الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 320
المشاهدات: 93136
تحميل: 6903


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93136 / تحميل: 6903
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

2 - مرّ بنا أن الدين عند اللَّه الإسلام - وهو واحد لا تعدّد فيه - وأن جميع المخلوقات بما فيهم سائر الأنبياء عجزوا عن تحمّل الدين والسبق في فتح سبله وبلوغ مقاماته الرفيعة، سوى الذات النبويّة المباركة التي لها الأهلية والاستعداد لتلقّي ذلك عن اللَّه عزّ وجل، فكان للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الأسبقية في الإسلام والتسليم للَّه تعالى؛ ولذا كان الدين دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . إذن؛ دين الإسلام الواحد عبارة عن تلك المقامات السامية والنور الأعظم الذي لم يتحمّله مخلوق عن اللَّه تعالى سوى خاتم الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأسكن اللَّه عزَّ وجلَّ ذلك النور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وكان بدن النبي الأكرم مسكناً لذلك النور؛ لأنه أوّل مَن قال بلى عندما قال اللَّه تعالى للبشر: ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) .

ومن هنا يتّضح أن الميثاق والعهد الذي أخذه اللَّه على أنبيائه هو الإيمان بذات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإيمان بمقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الدين الذي بُعث به جميع الأنبياء، وهو بدرجاته العالية غيب اللَّه وسره المكنون الذي أمر الأنبياء بالإيمان به والتسليم له. وكان نيل مقامات النبوّة على قدر درجة التسليم لذلك الدين، وقد مدح اللَّه تعالى أنبياءه لكونهم مسلمين، قال عزّ وجلَّ: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (1) ، وقد أمر اللَّه تعالى أنبياءه باتخاذ الإسلام ديناً، كما في قوله لإبراهيم: ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (2) .

إذن؛ الدين الواحد هو الميثاق الذي أخذ على جميع الأنبياء التسليم له

____________________

(1) آل عمران: 67.

(2) البقرة: 131.

٢٠١

والإيمان به ونصرته، وهو دين النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله المتمثِّل برسالته ووساطته بين اللَّه وخلقه، فهو دين اللَّه الناطق.

وإذا كان الأمر كذلك، فكلّ ما هو داخل في دائرة الدين يكون من الميثاق الذي‏ أُخذ على الأنبياء الإيمان به ونصرته والتسليم له، ومن الدين ولاية أهل البيت عليهم‌السلام بنصّ القرآن الكريم؛ وذلك في قوله تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلَامَ دِينًا ) (1) حيث نصّت روايات الفريقين على أن هذا المقطع من الآية المباركة نزل عند تنصيب اللَّه عزّ وجلَّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لمقام الخلافة والإمامة بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك في واقعة الغدير (2) .

إذن؛ الولاية والخلافة بعد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدين الذي بعث به جميع الأنبياء، وقد أُكمل بتنصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد حجّة الوداع. مضافاً إلى أن جملة الآيات والأدلّة القائمة على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام دالّة على أن إمامتهم وولايتهم من أصول الدين تتلو أصل النبوّة، سيما وأن الأنبياء مخاطبون بآيات الولاية والقربى والمودّة عند رجوعهم للنصرة، فهم مأمورون بطاعة أولي الأمر والمودّة للقربى والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى.

والحاصل: إنه لم يبعث نبيّ من الأنبياء إلّا بعد أن آمن وسلّم بالدين الذي هو ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، فالولاية دين اللَّه الذي بتسليمه استحقّ الأنبياء مقام النبوّة كلّ بحسب ما بلغه من درجة التسليم، فإن للولاية والتسليم درجات

____________________

(1) المائدة: 3.

(2) لاحظ كتاب الغدير للأميني وشرح إحقاق الحق؛ حيث تتبَّعا الروايات في هذا المجال.

٢٠٢

وبحسب درجة التسليم لكلّ نبيّ يعطى ذلك النبي مقام الحظوة عند اللَّه تعالى ويستحقّ مقام النبوّة، وإذا ازدادت درجة التسليم، كان ذلك النبي من أولي العزم. فتفضيل الأنبياء الوارد في قوله تعالى: ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيينَ عَلَى بَعْضٍ ) (1) ، كذلك تفضيل الرسل كما في قوله تعالى: ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) (2) ، كلّ ذلك التفضيل بحسب درجة التسليم والتولّي

لدين اللَّه عزّ وجل؛ وذلك بالولاية للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، فالتسليم للنبيّ وأهل بيته والإيمان بولايتهم نوع توجّه قلبي إلى اللَّه عزّ وجلَّ بهم، وهو شرط لنيل المقامات العظيمة عند اللَّه تعالى كالنبوّة والرسالة، فضلاً عن غيرها من العبادات وقبول التوبة واستدرار الأرزاق الإلهيّة.

3 - لقد بيّن اللَّه عزّ وجلَّ حقيقة الميثاق الذي أخذه على الأنبياء وكيفية إقرارهم وإيمانهم به وثباتهم عليه كما في قصة آدم عليه‌السلام ؛ حيث جاء فيها أن الأمانة والميثاق الذي أقرّ به آدم وتحمّله لنيل منصب الخلافة الإلهية عبارة عن الأسماء الحيّة العاقلة الشاعرة، التي علّمها اللَّه عزَّ وجلَّ آدم، وليست هي من السماوات والأرض، بل هي ملكوتها وباطنها ومحيطة بها ومهيمنة عليها، والأسماء هم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، كما تقدّم في الأبحاث السابقة كما نصّت عليه روايات الفريقين، وعليه فيكون الميثاق الذي تحمّله آدم وآمن به ونال بواسطته مقام الخلافة هو الولاية للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت عليهم‌السلام .

____________________

(1) الإسراء: 55.

(2) البقرة: 253.

٢٠٣

كذلك الحال في الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه‌السلام ، فلمَّا أتمّهن نال مقام الإمامة، فهذه الكلمات هي ميثاق إبراهيم عليه‌السلام لمَّا أتمّها وآمن بها وأسلم بواسطتها للَّه ربّ العالمين، استحقّ مقام الإمامة الإلهية، وسبق أيضاً أن تلك الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم وكان إتمامها سبباً لنيل المقامات العالية هم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الطاهرين عليهم‌السلام .

إذن؛ الميثاق عبارة عن امتحان وابتلاء لنيل المقامات الرفيعة كالنبوّة والإمامة، والميثاق هو ولاية أهل البيت الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

نعم، النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلى مقاماً من أهل بيته عليهم‌السلام ، وهم يتوجّهون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اللَّه عزّ وجلَّ وبشفاعته ينالون درجة مقامه عند اللَّه.

4 - إن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام وأهل البيت عليهم‌السلام ذكرت تلو ولاية النبي الأكرم في جملة من آيات الطاعة والولاية التي تقدَّم ذكرها، ممَّا يدلّل على أن ولاية المعصومين عليهم‌السلام من الدين الذي بعث به الأنبياء؛ إذ الدين دائرته موحّدة بين الأنبياء، والذي هو عبارة عن أصول العقائد وأصول الواجبات والمحرّمات، التي هي أركان الفروع كأصل وجوب الصلاة والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه كلّها من دائرة الدين لا الشريعة المختلفة من نبيّ إلى آخر، وولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام من الدين الذي بعث به جميع الأنبياء والرسل.

كذلك من الآيات التي قرنت الرسول الأكرم بأهل بيته عليهم‌السلام آيات الفي‏ء والخمس، كما في قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (1) فإن الآية المباركة

____________________

(1) الأنفال: 41.

٢٠٤

تبيّن أن أولياء الخمس الذين لهم الولاية على اقتصاد الدولة الإسلامية هم اللَّه تعالى ورسوله وذوي القربى؛ بقرينة الاشتراك بـ (اللام) الدالّة على ملكية التصرف في أموال الدولة الإسلامية. وأمَّا اليتامى والمساكين وابن السبيل، فهم موارد مصرف الخمس؛ ولذا تغيّر التعبير فيهم بحذف اللام.

كذلك بنفس البيان ما ورد في قوله تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) (1) . فلإقامة العدالة المالية والاقتصادية على الأرض لابدّ أن تدار الأموال العامة التي ترجع إلى بلاد الإسلام بولاية اللَّه ورسوله وذوي القربى، وهم قربى الرسول الأكرم الذين جعلت مودّتهم أجراً وعدلاً لَمَا جاء به النبي الأكرم من

الدين الحنيف، وذلك في قوله تعالى: ( قُلْ لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) .

وهذا يكشف عن أهميّة تولّي ذوي القربى وأن ولايتهم مفتاح لسائر أبواب الدين، ومن دون التوسّل بها يخطأ الشخص ويضلّ طريق التوحيد، فيقع في مثل الجبر أو التفويض أو غير ذلك، فلابدّ من الولوج إلى الدين عن الطريق والباب الذي نصبه اللَّه عزّ وجلَّ لخلقه، ولا يمكن الوقوف على حقيقة الدين إلّا بالإمامة.

فمودّة ذوي القربى أمر عظيم إذا سَلِم سَلِمت بقيّة أصول الدين، ولا يوجد قربى للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الشأن الخطير سوى المعصومين من أهل بيته،

____________________

(1) الحشر: 7.

(2) الشورى: 23.

٢٠٥

فولايتهم عاصمة عن الضلال وهي ركن ركين في الدين الذي بعث به الأنبياء كافّة.

ولا شك أن الدين عام - كما ستأتي الإشارة إلى ذلك - لا يستثنى منه أحد في جميع النشآت بنحو الأبد وعدم الانقطاع، ومن ثمّ يكون وجوب الطاعة والولاية مكلَّف به جميع المخلوقات بنحو من التأبيد والخلود، فخلافة وولاية أولي الأمر ووجوب طاعتهم لا تختصّ بالجنّ أو الإنس ولا بالأمور السياسية الدنيوية وليس لأمدها حدّ ولا انقطاع.

وهناك أيضاً آيات أخرى ستأتي لاحقاً قرنت بين النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، ممَّا يكشف عن أن مقامات الأنبياء ونيل الحظوة الإلهية لا يتم إلّا بالتوسل والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى، وأن تولّيهم واسطة للفيض الإلهي، ولولاهم لَمَا بُعث الأنبياء والمرسلون، فهم الوسيلة إلى اللَّه تعالى في عظائم الأمور، فكيف بالقضايا الأخرى التي هي أقلّ شأناً ممَّا يرتبط بالأمور الحياتية والمعيشية للناس؟!

وهذا كلّه يصلح بياناً بذاته لتبعية الأنبياء جميعاً لخاتم الأنبياء وأهل بيته عليهم‌السلام مع سبقهم الزمني عليهم.

بيان آخر لتوسل الأنبياء بالرسول الأكرم وأهل بيته في نيل المقامات

النبي وأهل بيته قدوة للأنبياء:

ممَّا يشير إلى كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام قدوة لجميع الأنبياء والمرسلين حتّى أولي العزم منهم، وبالتالي اتّباعهم للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وسيلة

٢٠٦

لبلوغهم المقامات العالية من النبوّة والرسالة والخلّة والإمامة وغيرها، مع أن النبي وأهل بيته متأخرين عنهم من حيث الزمان في النشأة الأرضية؛ هو ما دلّت عليه جملة من الآيات والروايات من أن اللَّه تعالى أنبأ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والرسل بالأحوال والحوادث التي تجري على خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، من المحن والمصائب والابتلاءات والامتحانات والشدائد، وكيفية ثباتهم عليهم‌السلام فيها وصبرهم ورضاهم وتسليمهم بقضاء اللَّه وقدره وتنمّرهم في ذات اللَّه، وأطلعهم على الكمالات والمقامات الرفيعة التي يكونون عليها، مع عظيم ابتلائهم بتلك الشدائد.

وهذا ما يوجب تربية روحية عالية لهم ليتحلّوا بالكمالات عند مواجهتهم للشدائد والفتن والمحن وبالتالي نيل المقامات التي حظوا بها عند اللَّه تعالى.

وكان فيما أوحى اللَّه عزّ وجلَّ لهم عن أحوال النبي وأهل بيته بأنماط متعدّدة من الوحي - أي من الوحي الصوري نظير الرؤيا أو الوحي بالإلهام والمعنى وغيرها من أنماط الوحي - فكانت سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام تمثالاً منصوباً وشعاراً مرفوعاً لهم يحتذون ويقتدون به، ماثل أمام أعينهم طيلة مسيرة أيَّام نبوّتهم ورسالتهم. وهذا أحد معاني اقتداء الأنبياء والمرسلين بالنبي وأهل بيته.

أمَّا الآيات التي تشير إلى هذا المعنى، فهي عديدة نشير إلى جانب منها:

1 - ما تقدّم من قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النبيينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (1) فإنها دالّة

____________________

(1) آل عمران: 81.

٢٠٧

على أن اللَّه عزّ وجلَّ أخبرهم عن خاتم الأنبياء ومقاماته وأن الدين دينه وهو فاتح حصونه، ثم بعد ذلك أمرهم بالتسليم له والإيمان به ونصرته.

2 - قوله تعالى على لسان عيسى عليه‌السلام : ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (1) .

3 - قوله تعالى في يهود المدينة، قُبيل ولادة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (2) ، فقد نقل المفسّرون في ذيل هذه الآية المباركة أن اليهود من أهل المدينة وخيبر كانوا إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من الأوس والخزرج يستنصرون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم ويستفتحون به لِمَا يجدون من ذكره وصفاته وشمائله ومحلّ ولادته في التوراة، وكانوا يدعون ويتوسَّلون بحقّه للنصرة عليهم، حيث يقولون: (اللّهم إنّا نستنصرك بحقّ النبيِّ الأميِّ إلّا نصرتنا عليهم).

وعن ابن عباس قال: (كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلّما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء: اللّهم إنا نسألك بحقّ محمّد النبي الأميّ الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلّا نصرتنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلمَّا بُعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا به، فأنزل اللَّه تعالى: ( وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ ) أي بك يامحمّد إلى قوله تعالى: ( فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) (3) .

4 - قوله تعالى في اليهود والنصارى الذين آمنوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ

____________________

(1) الصف: 6.

(2) البقرة: 89.

(3) تفسير الطبري، ج1، ص324، وتفسير القرطبي، ج2، ص27.

٢٠٨

الرَّسُولَ النبي الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (1) .

5 - قوله تعالى في معرفة أهل الكتاب بصفات وشمائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (2) .

إن هذه الأربع آيات الأخيرة صريحة في إخبار الأنبياء عليهم‌السلام أممهم بأحوال خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته، وهذا يكشف عن أن اللَّه تعالى أطلع أنبياءه على سيرة النبي الأعظم وما يجري عليه من المحن والشدائد.

6 - قوله تعالى على لسان إبراهيم في دعائه لذريّته:

( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (3) فهي دالّة على أن إبراهيم كان مطّلعاً على سيرة ذرِّيَّته الطاهرة، ودعا اللَّه عزّ وجلَّ بمودّة الناس لهم وهويّ القلوب إليهم.

هذا بالنسبة إلى الآيات المباركة، وهي دالّة على أن الأنبياء عليهم‌السلام كانوا على اطّلاع بالنبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين وما يجري عليهم من البلايا.

أمَّا الروايات في هذا المجال، فهي كثيرة جدّاً، نشير إلى شطر منها على سبيل الاختصار:

____________________

(1) الأعراف: 157.

(2) البقرة: 146.

(3) إبراهيم: 37.

٢٠٩

1 - ما أخرجه القندوزي الحنفي في الينابيع، عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ياعباد اللَّه، إن آدم عليه‌السلام لمَّا رأى النور ساطعاً من صلبه، إذ كان اللَّه تعالى نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور ولم يتبيّن الأشباح، فقال: ياربِّ ما هذه الأنوار؟

قال: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع العرش إلى ظهرك؛ ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاءً لتلك الأشباح.

فقال آدم عليه‌السلام : ياربِّ لو بيّنتها لي.

فقال اللَّه عزّ وجل: انظر - ياآدم - إلى ذروة العرش. فنظر آدم عليه‌السلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم عليه‌السلام إلى ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية، فرأى أشباحنا.

فقال: ما هذه الأشباح ياربِّ؟

قال اللَّه تعالى: يا آدم، هذه الأشباح أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي؛ هذا محمّد - وأنا المحمود في أفعالي - شققت له اسماً من اسمي، وهذا علي ‏ـ وأنا العليّ العظيم - شققت له اسماً من اسمي، وهذه فاطمة - وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل

القضاء، وفاطم أوليائي ممَّا يبيرهم ويشينهم - شققت لها اسماً من اسمي، وهذا الحسن وهذا الحسين - وأنا المحسن المجمل ومنّي الإحسان، شققت اسميهما من اسمي.

وهؤلاء خيار خلقي وكرائم بريّتي، بهم آخذ وبهم أعطي، وبهم أعاقب وبهم أثيب، فتوسَّل بهم إليّ يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعائك، فإني آليتُ

٢١٠

على نفسي قسماً حقّاً لا أُخيّب لهم آملاً ولا أردّ لهم سائل) (1) .

فهذه الرواية صريحة في أن اللَّه تعالى أطلع خليفته ونبيّه آدم على حقائق أهل البيت عليهم‌السلام ؛ ليكونوا له قدوة يقتدي بهم وشفعاء يتوسَّل بهم إلى اللَّه تعالى.

2 - روي: أن آدم عليه‌السلام لمَّا هبط إلى الأرض، لم يرَ حوَّاء، فصار يطوف الأرض في طلبها، فمرَّ بكربلاء فاغتمَّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحسين عليه‌السلام حتى سال الدمّ من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض.

فأوحى اللَّه تعالى إليه: يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً، فسال دمك موافقة لدمه (2) .

3 - ما أخرجه المجلسي في البحار عن صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ) (3) : (أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة عليهم‌السلام ، فلقّنه جبرئيل، قل: ياحميد بحقّ محمّد، ياعالي بحقّ عليّ، يافاطر بحقّ فاطمة، يامحسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان.

فلمَّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: ياأخي جبرئيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال: جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: ياأخي وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً

____________________

(1) القندوزي الحنفي، ينابيع المودّة لذوي القربى، ج1، ص289.

(2) بحار الأنوار، ج44، ص242.

(3) البقرة: 37.

٢١١

فريداً ليس له ناصر ولا معين) (1) .

4 - ما أخرجه الصدوق عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، قال: (لمَّا أمر اللَّه تبارك وتعالى إبراهيم عليه‌السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه، تمنّى إبراهيم عليه‌السلام أن يكون يذبح ابنه إسماعيل عليه‌السلام بيده، وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه؛ ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده بيده، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى اللَّه عزّ وجلَّ إليه: ياإبراهيم، مَن أحبّ خلقي إليك؟ فقال: ياربّ ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . فأوحى اللَّه عزّ وجل إليه: ياإبراهيم، أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟ قال: بل هو أحبّ إليّ من نفسي. قال: فولده أحبّ إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده. قال: فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: ياربّ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي. قال: ياإبراهيم، فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ستقتل الحسين عليه‌السلام إبنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، فيستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم عليه‌السلام لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي، فأوحى اللَّه عزّ وجلَّ إليه: ياإبراهيم ن قد فديت جزعك على إبنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه‌السلام وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب) (2) .

5 - ما أخرجه ابن قولويه في كامل الزيارات عن أبي عبداللَّه عليه‌السلام قال: (إن إسماعيل الذي قال اللَّه تعالى في كتابه: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ

____________________

(1) بحار الأنوار، ج44، ص245.

(2) الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج2، ص188، ب17، ح1.

٢١٢

صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (1) لم يكن إسماعيل بن إبراهيم عليه‌السلام ، بل كان نبيّاً من الأنبياء بعثه اللَّه إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن اللَّه تبارك وتعالى فقال: إن اللَّه بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع

بالحسين عليه‌السلام ) (2) .

وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام قال: (ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي عليه‌السلام ، بعثه اللَّه إلى قومه فكذّبوه، فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب اللَّه له عليهم فوجّه إليه أسطاطائيل ملك العذاب، فقال له: ياإسماعيل، أنا أسطاطائيل ملك العذاب، وجّهني إليك ربّ العزّة لأعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك، فأوحى اللَّه إليه فما حاجتك ياإسماعيل؟ فقال: ياربّ، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة ولأوصيائه بالولاية، وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن عليّ عليه‌السلام من بعد نبيّها، وأنك وعدت الحسين عليه‌السلام أن تكرَّهُ إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممَّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك ياربّي أن تكرّني إلى الدنيا حتّى أنتقم ممَّن فعل ذلك بي، كما تكرّ الحسين عليه‌السلام ، فوعد اللَّه إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكرّ مع الحسين عليه‌السلام ) (3) .

6 - عن سعد بن عبداللَّه القمي في سؤاله للإمام المهدي عليه‌السلام في محضر الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ؛ حيث قال: فاخبرني ياابن رسول اللَّه عن تأويل ( كهيعص )؟ قال عليه‌السلام : (هذه الحروف من أنباء الغيب، أطْلَع اللَّه عليها عبده زكريّا، ثم قصّها على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك إن زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء

____________________

(1) مريم: 54.

(2) جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات، ص137.

(3) المصدر، ص138 - 139.

٢١٣

الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين، سرى عنه همّه، وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة (1) ، فقال ذات يوم: ياإلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه اللَّه تعالى عن قصّته ( إلى أن قال: ) فلمَّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيَّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته: إلهي، أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي، أتُلبس عليَّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي، أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثم كان يقول: أللّهم ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر، واجعله وارثاً وصيّاً، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثم افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده، فرزقه اللَّه يحيى وفجعه به) (2) .

والروايات في هذا المجال كثيرة جدّاً، وهي دالّة على ما أردنا التنبيه عليه من تبعية الأنبياء لمحمّد وأهل بيته عليهم‌السلام ، وكونهم قدوة لهم وواسطة في بلوغ ما وصلوا إليه من المقامات، وذلك عن طريق استعراض سيرتهم والحوادث التي جرت عليهم عليهم‌السلام .

____________________

(1) البهر: تتابع النفس وانقطاعه كما يحصل بعد الإعياء والعدو الشديد.

(2) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص459.

٢١٤

آيات أخرى في اقتران أهل البيت عليهم‌السلام بالنبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصفات

1 - قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (1) ، حيث قرنت هذه الآية المباركة بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته عليهم‌السلام وجعلتهم شركاء له تابعون في الطهارة، وهي تعني درجة العصمة التي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد الأنبياء ويفوق الكلّ في درجة العصمة والطهارة، إلّا أن سنخ عصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله متقاربة ومتقارنة مع سنخ العصمة التي لأهل البيت عليهم‌السلام ، ففي الوقت الذي قرن اللَّه تعالى بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته في العصمة والطهارة، لم يقرن أحداً من الأنبياء في نمط التطهير والعصمة الذي له صلى‌الله‌عليه‌وآله .

2 - قوله تعالى: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (2) ، فلم يُنزَّل أحد كنفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا عليّ عليه‌السلام ، وقرن اللَّه تعالى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته عليهم‌السلام في الحُجِّيَّة، فالخمسة عليهم‌السلام معاً حجج على جميع الأديان السماوية والبشرية عموماً إلى يوم القيامة، فهم عليهم‌السلام شركاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرسالة؛ لأن المباهلة نوع محالفة، وفي الحلف لابدّ أن يحلف الأصيل ولا وكالة في الحلف، وهذا يعني أنهم عليهم‌السلام شركاء في الرسالة أصالة، ولكنَّهم تابعون في ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو سيّدهم وبشفاعته نالوا الأصالة في الحُجِّيَّة.

والحاصل: إن أهل البيت عليهم‌السلام مقرونون بسيّد الأنبياء في المقامات تبعاً له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا يعني أن الإيمان بأهل البيت والتولّي لهم من الدين الذي أخذ على

____________________

(1) الأحزاب: 33.

(2) آل عمران: 61.

٢١٥

الأنبياء الإيمان به ونصرته لأجل نيل المقامات العالية عند اللَّه تعالى.

هذا تمام الكلام في الدليل السابع على عموم شرطية التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام لصحّة الإيمان وللتوبة وسائر العبادات ولنيل مقامات القرب.

الدليل الثامن: قوله تعالى: ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (1) .

تقدّم أن هذه الآية المباركة دالّة على مبدأ التوسّل، ونشير هنا أيضاً إلى أنها دالّة على عموم شرطية التوسّل في التوجّه إلى الحضرة الإلهية، فلابدّ من التوسّل بالذريّة والتوجّه بهم وصلتهم والمجي‏ء إليهم، وسبق كذلك أن التوجّه نوع دعاء، وهو لا يرتفع ولا تفتّح له أبواب السماء إلّا بالتوسل بالنبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وهويّ القلوب إليهم.

ولذا كانت مودّة أهل البيت عليهم‌السلام أجر الرسالة الخاتمة كما في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) ، وقال تعالى: ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) (3) ، ممَّا يعني أن مودّة أهل البيت عليهم‌السلام يعود نفعها للأمة جمعاء، وقال عزّ وجل: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (4) ، ومعنى ذلك أن مودّتهم عليهم‌السلام هي السبيل الوحيد والطريق والوسيلة المنحصرة إلى اللَّه تعالى، فهم السبيل إليه والمسلك إلى رضوانه.

____________________

(1) إبراهيم: 37.

(2) الشورى: 23.

(3) سبأ: 47.

(4) الفرقان: 57.

٢١٦

الدليل التاسع: الاستكبار والصدّ عن آيات اللَّه تعالى موجب لحبط الأعمال

نريد أن نتعرض هنا في الاستدلال على المقام بما تقدّم من قوله عزّ وجل: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُْمجْرِمِينَ ) (1) ونريد أن نضيف على ما تقدَّم من بيان هذه الآية الكريمة بما له دلالة على المطلوب في المقام، وذلك بالبيان التالي:

إن الآية المباركة تتعرّض لبعض الأحكام المترتّبة على التكذيب بآيات اللَّه تعالى، والمقصود من الآيات هي الحجج الإلهية؛ حيث أطلق

اللَّه عزّ وجل لفظ الآية على مريم وعيسى عليهما‌السلام : ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (2) ، وإذا كان عيسى عليه‌السلام لم ينل ما ناله إلّا بولايته وإقراره وإيمانه بسيّد الأنبياء فكيف بنفس النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو أعظم آية للَّه تعالى؟ وإذا كان عيسى عليه‌السلام من وزراء الإمام المهدي عليه‌السلام وتابعاً له في دولته، فكيف لا يكون أهل البيت عليهم‌السلام من أعظم آيات اللَّه تعالى؟ خصوصاً وأن اللَّه تعالى قرَن بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته عليهم‌السلام في الطهارة والعصمة والحُجِّيَّة والولاية وغيرها من المقامات التي تقدّم التعرّض لها آنفاً، فلا شك أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام المصداق البارز للآية التي نحن بصدد بيانها، فهم عليهم‌السلام أوضح وأبرز وأعظم آيات اللَّه تعالى.

____________________

(1) الأعراف: 40.

(2) المؤمنون: 50.

٢١٧

والذين يكذّبون بآيات اللَّه تعالى ويصدّون ويستكبرون عنها - كما فعل إبليس مع آدم عليه‌السلام - لا تفتّح لهم أبواب السماء، فلكي تفتّح أبواب السماء لقبول الأعمال والعبادات والعقائد وجميع المقامات، وقد قال تعالى: ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (1) والكلم الطيب هو العقيدة، فبيّنت الآية أن الإيمان والعقيدة لابدّ له أن يصعد في مسير قبوله عند اللَّه تعالى، والصعود إلى السماء لابدّ أن تفتّح له أبواب

السماء، وقد بيّنت الآية السابقة أن مفتاح أبواب السماء هو كلّ من التصديق بالآيات الإلهية والخضوع لها واللجوء إليها وعدم الصدّ عنها. ومن أجل الرُّقي والعروج إلى السماء لابدّ من التوجّه إلى آيات اللَّه تعالى واللجوء إليها والتصديق بها وعدم الصدّ عنها، فالآية صريحة في أن التوبة والعبادة وأيّ قربى أو زلفى إلى اللَّه عزّ وجلَّ تفتقر إلى تفتُّح أبواب السماء وأنها لا تفتّح أبداً مع الاستكبار على الآيات الإلهية، فليس الإيمان بآيات اللَّه فحسب كافٍ في قبول العبادات ورقي المقامات، بل لابدّ من المودّة والصلة والإقبال والتوجّه إلى الآيات والتوسّل بها إلى اللَّه، وعدم الصدّ والاعراض والاستكبار عنها؛ لأن الآية جعلت شرطين لفتح أبواب السماء ولدخول الجنّة:

الأول: عدم التكذيب؛ أى التصديق والإيمان والمعرفة بآيات اللَّه الحجج.

والثاني: عدم الاستكبار عنها، وهذا الأمر يتضمّن شيئين:

أحدهما: عدم الاستكبار؛ أي الخضوع والتواضع، وثانيهما: عدم الصدّ الذي قد ضُمِّن في فعل الاستكبار بقرنية عن، نظير ما ذكرته الآيات في مسبب كفر إبليس: ( أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ) . فالإباء هو الجحود مقابل التصديق، والاستكبار مقابل

____________________

(1) سورة فاطر: 10.

٢١٨

الخضوع والاتباع.

ونظير ذلك ما ورد في سورة المنافقين في قوله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) (1) وهذه الآية الكريمة صريحة في أن الاستغفار وقبول التوبة متوقّف على المجي‏ء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن صفة المنافق الصدّ عن الآيات الإلهية والاستكبار عليها والابتعاد عنها وعدم اللجوء إليها واللواذ بها، وهذا نوع من التشاهد بين الآيات القرآنية. فالآية تدلّ على أن الأوبة إلى اللَّه تعالى والقرب إليه لابدّ فيه من التوجّه أوّلاً إلى الحضرة النبوّية والتوسّل والاستشفاع بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم شفاعته.

فالتوسّل خيار حصري لابدِّي شرطي منحصر بالمجي‏ء واللجوء إلى الحضرة النبويّة واللّواذ بها والاستغاثة به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ابداء التوبة والاستغفار وإمضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله له باستغفاره وشفاعته لهم من أجل تحقّق التوبة ومقام المغفرة وقبول العبادة التي منها عبادة التوبة.

ونظير هذه الآيات أيضاً قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (2) .

ومن الشواهد أيضاً على أن المراد من الآيات هنا هم الأنبياء والخلفاء الأوصياء الحجج هو التعبير بـ ( كَذَّبُوا ) ؛ فإنه مقابل التصديق فيما يزعمون من مناصب وفيما لهم من دعوى. وأمَّا الآية الكونية، فليس فيها تكذيب أو تصديق، بل إنما تقع الغفلة والإعراض عنها؛ إذ لا يوجد فيها زعم أو دعوى معيّنة

____________________

(1) المنافقون: 5.

(2) الأعراف: 36.

٢١٩

كي يصدق في حقّها التصديق أو التكذيب، فالتصديق أو التكذيب إنما يكون للحجج الإلهية التي تدّعي مقاماً إلهياً وكذا فيما تبلّغه عن اللَّه تعالى، فالمراد بالآية والآيات في المقام الحجج الإلهية من الأنبياء والرسل والأصفياء والأوصياء، الذين أُسندت إليهم المقامات الإلهية.

والحاصل: أن هذه الآيات المباركة تبيّن أن مفتاح أبواب سماء الحضرة الربوبية الإقرار بالحجج والآيات والتوجّه إليها والتوسّل والتشبّث بها والانقطاع إليها لا عنها، وأبرز وأعظم تلك الآيات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فهم مفاتيح أبواب السماء في قبول وصعود التوبة والعبادة والمعرفة والإيمان والعقيدة ونيل المقامات، فلا ترتفع أي عبادة ولا ينال مقام ولا تتحقّق التوبة مع عدم التصديق بالآيات وصلتها ومودّتها والتوجّه إليها والتوسّل بها، والإعراض عنها يوجب حبط الأعمال وامتناع دخولهم الجنّة في الآخرة ( وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، فشرط النجاة يوم القيامة الارتباط بالآيات الإلهيّة والانتماء إليها و

التوسّل بها؛ لكونها قنوات غيبيّة توجب القرب إلى اللَّه تعالى.

فالتوسل شرط في تفتّح الأبواب لقبول وصحّة الإيمان والتوبة وقبول الأعمال وسائر المقامات.

الدليل العاشر: خضوع الملائكة لآدم عليه‌السلام

كلّ خليفة للَّه باب أعظم لملائكته

لقد سبق ذكر الآيات التي تعرّضت لقصة آدم عليه‌السلام وأمر الملائكة كلّهم

٢٢٠