التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 166359
تحميل: 7324

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166359 / تحميل: 7324
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

أتريد اللَّذّات في الدنيا ؟ والدرجاتُ في الآخرة! إنّما وعد الله الصابرين(١) .‏

بهذا الشكل تعاملوا مع الذوات الطاهرة والمطهرين بنصّ الذكر الحكيم، فتفننوا في ‏التسمية ببني النعل وبني السنان وبني الطشت وبني القضيب، وصار عدم التسمية بعلي ‏والحسن والحسين منقبة ليس في قريش ما يماثلها، بل صارت التسمية من عقوق الأهل ‏للولد.

وكان هذا المنهج قد بَدَأَ بصراحة ووضوح من عائشة ومعاوية ثم استمر إلى اللاحقين ‏حتى حكومة العثمانيّين، وسيبقى إلى زمان السفياني.

وبهذا فقد عرفت أنّ حرب الأسماء حَمِيَ وطيسها وظهرت علناً في عهد معاوية، ‏الذي كان يتفنن و يتلذّذ في حرب الأسماء، ومن ثمّ حذا حذوه باقي الأمويين والمروانيّين ‏وحتّى العباسيّون حين استلامهم أُمور الحكم، فجاء في كتاب ‏(‏المستطرف في كل فن ‏مستظرف‏)‏: أن معاوية قال يوماً لجارية بن قدامة: ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك ‏جارية!!.

فقال: ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك معاوية وهي الأنثى من الكلاب.

قال: اسكت لا أمَّ لك.

قال: أمٌّ لي ولدتني، أما والله إنّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف ‏التي قاتلناك بها لفي أيدينا، وإنّك لم تهلكنا قسوة، ولم تملكنا عنوة، ولكنّك أعطيتنا عهداً ‏وميثاقاً، وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن نزعت إلى غير ذلك فإنّا ‏تركنا وراءنا رجالاً شداداً وأسنّة حداداً.

فقال معاوية: لا أكثر الله في الناس مثلك يا جارية.

فقال له: قل معروفاً فإن شر الدعاء محيط بأهله(٢) .

نعم، إنّ الخلفاء الثلاثة - ومتبعيهم - لم يكونوا على وفاق مع عليّ وآله، وقد ‏

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٤: ١٠٩ وعنه في بحار الأنوار ٣٤: ٣٣٤.

٢- المستطرف في كل فن مستظرف ١: ١٣٤.

٢٢١

جرى على نهجهم الحكّام الاخرون - أمويين كانوا أم عباسيين - فإنّهم كانوا مخالفين ‏لمنهج عليّ بن أبي طالب، ونحن بذكرنا النصوص السابقة أردنا توضيح الحقيقة وإعطاء ‏المطالع الكريم صورة أقرب إلى الواقع ممّا يرسمه له أتباع السلطان، فلا أخوّة بين علي ‏وعمر ولا محبّة بين الخلفاء وأهل البيت، وليس في التسميات أو المصاهرات ما يدل على ‏ذلك، وهو ليس كما يحاول أن يصوّره بعض الكتّاب وبعض الجمعيّات في البلدان العربيّة ‏والإسلاميّة ويصر عليه.

فعن حنّان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما قبض أميرالمؤمنين ‏وأفضت الخلافة إلى بني أميّة سفكوا الدماء ولعنوا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه على ‏المنابر، وتبرَّؤوا منه، واغتالوا الشيعة في كلّ بلدة وقتلوهم، وما يليهم من الشيعة بحطام ‏الدنيا، فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان; كلّ من لم يلعن أميرالمؤمنين ويتبرأ منه قتلوه، ‏فشكت الشيعة إلى زين العابدين وسيّد الرهبان من المؤمنين و إمامهم عليّ بن الحسين ‏صلوات الله عليهما، فقالوا: يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كلّ حجر ومدر، واستأصلوا ‏شأْفتنا، وأعلنوا لعن أميرالمؤمنين على المنابر والطرق والسكك، وتبرَّؤوا منه، حتّى ‏أنهم ليجتمعون في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعند منبره فيطلقون على ‏أميرالمؤمنينعليه‌السلام اللعنة علانية، لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير، فإن أنكر ذلك أحد ‏منّا حملوا عليه بأجمعهم، قالوا: ذكرتَ أبا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه.‏

فلمّا سمع ذلك نظر إلى السماء، وقال: سبحانك ما أحلمك، وأعظم شأنك، ومِنْ حلمك ‏أنَّك أمهلت عبادك حتّى ظنّوا أنّك أغفلتهم، وهذا كلّه لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك، ‏تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به منّي(١) .‏

وفي العثمانية للجاحظ: عن ابن اليقظان قال: قام رجل من ولد عثمان إلى ‏

____________________

١- الهداية الكبرى: ٢٢٦ - ٢٢٧، وهذا ما نشاهده اليوم من الوهابية وطريقة تعاملهم مع شيعة الإمام علي ‏خصوصاً في بلد يسمى بالسعودية.

٢٢٢

هشام بن عبدالملك يوم عرفة، فقال: إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي ‏تراب(١) .

بلى إنّ الخلفاء - أمويون كانوا أم عباسيين - كانوا يحاربون الشيعة ولم يرتضوا ‏التسمية باسم عليّ، لكنّ التسمية أخذت تعود شيئاً فشيئاً إلى الساحة رغم كلّ هذا ‏الإجحاف.

قال الذهبي في تاريخ الإسلام في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين: وقام ‏بعده ابنه المكتفي بالله، أبو محمّد علي، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ ‏إلاّ هو وعليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، ولد س-نة أربع وستّ-ين ‏ومائتين، وأمّه تركية، وكان من أحس-ن الناس(٢) .

وفي البداية والنهاية: خلافة المكتفي بالله أبي محمّد، عليّ بن المعتضد ‏بالله، أميرالمؤمنين، بويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الأوّل من ‏هذه السنة، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ سوى هذا وعليّ بن أبي ‏طالب، وليس فيهم من يكنّى بأبي محمّد إلاّ هو والحسن بن عليّ بن أبي ‏طالب والهاديوالمستضيء بالله(٣) .

وهذا النصّ صريح في عدم وجود من اسمه عليّ بين الخلفاء إلى زمان المكتفي بالله ‏إلاّ هو والإمام عليّ، فلا نعلم سبب تسمية المكتفي بعليّ ؟ وهل أ نّها كانت لمحبّة والده ‏المعتضد للإمام عليّ، أو لمحبوبيّة هذا الإسم عنده وتناغمه مع روحيّاته وطبعه ؟ أو إنّه ‏وضع هذا الاسم على ابنه سياسةً كي يستميل قلوب العلويين ؟ أو أنّ هناك دواعي أخرى ؟

____________________

١- العثمانية: ٢٨٤ وعنه في شرح نهج البلاغة ١٣: ٢٢١.

٢- تاريخ الإسلام ٢١: ٣٥، تاريخ بغداد ١١: ٣١٦، تاريخ الخلفاء: ٣٧٦.

٣- البداية والنهاية، لابن كثير ١١: ٩٤، ١٠٤.

٢٢٣

المهمّ انّ التسمية بعليّ عادت إلى قاموس الخلفاء ثمّ من بعده إلى جمهور الناس، وأخذ ‏الوضع يتوازن بعد أكثر من قرنين من الزمن، وصارت أعمال بني أميّة من الماضي ‏البغيض حيث كانوا يصغّرون مَنْ آسمْه عَلي استنقاصاً له فيقولون: (عُلَي)، ومن الناس ‏من كان يُصغّر اسمه خوفاً من الأمويين فيقول: أنا لست بعَلي اسمي عُلَي، وقد مرّ عليك ‏بأنّ البعض كان لا يرتضي تصغير اسمه مثل عليّ بن رباح رغم تصغير الأمويين - أو ‏أبوه - اسمه في فترة خاصة من ‏(‏عَلي‏)‏ إلى ‏(‏عُلي‏)‏ لكنه كان لا يريد استمرار هذا الاسم ‏عليه في الأزمان اللاحقه.

بلى، إنّ البعض كان يغير اسمه، أو إنّ أقرباءه كانوا يطلقون اسماً آخر عليه خوفاً ‏من أن يرمى أو يُرْمَوا بالتشيع أو أي سبب آخر، ومن ذلك ما جاء في (الطبقات الكبرى) ‏للشعراني بأنّ عليّ بن شهاب - جدّ المصنّف - كان يكره ‎

من يقول له: يا نور الدين، ويقول: نادوني باسمي عليّ كما سمّاني بذلك ‎

والدي(١) .

وعليه فالحسّاسيّة مع اسم عليّ كانت موجودة في العهدين الأموي والعبّاسي الأوّل، ‏لكنّها أخذت تقلّ، مؤكدّين بأنّ الحساسية مع اسمهعليه‌السلام لم تكن كالحساسيّة مع ‏الأسماء الأخرى، فإنّ التارك لإسم الإمام عليّ كان يتركه للخوف، بخلاف التارك ‏للأسماء الأخرى مثل عمار، وغيرها من الأسماء العربية، وقد ترشدنا هذه التسمية إلى ‏تقليل الوطئة مع اسم عليّ شيئاً فشيئاً، إذ قال الشيخ الأميني عند كلامه عن ابن الرومي ‏المسمّى بعليّ:‏

وقد اتّفق لبعض الخلفاء وولاة العهد [في العهد العبّاسي الأوّل ‏ ‎ ] ‎ أنفسهم ‏أنّهم كانوا يكرمون عليّاً وأبناءه، كما كان مشهوراً عند (المعتضد) الخليفة ‏الذي أكثر ابن الرومي من مدحه، وكما كان مشهوراً عن (المنتصر) - وليّ ‏العهد - الذي ‏

____________________

١- الطبقات الكبرى للشعراني ١: ٣٤٠.

٢٢٤

قيل: إنّه قتل أباه (المتوكّل) جريرةَ مُلاحاة وقعت بينهما في الذَّبِّ عن ‏حرمة عليّ وآله(١) ، وقد لا تعني هذه التسميات شيئاً.

حرب الأسماء والمضادّة مع الأسماء المشتقّة من اسم الباري

من ابن أبي سفيان إلى السفياني:‏

وبهذا، فقد عرفت بأنّ معاداة آل البيت مع بني أميّة كانت لله وفي الله، وأنّ عليّاً كان ‏يعرف معاصريه حقّ المعرفة، وقد وضح ذلك للناس بقوله: (ايّها الناس! انّي أحقّ من ‏أجاب إلى كتاب الله، ولكنّ معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وابن أبي سرح، ‏وابن سلمة، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن....! إنّي أَعْرَفُ بهم منكم، صحبتهم صغاراً ‏ورجالاً، فكانوا شَرّ صغار وشرّ رجال...)(٢) .‏

وجاء عن الإمام الصادق قوله: إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق ‏الله، وقالوا: كذب الله!‏

قاتل أبوسفيان رسول الله، وقاتل معاوية عليّ بن أبي طالب، وقاتل يزيد بن معاويه ‏الحسين بن عليّ، والسفياني يقاتل القائم(٣) .

وفي كنز العمّال عن عليّ، قال: يُقْتَلُ في آخر الزمان كُلُّ عليّ، وأبي عليّ، وكلّ ‏حسن، وأبي حسن، وذلك إذا أفرطوا فِيَّ كما أفرطت النصارى في عيسى ابن مريم، ‏فانثالوا على ولدي فأطاعوهم طلبا للدنيا(٤) .‏

فإن ذيل هذا الحديث وضعته بنو أمية مقابل ما جاء في روايات أهل البيت ‏

____________________

١- الغدير ٣: ٤١.

٢- شرح النهج ٢: ٢١٦.

٣- معاني الأخبار: ٣٤٦، بحار الأنوار ٣٣: ١٦٥ و ٥٢: ١٩٠، وفي شرح النهج ٤: ٧٩ - ٨٠ قريب منه ‏عن عليّ.

٤- كنز العمال ١١: ٣٣٣.

٢٢٥

عن الأمويين وأنّهم يقتلون كل من سمي بعلي والحسن والحسين، وهو يؤكد ما قلناه ‏من حرب الأسماء.

فقد نقل الشيخ أبو الحسن المرندي في (مجمع النورين) بعض علائم خروج السفياني ‏قبل ظهور القائم، ثم قال: قال أميرالمؤمنين: لم يزل السفياني يقتل مَنْ اسمه محمّد وعليّ ‏والحسن والحسين وجعفر وموسى وفاطمة وزينب ومريم وخديجة وسكينة ورقية حَنَقاً ‏وبغضاً لآل محمّد، ثم يبعث في سائر البلد فيجمع له الأطفال، فيغلي لهم الزيت فيقولون: ‏إِن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا ؟ فيأخذ كلّ من اسمه ما ذكرته فيغليهم، ثمّ يسير إلى ‏كوفانكم هذه فيدور فيه كما تدور الدوّامة، يفعل بهم كما فعل بالأطفال، فيصلب على بابها ‏كلّ من اسمه حسن وحسين، ثمّ يسير إلى المدينة فينهبها ثلاثة، ويقتل فيها خلق كثير، ‏ويصلب على بابها كلّ من اسمه الحسن والحسين، فعند ذلك تغلى دماؤهم كما غلي دم ‏يحيى بن زكريا، فإذا رأى السفياني ذلك الأمر أيقن بالهلاك، فيولى هارباً فيرجع منهزماً ‏إلى الشام فلا يرى...(١) .‏

وفي عقد الدرر في أخبار المنتظر: عن أميرالمؤمنين قال:‏

‏ ويقتل من كان اسمه محمّداً، وأحمدَ، وعليّاً، وجعفراً، وحمزةَ، ‏وحسناً، وحسيناً، وفاطمة، وزينباً، ورقية، وأمّ كلثوم، وخديجة، ‏وعاتكة، حنقاً وبغضاً لبيت آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ يبعث فيجمع الأطفال ويغلي الزيت لهم، فيقولون: إن كان آباؤنا عصوك ‏فنحن ما ذنبنا ؟! فيأخذ منهم اثنين اسمهما حسناً وحسيناً، فتصلبهما ...‏

فتَغْلي دماؤهما كما غلى دم يحيى بن زكريّاعليهما‌السلام ، فإذا رأى ‏

____________________

١- مجمع النورين: ٣٢٩ - ٣٣٠.

٢٢٦

ذلك أيقن بالهلاك والبلاء، فيخرج هارباً متوجهاً منها إلى الشام، فلا يرى ‏في طريقه أحداً يخالفه(١) .

إِنَّ أخبار آخر الزمان المرويّة عن الإمام عليّ هي موجودة في كتاب (الزام الناصب) ‏وفي غيره، ومما جاء في نص الزام الناصب خروج السفياني في عصائب أهل الشام ‏وقتله خلقاً كثيراً، وسيره إلى حمص، ثمّ العبور منه إلى الفرات من باب مصر، فيقتل ‏بالزوراء سبعين ألفاً، ويبقر بطون ثلاثمائة امرأة حامل، ويخرج الجيش إلى الكوفة، فكم ‏من باك وباكية، فيُقْتَلُ بها خلقٌ كثير، وأما جيش المدينة فإنه إذا توسط البيداء صاح به ‏جبرائيل صيحة عظيمة فلا يبقى منهم أحد إلاّ وخسف الله به الأرض، ويكون في إِثْرِ ‏الجيش رجلان أحدهما بشير والآخر نذير، فينظرون إلى ما نزل بهم فلا يرون إلاّ رؤوساً ‏خارجة من الأرض، فيقولان: ما أصاب الجيش ؟ فيصيح بهما جبرائيل فيحوّل الله ‏وجوههما إلى قهقرى، فيمضي أحدهما إلى المدينة وهو البشير فيبشرهم بما سلّمهم الله ‏تعالى، والآخر نذير فيرجع إلى السفياني ويخبره بما أصاب الجيش، قال: (وعند جهينة ‏الخبر الصحيح) لأ نّهما من جُهْينة بشير ونذير.

فيهرب قوم من أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم أشرافٌ إلى بلد الروم، ‏فيقول السفياني لملك الروم: تردُّ عليّ عبيدي، فيردّهم إليه فيضرب أعناقهم على الدرج ‏الشرقي لجامع دمشق، فلا ينكر ذلك عليه أحد... قال: ولا يزال السفياني يقتل كلّ من اسمه ‏محمّد وعليّ وحسن وحسين وفاطمة وجعفر وموسى وزينب وخديجة ورقيّة بغضاً وحنقاً لآل ‏محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ يبعث في جميع البلدان فيجمع له الأطفال ويغلي لهم ‏الزيت، فيقول له الأطفال: إن كان آباؤنا عصوك فما ذنبنا؟! فيأخذ كلّ من اسمه على ما ذكرت ‏فيغليهم في الزيت، ثمّ يسير إلى كوفانكم هذه فيدور فيها كما تدور الدوّامة، فيفعل ‏

____________________

١- عقد الدرر: ١٣٠ - ١٣١.

٢٢٧

بالرجال كما يفعل بالأطفال، ويصلب على بابها كلّ من اسمه حسن وحسين، ثمّ يسير إلى ‏المدينة فينهبها في ثلاثة أيام، ويقتل فيها خلق كثير، ويصلب على مسجدها كلّ من اسمه ‏حسن وحسين، فعند ذلك تغلي دماؤهم كما غلى دم يحيى بن زكريا، فإذا رأى ذلك الأمر ‏أيقن بالهلاك، فيولّي هارباً ويرجع منهزماً إلى الشام(١) .

ولا يخفى عليك بأنّ سبب قتل السفياني لمن اسمه عليّ، حسن، حسين، جعفر، ‏حمزة إنّما هو لكونهم من شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن المخالفين لمنهجه، ‏فأراد التنكيل بمن ليس على منهجه المشؤوم.

وعليه، فإنّ أتباع معاوية كانوا قساةَ شرسين يستهزؤون بكلّ شيء، ويسحقون كلّ ‏القيم، ويعادون ويحاربون كلّ من خالفهم وحتّى الأسماء، وقد كانوا يبغضون عليّاً وأولاده ‏وشيعته بما جعلهم في مصافّ من يردون يوم القيامة النار; روى الأعمش أنّ جريراً ‏والأشعث خرجا إلى جبّان(٢) الكوفة، فمر بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ، فنادياه: يا ‏أبا حِسْل، هلمَّ يدك نبايعك ‎

بالخلافة. فبلغ عليّاً قولهما فقال: أما إنّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما ‎

ضبّ(٣) .

نعم، إنّ بني أميّة كانوا يستغلون عطف ولين بني هاشم، لأنّهم عرفوا أنّ أهل البيت ‏مأمورون بالسكوت من قبل الله ورسوله: فقال معاوية ذات يوم لعقيل: إنّ فيكم يا بني ‏هاشم ليناً، قال [عقيل]: أجل إنّ فينا ليناً من غير ضعف، وعزّاً من غير عنف، وإنّ ‏لينكم يا معاوية غدر، وسلمكم كفر(٤) .‏

____________________

١- الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب ٢: ١٧١ - ١٧٣. وهذه الأخبار الثلاث - ما رواه المرندي وصاحب ‏عقد الدرر و إلزام الناصب - باعتقادي هي رواية واحدة.

٢- أي الصحراء وأهل الكوفة يسمون المقبرة جبانة.

٣- شرح النهج ٤: ٧٥ - ٧٦.

٤- شرح النهج ٤: ٩٢ - ٩٣.

٢٢٨

وجاء عن رسول الله قوله: مروّتنا أهل البيت العفو عمّن ظلمنا وإعطاء من ‏حرمنا(١) .

وعليه فالإمامعليه‌السلام لا يتعامل مع أعدائه ومخالفيه من منطلق الحقد والكراهية، ‏بل يتعامل معهم بمنتهى اللين والوداعة، فيجادلهم بالتي هي أحسن، وليس بين هذا وبين ‏أن يدعو عليهم وأن يطلب من الله أن يبعدهم عن رحمته مخالفة وتضاد.

فعليّ كان يقنت في صلاة الفجرِ وفي صلاة المغرب، ويلعن معاوية، وعمراً، ‏والمغيرة، والوليد بن عقبة، وأبا الاعور، والضحاك بن قيس، وبسر بن أرطاة، وحبيب بن ‏سلمة، وأبا موسى الأشعري، ومروان بن الحكم، وكان هؤلاء يقنتون عليه ويلعنونه(٢) .‏

ومع كلّ ذلك فلا نراهعليه‌السلام - كالأمويين - يمنع من التسمية بهذه الأسماء ‏وغيرها من الأسماء التي يكون المسمَّون بها في غاية القبح، اللّهمّ إلاّ ‎

تكون بعض هذه الأسماء ممنوعة ومنهيّ عنها من حيث دخولها تحت تلك العمومات ‏الناهية من التسمية بأسماء الاعداء، فالإمامعليه‌السلام لا يستهزئ بأحد ولا يستنقص ‏إنساناً من خلال اسمه كائناً من كان، ولا ينحو منحى الأمويين في محاربة الأسماء.

قال دعبل الخزاعي مصوّراً حال آل محمّد بقوله:‏

إنّ اليهود بحبّها لنبيّها أَمِنَتْ بوائقَ دهرها الخوّانِ

وكذا النصارى حُبّهم لنبيِّهم يمشون زهواً في قرى نجرانِ

والمسلمونَ بحبّ آل نبيِّهم يُرمونَ في الآفاق بالنيرانِ(٣)

____________________

١- بحار الأنوار ٧٤: ١٤٥.

٢- شرح النهج ٤: ٧٩.

٣- ديوان دعبل الخزاعي: ١٧٢، وانظر روضة الواعظين: ٢٥١ باختلاف يسير.

٢٢٩

أهل البيت وموقفهم من تغييرات الخلفاء للأسماء والمفاهيم

ذكرنا سابقاً دور قريش وبعض خططهم، وأكّدنا على منهج الأمويّين في تعاملهم مع ‏المقدّسات، ومساسهم بالرسول والرسالة كناية وتصريحاً، وتغييرهم لاسم المدينة المنوّرة ‏من (الطيبة) إلى (الخبيثة)، واسم بئر زمزم إلى أُمّ الخنافس أو أُمّ الجُعلان، والقول بأنّ ‏الخليفة أهمّ من رسول الله، ثمّ التركيز على المباغضة والمضادة مع عليّ بن أبي طالب ‏والاستنقاص منه ومن آله المعصومين الأطهارعليهم‌السلام ، وقتل من تسمّى باسمه ‏وباسم أحد أبنائه أو اسم أعمامه أو اسم الزهراءعليها‌السلام ، كل ذلك لأنّ هذه الأسماء ‏والصفات هي أسماء وصفات يحبها الله ورسوله، وقد تسمّى بها أتباع آل محمّد.

والأمويون حسداً وبُغضاً ضادُّوا هذه الأسماء وكان ضمن المخطّط الاستنقاص بالإمام ‏الباقرعليه‌السلام .

ذكر ابن قتيبة الدينوري في (عيون الأخبار) أنّ هشاماً قال لزيد بن عليّ لمّا ‏دخل عليه: ما فعل أخوك البقرة ؟

فقال زيد: سمّاه رسولُ الله باقِرَ العلم وأنت تسمّيه بقرة ؟! لقد اختلفتما ‏إذاً(١) .

نعم، قال هشام بن عبدالملك هذا في الباقرعليه‌السلام في حين أنّ جابر بن عبدالله ‏الأنصاري كان قد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: إنّك ستعيش حتّى ترى ‏رجلاً من أولادي اسمه اسمي، يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فأَقْرِئْهُ منّي السلام، فلقيه جابر ‏وأقرأه السلام(٢) .

____________________

١- عيون الأخبار ١: ٣١٣، وعنه في إعلام الورى للطبرسي ١: ٤٩٤، سر السلسلة العلوية: ٣٣، عمدة ‏الطالب: ١٩٤.

٢- سمط النجوم العوالي ٤: ١٤١، تاج العروس ١٠: ٢٢٩، وانظر تاريخ دمشق ٥٤: ٢٧٥، المعجم ‏الأوسط للطبراني ٦: ١٤، وعنه في مجمع الزوائد ١٠: ٢٢، سير أعلام النبلاء ٤: ٤٠٤، والكافي ١: ٣٠٤ ‏ح ٤.

٢٣٠

إنّ الناس المرتبطين بأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كانوا يعرفون هذه الأمور، ‏ويعلمون بأنّ تسلّط الأمويّين على رقاب المسلمين كان بِفِعْل عمر بن الخطّاب، وأنّ ‏مردود كلّ هذه الأعمال الإجرامية يرجع وزرها إلى الاول والثاني لأنّهما المسؤولان عن ‏كلّ ذلك، فعمر - الذي جاء إلى الحكم بوصية من أبي بكر - هو الذي ثبّت حكم معاوية بن ‏أبي سفيان وقوّى سلطانه، وقد أخبرت السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام عن هذا الأمر ‏وأنّ التالين سيعرفون غبّ ما أسّسه الأوّلون(١) .

فقد اخرج الكليني في الكافي عن الكميت بن زيد الأسدي قال: دخلت على أبي ‏جعفرعليه‌السلام فقال: والله يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ولكن لك ما قال ‏رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحسّان بن ثابت لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا.

قال: قلت: خبّرني عن الرَّجلين ؟

قال: فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثمَّ قال: والله يا كميت ما اهريق محجمة من دم ‏ولا اُخذ مال من غير حلّة ولا قُلب حجر عن حجر إلاّ ذاك في أعناقهما(٢) .

وأيضاً روى باسناده عن أبي العبّاس المكّي قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ‏إنَّ عمر لقي عليّاً صلوات الله عليه فقال له: أنت الّذي تقرأ هذه الآية (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٣) ‏وتعرّض بي وبصاحبي ؟ قال: فقال له: أفلا اُخبرك بآية نزلت في بني اُميّة: (فَهَلْ ‏عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الاْرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ) فقال: كذبت، بنو أميّة أوصل ‏للرَّحم منك ولكنك أبيت إلاّ عداوة لبني ‏

____________________

١- جواهر المطالب ١: ١٦٨.

٢- الكافي ٨: ١٠٢ ح ٧٥.

٣- المفتون بمعنى الفتنة كما تقول: ليس له معقول أي عقل وقوله تعالى: (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)أي بأي الفريقين منكم ‏الجنون بفريق المؤمنين أو الكافرين، وقد أتى الإمام بهذه الآية تعريضاً بهما حيث نسبا الجنون إلى النبي كما ‏ذكر في نزول الآية.

٢٣١

تيم وبني عدي وبني اُميّة(١) .

وقالعليه‌السلام لأبي الفضل: يا أبا الفضل ! ما تسألني عنهما، فوالله ما مات منّا ‏بيت قطّ إلاّ ساخطاً عليهما، وما منّا اليوم إلاّ ساخط عليهما، يوصي بذلك الكبير منّا ‏الصغير، إنّهما ظلمانا حقّنا، ومنعانا فيئنا، وكانا أوّل من ركب أعناقنا، والله ما أسست ‏من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلاّ هما أسّسا أوّلها، فعليهما لعنة الله والملائكة ‏والناس أجمعين(٢) .

وقال أيضاًعليه‌السلام : هما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله، وأوّل من حمل ‏الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت(٣) .

وعن بشير قال سألت أبا جعفر ] الباقر [ عن أبي بكر وعمر فلم يجيبني، ثم سألته فلم ‏يجيبني، فلما كان في الثالثة قلت: جعلت فداك اخبرني عنهما ؟

فقال ما قطرت من دمائنا ولا دماء أحد من المسلمين إلاّ وهي في اعناقهما إلى يوم ‏القيامة(٤) .

وفي خبر آخر عن بشير عن الباقر: انتم تقتلون على دم عثمان بن عفان، فكيف لو ‏اظهرتم البراءة منهما(٥) إذا لما ناظروكم طرفة عين(٦) .

وسئل زيد بن علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر فلم يجب فيهما، فلمّا أصابته الرميّة ‏فنزع الرمح من وجهه استقبل الدم بيده حتّى صار كأ نّه كبد، فقال: أين السائل عن أبي ‏بكر وعمر ؟ هما والله شركاء في هذا الدم، ثم رمى به وراء ظهره.

____________________

١- الكافي ٨: ١٠٣ ح ٧٦.

٢- الكافي ٨: ٢٤٥ ح ٣٤٠ وعنه في بحار الأنوار ٣٠: ٢٦٩ ح ١٣٨.

٣- تهذيب الأحكام ٤: ١٤٥ ح ٤٠٥.

٤- بحار الأنوار ٣٠: ٢٨١.

٥- أي أبي بكر وعمر.

٦- بحار الأنوار ٣٠: ٢٨٢ - ٢٨٣.

٢٣٢

وعن نافع الثقفي - وكان قد أدرك زيد بن عليّ -، قال: فسأله رجل عن أبي بكر ‏وعمر، فسكت فلم يجبه، فلمّا رمي قال: أين السائل عن أبي بكر وعمر ؟ هما أوقفاني ‏هذا الموقف.

وفي نص آخر سئل زيد بن علي وقد أصابه سهم في جبينه: من رماك به ؟ قال: هما ‏رمياني هما قتلاني(١) .

فجاء في تاريخ أبي الفداء، ووفيات الأعيان، ومرآة الجنان عن محمّد بن منصور ‏قال: كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة، فجاءه أبو العيناء ‏معترضاً، فرآه يستاك وهو يقول مغتاضاً: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى ‏عنهما، ومن أنت يا جُعَل حتّى تنهى عمّا فعله رسول الله وأبوبكر ؟!‏

سمع أبو العيناء ذلك وسكت، حتّى جاء يحيى بن أكثم ونقل للمأمون رواية عن ‏الزهري عن أميرالمؤمنين عن رسول الله في حرمة المتعة(٢) فقيل انّ المأمون رجع عن ‏رايه حينما سمع بهذه الرواية.

أنا لا أُريد أن أدخل في نقاش مع يحيى بن أكثم، وما رواه عن الزهري عن ‏أميرالمؤمنين وهل هو صحيح أم لا، كما لا أريد أن أُبيّن من هو الزهري فأنكَأُ القُرحَةَ، ‏لأنّ القول بجواز المتعة عند أهل البيتعليهم‌السلام لا غبار عليه، وقد غدا موضع سهام ‏الخصوم عليهم، وقد كان ابن عبّاس(٣) وسعد بن أبي وقّاص(٤) وأبو موسى ‏الأشعري(٥) وغيرهم من الصحابة يقولون بجوازها وقد ذكر البغدادي ‏

____________________

١- بحار الأنوار ٨٥: ٢٦٤.

٢- تاريخ ابي الفداء ١: ٣٥٣، وفيات الأعيان ٦: ١٥٠، مرآة الجنان ٢: ١٣٧، الشعور بالعور ‏للصفدي: ٢٣٩، وانظر في مدعيات ابن اكثم مناظرة الشيخ المفيد مع شيخ من الاسماعيلية في (الفصول ‏المختارة للشيخ المفيد: ١٥٨ - ١٦٢).

٣- المغني ٧: ١٣٦، المبدع ٧: ٨٧.

٤- مسند أحمد ١: ١٨١ ح ١٥٦٨، مسند أبي عوانه ٢: ٣٤٤ ح ٣٣٦٨، وانظر صحيح مسلم ٢: ٨٩٨.

٥- صحيح مسلم ٢: ٨٩٦ ح ١٢٢٢، سنن ابن ماجة ٢: ٩٩٢ ح ٢٩٧٩، المجتبى للنسائي ٥: ١٥٣ ح ‏‏٢٧٣٥.

٢٣٣

في المحبر اخرين منهم(١) ، و إنّ عدم إرث المتمتّع بها لا يمنع من تشريع المتعة، ‏و إنّ الولد في هذا النكاح يلحق بأبيه، و إنّ فيه العدّة كالدائم، ولا أرى بين العامة من أفتى ‏بإجراء الحدّ عليه بل اكتفوا بالتعزير للقاعدة الشرعيّة (ادرؤوا الحدود بالشبهات); كلّ هذه ‏الأمور تدلّ على حليّتها وسقم حكاية يحيى بن أكثم وكذب ما رواه الزهري عن الإمام ‏علي.

وكيف نصدّق بمناداة المأمون بتحريم المتعة بهذه السهولة وهو العارف بمجريات ‏الأحداث في هذه المسألة على وجه التحديد ؟!‏

إنّهم أتوا بهذا الذيل كي يخدشوا فيما قاله المأمون في عمر: ‏(‏ومن أنت يا جُعَل‏)‏ ؟! وفي ‏سياق تحريفاتهم أبدلوا عبارة المأمون السابقة ب- (ومن أنت يا أحول)(٢) ، استغلالا لِحَوَل ‏عُمَر - الواردة في بعض النصوص -، مع أنّ المأمون - لو صح الخبر - لم يُرِدْ نَبْزَهُ ‏بالحَوَل، و إنّما أراد بيان تفاهته وسفاهة رأيه في المتعة، وكيفما كان، فإنّ ما شرعه ‏الأوّلون من بذاءة الألفاظ، ومحاربة كلّ شيء حتّى الأسماء، عاد مردوده عليهم، فذاقوا ‏وبال ما أسّسوه، كما وقفت على قولهم في عمر.

وبالعودة إلى صلب الموضوع نقول:‏

مرّت عليك كيفيّة تعامل الأمويّين وعائشة مع موضوع التسمية، وأنّ أهل ‏البيتعليهم‌السلام لم يسكتوا على مخطّط قريش، إذ أنّ الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام هو أوّل من بدأ بالفكر التصحيحي والوقوف أمام استغلال الآخرين لموضوع ‏

____________________

١- كتاب المحبر: ٢٨٩ من كان يرى المتعة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : خالد بن عبدالله ‏الأنصاري، وزيد بن ثابت الأنصاري، وسلمة بن الاكوع الأسلمي، وعمران بن الحصين الخزاعي، وعبدالله ‏بن العباس بن عبدالمطلب.

٢- تاريخ بغداد ١٤: ١٩٩، تاريخ دمشق ٦٤: ٧١، تهذيب الكمال ٣١: ٢١٤، المنتظم ١١: ٣١٥، طبقات ‏الحنابلة ١: ٤١٣.

٢٣٤

التسميات، وقد قلنا بأ نّه حاربهم بالقول; حيث سمّى ابنه ‏(‏عثمان‏)‏ حبّاً لعثمان بن ‏مظعون لا لعثمان بن عفّان، أي أنّ التسمية في وضعها الأوّلي لا يلحظ فيها المحبّة، ‏ولو أردتم لحاظ المحبة في ذلك فقد وضعته حباً لابن مظعون لا لابن عفان.

ثمّ جاءت النصوص من قبل أئمّة أهل البيت يتلو بعضها بعضاً لتوكّد استحباب التسمية ‏بمحمّد وعليّ والحسن والحسين وقوفاً أمام التيّار الذي أحدثه عمر الذي يقضي بالمنع من ‏التسمية بمحمّد وغيره من الأنبياء، حيث إنّ التسمية بهم والتكنية بكناهم هي من خير ‏الأسماء وخير الكنى، إلاّ ما استثني من التسمية بمحمّد والتكنية بأبي القاسم.

فعن جابر، عن أبي جعفر - في حديث - أنّه قال لابن صغير: ما اسمك ؟

قال: محمّد.

قال: بم تُكنّى ؟

قال: بعلي.

فقال أبو جعفر: لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً(١) شديداً، إنّ الشيطان ‏إذا سمع منادياً ينادي: يا محمّد، يا علي، ذاب كما يذوب الرصاص، حتّى ‏إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزّ واختال(٢) .

وهذا الحديث صادرٌ بعد فُشُوّ المخطّط الأمويّ الرامي إلى محو كلّ ما يمتّ إلى محمّد ‏وعليّ بصلة، ونشر كلّ ما يرتبط بالجاهليّة والسفيانيّة، لذلك جاء هذا النصّ بعد تبلوُر ‏الأمور - وقطعها شوطاً واتّضاح الخُطى الأمويّة - ليعالج ‏

____________________

١- أي احتميت بحمى عظيم من الشيطان. انظر النهاية ١: ٤٠٤، لسان العرب ٤: ٢٠٤.

٢- الكافي ٦: ٢٠ ح ١٢ وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٣ ح ٣، ومرآة العقول ٢١: ٣٥ ح ١٢.

٢٣٥

الموضوع، و يضع الخطى المحمدية العلوية على الدرب، في مقابل المخطّط ‏المشؤوم المحاول لمحو كل شيء عن أهل البيت حتّى الأسماء.

التكنية بأسماء الانبياء

لم يقتصر عمل الأئمّةعليهم‌السلام التصحيحي على هذا فحسب، بل ردّوا الفكرة ‏القائلة بعدم جواز التكنية بمن لا والد له، والذي دعا اليه عمر، حيث ضرب من تكنى ‏بأبي عيسى، بدعوى أنّ عيسى ليس له أب، فقد جاء في شرح نهج البلاغة أنّ عمر ‏ضرب ابنه عبدالله لتكنّيه بأبي عيسى قائلاً: و يلك هل لعيسى أب ؟ أتدري ما كنّى ‏العرب ؟ أبو سلمة، أبو حنظلة، أبو عرفطة، أبو مرّة(١) .

إنّ عمر نهى عن التكنية بأبي عيسى، في حين أنّ هناك جملة من الصحابة قد تكنّوا ‏بهذه الكنية، فعن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنّ عمر بن الخطّاب ضرب ابناً له تكنّى أبا ‏عيسى، و إنّ المغيرة بن شعبة تكنّى بأبي عيسى.

فقال له عمر: أما يكفيك أن تُكَنَّى بأبي عبدالله ؟

فقال: رسول الله كنّاني ‏ ‎ [ ‎ أبا عيسى ‎ ] ‎ ‏، فقال: إنّ رسول الله قد غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه ‏وما تأخّر و إنّا في جلجلتنا، فلم يزل يكنّى بأبي عبدالله حتّى هلك(٢) .

وكما منع عمر من التكنية بمن لا والد له، كذلك مَنَعَ تَكَنِّي من لا وَلَدَ له مثل ‏يحيىعليه‌السلام .

فعن حمزة بن صهيب: إنّ صهيباً كان يكنّى أبا يحيى، ويقول أ نّه من العرب، ‏و يطعم الطعام الكثير.

فقال له عمر بن الخطّاب: يا صهيب، مالك تتكنّى أبا يحيى وليس لك ولد ؟ ‏

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٦: ٣٤٣، ١٣: ٤٤، ١٩: ٣٦٨.

٢- سنن أبي داود ٤: ٢٩١ ح ٤٦٩٣، الأحاديث المختارة ١: ١٧٩ ح ٨٦. وقال العظيم آبادي في عون ‏المعبود ١٣: ٢٠٦. جلجلتنا: أي في عدد من امثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا وفي (الحطة في ذكر ‏الصحاح الستة: ٢٥٢ الجلجة أي: الأمر المضطرب).

٢٣٦

وتقول إنّك من العرب ؟ وتطعم الطعام الكثير وذلك سرف في المال ؟

فقال صهيب: إنّ رسول الله كنّاني أبا يحيى، وأ مّا قولك في النسب فأنا رجل من ‏النمر بن قاسط من أهل الموصل، ولكنّي سُبِيت غلاماً صغيراً قد غفلت أهلي وقومي، ‏وأمّا قولك في الطعام فإنّ رسول الله كان يقول: خياركم من أطعم الطعام وردّ السلام، ‏فذلك الذي يحملني أن أُطعم الطعام(١) .

لا أدري كيف يدعو عمر إلى كُنى عرب الجاهليّة وبينها كُنى قبيحة ومنهيّ عنها، فإنّ ‏أبا مرّة كنية إبليس، وحرب من أقبح الأسماء كما في زاد المعاد(٢) ، وهكذا غيرها.

ألم يكن الأجدر به أن ينصح ابنه وغيره من الصحابة أن لا يسمّوا ولا يكنّوا بتلك الكنى ‏لا أن يضربهم عليها !‏

فعن زرارة قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: إنّ رجلاً كان يغشى ‏عليّ بن الحسين وكان يكنّى: أبا مرّة، فكان إذا استأذن عليه يقول: أبو ‏مرّة بالباب، فقال له عليّ بن الحسين: باللّه إذا جئت إليّ بابنا فلا تقولنَّ: ‏أبو مرّة(٣) .

هذا هو المنهج الصحيح الذي دعا إليه الأئمّة، وهو الإرشاد لا الضرب; لأ نّه ليس ‏على الرسول إلاّ البلاغ، والأئمّة بمنهجهم القويم سعوا إلى تصحيح ما حرّفه الخلفاء وما ‏أفسده الدهر من آراء واستحسانات.

فعن سعيد بن خيثم، عن معمر بن خيثم، قال: قال لي أبو ‏

____________________

١- مسند أحمد ٦: ١٦ ح ٢٣٩٧١، مجمع الزوائد ٥: ١٦، الاستيعاب ٢: ٧٣.

٢- زاد المعاد ٢: ٣٣٤، ٣٤١، وفيه: كان اقبح الأسماء حرباً ومرة وعلى قياس هذا حنظلة وحزن وما ‏اشبههما.

٣- الكافي ٦: ٢١ ح ١٧، وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٩ ح ١. وفي رواية أُخرى عن الباقرعليه‌السلام عن ‏رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال على منبره: وشرّ الأسماء: ضرار ومرّة وحرب وظالم. الخصال: ٢٥٠ ‏ح ١١٨ وعنه في الوسائل ٢١: ٣٩٩ ح ٥.

٢٣٧

جعفر [الباقرعليه‌السلام ]: ما تكنّى ؟

قال: ما اكتنيت بعد، وما لي ولد ولا امرأة ولا جارية.

قال: فما يمنعك من ذلك ؟

قال: قلت: حديث بلغنا عن عليّعليه‌السلام ; قال: من اكتنى وليس له ‏أهل فهو أبو جعر(١) .

فقال أبو جعفر: شوّه، ليس هذا من حديث عليّ، إنّا لنكنّي أولادنا في ‏صغرهم مخافةَ النبز أن يلحق بهم(٢) .

وعن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عطيّة، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام لعبدالملك بن أعين: كيف سمّيت ابنك ضريساً ؟

قال: كيف سمّاك أبوك جعفراً ؟

قال: إنّ ‏(‏جعفراً‏)‏ نهر في الجنّة، وضريس اسم شيطان(٣) .

فالإمام أراد أن يوقف عبدالملك بن أعين على أنّ اسم ضريس اسم منهيّ عنه، وهو ‏اسم للشيطان يجب الابتعاد عنه، وأنّ على الناس أن لا يأخذوا بكلّ اسم عرفوه، بل يجب ‏عليهم أن يتعرّفوا على معانيه ودلالاته، أما ضريس فقد اخذته العزة بالأثم فسال الإمام: ‏كيف سمّاك أبوك جعفراً، معتقداً بأن اسم ضريس مثل اسم جعفر يلحظ فيه العلمية فقط، ‏ولأجل ذلك وضّحعليه‌السلام له بأنّ ‏(‏جعفراً‏)‏ نهر في الجنّة.

إنّ الأمويّين لم يكونوا هم الوحيدين الجادّين في تغيير ثقافة الأسماء، فقد كان هناك مَن ‏يساندهم من الصحابة والتابعين وزوجات النبي، والكلّ يريد إبعاد النهج العلويّ المدافع ‏عن النهج النبويّ بالطرق التي يرونها، ثم ترسيخ ما يلائم ‏

____________________

١- في النهاية: الجعر: ما يبس من الثفل في الدبر أو خرج يابساً.

٢- الكافي ٦: ١٩ ح ١١، مرآة العقول ٢١: ٣٥، التهذيب ٧: ٤٣٨ ح ١٤، وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٧ ح ‏‏١.

٣- رجال الكشّيّ ١: ٤١٢ ح ٣٠٢، وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٩ ح ٦.

٢٣٨

أذواقهم وأهدافهم.

فقد مرّ عليك كلام مروان لعليّ بن الحسينعليه‌السلام واعتراضه على الإمام ‏الحسين في تكرار اسم علي بين أولادهعليهم‌السلام ، وقوله: ( علي وعلي ؟ ما يريد ‏أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سمّاه عليّاً).

وقول الإمام الحسينعليه‌السلام في جواب هذا المنحى المعوَجِّ: ‏(‏و يلي على ابن ‏الزرقاء دبّاغة الأدم، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أُسمّي أحداً منهم إلاّ عليّاً‏)‏.

وهؤلاء الحكّام وإن فعلوا ما فعلوا فهم لا يقدرون على إخماد هذا النور الوهّاج الذي ‏اشتق من نور الباري جلّ وعلا.

إنّ الخط العلوي أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بفضل قوّة حججه وأصالة انتمائه، وكذا من ‏خلال الوداعة، واللين، وكظم الغيظ والصبر على الأذى.

فالإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام لم يكن له يوم السقيفة أربعون رجلاً يدافعون ‏عن حقّه وينصرونه، وحين جاءته الخلافة الفعليّة ونهض بالأمر نكثت طائفة وقسطت ‏أخرى ومرقت ثالثة، لكنّ نهجه رغم كلّ العقبات أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بلينه وسماحته، ‏حتى ترى اليوم خمس المسلمين - أو سدسهم - من شيعته وشيعة أهل بيته، وإن كانعليه‌السلام في زمانه قد عانى الأمرّين حقاً.

صحيح أن منهج أهل البيت يسير بخُطًى وئيدة لكنّ العقبى له لا محالة، لأنّه منهج ‏قويم مبنيٌّ على العدل والمسامحة، وأن هذا المنهج السليم دعا إلى أن يكثر أتباعه يوماً بعد ‏يوم حتّى يشمل العالم باسره في يوم ما، لأ نّه منهج مبنيٌّ على أُصول إنسانيّة يقبلها ‏الجميع.

فعلي بن أبي طالب - وكما قال محمّد بن سليمان - ‏(‏دحضه الأوّلان وأسقطاه، وكُسر ‏ناموسه بين الناس، فصار نسياً منسيّاً، ومات الأكثر ممن يعرف خصائصه التي كانت في ‏أ يّام النبوّة وفضله، ونشأ قوم لا يعرفونه ولا يرونه إلاّ رجلاً من عرض المسلمين، ولم ‏يبق ممّا يمتّ به إلاّ أ نّه ابن عمّ الرسول، وزوج ابنته، وأبو سبطيه، ونُسِيَّ ما وراء ذلك ‏كلّه، واتّفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتّفق ‏

٢٣٩

لأحد(١) ‏)‏.

لكنهعليه‌السلام وأبناءه أعادوا الأمر إلى نصابه رغم الحملات المسعورة المترامية ‏الأطراف ضدهم، وقاموا بإصلاح الواقع الفاسد; تارة بالإشارة والكناية، وأخرى ببيان ‏الصحيح فقط دون المساس بالآخر، وثالثة بالتحذير من أئمة الباطل، ورابعة وخامسة ‏فكانوا لا يرتضون الصراع المباشر مع أسماء الثلاثة لكي لا يحقق الأمويون أهدافهم من ‏المخططات المريضة التي كانوا يبثّونها بين المسلمين.

وممّا أثاره القوم في مجال التسمية في العهدين الأموي والعباسي هو قولهم: لماذا لم ‏يسم ربّ العالمين عليّاً في القرآن، فإن قلتم أ نّه موجود، فأين هو ؟ وإن لم يكن موجوداً ‏فيه صريحاً فكيف تستدلّ الشيعة على أمر لم ينصّ عليه القرآن الحكيم ؟

ومثله قولهم: كيف يسمّى ولد فاطمة بأبناء رسول الله، مع أنّ المرء ينسب الى أبيه لا ‏إلى أمّه ؟ فإنّهم وبهذه الإثارات كانوا يريدون أن يبعدوا شيعة آل محمّد عن أئمّتهم، وأن ‏يشككوا في نسبة الآل إلى رسول الله والعياذ بالله.

لِم لم يُسمَّ عَلِيٌّ في القرآن ؟

عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله [الصادق]عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ‏‏( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) .

فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسينعليهم‌السلام .

فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله عزّ وجلّ ؟

قال: فقال: قولوا لهم: إنّ رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ‏

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٩: ٢٨.

٢- النساء: ٥٩.

٢٤٠