الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية18%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99371 / تحميل: 7783
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سلطاناً. وأمَّا إذا كانت الوسائط منصوبة من قبل اللَّه عزّ وجلّ وبسلطان منه، وكان التوجّه إليها بإرادته وأمره، فحينئذٍ يكون التوجّه إلى الوسائط انقياداً وامتثالاً للأمر الإلهي وعبادة للَّه تبارك وتعالى؛ لأنّه تحكيم لسلطانه وانصياع لأوامره.

فالذي يأتمر بأوامر اللَّه تعالى بالانقياد مطلقاً بالوسائط أو بغيرها هو الموحّد التامّ في مقام العبودية والطاعة، وفي غير ذلك يكون قد تجرّأ واستكبر على الباري تعالى وكفر بربوبيّته كما فعل إبليس عندما استكبر وكان من الكافرين.

الطائفة الرابعة: ومضمونها هو أن أخذ التشريع من غيره تعالى يُعدّ شركاً في التشريع إذا كان من دون إذن اللَّه عزّ وجل.

١ - قوله تعالى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (١) .

٢ - قوله تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالاً قُلْ ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) (٢) .

نتيجة الطوائف الأربع:

إنّ الإنكار على الوثنية والمشركين ليس في فكرة الوسائط، بل باقتراحهم من الوسائط ما لم ينزّل اللَّه بها سلطاناً، فشركهم بمنازعة سلطانهم لسلطان اللَّه تعالى.

إذن، فمشركو الجاهلية مع أنهم توسّلوا وتشفّعوا بالأصنام والأوثان بُغية الزلفى والتقرّب إلى اللَّه تعالى، وهم يعلمون أن الأصنام ليست غنية بالذات

____________________

(١) الشورى: ٢١.

(٢) يونس: ٥٩.

٦١

وإنما هي وسائط وشفعاء إلى اللَّه عزّ وجل، مع ذلك كلّه اعتبرهم اللَّه تعالى من المشركين؛ وليس ذلك إلّا لكون محطّ الإنكار عليهم ليس في نظرية وعقيدة الحاجة إلى الوسائط، بل لكون الوسائط والشفعاء التي تشفّعوا بها لم يأذن بها اللَّه تعالى، ولم تكن بإرادته وسلطانه، وإنما هي من تحكيم سلطانهم على سلطان اللَّه تعالى.

وهذه الطوائف من الآيات مفسّرة لكلّ آيات الإنكار على المشركين والوثنيين - عبدة الأصنام - وغيرهم، وأين هذا من المعنى الذي يتوخّاه المنكرين لأصل التوسيط والوساطة؟! إذ جهة الزيغ والانحراف ليس في أصل فكرة الوسائط والوسائل والاحتياج إليها، بل من جهة كونها بإرادة العبيد وتحكيمها على إرادة الربّ وسلطانه.

٢ - قصة آدم مع إبليس:

إنّ هذه الملحمة تعدّ من أوضح الأدلّة على ضرورة التوجّه إلى الوسائط والحجج الإلهيّة لطلب الزلفى والقرب من اللَّه عزّ وجل.

وهذه الواقعة تضفي بلونها على جميع أصول الدين؛ إذ هي جاءت لتعيين مصير ومعالم مسار البشرية في مبدأ وفاتحة الخليقة، وذلك واضح لمن تتبّع الآيات التي استعرضت هذه الواقعة.

ونحن هنا نتعرّض إلى ما له صلة بالمقام:

وفيما يلي نذكر بعض السور والآيات التي استعرضت القصة:

١ - قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى

٦٢

وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (١) .

٢ - قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (٢) .

٣ - قوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (٣) .

٤ - قوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ ِلأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (٤) .

٥ - قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا ِلآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ

____________________

(١) البقرة: ٣٤.

(٢) البقرة: ٧١ - ٧٨.

(٣) الأعراف: ١١ - ١٣.

(٤) الحجر: ٢٨ - ٣٥.

٦٣

الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) (١) .

هذه بعض الآيات التي تعرّضت للواقعة التي هي محلّ البحث.

وقد احتوت هذه القصّة على دلالات متعدّدة تنصّ على أسس المعارف الاعتقادية، وأحد تلك الجوانب المهمّة في القصّة هي أمر اللَّه تعالى الملائكة بالسجود لآدم، وذلك ضمن عدّة تعابير تبيّن شدّة الأمر بالانقياد والخضوع لآدم عليه‌السلام كقوله تعالى: ( فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) (١) ؛ حيث احتشدت فيها الدوالّ التأكيدية كـ: (هم) و (أجمع) و (كلّ) و (الملائكة) وغيرها، وكقوله تعالى: ( فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ؛ فهو أمر بالوقوع للسجود مباشرة بلا فصل. ولا يخفى ما في التعبير بالوقوع من شدّة الخضوع والطواعية وانقياد الملائكة لآدم عليه‌السلام .

وعلى ضوء مقالة أصحاب الشبهات المتقدّمة الجاحدين للتوسّل يكون امتناع إبليس من السجود عين التوحيد، فحيث إن إبليس أبى جعل الواسطة، يكون أكبر موحّد؛ لكونه متقيّداً ومتشدّداً في العقيدة التوحيديّة وأول رائد لدعوة التوحيد ونفي العقيدة الشركيّة التي تورّط بها الملائكة بحسب زعم الجاحدين للتوسّل، ويكون إبليس على هذا صاحب تحرّر وانفتاح وشفّافية في العبادة لرفضه الواسطة، ويكون انقياد الملائكة وخضوعهم للواسطة هو الشرك الأكبر، ويكونون بذلك مغالين في آدم؛ قد خلقوا منه صنماً - والعياذ باللَّه - لتقديسه وتعظيمه، بينما

____________________

(١) الكهف: ٥٠.

(٢) الحجر: ٣٠.

٦٤

القرآن الكريم يقرّر الحقيقة على خلاف ذلك؛ حيث يعتبر الملائكة موحدين مطيعين، أصبحوا بسجودهم في غاية القرب للَّه تعالى؛ لامتثالهم وطواعيَّتهم للأوامر الإلهيّة، وفي الوقت ذاته حكم على إبليس بالكفر؛ حيث عبّر عنه بأنّه كافر مستكبر مدحور ملعون مطرود عن ساحة الرحمة الإلهيّة.

ولا يستقيم معنى كفر إبليس وتوحيد الملائكة في القرآن الكريم إلّا على الضابطة التي ذكرناها؛ وهي: أنّ المدار في الطاعة والعبادة وتوحيد اللَّه تعالى على وجود الأمر الإلهي، فمع مخالفة الأمر الإلهي يتحقّق الكفر والشرك وإن كان مضمون المخالفة هو رفض الوسائط، وذلك ما صنعه إبليس فأصبح مذموماً مدحوراً. وأمَّا الملائكة الذين انقادوا وخضعوا للأمر الإلهي، فهم الموحّدون المطيعون، ولو كان ذلك عن طريق الواسطة والسجود لآدم عليه‌السلام ؛ سواء فُسّر السجود بمعنى جعل آدم قبلة لهم أم بمعنى الاحترام والتعظيم والانقياد لآدم والخضوع له.

إذن، أصبح إبليس في غاية البعد من اللَّه عزّ وجل واستحقّ الطرد من رحمة اللَّه تعالى؛ لاستكباره على طاعة الأمر الإلهي ولأنّه أراد أن يُحكّم إرادته وسلطانه على إرادة الباري تعالى وسلطانه، كما جاء ذلك في الحديث القدسي، قال إبليس: (ربّ اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل، فقال جلَّ جلاله: لا حاجة لي في عبادتك، إنما عبادتي من حيث أريد لا من حيث تريد) (١) ؛ وليس ذلك إلّا لكون عبادته التي يزعمها - مع رفضه السجود لوليّ اللَّه وواسطته - تكبّراً وتجبّراً على اللَّه عزّ وجل وتحكيماً لسلطانه

____________________

(١) تفسير القمي، ج١، ص٤٢.

٦٥

على سلطان اللَّه تعالى، وهذا ينافي مضمون حقيقة العبادة التي هي الخضوع والطواعية للأوامر الإلهية؛ إذ ليس مدار العبادة على وجود الواسطة وعدمها كما سبق.

فإبليس في حقيقة الأمر كان عابداً لهواه، والعابد أصبح هو المعبود لنفسه؛ إذ لم تكن عبادته خاضعة للأوامر الإلهية. ثم إن مقام السجود والخضوع والانقياد لآدم عليه‌السلام لم يكن من مختصّاته، بل إن ذلك مقام الخلافة الإلهيّة، فكلّ مَن يتحلّى بهذا المقام ويتسنّم منصب الخلافة يكون مسجوداً للملائكة والجنّ وغيرهم ممّا خلق اللَّه عزّ وجل.

إذن، فالخطاب والأمر بالسجود شامل لكلّ خلفاء اللَّه تعالى، خصوصاً وأن بعض الخلفاء الإلهيّين أعلى وأشرف منزلة من آدم عليه‌السلام في مقام الخلافة.

وعلى ذلك صحّ أن يقال: إن الآيات والأمر الإلهي بالسجود شامل وعام؛ أي اسجدوا لمحمّد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وهارون وداود وأوصياء الأنبياء عليهم‌السلام ، الذين هم خلفاء اللَّه في الأرض بنحو أشدّ وأكثر خضوعاً ممّا كان لآدم عليه‌السلام . ومعنى ذلك أن اللَّه عزّ وجلّ يُطوِّع جميع مخلوقاته ويأمرهم بالخضوع إلى خليفته ويأمرهم بالسجود له، أي يفترض عليهم ولايته وطاعته، بمعنى أن يتوجّهوا في عباداتهم إلى اللَّه تعالى بالخليفة الذي جعله واسطة بينه وبينهم؛ وهذا هو معنى جعل وليّ اللَّه قبلة يتوجّه به إلى اللَّه تعالى.

وقد ورد التعميم في حكم السجود والخضوع لمطلق الخليفة في قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ

٦٦

مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) (١) ، فالبشر الذي خلقه اللَّه تعالى من طين وشرّفه بروح منه، وهو روح القدس، لابدّ من السجود والخضوع والانقياد له في التلقّي عن اللَّه تعالى.

ملحمة إباء إبليس وسجود الملائكة

لا زالت راهنة مستمرّة في هذا العصر

وإذا عرفت هذا وتمعّنت فيه يتّضح لك أن الملائكة وسائر الموجودات المخلوقة لا زالت ساجدة خاضعة منقادة لوليّ اللَّه وخليفته في أرضه، ولا زال إبليس وأعوانه وأتباعه وأشياعه من الجنّ والإنس يستكبرون على خليفة اللَّه، وينكرون وساطته ويرفضون الخضوع له والتوجّه إليه والتوسّل به إلى اللَّه تبارك وتعالى.

وهذا الذي ذكرناه كما ينطبق على النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك يصدق على الأوصياء الأصفياء والأئمّة والخلفاء من بعده من أهل بيته عليهم‌السلام . وهذا أيضاً نداء قرآني للمسلمين وكافّة البشر بالانقياد لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ؛ بمعنى الخضوع لهم والتوجّه بهم إلى اللَّه عزّ وجلّ في مقام العبادة، وهذا هو النمط الثاني لفرض ولايتهم وطاعتهم عليهم‌السلام ، مضافاً إلى النمط الأول وهو معرفتهم والإيمان بهم.

والحاصل: أن ما اقترحه إبليس على اللَّه عزّ وجلّ من السجود المباشر من دون توسيط وليّ اللَّه تعالى، وهو آدم عليه‌السلام ، عين الشرك والكفر؛ لأنّه تكبّراً وتجبّراً

____________________

(١) ص: ٧٢ - ٧١.

٦٧

وتمرّداً على اللَّه عزّ وجل، وهو ينافي العبادة والعبودية التي مدارها على الطواعية والانصياع.

والملائكة في سجودهم لآدم موحّدون في العبادة؛ لكونهم خاضعين منقادين لأمر اللَّه عزّ وجلّ، وهو معنى العبادة والاستسلام لإرادة الباري عزّ وجل. وكان سجودهم وخضوعهم وانقيادهم لآدم عبادة للَّه تعالى وطاعة له؛ لكونها ناشئة عن أمره عزّ وجل؛ ولذا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال في سجود الملائكة: (لم يكن سجودهم عبادة له، وإنما كان سجودهم طاعة لأمر اللَّه عزّ وجل) (١) .

وهذا هو الفارق الأساس الذي يفصل بين التوجّه لأحجار الكعبة الشريفة وبين التوجّه للأصنام، مع أن كلّ منهما حجر؛ فهذا شرك وذاك توحيد، ومداره وجود الأمر الإلهي وعدمه.

ثمّ إنّ السجود لآدم والسجود تجاه الكعبة والتبرّك بالحجر الأسود وغير ذلك ليس عبادة لها، بل هي عبادة لصاحب الأمر، وهو اللَّه عزّ وجل، فهو الذي أمر بذلك، والعباد منقادون مطيعون لأمره تبارك وتعالى.

الإمامة ركن التوحيد:

ومن المعالم المهمّة أيضاً، والتي استعرضتها الآيات القرآنية في قصّة آدم هي الولاية والخلافة، فالتوحيد في العبادة لا يكون إلّا بالانصياع والتذلّل لخليفة

____________________

(١) بحار الأنوار، ج١٦، ص٣٤٢.

٦٨

اللَّه تعالى المنصوب من قبله عزّ وجل، فإبليس الذي استكبر على الخلافة والإمامة في الأرض كافر بنصّ القرآن الكريم، والملائكة الذين خضعوا وسجدوا لخليفة اللَّه تعالى موحّدون في العبادة.

فالإمامة معلم من معالم توحيد اللَّه تعالى في الطاعة، والمطيع والخاضع لوليّ اللَّه ووسيلته، هو الموحّد الحقيقي، وبذلك يكون الكون بأجمعه مأموراً بالطاعة والانقياد لمقام الخلافة والإمامة في الأرض، بما فيهم كبار الملائكة المقرّبين، حيث أخذ اللَّه عزّ وجلّ الولاية للإمام والخليفة على جميع الملائكة، فمن يأبى ذلك يندرج تحت قوله تعالى: ( أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) .

ولا شكّ أن الإيمان بهذه العقيدة من مختصّات المذهب الإمامي، الذي آمن بأن السبب المتّصل بين الأرض والسماء لم ينقطع بعد وفاة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن الولاية الفعلية للَّه تعالى والحاكمية السياسية والقضائية والتنفيذية والتشريعية، لا زالت قائمة بعد النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فولاية اللَّه تعالى في تدبير النظام الاجتماعي - بشكل مطلق - غير معطّلة.

وبذلك كلّه نخلص إلى أنّ إنكار الواسطة المنصوبة من اللَّه عزّ وجلّ هو ما قام به إبليس، حيث يدّعي التوحيد في العبادة، لكن باطن دعواه الشرك، فلابدّ أن يُلتفت إلى أن العبادة في جوهرها وروحها ليست بهيئة السجود أو الركوع أو تحريك اللسان أو بالقصد إلى بيت اللَّه الحرام فيما إذا كان المكلّف يحمل في طيّات نفسه الإباء والاستكبار على ربّه، فإن هذا هو محطّ الكفر والصنمية والفرعنة.

٦٩

ضابطة العبادة:

ومن هنا قد ينبثق إشكال - أشرنا إليه سابقاً وأجبنا عنه إجمالاً - نحاول أن نجيب عنه بشي‏ء من التفصيل.

وحاصل الإشكال؛ هو: أن البحث انتهى بنا إلى أن المدار في العبادة على قصد الأمر وعدمه، فلو كان كذلك فهل يعقل أن الباري يأمر بعبادة غيره؟!

فإذا كان ذلك غير معقول، فلا يكون المدار على وجود الأمر وعدمه، بل المدار على تخصيص العبادة باللَّه تعالى وعدم تخصيصها به.

وبعبارة أخرى: لو كان المدار على وجود الأمر وعدم الأمر، لكان من المعقول أن اللَّه تعالى يأمر بعبادة غيره، والحال أن القرآن الكريم في آيات عديدة ينهى عن الكفر والشرك وعبادة غير اللَّه تعالى. وحينئذٍ يكون المدار على ذات الفعل وذات الخضوع، فإن كان لغير اللَّه فلا يعقل أن يؤمر به من قبل اللَّه عزّ وجل، وإن كان للَّه عزّ وجلّ فهو العبادة التوحيدية، فالخضوع والفعل العبادي لا يقبل التوسيط، بل لابدَّ من توجيهه وتخصيصه وإضافته إلى اللَّه عزّ وجل، ولا يعقل أن يتوجّه إلى غير اللَّه عزّ وجلّ في الفعل.

فالضابطة ليس على وجود الأمر فقط، بل على إسناد الفعل أيضاً، فإذا تمحّض الفعل في الإضافة إلى اللَّه عزّ وجلّ يكون توحيداً في العبادة، وإذا امتزج الفعل في الإضافة إلى غير اللَّه تعالى يكون شركاً، فالمدار على إثبات الواسطة ونفيها.

والجواب: هو أن المدار على وجود الأمر لا غيره، والذي يُحقّق كون العبادة

٧٠

والخضوع مضافتين إلى اللَّه عزّ وجلّ دون غيره هو نفس وجود الأمر وامتثاله.

وذلك كما ذكرنا في الفارق بين التوجّه إلى الكعبة - وهي أحجار - وبين التوجّه إلى الأصنام من قبل الوثنية؛ وهو وجود الأمر وعدمه.

وبعبارة أخرى: مع وجود الأمر الإلهي لا يكون الخضوع والعبادة للواسطة، بل لأمر اللَّه محضاً، ومع عدم وجود الأمر لا يكون الخضوع للَّه وإن نفيت الواسطة، بل يكون خضوعاً لهوى النفس واستكبارها.

فإن العبادة بتسالم علماء الإسلام ليس تحقّقها بالهيئة فقط، وإنما جوهر العبادة وروحها بالخضوع والطواعية والسلم والاستسلام.

ومن الواضح أن الهيئات والأفعال البدنية، من السجود والركوع وألفاظ الدعاء، من درجات العبادة النازلة في القوى الإنسانية. وأمَّا درجات ذات الإنسان العالية كقوة عقله وقلبه، فإن عبادته بالتسليم والانقياد والإذعان، وهي المعرفة الإيمانية، ومن ثَمَّ ورد أن (الأعمال بالنيّات) أي أن قيمة العبادة بلحاظ النيّة، والنيّة هي التوجّه القلبي المتولّد من الإيمان.

وعليه فما اشتهر من تقسيم التوحيد إلى توحيد الذات والصفات والأفعال وتوحيد العبادة لا يخلو من مسامحة؛ لأن التوحيد في مقام المعرفة هو توحيد عبادة أيضاً، حيث إن إذعان القلب والعقل والروح وتسليمها بتوحيد الذات والصفات والأفعال خضوع للباري تعالى، وإخبات وتسليم، فهي عبادة للَّه من العقل والقلب والروح، ولا يمكن أن يكون للبدن والنفس عبادة للَّه ولا يكون للعقل والقلب والروح عبادة للَّه بالإيمان والإذعان والتسليم والإخبات وعدم الجموح والتمرّد على اللَّه تعالى، إذ أن جوهر العبادة هو التسليم والانقياد

٧١

والطاعة والطواعية وكون العبد طيِّعاً مطاوعاً.

فإذا أمر الباري تعالى بهيئة معينة في العبادة فطاعة ذلك الأمر هو العبادة التوحيدية وإن كان لهيئة العبادة المأمور بها علاقة وإضافة إلى وسيلة وواسطة معيّنة، فقوله تعالى: ( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (١) إنما هو جعل إلهي للواسطة والوسيلة، وهي الكعبة، وهذا لا يعني أن اللَّه تعالى يأمر بعبادة الكعبة والسجود والخضوع لها، بل إنما السجود والخضوع له تبارك وتعالى، وباب التوجّه إليه عزّ وجلّ هي الكعبة، فهي وجه اللَّه عزّ وجل؛ حيث أطلق الباري على الكعبة والمسجد الحرام بأنه وجه اللَّه، لأنه تعالى قال: ( وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) ، والوجوه إنما يقابلها وجه يكون واسطة بين العبد والمعبود. ثم بعد ذلك يُعقّب اللَّه عزّ وجل بـ: أنني عندما أقول توجّهوا إلى الكعبة واجعلوها قبلة ووجهاً لا يعني انحصار الوجه الإلهي بالكعبة، بل ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنََما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وإنما الوجه الأساس الذي جعل في التوجّه إلى اللَّه عزّ وجلّ في الصلاة هو الكعبة الشريفة.

فإذا كانت الكعبة تستحقّ أن تكون وجهاً للَّه تعالى، فكيف لا يكون سيّد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله وجهاً من وجوه اللَّه عزّ وجل، بل أعظم الوجوه للَّه تعالى؟!

مع أن الكعبة المشرّفة عبارة عن أحجار.

____________________

(١) البقرة: ١٤٤.

(٢) البقرة: ١١٥.

٧٢

نعم المجسّمة يقولون إن وجه اللَّه تعالى هو العضو الجسماني منه، وهو قول باطل بالضرورة؛ إذ لا وجه ولا يد ولا رجل للَّه عزّ وجل؛ بمعنى أنه عين ذاته. نعم، يده من مخلوقاته بمعنى القدرة والتصرّف، ووجهه بمعنى التوجّه إليه تعالى بآياته، التي هي علامات ودلالات مخلوقة للَّه تعالى لابدّ من الاستدلال بها على ذي الآية.

وحينئذٍ فالمدار على وجود الأمر، وهو الذي يخصّص الخضوع بكونه للَّه تعالى لا لغيره وإن أضيف إلى الواسطة؛ إذ ليست هي إضافة خضوع وعبادة، بل إضافة وسيلة وتوجّه بحسب ما هو الأمر الإلهي، والأمر هو مقام الآمرية والمولوية للَّه عزّ وجلّ، وإعمال سلطنة على العبد، وانقهار العبد واستسلامه لإرادة مولاه يُعدّ عبادة لمولاه لا لغيره، فمع وجود الأمر لا يعقل أن تكون العبادة لغير اللَّه، لأن العبادة التي هي الطاعة لغير اللَّه لا يتحقّق معناها مع وجود الأمر من اللَّه تعالى، ومع عدم وجود الأمر لا يكون الإتيان بالفعل طاعة وعبادة للَّه وإن حذفت الوسائط، بل يكون شركاً وطاعة لهوى النفس وتكبّراً واستكبار على آيات اللَّه تعالى وحججه.

والحاصل: إن المدار في العبادة ليس على هيئة الأفعال والطقوس فحسب، كما تسالم على ذلك علماء المسلمين من فقهاء ومحدِّثين ومتكلّمين ومفسّرين، فإن اللّاعب الرياضي قد يتخذ هيئة خاصة كالسجود والركوع وغيرهما، ولكن قصده الرياضة من شدّ عضلات الظهر أو الركبتين أو غيرها، وكذا دفع الخمس أو الزكاة بقصد الرشوة أو السمعة والرياء، فإن ذلك كلّه ليس من العبادة، وإن كانت هيئته هيئة عبادية؛ وليس ذلك إلّا لكونه خارجاً عن إطار

٧٣

الأوامر الإلهية.

ولذا كان امتثال الأمر الإلهي بالسجود أو الركوع إلى الكعبة والاعتكاف في المسجد والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة والازدلاف إلى منى والطواف حول البيت الحرام ليس عبادة للكعبة أو المسجد أو عرفة أو غيرها، وإنما إضافة تلك الهيئات العبادية إليها إضافة امتثال وطاعة وتوسّل وتوجّه إلى اللَّه تعالى انقياداً لأمره، ولا يعني ذلك صنمية أو عبادة لتلك البقاع الطاهرة؛ إذ مع وجود الأمر الإلهي يكون الامتثال انقهاراً واستسلاماً من العبد لربّه، ولا يمكن أن تكون عبادته عبادة لغير اللَّه تعالى، بل قد تكون أفعال ونسك الحج والصلاة إلى الكعبة شركاً كما كان في عهد الجاهلية قبل الإسلام، وتكون توحيداً إذا كانت بولاية ولي اللَّه - وهو الرسول - كما في أفعال الحج بعد الإسلام، فالسجود والخضوع لمِن أمر اللَّه عزّ وجلّ بالخضوع له طاعة للَّه بالأصالة، وليس المسجود له إلّا واسطة في العبادة، وآية في المعرفة والانقياد.

٣ - الآيات البينات في المسجد الحرام:

قال تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (١) ، فالآية تتحدّث عن بناء البيت الحرام وأنه أوّل بيت وأشرف بيت وضع للناس لأجل عبادة اللَّه تعالى، فهو إمام المساجد وأوّلها، ومنه تتشعّب بقيّة بيوت اللَّه تعالى التي وضعت للعبادة، ففي

____________________

(١) آل عمران: ٩٦ - ٩٧.

٧٤

الآية الكريمة مزج بين حقيقتين:

الأولى: أن البيت الحرام هو أوّل بيت وضع للعبادة وللحجّ.

الثانية: ما يحويه هذا البيت المبارك من آيات بيّنات؛ وهي مقام إبراهيم، ومَن دخله كان آمناً.

فعندما أراد اللَّه تعالى أن يبيّن حقيقة بيته المبارك وأنه وضع للعبادة والتوحيد والتطهير من الشرك والهداية للعالمين، ذكر سبب ذلك؛ وهو أنه فيه آيات بيّنات.

إذن الركن الركين في ماهية البيت الإلهي وفي كونه هداية للعالمين ومحلّاً للعبادة والتوحيد ونفي الشرك هو كونه فيه آيات بيّنات، فالذي يُعَظِّمْ شأنه ويجعل العبادة فيه عبادة توحيدية توفّره على تلك الآيات البيّنات. والعطف في الآية المباركة عطف بيان، فالآيات المقصودة في الآية المباركة هي مقام إبراهيم عليه‌السلام أوّلاً، ومَن دخله كان آمناً ثانيا ً، وهاتان الآيتان في البيت الحرام ذُكرا على سبيل التمثيل لا الحصر؛ ولذا جاء التعبير في الآية بلفظ الجمع وهو (آيات بيّنات).

فالبيت الذي وضع للناس من أجل العبادة والهدى ونفي الشرك ميزته التي جعلته كذلك هي أنه فيه آيات بيّنات، والحجّ الذي هو شرعاً القصد إلى بيت اللَّه الحرام للوفود على اللَّه تعالى جُعل مقروناً بالآيات، وهي مقامات الأنبياء وقبورهم ومناسكهم؛ ليكون دليلاً وشاهداً على أن التوجّه والسير إلى اللَّه عزّ وجلّ لا يتمّ إلّا بالتوجّه بأنبيائه وأصفيائه والتوسّل بهم إلى اللَّه تعالى.

فلا ينفكّ توحيد اللَّه وعبادته عن التمسّك بالآيات البيّنات، كما مرّ ذلك في

٧٥

سورة الأعراف؛ وهو قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الُْمجْرِمِينَ ) (١) ، حيث ربطت بين التمسّك بالآيات وبين استجابة الدعاء والتقرّب وقبول الأعمال والنجاة من النار.

وفيما يلي نحاول استعراض بعض هذه الآيات البيّنات الموجودة في البيت الحرام؛ وهي:

١ - مقام إبراهيم عليه‌السلام .

٢ - الأمن والأمان بالنسبة إلى داخليه من الحجّاج والمعتمرين وغيرهم.

٣ - المستجار أو الملتزم.

٤ - حجر إسماعيل وقبره وقبر اُمِّه وقبر سبعين نبيّ.

٥ - الصفا والمروة.

٦ - الحجر الأسود.

٧ - مشاعر الحجّ ومناسكه، كالمزدلفة ومنى والجمرات وعرفة.

مقام إبراهيم:

هذه الآية الإلهية من أبرز معالم وآيات المسجد الحرام، وقد نصّت على ذلك الآية التي هي محلّ البحث، وقد ورد في سورة البقرة أيضاً قوله تعالى: ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى

____________________

(١) الأعراف: ٤٠.

٧٦

إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (١) ، والتعبير بـ(مقام) في كلا الآيتين للدلالة على التفخيم والتعظيم لذلك المكان، وهو حجر من الأحجار كما في قوله تعالى: ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) (٢) ، وقوله تعالى: ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) (٣) ؛ وليس ذلك إلّا لكونه لامس بدن إبراهيم عليه‌السلام ، حيث كان يقف عليه عند بنائه للبيت الشريف.

فهذا الحجر عظّمه اللَّه تعالى وفخّمه وسمّاه مقاماً، وأمرنا أن نتّخذه مصلّى؛ أي نتّخذه قبلة بالاتجاه إليه وإلى الكعبة أثناء صلاة الطواف وغيرها في شعيرة الحجّ والعمرة، التي هي القصد والتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل، فالحاج عندما يريد أن يقصد ويتوجّه إلى ربّه بعمرة أو حجّ في الطواف وفي بيت التوحيد ومعقله، لابدّ له من التوجّه بالحجج والوسائط والآيات إلى اللَّه تعالى، وهو مقام إبراهيم والكعبة المشرّفة، وليس ذلك كلّه إلّا لتبرّك الحجر بملامسة بدن إبراهيم عليه‌السلام ، فيتوجّه به إلى اللَّه في الصلاة، فلا يستطيع المسلم أن يتجنّب أو يستبعد آيات اللَّه وحججه في أبرز معالم التوحيد، وهو الحجّ.

وإذا كان الحجر بملامسته بدن إبراهيم عليه‌السلام هذا حاله، فكيف بك بنفس النبيّ إبراهيم؟ ألا يتوجّه به إلى اللَّه عزّ وجلّ بالأولوية، فيقال: يا وجيهاً عند اللَّه اشفع لنا عند اللَّه؟!

وقد جاء في دعاء الندبة ما يقرِّب من هذه المضامين.

والحاصل: إن هناك رمزاً آخر بالإضافة إلى رمزيَّة الكعبة؛ لابدّ من التوجّه

____________________

(١) البقرة: ١٢٥.

(٢) سورة النازعات: ٤٠.

(٣) سورة الإسراء: ٧٩.

٧٧

إليه واستقباله في الصلاة، ومن لم يصلِّ صلاة الطواف إلى المقام والكعبة معاً، فصلاته باطلة، وبالتالي يكون نُسكه باطلاً وقصده إلى الباري تعالى لم يتحقّق؛ لعدم إتيان البيوت من أبوابها.

بيان آخر للآية الكريمة:

ثبت في علم الأصول أن الحكم معلول لموضوع نفسه، ولا يمكن أن يكون علّة له، ففرض الموضوع سابق ومتقدّم على فرض الحكم، والحكم في قوله تعالى: ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) هو وجوب اتخاذ المقام مصلّى، والموضوع هو مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ومتعلّق الحكم هو استقبال مقام إبراهيم عليه‌السلام في الصلاة؛ وحيث إن الموضوع سابق على الحكم سبق العلّة على معلولها، فلابدّ من فرض المفروغية عن جعل سابق لتحقّق الموضوع في نفسه، وهو كون مقام إبراهيم عليه‌السلام محلّ للقربات والتعبّد والبركة والقداسة، وحينئذٍ - وبعد الفرغ عن ذلك - يأتي المحمول؛ وهو وجوب اتخاذه مصلّى باستقباله في الصلاة إلى جهة الكعبة.

فالحكم دالّ على أن للموضوع أسبقية في القداسة وكونه معلماً من معالم الدين، وليس المقام المذكور إلّا صخرة لامست قدمي إبراهيم عليه‌السلام ، فتقدّست بذلك وأصبحت ذات حرمة يتولّد منها وجوب اتخاذه مصلّى؛ بأن يُجعل قبلة مع الكعبة، فيستقبل في صلاة الحجّ والطواف في بيت اللَّه الحرام، ويتقرّب بالاتجاه به إلى اللَّه تعالى.

٧٨

فالمثابة إلى بيت اللَّه الحرام من دون اتخاذ مقام إبراهيم مصلّى يكون وثناً وشركاً كعمل المشركين ومناسكهم.

ومن ذلك يتّضح أن البيت الحرام إنما يجب أن يقصد بشرط؛ وهو أن تُقرن العبادة التوحيدية للحجّ بوليّ اللَّه إبراهيم عليه‌السلام والمقامات المقدّسة والمشاهد المشرّفة التي حلّ فيها أو لامست بدنه المبارك، فالمسلم يقصد في حجّه إلى اللَّه عزّ وجلّ الوصول إلى آثار الأنبياء ومقاماتهم؛ لكونها مواطن شعّرها اللَّه عزّ وجلّ وجعلها أسباباً ووسائط لنيل القربى والزلفى إليه تعالى.

وإذا كانت صخرة لامست قدمي إبراهيم عليه‌السلام لها تلك القداسة والعظمة والبركة، فكيف بك بمشاهد النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام الذين هم أفضل وأعظم من إبراهيم وجميع الأنبياء عليهم‌السلام ؛ حيث نصّ القرآن على كون علي عليه‌السلام بمنزلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا مقام لم يحظَ به أحد من الأنبياء والمرسلين، وكذلك قرنهم اللَّه تعالى بنبيّه في مواطن عديدة كما سيأتي بيانه، اختصهم بذلك دون بقية الأنبياء والمرسلين، كما نعتهم بأنهم أوتوا علم الكتاب كلّه في قوله: ( لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (١) ، وهم أهل آية التطهير، وكذا ما في قوله تعالى: ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (٢) بينما لم يثبت اللَّه تعالى علم الكتاب كلّه لأحد من الأنبياء، ففي النبي عيسى عليه‌السلام قال تعالى على لسانه: ( وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (٣) ، وفي شأن النبي موسى عليه‌السلام :

____________________

(١) الواقعة: ٧٩.

(٢) الرعد: ٤٣.

(٣) الزخرف: ٦٣.

٧٩

( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً ) (١) فلم يكن من مقامهما عليهما‌السلام أن يبيّنا كلّ ما يختلف فيه بني إسرائيل، ولم يكتب في ألواح موسى عليه‌السلام كلّ شي‏ء، بل من كل شي‏ء؟! وعلى هذا كلّه ألا تكون مشاهدهم والأماكن التي حلّوا فيها محلّاً للبركة والقداسة وموجبة للزلفى إلى اللَّه (عزّ وجل)؟!

إذن؛ هذه الآية المباركة تفيد عموم التبرّك بمواضع الأنبياء والأولياء وأنه من صميم التوحيد ونبذه من صميم الوثنية والجاهلية؛ وليس ذلك إلّا لكونها من شعائر اللَّه، فيجب تعظيمها تعظيماً للَّه تعالى، فهذه الآية الكريمة دالّة بالنصّ على تشعير مواطن الأنبياء والمصطفين للقربى والعبادة.

ثُم إنه لا يخفى ما في التعبير بـ(المقام) في الآية المباركة من الدلالة على ما تقدّم؛ لأن التعبير بـ(مقام) له دلالة شرعية أديانية بكون ذلك المكان محلّاً يتبرّك به.

وهكذا إضافة المقام إلى إبراهيم مُشعر بالعليّة، فليس ذلك الحكم حكماً لكلّ حجر، بل الحجر المنتسب إلى إبراهيم عليه‌السلام ، بل قد حكى القرطبي في تفسيره - عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء -: أن مقام إبراهيم الحج كلّه. وعن عطاء: أنه عرفة ومزدلفة والجمار. وقاله الشعبي النخعي: الحرم كلّه مقام إبراهيم. وقاله مجاهد (٢) . فعلى هذه الأقوال في تفسير مقام إبراهيم يتّضح جليّاً أن الحج والحرم كلّه قد مُلأ ببصمات وإضافات منتسبة

____________________

(١) سورة الأعراف: ١٤٥.

(٢) تفسير القرطبي، ج ٢، ص ١١٣.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

مِنْهُ الْمَوَارِيثُ ، وَتَصْرُخُ(١) مِنْهُ الدِّمَاءُ ، يُسْتَحَلُّ(٢) بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ ، وَيُحَرَّمُ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَلَالُ ، لَامَلِي‌ءٌ(٣) بِإِصْدَارِ(٤) مَا عَلَيْهِ وَرَدَ(٥) ، وَلَا هُوَ أَهْلٌ لِمَا مِنْهُ فَرَطَ(٦) مِنِ ادِّعَائِهِ عِلْمَ الْحَقِّ »(٧) .

١٦٧/ ٧. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ الْخُرَاسَانِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ : « إِنَّ أَصْحَابَ الْمَقَايِيسِ طَلَبُوا(٨) الْعِلْمَ بِالْمَقَايِيسِ ، فَلَمْ تَزِدْهُمُ(٩) الْمَقَايِيسُ مِنَ الْحَقِّ إِلَّا بُعْداً ، وَإِنَّ دِينَ اللهِ لَايُصَابُ بِالْمَقَايِيسِ »(١٠) .

__________________

=أو الأجوف ، أو كلّ شي‌ءٍ. اُنظر :القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٥٣٩ ( هشم ).

(١). في « ألف ، ب » : « تضرّج ».

(٢). في حاشية « بف » : « ويستحلّ ».

(٣). في « ب ، ف ، بس ، بف » : « مليّ ». و « الملي‌ء » بالهمزة على فعيل ، وهو الثقة الغنيّ المقتدر. قال ابن الأثيرفي‌النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٥٢ : « الملي‌ء - بالهمزة - الثقة الغنيّ قد ملأ فهو ملي‌ء - بيّن الملأ والملاءة - وقد أولع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء ، ومنه حديث عليّعليه‌السلام : لا مليّ والله بإصدار ما ورد عليه ». وقال المازندراني : « فعلى هذا يجوز أن يقرأ بتشديد الياء هنا ». وضبطه الداماد : « بمليّ » ، ثمّ قال : « وفي طائفة من النسخ : لا ملي‌ء ، من دون الباء ».

(٤). « الإصدار » : الإرجاع ، يقال : أصدرته فصدر ، أي أرجعته فرجع. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧١٠ ( صدر ).

(٥). معنى العبارة : أنّه فقير ليس له من العلم والثقة قدر ما يمكنه أن يصدر عنه انحلال ما ورد عليه من الإشكالات والشبهات ، وليس له قوّة عمليّة وقدرة روحانيّة على إرجاعه بإيراد الأجوبة الشافية عنها. راجع شروح الكافي.

(٦). « فرط » : سبق وتقدّم. واحتمل المجلسي : « فرّط » بمعنى قصّر وضيّع ، وهو ظاهر كلام صدر المتألّهين. انظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ١١٤٨ ( فرط ) ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ١٩١ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٩٣.

(٧).نهج البلاغة ، ص ٥٩ ، الخطبة ١٧ ؛ والإرشاد ، ج ١ ، ص ٢٣١ ، مرسلاً ، مع اختلاف يسير.الأمالي للطوسي ، ص ٢٣٤ ، ح ٤١٦ ، المجلس ٩ ، ح ٨ ، بسند آخر ، مع اختلافالوافي ، ج ١ ، ص ٢٤٦ ، ح ١٨٥ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٣٩ ، ح ٣٣١٥٥. (٨). في « ج » : « إن طلبوا ».

(٩). في « ألف » وشرح صدر المتألّهين والمحاسن : « فلم يزدهم ».

(١٠).المحاسن ، ص ٢١١ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٧٩ ، بسنده عن أبي شيبة الخراسانيالوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٠ ، ح ١٨٩ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٤٣ ، ح ٣٣١٦٨.

١٤١

١٦٨/ ٨. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛

وَ(١) مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ رَفَعَهُ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللهِعليهما‌السلام ، قَالَا : « كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ »(٢) .

١٦٩/ ٩. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسىعليه‌السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فُقِّهْنَا(٣) فِي الدِّينِ ، وَأَغْنَانَا اللهُ بِكُمْ عَنِ النَّاسِ ، حَتّى أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنَّا لَتَكُونُ(٤) فِي الْمَجْلِسِ مَا يَسْأَلُ(٥) رَجُلٌ صَاحِبَهُ(٦) تَحْضُرُهُ(٧) الْمَسْأَلَةُ وَ(٨) يَحْضُرُهُ جَوَابُهَا فِيمَا مَنَّ‌...................................................

__________________

(١) في السند تحويل بعطف « محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان » على « عليّ بن إبراهيم عن أبيه ».

(٢)المحاسن ، ص ٢٠٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٦٧ ؛ وثواب الأعمال ، ص ٣٠٧ ، ح ٢ ، بسند آخر. وفيالفقيه ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ، ح ١٩٦٤ ؛ والتهذيب ، ج ٣ ، ص ٦٩ ، ح ٢٢٦ ؛ والاستبصار ، ج ١ ، ص ٤٦٧ ، ح ١٨٠٧ ، بسند آخر عن أبي جعفر وأبي عبدالله عن النبيّ صلوات الله عليهم ، مع زيادة. وفيالكافي ، كتاب الروضة ، ضمن ح ١٤٨١٦ ؛ والخصال ، ص ٦٠٥ ، أبواب الثمانين وما فوقه ، ح ٩ ؛ والأمالي للمفيد ، ص ١٨٧ ، المجلس ٢٣ ، ح ١٤ ، بسند آخر عن أبي عبداللهعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . وفيالفقيه ، ج ٣ ، ص ٥٧٣ ، ح ٤٩٥٧ ؛ وكمال الدين ، ص ٢٥٦ ، ح ١ ؛ وكفاية الأثر ، ص ٤٠ ، بسند آخر عن أبي عبداللهعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .عيون الأخبار ، ج ٢ ، ص ١٢٤ ، ح ١ ، بسند آخر عن الرضاعليه‌السلام .فقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٣٨٣ ، وفي الستّة الأخيرة مع اختلاف وزيادة. وراجع :رجال الكشّي ، ص ١٤٨ ، ح ٢٣٦الوافي ، ج ١ ، ص ٢٤٩ ، ح ١٨٦ ؛الوسائل ، ج ١٦ ، ص ٢٧٢ ، ح ٢١٥٤٧.

(٣) في « بر » : « فهمنا ». ويحتمل في العبارة : فَقِهْنا ، أي فهمنا وعلمنا ؛ أو : فَقُهْنا ، أي صرنا فقهاء ؛ أو فُقِّهنا ، أي‌عُلِّمنا. اُنظر شروح الكافي. (٤) في « جم » والوافي : « لنكون ».

(٥) « ما » في « ما يسأل » نافية ، أي لايحتاج إلى السؤال ؛ لحضور جوابها ؛ أو زائدة ، أو موصولة والعائد محذوف. والأحسن عند المازندراني كون « ما » موصولة ، وهو مع صلته مبتدأ والعائد إليه محذوف و « يحضره » خبره والجملة مستأنفة. وفي بعض النسخ : « إلّا ويحضره » وعليه فلا إشكال.

(٦) في حاشية « ض » : + « إلّا ».

(٧) في « ج ، بر » وحاشية ميرزا رفيعا ، وحاشية بدر الدين ، والوسائل والمحاسن : « يحضره ».

(٨) فيحاشية بدر الدين ، ص ٦٤ : « أظنّ أنّه قد سقط من الحديث كلمة « إلّا » من قوله : « ويحضره جوابها »، =

١٤٢

اللهُ(١) عَلَيْنَا بِكُمْ ، فَرُبَّمَا وَرَدَ عَلَيْنَا الشَّيْ‌ءُ(٢) لَمْ يَأْتِنَا فِيهِ عَنْكَ وَلَا عَنْ آبَائِكَ شَيْ‌ءٌ ، فَنَظَرْنَا إِلى أَحْسَنِ مَا يَحْضُرُنَا ، وَأَوْفَقِ الْأَشْيَاءِ لِمَا جَاءَنَا عَنْكُمْ ، فَنَأْخُذُ بِهِ؟

فَقَالَ : « هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، فِي ذلِكَ وَاللهِ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ يَا ابْنَ حَكِيمٍ ». قَالَ(٣) : ثُمَّ قَالَ : « لَعَنَ اللهُ أَبَا حَنِيفَةَ ؛ كَانَ يَقُولُ : قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : وَاللهِ ، مَا أَرَدْتُ إِلَّا أَنْ يُرَخِّصَ لِي فِي الْقِيَاسِ(٤) .

١٧٠/ ١٠. مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَفَعَهُ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِعليه‌السلام : بِمَا أُوَحِّدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ : « يَا يُونُسُ ، لَاتَكُونَنَّ مُبْتَدِعاً ، مَنْ نَظَرَ بِرَأْيِهِ هَلَكَ ، وَمَنْ تَرَكَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ضَلَّ ، وَمَنْ تَرَكَ كِتَابَ اللهِ وَقَوْلَ نَبِيِّهِ كَفَرَ »(٥) .

١٧١/ ١١. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ:

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ(٦) عليه‌السلام : تَرِدُ(٧) عَلَيْنَا أَشْيَاءُ لَيْسَ نَعْرِفُهَا(٨) فِي كِتَابِ اللهِ(٩) وَلَا سُنَّةٍ(١٠) ، فَنَنْظُرُ فِيهَا؟

__________________

=والتقدير : ما يسأل رجل صاحبه يحضره المسألة إلّاويحضره جوابها ، وله نظير وهو يأتي [ في ح ١٣ ] عن قريب في خبر سماعة : إنّا نجتمع فنتذاكر ما عندنا ، فلا يرد علينا شي‌ء إلّاوعندنا فيه شي‌ء مسطور ».

(١). في المحاسن : « منّاً من الله » بدل « فيما منّ الله ».

(٢). في « ف » : + « ما ».

(٣). في « ف » والوافي والمحاسن : - « قال ».

(٤).المحاسن ، ص ٢١٢ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٨٩ ، بسنده عن محمّد بن أبي عميرالوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٠ ، ح ١٩٠. وفيالوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٨٦ ، ح ٣٣٢٨٠ ، إلى قوله : « فيما منّ الله علينا بكم ».

(٥).الوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٠ ، ح ١٨٨ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٤٠ ، ح ٣٣١٥٧.

(٦). في المحاسن ، ح ٩٩ : « لأبي جعفر ».

(٧). في « ج ، بف » والمحاسن ، ح ٩٠ و ٩٩ : « يرد ».

(٨). في حاشية « بع » ، والوافي : « لانعرفها ». وفي « جل » : « لايعرفها ».

(٩). في « ج ، بح » والوافي والمحاسن ، ح ٩٠ : - « الله ».

(١٠). في « ألف » والوسائل : « سنّته ».

١٤٣

فَقَالَ(١) : « لَا ، أَمَا(٢) إِنَّكَ إِنْ أَصَبْتَ ، لَمْ تُؤْجَرْ ؛ وَإِنْ أَخْطَأْتَ ، كَذَبْتَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ »(٣) .

١٧٢/ ١٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « قَالَ رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ »(٤) .

١٧٣/ ١٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسىعليه‌السلام ، قَالَ : قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللهُ ، إِنَّا نَجْتَمِعُ فَنَتَذَاكَرُ(٥) مَا عِنْدَنَا ، فَلَا يَرِدُ(٦) عَلَيْنَا شَيْ‌ءٌ إِلَّا وَعِنْدَنَا فِيهِ شَيْ‌ءٌ مُسَطَّرٌ(٧) ، وَذلِكَ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا بِكُمْ ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَيْنَا الشَّيْ‌ءُ الصَّغِيرُ لَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ شَيْ‌ءٌ ، فَيَنْظُرُ(٨) بَعْضُنَا إِلى بَعْضٍ وَعِنْدَنَا مَا يُشْبِهُهُ ، فَنَقِيسُ عَلى أَحْسَنِهِ؟

فَقَالَ : « وَ(٩) مَا لَكُمْ وَلِلْقِيَاسِ(١٠) ؟ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِالْقِيَاسِ ».

__________________

(١) في « ألف ، ض ، بح ، بر » والوافي : « قال ».

(٢) في المحاسن ، ح ٩٩ : « يرد علينا أشياء لانجدها في الكتاب والسنّة فنقول فيها برأينا ، فقال : أما ».

(٣)المحاسن ، ص ٢١٣ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٩٠ عن الوشّاء ؛وفيه ، ص ٢١٥ ، ح ٩٩ ، عن ابن محبوب أو غيره ، عن مثنّى الحنّاطالوافي ج ١ ، ص ٢٥٣ ، ح ١٩٢ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٤٠ ، ح ٣٣١٥٦.

(٤) راجع الحديث ٨ من هذا الباب ومصادرهالوافي ، ج ١ ، ص ٢٤٩ ، ح ١٨٧ ؛الوسائل ، ج ١٦ ، ص ٢٧٢ ، ح ٢١٥٤٨. (٥) في « ف » : « فنذاكر ».

(٦) في « ب ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » وحاشية « ج ، و » : « فما يرد ».

(٧) في « ج ، ف » وحاشية « ب ، ض ، بح » والوافي : « مستطر ». وفي حاشية « ج ، بح » : « مسطور ».

(٨) في « بف » : « فننظر ».

(٩) في « بس » : - « و ».

(١٠) في « و ، بس » وشرح صدر المتألّهين : « والقياس ».

١٤٤

ثُمَّ قَالَ : « إِذَا جَاءَكُمْ مَا تَعْلَمُونَ ، فَقُولُوا بِهِ ، وَإِنْ(١) جَاءَكُمْ مَا لَاتَعْلَمُونَ ، فَهَا(٢) » وَأَهْوَى(٣) بِيَدِهِ إِلى فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : « لَعَنَ اللهُ أَبَا حَنِيفَةَ(٤) ؛ كَانَ يَقُولُ : قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ أَنَا(٥) ، وَقَالَتِ الصَّحَابَةُ وَقُلْتُ(٦) » ثُمَّ قَالَ : « أَكُنْتَ تَجْلِسُ إِلَيْهِ؟ » فَقُلْتُ : لَا ، وَلكِنْ هذَا كَلَامُهُ.

فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللهُ ، أَتى رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله النَّاسَ بِمَا يَكْتَفُونَ بِهِ فِي عَهْدِهِ؟ فقَالَ(٧) : « نَعَمْ ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ».

فَقُلْتُ : فَضَاعَ مِنْ ذلِكَ شَيْ‌ءٌ؟ فَقَالَ : « لَا ، هُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ »(٨) .

١٧٤/ ١٤. عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ : « ضَلَّ‌(٩) عِلْمُ ابْنِ شُبْرُمَةَ عِنْدَ الْجَامِعَةِ - إِمْلَاءِ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وَخَطِّ عَلِيٍّعليه‌السلام بِيَدِهِ - إِنَّ الْجَامِعَةَ لَمْ تَدَعْ لِأَحَدٍ كَلَاماً ، فِيهَا عِلْمُ الْحَلَالِ‌

__________________

(١) في الوسائل : « وإذا ».

(٢) « ها » : حرف تنبيه للمخاطب ؛ أو اسم فعل بمعنى خُذ مخفّفة هآء. وأصل « هاء » : « هاك » بمعنى خُذ ، فحذفت الكاف وعوّضت عنها الهمزة والمدّ ؛ أو هو كناية عن شي‌ء مجهول. احتمل المجلسي كونها : فهاؤوا. اُنظرمرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٩٧.

(٣) في الوسائل : « وأومأ ». و « أهوى بيده إلى فيه » حال عن فاعل « قال » ، بتقدير « قد ». والمعنى : مدّ يده إلى فيه‌وأمالها إليه. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣١٧ ؛النهاية ، ج ٥ ، ص ٢٨٥ ( هوا ).

(٤) في « ف » : « على أبي حنيفة ».

(٥) في « ألف ، ف ، و » والوسائل : - « أنا ».

(٦) في « ب ، بح » : + « أنا ».

(٧) هكذا في « ب ، ف ، و ، بح ، بر ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « قال ».

(٨)بصائر الدرجات ، ص ٣٠٢ ، ح ٤ ؛ والاختصاص ، ص ٢٨٢ ، بسند آخر.الاُصول الستّة عشر ، ص ٢٩٢ ، ح ٤٣٧ ؛ بسند آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفي كلّها مع اختلافالوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٢ ، ح ١٩١ ؛ وفيالوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٣٨ ، ح ٣٣١٥٣ ، من قوله : « فقال ومالكم وللقياس ».

(٩) « ضلّ » : من الضَلال ، بمعنى الخفاء والغيبوبة حتّى لايرى ، أو بمعنى الضياع والهلاك والبطلان والفساد والاضمحلال ، أو بمعنى مقابل للهدى والرَشاد. وقال الفيض : « أي ضاع وبطل واضمحلّ علمه في جنب كتاب الجامعة الذي لم يدع لأحد كلاماً ؛ إذ ليس من شي‌ء إلّاو هو مثبت فيه ». اُنظر :الوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٥ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٩٧ ؛الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٧٤٨ ( ضلل ).

١٤٥

وَالْحَرَامِ ، إِنَّ(١) أَصْحَابَ الْقِيَاسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِالْقِيَاسِ ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَّا بُعْداً ؛ إِنَّ دِينَ اللهِ لَايُصَابُ بِالْقِيَاسِ »(٢) .

١٧٥/ ١٥. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ السُّنَّةَ لَاتُقَاسُ ، أَلَاتَرى أَنَّ الْمَرْأَةَ(٣) تَقْضِي صَوْمَهَا وَلَا تَقْضِي صَلَاتَهَا؟ يَا أَبَانُ ، إِنَّ السُّنَّةَ إِذَا قِيسَتْ مُحِقَ(٤) الدِّينُ »(٥) .

١٧٦/ ١٦. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسىعليه‌السلام عَنِ الْقِيَاسِ ، فَقَالَ : « مَا(٦) لَكُمْ وَالْقِيَاسَ(٧) ؟ إِنَّ اللهَ لَا يُسْأَلُ كَيْفَ أَحَلَّ وَكَيْفَ حَرَّمَ »(٨) .

١٧٧/ ١٧. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ ، قَالَ :

حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ ، عَنْ أَبِيهِعليهما‌السلام : « أَنَّ عَلِيّاًعليه‌السلام قَالَ : مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْقِيَاسِ ، لَمْ يَزَلْ‌

__________________

(١) في « ب » وحاشية « بف » وشرح صدر المتألّهين : « وإنّ ».

(٢)بصائر الدرجات ، ص ١٤٦ ، ح ٢٣ ؛ وص ١٤٩ ، ح ١٦ ، بسنده عن أبان ، مع اختلاف يسيرالوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٤ ، ح ١٩٥. (٣) هكذا في النسخ والمصادر. وفي المطبوع : « امرأة ».

(٤) « مُحِقَ » : أي اُبطل ومُحي ، من المحق بمعنى الإبطال ؛ أو « مَحَقَ » من المـَحْق بمعنى النقصان وذهاب البركة ، أو ذهاب الشي‌ء كلّه حتّى لايرى منه أثر. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ١٩٦ ؛شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٢١ ؛لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٣٣٨ ( محق ).

(٥)المحاسن ، ص ٢١٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٩٧ ، بسنده عن صفوان بن يحيى ، مع زيادة في أوّله. راجع :الكافي ، كتاب الدّيات ، باب الرجل يقتل المرأة والمرأة تقتل الرجل ، ح ١٤٢٠٦ ؛ والفقيه ، ج ٤ ، ص ١١٨ ، ح ٥٢٣٩الوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٣ ، ح ١٩٣ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٤١ ، ح ٣٣١٦٠.

(٦) في الوسائل : « وما ».

(٧) في « ألف ، ج ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وحاشية « ض » والوافي والوسائل والمحاسن : « وللقياس ».

(٨)المحاسن ، ص ٢١٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٩٤ ، بسنده عن عثمان بن عيسىالوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٤ ، ح ١٩٤ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٤٢ ، ح ٣٣١٦٥.

١٤٦

دَهْرَهُ فِي الْتِبَاسٍ ، وَمَنْ دَانَ اللهَ بِالرَّأْيِ ، لَمْ يَزَلْ دَهْرَهُ فِي ارْتِمَاسٍ(١) ».

قَالَ : وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍعليه‌السلام : « مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِرَأْيِهِ ، فَقَدْ دَانَ اللهَ بِمَا لَايَعْلَمُ ، وَمَنْ دَانَ اللهَ بِمَا لَايَعْلَمُ ، فَقَدْ ضَادَّ اللهَ ؛ حَيْثُ أَحَلَّ وَحَرَّمَ فِيمَا لَايَعْلَمُ »(٢) .

١٧٨/ ١٨. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ(٣) ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ إِبْلِيسَ قَاسَ نَفْسَهُ بِآدَمَ ، فَقَالَ :( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (٤) ، فَلَوْ قَاسَ(٥) الْجَوْهَرَ الَّذِي خَلَقَ اللهُ(٦) مِنْهُ آدَمَ بِالنَّارِ ، كَانَ ذلِكَ أَكْثَرَ نُوراً وَضِيَاءً مِنَ النَّارِ»(٧) .

١٧٩/ ١٩. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ:

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَقَالَ : « حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ أَبَداً إِلى‌

__________________

(١) في حاشية « ج ، و » : « ارتكاس ».

(٢)قرب الإسناد ، ص ١١ - ١٢ ، ح ٣٥ و ٣٦ ، عن هارون بن مسلمالوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٥ ، ح ١٩٦ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ٤١ ، ح ٢ - ٣٣١٦١.

(٣) في الوافي عن بعض النسخ : « جناح ». والظاهر أنّ الحسين هذا ، هو الحسين بن ميّاح. ذكره ابن داود في رجاله ، ص ٤٤٦ ، الرقم ١٥٠ ، والعلّامة أيضاً فيخلاصة الأقوال ، ص ٢١٧ ، الرقم ١٢ نقلاً عن ابن الغضائري ، وأبوه هو ميّاح المدائني المذكور فيرجال النجاشي ، ص ٤٢٤ ، الرقم ١١٤٠ ، والرجال لابن الغضائري ، ص ٨٩ ، الرقم ١٢٢.

ويؤيّد ذلك أنّا لم نجد الحسين أو الحسن بن جناح في ما تتبّعنا من الأسناد وكتب الرجال.

(٤) الأعراف (٧) : ١٢ ؛ ص (٣٨) : ٧٦.

(٥) هكذا في النسخ والمحاسن والوافي وحاشية ميرزا رفيعا وحاشية بدرالدين. وفي المطبوع : « ولو قاس ». وفي حاشية « ج » : « فلو قيس ». (٦) في « ف » : « خُلِق » بدل « خلق الله ».

(٧)المحاسن ، ص ٢١١ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٨١ ، عن الحسن بن عليّ بن يقطين.الوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٦ ، ح ١٩٧. راجع :علل الشرائع ، ص ٨٧ ، ح ٣.

١٤٧

يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَايَكُونُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِي‌ءُ غَيْرُهُ ».

وَقَالَ : « قَالَ عَلِيٌّعليه‌السلام : مَا أَحَدٌ ابْتَدَعَ(١) بِدْعَةً إِلَّا تَرَكَ بِهَا(٢) سُنَّةً »(٣) .

١٨٠/ ٢٠. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْعَقِيلِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيِّ(٤) ، قَالَ :

دَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، فَقَالَ لَهُ : « يَا أَبَا حَنِيفَةَ ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقِيسُ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : « لا تَقِسْ ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ حِينَ قَالَ :( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (٥) فَقَاسَ مَا بَيْنَ النَّارِ وَالطِّينِ ، وَلَوْ قَاسَ نُورِيَّةَ آدَمَ بِنُورِيَّةِ النَّارِ ، عَرَفَ فَضْلَ مَا بَيْنَ النُّورَيْنِ ، وَصَفَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ»(٦) .

١٨١/ ٢١. عَلِيٌّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ، قَالَ :

سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَأَجَابَهُ فِيهَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَرَأَيْتَ(٧) إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، مَا كَانَ يَكُونُ(٨) الْقَوْلُ فِيهَا؟

فَقَالَ لَهُ : « مَهْ(٩) ، مَا أَجَبْتُكَ فِيهِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ، فَهُوَ عَنْ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لَسْنَا مِنْ‌

__________________

(١) في الوافي : « ما ابتدع أحد ».

(٢) في حاشية « بح » : « فيها ».

(٣)بصائر الدرجات ، ص ١٤٨ ، ح ٧ ، بسند آخر ، مع اختلاف وزيادة في آخره. راجع :بصائر الدرجات ، ص ٣٩٣ ، ح ٥ ؛ والاختصاص ، ص ٣١٣الوافي ، ج ١ ، ص ٢٦٠ ، ح ٢٠١.

(٤) في العلل : + « رفع الحديث ».

(٥) الأعراف (٧) : ١٢ ؛ ص (٣٨) : ٧٦.

(٦)علل الشرائع ، ص ٨٦ ، ح ١ ، بسنده عن أحمد بن عبدالله.وفيه ، ص ٨٧ ، ح ٣ ، بسند آخر ، وفيهما مع زيادة في آخرهماالوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٧ ، ح ١٩٨ ؛البحار ، ج ٤٧ ، ص ٢٢٦ ، ح ١٦. ولم يرد هذا الحديث فيمرآة العقول .

(٧) قال المازندراني : « أرأيتَ ، كلمة تقولها العرب عند الاستخبار ، بمعنى أخبرني. وتاؤها مفتوحة أبداً ».

(٨) هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : « ما يكون ». وفي البصائر : « ما كان ».

(٩) فيالوافي : « كلمة « مَهْ » زجر ؛ يعني اكفف ، فإنّ ما أجبتك به ليس صادراً عن الرأي والقياس حتّى تقول : أرأيت ، الذي هو سؤال عن الرأي ، بل هو عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وليس معنى ذلك ما يفهمه الظاهريّون أنّ شأنهمعليهم‌السلام حفظ الأقوال خلفاً عن سلف حتّى يكون فضلهم على سائر الناس في قوّة الحفظ للمسموعات أو=

١٤٨

« أَرَأَيْتَ(١) » فِي شَيْ‌ءٍ(٢) »(٣) .

١٨٢/ ٢٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلاً ، قَالَ :

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍعليه‌السلام : « لَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيجَةً(٤) ، فَلَا تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وَقَرَابَةٍ وَوَلِيجَةٍ وَبِدْعَةٍ وَشُبْهَةٍ مُنْقَطِعٌ(٥) ، إِلَّا مَا أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ »(٦) .

٢٠ - بَابُ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‌ءٌ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ

إِلَيْهِ(٧) إِلَّا وَقَدْ جَاءَ فِيهِ (٨) كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ‌

١٨٣/ ١. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ،

__________________

=بكثرة المحفوظات ، بل المراد أنّ نفوسهم القدسيّة استكملت بنور العلم وقوّة المعرفة بسبب اتّباع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمجاهدة والعبادة مع زيادة استعداد أصليّ وصفاء فطريّ وطهارة غريزيّة حتّى أحبّهم الله ، كما قال :( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [ آل عمران (٣): ٣١ ] ومن أحبّه الله يفيض عليه من لدنه أنواراً وأسراراً عرفانيّة من غير واسطة أمر مباين من سماع أو رواية أو اجتهاد ، بل بأن تصير نفسه كمرآة مجلوّة يحاذي بها شطر الحقّ ، فينعكس إليها الأمر كما هو عليه ». وانظر أيضاً :شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٣١ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٠١.

(١) في « ف » : « لسنا من رأيتَ ».

(٢) في البصائر : « لسنا نقول برأينا من شي‌ء ».

(٣)بصائر الدرجات ، ص ٣٠٠ ، ح ٨ ، بسنده عن يونس عن عنبسة. والمذكور في بعض مخطوطاته : « عن قتيبة »الوافي ، ج ١ ، ص ٢٥٨ ، ح ١٩٩.

(٤) إشارة إلى الآية ١٦ من سورة التوبة (٩) :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اَللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) . و « الوليجة » : كلّ ما يتّخذه الإنسان معتمداً عليه وليس من أهله ، أو خاصّة الرجل وبطانته ؛ والمراد المعتمد عليه في أمر الدنيا والدين ، أو في أمر الدين وتقرير الشريعة ، وأمّا اعتماد المؤمنين بعضهم على بعض والاعتماد على الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام فيرجع إلى الاعتماد على الله سبحانه. اُنظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٤٨ ؛المفردات للراغب ، ص ٨٨٣ ( ولج ).

(٥) في الوسائل ، ح ٣٣٤٦٩ : « باطل مضمحلّ » بدل « منقطع ».

(٦)الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٥١٥٠ ، مع زيادةالوافي ، ج ١ ، ص ٢٦١ ، ح ٢٠٣.الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ١٢٥ ، ح ٣٣٣٨٥ ؛ وص ١٥٦ ، ح ٣٣٤٦٩ ؛البحار ، ج ٢٤ ، ص ٢٤٥ ، ح ٣.

(٧) في « ف » : « إليه الناس ».

(٨) في « بر » : « في ».

١٤٩

عَنْ مُرَازِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ(١) شَيْ‌ءٍ(٢) ، حَتّى وَاللهِ ، مَا تَرَكَ اللهُ شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ حَتّى لَايَسْتَطِيعَ عَبْدٌ يَقُولُ : لَوْ كَانَ(٣) هذَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ إِل َّ ا(٤) وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللهُ فِيهِ »(٥) .

١٨٤/ ٢. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ(٦) ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ(٧) :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه‌السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ(٨) : « إِنَّ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - لَمْ يَدَعْ شَيْئاً تَحْتَاجُ(٩) إِلَيْهِ الْأُمَّةُ(١٠) إِلَّا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ حَدّاً ،

__________________

(١) في المحاسن : « تبياناً لكلّ ».

(٢) إشارة إلى الآية ٨٩ من سورة النحل (١٦) :( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ ) .

(٣) « لو » : للتمنّي ، أو للشرط ، والجزاء محذوف ، أو جزاؤه « أُنزل ». و « كان » تامّة أو ناقصة وخبره مقدّر. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٣٥ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٢٦٦ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٠٢.

(٤) الاستثناء منقطع و « إلّا » حرف استثناء بمعنى لكنّ ، أو الكلام استيناف لتأكيد ماسبق. و « ألا » حرف تنبيه. والأوّل أولى. اُنظر شروح الكافي.

(٥)المحاسن ، ص ٢٦٧ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٥٢ ، عن عليّ بن حديد ؛تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ، بسنده عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن حديد.الوافي ، ج ١ ، ص ٢٦٥ ، ح ٢٠٥.

(٦) الخبر رواه الصفّار فيبصائر الدرجات ، ص ٦ ، ح ٣ ، عن عبدالله بن جعفر ، عن محمّد بن عيسى ، عن‌الحسين بن المنذر ، لكنّ المذكور في بعض نسخه المعتبرة : « محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن المنذر ».

(٧) في « ب ، بح ، بر » : « عمرو بن قيس ». والصواب ما في المتن وأكثر النسخ ؛ فإنّ ابن قيس هذا ، هو عمر بن قيس الماصر أبوالصباح. راجع :التاريخ الكبير ، ج ٦ ، ص ١٨٦ ، الرقم ٢١٢١ ؛الثقات لابن حيّان ، ج ٧ ، ص ١٨١ ؛تهذيب التهذيب ، ج ٧ ، ص ٤٣٠ ، الرقم ٨١٥ ؛تهذيب الكمال ، ج ٢١ ، ص ٤٨٤ ، الرقم ٤٢٩٦ ؛تاريخ الإسلام للذهبي ، ج ٨ ، ص ١٨٤.

هذا ، والظاهر بل الصريح منتهذيب التهذيب وتهذيب الكمال أنّ الماصر لقب لقيس. وهذا الأمر يفيدنا في ما يأتي فيالكافي ، ح ٤٣٧. (٨) في الكافي ، ح ١٣٦٦٠ : - « سمعته يقول ».

(٩) هكذا في « ألف ، ج ، و ، بح » والكافي ، ح ١٣٦٦٠. وفي المطبوع وسائر النسخ « يحتاج ».

(١٠) في الكافي ، ح ١٣٦٦٠ والبصائر والعيّاشي : + « إلى يوم القيامة ».

١٥٠

وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ عَلى مَنْ تَعَدّى ذلِكَ(١) الْحَدَّ حَدّاً »(٢) .

١٨٥/ ٣. عَلِيٌّ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَارُونَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ : « مَا خَلَقَ اللهُ حَلَالاً وَلَا حَرَاماً إِلَّا وَلَهُ حَدٌّ كَحَدِّ الدَّارِ ، فَمَا كَانَ مِنَ الطَّرِيقِ ، فَهُوَ مِنَ الطَّرِيقِ ، وَمَا كَانَ مِنَ الدَّارِ ، فَهُوَ مِنَ الدَّارِ حَتّى أَرْشِ(٣) الْخَدْشِ(٤) فَمَا(٥) سِوَاهُ ، وَالْجَلْدَةِ(٦) وَنِصْفِ الْجَلْدَةِ »(٧) .

١٨٦/ ٤. عَلِيٌّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ حَمَّادٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : « مَا مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا وَفِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ »(٨) .

١٨٧/ ٥. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ(٩) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ‌............................

__________________

(١) في الكافي ، ح ١٣٦٦٠ : - « ذلك ».

(٢)الكافي ، كتاب الحدود ، باب التحديد ، ح ١٣٦٦٠. وفيبصائر الدرجات ، ص ٦ ، ح ٣ ، بسنده عن محمّد بن عيسى ، إلى قوله : « دليلاً يدلّ عليه ».تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ٦ ، ح ١٣ ، عن عمرو بن قيس. راجع :الكافي ، كتاب الحدود ، باب التحديد ، ح ١٣٦٥٦الوافي ج ١ ، ص ٢٦٧ ، ح ٢٠٧.

(٣) « الأرش » : ما يأخذه المشتري من البائع إذا اطّلع على عيب في المبيع ، واُروش الجراحات من ذلك ؛ لأنّهاجابرة عمّا حصل فيها من النقص. وسمّي أرشاً لأنّه من أسباب النزاع ، يقال : أرّشتُ بينهم إذا أوقعتَ بينهم ، أي أفسدت.النهاية ، ج ١ ، ص ٣٩ ( أرش ).

(٤) « الخدش » : مصدر بمعنى قَشر الجلد بعُود ونحوه ، ثمّ سمّي به الأثر ؛ ولهذا يجمع على الخدوش. اُنظر :النهاية ، ج ٢ ، ص ١٤ ( خدش ). (٥) في حاشية « ج » : « وما ».

(٦) « الجَلْد والجَلْدة » : هي الضربة بالسوط ، أي ضرب الجِلد ، يقال : جلده الحدّ ، أي ضربه وأصابه جلده. اُنظر :لسان العرب ، ج ٣ ، ص ١٢٥ ( جلد ).

(٧)الكافي ، كتاب الحدود ، باب التحديد ، ح ١٣٦٥٨ ؛ والمحاسن ، ص ٢٧٣ ، من كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٧٣ ، بسند آخر عن أبان بن عثمان. وفيبصائر الدرجات ، ص ١٤٨ ، ح ٧ ، بسند آخر ، مع زيادةالوافي ، ج ١ ، ص ٢٦٨ ، ح ٢٠٨.

(٨)بصائر الدرجات ، ص ٣٠٢ ، ح ٣ ؛ والاختصاص ، ص ٢٨١ ، بسند آخر عن سماعة عن العبد الصالحعليه‌السلام مع اختلاف يسير.الوافي ، ج ١ ، ص ٢٧٤ ، ح ٢١٥.

(٩) هكذا في « ض ، و ، جر » وحاشية « ف ». وفي « الف ، ب ، ج ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » والمطبوع : + « عن أبيه ».

١٥١

يُونُسَ(١) ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍعليه‌السلام : « إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْ‌ءٍ ، فَاسْأَلُونِي مِنْ(٢) كِتَابِ اللهِ ». ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ(٣) حَدِيثِهِ : « إِنَّ رَسُولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) نَهى عَنِ الْقِيلِ وَالْقَالِ ، وَفَسَادِ الْمَالِ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ » فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، أَيْنَ هذَا مِنْ(٥) كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ : « إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ :( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ) (٦) وَقَالَ :( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامَاً ) (٧) وَقَالَ :( لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٨) (٩) .

__________________

=والصواب ما أثبتناه ؛ فقد روى عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى [ بن عبيد ] عن يونس [ بن عبدالرحمن ] في أسناد كثيرة جدّاً ، تقدّم بعضها في هذا الباب والباب السابق. وللمصنّف طريقان معروفان إلى يونس بن عبدالرحمن ، أشهرهما وأكثرهما تكراراً هذا الطريق. أضف إلى ذلك أنّا لم نجد رواية إبراهيم بن هاشم عن محمّد بن عيسى من غير طريق ولده عليّ في موضع. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ١٧ ، ص ٣٨٠ - ٣٨٦ ؛ وص ٣٩٣ - ٣٩٤.

(١) قد أكثر يونس - وهو ابن عبد الرحمن - من الرواية عن عبدالله بن سنان ولم نجد توسّط « حمّاد » بينهما في غير هذا المورد. والخبر رواه البرقي فيالمحاسن ، ص ٢٦٩ ، ح ٣٢٩ بسنده عن يونس بن عبدالرحمن عن عبدالله بن سنان. وورد فيالكافي ، ح ٩٣٤٧ أيضاً بسندين عن يونس عن عبدالله بن سنان ، وابن مسكان عن أبي الجارود. فالظاهر زيادة عن « حمّاد » في السند. ووجه زيادته ظاهر لمن تأمّل في هذا السند والسند المتقدّم. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ٢٠ ، ص ٣٠٤ - ٣٠٥ ، وص ٣٢٩.

(٢) في الكافي ، ح ٩٣٤٧ والتهذيب : « عن ».

(٣) في الكافي ، ح ٩٣٤٧ والتهذيب : - « بعض ».

(٤) في الكافي ، ح ٩٣٤٧ والتهذيب : « إنّ الله » بدل « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٥) في حاشية « ض » : « في ».

(٦) النساء (٤) : ١١٤.

(٧) النساء (٤) : ٥.

(٨) المائدة (٥) : ١٠١.

(٩)الكافي ، كتاب المعيشة ، باب آخر منه في حفظ المال وكراهة الإضاعة ، ح ٩٣٤٧ : « عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ؛ وعدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه جميعاً ، عن يونس ، عن عبدالله بن سنان وابن مسكان ، عن أبي الجارود ». و « عن يونس » في الطريق الأوّل زائد كما يأتي في موضعه. وفيالمحاسن ، ص ٢٦٩ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٥٨ ، بسنده عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي الجارود ؛التهذيب ، ج ٧ ، ص ٢٣١ ، ح ١٠١٠ ، بسنده عن يونس ، عن عبدالله بن سنان أو ابن مسكان ،=

١٥٢

١٨٨/ ٦. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « مَا مِنْ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ إِلَّا وَلَهُ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلكِنْ لَاتَبْلُغُهُ عُقُولُ الرِّجَالِ »(١) .

١٨٩/ ٧. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَعليه‌السلام : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - أَرْسَلَ إِلَيْكُمُ الرَّسُولَصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَأَنْتُمْ أُمِّيُّونَ(٢) عَنِ الْكِتَابِ وَمَنْ أَنْزَلَهُ ، وَعَنِ الرَّسُولِ وَمَنْ أَرْسَلَهُ عَلى(٣) حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ(٤) مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ ، وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ ، وَعَمًى عَنِ‌

__________________

=عن أبي الجارود. راجع :الكافي ، كتاب المعيشة ، باب آخر منه في حفظ المال وكراهة الإضاعة ، ح ٩٣٥٠ ؛ وتحف العقول ، ص ٤٤٣الوافي ، ج ١ ، ص ٢٦٩ ، ح ٢١٠ ؛الوسائل ، ج ١٩ ، ص ٨٣ ، ح ٢٤٢٠٨ ؛البحار ، ج ٤٦ ، ص ٣٠٣ ، ح ٥٠.

(١)المحاسن ، ص ٢٦٧ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٥٥ عن الحسن بن علي بن فضّال. وفيالكافي ، كتاب المواريث ، باب آخر منه ، ح ١٣٥٩٦ ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال والحجّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ؛التهذيب ، ج ٩ ، ص ٣٥٧ ح ١٢٧٥ ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال والحجّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام وفيهما مع زيادة في أوّلهما. وراجع :الكافي ، كتاب المواريث ، باب نادر ، ح ١٣٣٤١الوافي ، ج ١ ، ص ٢٦٧ ، ح ٢٠٦ ؛الوسائل ، ج ٢٦ ، ص ٢٩٣ ، ح ٣٣٠٢٥.

(٢) « الأُمّيون » : جمع الأُمّي وهو في اللغة منسوب إلى أُمّة العرب ، وهي التي لم تكن تكتب ولا تقرأ ، فاستعير لكلّ من لايعرف الكتابة ولا القراءة ، وضمّن ما يعدّى بـ « عن » كالنوم والغفلة. اُنظر :المغرب ، ص ٢٨ ( امم ) ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٢٧١.

(٣) في تفسير القمّي : « ومن أرسله ، أرسله على ».

(٤) « الهَجْعَة » : هي طائفة من الليل ، أو النوم ليلاً ، أو نومة خفيفة من أوّله. والمراد هاهنا الغفلة والجهالة. اُنظر :لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٣٦٧ ( هجع ).

١٥٣

الْحَقِّ(١) ، وَاعْتِسَافٍ(٢) مِنَ الْجَوْرِ ، وَامْتِحَاقٍ(٣) مِنَ الدِّينِ ، وَتَلَظٍّ(٤) مِنَ الْحُرُوبِ عَلى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ رِيَاضِ جَنَّاتِ الدُّنْيَا ، وَيُبْسٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، وَانْتِثَارٍ(٥) مِنْ وَرَقِهَا ، وَيَأْسٍ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَاغْوِرَارٍ(٦) مِنْ مَائِهَا ، قَدْ دَرَسَتْ أَعْلَامُ الْهُدى ، وَظَهَرَتْ(٧) أَعْلَامُ الرَّدى(٨) ، فَالدُّنْيَا مُتَجَهِّمَةٌ(٩) فِي وُجُوهِ أَهْلِهَا مُكْفَهِرَّةٌ(١٠) ، مُدْبِرَةٌ(١١) غَيْرُ مُقْبِلَةٍ ، ثَمَرَتُهَا الْفِتْنَةُ ، وَطَعَامُهَا‌

__________________

(١) في تفسير القمّي : + « وانتشار من الخوف ».

(٢) « الاعتساف » : من العسف ، بمعنى الأخذ على غير الطريق ، أو ركوب الأمر من غير رويّة ، فنُقل إلى الظلم والجور. والمراد به تردّدهم في الضلالة. اُنظر :النهاية ، ج ٣ ، ص ٢٣٦ ( عسف ) ؛شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٥٤.

(٣) « الامتحاق » : من المحق ، وهو المحو والإبطال. وقيل : هو ذهاب الشي‌ء كلّه حتّى لايرى له أثر. اُنظر :لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٣٣٨ ( محق ).

(٤) « التلظّي » : اشتعال النار والتهابه ، أصله من « لظى » وهي اسم من أسماء النار. اُنظر :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٨٢ ( لظى ).

(٥) في « ألف ، و » وحاشية « ب ، ج ، بر » وتفسير القمّي : « انتشار ».

(٦) « اغورار الماء » : ذهابه إلى باطن الأرض. اُنظر :لسان العرب ، ج ٥ ، ص ٣٤ ( غور ).

(٧) هكذا في النسخ والمصادر. وفي المطبوع : « فظهرت ».

(٨) « الرَدى » : الهلاك ، يقال : ردي - بالكسر - يردى ردىً ، أي هلك. والمراد هاهنا الضلال. اُنظر :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٥٥ ( ردى ) ؛التعليقة للداماد ، ص ١٤١.

(٩) هكذا في حاشية : « ظ ، بح ، بع ، جو ، جه » ونهج البلاغة. وفيمرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٠٦ : « في بعض النسخ‌ بتقديم الجيم على الهاء ، وهو الصواب. يقال : فلان يتجهّمني ، أي يلقاني بغلظة ووجه كريه ». وفي « ش ، ض ، بح ، بع ، بو ، جح ، جم ، جه ، جو » والمطبوع : « متهجّمة ». واختاره الداماد فيالتعليقة ، ص ١٤١. والميرزا رفيعا في حاشيته على الكافي ، ص ٢١١ ، وقال : « التهجّم : مبالغة الهجوم. والهجوم : الدخول بلا إذن. والمراد بتهجّمها في وجوه أهلها : ملاقاتها لهم لاعلى وفق مأمولهم ومتمنّاهم ». وقرأ السيّد بدرالدين في حاشيته على الكافي ، ص ٦٧ « مهجمة » وقال : « الدنيا مهجمة ، أي يابسة لاخير فيها ، من قولهم : هجم ما في الضرع : حلبه. ومنه أهجمت الناقة : يبس ما في ضرعها ».

(١٠) « مكفهرّة » : عابسة ومتغيّرة لونه إلى لون الغبار مع الغلظ ، يقال : اكفهرّ الرجل ، أي عبس ، أو ضرب لونه إلى الغُبرة مع الغلظ ، وهذا لشدّة غيظها من أهلها. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٨٠٩ ( كفهر ) ؛شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٥٧.

(١١) « مدبرة » مرفوعة على أنّها خبر للدنيا بعد خبر ، أو منصوبة على الحاليّة.التعليقة للداماد ، ص ١٤١.

١٥٤

الْجِيفَةُ ، وَشِعَارُهَا(١) الْخَوْفُ ، وَدِثَارُهَا(٢) السَّيْفُ ، مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، وَقَدْ أَعْمَتْ عُيُونُ أَهْلِهَا ، وَأَظْلَمَتْ عَلَيْهَا أَيَّامُهَا ، قَدْ قَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ ، وَدَفَنُوا فِي التُّرَابِ الْمَوْؤُودَةَ(٣) بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ(٤) ، يَجْتَازُ دُونَهُمْ(٥) طِيبُ(٦) الْعَيْشِ وَرَفَاهِيَةُ خُفُوضِ(٧) الدُّنْيَا ، لَايَرْجُونَ مِنَ اللهِ ثَوَاباً ، وَلَا يَخَافُونَ - وَاللهِ - مِنْهُ عِقَاباً ، حَيُّهُمْ أَعْمى نَجِسٌ(٨) ، وَمَيِّتُهُمْ فِي النَّارِ مُبْلِسٌ(٩) ، فَجَاءَهُمْ(١٠) بِنُسْخَةِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى(١١) ، وَتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَتَفْصِيلِ الْحَلَالِ مِنْ رَيْبِ الْحَرَامِ ، ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ ، أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ ؛ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ،

__________________

(١) « الشعار » : الثوب الذي يلي الجسد ؛ لأنّه يلي شعره.النهاية ، ج ٢ ، ص ١٠٠ ( شعر ).

(٢) « الدثار » : الثوب الذي يكون فوق الشِعار.النهاية ، ج ٢ ، ص ٤٨٠ ( دثر ).

(٣) في « ألف ، بس » : « المودّة ». و « المـَوْؤودَة » : البنت المدفونة حيّة ، يقال : وأد بنته يَئدُ ، أي دفنها حيّة. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٥٤٦ ( وأد ).

(٤) فيالتعليقة للداماد : « الظرف الأوّل متعلّق بـ « دفنوا » والثاني بـ « الموؤودة » ، أي دفنوا في التراب بينهم الموؤودة من أولادهم ».

(٥) « يجتاز » أي يمرّ. وفي « ب ، ف ، بح ، بر » وحاشية « ج ، ض » وحاشية ميرزا رفيعا : « يختار دونهم » أي يراد. وفي حاشية « ب » : « يختارون دونهم ». وفي « و » وحاشية « بح » : « يجتازونهم ». وفي « ألف » : « يجتازون دونهم ». وفي حاشية « بف » : « يحتاز دونه ». وفي حاشية « ض » : « يحتاز دونهم » أي يجمع ويضمّ ، من الحيازة.

(٦) في حاشية « ض ، ظ ، جه » : « طلب ».

(٧) في « ف ، بف » وحاشية « ج » : « حفوظ ». و « الخفوض » : جمع الخفض ، بمعنى الدَعَة والراحة والسكون ‌والسير الليّن. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٠٧٤ ( خفض ).

(٨) في « بح ، بع ، بف ، بر ، جه » وحاشية « ج » : « نحس ». وفي حاشية « بج » والتعليقة للداماد وحاشية ميرزا رفيعا : « بخس » بمعني عديم المعرفة ، ناقص الحظّ. وقال المجلسي فيمرآة العقول : « هو تصحيف ».

(٩) « المبلس » : اسم فاعل من الإبلاس ، وهو الغمّ والانكسار والحزن واليأس من رحمة الله تعالى ، ومنه سمّي إبليس. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ٩٠٩ ( بلس ).

(١٠) في تفسير القمّي : + « النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(١١) فيالوافي : « الصحف الأُولى : الكتب المنزلة من قبل كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وغيرها ، وهي المراد بالذي بين يديه ، وكلّ أمر تقدّم أمراً منتظراً قريباً منه ، يقال : إنّه جاء بين يديه ». وقيل غير ذلك. اُنظرشرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٦١ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

١٥٥

وَحُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ ، وَبَيَانَ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، فَلَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ ، لَعَلَّمْتُكُمْ »(١) .

١٩٠/ ٨. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ : « قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وَأَنَا أَعْلَمُ كِتَابَ(٢) اللهِ ، وَفِيهِ بَدْءُ الْخَلْقِ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَفِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وَخَبَرُ الْأَرْضِ ، وَخَبَرُ الْجَنَّةِ وَخَبَرُ النَّارِ ، وَخَبَرُ مَا كَانَ وَخَبَرُ(٣) مَا هُوَ كَائِنٌ ، أَعْلَمُ ذلِكَ كَمَا أَنْظُرُ(٤) إِلى كَفِّي ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ : فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ(٥) »(٦) .

١٩١/ ٩. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ »(٧) .

__________________

(١)تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ٢ مرسلاً ، عن عليّعليه‌السلام ؛ وفينهج البلاغة ، ص ١٢١ ، الخطبة ٨٩ ، من قوله : « أرسله على حين فترة » مع اختلاف يسير. وراجع :نهج البلاغة ، ص ٢٢٣ ، الخطبة ١٥٨الوافي ، ج ١ ، ص ٢٧٠ ، ح ٢١١.

(٢) في « و ، بر ، بس » : « بكتاب ».

(٣) في « ألف ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بس ، بف » والوافي : - « خبر ».

(٤) في البصائر ، ص ١٩٧ : « كأنّما ».

(٥) إشارة إلى الآية ٨٩ من سورة النحل (١٦) :( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِِّ شَيْ‌ءٍ ) .

(٦)بصائر الدرجات ، ص ١٩٧ ، ح ٢ ، عن محمّد بن عبدالجبّار.وفيه ، ص ١٩٤ ، ح ٧ ؛ والكافي ، كتاب الحجّة ، باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلّا الأئمّة ، ح ٦١٣ ؛ وباب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان و ، ح ٦٨١ ، بسند آخر ، مع اختلاف.تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ٢٦٦ ، ح ٥٦ ، عن يونس ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مع اختلافالوافي ، ج ١ ، ص ٢٧٢ ، ح ٢١٢.

(٧)بصائر الدرجات ، ص ١٩٦ ، ح ١٠ ، عن محمّد بن عيسى ، عن إسماعيل بن جابر ( والمذكور في بعض نسخ البصائر المعتبرة : محمّد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن إسماعيل بن جابر ). وفيالكافي ، كتاب الحجّة ، باب في أنّ الأئمّة بمن يشبّهون ممّن مضى ، ح ٧٠٦ ، بسند آخر مع زيادة واختلاف. وفيتفسير العيّاشي ، =

١٥٦

١٩٢/ ١٠. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ ، عَنْ سَمَاعَةَ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسىعليه‌السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَكُلُّ شَيْ‌ءٍ(١) فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أَوْ تَقُولُونَ(٢) فِيهِ(٣) ؟

قَالَ : « بَلْ كُلُّ شَيْ‌ءٍ(٤) فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٥) .

٢١ - بَابُ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ‌

١٩٣/ ١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَعليه‌السلام : إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ وَالْمِقْدَادِ وَأَبِي ذَرٍّ شَيْئاً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، وَأَحَادِيثَ عَنْ نَبِيِّ اللهِ(٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله غَيْرَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا سَمِعْتُ(٧) مِنْهُمْ ، وَرَأَيْتُ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ‌

__________________

=ج ١ ، ص ٣ ، ح ٢ ، عن يوسف بن عبدالرحمن رفعه إلى الحارث الأعور ، عن عليّ ، عن الرسول ، عن جبرئيلعليهم‌السلام ، مع اختلاف وزيادة ؛نهج البلاغة ، ص ٥٣٠ ، الحكمة ٣١٣ ، مع اختلافالوافي ، ج ١ ، ص ٢٧٣ ، ح ٢١٣.

(١) في البصائر : « كلّ شي‌ء تقول به » بدل « أكلّ شي‌ء ».

(٢) في « ألف ، بر » والوافي : « يقولون ».

(٣) في البصائر : + « برأيكم ». والضمير في قوله : « فيه » راجع إلى « كلّ شي‌ء » ، والمعنى : أو تقولون وتحكمون فيه بآرائكم ، أم بإلهام مجدّد ربّاني من غير أن يسبق ذكره في الكتاب والسنّة. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٦٩ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٠٩.

(٤) في البصائر : + « نقوله ».

(٥)بصائر الدرجات ، ص ٣٠١ ، ح ١ ، عن أحمد بن محمّد.الاختصاص ، ص ٢٨١ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي.الوافي ، ج ١ ، ص ٢٧٣ ، ح ٢١٤.

(٦) في حاشية « ج » : « عن النبيّ » بدل « نبيّ الله ».

(٧) في « ب » : « سمعته ».

١٥٧

وَمِنَ(١) الْأَحَادِيثِ عَنْ نَبِيِّ اللهِ(٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّ ذلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ ، أَفَتَرَى النَّاسَ يَكْذِبُونَ عَلى رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله مُتَعَمِّدِينَ ، وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ؟

قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : « قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ ، إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً ، وَصِدْقاً وَكَذِباً ، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً ، وَعَامّاً وَخَاصّاً ، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً ، وَحِفْظاً وَوَهَماً(٣) ، وَقَدْ كُذِبَ عَلى رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله عَلى(٤) عَهْدِهِ ، حَتّى قَامَ خَطِيباً ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذَّابَةُ(٥) ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ كُذِبَ(٦) عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَإِنَّمَا أَتَاكُمُ الْحَدِيثُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَيْسَ(٧) لَهُمْ خَامِسٌ :

رَجُلٍ مُنَافِقٍ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ ، مُتَصَنِّعٍ بِالْإِسْلَامِ(٨) ، لَايَتَأَثَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ(٩) أَنْ يَكْذِبَ عَلى رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله مُتَعَمِّداً ، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَذَّابٌ ، لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَلَمْ‌

__________________

(١) في الوسائل : - « من ».

(٢) في « ض ، ف ، بح » : « النبيّ ».

(٣) « حفظاً ووهماً » : مصدران بمعنى المحفوظ والموهوم ، والمراد هاهنا ما حفظ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو ، وماغلط فيه فتوهّم مثلاً أنّه عامّ وهو خاصّ أو بالعكس ، إلى غير ذلك من وجوه الاشتباهات بين المتقابلات. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٢٠٧ ؛شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣١٠ ،مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢١٠.

(٤) في « بس » وحاشية « ج » : « في ».

(٥) في « ج » وحاشية ميرزا رفيعا : « الكِذابة ». و « الكَذّابة » : إمّا من صيغ المبالغة والتاء لزيادتها وتأكيدها ، أي كثرت‌عليّ أكاذيب الكذّابة ، أو التاء للتأنيث ، أي كثرت الجماعة الكذّابة عليّ. وإمّا « كِذابة » مصدر بمعناه ، أي كثرت عليّ كِذابة الكاذبين ، أو بمعنى المفعول والتاء للتأنيث ، أي كثرت الأحاديث المفتراة عليّ. اُنظر شروح الكافي.

(٦) « كُذب » مجهول ، و « من » حرف جرّ. أو معلوم ، وهو اسم موصول.

(٧) في « بف » : « وليس ».

(٨) في الغيبة للنعماني : « مظهر للإيمان ، متصنّع للإسلام باللسان ». وفيشرح المازندراني : « متصنّع بالإسلام ، أي‌متكلّف له ومتدلّس به ومتزيّن بحسن السمت وزيّ أهل الفلاح ومتلبّس بهيئة أهل الخير والصلاح من غير أن يتّصف بشي‌ء من ذلك في نفس الأمر ».

(٩) « لايتأثّم » : أي لايتجنّب من الإثم. و « لايتحرّج » : أي لايتجنّب من الحَرَج ، يقال : تأثّم فلان إذا فعل فعلاً خرج به من الإثم ، كما يقال : تحرّج ، إذا فعل ما يخرج به من الحَرَج. اُنظر :النهاية ، ج ١ ، ص ٢٤ ( أثم ).

١٥٨

يُصَدِّقُوهُ ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا : هذَا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وَرَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ، وَأَخَذُوا(١) عَنْهُ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ حَالَهُ(٢) ؛ وَقَدْ أَخْبَرَهُ(٣) اللهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ(٤) بِمَا أَخْبَرَهُ ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) (٥) ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ ، فَتَقَرَّبُوا إِلى أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْكَذِبِ(٦) وَالْبُهْتَانِ ، فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ ، وَحَمَلُوهُمْ عَلى رِقَابِ النَّاسِ ، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ ، فَهذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ.

وَرَجُلٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ(٧) عَلى وَجْهِهِ وَوَهِمَ فِيهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ(٨) كَذِباً ، فَهُوَ فِي يَدِهِ ، يَقُولُ بِهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَيَرْوِيهِ ، فَيَقُولُ(٩) : أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ لَمْ يَقْبَلُوهُ(١٠) ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهِمَ لَرَفَضَهُ.

وَرَجُلٍ ثَالِثٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله شَيْئاً أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهى عَنْهُ وَهُوَ(١١) لَايَعْلَمُ ، أَوْ‌

__________________

(١) في « بح » والخصال : « فأخذوا ». وفي حاشية « بف » والوافي : « فيأخذون ».

(٢) في كتاب « سليم » : « وهو لايكذب ولا يستحلّ الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » بدل « وأخذوا عنه وهم لايعرفون‌ حاله».

(٣) في « ألف » وكتاب سليم والوافي : « أخبر ».

(٤) فيمرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢١٢ : « قولهعليه‌السلام : وقد أخبر الله عزّوجلّ عن المنافقين ، أي كان ظاهرهم ظاهراً حسناً وكلامهم كلاماً مزيّفاً مدلّساً يوجب اغترار الناس بهم وتصديقهم فيما ينقلونه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرشد إلى ذلك أنّه سبحانه خاطب نبيّه بقوله : « وَاذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ » أي بصباحتهم وحسن منظرهم( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَولِهِمْ ) أي تصغي إليه لذلاقة ألسنتهم ».

(٥) المنافقون (٦٣) : ٤.

(٦) في كتاب سليم : + « والنفاق ».

(٧) هكذا في « ألف ، ب ، بس » وحاشية « ج ، ض ، ف ، و ، بح » والخصال والغيبة للنعماني ونهج البلاغة. وفي كتاب ‌سليم : « فلم يحفظه ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « لم يَحْمِلْه ».

(٨) في « ب ، ض ، بح » : « فلم يتعمّد ».

(٩) في « ألف ، و » وحاشية « بح » وكتاب سليم والخصال والغيبة للنعماني : « ويقول ».

(١٠) في حاشية « ج » : « فلم يقبلوه ». وفي الوسائل : « لرفضوه ».

(١١) في « ض » : « فهو ».

١٥٩

سَمِعَهُ يَنْهى عَنْ شَيْ‌ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَايَعْلَمُ ، فَحَفِظَ مَنْسُوخَهُ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ ، فَلَوْ(١) عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ - إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ - أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.

وَآخَرَ رَابِعٍ لَمْ يَكْذِبْ عَلى رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مُبْغِضٍ لِلْكَذِبِ ؛ خَوْفاً مِنَ اللهِ تَعَالى وَتَعْظِيماً لِرَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لَمْ يَنْسَهُ(٢) ، بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلى وَجْهِهِ ، فَجَاءَ بِهِ كَمَا سَمِعَ ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ(٣) ، وَعَلِمَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ ، فَعَمِلَ(٤) بِالنَّاسِخِ وَرَفَضَ الْمَنْسُوخَ ، فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) مِثْلُ الْقُرْآنِ ، نَاسِخٌ(٦) وَمَنْسُوخٌ ، وَخَاصٌّ وَعَامٌّ(٧) ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ ، قَدْ كَانَ يَكُونُ(٨) مِنْ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله الْكَلامُ لَهُ وَجْهَانِ : كَلَامٌ(٩) عَامٌّ وَكَلَامٌ خَاصٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ ، وَقَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ :( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١٠) فَيَشْتَبِهُ عَلى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَلَمْ يَدْرِ مَا عَنَى اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله كَانَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْ‌ءِ فَيَفْهَمُ ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَا يَسْتَفْهِمُهُ ، حَتّى أَنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِي‌ءَ الْأَعْرَابِيُّ وَالطَّارِئُ(١١) فَيَسْأَلَ‌

__________________

(١) هكذا في « ب ، ج ، ض ، بح ، بر ، بس ، بف » وكتاب سليم والخصال والوسائل والوافي. وفي سائر النسخ ‌والمطبوع : « ولو ».

(٢) في « ج ، بح ، بس ، بف » وحاشية « ب » والخصال والغيبة للنعماني : « لم يسْهُ ». وفيشرح المازندراني : « الهاء في « لم ينسه » للوقف ، أو عائد إلى « شي‌ءٍ سمعه » بقرينة المقام ».

(٣) في حاشية « ج ، ض » : « عنه ».

(٤) في الوافي : « وعمل ».

(٥) في كتاب سليم والغيبة للنعماني : « وإنّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهيه ».

(٦) في الوسائل : « منه ناسخ ».

(٧) في « ف ، بس » وكتاب سليم والغيبة للنعماني : « وعامّ وخاصّ ».

(٨) « قد كان » : تأكيد لقوله : « فإنّ أمر النبيّ » ولهذا ترك العاطف. واسم « كان » ضمير الشأن. و « يكون » تامّة ، وهي‌ مع اسمها - وهو الكلام - خبر « كان ». و « له وجهان » حال عن « الكلام » أو نعت له ؛ لأنّ اللام فيه للعهد الذهني فهو في حكم النكرة ، أو خبر « يكون » إن كانت ناقصة.شرح المازندراني ، ج ٢ ، ص ٣٨٧ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢١٣. (٩) في « ألف ، ج ، ض ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » : « وكلام ».

(١٠) الحشر (٥٩) : ٧.

(١١) « الطاري » : مَن يأتي من مكان آخر ، أو يأتي فجأة. يقال : طرأ عليهم ، أي أتاهم من مكان ، أو خرج عليهم=

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320