المؤمن

المؤمن60%

المؤمن مؤلف:
الناشر: مدرسة الإمام المهدي (عج)
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 82

  • البداية
  • السابق
  • 82 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16342 / تحميل: 7916
الحجم الحجم الحجم
المؤمن

المؤمن

مؤلف:
الناشر: مدرسة الإمام المهدي (عج)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

الاهداء

إلى صاحب الأمر ...

مهدي الامم ...

بقية الله في الأرضين ...

الحجة بن الحسن العسكريّ ...

أرواحنا له الفداء ...

وإلى إخواننا المؤمنين لا سيّما العلماء العاملين.

٣

شكر وثناء

تتقدّم ( مدرسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ مركز التحقيق ) في قم المقدّسة ، بباقات من التبريكات أعطر من الرياحين ، ومن الشكر والثناء آيات أسمى من أريج الياسمين.

مع أخلص الدعوات الزاكيات ، وأجمل الاُمنيات الخالصات ، لجميع الأخوة الأفاضل ، العاملين المؤمنين ، الّذين ساهموا في إخراج هذا الكتاب الثمين ، والدرّة المصون ، لعالم الوجود ، بحلّته القشيبة ، وبالحرص والعمل الدؤوب ، والتحقيق الدقيق والبحث العلمي الرصين العميق ، فلهم من الله ثناء غير مجذوذ ، وعطاء غير مردود ، و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، أنّه نعم المولى ونعم النصير.

٤

٥

٦

قال الله تعالى :

اِنّمَا المُؤْمِنُونَ الّذينَ امَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا

وَجَاهَدُوا بِاَمْوَالِهِمْ وَاَنْفُسِهِمْ في سَبيلِ اللهِ

اُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ *

الحجرات : ١٥

اِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذينَ إذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

وإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيماناً وَعَلى ربّهم يَتَوَكَّلُونَ *

اَلَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلوةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *

اُولئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ ربّهم وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَريمٌ *

الأنفال : ٢ ، ٣ ، ٤

٧

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أولانا إيماناً خالصا كما آمن به الأنبياء والمرسلون ، والعارفون الموحّدون ، ويقيناً صادقاً كما صدّقته الملائكة المقرّبون ، والأولياء والصالحون.

وسلام على المرسلين الّذين بلّغوا رسالات ربّهم ، وهو على ما أصابهم في دعوتهم صابرون ، اولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، واولئك هم المهتدون ، الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

والصلاة والسلام على خير خلق الله الأطهار المصطفين ، محمّد وآله سادة الخلق أجمعين ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، الّذين صبروا وصابروا في ولائهم لأهل البيت المنتجبين ، واُوذوا وقتّلوا وحرّقوا ونفوا عن ديارهم ولا زالوا بحبلهم متمسّكين ، الّذين قال فيهم الإمام الصادقعليه‌السلام : « نحن صُبّر وشيعتنا أصبر منّا ، وذلك أنا صبرنا على ما نعلم ، وصبروا هم على ما لا يعلمون »(١) اولئك الّذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

واللعنة الدائمة الماحقة لأعدائهم أجمعين ، الّذين يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم ، فحملوا ظهورهم وزر البرايا ، ألا ساء ما يزرون.

إنّ ما أجمع عليه ، أنّ للإيمان منازل ودرجات ، ومراقي عاليات ، وللمؤمنين الممتحنين صفات مخصوصات ، جعلتهم في الناس مميّزين كبدور نيرات ، ولأخلاق العوام كارهين بل نابذين ، قد يحسبهم الرائي مرضى وما بالقوم من مرض ، ولكنهم من خوف الله وجلون ، كأنّهم قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم ، لما كشف لهم من العذاب الأليم للمجرمين ، والنعيم المقيم للصالحين ، فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون ، كلّما تلوا سوراً من القرآن العظيم.

هؤلاء الّذين هجرت عيونهم في الليل غمضها ، وأدّت أنفسهم إلى بارئها فرضها ، حتّى إذا غلب عليها الكرى ، افترشت أرضها ، وتوسّدت كفّها ، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم ،

__________________

(١) تفسير القمّي ص ٤٨٩ س ١٩ ، البحار ٧١ / ٨٤ ح ٢٧.

٨

اولئك الّذين وصفهم أمير المؤمنين سلام الله عليه بقوله : مُرْه١ العيون من البكاء ، خمص البطون من الصيام ، صفر الالوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، اولئك إخواني الذاهبون ، فحقّ لنا أن نظمأ إليهم ، ونعضّ الأيدي على فراقهم.

والمؤمن كلّما اقترب من ربّه منزلة أتحفه الله بأنواع المصائب والبلايا ، فتتوالى عليه من كلّ مكان ، وتسدد قسيها إليه من كلّ جانب ، وهل البلاء إلا لمن أخلص لله وآمن به ، الأمثل فالأمثل ، ليجزيه الله الجزاء الأوفر.

وقد مرّ موضوع شدة الابتلاء وأنواعه في مقدمة كتاب « التمحيص » فلا حاجة لإعادته ، وسترد أحاديث اُخرى في كتابنا هذا تنير الطريق لسالكيه ، وتشرح القلوب التي في الصدور ، مستقاة من معين أهل بيت الرحمةعليهم‌السلام ، الّذين هم أعرف بعلل النفوس وأمراضها ، ووساوس الشياطين وأدرانها ، فيعيّنوا الداء ، ويصفوا الدواء.

جعلنا الله من المتمسّكين بحبل ولايتهم ، المقبولة أعمالهم ، المغفورة ذنوبهم ، الهانئين بشربة روية من حوض كوثرهم ، الفائزين بشفاعتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) مُرْه : جمع أمره ، من مرهت عينه إذا فسدت ، أو ابيضّت حماليقها.

٩

ترجمة المؤلّف

هو الحسين بن سعيد بن حمّاد بن مهران الأهوازيّ(١) .

كنيته أبو محمّد(٢) ، الكوفيّ الأصل(٣) ، انتقل مع أخيه الحسن بن سعيد إلى الأهواز(٤) فاشتهرا بهذا اللقب ، وكان الحسن يعرف ب‍ «دندان »(٥) ، والأخوان من موالي علي بن الحسين سلام الله عليهما(٦) .

عاصر الحسين بن سعيد كلا من الإمام الرضا والجواد والهادي سلام الله عليهم أجمعين ، وروى عنهم ، ولذا عدّ من أصحابهم ، كما في أغلب كتب التراجم والرجال(٧) .

مدحه وأطراه جميع الأصحاب والمشايخ الّذين كتبوا عنه ، وأثنوا عليه ، ووصفوه بأنه ثقة ، مثل الشيخ في كتابيه الرجال والفهرست ، والعلامة في الخلاصة نعته بأنه : ثقة عين ، جليل القدر ، وقال أبو داود في حقه : ثقة ، عظيم الشأن(٨) .

وقال ابن النديم(٩) : الحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيّان من أهل الكوفة أوسع أهل زمانهما علما بالفقه والآثار والمناقب وغير ذلك من علوم الشيعة.

وذكر أحد كتبه المجلسي(١٠) بقوله : وأصل من اصول عمدة المحدّثين الشيخ الثقة الحسين بن سعيد الأهوازيّ ، وكتاب الزهد وكتاب المؤمن له أيضاً.

انتقل الأخوان من الكوفة إلى الأهواز فترة من الزمن لنشر تعاليم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناء فاطمة البتولعليهم‌السلام الّذين أذهب الله عنهم الرجس و

__________________

(١) النجاشيّ ص ٤٦ ، إلا أن الشيخ في الفهرست ص ٥٨ ح ٢٢٠ والكشي ص ٥٥١ ح ١٠٤١ ذكرا بعد « حمّاد » « سعيداً » ، فيكون : الحسين بن سعيد بن حمّاد بن سعيد بن مهران.

(٢) النجاشيّ ص ٤٦.

(٣) البرقيّ ص ٥٤ ، الفهرست ص ١٠٤ ، رجال أبي داود رقم ٧٤٣.

(٤) الفهرست ص ١٠٤.

(٥) رجال الكشيّ ص ٥٥١.

(٦) الشيخ في رجاله والفهرست ، الكشيّ ، النجاشيّ ، نفس الصفحات السابقة ، والظاهر أنّهما من ذراري موالي الإمام السّجادعليه‌السلام للفرق الشاسع بين وفاة الإمام السّجادعليه‌السلام سنة ٩٥ ه‍ وبين وفاة الإمام الرضاعليه‌السلام سنة ٢٠٣ ه‍ وحتى وفاة الإمام الهاديعليه‌السلام سنة ٢٥٤ ه‍ ، فلاحظ.

(٧) ذكره الشيخ في رجاله ص ٣٧٢ ، ٣٩٩ ، ٤١٢.

(٨) المصادر السابقة.

(٩) الفهرست ص ٢٧٧.

(١٠) البحار ج ١ / ١٦.

١٠

طهّرهم تطهيراً ، كما مرّ آنفاً.

وللأخوين مؤلّفات كثيرة في الحلال والحرام وفي مختلف العلوم والمعارف ، بلغت خمسين تصنيفاً للحسن فقط كما عن الكشيّ ، أو ثلاثين لكليهما كما نقل النجاشيّ قائلا : كُتب بني سعيد كتب حسنة معمول عليها ، وهي ثلاثون كتاباً.

وقد شارك الحسين أخاه الحسن في الكتب الثلاثين المصنّفة ، وإنما كثر اشتهار الحسين أخيه بها ، والكتب هي :

١ ـ كتاب الوضوء

٢ ـ كتاب الصلاة

٣ ـ كتاب الزكاة

٤ ـ كتاب الصوم

٥ ـ كتاب الحجّ

٦ ـ كتاب النكاح

٧ ـ كتاب الطلاق

٨ ـ كتاب العتق والتدبير والمكاتبة

٩ ـ كتاب الايمان والنذور

١٠ ـ كتاب التجارات والاجارات

١١ ـ كتاب الخمس

١٢ ـ كتاب الشهادات

١٣ ـ كتاب الصيد والذبائح

١٤ ـ كتاب المكاسب

١٥ ـ كتاب الأشربة

١٦ ـ كتاب الزيارات

١٧ ـ كتاب التقيّة

١٨ ـ كتاب الرد على الغلاة

١٩ ـ كتاب المناقب

٢٠ ـ كتاب المثالب

٢١ ـ كتاب الزهد

٢٢ ـ كتاب المروة

٢٣ـ‌كتاب‌حقوق‌المؤمنين‌وفضلهم

٢٤ ـ كتاب تفسير القرآن

٢٥ ـ كتاب الوصايا

٢٦ ـ كتاب الفرائض

٢٧ ـ كتاب الحدود

٢٨ ـ كتاب الديات

٢٩ ـ كتاب الملاحم

٣٠ ـ كتاب الدعاء

وكان الحسين بن يزيد السوراني يقول : الحسن شريك أخيه الحسين في جميع رجاله إلا في زرعة بن محمّد الحضرمي وفضالة بن أيوب،فإن الحسين كان يروي عن أخيه،عنهما١ .

وخالهما جعفر بن يحيى بن سعد الاحول ، من رجال أبي جعفر الثانيعليه‌السلام .

وعرف لهذا البيت إيمانهم العميق بالله تبارك وتعالى والإخلاص له ، وولاوهم الصادق للرسول وآل بيته الأطهار سلام الله عليهم أجمعين ، وجهادهم الطويل

__________________

(١) النجاشيّ ص ٤٦.

١١

بالعمل الصالح ، والدفاع عن الحقّ خلال حقبة حكم العبّاسيّين ، الّذين كانوا يطاردون المؤمنين من شيعة علي والحسينعليهما‌السلام .

ومع كلّ ذلك كان الأخوان يتحركان في كلّ جانب ، لا تأخذهما في الله لومة لائم ، ولم يتركوا الاُمور على غاربها ، بل خاضوا لجج البحار ، وحاموا عن الذمار ، و دافعوا عن أحقية آل محمّد المصطفين الأطهار ، باللسان والبنان ، بأوضح صورة وأجلى بيان.

فهذا الحسين بن سعيد كان يدافع وينافح بطرق وأساليب مختلفة عن البيت الهاشمي ، في نشر أخبارهم وعلومهم ومآثرهم ، فكان يتّصل بالمخالفين ، ويعرض بضاعته النادرة الثمينة ، من كنوز علومهم ، بروح سامية ، ونية خالصة لوجهه الكريم ، تطبيقاً لما ورد عنهمعليهم‌السلام : رحم الله عبداً أحيا أمرنا١ ، لعله يكثر عدد محبّيهم ، والمتبصّرين لولايتهم.

وبالفعل فقد أبلغ الرسالة وأوصل عدداً من الشخصيات إلى الإمام الرضا سلام الله عليه ، فتمت هدايتهم وتبصرتهم ومعرفتهم بأعدال الكتاب ، وسفن النجاة ، والحجج على العباد ، بعد أن كانوا عنهم غافلين أو معرضين ، ولمنهجهم مخالفين ، ولأعدائهم موالين.

ومن هؤلاء الشخصيات : إسحاق بن إبراهيم الحضيني ، وعلي بن الرسان ، وعلي بن مهزيار٢ ، وعبد الله بن محمّد الحضيني ، وغيرهم ، حتّى جرت الخدمة على أيديهم ، وصنفوا الكتب الكثيرة٣ ، كلّ ذلك بفضل الله أن جعله سبباً في هداية القوم ، فلله درّه ، وعلى الله أجره.

وأخيراً انتقل الحسين بن سعيد ، هذا المحدّث العظيم ، إلى « قم » فنزل على الحسن بن أبان ، وتوفي فيها ، فرحمة الله عليه يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيّاً ، وحشره الله مع من والاهم ، آمين ربّ العالمين.

السيد محمّد باقر الموحد الابطحيّ

« الاصفهاني »

__________________

(١) الكافي : ٢ / ١٧٥ ح ٢.

(٢) ذكره البرقيّ.

(٣) النجاشيّ ص ٤٦.

١٢

١٣

١٤

١٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة على سيد المرسلين محمّد وآله الطاهرين.

١ ـ باب شدة ابتلاء المؤمن

١ ـ عن زرارة قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : في قضاء الله عزّ وجلّ كلّ خير للمؤمن(١) .

٢ ـ وعن الصادقعليه‌السلام : إن المسلم لا يقضي الله عزّ وجلّ قضاء إلا كان خيراً له ، [ وان ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له(٢) ].

ثم تلاهذه الآية :( فوقاه الله سيّئات ما مكروا ) (٣) ، ثم قال : إمّا (٤) والله لقد تسلطوا عليه وقتلوه ، فأما ما وقاه الله فوقاه الله أن يعتو (٥) في دينه (٦) .

٣ ـ وعن الصادقعليه‌السلام قال : لو يعلم المؤمن ما له في المصائب من الأجر ، لتمنى أن يقرض بالمقاريض(٧) .

٤ ـ عن سعد٨ بن طريف قال : كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام فجاء جميل الازرق ، فدخل عليه ، قال : فذكروا بلايا الشيعة وما يصيبهم ، فقال أبو

__________________

(١) عنه في البحار : ٧١ / ١٥٩ ح ٧٦ ، والمستدرك : ١ / ١٣٧ ح ١.

(٢) سقطت هذه العبارة من النسخة ـ ب ـ.

(٣) غافر / ٤٥.

(٤) في الأصل ( أم ).

(٥) في النسخة ـ أ ـ والبحار ( يفتنوه ).

(٦) عنه في البحار : ٧١ / ١٦٠ ذ ح ٧٦ ، والمستدرك : ١ / ١٣٧ ح ٢.

(٧) عنه في البحار : ٧١ / ١٦٠ ذ ح ٧٦.

وأخرج في البحار : ٦٧ / ٢١٢ ح ١٧ والوسائل : ٢ / ٩٠٨ ح ١٣ عن الكافي : ٢ / ٢٥٥ ح ١٥ بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور عنه (ع) نحوه ، وروي في تنبيه الخواطر : ٢ / ٢٠٤ نحوه ، والتمحيص : ح ١٣ عن ابن أبي يعفور مثله وفي مشكاة الأنوار : ص ٢٩٢ مرسلاً مثله.

(٨) في النسخة ـ ب ـ سعيد.

١٦

جعفرعليه‌السلام : إنّ اُناساً أتوا علي بن الحسينعليهما‌السلام وعبد الله بن عباس فذكروا لهما نحوا ممّا ذكرتم ، قال : فأتيا الحسين بن عليعليهما‌السلام فذكرا له ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : والله البلاء ، والفقر والقتل أسرع إلى من أحبّنا من ركض البراذين(١) ، ومن السيل إلى صمره ، قلت : وما الصمرة ؟(٢) .

قال : منتهاه ، ولولا أن تكونوا كذلك لرأينا أنكم لستم منّا(٣) .

٥ ـ وعن الأصبغ بن نباتة قال : كنت عند أمير المؤمنينعليه‌السلام قاعدا ، فجاء رجل فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لاُحبّك [ في الله ](٤) .

فقال : صدقت ، إن طينتنا مخزونة أخذ الله ميثاقها من صلب آدم فاتخذ للفقر جلباباً ، فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : والله يا عليّ إنّ الفقر لأسرع ( أسرع ـ خ ) إلى محبّيك من السيل إلى بطن الوادي(٥) .

٦ ـ عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : إنّ الشياطين أكثر على المؤمن الزنابير على اللحم(٦) .

٧ ـ وعن أحدهماعليهما‌السلام قال : ما من عبد مسلم ابتلاه الله عزّ وجلّ بمكروه وصبر إلا كتب الله له أجر ألف شهيد(٧) .

٨ ـ وعن أبي الحسنعليه‌السلام قال : ما أحد من شيعتنا يبتليه الله عزّ وجل ببليّة فيصبر عليها إلا كان له أجر ألف شهيد(٨) .

__________________

(١) البراذين : جمع برذون ، وهو نوع من الخيول.

(٢) هكذا في الأصل ، والاصوب الصمر بإسقاط التاء وفي المعاجم اللغوية هكذا ضبطت ، وزيادة التاء لها تعطي معنى آخر ، ولعلّ هذه التاء زيدت من قبل النساخ أو كانت ضميرا متصلا ( هاء ) وزيد لها « أل » التعريف.

(٣) عنه في البحار : ٦٧ / ٢٤٦ ح ٨٥ ، والمستدرك : ١ / ١٤١ ح ١.

(٤) ليس في النسخة ـ ب ـ.

(٥) عنه في البحار : ٧٢ / ٣ ح ١.

(٦) عنه في البحار : ٦٧ / ٢٤٦ ح ٨٦ وص ٢٣٩ ح ٥٧ عن الإختصاص : ٢٤ عن ربعي ، عن الفضيل بن يسار مثله.

(٧) عنه في البحار : ٧١ / ٩٧ ح ٦٥ والمستدرك : ١ / ١٤٠ ح ٣٤.

(٨) عنه في البحار : ٧١ / ٩٧ ذ ح ٦٥ والمستدرك : ١ / ١٤٠ ح ٣٥ ، وأخرج نحوه في البحار : ٧١ / ٧٨ ح ١٤ والوسائل : ٢ / ٩٠٢ ح ١ عن الكافي : ٢ / ٩٢ ح ١٧ بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن

١٧

٩ ـ وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : فيما أوحى الله إلى موسى (ع) أن : يا موسى ما خلقت خلقا أحبّ إليّ من عبدي المؤمن ، وانّي انما أبتليه لما هو خير له ، [ وأعطيه لما هو خير له ](١) ، وأزوي عنه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليرض بقضائي ، وليشكر نعمائي ، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري(٢) .

١٠ ـ وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كان لموسى بن عمران أخ في الله ، وكان موسى يكرمه ويحبه ويعظمه ، فأتاه رجل فقال : إنّي أحبّ أن تكلم لي هذا الجبّار ، وكان الجبّار ملكاً من ملوك بني إسرائيل ، فقال : والله ما أعرفه ولا سألته حاجة قطّ ، قال : وما عليك من هذا ! لعل الله عزّ وجلّ يقضي حاجتي على يدك ، فرق له ، وذهب معه من غير علم موسى ، فأتاه ودخل عليه.

فلما رآه الجبّار أدناه وعظمه ، فسأله حاجة الرجل فقضاها له ، فلم يلبث ذلك الجبّار أن طعن فمات ، فحشد في جنازته أهل مملكته ، وغلقت لموته أبواب الأسواق لحضور جنازته.

وقضي من القضاء أن الشاب المؤمن أخا موسى مات يوم مات ذلك الجبّار وكان أخو موسى إذا دخل منزله أغلق عليه بابه فلا يصل إليه أحد ، وكان موسى إذا أراده فتح الباب عنه ودخل عليه ، وان موسى نسيه(٣) ثلاثاً ، فلما كان اليوم الرابع ذكره موسى ، فقال : قد تركت أخي منذ ثلاث « فلم آته » ففتح عنه الباب ودخل عليه ، فإذا الرجل ميّت ! وإذا دوابّ الأرض دبت عليه فتناولت من محاسن وجهه ، فلما رآه موسى عند ذلك.

قال : يا ربّ عدوك حشرت له الناس ، ووليّك أمته فسلطت عليه دوابّ الأرض تناولت من محاسن وجهه !؟ فقال الله عزّ وجلّ : يا موسى إن وليي سأل هذا

__________________

أبي عبد الله (ع) والبحار : ٤٩ / ٥١ ح ٥٤ عن الخرائج : ١٩٠ ح ١٤ عن الرضا (ع) ونحوه في التمحيص : ح ١٢٥.

(١) ليس في النسخة ـ أ ـ وفي الكافي : اُعافيه بدل أعطيه.

(٢) عنه في المستدرك : ١ / ١٣٧ ح ٣ والبحار : ٧١ / ١٦٠ ح ٧٧ وفي ص ١٣٩ ح ٣٠ والبحار : ١٣ / ٣٤٨ ح ٣٦ عن أمالي ابن الشيخ : ١٦٠ ح ٧٧ وفي البحار : ٧٢ / ٣٣١ ح ١٤ والوسائل : ٢ / ٩٠٠ ح ٩ عن الكافي : ٢ / ٦١ ح ٧ بإسنادهما عن داود بن فرقد مثله ، وفي البحار : ٦٧ / ٢٣٥ ح ٥٢ عن مجالس المفيد : ص ٦٣ بإسناده عن داود بن فرقد مثله : ورواه في التمحيص : ح ١٠٨ عن داود بن فرقد مثله.

(٣) في النسخة ـ ب ـ أتاه ثلاثاً والظاهر أنّه وقع سهوا في النسخ.

١٨

الجبّار حاجة فقضاها له ، فحشدت له أهل مملكته للصلاة عليه لاُكافئه عن المؤمن بقضاء حاجته ، ليخرج من الدنيا وليس له عندي حسنة اُكافئه عليها ، وانّ هذا المؤمن سلّطت عليه دوابّ الأرض لتتناول من محاسن وجهه لسؤاله ذلك الجبّار ، وكان لي غير رضى ليخرج من الدنيا وماله عندي ذنب(١) .

١١ ـ وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى إذا كان من أمره ان يكرم عبداً وله عنده ذنب ابتلاه بالسقم ، فان لم يفعل ابتلاه بالحاجة ، فان هو لم يفعل شدد عليه ( عند / خ ) الموت ، وإذا كان من أمره أن يهين عبداً وله عنده حسنة أصح بدنه ، فان هو لم يفعل وسع في معيشته ، فان هو لم يفعل هون عليه الموت(٢) .

١٢ ـ وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قال الله تبارك وتعالى : وعزّتي لا اُخرج لي عبداً من الدنيا اُريد رحمته إلا استوفيت كلّ سيئة هي له ، إمّا بالضيق في رزقه ، أو ببلاء في جسده ، وأمّا خوف اُدخله عليه ، فان بقي عليه شيء شدّدت عليه الموت.

ـ وقالعليه‌السلام ـ وقال الله : وعزّتي لا اُخرج لي عبداً من الدنيا واُريد عذابه إلا استوفيته كلّ حسنة له إمّا بالسعة في رزقه ، أو بالصحة في جسده وامّا بأمن أدخله عليه فان بقي عليه شيء هوّنت عليه الموت(٣) .

١٣ ـ وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال : مرنبي من أنبياء بني اسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج منه ، فما كان خارجا منه قد نقبته الطير ومزقته الكلاب ، ثم مضى ووقعت ( رفعت ـ خ ) له مدينة فدخلها ، فإذا هو بعظيم من عظمائها ميّت على سرير مسجّى بالديباج حوله المجامر(٤) ، فقال : يا ربّ انّك حكم عدل لا تجور ،

__________________

(١) أخرجه في البحار : ١٣ / ٣٥٠ ح ٤٠ وج ٧٤ / ٣٠٦ ح ٥٥ عن قصص الأنبياء ( مخطوط ) : ص ١١١ ح ٦٦ مختصراً بإسناده عن مقرن إمام بني فتيان ، عمن روى عن أبي عبد الله (ع).

(٢) صدره في المستدرك : ٢ / ٣١١ ح ٧ ،

ورواه في الكافي : ٢ / ٤٤٤ ح ١ بإسناده عن حمزة بن حمران عن أبيه باختلاف يسير وزيادة في الألفاظ ، وروى في التمحيص : ح ٣٥ مثله.

(٣) روى في الكافي : ٢ / ٤٤٤ ح ٣ بإسناده عن ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله تعالى ـ نحوه ـ.

(٤) المجامر : جمع مجمر ، وهو مجتمع الناس.

١٩

( ذاكظ ) عبدك لم يشرك بك طرفة عين أمتّه بتلك الميتة ، وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة عين أمتّه بهذه الميتة.

فقال ( الله ) عزّ وجلّ : عبدي أنا كما قلت حكم عدل لا أجور ، ذاك عبدي كانت له عندي سيئة وذنب فأمتّه بتلك الميتة لكي يلقاني ولم يبق عليه شيء ،

وهذا عبدي كانت له عندي حسنة فأمتّه بهذه الميتة لكي يلقاني وليس له عندي شيء(١) .

١٤ ـ عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه رفعه٢ قال : بينما موسى يمشي على ساحل البحر ، اذ جاء صياد فخر للشمس ساجدا ، وتكلم بالشرك ، ثم ألقى شبكته فأخرجها مملوءة ، فاعادها فاخرجها مملوءة ثم أعادها فأخرج مثل ذلك حتّى اكتفى ثم مضى ،

ثم جاء آخر فتوضأ ثم قام وصلى وحمد الله وأثنى عليه ، ثم ألقى شبكته فلم تخرج شيئاً ، ثم أعاد فلم تخرج شيئاً ، ثم أعاد فخرجت سمكة صغيرة ، فحمد الله وأثنى عليه وانصرف.

فقال موسى : يا ربّ عبدك جاء فكفر بك وصلى للشمس وتكلم بالشرك ، ثم ألقى شبكته ، فأخرجها مملوءة ، ثم أعادها فأخرجها مملوءة ، ثم أعادها فأخرجها مثل ذلك حتّى اكتفى وانصرف ، وجاء عبدك المؤمن فتوضأ وأسبغ الوضوء ثم صلّى وحمد ودعا وأثنى ، ثم ألقى شبكته فلم يخرج شيئاً ، ثم أعاد فلم يخرج شيئاً ، ثم أعاد فأخرج سمكة صغيرة فحمدك وانصرف !؟

فأوحى الله إليه : يا موسى انظر عن يمينك فنظر موسى فكشف له عمّا أعده الله لعبده المؤمن فنظر ، ثم قيل له : يا موسى انظر عن يسارك فكشف له عمّا أعده الله لعبده الكافر فنظر ، ثم قال الله ( تعالى ) : يا موسى ما نفع هذا ما أعطيته ، ولا ضرّ هذا ما منعته.

فقال موسى ، يا ربّ حقّ لمن عرفك أن يرضى بما صنعت(٣) .

__________________

(١) روي في الكافي : ٢ / ٢٤٦ ح ١١ باسناده عن ابن مسكان عن بعض أصحابنا عنه (ع) نحوه.

(٢) في البحار عن أبي جعفر (ع).

(٣) أخرجه في البحار : ١٣ / ٣٤٩ ح ٣٨ عن أعلام الدين ( مخطوط : ٢٦٧ ) نقلاً عن المؤمن وفيه اختلاف يسير في الألفاظ.

٢٠

[ المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى]

الأسماء الحسنى

وسنوردها هنا بثلاث عبارات :

الاُولى : ما ذكرها الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد(1) رحمه‌الله في عدّته ، أنّ الرضاعليه‌السلام روى عن أبيه عن آبائه عن علي(2) عليه‌السلام : أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من دعا بها استجيب له ومن أحصاها(3) دخل الجنّة ، وهي هذه :

الله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ،

__________________

(1) أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ، يروي عن الشيخ أبي الحسن علي بن الخازن تلميذ الشهيد وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : عدّة الداعي ونجاح الساعي ، في آداب الدعاء ، مشهور نافع مفيد في تهذيب النفس ، مرتّب على مقدّمة في تعريف الدعاء وستّة أبواب ، توفي سنة ( 841 ه‍ ).

الكنى والألقاب 1: 368 ، أعيان الشيعة 3: 147 ، الذريعة 15 : 228 ، معجم رجال الحديث 2 : 189.

(2) في العدة : « عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لله عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنة ».

(3) في هامش (ر) : « قال الصدوقرحمه‌الله : معنى إحصائها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدّها ، قاله الشيخ جمال الدين في عدته.

ووجدتُ بخط الشيخ الزاهدرحمه‌الله : أن هذه الأسماء حجاب من كل سوء ، وهي للطاعة والمحبة وعقد الألسن ولإبطال السحر ولجلب الرزق نافع إن شاء الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : التوحيد : 195 ، عدّة الداعي : 298.

٢١

العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، القاضي(4) ، المجيد ، الولي ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، والوّهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي(5) .

الثانية : ما ذكرها الشهيد(6) رحمه‌الله في قواعده ، وهي : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الباري ، الخالق ، المصوّر ، الغفّار ، الوّهاب ، الرزّاق ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحليم ، العظيم ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، الجليل ، الرقيب ، المجيب ، الحكيم ، المجيد ، الباعث ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيّوم ، الماجد ، التوّاب ، المنتقم ، الشديد العقاب ، العفّو ، الرؤوف ، الوالي ، الغني ، المغني ، الفتّاح ، القابض ، الباسط ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الغفور ، الشكور ، المقيت ، الحسيب ، الواسع ، الودود ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، المحصي ، الواجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البرّ ، ذو الجلال والإكرام ، المُقِسط ، الجامع ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، البديع ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ، الهادي ، الباقي(7) .

__________________

(4) في هامش (ر) : « قاضي الحاجات / خ ل ».

(5) عدّة الداعي : 298 ـ 299.

(6) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، الشهيد الأول ، روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلاّمة وغيره ، يروي عنه جماعة كثيرة منهم أولاده وبنته وزوجته ، له عدّة مصنّفات ، منها : القواعد والفوائد ، كتاب مختصر مشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية يستنبط منها الأحكام الشرعية ، استشهد مظلوماً سنة ( 786 ه‍ ).

رياض العلماء 5 : 185 ، الكنى والألقاب 2 : 342 ، تنقيح المقال 3 : 191 ، الذريعة 17 : 193.

(7) القواعد والفوائد 2: 166 ـ 174.

٢٢

قالرحمه‌الله : ورد في الكتاب العزيز من(8) الأسماء الحسنى : الربّ ، والمولى ، والنصير ، والمحيط ، والفاطر ، والعلاّم ، والكافي ، وذو الطّول ، وذو المعارج(9) .

الثالثة : ما ذكرها فخر الدين محمد بن محاسن(10) رحمه‌الله في جواهره ، وهي :

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، الباري ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الماجد ، الباعث ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصي ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيوم ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفوّ ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المُقسِط ، الجامع ، الغنيّ ، المُغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. فهذه تسعة وتسعون اسماً رواها محمد بن إسحاق(11) في المأثور.

__________________

(8) في ( القواعد ) و (ر) و (م) : « في » وما أثبتناه من (ب) وهو الأنسب.

(9) القواعد والفوائد 2 : 174 ـ 175.

(10) لم أجد من تعرّض لترجمته ، حتّى أن الشيخ العلاّمة الطهراني في الذريعة 5 : 257 حينما ذكر الجواهر ، قال : للشيخ فخر الدين محمد بن محاسن ينقل عنه الكفعمي في آخر البلد الأمين ، فالظاهر أنّه لم يجد له ترجمة أيضاً ، بل إنّما عرف كتابه واسمه من نقل الكفعمي عنه ، ومحمد بن محاسن نفسه الذي يأتي بعنوان البادرائي.

(11) يحتمل أن يكون هو : محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي ، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي ، بينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية ، له عدّة مصنّفات ، منها : شرح الأسماء الحسنى ، مات سنة ( 673 ه‍ ).

كشف الظنون 2: 1956 ، أعلام الزركلي 6 : 30.

٢٣

ولمّا كانت كلّ واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء وتنقص عنهما بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث ، مع الإشارة إلى شرح كلّ اسم منها ، من غير إيجاز مخلّ ولا إسهاب مملّ.

وسمّيت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى.

فنقول وبالله التوفيق :

الله :

اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.

وقال الغزّالي(12) : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه(13) .

وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.

قالرحمه‌الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد(14) .

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة ، ذكرناها

__________________

(12) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي ، الملقّب بحجّة الإسلام الطوسي ، تفقّه على أبي المعالي الجويني ، له عدّة مصنّفات ، منها : إحياء علوم الدين ، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرهما ، مات سنة ( 502 ه‍ ).

المنتظم 9 : 168 ، وفيات الأعيان 4 : 216 ، الكنى والألقاب 2 : 450.

(13) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 14.

(14) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٤

على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدينعليه‌السلام إذا أحزنه أمر(15) .

واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :

أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.

ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.

ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.

د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.

ه‍ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.

و : أنّه وقعت به الشهادة.

ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى ، فلا

__________________

(15) وهي كما في حاشية المصباح : 315 نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة :

« الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ

يا ليتها خرجت حتى عرفناها

الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :

ببيداء تيه تأله العير وسطها

مخفقـة بالآل جرد وأملق

الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :

لاه ربّي عن الخلائق طراً

خالق الخلق لا يُرى ويرانا

الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :

لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ

آلهن واسترجعن من تألّهي

الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :

ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها

كأن بقاها وشامٌ على اليدِ

السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.

السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.

الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.

التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع ».

٢٥

يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى :( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) (16) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.

ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط(17) .

ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.

ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى

__________________

(16) مريم 19 : 65.

(17) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٦

كثيراً(18) .

ورأيت في كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الأعظم ، للشيخ محمد بن طلحة بن محمد ابن الحسين(19) : أنّ هذا الاسم المقدّس يدلّ على الأسماء الحسنى كلّها التي هي تسعة وتسعون اسماً ، لأنك إذا قسمت الاسم المقدّس في علم الحروف على قسمين كان كلّ قسم ثلاثة وثلاثين ، فتضرب الثلاثة والثلاثين في حروف الاسم المقدّس بعد إسقاط المكرر وهي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى ، وذكر أمثلة اُخر في هذا المعنى تركناها اختصاراً(20) .

ورأيت في كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار ، للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ(21) : أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف ـ الله ـ فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه وبه وإليه وعنه ، فإذ أُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كلّ شيء ، فإن اُخذ اللام وترك الألف بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإن اُخذ

__________________

(18) عدّة الداعي : 50.

(19) أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي الشافعي ، له عدّة مصنفات ، منها : الدرّ المنظم في السرّ الأعظم أو الدرّ المنظم في اسم الله الأعظم ، مات سنة ( 652 ه‍ ).

شذرات الذهب 5 : 259 ، أعلام الزركلي 6 : 175.

علماً بأنّ في (ر) و (ب) و (م) ذكر : الدرّ المنتظم وفي مصادر الترجمة : الدر المنظم ، وكذا ذكر في (ر) و (ب) : محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين ، وفي المصادر : ابن الحسن ، فتأمّل.

(20) في حاشية (ر) : « منها : أنك إذا جمعت من الاسم المقدّس طرفيه ، وقسّمت عددهما على حروفه الأربعة ، وضربت ما يخرج القسمة فيما له من العدد في علم الحروف ، يكون عدد الأسماء الحسنى. وبيانه : أن تأخذ الألف والهاء وهما بستة ، وتقسِّمها على حروف الأربعة ، يقوم لكل حرف واحد ونصف ، فتضربة به فيما للإسم المقدّس من العدد وهو ستة وستين ، تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى. منهرحمه‌الله ».

(21) رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ ، من متأخّري علماء الإمامية ، كان ماهراً في أكثر العلوم ، له يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمةعليهم‌السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ، له أشعار لم يرعين الزمان مثلها في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، من مصنافته : مشارق أنوار اليقين في كشف حقائق أسرار أمير المؤمنين ، توفي في حدود سنة ( 813 ه‍ ).

رياض العلماء 2 : 304 ، الكُنى والألقاب 2 : 148 ، أعيان الشيعة 6 : 46.

٢٧

الألف من إله بقي له ، وله كلّ شيء ، فإن اُخذ من له اللام بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ، ولفظ هو مركب من حرفين ، والهاء أصل الواو ، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق ، والهاء أول المخارج والواو أخرها ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن(22) .

ولمّا كان الاسم المقدّس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأناً وأعلاها مكاناً ، وكان لكمالها جمالاً ولجمالها كمالاً ، خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب ، والله الموفّق للصواب.

الرحمن الرحيم :

قال الشهيدرحمه‌الله : هما اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال(23) (24) .

وقال صاحب العدّة : الرحمن الرحيم مشتقّان من الرحمة وهي النعمة ،

__________________

(22) مشارق الأنوار : 32 ـ 33 ، وفيه : « والقرآن له ظاهر وباطن ، ومعانيه منحصرة في أربع أقسام ، وهي أربع أحرف وعنها ظهر باقي الكلام ، وهي ( أل‍ ل‍ ه ) ، والألف واللام منه آلة التعريف ، فإذا وضعت على الأشياء عرفتها أنّها منه وله ، وإذا اُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، وإذا اُخذ منه ( ل‍ ) بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإذا اُخذ منه الألف واللام بقي له ، وله كلّ شيء ، وإذا اُخذ الألف واللامان بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له. والعارفون يشهدون من الألف ويهيمنون من اللام ويصلون من الهاء. والألف من هذا الاسم إشارة إلى الهويّة التي لا شيء قبلها ولا بعدها وله الروح ، واللام وسطاً وهو إشارة إلى أنّ الخلق منه وبه وإليه وعنه ، وله العقل وهو الأول والآخر ، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخطّ وفي الهجاء ».

(23) القواعد والفوائد 2 : 166 ـ 167.

(24) في هامش (ر) : « وقال السيد المرتضى : ليست الرحمة عبارة عن رقّة القلب والشفقة ، وإنّما هي عبارة عن الفضل والإنعام وضروب الإحسان ، فعلى هذا يكون إطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأول مجاز. منهرحمه‌الله تعالى ».

٢٨

ومنه :( وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ ) (25) أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ، لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات(26) .

وفي كتاب الرسالة الواضحة(27) : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة ، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ، واُخرى باعتبار الكيفية :

فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله تعالى :( وكان بالمؤمنين رحيماً ) (28) .

وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادقعليه‌السلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصة(29) .

وعن أبي عبيدة(30) : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وكرر لضرب

__________________

(25) الأنبياء 21 : 107.

(26) عدّة الداعي : 303 ـ 304 ، باختلاف.

(27) الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة ، للمصنف الشيخ علي بن إبراهيم الكفعمي : مخطوطة.

(28) الأحزاب 33 : 43.

(29) مجمع البيان 1 : 21.

(30) أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( 209 ه‍ ) وقيل غير ذلك.

وفيات الأعيان 5 : 235 ، الكنى والألقاب 1 : 116.

٢٩

من التأكيد(31) .

وعن السيد المرتضى(32) رحمه‌الله : أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختصّ بالعربية.

قال الطبرسي(33) : وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم ، لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث أنه لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، ولهذا جمع بينهما تعالى في قوله :( قلِ ادعوا اللهَ أو ادعوا الرحمنَ ) (34) فوجب لذلك تقديمه على الرحيم ، لأنه يطلق عليه وعلى غيره(35) .

الملك :

التامّ الملك ، الجامع لأصناف المملوكات ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(31) اُنظر : مجمع البيان 1 : 20.

(32) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، المشهور بالسيد المرتضى ، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وحاز من الفضائل ما تفرّد به وتوحّد وأجمع على فضله المخالف والمؤالف ، كيف لا وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردّى ببرديه ، روى عن جماعة عديدة من العامة والخاصة منهم الشيخ المفيد والحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق والتلعكبري ، روى عنه جماعة كثيرة من العامة والخاصة منهم : أبو يعلى سلار وأبو الصلاح الحلبي وأبو يعلى الكراجكي ومن العامة : الخطيب البغدادي والقاضي بن قدامة ، له عدّة مصنفات مشهورة ، منها الشافي في الإمامة لم يصنّف مثله والذخيرة ، توفي سنة ( 433 ه‍ ) وقيل ( 436 ه‍ ).

وفيات الأعيان 3 : 313 ، رياض العلماء 4 : 14، الكنى والألقاب 2 : 439.

(33) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، من أكابر مجتهدي علمائنا ، يروي عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي وغيره ، يروي عنه ولده الحسن وابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين وغيرهم ، له عدة مصنفات ، منها : مجمع البيان لعلوم القرآن ، وهو تفسير لم يعمل مثله عيّن كل سورة أنّها مكّية أو مدنية ثم يذكر مواضع الاختلاف في القراءة ثم يذكر اللغة والعربية ثم يذكر الإعراب ثم الأسباب والنزول ثم المعنى والتأويل والأحكام والقصص ثم يذكر انتظام الآيات ، توفي سنة ( 548 ه‍ ) في سبزوار وحمل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مغتسل الرضاعليه‌السلام وقبره مزار.

رياض العلماء 4 : 340 ، الكنى والألقاب 2 : 403 ، الذريعة 20 : 24.

(34) الإسراء 17 : 110.

(35) مجمع البيان 1 : 21 ، باختلاف.

٣٠

وقال الشهيد : الملك المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود في ذاته وصفاته(36) .

والملكوت : ملك الله ، زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، من الرهبة والرحمة.

القدوس :

فعول من القدس وهو الطهارة ، فالقدّوس : الطاهر من العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد ، والتقديس : التطهير ، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة :( ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّسُ لكَ ) (37) أي : ننسبك إلى الطهارة.

وسمّي بيت المقدس بذلك ، لأنه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب. وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام :

معناه ذو السلامة ، أي : سلم في ذاته عن كل عيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة تلحق المخلوقين ، والسلام مصدر وصف به تعالى للمبالغة. وقيل : معناه المسلم ، لأن السلامة تنال من قبله.

وقوله :( لهم دارُ السلام ) (38) يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى ، ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنة سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم من كلّ آفة.

* * *

__________________

(36) القواعد والفوائد 2 : 167.

(37) البقرة 2 : 30.

(38) الأنعام 6 : 127.

٣١

المؤمن :

المصدّق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق ، ويحتمل ذلك وجهان :

أ : أنّه يصدق عبادّه وعده ، ويفي لهم بما ضمنه لهم.

ب : أنّه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيّب آمالهم ، قاله البادرائي.

وعن الصادقعليه‌السلام : سمّي تعالى مؤمناً ، لأنه يؤمن عذابه من أطاعه(39) .

وفي الصحاح(40) : الله تعالى مؤمن ، وهو : الذي آمن عباده ظلمه(41) .

المهيمن :

قال العزيزي(42) في غريبه والشهيد في قواعده : هو القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم(43) .

وقال صاحب العدّة : المهيمن : الشاهد ، ومنه قوله تعالى :( ومهيمناً عليه ) (44) أي : شاهداً ، فهو تعالى الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وقيل : هو الرقيب على الشيء والحافظ له ، وقيل : هو الأمين(45) .

__________________

(39) التوحيد : 205.

(40) كتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي ، ابن اُخت أبي إسحاق الفارابي صاحب ديوان الأدب ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ الصحاح ـ وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من التهذيب وأقرب متناولاً من مجمل اللغة ، مات سنة ( 393 ه‍ ).

يتيمة الدهر 4 : 468 ، معجم الاُدباء 5 : 151، النجوم الزاهرة 4 : 207.

(41) الصحاح 5 : 2071 ، أمن.

(42) أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي. اشتهر بكتابه غريب القرآن ، وهو على حروف المعجم صنّفه في (15) سنة ، مات سنة ( 330 ه‍ ).

أعلام الزركلي 6 : 268.

(43) غريب القرآن ـ نزهة القلوب ـ : 209 ، القواعد والفوائد 2 : 167.

(44) المائدة 5 : 48.

(45) عدّة الداعي : 304 ـ 305 ، باختلاف.

٣٢

وإلى القول الأوسط ذهب الجوهري ، فقال : المهيمن الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف(46) .

قلت : إنّما كان المهيمن من آمن ، لأن أصل مهيمن مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجهما ، كما في هرقت الماء وأرقته ، وإيهاب وهيهات ، وإبرية وهبرية للخزاز الذي في الرأس ، وقرأ أبو السرائر الغنوي(47) : هياك نعبد وهياك نستعين(48) .

قال الشاعر :

وهياك والأمر الذي إن توسعت

موارده ضاقت عليك مصادره

العزيز :

الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه ، قاله الشهيد في قواعده(49) .

وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل(50) في كتابه منتهى السّؤول في شرح الفصول : العزيز هو الحظير الذي يقلّ وجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، فليس العزيز المطلق إلاّ هو تعالى.

وقال صاحب العدّة : العزيز المنيع الذي لا يُغلب ، ويقال : من عزّ بزّ ،

__________________

(46) الصحاح 6 : 2217 ، همن.

(47) كذا ، ولم أجد هذا الاسم في كتب التراجم.

(48) قال الزمخشري في الكشّاف 1 : 62 : « وقرئ إياك بتخفيف الياء واياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء ».

قال طفيل الغنوي :

فهياك والأمر الذي ان تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره.

(49) القواعد والفوائد 2 : 167.

(50) ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، عالم فاضل كامل ، من أجلة متكلمي الإمامية وفقهائهم ، يروي عن الشيخ فخر الدين ولد العلاّمة ، يروى عنه ابن فهد الحلي ، له عدة مصنفات ، منها : منتهى السّؤول في شرح الفصول ، وهو شرح على فصول خواجه نصير الدين الطوسي في اُصول الدين ، وهو شرحُ بالقول يعني قوله قوله.

رياض العلماء 4 : 293 ، الذريعة 23 : 10.

٣٣

أي : من غلب سلب ، ومنه قوله تعالى :( وعزّني في الخطابِ ) (51) أي : غلبني في محاورة الكلام ، وقد يقال العزيز للملك ، ومنه قوله تعالى :( يا أيها العزيزُ ) (52) أي : يا أيها الملك(53) .

والعزيز أيضاً : الذي لا يعادله شيء ، والذي لا مثل له ولا نظير.

الجبار :

القهار ، أو المتكبر ، أو المتسلّط ، أو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق ، أو الذي تنفذ مشيته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشية أحد. ويقال : الجبّار العالي فوق خلقه ، ويقال للنخل الذي طال وفات اليد : جبّار.

المتكبّر :

ذو الكبرياء ، وهو : الملك ، أو ما يرى الملك حقيراً بالنسبة إلى عظمته ، قاله الشهيد(54) .

وقال صاحب العدّة : المتكبّر المتعالي عن صفات الخلق ، ويقال : المتكبّر على عتاة خلقه ، وهو مأخوذ من الكبرياء ، وهم اسم التكبّر والتعظّم(55) .

الخالق :

هو المبدئ للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(51) ص 38 : 23.

(52) يوسف 12 : 78 ، 88.

(53) عدّة الداعي : 305.

(54) القواعد والفوائد 2 : 167.

(55) عدّة الداعي : 305 ، باختلاف.

٣٤

وقال الشهيد : الخالق ، المقدّر(56) .

قلت : وهو حسن ، إذ قد يراد بالخلق التقدير ، ومنه قوله تعالى :( إنّي أخلقُ لكم منَ الطينِ كهيئةِ الطيرِ ) (57) أي : اُقدّر.

البارئ :

الخالق ، والبرية : الخلق ، وبارئ البرايا أي : خالق الخلائق.

المصوّر :

الذي أنشأ خلقه على صور مختلفه ليتعارفوا بها ، قال تعالى :( وصوّركم فأحسنَ صوَركُم ) (58) .

وقال الغزّالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى : قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأن الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليست كذلك ، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولاً ، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً ، والله تعالى خالق من حيث أنّه مقدر ، وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ، ومصوّر من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً ، فإنه يحتاج إلى مقدّر يقدّر ما لابدّ منه : من الخشب ، واللبن ، ومساحة الأرض ، وعدد الأبنية وطولها وعرضها ، وهذا يتولاّه المهندس فيرسمه ويصوّره ، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولّى الأعمال التي عندها تحدث اُصول الأبنية ، ثم يحتاج إلى مزيّن ينقش ظاهره ويزيّن صورته ، فيتولاه غير البناء. هذه هي العادة في التقدير في البناء والتصوير ، وليس كذلك في أفعاله تعالى ، بل هو المقدّر والموجد والصانع ، فهو الخالق والبارئ والمصور(59) .

__________________

(56) القواعد والفوائد 2 : 167.

(57) آل عمران 3 : 49.

(58) غافر 40 : 64 ، التغابن 64 : 3.

(59) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 18.

٣٥

الغفّار :

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح ، قاله الشهيد(60) .

وقال البادرائي : هو الذي يغفر ذنوب عباده ، وكلّما تكررت التوبة من المذنب تكررت منه تعالى المغفرة ، لقوله :( وإني لغفّارٌ لِمن تابَ ) (61) الآية. والغفر في اللغة : الستر والتغطية ، فالغفّار : الستّار لذنوب عباده.

القهّار القاهر :

بمعنى ، وهو : الذي قهر الجبابرة وقهر العباد بالموت ، غير أنّ قهّار وغفّار وجبّار ووهّاب ورزّاق وفتاح ونحو ذلك من أبنية المبالغة ، لأنّ العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعّال ، ولهذا يقولون لكثير السؤال : سأّال وسأّالة.

قال :

سَأّالةٌ للفتى ما ليس في يده

ذهّابة بعقول القوم والمالي

وكذا ما بني على فعلان وفعيل كرحمن ورحيم ، إلاّ أن فعلان أبلغ من فعيل. وبنت مثال من بالغ في الأمر وكان قوياً عليه على فعول ، كصبور وشكور. وبنت مثال من فعل الشيء مرّة على فاعل ، نحو سائل وقاتل. وبنت مثال من اعتاد الفعل على مِفعال ، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور ، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث ، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكراً ونوبة اُنثى ، ورجل منعال ومفضال إذا كان ذلك من عادته.

الوهّاب :

هو من أبنية المبالغة كما مرّ آنفاً ، وهو الذي يجود بالعطايا التي لا تفنى ، وكّل من وهب شيئاً من أعراض الدنيا فهو واهب ولا يسمّى وهّاباً ، بل الوهّاب

__________________

(60) القواعد والفوائد 2 : 168.

(61) طه 20 : 82.

٣٦

من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت ، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولداً لعقيم ، قاله البادرائي.

وقال صاحب العدّة : الوّهاب الكثير الهبة ، والمفضال في العطية(62) .

وقال الشهيد : الوهّاب المعطي كل ما يحتاج إليه لكلّ من يحتاج إليه(63) .

الرزّاق الرازق :

بمعنى ، وهو : خالق الأرزقة والمرتزقة والمتكفّل بإيصالها لكلّ نفس ، من مؤمن وكافر ، غير أنّ في الرزّاق المبالغة.

الفتاح :

الحاكم بين عباده ، وفتح الحاكم بين الخصمين : إذا قضى بينهما ، ومنه :( ربّنا افتح بيننا وبينَ قومنا بالحقِ ) (64) أي : احكم.

وهو أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

العليم :

العالم بالسرائر والخفيات وتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها(65) .

__________________

(62) عدّة الداعي : 311.

(63) القواعد والفوائد 2 : 68.

(64) الأعراف 7 : 89.

(65) في هامش (ر) : « والعليم مبالغة في العالم ، لأنّ قولنا : عالم ، يفيد أنّ له معلوماً ، كما أنّ قولنا : سامع ، يفيد أنّ له مسموعاً ، وإذا وصفناه بأنّه عليم أفاد أنّه متى صحّ معلوم فهو عالم به ، كما أنّ سميعاً يفيد

٣٧

القابض الباسط :

هوالذي يوسع الرزق ويقدره بحسب الحكمة.

ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما ـ كالخافض والرافع ، والمعزّ والمذلّ ، والضارّ والنافع ، والمبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والمقدّم والمؤخّر ، والأول ، والآخر ، والظاهر والباطن ـ لأنّه أنبأ عن القدرة ، وأدلّ على الحكمة ، قال الله تعالى :( واللهُ يقبضُ ويبسطُ ) (66) فإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت الصفة على المنع والحرمان ، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين. فالأولى لمن وقف بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كلّ اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

الخافض الرافع :

هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين بالاسعاد. وقوله :( خافضةُ رافعةٌ ) (67) أي : تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة ، يعني : القيامة.

المعزّ المذلّ :

الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ، أو الذي أعزّ بالطاعة أولياءه ، فأظهرهم على أعدائه في الدنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، وأذل أهل

__________________

أنّه متى وجد مسموع فلابدّ أن يكون سامعاً له ، والعلوم كلّها من جهته تعالى ، لأنّها لا تخلو من أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها ، أو استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها ، فلا علم لأحد إلاّ الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

(66) البقرة 2 : 245.

(67) الواقعة 56 : 3.

٣٨

الكفر في الدنيا ، بأن ضربهم بالرق والجزية والصغار ، وفي الآخرة بالخلود في النار(68) .

السميع :

بمعنى السامع ، يسمع السّر والنجوى ، سواء عنده الجهر والخفوت والنطق والسكوت. وقد يكون السميع بمعنى القبول والإجابة ، ومنه قول المصلّي : سمع الله لمن حمده ، معناه : قبل الله حمد من حمده واستجاب له. وقيل : السميع العليم بالمسوعات ، وهي : الأصوات والحروف.

البصير :

العالم بالخفيّات ، وقيل : العالم بالمبصرات.

وفي عبارة الشهيد ،السميع : الذي لا يعزب عن إداركه مسموع خفيّ أو ظاهر ، والبصير : الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسّة والمعاني القديمة(69) .

الحَكَم :

هو الحاكم الذي سلّم له الحكم ، وسمّي الحاكم حاكماً لمنعه الناس من التظالم(70) .

__________________

(68) في هامش (ر) : « وقيل يعزّ المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، ويذلّ الكافر بالجزية والسبي ، وهو سبحانه وإن أفقر أولياءه وابتلاهم في الدنيا ، فإنّ ذلك ليس على سبيل الإذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة ، ويحلّهم غاية الإغزاز والإجلال ، ذكر ذلك الكفعمي في كتابه جُنّة الأمان الواقية. منهرحمه‌الله ».

انظر : جُنّة الأمان الواقية ـ المصباح ـ : 322.

(69) القواعد والفوائد 2 : 168.

(70) في هامش (ر) : « قلت : ومن ذلك اُخذ معنى الحكمة ، لأنّها تمنع من الجهل. وحكمة الدابة ما أحاط بالحنك ، سمّيت بذلك لمنعها من الجماح ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده

٣٩

العدل :

أي : ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. والعدل : هو الذي يجوز في الحكم ، ورجل عدل وقوم عدل وامرأة عدل ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

اللطيف :

العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، قاله الشهيد في قواعده(71) .

وقيل : اللطيف فاعل اللطف ، وهو ما يقرب معه العبد من الطاعة ويبعد من المعصية ، واللطف من الله التوفيق.

وفي كتاب التوحيد(72) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ معنى اللطيف هو :

__________________

ومنعته مما أراد ، وحكمته أيضاً إذا فوّضت إليه الحكم ، وفي حديث النخعي : حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ، أي : امنعه من الفساد ، وقيل : أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك ، وفي الحديث : إنّ في الشعر لحكمة ، أي : من الشعر كلاماً نافعاً يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما ، والحكم : الحكمة ، ومنه :( وآتيناه الحكم صبيّاً [ 19 : 12 ]) أي : الحكمة ، وقوله تعالى :( فوهب لي ربيّ حكماً [ 26 : 21 ]) أي : حكمة ، والصمت : حكم وقوله تعالى عن داودعليه‌السلام :( وآتيناه الحكمة [ 38 : 20 ]) قيل : هي الزبور ، وقيل : هي كلّ كلام وافق الحق ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، من مغرب المطرزي ، وغريبي الهروي وصحاح الجوهري. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : المغرب 1 : 133 حكم ، الصحاح 5 : 1901 حكم.

(71) القواعد والفوائد 2 : 170.

(72) كتاب التوحيد لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة ، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر روحي له الفداء ، وصفه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الخارج من الناحية المقدّسة بأنّه : فقيه خيِّر مبارك ينفع الله به ، فعّمت بركته ببركة الإمام وانتفع به الخاصّ والعامّ ، له عدّة مصنفات ، منها : هذا الكتاب ـ التوحيد ـ توفي سنة ( 381 ه‍ ) بالري ، وقبره قرب قبر عبد العظيم الحسني معروف.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82