الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية18%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99349 / تحميل: 7781
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

إلى النبي إبراهيم عليه‌السلام ، وأنه لأجل ذلك استأهلت تلك الأماكن أن تكون مواطن لعبادة اللَّه، وأن الحج جعل عبادة توحيدية عظيمة بوسيلة التوجّه بأنبياء اللَّه في الأعمال والنسك التي يؤتى بها، حيث أضيفت إليهم عليهم‌السلام ، وسيأتي مزيد من الإيضاح لذلك في بقية مقامات الحج.

ولأجل ذلك كلّه ورد الحثّ عن أهل البيت عليهم‌السلام لأصحابهم بالتواجد في الأماكن التي شهدها النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وتشرّفت بحلوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها.

من ذلك ما ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام ؛ حيث قال لعبد الأعلى: (إذا مررت بوادي محسّر، فاسعَ فيه، فإن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سعى فيه) (١) .

وعن عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام إنا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيِّها أبدأ؟ فقال: (ابدأ بقبا، فصلِّ فيه واكثر؛ فإنه أوّل مسجد صلّى فيه رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه العرصة، ثم ائتِ مشربة أم إبراهيم فصلِّ فيها؛ فإنها مسكن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلّاه) (٢) .

كذلك عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال لمعاوية بن عمّار: (لا تدع إتيان المشاهد كلّها؛ مسجد قبا فإنه المسجد الذي أسّس على التقوى من أوّل يوم، ومشربة أمّ إبراهيم، ومسجد فضيخ، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب؛ وهو مسجد الفتح) (٣) .

والروايات في هذا المجال كثيرة جدّاً نكتفي منها بهذا المقدار.

هذه هي الآية الأولى من الآيات البيّنات في المسجد الحرام.

____________________

(١) الطوسي، تهذيب الأحكام، ج ٥، ص ١٩٥.

(٢) الكافي، ج٣، ص٥٦٠.

(٣) الكافي، ج٣، ص٥٦٠.

٨١

حجر إسماعيل:

لقد ورد في الروايات أن حجر إسماعيل يضمّ قبره وقبر أمه هاجر وقبر سبعين نبيّاً أو تسعة وتسعين.

ففي الكافي عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن الحجر: أمن البيت هو أو فيه شي‏ء من البيت؟ فقال: (لا، ولا قُلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن أمه فيه، فكره أن توطأ، فحجّر عليه حجراً، وفيه قبور أنبياء) (١) .

وقال السيوطي في الدرّ المنثور: (وتوفّي إسماعيل بعد أبيه، فدفن داخل الحجر ممَّا يلي الكعبة مع أمَّه هاجر) (٢) .

وأخرج القرطبي في تفسيره، عن عبد اللَّه بن ضمرة السلولي: (ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيّاً) (٣) .

وفي الطبقات لابن سعد، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: (لمَّا بلغ إسماعيل عشرين سنة، توفِّيت أمه هاجر وهي ابنة تسعين سنة، فدفنها إسماعيل في الحجر) (٤) .

وأخرج أيضاً عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال: (أوحى اللَّه على إبراهيم عليه‌السلام أن يبني البيت وهو يومئذٍ ابن مائة سنة وإسماعيل يومئذٍ ابن ثلاثين سنة، فبناه معه، وتوفّي إسماعيل بعد أبيه، فدفن داخل الحجر ممَّا يلي الكعبة مع

____________________

(١) الكليني، الكافي، ج ٤، ص ٢١٠.

(٢) الدر المنثور، ج٣، ص١٠٣، وكذا الحسن البصري، فضائل مكَّة، ص٢٠، والحموي، معجم البلدان، ج٢، ص٢٢١.

(٣) تفسير القرطبي، ج٢، ص١٣٠.

(٤) الطبقات الكبرى، ج١، ص٥٢.

٨٢

أمه هاجر) (١) .

وفي كتاب فضائل مكّة للحسن البصري، عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (إن حول الكعبة قبر ثلاثمائة نبيّ، وما بين الركن اليماني والركن الأسود قبر سبعين نبيّاً) (٢) .

ثُم إن من طاف حول الكعبة بإخراج حجر إسماعيل، فطوافه باطل، وقد نصّ على ذلك الفقهاء من الفريقين. أمَّا فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، فهو واضح، وقد صرّحت بذلك روايات أهل البيت عليهم‌السلام . وأمَّا فقهاء أهل سنّة الجماعة، فقد صرّحوا بهذه الحقيقة أيضاً، ففي مواهب الجليل للرعيني، قال: (وقال ابن مسدي في منسكه: وأمَّا قولنا (ويطوف من وراء حجر إسماعيل)، فهو الإجماع. ثم اختلفوا؛ فقال أصحاب الرأي: يطوف من وراء الحجر استحباباً. وقال جمهور العلماء بالوجوب. إلى أن قال: ثم اتفقوا على أن من طاف ببناء البيت الظاهر ولم يُدخل الحجر في طوافه أنه يعيد الطواف ما دام بمكّة، ثم اختلفوا، فقال أبو حنيفة ومَن تبعه: يعيد استحباباً. وقال جمهور العلماء: يعيد وجوباً؛ لأنه كمَن لم يطف، فإن لم يذكر حتى انصرف إلى بلاده، فقال ابن عباس: هو كمَن لم يطف. وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وغيرهم من أهل العلم، وقالوا: عليه أن يرجع من حيث كان، يطوف من وراء الحجر) (٣) .

وقال الشافعي: (وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحجر ووراء شاذروان

____________________

(١) الطبقات الكبرى، ج١، ص٥٢.

(٢) فضائل مكّة والسكن فيها، ص ٣٠.

(٣) الحطّاب الرعيني، مواهب الجليل، ج٤، ص١٠١.

٨٣

الكعبة، فإن طاف بالبيت وجعل طريقه من بطن الحجر أعاد) (١) .

وعن ابن عباس: (من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر) (٢) .

وليس ذلك إلّا لكون الحجر من تلك الآيات التي عرّف اللَّه (عزّ وجل) بيته المبارك بها، والطواف فيه نوع من المدارية والمحورية للكعبة الشريفة، فحينما يتمحور الحاج ويدور ويطوف حول الكعبة التي تشرّفت بحجج اللَّه وآياته، فإن ذلك معناه أن تلك الآيات هي الأبواب إلى اللَّه (عزّ وجلّ) وبها يُعبد ويقصد ويتوجّه إليه.

فإسماعيل، وهو نبيّ من الأنبياء على ملّة أبيه إبراهيم حنيفاً مسلماً، ويعلم أن الكعبة أوّل بيت وضع للناس كافّة ولجميع الأجيال مناراً للعبادة والطهارة والتوحيد، مع ذلك قام ببناء قبر لأمّه، وهي وليّة من الأولياء، مع سبعين نبياً من الأنبياء، وجعل الطواف كما هو طواف بالكعبة طواف بقبر أمه وكذا قبره وقبر سبعين أو أكثر من الأنبياء.

والقرآن يأتي بعد ذلك ويقرّ هذه الحقيقة ويجعلها من الأمور التربوية للمسلمين، فيقول: إن هذا البيت معرفته وشرفه أنه فيه آيات بيّنات، هي قبور الأنبياء والأولياء.

ففي تشريع الملّة الحنيفية أن قبور الأنبياء تقصد ويتوجّه إليها ويطاف بها، وهذا من التوحيد التام، لا سيما وأن اللَّه (عزّ وجل) أمر إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت من الشرك والمشركين، قال تعالى: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ

____________________

(١) الشافعي، الأم، ج٢، ص١٩٣.

(٢) البخاري، ج٤، ص٢٣٨.

٨٤

طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (١) ومن تشريعات الملّة الحنيفية، التي توجب الطهارة من الشرك والتشرف بمعالم التوحيد ويكون ذلك البيت أعظم وأطهر مسجد في الأرض يُعبد فيه اللَّه تعالى، هي الآيات البيّنات؛ قبر إسماعيل وهاجر وعدد كبير من الأنبياء، ويكون الطواف كما هو طواف بالكعبة طواف بالقبور والآيات، التي بها كان البيت طاهراً من الشرك ومباركاً وهدى للعالمين.

إذن، الطواف الذي هو صلاة لابدّ أن يتوجّه فيه إلى القبور، ولابدّ من الدخول إلى البيت من أبوابه وإلّا كان الطواف باطلاً، ولم يكن البيت هدى للعالمين، هذه هي الملّة الحنيفية.

المستجار أو الملتزم:

هذه هي الآية الثالثة من آيات المسجد الحرام، وهذه الآية الإلهية في نفس جدار الكعبة ممَّا يقرب من الركن اليماني ويقابل من جهته الأخرى باب الكعبة، الذي يقرب من الحجر الأسود، وفي نصوص الفريقين يستحب التزام الكعبة وأن يستجير الداعي باللَّه تعالى في ذلك المكان.

أمَّا الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، فهي كثيرة جدّاً:

فعن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه عليه‌السلام : (إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخّر الكعبة، وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، فابسط يديك وألصق بدنك وخدّك البيت، وقل: اللّهمّ البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان

____________________

(١) البقرة، ١٢٥.

٨٥

العائذ بك من النار، ثم أقرّ لربّك بما عملت، فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر اللَّه له إن شاء اللَّه) (١) .

كذلك عنه عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (لمَّا طاف آدم بالبيت وانتهى إلى الملتزم، قال له جبرئيل: يا آدم، أقرّ لربّك بذنوبك في هذا المكان. إلى أن قال: فأوحى اللَّه إليه: يا آدم، قد غفرت لك ذنبك، قال: يا ربّ ولولدي أو لذرِّيَّتي، فأوحى اللَّه (عزّ وجل) إليه: يا آدم، من جاء من ذرِّيتك إلى هذا المكان وأقرّ بذنوبه وتاب كما تبت ثم استغفر غفرت له) (٢) .

وغيرها من الروايات في هذا المجال.

وقال الشربيني في مغني المحتاج: (الدعاء يستحبّ في خمسة عشر موضعاً بمكة: في الطواف، والملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، ومزدلفة، ومنى، وعند الجمرات الثلاث) (٣) .

وفي حواشي الشرواني، أخرج ذلك عن الحسن البصري (٤) .

والمضمون ذاته جاء في مواهب الجليل للحطّاب الرعيني (٥) .

وقال الشافعي: (وأُحبّ له إذا ودّع البيت أن يقف في الملتزم، وهو بين الركن والباب، فيقول: اللّهمّ إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك،

____________________

(١) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٣، ص٣٤٥.

(٢) وسائل الشيعة، ج١٣، ص٣٤٧.

(٣) الشربيني، مغني المحتاج، ج١، ص٥١١.

(٤) حواشي الشرواني، ج٤، ص١٤٣.

(٥) مواهب الجليل، ج٤، ص١٥٨.

٨٦

حملتني على ما سخّرت لي من خلقك، حتى سيّرتني في بلادك وبلّغتني بنعمتك، حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عنّي فازدد عنّي رضاً، وإلّا فمِن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري) (١) ، وقال النووي بعد ذكره لهذا الدعاء: (واتفق الأصحاب على استحبابه) (٢) .

وقال النووي أيضاً عندما ذكر الملتزم: (سمّي بذلك لأن الناس يلزمونه عند الدعاء) (٣) .

وقال أيضاً: (قال القاضي أبو الطيّب في تعليقه: قال الشافعي في مختصر كتاب الحجّ: إذا طاف للوداع استحبّ أن يأتي الملتزم فيلصق بطنه وصدره بحائط البيت ويبسط يديه على الجدار، فيجعل اليمنى ممَّا يلي الباب واليسرى ممَّا يلي الحجر الأسود، ويدعو بما أحبَّ من أمر الدنيا والآخرة). إلى أن قال: (وعن ابن عباس أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: ما بين الركن والباب يُدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل اللَّه (عزّ وجل) شيئاً إلّا أعطاه إيّاه) (٤) .

وأخرج البيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: (رأيت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يُلزق وجهه وصدره بالملتزم) (٥) ، وكذا أخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ما بين الركن والمقام

____________________

(١) الشافعي، الأم، ج٢، ص٢٤٣.

(٢) النووي، المجموع، ج٨، ص٢٥٨.

(٣) المصدر، ج٨، ص١٣.

(٤) المصدر، ج٨، ص٢٦١.

(٥) السنن الكبرى، ج٥، ص١٦٤.

٨٧

ملتزم ما يدعو به صاحب عاهة إلّا برأ) (١) .

فالمستجار والملتزم معلم من معالم الطواف والكعبة، وهو الموضع الذي انشقّ الجدار منه لفاطمة بنت أسد(رضوان اللَّه عليها)، عندما أخذها الطلق بسيّد الأوصياء عليه‌السلام ، حيث استجارت بالكعبة الشريفة من ذلك الموضع، فانشقّ لها الجدار ودخلت الكعبة وولدت أمير المؤمنين عليه‌السلام فيها، كما نصّت على هذه الملحمة التأريخية كتب الحديث والسير والتواريخ من الفريقين:

أخرج الصدوق في علل الشرائع بسنده عن سعيد بن جبير قال: (قال يزيد بن قعنب كنت جالساً مع العبَّاس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزّى بإزاء البيت الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه‌السلام - وكانت حاملة به تسعة أشهر - وقد أخذها الطّلق، فقالت: ربّ إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه‌السلام وإنه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لَمَا يسّرت عليّ ولادتي. قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من اللَّه تعالى، ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه‌السلام ... إلى آخر القصة) (٢) .

وقال الحاكم النيسايوري في مستدركه: (تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(كرم اللَّه وجهه) في جوف الكعبة) (٣) .

____________________

(١) الطبراني، المعجم الكبير، ج١، ص٢٥٤.

(٢) علل الشرائع، ج١، ص١٣٥، وكذا الأربلي، كشف الغمة، ج١، ص٦١.(٣) المستدرك، ج٣، ص٤٨٤.

٨٨

وقال ابن الصباغ المالكي: (ولد عليّ عليه‌السلام بمكة المشرّفة بداخل البيت الحرام). إلى أن قال:(ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته) (١) .

وهذه آية آخرى وشعيرة أخرى من شعائر البيت الحرام، حيث يتأسّى الطائف ويتوسل ويتبرّك بموضع له صلة بأمير المؤمنين وأمه فاطمة بنت أسد، من أجل قبول الدعاء وغفران الذنوب.

السعي بين الصفا والمروة:

قال اللَّه (عزّ وجل): ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (٢) ، والصفا والمروة محلّ هبوط آدم وحوّاء ولبركة هبوطهما جُعلا من شعائر اللَّه وآياته، وسمّيا بهذين الاسمين، لهبوط آدم وحوّاء عليهما؛ حيث ورد في الروايات أن آدم لمَّا نزل على الصفا، وهو صفيّ اللَّه تعالى، سُمّي الصفا، ولمَّا نزلت حوّاء على المروة سُمّيت مروة؛ لأنها مرأة فاشتقّ منها مروة.

وأمَّا في تشريع السعي بين الصفا والمروة، فورد أن هاجر سعت بين الصفا والمروة لاستطلاع وجود الماء سبع مرات، فشرّع كذلك.

وإليك بعض تلك الروايات:

عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام قال: (إن آدم عليه‌السلام لمَّا هبط إلى الأرض أُهبط على

____________________

(١) ابن الصبَّاغ المالكي، الفصول المهمة، ص١٧١.

(٢) البقرة: ١٥٨.

٨٩

الصفا ولذلك سُمّي الصفا؛ لأن المصطفى هبط عليه، فقطع للجبل اسم من اسم آدم، يقول اللَّه (عزّ وجل): (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)(١)، وأُهبطت حوّاء على المروة؛ وإنما سُمّيت المروة لأن المرأة هبطت عليها، فقطع للجبل اسم من اسم المرأة، وهما جبلان عن يمين الكعبة وشمالها) (٢) .

كذلك عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (إن إبراهيم عليه‌السلام لمَّا خلّف إسماعيل بمكّة عطش الصبي، وكان فيما بين الصفا والمروة شجر، فخرجت أمه حتى قامت على الصفا، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، فمضت حتى انتهت إلى المروة، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، ثم رجعت إلى الصفا، فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعاً؛ فأجرى اللَّه ذلك سنّة) (٣) .

وعن ابن عباس في حديثه عن هاجر أم إسماعيل قال: (ثم جاء بها إبراهيم عليه‌السلام وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت، وليس بمكّة يومئذٍ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقاً). إلى أن قال: (فجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجاع، وجعلت تنظر إليه يتلوّى ( أو قال: يتلبّط ) فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا

____________________

(١) آل عمران: ٣٣.

(٢) الكافي، ج٤، ص١٩١.

(٣) الصدوق، علل الشرائع، ج ٢، ص ٤٣٢.

٩٠

بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحداً، فلم ترَ أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فلذلك سعى الناس بينهما)) (١) .

إذاً بسبب الأنبياء والأصفياء والأولياء، كآدم وإسماعيل وحوّاء وهاجر جعل منسك السعي بين الصفا والمروة من مناسك الحجّ والتوحيد.

والباري تعالى عبّر عن هذه الآية بأنها من شعائر اللَّه، وهو ذات التعبير بكونها آيات بيّنات، أي محلّ هداية للعالمين وآية وعلامة وشعيرة بيّنة من معالم التوحيد.

فالمسجد الحرام والبيت الشريف بورك به وكانت له تلك المنزلة الرفيعة؛ لمَّا حلّ فيه من الوسائل والوسائط والآيات والشعائر الهادية إلى التوحيد، وهم الأنبياء والأصفياء ومقاماتهم، التي أصبحت أقرب الوسائل إلى اللَّه عزّ وجل.

بئر زمزم:

من الأمور التي سنّها اللَّه (عزّ وجل) بعد طواف الحجّ الشرب من ماء زمزم، الذي نبع ببركة هاجر وإسماعيل عليه‌السلام ، فأصبح من أعمال الحجّ الندبية. فهو من توابع البيت الحرام وآية من آياته؛ لِمَا له من الصلة بهاجر وإسماعيل.

أخرج البخاري عن ابن عباس في معرض حديثه عن هاجر أمّ إسماعيل:

(فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر

____________________

(١) النسائي، السنن الكبرى، ج٥، ص٥٩، وأحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، ص٨٢.

٩١

الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها عيناً معنياً، قال: فشربت وأرضعت ولدها) (١) .

وأمَّا من طرقنا، فقد أخرج القمي في تفسيره، أن هاجر لما سعت سبعة أشواط: (فلمّا كان في الشوط السابع وهي على المروة، نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله، فعادت حتى جمعت حوله رملاً، فإنه كان سائلاً فزمّته بما جعلته حوله؛ فلذلك سُمّيت: زمزم) (٢) .

أعمال الحجّ ومناسكه:

لا ريب أن من لاحظ روايات الفريقين يجدها متّفقة على أن أعمال الحجّ كلّها لها صلة وثيقة في تشريعها بأنبياء اللَّه ورسله، فسُمّيت عرفة بهذا الاسم لاعتراف النبيّ آدم وإبراهيم عليهما‌السلام بذنوبهما (٣) ، وما يأتي به الحجّاج في يوم عرفة تأسّياً بما جاء به الأنبياء كآدم وإبراهيم عليهما‌السلام ، وكذا سمّيت المزدلفة بذلك؛ لأن آدم وإبراهيم أزدلفا من عرفات ليقتربا إلى البيت الحرام ويكون ذلك قُرباً حسّياً كناية عن القرب المعنوي، ومنى أيضاً سُمّيت بهذا الاسم إما لدعاء آدم وإبراهيم عليهما‌السلام وطلبهما لِمَا يأملان، أو لأجل طلبهما التطهّر من الأماني الباطلة،

____________________

(١) صحيح البخاري، ج٤، ص١١٤.

(٢) تفسير القمي، ج١، ص٦٢.

(٣) المراد من نسبة الذنب إلى النبيّ المعصوم هو ما يراه في نفسه من التقصير في طاعة اللَّه(عزّ وجل) لعظم حقّه، فالإنسان العارف باللَّه تعالى يجد نفسه مقصِّراً وإن كان في أعلى درجات الطاعة والعبادة؛ وذلك من باب أن حسنات الأبرار سيِّئات المقرَّبين، فالمقرَّب مُطالب بأدب إلهي أعظم ممَّا يطالب به الأبرار.

٩٢

كذلك الجمرات جعلت منسكاً لرمي آدم وإبراهيم عليهما‌السلام الشيطان في تلك المواضع.

إذن، الحجّ بكلّ أجزائه ومناسكه ومواطنه متعلّق ومتلوّن بأفعال الأنبياء والأولياء وأسمائهم، فهم أبواب بيت اللَّه وآياته البيّنات وشعائره الباسقات، فإذا أراد الحاج والموحّد أن يسلك السبيل إلى اللَّه(عزّ وجل) لابدّ أن يسلك ما سلكه أنبياء اللَّه ورسله ويحاذي في فعله سيرهم وسلوكهم، ويتوسَّل إلى اللَّه (عزّ وجل) في تلك المواضع التي سُمّيت بأسماء الأنبياء وأفعالهم؛ تذكيراً بهم وإحياءاً لأمرهم وتأكيداً على أن القصد والتوجّه إلى اللَّه(عزّ وجل) لا يُسلك إلّا بحجج اللَّه ورسله.

والحاصل: أن الحجّ بمجموعه آية بيّنة على أن العبد لا يمكنه أن يفد على اللَّه تعالى إلّا بالتوسُّل بذوات الأنبياء وأفعالهم وما يتَّصل بهم؛ لكونهم شعائر اللَّه وأبوابه التي لا سبيل للقصد إلى اللَّه(عزّ وجل) إلّا بها.

فائدة:

ممَّا ذكرنا سابقاً من ضرورة التمسّك بالآيات والحجج لحصول البركة والطهارة والهداية والوفود على اللَّه تعالى يظهر المعنى المراد من الروايات التي نصّت على أن زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة المعصوم والإقرار بالولاية له بعد إتمام مناسك الحجّ هي الطهارة العظمى، وأن قضاء التفث له معنى تأويلي غير المعنى التنزيلي هو لقاء الإمام المفروض الطاعة والإقرار له بالولاية؛ وذلك لأنه باب اللَّه الذي منه يؤتى والآية البيّنة التي لا يقبل عمل إلّا بالتوسُّل بها.

٩٣

أخرج الصدوق بسنده عن عبد اللَّه بن سنان عن ذريح المحاربي، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه‌السلام : إن اللَّه أمرني في كتابه بأمر فأحبّ أن أعلمه، قال عليه‌السلام : (وما ذاك؟) قلت: قول اللَّه(عزّ وجل): ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (١) قال: ( ( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) لقاء الإمام ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) تلك المناسك) (٢) .

قال عبد اللَّه بن سنان: فأتيت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام فقلت: جعلت فداك قول اللَّه (عزّ وجل): ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) ؟ قال عليه‌السلام : (أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك)، قال: قلت: جعلت فداك، فإن ذريحاً المحاربي حدّثني عنك أنك قلت له: ( ( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) لقاء الإمام ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) تلك المناسك)؟ فقال: (صدق ذريح وصدقت، إن للقرآن ظاهراً وباطناً، ومَن يحتمل ما يحتمل ذريح؟) (٣) .

فلابدّ من الورود على الإمام المعصوم المفروض الطاعة للطهارة من الشرك والهداية إلى التوحيد.

٤ - التوجّه إلى القبلة طاعة للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال تعالى: ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ) (٤) .

فإن هذه الآية المباركة صريحة في أن استقبال الكعبة المكرَّمة أو بيت

____________________

(١) الحج: ٢٩.

(٢) الكليني، الكافي، ج٤، ص٥٤٩.

(٣) معاني الأخبار، ص٣٤٠، ح١٠.

(٤) البقرة: ١٤٣.

٩٤

المقدس لم يكن الغرض منه نفس بيت المقدس أو الكعبة بما هي، بل من أجل استعلام الطوعانية والانصياع إلى سيّد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي بدورها تؤدّي إلى طاعة اللَّه تعالى.

إذن، لابدّ من توسيط ولاية النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعته في قبول العبادة، والاستكبار عليه وعدم الانصياع إلى أوامره بالاعتراض على القبلة التي يأمر بالتوجهّ إليها في العبادة اعتبرته الآية المباركة كفراً وارتداداً وانقلاباً على الأعقاب، كما فعلت ذلك قريش عندما اعترضت على النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بجعله بيت المقدس قبلة يتوجّه إليها في العبادة، واتهمته بأنه هوّد فتيان قريش.

٥ - المودّة لذريّة إبراهيم من شرائط الحجّ وغاياته:

قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الَّثمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) (١) .

هذه الآية المباركة من آيات الحجّ، التي تتعرّض لبيان ركن هامّ من أركان مناسك الحجّ أو العمرة.

بيان ذلك:

إن هذه الآيات القرآنية المباركة نصّت على أن إبراهيم عليه‌السلام جاء بذريَّته

____________________

(١) إبراهيم: ٣٥ - ٣٦ - ٣٧.

٩٥

وأسكنها البيت الحرام - بكلّ ما أحاط بذلك الإسكان من ملابسات وعناء ومشقّة ووحشة وغربة وجوع وعطش، بلا أنيس أو كفيل لتلك الذريّة الطاهرة سوى اللَّه تعالى - امتثالاً لأمر اللَّه عزّ وجل؛ لغايتين إلهيتين شريفتين اقتضتهما الحكمة الإلهية من ذلك الإسكان: إحداهما غاية متوسّطة، والأخرى غاية قصوى ونهائية تترتَّب على إسكان الذريّة إلى جنب المسجد الحرام.

الغاية الأولى: قول إبراهيم عليه‌السلام : ( رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة ) ، والمراد من ذلك عمارة المسجد الحرام وتشييد معالم الدين وأركان التوحيد؛ وذلك بإقامة الصلاة والطواف والسعي وبقيّة مناسك الحجّ وكافّة العبادات وجميع الشعائر الإلهية. والصلاة إنما ذكرت في الآية المباركة مثالاً لهذه الغاية.

وحاصل هذه الغاية هو جعل المركزية للكعبة المشرّفة في التوجّه إلى اللَّه تعالى لإقامة الدين ومناسك العبادة.

ولكن هذه الغاية غير كافية ولا مقبولة عند اللَّه عزّ وجلّ ما لم تتحقّق الغاية النهائية، التي أراد اللَّه تعالى تحقّقها من ذلك الإسكان.

الغاية الثانية: قول إبراهيم عليه‌السلام : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (١) ، فإن الفاء في قوله عليه‌السلام : ( فَاجْعَلْ ) للتفريع؛ وذلك لبيان أن لعمارة المسجد الحرام وإقامة الصلاة والحجّ وشعائر الدين غاية أخرى لابدّ من تحقّقها، وهي أن تهوى القلوب تلك الذريّة الطاهرة، التي أسكنها عند المسجد الحرام.

إذن، لابدّ أن يكون التوجّه إلى اللَّه تعالى في العبادات والشعائر الدينية بالكعبة المشرّفة، التي جعل إبراهيم عليه‌السلام لها المركزية والمحورية، بإسكان ذريّته فيها

____________________

(١) إبراهيم: ٣٧.

٩٦

لإقامة الصلاة، وكذا بالذريّة الطاهرة عن طريق هويّ القلب ومحبّتهم ومودّتهم والرجوع إليهم.

فالناس إذا توجّهوا إلى بيت اللَّه الحرام وجعلوه قبلة ومركزاً ومحوراً في مناسكهم العبادية، لابدّ أن يتوجّهوا أيضاً إلى الذريّة ويستعرضوا لهم المودّة والنصرة والطاعة والموالاة.

ومن ذلك يتضح أن هذه الآية المباركة من آيات المودّة في القربى، ولا يمكن فصل هذه الآية الكريمة عن الآيات التي ترسم ماهية الحجّ، فغاية الحجّ ومركزية مكّة لمعالم الدين محبّة تلك الذريّة وولايتهم، والمحبّة والولاية من شرائط الحجّ الغائية وكذا من شرائط استقبال الكعبة وقبول العبادات، فالولاية ركن من معالم الدين.

وإنَّ عزل الحج عن مبدأ الولاية والمودّة في القربى يكون وثناً من الأوثان وشركاً من فِعال الجاهلية.

والحاصل: إن الغاية من إسكان الذريّة المباركة في البيت المحرَّم جعل المحورية والمركزية إلى مكّة المكرمة والذريّة الطاهرة، فلا صلاة ولا حجّ من دون التوجّه إلى الكعبة، ولا قيمة للتوجّه إلى الكعبة ما لم يعقبه الازدلاف إلى الذريّة والمودّة في القربى.

من هم الذريّة الذين تهواهم أفئدة الحجاج والطائفين والركّع السجود؟

بعد أن تبين من الآية المذكورة أن مودّة وولاية الذريّة التي أسكنها إبراهيم عند المسجد الحرام ركن من أركان الدين وشرط في قبول العبادات، لابدّ من

٩٧

التعرّف على تلك الذريّة لكي يحرز الشخص دينه وعبادته بالتوجّه إليها ومودّتها.

وفي هذا المجال نقول:

إن هذه الذريّة من نسل إسماعيل، وهي الأمة المسلمة، التي جعلها اللَّه عزّ وجلّ كلمة باقية في عقب إبراهيم وإسماعيل عليه‌السلام لا تشرك باللَّه عزّ وجلّ طرفة عين في كلّ زمان.

قال تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١) ، ولا شك أن هذه دعوة مستجابة من إبراهيم وإسماعيل عليه‌السلام تكشف عن وجود بعض من ذريتهما، وهي الأمة المسلمة، بدرجة من الإسلام والتسليم التي نالها إبراهيم وإسماعيل، وهي ذرية باقية في عقبهما لا تشرك باللَّه تعالى أبداً، معصومة لها الولاية والإمامة على الناس؛ لأنها هي الذريّة الإبراهيمية التي طلب إبراهيم عليه‌السلام لها الإمامة، كما في قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) . وهذه الأمة المسلمة هي التي يُبعث فيها خاتم النبيين، الذي هو دعوة إبراهيم وإسماعيل؛ حيث قالا: ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٣) .

____________________

(١) البقرة: ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) البقرة: ١٢٤.

(٣) سورة البقرة: ١٢٩.

٩٨

أخرج ابن المغازلي في كتابه المناقب، بإسناده إلى عبد اللَّه بن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أنا دعوة أبي إبراهيم)، قلت: يا رسول اللَّه وكيف صرت دعوة إبراهيم أبيك؟ قال: (أوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى إبراهيم: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ، فاستخفّ إبراهيم الفرح، فقال: يا ربّ، ومن ذريَّتي أئمة مثلي؟ فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: أن يا إبراهيم، إني لا أُعطيك عهداً لا أفي لك به، قال: يا ربّ، ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال: لا أعطيك عهداً لظالم من ذريتك، قال: يا ربّ، ومَن الظالم من ولدي الذي لا ينال عهدك؟ قال: من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماماً أبداً، ولا يصلح أن يكون إماماً، قال إبراهيم: ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) (١) . قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي علي؛ لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني اللَّه نبيّاً واتخذ عليّاً وصيّاً) (٢) .

وأخرج العيَّاشي في تفسيره عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ، قال: قلت له: أخبرني عن أمة محمّد(عليه الصلاة والسلام) مَن هم؟

قال: (أمة محمّد بنو هاشم خاصّة)، قلت: فما الحجّة في أمّة محمّد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟

قال: قول اللَّه: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (٣) ، فلما أجاب اللَّه إبراهيم وإسماعيل وجعل من ذريّتهم أمة مسلمة وبعث فيها رسولاً منها، يعني من تلك

____________________

(١) إبراهيم: ٣٥ - ٣٦.

(٢) المناقب، ص ٢٧٦ ح ٣ ٢٢.

(٣) البقرة: ١٢٨ - ١٢٧.

٩٩

الأمة، يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ردف إبراهيم عليه‌السلام دعوته الأولى بدعوته الأخرى، فسأل لهم تطهيراً من الشرك ومن عبادة الأصنام ليصح أمره فيهم ولا يتبعوا غيرهم، فقال: ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) ، ففي هذه دلالة على أنه لا تكون الأئمة والأمة المسلمة التي بعث فيها محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا من ذريَّة إبراهيم؛ لقوله: ( اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) (٢) .

ولذا قال الإمام الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى: ( إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ ) (نحن منهم، ونحن بقية تلك الذريّة) (٣) .

ويشير إلى الذرية أيضاً قوله تعالى: ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٤) ، فهذه الأمة التي هي بعض من ذرية إبراهيم وإسماعيل التي بعث فيها خاتم النبيين، وهم على صلة منه وقد سمّاهم النبي إبراهيم وإسماعيل قبل ولادتهم بالمسلمين.

والحاصل: إن الآيات والروايات تصرّح بأن ذريّة إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام طائفة خاصّة طهّرها اللَّه عزّ وجلّ وأذهب عنها الرجس وجعل فيها الإمامة، وطلب إبراهيم عليه‌السلام لهذه الذريّة المودّة والمحبّة وهويّ الأفئدة إليها، وهذه الذريّة

____________________

(١) إبراهيم: ٣٥ - ٣٦.

(٢) تفسير العياشي، ج١، ص٧٩، ح١٠١.

(٣) المصدر، ج٢، ص٢٤٩، ح٣٥.

(٤) سورة الحج: ٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إذ دخل الحسينعليه‌السلام فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسينعليه‌السلام ست سنين. فقال عليعليه‌السلام : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبّ ولدي الحسين؟.قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال عليعليه‌السلام : أتفاخرني يا حسين؟.قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقالعليه‌السلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّعليه‌السلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.

١٤٤ ـ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :

روي أنه لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال :ادعوا إليّ الحسن والحسينعليه‌السلام . قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال :فجعل عليعليه‌السلام يرفعهما عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففتح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».

١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)

في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : بينا رسول

١٨١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل فاطمةعليها‌السلام ، والحسينعليه‌السلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسينعليه‌السلام ؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين :الجن والإنس.

١٤٦ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)

في (البحار) سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.

أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».

ولنعم ما قال القائل :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما ، وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما ، فالخلد مسكنه معي

وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسينعليهما‌السلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».

١٨٢

وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.

وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.

١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب :(البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : كان الحسين بن عليعليهما‌السلام ذات يوم في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».

١٤٨ ـ خبر فداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام بابنه إبراهيمعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)

عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.

قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.

١٨٣

* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.

١٤٩ ـ مجلس الحسينعليه‌السلام :(ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)

قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسينعليه‌السلام : وكان مجلس الحسينعليه‌السلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.

١٥٠ ـ خطابة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٤٠)

وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكانعليه‌السلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.

١٥١ ـ عبادتهعليه‌السلام :(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)

روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليه‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.

وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسينعليه‌السلام بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.

وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسينعليه‌السلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

وحسبهعليه‌السلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.

١٥٢ ـ كرم الحسينعليه‌السلام وحسن معاملته :

(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)

قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح

١٨٤

منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسينعليه‌السلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولهاعليه‌السلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.

عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسينعليه‌السلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) [النساء :٨٦] وكان أحسن منها عتقها.

وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسينعليه‌السلام وبين أخيه الحسنعليه‌السلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقالعليه‌السلام : سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسنعليه‌السلام فأتاه وترضّاه.

١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعهعليه‌السلام :

مرّ الحسينعليه‌السلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :

ولقد وجد على ظهر الحسينعليه‌السلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.

١٥٥ ـ إباء الحسينعليه‌السلام للضيم :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)

أما إباؤهعليه‌السلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.

فأول ذلك ما قاله الحسينعليه‌السلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :

«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

١٨٥

فقد أبىعليه‌السلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قالعليه‌السلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.

ولما أحاط القوم بالحسينعليه‌السلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.

وقالعليه‌السلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

١٥٦ ـ شجاعتهعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١١٥)

أما شجاعة الحسينعليه‌السلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.

وما أصدق وصف أحد الرواة للحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.

١٥٧ ـ شجاعة موروثة :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسينعليه‌السلام الشجاعة من أبيه عليعليه‌السلام وجده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجده أبو طالبعليه‌السلام . وعليعليه‌السلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو

١٨٦

أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.

وقد ظهرت شجاعة الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزواته وجولاته.

وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.

٦ ـ الذريّة والإمامة

إن من أكبر فضائل الإمام عليعليه‌السلام أن الله جعل ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلبه من فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسينعليه‌السلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهديعليه‌السلام .

قال النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ».

١٥٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عصبة الحسن والحسينعليهما‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)

أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمةعليهم‌السلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».

وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي الحسن والحسينعليهما‌السلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.

وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام قالت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».

وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

١٨٧

تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمةعليهم‌السلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام .

١٥٩ ـ الإمامة في الحسينعليه‌السلام وفي صلبه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)

روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله تعالى :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.

* الاحتجاج على الحجّاج :

وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهما‌السلام أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.

ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.

يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :

ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن أنكروا أولاد عليعليهم‌السلام من فاطمةعليهم‌السلام أنهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.

١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)

قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث

١٨٨

إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب اللهعزوجل ، إن الله يقول :( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].

وعيسىعليه‌السلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيمعليه‌السلام .

قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.

ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيتعليهم‌السلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.

١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :

(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)

يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم.قال : اقرأ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسىعليه‌السلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسينعليه‌السلام من ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.

١٨٩

١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :

(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)

حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.

قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.

فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل.فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسينعليه‌السلام ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.

قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.

ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.

قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت( وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل

١٩٠

عيسىعليه‌السلام في صلب نوحعليه‌السلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسينعليه‌السلام دخلا في صلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمهما فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».

فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.

وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.

ترجمة الحجّاج

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)

قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه‍ كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.

وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.

وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :

ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه‍ وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان

١٩١

تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.

* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسينعليه‌السلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسينعليه‌السلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).

* قصيدة حاقدة ومعارضتها :

والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة هم ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وادعى أن العباسيين أقرب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسينعليه‌السلام .

١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :

قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيتعليه‌السلام . ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :

ألا من لعين وتسكابها

تشكّى القذا وبكاها بها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسيّ بنشّابها

ويا ربّ ألسنة كالسيوف

تقطّع أرقاب أصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العمّ أولى بها

إلى أن يقول :

١٩٢

قتلنا أميّة في دارها

ونحن أحقّ بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتم

زبونا(١) أقرّت بجلّابها

١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :

فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه‍) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :

[القصيدة]

ألا قل لشرّ عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أأنت تفاخر آل النّبيّ

وتجحدها فضل أحسابها؟

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردّ العداة بأوصابها؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها؟

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دأبها؟

* * *

وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها؟

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها؟

فكذّبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشّهد من صابها(٢)

أجدّك(٣) يرضى بما قلته؟

وما كان يوما بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم

لحرب الطغاة وأحزابها

وقد شمرّ الموت عن ساقه

وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى «حيدر»

بإرغابها وبإرهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلا لها

فلم يرتضوه لإيجابها

وصليمع الناس طول الحياة

وحيدر في صدر محرابها

فهلا تقمّصها جدّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها؟

__________________

(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.

(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.

(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.

١٩٣

أخامسهم كان أم سادسا؟

وقد جلّيت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمّه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف

فليست ذلولا لركّابها

وما أنت والفحص عن شأنها

وما قمصّوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنت أهلا لأسبابها

وكيف يخصّوك يوما بها؟

ولم تتأدّب بآدابها

* * *

وقلت : بأنكم القاتلون

أسود أميّة في غابها

كذبت وأسرفت فيما ادّعيت

ولم تنه نفسك عن عابها

فكم حاولتها سراة لكم

فردّت على نكص أعقابها

ولو لا سيوف أبي مسلم(١)

لعزّت على جهد طلّابها

وذلك عبد لهم لا لكم

رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم أسارى ببطن الحبوس

وقد شفّكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها

وألبسكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

* * *

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوك بالغانيات

وخلّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار(٢) بألقابها

وشعرك في مدح ترك الصلاة

وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)

__________________

(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.

(٢) العقار : الخمر.

١٩٤

الفصل الخامس

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا

ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

ـ تشابه محنة يحيىعليه‌السلام مع محنة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيتهعليه‌السلام من بعده

ـ علم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات :

ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيتعليه‌السلام

ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

ـ روايات الإمام عليعليه‌السلام

ـ روايات أم سلمة وعائشة

ـ روايات الحسينعليه‌السلام والأئمةعليه‌السلام

ـ روايات ابن عباس

١٩٥

ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام

ـ إخبار الحسنينعليه‌السلام

ـ إخبار سلمان الفارسي

ـ إخبار أبي ذر الغفاري

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

١٩٦

الفصل الخامس :

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

تعريف بالفصل :

قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسينعليه‌السلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام . منها ما كان على لسان جبرائيلعليه‌السلام أو على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمةعليه‌السلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).

وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسينعليه‌السلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين وهكذا. وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.

وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادتهعليه‌السلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهادهعليه‌السلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.

وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام عليعليه‌السلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.

وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسينعليه‌السلام كما استشهد يحيى بن زكرياعليه‌السلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.

١٩٧

ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمةعليهم‌السلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه باستشهاد الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار الإمام عليعليه‌السلام وأم سلمة والأئمةعليهم‌السلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.

وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسينعليه‌السلام .

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام ومنزلة أصحابه :

(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)

عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.

فمر بنا الحسنعليه‌السلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا :هو هذا؟ قال : نعم.

١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسينعليه‌السلام :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)

قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.

فلما قتل الحسينعليه‌السلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.

١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)

جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.

١٩٨

١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)

وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.

١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :

أترجوا أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).

١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)

أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :

١٩٩

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

كتب إبراهيم خليل الله.

فجاء باللوح إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.

١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسينعليه‌السلام بالفساد الكبير :

حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.

فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام .

* * *

إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام حين مرّوا بكربلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)

جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياءعليهم‌السلام من آدم إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن عليعليه‌السلام ويأمرهم بلعن قاتليه.

حصل ذلك لآدمعليه‌السلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليه‌السلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسىعليه‌السلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسىعليه‌السلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320