الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية25%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99297 / تحميل: 7778
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

إلى النبي إبراهيم عليه‌السلام ، وأنه لأجل ذلك استأهلت تلك الأماكن أن تكون مواطن لعبادة اللَّه، وأن الحج جعل عبادة توحيدية عظيمة بوسيلة التوجّه بأنبياء اللَّه في الأعمال والنسك التي يؤتى بها، حيث أضيفت إليهم عليهم‌السلام ، وسيأتي مزيد من الإيضاح لذلك في بقية مقامات الحج.

ولأجل ذلك كلّه ورد الحثّ عن أهل البيت عليهم‌السلام لأصحابهم بالتواجد في الأماكن التي شهدها النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وتشرّفت بحلوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها.

من ذلك ما ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام ؛ حيث قال لعبد الأعلى: (إذا مررت بوادي محسّر، فاسعَ فيه، فإن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سعى فيه) (١) .

وعن عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام إنا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيِّها أبدأ؟ فقال: (ابدأ بقبا، فصلِّ فيه واكثر؛ فإنه أوّل مسجد صلّى فيه رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه العرصة، ثم ائتِ مشربة أم إبراهيم فصلِّ فيها؛ فإنها مسكن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلّاه) (٢) .

كذلك عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال لمعاوية بن عمّار: (لا تدع إتيان المشاهد كلّها؛ مسجد قبا فإنه المسجد الذي أسّس على التقوى من أوّل يوم، ومشربة أمّ إبراهيم، ومسجد فضيخ، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب؛ وهو مسجد الفتح) (٣) .

والروايات في هذا المجال كثيرة جدّاً نكتفي منها بهذا المقدار.

هذه هي الآية الأولى من الآيات البيّنات في المسجد الحرام.

____________________

(١) الطوسي، تهذيب الأحكام، ج ٥، ص ١٩٥.

(٢) الكافي، ج٣، ص٥٦٠.

(٣) الكافي، ج٣، ص٥٦٠.

٨١

حجر إسماعيل:

لقد ورد في الروايات أن حجر إسماعيل يضمّ قبره وقبر أمه هاجر وقبر سبعين نبيّاً أو تسعة وتسعين.

ففي الكافي عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن الحجر: أمن البيت هو أو فيه شي‏ء من البيت؟ فقال: (لا، ولا قُلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن أمه فيه، فكره أن توطأ، فحجّر عليه حجراً، وفيه قبور أنبياء) (١) .

وقال السيوطي في الدرّ المنثور: (وتوفّي إسماعيل بعد أبيه، فدفن داخل الحجر ممَّا يلي الكعبة مع أمَّه هاجر) (٢) .

وأخرج القرطبي في تفسيره، عن عبد اللَّه بن ضمرة السلولي: (ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيّاً) (٣) .

وفي الطبقات لابن سعد، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: (لمَّا بلغ إسماعيل عشرين سنة، توفِّيت أمه هاجر وهي ابنة تسعين سنة، فدفنها إسماعيل في الحجر) (٤) .

وأخرج أيضاً عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال: (أوحى اللَّه على إبراهيم عليه‌السلام أن يبني البيت وهو يومئذٍ ابن مائة سنة وإسماعيل يومئذٍ ابن ثلاثين سنة، فبناه معه، وتوفّي إسماعيل بعد أبيه، فدفن داخل الحجر ممَّا يلي الكعبة مع

____________________

(١) الكليني، الكافي، ج ٤، ص ٢١٠.

(٢) الدر المنثور، ج٣، ص١٠٣، وكذا الحسن البصري، فضائل مكَّة، ص٢٠، والحموي، معجم البلدان، ج٢، ص٢٢١.

(٣) تفسير القرطبي، ج٢، ص١٣٠.

(٤) الطبقات الكبرى، ج١، ص٥٢.

٨٢

أمه هاجر) (١) .

وفي كتاب فضائل مكّة للحسن البصري، عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (إن حول الكعبة قبر ثلاثمائة نبيّ، وما بين الركن اليماني والركن الأسود قبر سبعين نبيّاً) (٢) .

ثُم إن من طاف حول الكعبة بإخراج حجر إسماعيل، فطوافه باطل، وقد نصّ على ذلك الفقهاء من الفريقين. أمَّا فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، فهو واضح، وقد صرّحت بذلك روايات أهل البيت عليهم‌السلام . وأمَّا فقهاء أهل سنّة الجماعة، فقد صرّحوا بهذه الحقيقة أيضاً، ففي مواهب الجليل للرعيني، قال: (وقال ابن مسدي في منسكه: وأمَّا قولنا (ويطوف من وراء حجر إسماعيل)، فهو الإجماع. ثم اختلفوا؛ فقال أصحاب الرأي: يطوف من وراء الحجر استحباباً. وقال جمهور العلماء بالوجوب. إلى أن قال: ثم اتفقوا على أن من طاف ببناء البيت الظاهر ولم يُدخل الحجر في طوافه أنه يعيد الطواف ما دام بمكّة، ثم اختلفوا، فقال أبو حنيفة ومَن تبعه: يعيد استحباباً. وقال جمهور العلماء: يعيد وجوباً؛ لأنه كمَن لم يطف، فإن لم يذكر حتى انصرف إلى بلاده، فقال ابن عباس: هو كمَن لم يطف. وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وغيرهم من أهل العلم، وقالوا: عليه أن يرجع من حيث كان، يطوف من وراء الحجر) (٣) .

وقال الشافعي: (وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحجر ووراء شاذروان

____________________

(١) الطبقات الكبرى، ج١، ص٥٢.

(٢) فضائل مكّة والسكن فيها، ص ٣٠.

(٣) الحطّاب الرعيني، مواهب الجليل، ج٤، ص١٠١.

٨٣

الكعبة، فإن طاف بالبيت وجعل طريقه من بطن الحجر أعاد) (١) .

وعن ابن عباس: (من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر) (٢) .

وليس ذلك إلّا لكون الحجر من تلك الآيات التي عرّف اللَّه (عزّ وجل) بيته المبارك بها، والطواف فيه نوع من المدارية والمحورية للكعبة الشريفة، فحينما يتمحور الحاج ويدور ويطوف حول الكعبة التي تشرّفت بحجج اللَّه وآياته، فإن ذلك معناه أن تلك الآيات هي الأبواب إلى اللَّه (عزّ وجلّ) وبها يُعبد ويقصد ويتوجّه إليه.

فإسماعيل، وهو نبيّ من الأنبياء على ملّة أبيه إبراهيم حنيفاً مسلماً، ويعلم أن الكعبة أوّل بيت وضع للناس كافّة ولجميع الأجيال مناراً للعبادة والطهارة والتوحيد، مع ذلك قام ببناء قبر لأمّه، وهي وليّة من الأولياء، مع سبعين نبياً من الأنبياء، وجعل الطواف كما هو طواف بالكعبة طواف بقبر أمه وكذا قبره وقبر سبعين أو أكثر من الأنبياء.

والقرآن يأتي بعد ذلك ويقرّ هذه الحقيقة ويجعلها من الأمور التربوية للمسلمين، فيقول: إن هذا البيت معرفته وشرفه أنه فيه آيات بيّنات، هي قبور الأنبياء والأولياء.

ففي تشريع الملّة الحنيفية أن قبور الأنبياء تقصد ويتوجّه إليها ويطاف بها، وهذا من التوحيد التام، لا سيما وأن اللَّه (عزّ وجل) أمر إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت من الشرك والمشركين، قال تعالى: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ

____________________

(١) الشافعي، الأم، ج٢، ص١٩٣.

(٢) البخاري، ج٤، ص٢٣٨.

٨٤

طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (١) ومن تشريعات الملّة الحنيفية، التي توجب الطهارة من الشرك والتشرف بمعالم التوحيد ويكون ذلك البيت أعظم وأطهر مسجد في الأرض يُعبد فيه اللَّه تعالى، هي الآيات البيّنات؛ قبر إسماعيل وهاجر وعدد كبير من الأنبياء، ويكون الطواف كما هو طواف بالكعبة طواف بالقبور والآيات، التي بها كان البيت طاهراً من الشرك ومباركاً وهدى للعالمين.

إذن، الطواف الذي هو صلاة لابدّ أن يتوجّه فيه إلى القبور، ولابدّ من الدخول إلى البيت من أبوابه وإلّا كان الطواف باطلاً، ولم يكن البيت هدى للعالمين، هذه هي الملّة الحنيفية.

المستجار أو الملتزم:

هذه هي الآية الثالثة من آيات المسجد الحرام، وهذه الآية الإلهية في نفس جدار الكعبة ممَّا يقرب من الركن اليماني ويقابل من جهته الأخرى باب الكعبة، الذي يقرب من الحجر الأسود، وفي نصوص الفريقين يستحب التزام الكعبة وأن يستجير الداعي باللَّه تعالى في ذلك المكان.

أمَّا الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، فهي كثيرة جدّاً:

فعن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه عليه‌السلام : (إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخّر الكعبة، وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، فابسط يديك وألصق بدنك وخدّك البيت، وقل: اللّهمّ البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان

____________________

(١) البقرة، ١٢٥.

٨٥

العائذ بك من النار، ثم أقرّ لربّك بما عملت، فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر اللَّه له إن شاء اللَّه) (١) .

كذلك عنه عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (لمَّا طاف آدم بالبيت وانتهى إلى الملتزم، قال له جبرئيل: يا آدم، أقرّ لربّك بذنوبك في هذا المكان. إلى أن قال: فأوحى اللَّه إليه: يا آدم، قد غفرت لك ذنبك، قال: يا ربّ ولولدي أو لذرِّيَّتي، فأوحى اللَّه (عزّ وجل) إليه: يا آدم، من جاء من ذرِّيتك إلى هذا المكان وأقرّ بذنوبه وتاب كما تبت ثم استغفر غفرت له) (٢) .

وغيرها من الروايات في هذا المجال.

وقال الشربيني في مغني المحتاج: (الدعاء يستحبّ في خمسة عشر موضعاً بمكة: في الطواف، والملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، ومزدلفة، ومنى، وعند الجمرات الثلاث) (٣) .

وفي حواشي الشرواني، أخرج ذلك عن الحسن البصري (٤) .

والمضمون ذاته جاء في مواهب الجليل للحطّاب الرعيني (٥) .

وقال الشافعي: (وأُحبّ له إذا ودّع البيت أن يقف في الملتزم، وهو بين الركن والباب، فيقول: اللّهمّ إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك،

____________________

(١) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٣، ص٣٤٥.

(٢) وسائل الشيعة، ج١٣، ص٣٤٧.

(٣) الشربيني، مغني المحتاج، ج١، ص٥١١.

(٤) حواشي الشرواني، ج٤، ص١٤٣.

(٥) مواهب الجليل، ج٤، ص١٥٨.

٨٦

حملتني على ما سخّرت لي من خلقك، حتى سيّرتني في بلادك وبلّغتني بنعمتك، حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عنّي فازدد عنّي رضاً، وإلّا فمِن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري) (١) ، وقال النووي بعد ذكره لهذا الدعاء: (واتفق الأصحاب على استحبابه) (٢) .

وقال النووي أيضاً عندما ذكر الملتزم: (سمّي بذلك لأن الناس يلزمونه عند الدعاء) (٣) .

وقال أيضاً: (قال القاضي أبو الطيّب في تعليقه: قال الشافعي في مختصر كتاب الحجّ: إذا طاف للوداع استحبّ أن يأتي الملتزم فيلصق بطنه وصدره بحائط البيت ويبسط يديه على الجدار، فيجعل اليمنى ممَّا يلي الباب واليسرى ممَّا يلي الحجر الأسود، ويدعو بما أحبَّ من أمر الدنيا والآخرة). إلى أن قال: (وعن ابن عباس أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: ما بين الركن والباب يُدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل اللَّه (عزّ وجل) شيئاً إلّا أعطاه إيّاه) (٤) .

وأخرج البيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: (رأيت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يُلزق وجهه وصدره بالملتزم) (٥) ، وكذا أخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ما بين الركن والمقام

____________________

(١) الشافعي، الأم، ج٢، ص٢٤٣.

(٢) النووي، المجموع، ج٨، ص٢٥٨.

(٣) المصدر، ج٨، ص١٣.

(٤) المصدر، ج٨، ص٢٦١.

(٥) السنن الكبرى، ج٥، ص١٦٤.

٨٧

ملتزم ما يدعو به صاحب عاهة إلّا برأ) (١) .

فالمستجار والملتزم معلم من معالم الطواف والكعبة، وهو الموضع الذي انشقّ الجدار منه لفاطمة بنت أسد(رضوان اللَّه عليها)، عندما أخذها الطلق بسيّد الأوصياء عليه‌السلام ، حيث استجارت بالكعبة الشريفة من ذلك الموضع، فانشقّ لها الجدار ودخلت الكعبة وولدت أمير المؤمنين عليه‌السلام فيها، كما نصّت على هذه الملحمة التأريخية كتب الحديث والسير والتواريخ من الفريقين:

أخرج الصدوق في علل الشرائع بسنده عن سعيد بن جبير قال: (قال يزيد بن قعنب كنت جالساً مع العبَّاس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزّى بإزاء البيت الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه‌السلام - وكانت حاملة به تسعة أشهر - وقد أخذها الطّلق، فقالت: ربّ إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه‌السلام وإنه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لَمَا يسّرت عليّ ولادتي. قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من اللَّه تعالى، ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه‌السلام ... إلى آخر القصة) (٢) .

وقال الحاكم النيسايوري في مستدركه: (تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(كرم اللَّه وجهه) في جوف الكعبة) (٣) .

____________________

(١) الطبراني، المعجم الكبير، ج١، ص٢٥٤.

(٢) علل الشرائع، ج١، ص١٣٥، وكذا الأربلي، كشف الغمة، ج١، ص٦١.(٣) المستدرك، ج٣، ص٤٨٤.

٨٨

وقال ابن الصباغ المالكي: (ولد عليّ عليه‌السلام بمكة المشرّفة بداخل البيت الحرام). إلى أن قال:(ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته) (١) .

وهذه آية آخرى وشعيرة أخرى من شعائر البيت الحرام، حيث يتأسّى الطائف ويتوسل ويتبرّك بموضع له صلة بأمير المؤمنين وأمه فاطمة بنت أسد، من أجل قبول الدعاء وغفران الذنوب.

السعي بين الصفا والمروة:

قال اللَّه (عزّ وجل): ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (٢) ، والصفا والمروة محلّ هبوط آدم وحوّاء ولبركة هبوطهما جُعلا من شعائر اللَّه وآياته، وسمّيا بهذين الاسمين، لهبوط آدم وحوّاء عليهما؛ حيث ورد في الروايات أن آدم لمَّا نزل على الصفا، وهو صفيّ اللَّه تعالى، سُمّي الصفا، ولمَّا نزلت حوّاء على المروة سُمّيت مروة؛ لأنها مرأة فاشتقّ منها مروة.

وأمَّا في تشريع السعي بين الصفا والمروة، فورد أن هاجر سعت بين الصفا والمروة لاستطلاع وجود الماء سبع مرات، فشرّع كذلك.

وإليك بعض تلك الروايات:

عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام قال: (إن آدم عليه‌السلام لمَّا هبط إلى الأرض أُهبط على

____________________

(١) ابن الصبَّاغ المالكي، الفصول المهمة، ص١٧١.

(٢) البقرة: ١٥٨.

٨٩

الصفا ولذلك سُمّي الصفا؛ لأن المصطفى هبط عليه، فقطع للجبل اسم من اسم آدم، يقول اللَّه (عزّ وجل): (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)(١)، وأُهبطت حوّاء على المروة؛ وإنما سُمّيت المروة لأن المرأة هبطت عليها، فقطع للجبل اسم من اسم المرأة، وهما جبلان عن يمين الكعبة وشمالها) (٢) .

كذلك عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (إن إبراهيم عليه‌السلام لمَّا خلّف إسماعيل بمكّة عطش الصبي، وكان فيما بين الصفا والمروة شجر، فخرجت أمه حتى قامت على الصفا، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، فمضت حتى انتهت إلى المروة، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، ثم رجعت إلى الصفا، فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعاً؛ فأجرى اللَّه ذلك سنّة) (٣) .

وعن ابن عباس في حديثه عن هاجر أم إسماعيل قال: (ثم جاء بها إبراهيم عليه‌السلام وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت، وليس بمكّة يومئذٍ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقاً). إلى أن قال: (فجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجاع، وجعلت تنظر إليه يتلوّى ( أو قال: يتلبّط ) فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا

____________________

(١) آل عمران: ٣٣.

(٢) الكافي، ج٤، ص١٩١.

(٣) الصدوق، علل الشرائع، ج ٢، ص ٤٣٢.

٩٠

بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحداً، فلم ترَ أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فلذلك سعى الناس بينهما)) (١) .

إذاً بسبب الأنبياء والأصفياء والأولياء، كآدم وإسماعيل وحوّاء وهاجر جعل منسك السعي بين الصفا والمروة من مناسك الحجّ والتوحيد.

والباري تعالى عبّر عن هذه الآية بأنها من شعائر اللَّه، وهو ذات التعبير بكونها آيات بيّنات، أي محلّ هداية للعالمين وآية وعلامة وشعيرة بيّنة من معالم التوحيد.

فالمسجد الحرام والبيت الشريف بورك به وكانت له تلك المنزلة الرفيعة؛ لمَّا حلّ فيه من الوسائل والوسائط والآيات والشعائر الهادية إلى التوحيد، وهم الأنبياء والأصفياء ومقاماتهم، التي أصبحت أقرب الوسائل إلى اللَّه عزّ وجل.

بئر زمزم:

من الأمور التي سنّها اللَّه (عزّ وجل) بعد طواف الحجّ الشرب من ماء زمزم، الذي نبع ببركة هاجر وإسماعيل عليه‌السلام ، فأصبح من أعمال الحجّ الندبية. فهو من توابع البيت الحرام وآية من آياته؛ لِمَا له من الصلة بهاجر وإسماعيل.

أخرج البخاري عن ابن عباس في معرض حديثه عن هاجر أمّ إسماعيل:

(فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر

____________________

(١) النسائي، السنن الكبرى، ج٥، ص٥٩، وأحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ص٨٢.

٩١

الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها عيناً معنياً، قال: فشربت وأرضعت ولدها) (١) .

وأمَّا من طرقنا، فقد أخرج القمي في تفسيره، أن هاجر لما سعت سبعة أشواط: (فلمّا كان في الشوط السابع وهي على المروة، نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله، فعادت حتى جمعت حوله رملاً، فإنه كان سائلاً فزمّته بما جعلته حوله؛ فلذلك سُمّيت: زمزم) (٢) .

أعمال الحجّ ومناسكه:

لا ريب أن من لاحظ روايات الفريقين يجدها متّفقة على أن أعمال الحجّ كلّها لها صلة وثيقة في تشريعها بأنبياء اللَّه ورسله، فسُمّيت عرفة بهذا الاسم لاعتراف النبيّ آدم وإبراهيم عليهما‌السلام بذنوبهما (٣) ، وما يأتي به الحجّاج في يوم عرفة تأسّياً بما جاء به الأنبياء كآدم وإبراهيم عليهما‌السلام ، وكذا سمّيت المزدلفة بذلك؛ لأن آدم وإبراهيم أزدلفا من عرفات ليقتربا إلى البيت الحرام ويكون ذلك قُرباً حسّياً كناية عن القرب المعنوي، ومنى أيضاً سُمّيت بهذا الاسم إما لدعاء آدم وإبراهيم عليهما‌السلام وطلبهما لِمَا يأملان، أو لأجل طلبهما التطهّر من الأماني الباطلة،

____________________

(١) صحيح البخاري، ج٤، ص١١٤.

(٢) تفسير القمي، ج١، ص٦٢.

(٣) المراد من نسبة الذنب إلى النبيّ المعصوم هو ما يراه في نفسه من التقصير في طاعة اللَّه(عزّ وجل) لعظم حقّه، فالإنسان العارف باللَّه تعالى يجد نفسه مقصِّراً وإن كان في أعلى درجات الطاعة والعبادة؛ وذلك من باب أن حسنات الأبرار سيِّئات المقرَّبين، فالمقرَّب مُطالب بأدب إلهي أعظم ممَّا يطالب به الأبرار.

٩٢

كذلك الجمرات جعلت منسكاً لرمي آدم وإبراهيم عليهما‌السلام الشيطان في تلك المواضع.

إذن، الحجّ بكلّ أجزائه ومناسكه ومواطنه متعلّق ومتلوّن بأفعال الأنبياء والأولياء وأسمائهم، فهم أبواب بيت اللَّه وآياته البيّنات وشعائره الباسقات، فإذا أراد الحاج والموحّد أن يسلك السبيل إلى اللَّه(عزّ وجل) لابدّ أن يسلك ما سلكه أنبياء اللَّه ورسله ويحاذي في فعله سيرهم وسلوكهم، ويتوسَّل إلى اللَّه (عزّ وجل) في تلك المواضع التي سُمّيت بأسماء الأنبياء وأفعالهم؛ تذكيراً بهم وإحياءاً لأمرهم وتأكيداً على أن القصد والتوجّه إلى اللَّه(عزّ وجل) لا يُسلك إلّا بحجج اللَّه ورسله.

والحاصل: أن الحجّ بمجموعه آية بيّنة على أن العبد لا يمكنه أن يفد على اللَّه تعالى إلّا بالتوسُّل بذوات الأنبياء وأفعالهم وما يتَّصل بهم؛ لكونهم شعائر اللَّه وأبوابه التي لا سبيل للقصد إلى اللَّه(عزّ وجل) إلّا بها.

فائدة:

ممَّا ذكرنا سابقاً من ضرورة التمسّك بالآيات والحجج لحصول البركة والطهارة والهداية والوفود على اللَّه تعالى يظهر المعنى المراد من الروايات التي نصّت على أن زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة المعصوم والإقرار بالولاية له بعد إتمام مناسك الحجّ هي الطهارة العظمى، وأن قضاء التفث له معنى تأويلي غير المعنى التنزيلي هو لقاء الإمام المفروض الطاعة والإقرار له بالولاية؛ وذلك لأنه باب اللَّه الذي منه يؤتى والآية البيّنة التي لا يقبل عمل إلّا بالتوسُّل بها.

٩٣

أخرج الصدوق بسنده عن عبد اللَّه بن سنان عن ذريح المحاربي، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه‌السلام : إن اللَّه أمرني في كتابه بأمر فأحبّ أن أعلمه، قال عليه‌السلام : (وما ذاك؟) قلت: قول اللَّه(عزّ وجل): ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (١) قال: ( ( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) لقاء الإمام ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) تلك المناسك) (٢) .

قال عبد اللَّه بن سنان: فأتيت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام فقلت: جعلت فداك قول اللَّه (عزّ وجل): ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) ؟ قال عليه‌السلام : (أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك)، قال: قلت: جعلت فداك، فإن ذريحاً المحاربي حدّثني عنك أنك قلت له: ( ( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) لقاء الإمام ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) تلك المناسك)؟ فقال: (صدق ذريح وصدقت، إن للقرآن ظاهراً وباطناً، ومَن يحتمل ما يحتمل ذريح؟) (٣) .

فلابدّ من الورود على الإمام المعصوم المفروض الطاعة للطهارة من الشرك والهداية إلى التوحيد.

٤ - التوجّه إلى القبلة طاعة للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال تعالى: ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ) (٤) .

فإن هذه الآية المباركة صريحة في أن استقبال الكعبة المكرَّمة أو بيت

____________________

(١) الحج: ٢٩.

(٢) الكليني، الكافي، ج٤، ص٥٤٩.

(٣) معاني الأخبار، ص٣٤٠، ح١٠.

(٤) البقرة: ١٤٣.

٩٤

المقدس لم يكن الغرض منه نفس بيت المقدس أو الكعبة بما هي، بل من أجل استعلام الطوعانية والانصياع إلى سيّد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي بدورها تؤدّي إلى طاعة اللَّه تعالى.

إذن، لابدّ من توسيط ولاية النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعته في قبول العبادة، والاستكبار عليه وعدم الانصياع إلى أوامره بالاعتراض على القبلة التي يأمر بالتوجهّ إليها في العبادة اعتبرته الآية المباركة كفراً وارتداداً وانقلاباً على الأعقاب، كما فعلت ذلك قريش عندما اعترضت على النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بجعله بيت المقدس قبلة يتوجّه إليها في العبادة، واتهمته بأنه هوّد فتيان قريش.

٥ - المودّة لذريّة إبراهيم من شرائط الحجّ وغاياته:

قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الَّثمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) (١) .

هذه الآية المباركة من آيات الحجّ، التي تتعرّض لبيان ركن هامّ من أركان مناسك الحجّ أو العمرة.

بيان ذلك:

إن هذه الآيات القرآنية المباركة نصّت على أن إبراهيم عليه‌السلام جاء بذريَّته

____________________

(١) إبراهيم: ٣٥ - ٣٦ - ٣٧.

٩٥

وأسكنها البيت الحرام - بكلّ ما أحاط بذلك الإسكان من ملابسات وعناء ومشقّة ووحشة وغربة وجوع وعطش، بلا أنيس أو كفيل لتلك الذريّة الطاهرة سوى اللَّه تعالى - امتثالاً لأمر اللَّه عزّ وجل؛ لغايتين إلهيتين شريفتين اقتضتهما الحكمة الإلهية من ذلك الإسكان: إحداهما غاية متوسّطة، والأخرى غاية قصوى ونهائية تترتَّب على إسكان الذريّة إلى جنب المسجد الحرام.

الغاية الأولى: قول إبراهيم عليه‌السلام : ( رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة ) ، والمراد من ذلك عمارة المسجد الحرام وتشييد معالم الدين وأركان التوحيد؛ وذلك بإقامة الصلاة والطواف والسعي وبقيّة مناسك الحجّ وكافّة العبادات وجميع الشعائر الإلهية. والصلاة إنما ذكرت في الآية المباركة مثالاً لهذه الغاية.

وحاصل هذه الغاية هو جعل المركزية للكعبة المشرّفة في التوجّه إلى اللَّه تعالى لإقامة الدين ومناسك العبادة.

ولكن هذه الغاية غير كافية ولا مقبولة عند اللَّه عزّ وجلّ ما لم تتحقّق الغاية النهائية، التي أراد اللَّه تعالى تحقّقها من ذلك الإسكان.

الغاية الثانية: قول إبراهيم عليه‌السلام : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (١) ، فإن الفاء في قوله عليه‌السلام : ( فَاجْعَلْ ) للتفريع؛ وذلك لبيان أن لعمارة المسجد الحرام وإقامة الصلاة والحجّ وشعائر الدين غاية أخرى لابدّ من تحقّقها، وهي أن تهوى القلوب تلك الذريّة الطاهرة، التي أسكنها عند المسجد الحرام.

إذن، لابدّ أن يكون التوجّه إلى اللَّه تعالى في العبادات والشعائر الدينية بالكعبة المشرّفة، التي جعل إبراهيم عليه‌السلام لها المركزية والمحورية، بإسكان ذريّته فيها

____________________

(١) إبراهيم: ٣٧.

٩٦

لإقامة الصلاة، وكذا بالذريّة الطاهرة عن طريق هويّ القلب ومحبّتهم ومودّتهم والرجوع إليهم.

فالناس إذا توجّهوا إلى بيت اللَّه الحرام وجعلوه قبلة ومركزاً ومحوراً في مناسكهم العبادية، لابدّ أن يتوجّهوا أيضاً إلى الذريّة ويستعرضوا لهم المودّة والنصرة والطاعة والموالاة.

ومن ذلك يتضح أن هذه الآية المباركة من آيات المودّة في القربى، ولا يمكن فصل هذه الآية الكريمة عن الآيات التي ترسم ماهية الحجّ، فغاية الحجّ ومركزية مكّة لمعالم الدين محبّة تلك الذريّة وولايتهم، والمحبّة والولاية من شرائط الحجّ الغائية وكذا من شرائط استقبال الكعبة وقبول العبادات، فالولاية ركن من معالم الدين.

وإنَّ عزل الحج عن مبدأ الولاية والمودّة في القربى يكون وثناً من الأوثان وشركاً من فِعال الجاهلية.

والحاصل: إن الغاية من إسكان الذريّة المباركة في البيت المحرَّم جعل المحورية والمركزية إلى مكّة المكرمة والذريّة الطاهرة، فلا صلاة ولا حجّ من دون التوجّه إلى الكعبة، ولا قيمة للتوجّه إلى الكعبة ما لم يعقبه الازدلاف إلى الذريّة والمودّة في القربى.

من هم الذريّة الذين تهواهم أفئدة الحجاج والطائفين والركّع السجود؟

بعد أن تبين من الآية المذكورة أن مودّة وولاية الذريّة التي أسكنها إبراهيم عند المسجد الحرام ركن من أركان الدين وشرط في قبول العبادات، لابدّ من

٩٧

التعرّف على تلك الذريّة لكي يحرز الشخص دينه وعبادته بالتوجّه إليها ومودّتها.

وفي هذا المجال نقول:

إن هذه الذريّة من نسل إسماعيل، وهي الأمة المسلمة، التي جعلها اللَّه عزّ وجلّ كلمة باقية في عقب إبراهيم وإسماعيل عليه‌السلام لا تشرك باللَّه عزّ وجلّ طرفة عين في كلّ زمان.

قال تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١) ، ولا شك أن هذه دعوة مستجابة من إبراهيم وإسماعيل عليه‌السلام تكشف عن وجود بعض من ذريتهما، وهي الأمة المسلمة، بدرجة من الإسلام والتسليم التي نالها إبراهيم وإسماعيل، وهي ذرية باقية في عقبهما لا تشرك باللَّه تعالى أبداً، معصومة لها الولاية والإمامة على الناس؛ لأنها هي الذريّة الإبراهيمية التي طلب إبراهيم عليه‌السلام لها الإمامة، كما في قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) . وهذه الأمة المسلمة هي التي يُبعث فيها خاتم النبيين، الذي هو دعوة إبراهيم وإسماعيل؛ حيث قالا: ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٣) .

____________________

(١) البقرة: ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) البقرة: ١٢٤.

(٣) سورة البقرة: ١٢٩.

٩٨

أخرج ابن المغازلي في كتابه المناقب، بإسناده إلى عبد اللَّه بن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أنا دعوة أبي إبراهيم)، قلت: يا رسول اللَّه وكيف صرت دعوة إبراهيم أبيك؟ قال: (أوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى إبراهيم: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ، فاستخفّ إبراهيم الفرح، فقال: يا ربّ، ومن ذريَّتي أئمة مثلي؟ فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: أن يا إبراهيم، إني لا أُعطيك عهداً لا أفي لك به، قال: يا ربّ، ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال: لا أعطيك عهداً لظالم من ذريتك، قال: يا ربّ، ومَن الظالم من ولدي الذي لا ينال عهدك؟ قال: من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماماً أبداً، ولا يصلح أن يكون إماماً، قال إبراهيم: ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) (١) . قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي علي؛ لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني اللَّه نبيّاً واتخذ عليّاً وصيّاً) (٢) .

وأخرج العيَّاشي في تفسيره عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ، قال: قلت له: أخبرني عن أمة محمّد(عليه الصلاة والسلام) مَن هم؟

قال: (أمة محمّد بنو هاشم خاصّة)، قلت: فما الحجّة في أمّة محمّد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟

قال: قول اللَّه: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (٣) ، فلما أجاب اللَّه إبراهيم وإسماعيل وجعل من ذريّتهم أمة مسلمة وبعث فيها رسولاً منها، يعني من تلك

____________________

(١) إبراهيم: ٣٥ - ٣٦.

(٢) المناقب، ص ٢٧٦ ح ٣ ٢٢.

(٣) البقرة: ١٢٨ - ١٢٧.

٩٩

الأمة، يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ردف إبراهيم عليه‌السلام دعوته الأولى بدعوته الأخرى، فسأل لهم تطهيراً من الشرك ومن عبادة الأصنام ليصح أمره فيهم ولا يتبعوا غيرهم، فقال: ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) ، ففي هذه دلالة على أنه لا تكون الأئمة والأمة المسلمة التي بعث فيها محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا من ذريَّة إبراهيم؛ لقوله: ( اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) (٢) .

ولذا قال الإمام الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى: ( إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ ) (نحن منهم، ونحن بقية تلك الذريّة) (٣) .

ويشير إلى الذرية أيضاً قوله تعالى: ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٤) ، فهذه الأمة التي هي بعض من ذرية إبراهيم وإسماعيل التي بعث فيها خاتم النبيين، وهم على صلة منه وقد سمّاهم النبي إبراهيم وإسماعيل قبل ولادتهم بالمسلمين.

والحاصل: إن الآيات والروايات تصرّح بأن ذريّة إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام طائفة خاصّة طهّرها اللَّه عزّ وجلّ وأذهب عنها الرجس وجعل فيها الإمامة، وطلب إبراهيم عليه‌السلام لهذه الذريّة المودّة والمحبّة وهويّ الأفئدة إليها، وهذه الذريّة

____________________

(١) إبراهيم: ٣٥ - ٣٦.

(٢) تفسير العياشي، ج١، ص٧٩، ح١٠١.

(٣) المصدر، ج٢، ص٢٤٩، ح٣٥.

(٤) سورة الحج: ٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وفي ( مختصر التحفة الاثني عشريّة ) أنّه قال: ( لو لا السنتان لهلك النعمان ) (1) . يعني السنتين اللَّتين انتهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادق ( عليه السلام ).

قال الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري: ( وثبتَ عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك، وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق حتّى قال أبو حنيفة: ما رأيتُ أفقه منه، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور ) (2) .

2 - الإمام مالك بن أنس (ت: 179 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولقد كنتُ أرى جعفر بن محمّد وكان كثير الدعابة والتبسّم، فإذا ذُكِرَ عنده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اصفرَّ، وما رأيتُه يُحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ على طهارة، ولقد اختلفتُ إليه زمانا، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال إمّا مصلِّياً وإمّا صامتا ً (3) ، وإمّا يقرأ القرآن، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ ) (4) .

____________________

(1) مختصر التحفة الاثني عشريّة: 9، المطبعة السلفيّة، القاهرة.

(2) أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب: 55.

(3) هذا حسب كتاب: ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) للقاضي عِيَاض، ولعلّ الأصحّ صائماً كما ذكره ابن حجر في التهذيب.

(4) نقل كلامه القاضي عِيَاض في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ): 2 / 42 طبع دار الفكر، ونقل قريباً من ذلك ابن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ): 2/70، دار الفكر.

٢٤١

3 - الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ):

علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا، عن أبيه موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين قائلاً: ( لو قرأتُ هذا الإسناد على مجنون لبرئ مِن جُنَّتِهِ ) (1) .

4 - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 250 هـ):

قال في رسائله عند ذكر الجواب عمّا فخرتْ بهِ بنو أُميّة على بني هاشم، ما نصّه: ( فأمّا الفقه والعلم والتفسير والتأويل، فإنْ ذكرتموه لم يكن لكم فيه أحد، وكان لنا فيه مثل علي بن أبي طالب... وجعفر بن محمّد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه. ويُقال إنّ أبا حنيفة مِن تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب... ) (2) .

كما أنّه مدح عشرة من أهل البيت من ضمنهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقال: ( وَمنِ الذي يُعَدُّ مِنْ قريش أو من غيرهم ما يَعُدُّه الطالبيّون عشرة في نَسَق؛ كلّ واحد منهم: عالمٌ، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون:

ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [ العسكري ] بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر [ الصادق ] بن محمّد بن علي بن الحسين

____________________

(1) أورده ابن حجر الهيتمي في ( الصواعق المحرقة ): 310، دار الكتب العلميّة.

(2) رسائل الجاحظ: 106، جَمَعَهَا ونَشَرَهَا حسن السندوبي، المكتبة التجاريّة الكبرى، مصر.

٢٤٢

بن علي ( عليهم السلام )؛ وهذا لم يتّفق لبيتٍِ من بيوت العرب ولا من بيُوت العجم ) (1) .

5 - الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي (ت: 261 هـ):

قال في ( معرفة الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولهم شيء ليس لغيرهم، خمسة أئمّة... ) (2) .

6 - محمّد بن إدريس، أبو حاتم الرازي (ت: 277 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر بن محمّد ثقةٌ لا يُسألُ عن مثله ) (3) .

7 - عبد الرحمان بن أبي حاتم محمّد بن إدريس الرازي (ت: 327 هـ):

قال في كتابه ( الجرح والتعديل ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله كرّم الله وجهه... روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، والثوري، وشعبة، ومالك، وابن إسحاق، وسليمان بن بلال، وابن عيينة، وحاتم، وحفص، سمعتُ أبي يقول ذلك ).

ثمّ نقل بعض مدائح وتوثيقات العلماء للإمام، كتوثيق الشافعي، وابن معين، وأبي عبد الرحمان، وأبي زرعة، مقرّاً لهم على ذلك بدلالة عدم تعليقه على كلماتهم، خصوصاً أنّ كتابه موسوم بالجرح والتعديل (4) .

____________________

(1) المصدر نفسه: 109.

(2) معرفة الثقات: 1 / 270، مكتبة الدار، المدينة المنوّرة.

(3) نقله ولده الرازي في ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر. والذهبي في ( تذكرة الحفّاظ ): 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي، وغيرهما.

(4) انظر: ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر.

٢٤٣

8 - محمّد بن حِبَّان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي (ت: 354هـ):

قال في كتابه ( الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، كنيته أبو عبد الله، يروي عن أبيه، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً، روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس... ) (1) .

9 - عبد الله بن عدي الجرجاني (ت: 365 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولجعفر بن محمّد حديث كبير عن أبيه عن جابر، وعن أبيه عن آبائه، ونُسَخَاً لأهل البيت برواية جعفر بن محمّد، وقد حدّث عنه من الأئمّة مثل: ابن جريج، وشعبة بن الحجّاج، وغيرهم... وجعفر من ثقات الناس كما قال يحيى بن معين ) (2) .

10 - أبو عبد الرحمان السلمي (ت: 412 هـ):

قال في ( طبقات المشايخ الصوفيّة ): ( جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة ) (3) .

____________________

(1) الثقات: 6 / 131، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، حيدر آباد الدكن، الهند.

(2) الكامل في الضعفاء: 2، 134، دار الفكر. ونقله ابن حجر بلفظ قريب من ذلك في ( تهذيب التهذيب )، 2 / 69، واللفظ المذكور من كتاب التهذيب.

(3) ذكره محمّد الخواجة البخاري في ( فصل الخطاب ). ونقله عنه القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

٢٤٤

11 - أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت: 428 هـ):

قال في ( رجال مسلم ): ( جعفر بن محمّد الصادق... وكان من سادات أهل البيت فقهاً، وعلماً، وفضلاً ) (1) .

12 - أبو نعيم الأصبهاني (ت: 430 هـ):

قال في ( حلية الأولياء ) عند ترجمة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): (.. الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع ) (2) .

13 - محمّد بن طاهر بن علي المقدسي (ت: 507 هـ):

قال في كتابه ( الجمع بين رجال الصحيحين ): ( جعفر بن محمّد الصادق، وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ( رضي الله عنهم )، يُكنّى أبا عبد الله... وكان من سادات أهل البيت... روى عنه عبد الوهاب الثقفي، وحاتم بن إسماعيل، ووهيب بن خالد، وحسن بن عيّاش، وسليمان بن بلال، والثوري، والداروردي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحفص بن غيّاث، ومالك بن أنس، وابن جريج... ) (3) .

14 - أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت: 548 هـ):

قال في ( الملل والنحل ): ( جعفر بن محمّد الصادق، هو ذو علم غزير، وأدب كامل في الحكمة، وزهد في الدنيا، وورع تامّ عن الشهوات، وقد أقام

____________________

(1) رجال مسلم: 1 / 120، دار المعرفة.

(2) حلية الأولياء: 3 / 176، دار إحياء التراث العربي.

(3) الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 70، دار الكتب العلميّة.

٢٤٥

بالمدينة مدّة يُفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرارَ العلوم، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّة، ما تعرّض للإمامة قط، ولا نازع في الخلافة أحداً، ومَنْ غرق في بحر المعرفة لم يقع في شط، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يَخَفْ مَن حطّ ) (1) .

15 - جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597 هـ):

قال في تاريخه ( المنتظم ) عند ذكر وفيات سنة: (148 هـ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله جعفر الصادق... كان عالماً، زاهداً، عابداً... ) (2) .

وقال في كتابه ( صفة الصفوة ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام )، يكنّى أبا عبد الله، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق. كان مشغولاً بالعبادة عن حبّ الرياسة... ) (3) .

16 - أبو سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (ت: 562 هـ):

قال في كتاب ( الأنساب ): ( الصادق: بفتح الصاد، وكسر الدال المهملتَين، بينهما الألف وفي آخرها القاف، هذهِ اللفظة لقب لجعفر الصادق، لصدقه في مقاله... ) (4) .

____________________

(1) الملل والنحل: 1 / 166، دار المعرفة.

(2) المنتظم: 8 / 110 - 111، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

(3) صفة الصفوة: 2 / 168، عند ذكر الطبقة الخامسة من أهل المدينة، رقم: 186، دار المعرفة.

(4) الأنساب: 3 / 507، دار الجنان، بيروت.

٢٤٦

17 - الفخر الرازي، محمّد الرازي فخر الدين بن ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري (ت: 604 هـ):

قال في تفسيره عند ذكره معاني كلمة ( الكوثر ): ( والقول الثالث ( الكوثر ) أولاده، قالوا لأنّ هذهِ السورة إنّما نزلت ردّاً على مَن عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت، ثمّ العالَم ممتلئ منهم. ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر، والصادق، والكاظم، والرضا ) (1) .

18 - عزّ الدين، ابن الأثير الجزري (ت: 630 هـ):

قال في ( اللباب في تهذيب الأنساب ): ( الصادق... هذهِ اللفظة تُقال لجعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهو المشهور بالصادق، لُقّبَ به لصدقه في مقاله وفعاله... ومناقبه مشهورة ) (2) .

19 - محمّد بن طلحة الشافعي: (ت: 652 هـ):

قال في كتابه ( مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ): ( هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم السلام ذو علوم جَمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن، ويستخرج من بحر جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تُذكِّر الآخرة، واستماع كلامه يُزهد في الدنيا، والاقتداء

____________________

(1) تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: مجلّد16/ ج32/ 125، دار الفكر.

(2) اللباب في تهذيب الأنساب: 2 / 3، دار الفكر، طبعة جديدة ومنقّحة بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر.

٢٤٧

بِهَدْيِهِ يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة.

نقل عنه الحديث، واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عُيَيْنَة، وشعبة، وأيّوب السجستاني وغيرهم (رض)، وعدّوا أَخْذَهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلة اكتسبوها )

إلى أنْ قال: ( وأمّا مناقبه وصفاته، فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عدد الإحاطة بحكمها، تُضاف إليه وتروى عنه.

وقد قيل إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السلام، وإنّ في هذهِ المنقبة سنيّة، ودرجة في مقام الفضائل عليّة، وهي نبذة يسيرة مما نقل عنه ) (1) .

20 - يوسف بن فرُغلي بن عبد الله سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ):

قال في ( تذكرة الخواص ): ( وهو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... ويلقّب بالصادق، والصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه الصادق )، ثمّ ذكر قول علماء السّير بأنّ الإمام الصادق: كان قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة ).

ونقل قول عمرو بن أبي المقدام، وهو: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ).

____________________

(1) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 2 / 111، مؤسّسة أمّ القرى.

٢٤٨

كما ذكر طرفاً من أخباره وإرشاداته ومكارم أخلاقه (1) .

21 - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 هـ):

نقل في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) نصّ ما تقدّم ذكره عن أبي عثمان الجاحظ، مقرّاً له عليه (2) .

وقد ذكر في نفس الفصل أيضاً عند تطرّقه لذكر الإمام الباقر ( عليه السلام ) ما نصّه: ( وهو سيّد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ) (3) .

22 - أبو زكريّا محيي الدين بن شرف النووي (ت: 676 هـ):

قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ): ( الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني الصادق... روى عنه محمّد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريج، وشعبة، ويحيى القطان، وآخرون. واتّفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، قال عمر بن أبي المقدام: كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (4) .

23 - أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خِلَّكان (ت: 681 هـ):

قال في كتابه ( وفيات الأعيان ): ( أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد

____________________

(1) تذكرة الخواص: 307، مؤسّسة أهل البيت، بيروت، لبنان.

(2) شرح نهج البلاغة: 15 / 274 و278، دار الكتب العلميّة، المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

(3) المصدر نفسه: 277.

(4) تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 155، دار الفكر.

٢٤٩

الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر مِن أنْ يُذكر. وله كلام في صناعة الكيمياء والزجر والفأل (1) ، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرسوسي قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمئة رسالة...

تُوفّي في: شوّال، ثمان وأربعين ومئة بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي، رضي الله عنهم أجمعين، فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.. ) (2) .

24 - شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ):

قال في ( تذكرة الحفّاظ ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام... وثّقه الشافعي ويحيى بن معين. وعن أبي حنيفة قال: ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد، وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله. وعن صالح بن أبي الأسود سمعتُ جعفر بن محمّد يقول: ( سلوني قبل أنْ تفقدوني فإنّه لا يحدّثكم أحد بعد بمثل حديثي )، وقال هياج بن بسطام: كان جعفر الصادق يُطْعِم حتّى لا يبقى لعياله شيء، قلتُ [ أي الذهبي ]: مناقبُ هذا السيّد

____________________

(1) انظر: التنبيه في آخر هذا الفصل.

(2) وفيات الأعيان: 1 / 307، دار الكتب العلميّة.

٢٥٠

جمّة... ) (1) .

وقال في ( سير أعلام النبلاء ): في الجزء الثالث عشر، عند ذكره للإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق: كبير الشأن، من أئمّة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور ) (2) .

كما ذكر له في الجزء السادس ترجمة طويلة فيها توثيقات ومدائح العديد من العلماء كالشافعي، ويحيى بن معين، وأبي زرعة، وأبي حنيفة وغيرهم، كما تفرّقت أقواله عن الإمام في طيّات هذهِ الترجمة:

فقد قال في أحد المواضع: ( شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني، أحد الأعلام ) (3) .

وقال في موضع آخر عنه وعن أبيه الباقر ( عليه السلام ): ( وكانا من جُلَّة علماء المدينة ) (4) .

وقال في موضع ثالث: ( جعفر: ثقة، صدوق ) (5) .

كما أنّ الذهبي ترجم الإمام ترجمة مطوّلة شبيهة بما في ( سير أعلام النبلاء ) وذلك في كتابه تاريخ الإسلام (6) . وقال في آخرها: ( مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة؛ لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه ).

____________________

(1) تذكرة الحفّاظ: 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي ( إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهنديّة ).

(2) سير أعلام النبلاء: 13 / 120، مؤسّسة الرسالة.

(3) المصدر نفسه: 6 / 255.

(4) المصدر نفسه: 6 / 255.

(5) المصدر نفسه: 6 / 257.

(6) تاريخ الإسلام: حوادث وفيات - 141 هـ - 160 هـ): 93 / دار الكتاب العربي.

٢٥١

25 - صلاح الدين الصفدي (ت: 764 هـ):

قال في كتابه ( الوافي بالوفيات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. هو المعروف بالصادق، الإمام العَلَم المدني... ) إلى أنْ قال: ( وحدّثَ عنه: أبو حنيفة، وابن جريج، وشُعبة، والسفيانان، ومالك، ووهيب، وحاتم بن إسماعيل، ويحيى القطان، وخلق غيرهم كثيرون آخرهم وفاةً أبو عاصم النبيل، وثّقه يحيى بن معين والشافعي وجماعة ).

ثمّ نقل توثيق ومدح أبي حنيفة وأبي حاتم المتقدّم ذكرهما...، إلى أنْ قال: ( وله مناقب كثيرة وكان أهلاً للخلافة؛ لسؤدده وعلمه وشرفه... وتُوفّي سنة: ثمان وأربعين ومئة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه علي زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه. ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله... ) (1) .

26 - أبو عبد الله أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (ت: 768 هـ):

قال في كتابه ( مرآة الجنان ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( فيها توفيّ الإمام السيّد الجليل، سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن أبي جعفر محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي، وأمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر... وُلِدَ سنة: ثمانين في المدينة الشريفة وفيها تُوفّي.

ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي رضوان الله عليهم أجمعين، وأكرِمْ بذلك القبر وما جمع من

____________________

(1) الوافي بالوفيات: 11 / 126 - 128، دار النشر: فرانز شتايز، شتوتغارت.

٢٥٢

الأشراف الكرام أُولي المناقب، وإنّما لقّب بالصادق؛ لصدقه في مقالته: وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمئة رسالة ) (1) .

27 - المحدّث محمّد خواجه بارساي البخاري (ت: 822 هـ):

قال في كتابه ( فصل الخطاب ): ( ومِن أئمّة أهل البيت أبو عبد الله جعفر الصادق ( رضي الله عنه )... وكان جعفر الصادق ( رضي الله عنه ) من سادات أهل البيت... روى عنه ابنه موسى الكاظم ( رضي الله عنه )، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو حنيفة، وابن جريج، ومالك، ومحمّد بن إسحاق، وسفيان الثوري، وسفيان بن عُيَيْنَة، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان ( رحمهم الله )، واتّفقوا على جلالته وسيادته ) (2) .

28 - الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ):

قال في ( تقريب التهذيب ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، المعروف بالصادق، صدوق فقيه إمام، من السادسة، مات سنة: ثمان وأربعين [ أي 148 هـ ] ) (3) .

____________________

(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان: 1 / 238، دار الكتب العلميّة.

(2) نقله القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

(3) تقريب التهذيب: 1 / 91، دار الفكر للطباعة والنشر.

٢٥٣

ونقل في كتابه ( تهذيب التهذيب ) مدائح العديد من العلماء وتوثيقاتهم للإمام سلام الله عليه كالشافعي، وابن معين، وأبي حاتم، والنسائي، وابن عدي، وابن حِبَّان وغيرهم، كما أرسل قول عمرو بن أبي المقدام إرسال المسلّمات، فقال:

قال عمرو بن أبي المقدام: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (1) .

29 - ابن الصبّاغ المالكي (ت: 855 هـ):

قال في كتابه ( الفصول المهمّة ): ( كان جعفر الصادق ( عليه السلام ) من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم من بعده، برز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث، وروى عنه جماعة من أعيان الأمّة، مثل:

يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وأبو عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم، وصّى إليه أبو جعفر ( عليه السلام ) بالإمامة وغيرها وصيّة ظاهرة، ونصّ عليه نصّاً جلياً ) إلى أنْ قال:

( وأمّا مناقبه فتكاد تفوت من عدّ الحاسب، ويحير في أنواعها فهم اليقظ الكاتب، وقد نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب، الذي يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي هو من كلامه، وله فيه المنقبة السنيّة والدرجة التي هي في مقام الفضل عَلِيَّة )، وقال في آخر الفصل:

( مناقب أبي جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على

____________________

(1) انظر: (تهذيب التهذيب): 2 / 68 - 70، دار الفكر.

٢٥٤

جهات الأيّام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهِلَة.

مات الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام سنة: ثمان وأربعين ومئة، في شوّال... وقبره في البقيع، دُفن في القبر الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه... ) (1) .

30 - عبد الرحمان بن محمّد الحنفي البسطامي (ت: 858 هـ):

قال في ( مناهج التوسّل ): ( جعفر بن محمّد، ازدحم على بابه العلماء، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء، وكان يتكلّم بغوامض الأسرار وعلوم الحقيقة وهو ابن سبع سنين ) (2) .

31 - المؤرّخ يوسف بن تغري بردي، جمال الدين الأتابكي (ت: 874هـ):

قال في ( النجوم الزاهرة ) عند ذكره لأحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفّي جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، الإمام السيّد أبو عبد الله الهاشمي العلوي الحسيني المدني... وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة، وكان يلقّب بالصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه: الصادق... حدّث عنه أبو حنيفة، وابن جريج، وشعبة، والسفيانان ومالك، وغيرهم، وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد ) (3) .

____________________

(1) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة: 211 - 219 دار الأضواء.

(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 55 عن ( مناهج التوسّل ): 106.

(3) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: 2 / 8، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والطباعة والنشر، نسخة مصوّرة على طبعة دار الكتب.

٢٥٥

32 - محمّد بن سراج الدين الرفاعي (ت: 885 هـ):

قال في ( صحاح الأخبار ): (قال العميدي: وُلِد الصادق بالمدينة، يوم الجمعة عند طلوع الفجر، سنة: ثلاث وثمانين من الهجرة... وعاش خمساً وستّين سنة، وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، وقد نقل الناس عنه على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم ما سارت به الركبان، وقد عُدّ أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل... ) (1) . وواضح من اسم الكتاب ومقدّمته أنّه يتبنّى كلّ ما جاء فيه.

33 - أحمد بن عبد الله الخزرجي (ت: بعد 923 هـ):

قال في ( خلاصته ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله، أحد الأعلام... [ حدّث ] عنه خَلْق كثير لا يحصون، منهم ابنه موسى، وشعبة، والسفيانان، ومالك، قال الشافعي: وابن معين، وأبو حاتم، ثقة ) (2) .

34 - شمس الدين محمّد بن طولون (ت: 953 هـ):

قال في ( الأئمة الاثنا عشر ): ( وهو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

كان من سادات أهل البيت ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله

____________________

(1) صحاح الأخبار في نَسَب السادة الفاطميّة الأخيار: 44، الركابي المصوّرة على طبعة نخبة الأخبار في الهند.

(2) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال: 63، نشر مكتبة المطبوعات الإسلاميّة بحلب.

٢٥٦

أشهر مِن أنْ يُذكر ) (1) .

35 - الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي (ت: 974 هـ):

قال في ( الصواعق المحرقة ) في آخر كلامه عن الإمام الباقر ( عليه السلام ): ( وخلّف ستّة أولاد، أفضلهم وأكملهم جعفر الصادق، ومن ثمّ كان خليفته، ووصيّه، ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيتُه في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر كيحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك، والسفيانَين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيّوب السختياني... ) (2) .

36 - الملاّ علي القاري (ت: 1014 هـ):

قال في ( شرح الشفا ): (جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق... متّفق على إمامته وجلالته وسيادته ) (3) .

37 - أحمد بن يوسف القرماني (ت: 1019 هـ):

قال في ( أخبار الدول ) عند ترجمته الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): ( كان [ رضي الله عنه ] من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، ونقل عنه من العلوم ما لم ينقل من غيره.

وكان رأساً في الحديث، روى عنه يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني،

____________________

(1) الأئمّة الاثنا عشر: 85، منشورات الشريف الرضي.

(2) الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البِدَع والزندقة: 305، دار الكتب العلميّة.

(3) شرح الشفا: 1 / 43 - 44، دار الكتب العلميّة.

٢٥٧

وغيرهم. وُلِد بالمدينة سنة: ثمانين من الهجرة... )، إلى أن قال:

( ومناقبه كثيرة، تُوفّي في سنة: ثمان وأربعين ومئة وله من العمر ثمان وستّون سنة، وقيل: إنّه مات مسموماً في زمن المنصور. ودُفِنَ بالبقيع الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه [ من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه ] ) (1) .

38 - محمّد بن عبد الرؤوف المنّاوي القاهري (ت: 1031 هـ):

قال في ( الكواكب الدريّة ): ( جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... كان إماماً نبيلاً... قال أبو حاتم: ( ثقة لا يُسأل عن مثله )، وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة:

منها: أنّه سُعي به عند المنصور، فلمّا حجّ أحضر الساعي وقال للساعي: أتحلف؟

قال: نعم، فحلف.

فقال جعفر للمنصور: حلّفهُ بما أراه.

فقال: حلِّفه؟

فقال: قل برئتُ مِن حول الله وقوّته والْتَجَأْتُ إلى حولي وقوّتي، لقد فعل جعفر كذا وكذا، فامتنع الرجل، ثمّ حلف، فَمَا تمّ حتّى مات مكانه.

ومنها: أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل ليلته يصلّي ثمّ دعا عليه عند السحر فسُمِعَت الضجّة بموته.

ومنها: أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عبّاس الكلبي في عمّه زيد:

صَلَبْنَا لَكُمْ زَيْدَاً عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ

وَلَمْ نَرَ مَهْدِيَّاً عَلَى الجِذْعِ يُصْلَبُ

قال: اللّهم سلّط عليه كلباً من كلابك، فافترسه الأسد... ) (2) .

____________________

(1) أخبار الدول وآثار الأول: 1 / 334 - 336، عالم الكتب، وقد أثبتنا الأقواس كما هي في النسخة التي اعتمدنا عليها، أمانةً للنقل.

(2) الكواكب الدريّة: 94، وورسة تجليد الأنوار، مصر.

٢٥٨

39 - أحمد بن شهاب الدين الخفاجي (ت: 1069 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق، أبو عبد الله بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، روى عنه كثيرون، كمالك والسفيانان وابن جريح وابن إسحاق، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، وُلِدَ سنة: 80 هـ، وتُوفّي سنة: 148 هـ قيل مسموماً، وثّقه في روايته: الشافعي، وابن معين، وأبو حاتم، والذهبي، وهو مِن فضلاء أهل البيت وعلمائهم ) (1) .

40 - الشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت: بعد 1083 هـ):

قال في كتابه ( نور الأبصار ) تحت عنوان: فصل في ذكر مناقب سيّدنا جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: (... ومناقبه كثيرة تكاد تفوت عدّ الحاسب، ويُحار في أنواعها فَهْم اليَقِظ الكاتب، روى عنه جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم كيحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وأيّوب السختياني، وغيرهم.

قال أبو حاتم جعفر: الصادق ثقة لا يُسأل عن مثله... وفي حياة الحيوان الكبرى، فائدة، قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب وكتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر رضي الله عنهما فيه كلّ ما يحتاجون علمه إلى يوم القيامة، وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله:

لَقَد عَجِبُوا لآلِ البَيْتِ لَمّا

أَتَاهُم عِلْمُهُم فِي جِلْد جَفْرِ

____________________

(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 59، ونقله محمّد علي دخيل في ( أئمّتنا ): 1/485 عن ( شرح الشفا ): 1 / 124.

٢٥٩

وَمِرْآةُ المُنَجِّمِ وَهِيَ صُغْرَى

تُرِيْهِ كُلَّ عَامِرَةٍ وَقَفْرِ

... وفي الفصول المهمّة: نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي من كلام جعفر الصادق، وله فيه المنقبة السَّنيَّة، والدرجة التي في مقام الفضل عَلِيَّه، و ( كان ) جعفر الصادق رضي الله عنه مجاب الدعوة، إذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه... ) (1) .

41 - شهاب الدين أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمّد بن العماد الحنبلي (ت: 1089 هـ):

قال في كتابه ( شذرات الذهب ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفِّي الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي... وكان سيّد بني هاشم في زمانه، عاش ثمانياً وستّين سنة وأشهراً.

ووُلِدَ سنة: ثمانين بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبّة أبيه وجدّه وعمّ جدّه الحسن، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمّن رسائله، وهي خمسمئة، وهو عند الإماميّة من الاثني عشر بزعمهم...

وقال في ( المغني ): جعفر بن محمّد بن علي ثقة... وقد وثّقه ابن معين وابن عدي... ) (2) .

42 - حسين بن محمّد الديار بكري (ت: 1111 هـ):

قال في ( تاريخ الخميس ): ( وفي سنة: ثمان وأربعين ومئة، تُوفّي سيّد بني

____________________

(1) نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار: 160 - 161، دار الفكر، طبعة مصوّرة على طبعة القاهرة، 1948م.

(2) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: 1 / 362، دار الكتب العلميّة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320