التصرف في أموال الدولة الإسلامية. وأمَّا اليتامى والمساكين وابن السبيل، فهم موارد مصرف الخمس؛ ولذا تغيّر التعبير فيهم بحذف اللام.

كذلك بنفس البيان ما ورد في قوله تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) (١) . فلإقامة العدالة المالية والاقتصادية على الأرض لابدّ أن تدار الأموال العامة التي ترجع إلى بلاد الإسلام بولاية اللَّه ورسوله وذوي القربى، وهم قربى الرسول الأكرم الذين جعلت مودّتهم أجراً وعدلاً لَمَا جاء به النبي الأكرم من

الدين الحنيف، وذلك في قوله تعالى: ( قُلْ لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) .

وهذا يكشف عن أهميّة تولّي ذوي القربى وأن ولايتهم مفتاح لسائر أبواب الدين، ومن دون التوسّل بها يخطأ الشخص ويضلّ طريق التوحيد، فيقع في مثل الجبر أو التفويض أو غير ذلك، فلابدّ من الولوج إلى الدين عن الطريق والباب الذي نصبه اللَّه عزّ وجلَّ لخلقه، ولا يمكن الوقوف على حقيقة الدين إلّا بالإمامة.

فمودّة ذوي القربى أمر عظيم إذا سَلِم سَلِمت بقيّة أصول الدين، ولا يوجد قربى للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الشأن الخطير سوى المعصومين من أهل بيته،

____________________

(١) الحشر: ٧.

(٢) الشورى: ٢٣.

٢٠٥

فولايتهم عاصمة عن الضلال وهي ركن ركين في الدين الذي بعث به الأنبياء كافّة.

ولا شك أن الدين عام - كما ستأتي الإشارة إلى ذلك - لا يستثنى منه أحد في جميع النشآت بنحو الأبد وعدم الانقطاع، ومن ثمّ يكون وجوب الطاعة والولاية مكلَّف به جميع المخلوقات بنحو من التأبيد والخلود، فخلافة وولاية أولي الأمر ووجوب طاعتهم لا تختصّ بالجنّ أو الإنس ولا بالأمور السياسية الدنيوية وليس لأمدها حدّ ولا انقطاع.

وهناك أيضاً آيات أخرى ستأتي لاحقاً قرنت بين النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، ممَّا يكشف عن أن مقامات الأنبياء ونيل الحظوة الإلهية لا يتم إلّا بالتوسل والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى، وأن تولّيهم واسطة للفيض الإلهي، ولولاهم لَمَا بُعث الأنبياء والمرسلون، فهم الوسيلة إلى اللَّه تعالى في عظائم الأمور، فكيف بالقضايا الأخرى التي هي أقلّ شأناً ممَّا يرتبط بالأمور الحياتية والمعيشية للناس؟!

وهذا كلّه يصلح بياناً بذاته لتبعية الأنبياء جميعاً لخاتم الأنبياء وأهل بيته عليهم‌السلام مع سبقهم الزمني عليهم.

بيان آخر لتوسل الأنبياء بالرسول الأكرم وأهل بيته في نيل المقامات

النبي وأهل بيته قدوة للأنبياء:

ممَّا يشير إلى كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام قدوة لجميع الأنبياء والمرسلين حتّى أولي العزم منهم، وبالتالي اتّباعهم للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وسيلة

٢٠٦

لبلوغهم المقامات العالية من النبوّة والرسالة والخلّة والإمامة وغيرها، مع أن النبي وأهل بيته متأخرين عنهم من حيث الزمان في النشأة الأرضية؛ هو ما دلّت عليه جملة من الآيات والروايات من أن اللَّه تعالى أنبأ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والرسل بالأحوال والحوادث التي تجري على خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، من المحن والمصائب والابتلاءات والامتحانات والشدائد، وكيفية ثباتهم عليهم‌السلام فيها وصبرهم ورضاهم وتسليمهم بقضاء اللَّه وقدره وتنمّرهم في ذات اللَّه، وأطلعهم على الكمالات والمقامات الرفيعة التي يكونون عليها، مع عظيم ابتلائهم بتلك الشدائد.

وهذا ما يوجب تربية روحية عالية لهم ليتحلّوا بالكمالات عند مواجهتهم للشدائد والفتن والمحن وبالتالي نيل المقامات التي حظوا بها عند اللَّه تعالى.

وكان فيما أوحى اللَّه عزّ وجلَّ لهم عن أحوال النبي وأهل بيته بأنماط متعدّدة من الوحي - أي من الوحي الصوري نظير الرؤيا أو الوحي بالإلهام والمعنى وغيرها من أنماط الوحي - فكانت سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام تمثالاً منصوباً وشعاراً مرفوعاً لهم يحتذون ويقتدون به، ماثل أمام أعينهم طيلة مسيرة أيَّام نبوّتهم ورسالتهم. وهذا أحد معاني اقتداء الأنبياء والمرسلين بالنبي وأهل بيته.

أمَّا الآيات التي تشير إلى هذا المعنى، فهي عديدة نشير إلى جانب منها:

١ - ما تقدّم من قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النبيينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (١) فإنها دالّة

____________________

(١) آل عمران: ٨١.

٢٠٧

على أن اللَّه عزّ وجلَّ أخبرهم عن خاتم الأنبياء ومقاماته وأن الدين دينه وهو فاتح حصونه، ثم بعد ذلك أمرهم بالتسليم له والإيمان به ونصرته.

٢ - قوله تعالى على لسان عيسى عليه‌السلام : ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (١) .

٣ - قوله تعالى في يهود المدينة، قُبيل ولادة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٢) ، فقد نقل المفسّرون في ذيل هذه الآية المباركة أن اليهود من أهل المدينة وخيبر كانوا إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من الأوس والخزرج يستنصرون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم ويستفتحون به لِمَا يجدون من ذكره وصفاته وشمائله ومحلّ ولادته في التوراة، وكانوا يدعون ويتوسَّلون بحقّه للنصرة عليهم، حيث يقولون: (اللّهم إنّا نستنصرك بحقّ النبيِّ الأميِّ إلّا نصرتنا عليهم).

وعن ابن عباس قال: (كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلّما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء: اللّهم إنا نسألك بحقّ محمّد النبي الأميّ الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلّا نصرتنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلمَّا بُعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا به، فأنزل اللَّه تعالى: ( وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ ) أي بك يامحمّد إلى قوله تعالى: ( فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٣) .

٤ - قوله تعالى في اليهود والنصارى الذين آمنوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ

____________________

(١) الصف: ٦.

(٢) البقرة: ٨٩.

(٣) تفسير الطبري، ج١، ص٣٢٤، وتفسير القرطبي، ج٢، ص٢٧.

٢٠٨

الرَّسُولَ النبي الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) .

٥ - قوله تعالى في معرفة أهل الكتاب بصفات وشمائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

إن هذه الأربع آيات الأخيرة صريحة في إخبار الأنبياء عليهم‌السلام أممهم بأحوال خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته، وهذا يكشف عن أن اللَّه تعالى أطلع أنبياءه على سيرة النبي الأعظم وما يجري عليه من المحن والشدائد.

٦ - قوله تعالى على لسان إبراهيم في دعائه لذريّته:

( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (٣) فهي دالّة على أن إبراهيم كان مطّلعاً على سيرة ذرِّيَّته الطاهرة، ودعا اللَّه عزّ وجلَّ بمودّة الناس لهم وهويّ القلوب إليهم.

هذا بالنسبة إلى الآيات المباركة، وهي دالّة على أن الأنبياء عليهم‌السلام كانوا على اطّلاع بالنبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين وما يجري عليهم من البلايا.

أمَّا الروايات في هذا المجال، فهي كثيرة جدّاً، نشير إلى شطر منها على سبيل الاختصار:

____________________

(١) الأعراف: ١٥٧.

(٢) البقرة: ١٤٦.

(٣) إبراهيم: ٣٧.

٢٠٩

١ - ما أخرجه القندوزي الحنفي في الينابيع، عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ياعباد اللَّه، إن آدم عليه‌السلام لمَّا رأى النور ساطعاً من صلبه، إذ كان اللَّه تعالى نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور ولم يتبيّن الأشباح، فقال: ياربِّ ما هذه الأنوار؟

قال: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع العرش إلى ظهرك؛ ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاءً لتلك الأشباح.

فقال آدم عليه‌السلام : ياربِّ لو بيّنتها لي.

فقال اللَّه عزّ وجل: انظر - ياآدم - إلى ذروة العرش. فنظر آدم عليه‌السلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم عليه‌السلام إلى ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية، فرأى أشباحنا.

فقال: ما هذه الأشباح ياربِّ؟

قال اللَّه تعالى: يا آدم، هذه الأشباح أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي؛ هذا محمّد - وأنا المحمود في أفعالي - شققت له اسماً من اسمي، وهذا علي ‏ـ وأنا العليّ العظيم - شققت له اسماً من اسمي، وهذه فاطمة - وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل

القضاء، وفاطم أوليائي ممَّا يبيرهم ويشينهم - شققت لها اسماً من اسمي، وهذا الحسن وهذا الحسين - وأنا المحسن المجمل ومنّي الإحسان، شققت اسميهما من اسمي.

وهؤلاء خيار خلقي وكرائم بريّتي، بهم آخذ وبهم أعطي، وبهم أعاقب وبهم أثيب، فتوسَّل بهم إليّ يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعائك، فإني آليتُ

٢١٠

على نفسي قسماً حقّاً لا أُخيّب لهم آملاً ولا أردّ لهم سائل) (١) .

فهذه الرواية صريحة في أن اللَّه تعالى أطلع خليفته ونبيّه آدم على حقائق أهل البيت عليهم‌السلام ؛ ليكونوا له قدوة يقتدي بهم وشفعاء يتوسَّل بهم إلى اللَّه تعالى.

٢ - روي: أن آدم عليه‌السلام لمَّا هبط إلى الأرض، لم يرَ حوَّاء، فصار يطوف الأرض في طلبها، فمرَّ بكربلاء فاغتمَّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحسين عليه‌السلام حتى سال الدمّ من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض.

فأوحى اللَّه تعالى إليه: يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً، فسال دمك موافقة لدمه (٢) .

٣ - ما أخرجه المجلسي في البحار عن صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ) (٣) : (أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة عليهم‌السلام ، فلقّنه جبرئيل، قل: ياحميد بحقّ محمّد، ياعالي بحقّ عليّ، يافاطر بحقّ فاطمة، يامحسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان.

فلمَّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: ياأخي جبرئيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال: جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: ياأخي وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً

____________________

(١) القندوزي الحنفي، ينابيع المودّة لذوي القربى، ج١، ص٢٨٩.

(٢) بحار الأنوار، ج٤٤، ص٢٤٢.

(٣) البقرة: ٣٧.

٢١١

فريداً ليس له ناصر ولا معين) (١) .

٤ - ما أخرجه الصدوق عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، قال: (لمَّا أمر اللَّه تبارك وتعالى إبراهيم عليه‌السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه، تمنّى إبراهيم عليه‌السلام أن يكون يذبح ابنه إسماعيل عليه‌السلام بيده، وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه؛ ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده بيده، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى اللَّه عزّ وجلَّ إليه: ياإبراهيم، مَن أحبّ خلقي إليك؟ فقال: ياربّ ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . فأوحى اللَّه عزّ وجل إليه: ياإبراهيم، أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟ قال: بل هو أحبّ إليّ من نفسي. قال: فولده أحبّ إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده. قال: فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: ياربّ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي. قال: ياإبراهيم، فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ستقتل الحسين عليه‌السلام إبنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، فيستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم عليه‌السلام لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي، فأوحى اللَّه عزّ وجلَّ إليه: ياإبراهيم ن قد فديت جزعك على إبنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه‌السلام وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب) (٢) .

٥ - ما أخرجه ابن قولويه في كامل الزيارات عن أبي عبداللَّه عليه‌السلام قال: (إن إسماعيل الذي قال اللَّه تعالى في كتابه: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ

____________________

(١) بحار الأنوار، ج٤٤، ص٢٤٥.

(٢) الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج٢، ص١٨٨، ب١٧، ح١.

٢١٢

صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (١) لم يكن إسماعيل بن إبراهيم عليه‌السلام ، بل كان نبيّاً من الأنبياء بعثه اللَّه إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن اللَّه تبارك وتعالى فقال: إن اللَّه بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع

بالحسين عليه‌السلام ) (٢) .

وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام قال: (ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي عليه‌السلام ، بعثه اللَّه إلى قومه فكذّبوه، فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب اللَّه له عليهم فوجّه إليه أسطاطائيل ملك العذاب، فقال له: ياإسماعيل، أنا أسطاطائيل ملك العذاب، وجّهني إليك ربّ العزّة لأعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك، فأوحى اللَّه إليه فما حاجتك ياإسماعيل؟ فقال: ياربّ، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة ولأوصيائه بالولاية، وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن عليّ عليه‌السلام من بعد نبيّها، وأنك وعدت الحسين عليه‌السلام أن تكرَّهُ إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممَّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك ياربّي أن تكرّني إلى الدنيا حتّى أنتقم ممَّن فعل ذلك بي، كما تكرّ الحسين عليه‌السلام ، فوعد اللَّه إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكرّ مع الحسين عليه‌السلام ) (٣) .

٦ - عن سعد بن عبداللَّه القمي في سؤاله للإمام المهدي عليه‌السلام في محضر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ؛ حيث قال: فاخبرني ياابن رسول اللَّه عن تأويل ( كهيعص )؟ قال عليه‌السلام : (هذه الحروف من أنباء الغيب، أطْلَع اللَّه عليها عبده زكريّا، ثم قصّها على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك إن زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء

____________________

(١) مريم: ٥٤.

(٢) جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات، ص١٣٧.

(٣) المصدر، ص١٣٨ - ١٣٩.

٢١٣

الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين، سرى عنه همّه، وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة (١) ، فقال ذات يوم: ياإلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه اللَّه تعالى عن قصّته ( إلى أن قال: ) فلمَّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيَّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته: إلهي، أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي، أتُلبس عليَّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي، أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثم كان يقول: أللّهم ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر، واجعله وارثاً وصيّاً، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثم افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده، فرزقه اللَّه يحيى وفجعه به) (٢) .

والروايات في هذا المجال كثيرة جدّاً، وهي دالّة على ما أردنا التنبيه عليه من تبعية الأنبياء لمحمّد وأهل بيته عليهم‌السلام ، وكونهم قدوة لهم وواسطة في بلوغ ما وصلوا إليه من المقامات، وذلك عن طريق استعراض سيرتهم والحوادث التي جرت عليهم عليهم‌السلام .

____________________

(١) البهر: تتابع النفس وانقطاعه كما يحصل بعد الإعياء والعدو الشديد.

(٢) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص٤٥٩.

٢١٤

آيات أخرى في اقتران أهل البيت عليهم‌السلام بالنبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصفات

١ - قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، حيث قرنت هذه الآية المباركة بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته عليهم‌السلام وجعلتهم شركاء له تابعون في الطهارة، وهي تعني درجة العصمة التي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد الأنبياء ويفوق الكلّ في درجة العصمة والطهارة، إلّا أن سنخ عصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله متقاربة ومتقارنة مع سنخ العصمة التي لأهل البيت عليهم‌السلام ، ففي الوقت الذي قرن اللَّه تعالى بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته في العصمة والطهارة، لم يقرن أحداً من الأنبياء في نمط التطهير والعصمة الذي له صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - قوله تعالى: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) ، فلم يُنزَّل أحد كنفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا عليّ عليه‌السلام ، وقرن اللَّه تعالى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته عليهم‌السلام في الحُجِّيَّة، فالخمسة عليهم‌السلام معاً حجج على جميع الأديان السماوية والبشرية عموماً إلى يوم القيامة، فهم عليهم‌السلام شركاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرسالة؛ لأن المباهلة نوع محالفة، وفي الحلف لابدّ أن يحلف الأصيل ولا وكالة في الحلف، وهذا يعني أنهم عليهم‌السلام شركاء في الرسالة أصالة، ولكنَّهم تابعون في ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو سيّدهم وبشفاعته نالوا الأصالة في الحُجِّيَّة.

والحاصل: إن أهل البيت عليهم‌السلام مقرونون بسيّد الأنبياء في المقامات تبعاً له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا يعني أن الإيمان بأهل البيت والتولّي لهم من الدين الذي أخذ على

____________________

(١) الأحزاب: ٣٣.

(٢) آل عمران: ٦١.

٢١٥

الأنبياء الإيمان به ونصرته لأجل نيل المقامات العالية عند اللَّه تعالى.

هذا تمام الكلام في الدليل السابع على عموم شرطية التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام لصحّة الإيمان وللتوبة وسائر العبادات ولنيل مقامات القرب.

الدليل الثامن: قوله تعالى: ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (١) .

تقدّم أن هذه الآية المباركة دالّة على مبدأ التوسّل، ونشير هنا أيضاً إلى أنها دالّة على عموم شرطية التوسّل في التوجّه إلى الحضرة الإلهية، فلابدّ من التوسّل بالذريّة والتوجّه بهم وصلتهم والمجي‏ء إليهم، وسبق كذلك أن التوجّه نوع دعاء، وهو لا يرتفع ولا تفتّح له أبواب السماء إلّا بالتوسل بالنبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وهويّ القلوب إليهم.

ولذا كانت مودّة أهل البيت عليهم‌السلام أجر الرسالة الخاتمة كما في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) ، وقال تعالى: ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) (٣) ، ممَّا يعني أن مودّة أهل البيت عليهم‌السلام يعود نفعها للأمة جمعاء، وقال عزّ وجل: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (٤) ، ومعنى ذلك أن مودّتهم عليهم‌السلام هي السبيل الوحيد والطريق والوسيلة المنحصرة إلى اللَّه تعالى، فهم السبيل إليه والمسلك إلى رضوانه.

____________________

(١) إبراهيم: ٣٧.

(٢) الشورى: ٢٣.

(٣) سبأ: ٤٧.

(٤) الفرقان: ٥٧.

٢١٦

الدليل التاسع: الاستكبار والصدّ عن آيات اللَّه تعالى موجب لحبط الأعمال

نريد أن نتعرض هنا في الاستدلال على المقام بما تقدّم من قوله عزّ وجل: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُْمجْرِمِينَ ) (١) ونريد أن نضيف على ما تقدَّم من بيان هذه الآية الكريمة بما له دلالة على المطلوب في المقام، وذلك بالبيان التالي:

إن الآية المباركة تتعرّض لبعض الأحكام المترتّبة على التكذيب بآيات اللَّه تعالى، والمقصود من الآيات هي الحجج الإلهية؛ حيث أطلق

اللَّه عزّ وجل لفظ الآية على مريم وعيسى عليهما‌السلام : ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (٢) ، وإذا كان عيسى عليه‌السلام لم ينل ما ناله إلّا بولايته وإقراره وإيمانه بسيّد الأنبياء فكيف بنفس النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو أعظم آية للَّه تعالى؟ وإذا كان عيسى عليه‌السلام من وزراء الإمام المهدي عليه‌السلام وتابعاً له في دولته، فكيف لا يكون أهل البيت عليهم‌السلام من أعظم آيات اللَّه تعالى؟ خصوصاً وأن اللَّه تعالى قرَن بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته عليهم‌السلام في الطهارة والعصمة والحُجِّيَّة والولاية وغيرها من المقامات التي تقدّم التعرّض لها آنفاً، فلا شك أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام المصداق البارز للآية التي نحن بصدد بيانها، فهم عليهم‌السلام أوضح وأبرز وأعظم آيات اللَّه تعالى.

____________________

(١) الأعراف: ٤٠.

(٢) المؤمنون: ٥٠.

٢١٧

والذين يكذّبون بآيات اللَّه تعالى ويصدّون ويستكبرون عنها - كما فعل إبليس مع آدم عليه‌السلام - لا تفتّح لهم أبواب السماء، فلكي تفتّح أبواب السماء لقبول الأعمال والعبادات والعقائد وجميع المقامات، وقد قال تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (١) والكلم الطيب هو العقيدة، فبيّنت الآية أن الإيمان والعقيدة لابدّ له أن يصعد في مسير قبوله عند اللَّه تعالى، والصعود إلى السماء لابدّ أن تفتّح له أبواب

السماء، وقد بيّنت الآية السابقة أن مفتاح أبواب السماء هو كلّ من التصديق بالآيات الإلهية والخضوع لها واللجوء إليها وعدم الصدّ عنها. ومن أجل الرُّقي والعروج إلى السماء لابدّ من التوجّه إلى آيات اللَّه تعالى واللجوء إليها والتصديق بها وعدم الصدّ عنها، فالآية صريحة في أن التوبة والعبادة وأيّ قربى أو زلفى إلى اللَّه عزّ وجلَّ تفتقر إلى تفتُّح أبواب السماء وأنها لا تفتّح أبداً مع الاستكبار على الآيات الإلهية، فليس الإيمان بآيات اللَّه فحسب كافٍ في قبول العبادات ورقي المقامات، بل لابدّ من المودّة والصلة والإقبال والتوجّه إلى الآيات والتوسّل بها إلى اللَّه، وعدم الصدّ والاعراض والاستكبار عنها؛ لأن الآية جعلت شرطين لفتح أبواب السماء ولدخول الجنّة:

الأول: عدم التكذيب؛ أى التصديق والإيمان والمعرفة بآيات اللَّه الحجج.

والثاني: عدم الاستكبار عنها، وهذا الأمر يتضمّن شيئين:

أحدهما: عدم الاستكبار؛ أي الخضوع والتواضع، وثانيهما: عدم الصدّ الذي قد ضُمِّن في فعل الاستكبار بقرنية عن، نظير ما ذكرته الآيات في مسبب كفر إبليس: ( أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ) . فالإباء هو الجحود مقابل التصديق، والاستكبار مقابل

____________________

(١) سورة فاطر: ١٠.

٢١٨

الخضوع والاتباع.

ونظير ذلك ما ورد في سورة المنافقين في قوله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) (١) وهذه الآية الكريمة صريحة في أن الاستغفار وقبول التوبة متوقّف على المجي‏ء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن صفة المنافق الصدّ عن الآيات الإلهية والاستكبار عليها والابتعاد عنها وعدم اللجوء إليها واللواذ بها، وهذا نوع من التشاهد بين الآيات القرآنية. فالآية تدلّ على أن الأوبة إلى اللَّه تعالى والقرب إليه لابدّ فيه من التوجّه أوّلاً إلى الحضرة النبوّية والتوسّل والاستشفاع بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم شفاعته.

فالتوسّل خيار حصري لابدِّي شرطي منحصر بالمجي‏ء واللجوء إلى الحضرة النبويّة واللّواذ بها والاستغاثة به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ابداء التوبة والاستغفار وإمضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله له باستغفاره وشفاعته لهم من أجل تحقّق التوبة ومقام المغفرة وقبول العبادة التي منها عبادة التوبة.

ونظير هذه الآيات أيضاً قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (٢) .

ومن الشواهد أيضاً على أن المراد من الآيات هنا هم الأنبياء والخلفاء الأوصياء الحجج هو التعبير بـ ( كَذَّبُوا ) ؛ فإنه مقابل التصديق فيما يزعمون من مناصب وفيما لهم من دعوى. وأمَّا الآية الكونية، فليس فيها تكذيب أو تصديق، بل إنما تقع الغفلة والإعراض عنها؛ إذ لا يوجد فيها زعم أو دعوى معيّنة

____________________

(١) المنافقون: ٥.

(٢) الأعراف: ٣٦.

٢١٩

كي يصدق في حقّها التصديق أو التكذيب، فالتصديق أو التكذيب إنما يكون للحجج الإلهية التي تدّعي مقاماً إلهياً وكذا فيما تبلّغه عن اللَّه تعالى، فالمراد بالآية والآيات في المقام الحجج الإلهية من الأنبياء والرسل والأصفياء والأوصياء، الذين أُسندت إليهم المقامات الإلهية.

والحاصل: أن هذه الآيات المباركة تبيّن أن مفتاح أبواب سماء الحضرة الربوبية الإقرار بالحجج والآيات والتوجّه إليها والتوسّل والتشبّث بها والانقطاع إليها لا عنها، وأبرز وأعظم تلك الآيات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فهم مفاتيح أبواب السماء في قبول وصعود التوبة والعبادة والمعرفة والإيمان والعقيدة ونيل المقامات، فلا ترتفع أي عبادة ولا ينال مقام ولا تتحقّق التوبة مع عدم التصديق بالآيات وصلتها ومودّتها والتوجّه إليها والتوسّل بها، والإعراض عنها يوجب حبط الأعمال وامتناع دخولهم الجنّة في الآخرة ( وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، فشرط النجاة يوم القيامة الارتباط بالآيات الإلهيّة والانتماء إليها و

التوسّل بها؛ لكونها قنوات غيبيّة توجب القرب إلى اللَّه تعالى.

فالتوسل شرط في تفتّح الأبواب لقبول وصحّة الإيمان والتوبة وقبول الأعمال وسائر المقامات.

الدليل العاشر: خضوع الملائكة لآدم عليه‌السلام

كلّ خليفة للَّه باب أعظم لملائكته

لقد سبق ذكر الآيات التي تعرّضت لقصة آدم عليه‌السلام وأمر الملائكة كلّهم

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320