الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 320
المشاهدات: 93216
تحميل: 6903


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93216 / تحميل: 6903
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يكون واسطة ووسيلة في تخليق بعض المخلوقات لا يخرج عن حيطة القدرة الإلهية، فهو بتمام شراشر وجوده مفتقر إلى باريه في الحدوث والبقاء وفي فعله وأصل وجوده، وإذا صار الماء مثلاً واسطة في تخليق كلّ شي‏ء حيّ لا يعني عجز الباري، لأن الماء بتمام وجوده مفتاق إلى خالقه ولا يستغني في فعله عنه، ففعل الماء فعل اللَّه تعالى، والماء مجرى الفيض وسبب إعداديّ لخالقية اللَّه عزَّ وجل.

ثم إن البارئ والمصوّر من أسماء اللَّه تعالى، والبَرء عملية تحويل وإيجاد وإيجاب شي‏ء من شي‏ء آخر، ثم بعد البرء تأتي عملية تشكيل الصورة، وهذه كلّها دائرة الموجودات غير الإبداعية، وهي تحت هيمنة الأسماء الإلهية، كالبارئ والمصوّر ولا تخرج عن حيطة قدرته عزَّ وجل.

الجواب الثاني : إن الاحتياج إلى الأسباب والوسائط ليس لعجز في الباري تبارك وتعالى، بل لعجز وعدم قابلية في ذات الممكن؛ وذلك لأن بعض الموجودات الممكنة لا يمكن أن تفرض لها شيئية إلّا بعد وجود موجودات أخرى سابقة عليها، فالجسم مثلاً لا يمكن أن يخرج إلى الوجود إلّا من المادة؛ لعدم قابلية الجسم إلّا أن يكون متقوّماً بالمادّة، واللَّه عزَّ وجلَّ على كلّ شي‏ء قدير، ولا شيئية للجسم قبل المادّة لكي تتعلّق به القدرة؛ إذ اللّاشيئية عدم وبطلان وعجز وفقدان، ولا معنى لأن تتعلق القدرة الإلهية بالعجز والبطلان.

نعم إذا فُرض كونه شيئاً بواسطة السبب، تتعلّق به القدرة حينئذٍ؛ فالأشياء التي

٢٨١

هي ذوات أسباب ذواتها متقوّمة ذاتيَّاً قوامياً بنيوياً وهوية بتلك الأسباب، فنفي فرض الأسباب نفي لأصل ذواتها، فيرجع إلى التناقض، لا للعجز في قدرة الباري تعالى، كمَن يريد أن يفترض الجسم بلا أن يكون له أبعاد ممتدّة، فهؤلاء تخيّلوا أن الأسباب والوسائط منحازة عن أصل ذوات الأشياء المخلوقة في الدرجات المتوسّطة والنازلة من عوالم الخلقة، فيرجع جحودهم للوسائل إلى الجهل بحقائق المخلوقات، ولو كان وجود الأسباب والوسائط يعني العجز لكانت سنّة اللَّه تعالى في تدبير الخلقة بتوسّط الملائكة عجز في الساحة الإلهية (والعياذ باللَّه)، لا سيّما وأن القرآن الكريم يسند جملة أفعال الخلقة وعظائم الأفعال إلى الملائكة.

الجواب الثالث: وهو عبارة عن الشواهد والطوائف القرآنية الدالّة على وقوع التخليق من اللَّه تعالى عبر الوسائط من ملائكة ورسل وغير ذلك، وأن نظام الخلقة على نحوين: إبداعيّ وتخليقيّ، كما قال عزَّ وجل: ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) (1) .

وإليك بعض تلك الطوائف:

الطائفة الأولى: آيات الإماتة وتوفّي الأنفس، وقد أسند التوفّي فيها إلى اللَّه عزَّ وجلَّ وإلى الملائكة وإلى ملك الموت خاصّة:

الإسناد الأول: إسناد توفّي الأنفس إلى الملائكة.

1 - قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) (2) .

____________________

(1) الأعراف: 54.

(2) النساء: 97.

٢٨٢

2 - قوله تعالى: ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) (1) .

3 - قوله تعالى: ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (2) .

4 - قوله تعالى: ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) (3) .

5 - قوله تعالى: ( حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ) (4) .

6 - قوله تعالى: ( لَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (5) .

7 - قوله تعالى: ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) (6) .

8 - قوله تعالى: ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) (7) .

وغير ذلك من الآيات المباركة التي نلاحظ في مجموعها أن اللَّه سبحانه وتعالى قد نسب وأسند وفاة الأنفس إلى الملائكة من باب التوسيط، مع أن

____________________

(1) النحل: 28.

(2) النحل: 32.

(3) الأنعام: 61.

(4) الأعراف: 37.

(5) الأنفال: 50.

(6) محمد: 27.

(7) الأنعام: 93.

٢٨٣

المُميت من أسماء اللَّه تعالى ولا منافاة في ذلك، ولا يلزم منه العجز؛ لأن الملك بكلّ وجوده وأفعاله قائم باللَّه تعالى ومفتقر إليه حدوثاً وبقاءً.

وفي الآيات الثلاث الأخيرة يسند اللَّه عزَّ وجلَّ العذاب إلى الملائكة وفي الوقت ذاته ينسب اللَّه عزَّ وجلَّ العذاب والتعذيب إلى نفسه ولا منافاة في ذلك لِمَا تقدم.

الإسناد الثاني: وهي الآيات التي يسند اللَّه عزَّ وجلَّ فيها التوفّي إليه مباشرة:

1 - قوله تعالى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ) (1) .

2 - قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) (2) .

3 - قوله تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ) (3) .

4 - قوله تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) .

وكما أسلفنا لا تنافي بين الإسناد الأول والثاني وكذلك الثالث الآتي، وكلّ منها إسناد حقيقي؛ لأن الملائكة لا حول لهم ولا قوة إلّا باللَّه تعالى.

ويدلّ على هذه الطولية في الإسناد السياق الواحد في آيتي سورة النحل المتقدّمتين؛ حيث أسند في أحدهما التوفّي إلى اللَّه تعالى وفي الأخرى إلى

____________________

(1) محمد: 27.

(2) الأنعام: 93.

(3) الزمر: 42.

(4) يونس: 104.

٢٨٤

الملائكة.

الإسناد الثالث: إسناد التوفّي إلى ملك الموت:

قوله تعالى: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (1) .

فإسناد الإماتة إلى ملك الموت والرسل في وقت واحد يعني أن بقيّة الملائكة أعوان لملك الموت، تحت هيمنته وقدرته، كما جاء ذلك في روايات الفريقين.

والحاصل: أن برنامج الإماتة لكلّ ذي روح تحت تدبير وإدارة ملك الموت، وهو يدير ذلك البرنامج التكويني عن طريق رسله وأعوانه الذين هم تحت إمرته وسلطانه وقدرته، وهو في‏ الوقت ذاته تحت سلطان اللَّه عزَّ وجلَّ وقدرته، وافتقاره، واحتياجه إلى اللَّه عزَّ وجلَّ حدوثاً وبقاءً أشدّ من احتياج الملائكة من أعوانه إليه بما لا يقاس.

ومن هذا البيان يتّضح أن إسناد فعل إلى الملائكة لا يعني عدم إسناده إلى الباري تعالى، وهكذا إسناد فعل إلى الملائكة لا يعني عدم إسناده إلى ذات أخرى شريفة تهيمن على الملائكة، وتكون الملائكة رسلاً وأعواناً لها وتحت سلطانها، كملك الموت الذي يدبّر الملائكة بإقدار اللَّه تعالى وتدبيره، ووراء ملك الموت مخلوقات أخرى أشرف منه تدبّره وتدير شؤون عالم الإمكان بإذن اللَّه تعالى وهم خلفاء اللَّه تعالى.

الطائفة الثانية: وهي الآيات التي صرحت بإيكال بعض الأفعال والأمور التدبيريّة إلى بعض المخلوقات.

____________________

(1) السجدة: 11.

٢٨٥

1 - قال تعالى: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (1) .

2 - وقال عزَّ وجل: ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) (2) .

وهذا التوكيل المذكور في الآيتين الكريمتين ليس على نسق إيكال مخلوق إلى مخلوق آخر؛ لأنه في باب الوكالات الاعتبارية والقانونية هناك نوع من الاستقلال للوكيل عن الموكّل في الفعل، وفيه نوع من أنواع التفويض العزلي وإن لم يكن تفويضاً واستقلالاً وانعزالاً تاماً؛ لإمكان عزله في كلّ آن آن. وأمَّا في توكيل اللَّه تعالى بعض المخلوقات، فليس هو توكيلاً وتفويضاً عزلياً تنحسر فيه قدرة الباري عن الفعل الموكِّل فيه؛ لأنها وكالة افتقار وتقوّم فعل الوكيل بالموكّل، فاللَّه تعالى أقدر بعض مخلوقاته وأوكل لهم بعض الأمور بلا انعزال عمّا وكَّلهم فيه، بل هو تعالى فيما أقدرهم عليه أقدر بما لا يتناهى من القدرة، لأن وجودهم فضلاً عن فعلهم متقوّم بذات الباري تعالى حدوثاً وبقاءً، وهو الحيّ القيّوم الذي به قامت السماوات والأرض.

ثم إن التوكيل الذي ورد في سورة الأنعام توكيل لدنّي لجماعة من الإنس، وهذه من التعابير القرآنية الدالّة على وجود الارتباط اللّدني بين اللَّه تعالى ومجموعة من البشر، لم يكفروا باللَّه عزَّ وجلَّ طرفة عين.

الطائفة الثالثة: وهي الدالّة على توسيط بعض المخلوقات في الخلق:

1 - قوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ

____________________

(1) السجدة: 11.

(2) الأنعام: 89.

٢٨٦

مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الَّثمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ) (1) ، فإخراج الثمرات ليس إبداعيّ، بل توسيطيّ؛ فالباري تعالى يُخرج بواسطة الماء الثمرات، والخالق هو اللَّه تعالى وليس الماء إلّا وسيطاً في جريان الفيض الإلهي.

2 - قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (2) .

3 - قوله تعالى: ( وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) (3) .

4 - قوله تعالى: ( وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) (4) .

وقد قرّر الحكماء وجود حياة نباتية، كما أكّدت ذلك العلوم المادّية، وهذه الحياة والإحياء يحصل بواسطة الماء ولو إعداداً، فكيف يستعظم ذلك على مَن هو أشرف من الماء وأعظم عند اللَّه تعالى؟!

5 - قوله تعالى: ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) (5) .

فالطهارة التي هي أمر معنوي ونوري يحصل من اللَّه تعالى بواسطة الماء؛ لأنها ليست من الأفعال الإبداعية بل التخليقية.

____________________

(1) البقرة: 22.

(2) الأنعام: 99.

(3) النحل: 65.

(4) البقرة: 164.

(5) الأنفال: 11.

٢٨٧

6 - قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (1) .

والعرش هو القدرة الإلهية، فقدرته تعالى على الماء، والماء واسطة في فيض القدرة، على الاختلاف في المراد من الماء في الآية الكريمة.

فالقوابل محدودة ونشأة الماء هي الواسطة في تقبّل الفيوضات الإلهية.

7 - قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) (2) .

8 - قوله تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ) (3) .

9 - قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ) (4) .

10 - قوله تعالى: ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (5) .

فالروح الذي هو خلق أعظم من الملائكة سبب وواسطة إلهية لنزول الملائكة وعروجها.

الطائفة الرابعة: إسناد الخلق والتخليق إلى بعض المخلوقات:

1 - قوله تعالى: ( أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ) (6) .

____________________

(1) هود: 7.

(2) الأنبياء: 30.

(3) النور: 45.

(4) الفرقان: 54.

(5) النحل: 2.

(6) يس: 71.

٢٨٨

فأُسند الخلق إلى الأيدي الإلهية، وهي القدرة، إذ لا شك أن اللَّه تعالى لا يد جسمانية له، فيده قدرته وتصرّفه المخلوق له الخارج عن الذات المقدّسة، وهذه اليد المخلوقة تعمل وتخلق الأنعام بالمباشرة.

2 - قوله تعالى: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) (1) .

فالتسبيح في هذه الآية الكريمة أسند إلى الاسم، و(الذي) وصف للمضاف إلى الربّ وهو الاسم، فالاسم هو الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى، والاسم غير المسمّى، قائم به ومخلوق من مخلوقاته، كما جاء ذلك في سورة الرحمن في قوله تعالى: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِْكْرَامِ ) (2) ، فالجلال والإكرام وصف لوجه الربّ، لا لنفس الربّ، وهو مخلوق من المخلوقات وآية يتوجّه بها إلى اللَّه عزَّ وجل، والشاهد على المغايرة ما جاء في آخر سورة الرحمن، حيث جعل وصف الجلال والإكرام صفة للربّ لا للوجه، حيث قال تعالى: ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالإِْكْرَامِ ) (3) ، وليس المراد من الاسم والوجه في الآية المباركة جزء الذات الجسماني، كما توهّم ذلك المجسّمة والحشوية (تعالى اللَّه عن ذلك علواً كبيراً)، بل المراد منه الآية الكبرى الدالّة على عظمة اللَّه عزَّ وجلَّ والقائمة الوجود به. وقد أطلق على البيت الحرام والكعبة أنهما وجه اللَّه تعالى الذي يتوجّه به إليه، كما في قوله عزَّ وجل: ( وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) وقال تعالى أيضاً: ( أَيْنََما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ممَّا يدلِّل على أن البيت الحرام أحد الوجوه والآيات الكبرى التي يتوجّه إلى اللَّه عزَّ وجلَّ بها، وكذلك

____________________

(1) الأعلى: 1 - 2.

(2) الرحمن: 27.

(3) الرحمن: 78.

٢٨٩

الأنبياء، حيث أطلق على موسى وعيسى عليهما‌السلام أنهما وجيهين عند اللَّه تعالى، كما تقدّم أنهما كلمات اللَّه وأسمائه.

3 - قوله تعالى: ( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (1) .

4 - قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ) (2) ، فهنا أسند تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى أي إحيائهم إلى القرآن الكريم.

الطائفة الخامسة: وهي التي عُبّر فيها بالمُلك، وأن اللَّه تعالى أملَكَ كثيراً من الأمور لمخلوقاته الشريفة من دون أن يكون هذا التمليك عزلي تفويضي، بل كلّما تلقى المخلوق من باريه فيضاً أكثر ومرتبة أعلى وأشرف في الوجود كلّما كان أكثر فقراً إلى اللَّه عزَّ وجلَّ من غيره، ومن ثم كان الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أعبد الخلائق إلى اللَّه تعالى؛ لأنه أكثرهم فقراً إلى اللَّه عزَّ وجل، كما أثر ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث كان يقول: (الفقر فخري). وإليك بعض تلك الآيات في المقام:

1 - قوله تعالى: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ) (3) .

____________________

(1) آل عمران: 49.

(2) الرعد: 31.

(3) النساء: 54.

٢٩٠

والملك العظيم الذي أعطي لآل إبراهيم هو الإمامة، ولم يُعبّر عن غير الإمامة بالملك العظيم.

2 - قوله تعالى: ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي ِلأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) (1) .

3 - قوله تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ) (2) .

4 - ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (3) .

5 - ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ) (4) .

6 - ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعزَّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) (5) .

والملك في هذه الآية ليس خاصّاً بالملك الأرضي، بل هو عامّ شامل لمطلق النشآت.

7 - ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) (6) ، فوصف اللَّه عزَّ وجلَّ خازن النيران الملك الموكّل بالنار بمالك؛ لأنه ملّكه القدرة على تدبير النيران.

8 - ( وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) (7) ، والعرش هو مقام القدرة، واللَّه تعالى أقدر أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين

____________________

(1) ص: 35.

(2) الإنسان: 5.

(3) ص: 20.

(4) البقرة: 247.

(5) آل عمران: 26.

(6) الزخرف: 77.

(7) الحاقة: 17.

٢٩١

على حمله بلا تفويض.

9 - قوله تعالى: ( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (1) .

10 - قوله تعالى: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) (2) .

11 - ( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَّكْفِيَكُمْ أَن يُّمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ) (3) .

12 - ( يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) (4) .

الطائفة السادسة: ما ذكر فيها نسبة الإهلاك إلى نفسه تعالى وإلى بعض مخلوقاته.

1 - قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (5) .

2 - ( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) (6) .

3 - ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ) (7) .

____________________

(1) التحريم: 4.

(2) الأنفال: 9.

(3) آل عمران: 124.

(4) آل عمران: 125.

(5) الأحقاف: 27.

(6) الحاقة: 5.

(7) الحاقة: 6.

٢٩٢

4 - ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ) (1) .

5 - ( فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ) (2) .

الطائفة السابعة: إسناد تدبير بعض المخلوقات عن طريق الرياح:

1 - قوله تعالى: ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) (3) .

2 - ( اللَّهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ) (4) .

3 - ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) (5) .

4 - ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ) (6) .

5 - ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا ) (7) .

والحاصل: إنّ نظام الخلقة في السُّنَّة الإلهيّة نظام الأسباب والمسبّبات، كما نصّ على ذلك متواتر آيات القرآن الكريم، وما ورد من روايات الفريقين: (أبى اللَّه أن يجري الأمور إلّا بأسبابه)؛ وذلك لأن الأمور ذواتها متقوِّمة بالأسباب في هويَّتها، فهم يجهلون نظام الخلقة والمخلوقات.

____________________

(1) العنكبوت: 31.

(2) العنكبوت: 40.

(3) الحجر: 22.

(4) الروم: 48.

(5) الفرقان: 48.

(6) الروم: 46.

(7) فاطر: 9.

٢٩٣

٢٩٤

خاتمة في:

أ - الروايات الواردة في مشروعيَّة التوسُّل والتشفُّع والتبرُّك:

الروايات في هذا المجال كثيرة جدّاً، نشير إلى بعض ما ورد منها في الكتب السُّنيَّة:

1 - ما أخرجه البخاري في صحيحه عن الجعيد بن عبد الرحمن قال: (سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت: يارسول اللَّه إن ابن أختي وجِع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة وتوضّأ فشربت من وضوئه) (1) .

2 - كذلك روى البخاري في صحيحه عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: (رأيت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبّة حمراء من أدم، ورأيت بلالاً أخذ وضوء رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورأيت الناس يتبدّرون ذاك الوضوء، فمَن أصاب منه شيئاً تمسّح به،

____________________

(1) صحيح البخاري، ج4، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ص163.

٢٩٥

ومَن لم يصب منه شيئاً أخذ من بلل يد صاحبه) (1) .

3 - وأخرج مسلم في صحيحه عن أنس قال: (لقد رأيت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله والحلّاق يحلقه وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلّا في يد رجل) (2) .

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم تعليقاً على مثل هذه الروايات: (وفي هذه الأحاديث بيان بروزه صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس وقربه منهم... وإجابته مَن سأله حاجة أو تبريكاً بمسّ يده وإدخالها في الماء كما ذكروا، وفيه التبرّك بآثار الصالحين وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرّك بآثاره صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبرّكهم بإدخال يده الكريمة في الآية وتبرّكهم بشعره الكريم وإكرامهم إياه أن يقع شي‏ء منه إلّا في يد رجل سبق إليه) (3) .

إذن هذه الشواهد وغيرها كاشفة عن أن سيرة المسلمين منذ الصدر الأول كانت قائمة على التبرّك بما يتصل بالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من دون ردع ونهي، وهذا دالّ على مشروعية ما كان يأتي به الصحابة، وقلنا إنَّ التبرّك يجتمع مع التوسّل والاستغاثة في ماهية واحدة وهي التوسيط، فالتبرّك طلب البركة ونوع توسّل واستشفاع بما يرتبط بالأولياء والأوصياء والحجج من أشياء.

4 - وفي الجامع الصغير للسيوطي: (غبار المدينة شفاء من الجذام) (4) ، وقال المناوي في فيض القدير بعد نقل مثل هذه الروايات: (قال السمهودي: قد

____________________

(1) صحيح البخاري، ج1، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الأحمر، ص92.

(2) صحيح مسلم، ج7، ص79.

(3) شرح مسلم، ج15، ص82.

(4) الجامع الصغير، ج2، ص197.

٢٩٦

شاهدنا مَن استشفى به منه وكان قد أضرّ به فنفعه جدّاً) (1) .

5 - أخرج الحاكم في المستدرك عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يارسول اللَّه، علّمني دعاءً أدعو به يردّ اللَّه عليّ بصري، فقال له: (قل: اللّهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيك نبيّ الرحمة، يامحمّد إني قد توجّهت بك إلى ربّي، اللّهم شفّعه فيّ وشفّعني في نفسي) فدعا بهذا الدعاء، فقام وقد أبصر (2) .

6 - روى البيهقي في خبر صحيح إنه في أيام عمر جاء رجل إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يامحمّد، استسق لأمتك، فسقوا (3) .

7 - أخرج النسائي عن عبداللَّه بن عمرو، قال: سمعت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، وصلّوا عليَّ، فإنه من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه عشراً، ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد اللَّه، أرجو أن أكون أنا هو، فمَن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة) (4) .

8 - روى مسلم عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ما من ميّت تصلّي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه) (5) .

9 - روى مسلم أيضاً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على

____________________

(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج4، ص526.

(2) المستدرك، ج1، ص526.

(3) سنن البيهقي، ج3، ص326.

(4) سنن النسائي، ج2، ص26.

(5) صحيح مسلم، ج3، ص53.

٢٩٧

جنازته أربعون رجلاً، لا يشركون باللَّه شيئاً إلّا شفّعهم اللَّه فيه) (1) .

10 - ما أخرجه الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا خرج الرجل من بيته إلى الصلاة فقال: اللّهم إني أسألك بحقّ السائلين عليك وبحقّ ممشاي، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، خرجتُ اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، وكَّلَ اللَّه عزَّ وجلَّ به سبعين ألف ملك يستغفرون له، وأقبل اللَّه تعالى عليه بوجهه حتى يقضي صلاته) (2) .

11 - كذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عباسَّ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (مَن سرّه أن يوعيه اللَّه عزَّ وجلَّ حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف، أو في صحفة قوارير بعسل وزعفران وماء مطر ويشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيَّام، وليكن إفطاره عليه، فإنه يحفظها إن شاء اللَّه عزَّ وجلَّ، ويدعو به في أدبار صلواته المكتوبة:

اللّهمّ إني أسألك بأنك مسؤول لم يُسأل مثلك ولا يُسأل، أسألك بحقّ محمّد رسولك ونبيّك وإبراهيم خليلك وصفيّك وموسى كليمك ونجيّك وعيسى كلمتك وروحك، وأسألك بصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وفرقان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسألك بكلّ وحي أوحيته وبكلّ حقّ قضيته وبكلّ سائل أعطيته، وأسألك بأسمائك التي دعاك بها أنبياؤك فاستُجيب لهم، وأسألك باسمك المخزون المكنون الطهر الطاهر المطهّر المبارك المقدّس الحيّ

____________________

(1) صحيح مسلم، ج3، ص53.

(2) الطبراني، كتاب الدعاء، ص145، ومسند أحمد، ج3، ص21.

٢٩٨

القيّوم ذي الجلال والإكرام، وأسألك باسمك الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر الذي ملأ الأركان كلّها، وأسألك باسمك الذي وضعته على السماوات فقامت، وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرضين فاستقرّت، وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست، وأسألك باسمك الذي وضعته على الليل فأظلم، وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار، وأسألك باسمك الذي يحيى به العظام وهي رميم، وأسألك بكتابك المنزل بالحقّ ونورك التام، أن ترزقني حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم وتثبّتها في قلبي، وأن تستعمل بها بدني في ليلي ونهاري أبداً ما أبقيتني يا أرحم الراحمين) (1) .

12 - أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن العبَّاس، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (قال داود: أسألك بحقّ آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) (2) .

13 - روى جمال الدين الزرندي الحنفي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (إذا هالك أمر فقل: اللّهم صلِّ على محمّد وآل محمّد، اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد أن تكفيني شرّ ما أخاف وأحذر، فإنك تكفى ذلك الأمر) (3) .

14 - أخرج الحاكم الحسكاني عن ابن عبَّاس قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لمَّا نزلت الخطيئة بآدم وأُخرج من جوار ربّ العالمين، أتاه جبرئيل فقال: ياآدم اُدع ربّك، قال: ياحبيبي جبرئيل وبما أدعوه؟ قال: قل: ياربّ أسألك بحقّ الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلّا تبت عليّ ورحمتني، فقال:

____________________

(1) الطبراني، كتاب الدعاء، ص398.

(2) مجمع الزوائد، ج8، ص202.

(3) نظم درر السمطين، ص49.

٢٩٩

حبيبي جبرئيل سمّهم لي، قال: محمّد النبي وعليّ الوصي وفاطمة بنت النبيّ والحسن والحسين سبطيّ النبي، فدعا بهم آدم فتاب اللَّه عليه، وذلك قوله: ( فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) وما من عبد يدعو بها إلّا استجاب اللَّه له) (1) .

15 - وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك عن ابن عباس قال: (أوحى اللَّه إلى عيسى عليه‌السلام : يا عيسى، آمن بمحمد وأمر مَن أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم ولولا محمد ما خلقت الجنة ولا النار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه فسكن) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (2)

وقد تقدّمت هذه الرواية عن السيوطي في الدرّ المنثور وغيره بألفاظ أخرى فراجع، وقد جاء فيها أن سبب جعل تلك الكلمات واسطة ووسيلة هو حفاوتهم وكونهم أحبَّ الخلق للَّه عزَّ وجل، كما تقدّم في قول إبراهيم عليه‌السلام ( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) .

ب - آراء أعلام السُّنَّة في التوسّل:

1 - قول مالك للمنصور العبَّاسي الدوانيقي عندما سأله قائلاً: أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟: (ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه‌السلام إلى اللَّه تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به) (3) .

____________________

(1) شواهد التنزيل، ج1، ص102.

(2) المستدرك، ج 2، ص 615.

(3) القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ج2، ص41.

٣٠٠