التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 166375
تحميل: 7324

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166375 / تحميل: 7324
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

بل كيف يخرج عمر الأطرف بعد شهادة أخيه الحسين في ثياب معصفرات و يجلس ‏بفناء داره ويقول: ‏(‏أنا الغلام الحازم ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقتلت‏)‏(١) ؟! ‏وعلى أيّ شيء يدلّ هذا الفعل القبيح منه، هل كان لدعته وركونه إلى الدنيا، أم خوفاً ‏ومداراة للأمويين ؟!‏

بل كيف يتخلّف عن أخيه الإمام الذي قال عنه وعن أخيه الحسن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ‏(‏الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا‏)‏(٢) ؟!‏

وهل يتفق ما قيل من خروجه في ثياب معصفرات والجلوس بفناء الدار والقول: أنا ‏الغلام الحازمُ، مع ما ذكره السيّد ابن طاووس في اللهوف عن عمر الأطرف وأ نّه قال: ‏لما امتنع أخي الحسين عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خالياً فقلت له: جعلت ‏فداك يا أبا عبدالله حدّثني أخوك أبو محمّد الحسن عن أبيعليه‌السلام ثمّ سبقتني الدمعة ‏وعلا شهيقي، فضمّني إليه، وقال: حدثك أ نّي مقتول ؟

فقلت: حوشيت يا ابن رسول الله. فقال: سألتك بحقّ أبيك بقتلي أخبرك ؟ فقلت: ‏نعم، فلولا ناوَّلْتَ وبايعت(٣) ؟!‏

بل كيف يقول: لو خرجت معهم لذهبت في المعركة وقتلت ؟!‏

وهل أ نّه أراد - والعياذ بالله - أن يقول بما قاله المشركون للمؤمنين في صدر الإسلام، ‏وأ نّهعليه‌السلام لو بقي في المدينة لَمَا قتل، في حين سبحانه وتعالى يقول: ‏

( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ ‏كَانُواْ غُزَّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي ‏وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ ‏خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) .

____________________

١- سر السلسلة العلوية: ٩٦، عمدة الطالب: ٣٦٢.

٢- علل الشرائع ١: ٢١١، الارشاد ٢: ٣٠، الفصول المختارة: ٣٠٣.

٣- اللهوف في قتلى الطفوف: ١٩، وعنه في معالم المدرستين: ٤٨ وفيه فلولا تأوَّلت وبايعت.

٣٦١

بل كيف يلبس المعصفر وهو المنهيّ عنه - في رواية مسلم عن عليّ -: نهاني رسول ‏الله عن التختّم بالذهب وعن لبس المعصفر(١) .

أجل إني لا أنكر احتمال وجود التقية في عمله - إن صح النقل عنه - خصوصاً بعد ‏وقوفه على تلك الجرائم التي ارتكتبها بنو أمية بحق أهل بيت الرسالة، فلا يُستبعَد ان يكون ‏عمر الأطرف قالها وفعلها ليحقن دمه من بني أميّة ويؤكده قوله: ‏(‏فوجدته خالياً، فقلت ‏له: ...)، إذ لا يمكن لمسلم ذي وجدان أن يلبس المعصفر عند سماعه مأساة كمأساة ‏كربلاء، فكيف يفعل عمر الأطرف ذلك في شهادة أخيه الذي قال عنه رسول الله: هو سيد ‏شباب أهل الجنة، وهو الذي كان يفدّي أخاه الحسين بنفسه كما في النص الآنِف عن السيد ‏ابن طاووس ؟! إذن يحتمل أن يكون صدور تلك الكلمات منه جارياً مجرى التقيّة.

لكن لو قلنا بالتقية فماذا نقول عمّا قيل من مبايعته لعبدالله بن الزبير(٢) - عدوّ آل ‏محمّد - والحجّاج بن يوسف الثقفي(٣) وتزويجه أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر منه، ‏وانخراطه في ركاب مصعب بن الزبير(٤) ، وتركه الإمام السجاد بل اختلافه معه في ‏صدقات عليّعليه‌السلام وقوله: أنا ابن المصدق وهذا ابن ابن المصدق، فأنا أولى بها ‏منه(٥) .

وأيضاً استعانته بخلفاء الجور مثل عبدالملك بن مروان في استرداد صدقات علي، ‏لكنّ عبدالملك لم يكترث له وأوكل أمر الصدقات إلى الإمام السجّاد(٦) ، ولمّا خرج السجّاد ‏تناوله عمر الأطرف وآذاه، فسكتعليه‌السلام ولم يردَّ عليه شيئاً.

____________________

١- صحيح مسلم ٣: ١٦٢٨.

٢- سر السلسلة العلوية: ٩٧، عمدة الطالب: ٣٦٢، أعيان الشيعة ٥: ٤٥.

٣- سر السلسلة العلوية: ٩٧، عمدة الطالب: ٣٦٢، أعيان الشيعة ٥: ٤٥.

٤- تهذيب الكمال ٢١: ٤٦٩ تهذيب التهذيب ٧: ٤٢٦.

٥- انظر مناقب بن شهرآشوب ٣: ٣٠٨، بحار الأنوار ٤٦: ١١٣.

٦- انظر مناقب بن شهرآشوب ٣: ٣٠٨، بحار الأنوار ٤٦: ١١٣.

٣٦٢

فلمّا كان بعد ذلك دخل محمّد بن عمر - ولده - على عليّ بن الحسين فسلّم عليه وأكبّ ‏عليه يقبّله.

فقال عليّ بن الحسين: يابن عمّ لا تمنعني قطيعةُ أبيك أَن أصلَ رحمك، فقد زوّجتك ‏ابنتي خديجة(١) .

كل هذه النصوص تشير إلى وجود خلاف مالي بينه وبين أبناء اخوته، وأنَّ عمر قد ‏استعان بالآخرين للوصول إلى ما يريده، وهو يؤكّد بأنّ الإنسان جائز الخطأ، وأنّ عمر ‏الأطرف ليس بمعصوم، وقد يكون تأثّر بمحيطه، أو أثَّر الآخرون عليه، فصار اداة بيد ‏الأخرين يستفيدون منه حينما يشاؤون.

إنّ عمر الأطرف لم يختلف مع الإمام عليّ بن الحسين السجّاد فحسب، بل اختلف مع ‏الحسن المثنّى في صدقات أبيه الإمام عليّ(٢) ، وكذا مع عبيدالله بن العباس ابن ‏أميرالمؤمنين في ميراث العباس الشهيد بكربلاء، وميراث اخوة العباس(٣) .

وقد استعان بالسلطة الأموية للحصول على ما كان يريده، فطلب من الحجّاج بن ‏يوسف حينما كان أميراً على الحجاز (٧٣ - ٧٥) أن يتوسّط في إقناع الحسن المثنى بن ‏الحسن السبط أن يُدْخِلَهُ في صدقات عليّ التي كانت تحت ولايته، فقال له الحجّاج يوماً: ‏أَدْخِلْ عمّك عمر بن عليّ معك في صدقة عليّ فإنّه عمّك وبقيّة أهلك.

فقال الحسن المثنّى: لا أغيّر شرط علي ولا أُدْخِلُ فيها من لا يدخل(٤) .

قال الحجّاج: إذاً أَدْخِلْهُ معك.

____________________

١- انظر مناقب بن شهرآشوب ٣: ٣٠٨، بحار الأنوار ٤٦: ١١٣.

٢- تهذيب الكمال ٦: ٩٢، تاريخ دمشق ١٣: ٦٥، تاريخ الإسلام ٦: ٣٢٩ الارشاد ٢: ٢٤.

٣- مقتل علي لابن أبي الدنيا: ٤٠ الحديث ١٢٨.

٤- تهذيب الكمال ٦: ٩٢، تاريخ دمشق ١٣: ٦٥، تاريخ الإسلام ٦: ٣٢٩، الارشاد ٢: ٢٤، ومعناه لا ‏ادخل فيها من لا يُدْخِلهْ الواقف وهو الإمام على في تولية الصدقات.

٣٦٣

فنكص عنه الحسن المثنى وتوجّه إلى عبدالملك حتّى قدم عليه فوقف ببابه يطلب ‏الإذن، فمرّ به يحيى بن الحكم، فلمّا رآه يحيى عدل إليه فسلّم عليه وسأله عن مقدمه ‏وخبره واحتفى به، ثمّ قال له: إنّي سأتبعك عند أميرالمؤمنين - يعني عبدالملك - فدخل ‏الحسن على عبدالملك فرحّب به وأحسن مساءلته، وكان الحسن بن الحسن قد أسرع إليه ‏الشيب، فقال له عبدالملك: لقد أسرع إليك الشيب - ويحيى بن الحكم في المجلس - فقال له ‏يحيى: وما يمنعه شَيَّبَتْهُ أَمانيُّ أهل العراق; كلَّ عام يقدم عليه منهم ركبٌ يمنّونه الخلافة، ‏فأقبل عليه الحسن فقال: بئس والله الرفد رفدت، وليس كما قلتَ، ولكنّا أهل بيت طيّبة ‏أفواهنا فتميل نساؤنا إلينا فتقبّلنا فيها فيسرع إلينا الشيب من أنفاسهنّ.

فنكس عبدالملك رأسه لأنّه كان أبخَر الفم، ثمّ أقبل عليه وقال: يا أبامحمّد هَلُمَّ لِما ‏قدمتَ له، فأخبره بقول الحجّاج فقال: ليس ذلك له، اكتبوا كتاباً إليه لا يتجاوزه، فكتب ‏إليه ووصل الحسن بن الحسن وأحسن صلته.

فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى بن الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره وقال له: ما ‏هذا الذي وعدتني به ؟!!‏

فقال له يحيى: إِيهاً عليك، فو الله لا يزال يهابك، ولولا هيبتك ما قضى لك حاجة، ‏وما آلُوكَ رفداً(١) .

فماذا تعني هذه المواقف المشينة من عمر الأطرف ضد بني إخوته (الحسن والحسين ‏والعباس)، وعلى أيّ شيء يمكننا حمل هذه النصوص المزدوجة في حياته ؟

صحيح أنّ عمر الاطرف لم يكن معصوماً وقد يخطأ ويتأثر بهواه، لكن لا أدري كيف ‏يطالب بإرث إخوة العباس مع وجود أمّهم أمّ النبين قيد الحياة، وهذه المطالبة لا تتّفق مع ‏فقه أهل البيت إلاّ أن نقول بأ نّه لا يعلم بفقه أبيه، أو أن نقول انّ

____________________

١- تهذيب الكمال ٦: ٩٣، تاريخ دمشق ١٣: ٦٥، سمط النجوم العوالي ٤: ١٢٤.

٣٦٤

الواقعة مكذوبة عليه، أو ‏أن نقول أ نّه تأثّر بفقه الحكّام، وأنّهم هم الذين كانوا يحرِّكونه ويسيِّرونه.

بلى، إنَّ موقفه يختلف عن موقف أخيه محمّد بن الحنفية في أمر الصدقات وميرات ‏العباس بن علي، ففي (مقتل علي) لابن أبي الدنيا: ثم قتل العباس بن علي بعد إخوته مع ‏الحسين صلوات الله عليه، فورث العباس إخوته ولم يكن لهم ولد، وورث العبّاسَ ابنُهُ ‏عبيدُالله بن العباس، وكان محمّد بن علي ابن الحنفية، وعمر بن علي ‏ ‎ [ ‎ الأطرف ‎ ] ‎ ‏ حيَّين، ‏فسلَّم محمدُ ‏ ‎ [ ‎ ابن الحنفية ‎ ] ‎ ‏ لعبيدالله بن العباس ميراثَ عمومته، وامتنع عمرُ حتَّى صولح ‏وأُرضيَ من حقِّه، وأمّ العباس و إخوته هؤلاء: أم البنين بنت حزام(١)

فمن جهة نراه هنا يطالب في الأمور المالية بما لا يتفق مع مذهب أهل البيت، ومن ‏جهة أخرى نراه يوذِّن ب- ‏(‏حيّ على خير العمل‏)‏(٢) ويجهر في القراءة ببسم الله الرحمن ‏الرحيم، وهما من خصائص الشيعة الإمامية.

فهنا سؤال يطرح نفسه: هل أ نّه كان يفرق بين الأمور الماديّة والأُخروية ؟! فكان ‏يسمح لنفسه أن يطالب بما لا حق له فيه من الأمور الدنيوية والتعبد في الأمور الأخروية. ‏قد يأتي الجواب: أجل أنّه كان يتعبّد فيها بما عرفه عن أبيه ؟! بعكس الأمور المادية فكان ‏يصر على اخذها لتحكيم موقعيته الدنيويه والقبلية.

فقد روى الدارقطني (ت ٣٨٥ ه-) بسنده عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن ‏عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ، قال: كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعاً(٣) .

إنّها ازدواجية، أو قُل نحوٌ من أنحاء النمطيّة، فمن جهة يروي أخباراً تؤيّد ما يرويه ‏الإمام السجاد والحسن بن الحسن، والعباس بن علي عن الإمام علي - تلك

____________________

١- مقتل علي: ٤٠ الحديث ١٢٨.

٢- حي على خير العمل لعزان: ٦٠.

٣- سنن الدراقطني ١: ٣٠٢ ح ٢.

٣٦٥

الروايات ‏المخالفة للنقل الحكومي عن عليعليه‌السلام - ومن جهة أخرى تراه يستعين بأبان بن ‏عثمان بن عفّان عند الوليد بن عبدالملك (٨٦ - ٩٦ ه-) لكي يولّيه تلك الصدقات، لكنَّ ‏الأخير يعرض عليه الصلة بدل ذلك فلا يرضى عمر(١) .

كل هذه النصوص تؤكد ما قلناه عنه وأنّه كان يريد السلطة والمكانة التي كانت لاخويه ‏من قبل وليس الأمر يرتبط بالمال فقط.

لأن الوليد عرض عليه عروضاً ماليّة كثيرة وجيّدة لكنه لم يَرْضَ إلاّ بأنّ يكون شريكا ‏في الصدقات، وهو يدل على أنّه كانت عنده عقدة من تفضيل أولاد فاطمة عليه وعلى ‏غيره من ابناء الإمام، مع أنّهم جميعاً أولاد علي.

نعم، قد يقال بأن ليس هناك تخالف بين الأمرين، إذ المطالبة بالأمور المادية ‏وحيازته للصدقات تخضع للظروف التي كان يعيشها، وحبه لرئاسة القبيلة والعشيرة.

أما نقله أمثال هذه الروايات فهو تثبيت للفقه الصحيح الذي عرفه من أبيه وأهل بيته، ‏ولا يستبعد أن يكون لا يعرف بعض فقه أبيه وخصوصاً لو ارتبط بالمسائل الخلافية بين ‏الصحابة، أو أن نفسه كانت تدعوه للقيام بعمل لا يُرضي به أباهعليه‌السلام .

حكى العمري قال: اجتاز عمر بن علي ‏ ‎ ] ‎ الأطرف ‎ [ في سفر كان له في بيوت من بني ‏عدي فنزل عليهم، وكانت شِدّةٌ، فجاءه شيوخ الحيّ فحادثوه واعترض رجل منهم مارّاً له ‏شارة.

فقال: من هذا ؟

فقالوا: سَلْم بن قَتَّة وله انحراف عن بني هاشم، فاستدعاه وسأله عن أخيه سليمان بن ‏قَتَّه، وكان سليمان من الشيعة، فأخبره بأ نّه غائب، فلم يزل عمر يلطف له في القول ‏ويشرح له الأدلّة حتى رجع سلم إلى مذهب أخيه، وفرّق عمر

____________________

١- تاريخ دمشق ٤٥: ٣٠٥.

٣٦٦

في البيوت أكثر زاده ‏ونفقته وكسوته، وأشبع جميعهم طول مقامه فلما رحل عنهم بعد يوم وليلة حتى عشبوا ‏وخصبوا، فقال: هذا أبركُ الناس حِلاًّ ومرتحلاً، وكانت هداياه تصل إلى سَلْم، فلمّا مات ‏قال يرثيه.

صلَّى الإلهُ على قبر تَضَمَّنَ من نَسْلِ الوَصِيِّ عَليٍّ خيرَ من سُئِلا

ما كنتَ يا عُمَرُ الخَيْرُ الَّذي جُمِعَتْ له المكارِمُ طيَّاشاً ولا وَكِلا

قد كُنْتَ أَكرَمَهُمْ كَفّاً وأَكثَرَهُمْ عِلْما وأَبْرَكَهُمْ حِلاًّ ومُرْتَحَلا

كان هذا مجمل ما قيل في عمر الأطرف، وترى الازدواجية بارزة في شخصيته، أو ‏قل الاختلاف واضحاً فيما يُحكى عنه في كتب التاريخ والأنساب، من شهادته في كربلاء ‏مع أخيه الحسين، أو مقتله مع مصعب بن الزبير في حربه مع المختار الثقفي(١) ، أو ‏وفاته في عهد عبدالمك بن مروان بعد نزاعه مع السجادعليه‌السلام ، أو في زمن الوليد ابن عبدالملك بعد نزاعه مع ابن أخيه الحسن، ‏أي أ نّهم اختلفوا في سنة وفاته أيضاً بين من قال بشهادته في كربلاء سنة ٦٠، وبين

____________________

١- عمدة الطالب: ٣٦١ وفيه: سالم بن رقية، وأيضاً فيه: حتى غيثوا وأخصبوا. وفي المجدي: ١٩٨، ‏وجدت في بعض الكتب أنّ عمر شهد حرب مصعب بن الزبير وكان من أصحابه، وأ نّه قتل وقبره بمسكن، ‏وهذه الرواية باطلة بعيدة عن الصواب، وقال لي بعض أصحابنا: إنّما هذا عمر [الشجري] بن علي الأصغر، ‏ولا أعلم لهذه الرواية صحّة، وممّا يدلّ على بطلان ذلك ...‏

وجاء في تهذيب التهذيب ٧: ٤٢٦، وكتاب مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا: ٤٠ الحديث ١٢٨ ذكر ‏غير واحد من أهل التاريخ أنّ الذي قتل مع مصعب بن الزبير هو عبيدالله بن علي بن أبي طالب، ‏ ‎ [ ‎ لا عمر ‎ ] ‎ والله ‏أعلم.

وفي شذرات الذهب ١: ٧٥ في التهذيب عبدالله، وتهذيب التهذيب ٧: ٤٨٥، وتهذيب الكمال ‏‏٢١: ٤٦٩، وتاريخ الإسلام حوادث سنة ٦٧: وقتل من جيش مصعب: محمّد بن الأشعث الكندي ابن أخت ‏أبي بكر، وعبيدالله بن علي بن أبي طالب، وقتل من جيش المختار عمر الأكبر بن علي بن أبي طالب.

وقال خليفة بن خياط في تاريخه: ٢٦٤ سنة سبع وستين وفيها مقتل المختار وعمر بن سعد، وفيها وقعة ‏المذار، وفيها قتل عمر بن علي بن أبي طالب ومحمّد بن الاشعث بن قيس.

٣٦٧

وفاته ‏في زمن مروان بن الحكم(١) ، أو في زمان عبد الملك بن مروان، أو الوليد بن عبد ‏الملك، أي انّ وفاته مشكوك فيها بين سنة ٦٠ إلى سنة ٩٦ للهجرة، وهي السنة التي ‏توفّى فيها الوليد بن عبدالملك.

ولنا أن نحتمل في مثل هذا أمرين مضافاً إلى ما قلناه:‏

الأوّل: إنّ الاختلاف في عمر الأطرف، وفي المتنازع معه، وفي الشيء المتنازع ‏عليه (الصدقات)، وفي الخليفة المتنازع عنده (مروان، عبدالملك، الوليد بن عبدالملك)، ‏يشير إلى وجود أصابع أمويّة في هذه المسألة، كما هي في زواج أمّ كلثوم، وغناء سكينة ‏‏(أعوذ بالله)، فلا يستبعد أن يكونوا وضعوا تلك الأخبار على لسانه كي يقولوا بأنّ أقرب ‏المقرّبين للإمام الحسين نهاه عن الخروج حتّى أخوه، في حين هناك نصوص موجودة عند ‏مدرسة أهل البيت تعارض هذه المقولة، وهي تشير إلى أنّ الإمام الحسين كان متعمّداً في ‏عدم إخراج جميع الطالبيين حفاظاً عليهم، ولذلك طلبعليه‌السلام من ابن الحنفيّة أن ‏يبقى في المدينة كي لا تتحقّق أمنية الأمويين بانقطاع نسل عليّ بن أبي طالب، وقد مرّت ‏عليك نصوص تشير إلى انّ معاوية كان يريد إبادة الهاشميين(٢) .

فلا أدري هل أنّ عمر الأطرف خرج وقتل مع الحسينعليه‌السلام ، أم بقي بالمدينة ‏بأمر الإمام الحسينعليه‌السلام كما بقي ابن الحنفية، أم تصحّ حكاية ابن عنبة عنه من ‏أ نّه امتنع من الخروج مع الحسين رغم طلب الإمام منه، أم إنّ أمراً نفسيّاً انتابه فجاء ‏موقفه معترضاً على الإمام، أم أ نّه كان يريد الصدارة والسيادة المطلقة - كقبيلة بني هاشم ‏- التي لم تتحقق له ؟!‏

الثاني: أ نّه لم يكن شخصاً مرضيّاً عند الأئمّة(٣) ، وذلك لاختلافه مع الإمام

____________________

١- انظر تهذيب الكمال ٢١: ٤٦٨، تهذيب التهذيب ٧: ٤٢٦.

٢- مر في صفحه ١٨٤ - ٢٢٢.

٣- قال ابن الطقطقي في الاصيلي: لم يكن مرضيّ السيرة. وقريب منه كلام ابن عنبة في عمدة ‏الطالب: ٣٦٢.

٣٦٨

السجاد ‏ولبسه المعصفر بعد مقتل الحسين، وقوله: (أنا الغلام الحازم، ولو خرجتُ معهم لذهبتُ ‏في المعركة وقتلت)، إلى ما شابه ذلك.

وذلك لاستعداده النفسيّ للقيام بمثل هذه الأعمال، مع أنّ سائر أخوته من أبيه لم يكونوا ‏كذلك، فمحمد بن الحنفية مشهور بشجاعته ومشاركته مع الإمام علي في النشاط الحربي ‏والسياسي والاجتماعي، فقد كان ابن الحنفية بجنب والده في جميع الحروب، وقد حمل ‏راية أبيهعليه‌السلام في ذي قار وغيرها ولم يعترض على تولية الإمامين الحسن ‏والحسينعليهما‌السلام صدقات الإمام علي.

المهم أنّ عمر الأطرف لم يكن له دور مهم في تاريخ الإسلام، ولم يثبت مشاركته في ‏واقعة الطف، بل إنّ غالب المواقف المذكورة له هي مواقف سلبية، مع انه قد عاش إلى ‏زمن متأخّر، فلا نرى له مواقف إيجابيه مع إخوته وأبنائهم، بل اختلف مع الحسن ‏المثنى، وعبيدالله بن العباس، وعلي بن الحسين السجاد، وان قبولنا بوقوع هذه المخالفات ‏- تبعاً للمؤرخين - يلزمنا القول بحياته إلى عهد الوليد بن عبدالملك وأ نّه غير مرضيّ ‏السيرة.

هذا، إن عدم ذكر خطباء المنبر الحسيني اسم عمر الأطرف ضمن رجال واقعة ‏كربلاء، جاء لعدم ثبوت شهادته عندهم، وقد يكون لمواقفه السيّئة الأخرى مع إخوته ‏وأبنائهم، وقد يكون لأمور اخرى. فالخطباء في مجالسهم يذكرون روايات عمر بن ‏اُذينه، والمفضل بن عمر، ومعاوية بن عمار عن الصادق والباقرعليهما‌السلام ولا يهأبون الاسماء، وهذا يؤكد بأن الأمر لا يعود إلى ‏خصوص الاسماء بل إلى عمر الأطرف نفسه.

بمعنى أ نّا لو أردنا أن نصحح ما قيل للزمنا أن نرجّح وفاته في عهد الوليد بن ‏عبدالملك، لإطباق المؤرّخين والنسّابة بأ نّه آخر ولد علي المعقبين وفاةً(١) ، أي أنّه توفّي ‏بعد أخيه محمّد بن الحنفية المتوفّى سنة ٨١ حسبما قاله امثال :

____________________

١- المجدي: ١٩٧، تهذيب التهذيب ٧: ٤٢٦ الرقم ٨٠٧، تهذيب الكمال ٢١: ٤٦٩.

٣٦٩

المسعودي(١) وابن ‏الجوزي(٢) وابن قتيبة(٣) وابن أبي الدنيا(٤) والبلاذري(٥) وابن سعد(٦) - وهو الأصح ‏بين الأقوال في وفاته - ويؤيّد ذلك ما رواه عبدالله بن محمّد بن عقيل، قال: سمعت محمّد ‏بن الحنفية يقول: ولدتُ سنة الجحاف، وحين دخَلَتْ إحدى وثمانون هذه: لي ست وستون ‏سنة قد جاوزتُ سنَّ أَبِي.

قال، قلت: وكم كانت سِنّه يوم قتل ؟

قال: ثلاث وستون.

قال عبدالله: ومات أبو القاسم محمّد بن الحنفية في تلك السنة(٧) .

أ مّا لو أردنا أن نجمع بين ما قاله سبط ابن الجوزي في التذكرة (بأ نّه عمّر خمساً ‏وثمانين سنّة، وحاز نصف ميراث أمير المؤمنين)(٨) ، وبين ما ذكره الزبير بن بكار من ‏أ نّه عاش إلى زمن الوليد بن عبدالملك لطال عمره وللزم أن تكون ولادته س-نة ١١، لأنّ الوليد استخلف سنة س-ت وثمانين ومات سنة ست ‏وتسعين.

فلو قلنا بموت عمر في آخر أ يّام الوليد فيكون قد مات في سنة ٩٦ للهجرة، فلو قلنا ‏بهذا للزم أن تكون ولادته في سنة ١١، أي في عهد أبي بكر لا في عهد عمر بن ‏الخطاب، إلاّ أن نرجّح ما قيل عنه أ نّه مات وعمره ثمانون سنة أو خمسة

____________________

١- مروج الذهب ٣: ١١٦، التنبيه والإشراف: ٢٧٣.

٢- صفة الصفوة ٢: ٧٩.

٣- المعارف: ٢١٦.

٤- مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا: الحديث ١٢٦.

٥- أنساب الاشراف ٣: ٤٨٨.

٦- طبقات ابن سعد ٥: ١١٦.

٧- مقتل ابن أبي الدنيا: الحديث رقم ١٢٥ وسنة الجحاف سنة جاء السيل مكة وجحف الحاج فيها.

٨- بحار الأنوار ٤٢: ٧٥، عن ابن الجوزي، وهو أيضاً في سر السلسلة العلوية: ٩٧.

٣٧٠

وسبعون سنة أو ‏سبع وسبعون سنه حسبما جاء عن ابن عنبه قبل قليل(١) .

بهذا فقد عرفت أنّ شخصيّة عمر بن علي الأطرف غير واضحة المعالم في التاريخ ‏ولم تَدْرَسْ بعد، وأنّ ذكره طلع فجأة حينما قام عمر بن الخطاب، ثم خفي بعد ولادته ‏سريعاً - أي في زمان عمر بن الخطاب نفسه أيضاً وفي زمان عثمان - وأسدل عليه ‏الستار لعدّة عقود فلا نشاهد له موقفاً مع أبيه في بيعته وانتقاله إلى الكوفة وفي صفّين ‏والجمل والنهروان، وأيضاً لم نقف له على دور يوم مقتل أخيه الإمام الحسن، ثم يبرزُ ‏مفاجأَةً مرّة أخرى عند أحداث كربلاء، وهذا من العجب العجاب !!‏

نعم، يمكن أن يكون ذِكْرُهُ ضمن العمومات التي تذكر حضور ولد الإمام علي الاثني ‏عشر عند الإمامعليه‌السلام حين شهادته في الكوفة(٢) ، وقد تكون أُمُّه هي إحدى أمّهات ‏الأولاد اللواتي أشار إليهنّ الإمام في وصيته التي حكاها الإمام الكاظم(٣) ، لكنّ العمومات ‏لا تفيد شيئاً.

فلماذا لا يذكر المؤرخون اسم عمر الأطرف في أربعة عقود الاولى من حياته، ولم ‏يطلع نجمه إلاّ بعد مقتل أخيه الحسين بن عليّ، وماذا تعني مواقفه العدوانية مع أبناء ‏إخوته: الحسن والحسين والعبّاس، وهل أنّ هذه الحالة النفسيّة حدثت له بأخرة أم كانت ‏معه منذ عهد الإمام علي، لأ نّه كان يحسّ بعقدة كونه دون أولاد فاطمة الذين كانوا يَسمون عليه في الوجاهة والمكانة العائليّة، وأ نّه كان لا ‏يطيق الاعتراض والبروز مع وجود إخوانه: الحسن والحسين وابن الحنفيّة والعبّاس.

أجل، إنّ عمر الأطرف لمّا أيقن بذهاب هؤلاء الإخوة جاء ليطالب بصدقات أبيه عليّ ‏بن أبي طالب من أبنائهم، لأ نّه الابن الوحيد الباقي للإمام، وهو الأولى

____________________

١- في صفحة ٣٥٤.

٢- اثبات الوصية: ١٣١، الخرائج والجرائح ١: ١٨٣ ح ٧، وانظر امالي الطوسي: ٥٩٥.

٣- الكافي ٧: ٥٠ - ٥١، المصنف لعبدالرزاق ٧: ٢٨٨، تاريخ المدينة ١: ١٤١.

٣٧١

من أبناء إخوته ‏بهذه الصدقات، فأخذ ينازع الحسن المثنّى بن الحسن السبط، وعليّ بن الحسين الشهيد - ‏متناسياً وصيته والدهعليه‌السلام يكون تولية الصدقات بيد أولاد الحسن والحسين - ‏وعبيدالله بن العباس (في ميراث العباس و إخوانه)، وبهذا يمكننا إرجاع كلّ هذه الاعمال ‏التي قام بها عمر الأطرف إلى ما قلناه عن حالته النفسيّة، لأنّه إنسان غير معصوم، وقد ‏يتأثر بالآخرين وخصوصاً الحكّام منهم، وقد مرّ عليك بعض التطبيقات، وعرفت دور ‏معاوية وعبدالملك والوليد والحجّاج في إثارة هكذا أمور، فكانوا يثيرون مسألة الصدقات ‏ويحرّكون مشاعر أمثال: عمر بن عليّ ضدّ الحسن المثنّى وعليّ بن الحسين لمآربهم ‏الخاصّة.

أولاده

انحصر عقب عمر الأطرف بن علي في ولده محمّد(١) من أسماء بنت عقيل بن أبي ‏طالب، وقد تزوّج محمّد هذا خديجة ابنة علي بن الحسين بن علي(٢) وأولدها:‏

‏١ - عبدالله.

‏٢ - عبيدالله.

‏٣ - عمر.

وكان له ابن رابع من أمّ ولد، اسمه: جعفر الأبله، لأ نّه قيل له: من خالك ؟ فقال: ‏أُ مّي فتاة.

منوهين إلى أ نّا قد أشرنا سابقاً إلى قلة وجود اسم عمر بالنسبة إلى الأسماء الأُخرى ‏عند الطالبيين وحتّى في هذا العمود، فلا نرى اسم عمر كثيراً حتّى زمان ابن عنبه ٨٢٨ ‏ه- إلاّ لأربعة أشخاص هم:‏

____________________

١- المجدي: ٤٥٠.

٢- مناقب آل أبي طالب ٣: ٢٠٨، المجدي: ٤٥١.

٣٧٢

‏١ - عمر الأطرف.

‏٢ - عمر بن محمّد بن عمر الأطرف.

‏٣ - عمر المنجوراني بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف.

‏٤ - عمر الموضح النسابة بن علي بن الحسين بن عبدالله بن محمّد الصوفي بن يحيى ‏الصالح بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف.

وهذه الأسماء الأربعة - حتى لو قلنا بأنّها عشرة - لا شي بالنسبة إلى الأسماء الكثيرة ‏الأُخرى الموجودة عند الطالبيين.

أ مّا اسما أبي بكر أو عثمان فلم أقف عليهما عندهم.

‏٢ - رقيّة بنت عليّ = أمُّ طفلي مسلم بن عقيل

وهي أُخت عمر بن علي، وهما توأمٌ ولدتهما الصهباء التغلبية، في عهد عمر بن ‏الخطاب، وكانت في حبالة مسلم بن عقيل فولدت له عبدالله وعلياً(١) ، وقيل عبدالله ‏ومحمّداً(٢) ، وقد كانت لهما (أي لطفلي مسلم) أخت أخرى اسمها عاتكة سُحِقَتْ يومَ الطَّفِّ ‏لمّا هجم القوم على المخيّم وكان عمرها يوم خروج الحسين إلى كربلاء سبع سنين.

نحن لو اتخذنا تاريخ زواج مسلم بن عقيل وأعمار اولاده وتاريخ ولادة عمر الأطرف ورقية في عهد عمر بن الخطاب لعرفنا أنّ عُمْرَ (رقيّة) و (عُمَر) ابنَيْ علي ‏من الصهباء كان فوق(٤٦) عاماً في واقعة كربلاء.

وباعتقادي أنّ أمّهما الصهباء لم تكن حاضرة مع رقية في كربلاء، وذلك لعدم وجود ‏اسمها ضمن من مات عنهن علي بن أبي طالب من زوجاته(٣) - بالطبع ان

____________________

١- المعارف لابن قتيبة: ٢٠٤.

٢- اعلام الورى: ٣٩٧.

٣- الدر النظيم: ٤١١، وفيه: وخلف اربع حرائر منهن: امامة وليلى واسماء وام البنين، وثمان عشر أم ولد.

٣٧٣

كانت زوجة له ‏- فيلزم ان تكون ماتت في زمن الإمام علي، وقد تكون أُمّ ولد فلهذا لم تذكر في عداد ‏الزوجات اللواتي مات عنهنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام .

‏٣ - أسماء بنت عميس = أم يحيى

هي ممن أسلمت بمكة قديماً، وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي ‏طالب(١) ، ولمّا قدم جعفر - حين فتح خيبر - من الحبشة تلقاه رسول الله واعتنقه وقال: ما ‏أدري بأ يّهما أنا أشدّ فرحاً، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر(٢) ؟

إنّ أسماء بنت عميس هي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي من قِبَلِ أُ مِّها.

ولها أُخت أخرى من أُ مّها تسمّى بأم الفضل بنت الحارث، امرأة العباس، عمِّ ‏الرسول.

ولها أُختان أُخريان من قبل أبيها وأ مّها تسمّى إحداهما سلامة والأخرى سلمى، ‏والأخيرة تزوّجها حمزة عمِّ الرسول(٣) .

وعليه فهي من عائلة عريقة أصيلة فيها أكرم الأصهار.

أبوها: عميس بن سعد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ‏ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهراب بن عفرس بن ‏خلف بن أقبل(٤) .

____________________

١- صفة الصفوة ٢: ٦١، وسير اعلام النبلاء ٢: ٢٨٢.

٢- انظر الآحاد والمثاني ١: ٢٧٦ ح ٣٦٣، المعجم الكبير ٢: ١٠٨ ح ١٤٦٩ و ١٤٧٠، وسائل الشيعة ‏‏٨: ٥٢ ح ٧ عن المقنع للشيخ الصدوق: ١٣٩.

٣- الاستيعاب ٤: ١٧٨٤، ١٨٦١، ١٩١٥، تهذيب الاسماء ٢: ٥٩٩.

٤- الاستيعاب ٤: ١٧٨، وانظر تهذيب الكمال ٣٥: ١٢٧، الأغاني ١٢: ٢٥١.

٣٧٤

أمها: هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة(١) .

إنّ أسماء بنت عميس تزوّجها أولاً جعفر بن أبي طالب، فولدت له عبدالله ومحمّداً ‏وعوناً، وانّ عبدالله بن جعفر هو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة وقدم مع أبيه ‏المدينةَ(٢) .

ولما قتل جعفر - يوم مؤته - تزوّجها أبو بكر، فولدت له محمّداً وقت الإحرام، فحجّت ‏حجة الوداع(٣) ، وأوصى أبو بكر بأن تغسّله.

ثم تزوّجها الإمام علي بن أبي طالب، واتّفق الكلّ على أنّها وَلدت له يحيى، واختلفوا ‏في محمّد وعون هل أ نّهما وَلَدا علي أم ربائبه ؟ أو أن أحدهما هو ولد علي والآخر ولد ‏غيره، أو أ نّهما ولدا أخيه جعفر; - لوجود هذين الاسمين في ولد جعفر - فسميا باسمه.

وهل أنّ محمّداً وعوناً هما اسمان لشخص واحد، أم غير ذلك من الاحتمالات ؟ أنا لا ‏أستبعد أحد أمرين:‏

‏١ - أن يكونا اسمين لشخصين أحدهما ابن جعفر، والآخر ابن علي(٤) ، وقد يكونا - ‏محمد وعون - اسمان لشخص واحد، سمّت أحدهما الأم والآخر هو تسمية الأب، وهذا ‏جائز عند العرب حسبما فصّلناه سابقاً.

‏٢ - أن يكونا ابني زوجها الأوّل جعفر بن أبي طالب، فنس-با إلى الإمام عليّ لأ نّه-ما ربيباهُ وابنا أخيه، وأنّ الإمام كان بمنزلة الأب لهما.

وعلى هذا التفسير يكون محمّد اسم لثلاثة أولاد لأسماء بنت عميس، أحدهما: محمّد ‏بن أبي بكر، والآخر: محمّد بن جعفر بن أبي طالب، والثالث :

____________________

١- انظر عن حياتها مقاتل الطالبيين: ١١ - ١٢.

٢- الاستيعاب ٢: ٨٨١.

٣- سير أعلام النبلاء ٢: ٢٨٣.

٤- محمد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن علي بن أبي طالب.

٣٧٥

محمّد بن علي بن أبي ‏طالب; لأنّ اسم محمّد هو المحبوب عند المسلمين، وكان من السنّة التسمية به، هذا ‏مجمل ما نريد قوله في أولاد أسماء بنت عميس، ولنرجع إلى مكانتها على عهد رسول ‏الله.

روى الشيخان في الصحيحين أنّ عمر دخل على حفصةَ وأسماءُ عندها، فقال عمر ‏حين رأى أسماء: من هذه ؟

فقالت: أسماء بنت عميس.

فقال عمر: الحبشية هذه البحرية هذه ؟

فقالت أسماء: نعم.

فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله منكم، فغضبت وقالت: كلا ‏ ‎ [ ‎ يا ‏عمر ‎ ] ‎ ‏، كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكَم، وكنا في دار أو في ‏أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله عزّوجلّ وفي رسوله، وايمُ الله لا أطعم ‏طعاماً ولا أشرب شراباً حتّى أذكر ما قلت لرسول الله ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ‏ذلك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأساله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.

فلما جاء النبي، قالت: يا نبي الله إنّ عمر قال كذا وكذا.

فقال رسول الله: فما قلتِ له ؟

قالت: قلت له كذا وكذا.

فقال رسول الله: ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل ‏السفينة هجرتان.

قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألوني عن هذا ‏الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله(١) .

____________________

١- صحيح البخاري ٤: ١٩٤٦، صحيح مسلم ٤: ١٩٤٦، مصنف بن أبي شيبة ٧: ٣٥١.

٣٧٦

توفيت أسماء بنت عميس في سنة ثمان وثلاثين للهجرة كما في بعض المصادر، وقيل ‏بعد الستين(١) ، لكنّ غالب المصادر قالت أنّ الإمام عليّاً مات عن أربعة زوجات وذكروا ‏فيهن أسماء بنت عميس، وهن: أمامة، أسماء، أمّ البنين، ليلى النهشلية(٢) . وهذا يعني ‏أ نّها ماتت بعد سنة ٤٠ ه-.

وأسماء هي التي نقلت كلام أمير المؤمنين عند شهادته فقالت: كنت عند أمير المؤمنين ‏علي بن أبي طالب بعدما ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة بعد أن أُغمي عليه، ثم أفاق ‏وقال: مرحباً، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ ‏نَشَآءُ)(٣) .

وإليك الآن الأقوال في اسماء أولاد علي بن أبي طالب من أسماء بنت عميس مميزين ‏الثابت منه والمشكوك فيهم، فنذكر أولاً من انفرد بذكر يحيى بن علي، ثم نذكر من ذكر ‏هذا مع إِخوان له:‏

‏١ - من ذكر يحيى بن علي فقط‏

أطبق النسّابة على أن أسماء ولدت لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام يحيى، وقد مات ‏صغيراً.

أ مّا وجود اسم محمّد وعون في ولد علي من اسماء فقد اختلفوا فيه، وقد قلت قبل قليل ‏بأني لا أستبعد أن يكون سببه هو وقوع الخلط عند النسّابة والمؤرخين حيث عدّوا أولاد جعفر بن أبي طالب ضمن ولد علي بن أبي طالب لمكانة ‏أسماء بنت عميس عندهما، فهي زوجة علي وجعفر، وقد يكونا (محمّد وعون) لجعفر ‏وعلي معاً وهما مكرران، أي أنّ لجعفر محمّداً وعوناً من أسماء، وكذلك مثلهما لعلي.

____________________

١- الوافي بالوفيات ٩: ٣٤.

٢- الدر النظيم: ٤١١.

٣- المستطرف للابشيهي٢: ٥٧٧.

٣٧٧

قال ابن أبي الثلج (ت ٣٢٥) في (تاريخ أهل البيت): وولد له من أسماء بنت عميس ‏الخثعمية: يحيى(١) .

وقال الخصيبي (ت ٣٣٤ ه-) في (الهداية الكبرى): وكان له يحيى من أسماء بنت ‏عميس الخثعمية(٢) .

وقال الشيخ المفيد (ت ٤٧٨ ه-) في (الإرشاد): ويحيى أ مّه أسماء بنت عميس ‏الخثعمية(٣) .

وقال الشيخ المفيد (ت ٤٧٨ه- ) في (الإرشاد): ويحيى أمّه أسماء بنت عميس الخثعمية(٤) .‏

وقال ابن عبدالبر (٤٦٣ ه-) في (الاستيعاب): فولدت له هناك ‏ ‎ [ ‎ أي لجعفر بن أبي ‏طالب في الحبشة ‎ ] ‎ ‏ محمّد اً وعبدالله وعونا، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر بن أبي ‏طالب تزوّجها أبو بكر الصديق فولدت له محمّد بن أبي بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي ‏بن أبي طالب فول-دت له يحيى بن علي بن أبي طالب لا خلاف في ذلك.

وزعم الكلبي أنّ عون بن علي بن أبي طالب أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية، ولم ‏يقل هذا أحد غيره فيما علمت.

وقيل: كانت أسماء بنت عميس تحت حمزة بن عبدالمطلب فولدت له ابنة تسمّى أَمَةَ ‏الله، وقيل: إنّ التي كانت تحت حمزة وشداد سلمى بنت عميس لا أسماء أختها(٥) .

____________________

١- تاريخ أهل البيت: ٩٥.

٢- الهداية الكبرى: ٩٥.

٣- مروج الذهب ٢: ٣٠٠.

٤- الإرشاد ١: ٣٥٤.

٥- الاستيعاب ٤: ١٧٨٥.

٣٧٨

وقال الطبرسي (ت ٥٤٨ ه-) في (إعلام الورى): و يحيى أمُّه أسماء بنت عميس ‏الخثعمية، وتوفّي صغيراً قبل أبيه(١) .

وقال أيضاً في (تاج المواليد): ويحيى أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية(٢) .

وقال الكاتب البغدادي (ت ٥٦٧ ه-) في (تاريخ الأئمة): وولد له من أسماء بنت ‏عميس الخثعمية: يحيى(٣) .

وقال ابن أبي الحديد (ت ٦٥٦ ه-) في (شرح النهج): تزوّجها علي بن أبي طالب ‏فولدت له يحيى بن علي لا خلاف في ذلك.

وقال النووي (٦٧٦ ه-) في (تهذيب الأسماء): أسماء بنت عميس ولدت لعلي ‏يحيى(٤) .

وقال العلاّمة الحلي (ت ٧٢٦ ه-) في (المستجاد من الإرشاد): و يحيى أ مّه أسماء ‏بنت عميس الخثعمية رضي ‌الله‌ عنها(٥) .

وقال المرتضى الزيدي (ت ٧٤٠ ه-) في (البحر الزخّار) عند ذكره أولاد الإمام ‏علي: ثمّ يحيى، أُمه أسماء بنت عميس، مات صغيراً(٦) .

وقال الصالحي الشامي (ت ٩٤٢ ه-) في (سبل الهدى): اسماء بنت عميس كانت ‏تحت جعفر فولدت له عبدالله ومحمّداً وعوناً ثم مات فخلف عليها أبو بكر الصديق فولدت له محمّداً ثمّ مات فخلف عليها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى(٧) .

____________________

١- اعلام الورى ١: ٣٩٦.

٢- تاج المواليد: ١٨ - ١٩.

٣- تاريخ الأئمّة: ١٦.

٤- تهذيب الأسماء ٢: ٥٩٩.

٥- المستجاد من الارشاد: ١٣٩ - ١٤٠.

٦- البحر الزخار ٢: ٣٨٤.

٧- سبل الهدى والرشاد ١١: ٢٠٧.

٣٧٩

وقال في مكان آخر: ويحيى مات طفلا(١) .

كل هذه النصوص تؤكّد بأنّ أسماء بنت عميس ولدت لعلي بن أبي طالب يحيى وأن ‏ذلك لا خلاف فيه; لكنّ الاختلاف في وجود أولاد آخرين منها لعلي.

‏٢ - من ذكر معه أسماءَ آخرين‏

قال اليعقوبي (ت ٢٩٢ ه-) في (تاريخه): وعثمان الأصغر(٢) ويحيى، أ مّهما اسماء ‏بنت عميس الخثعمية(٣) .

وقال الكوفي (ت ٣٠٠ ه-) في (مناقب الإمام أمير المؤمنين): ويحيى وعون ابنا ‏علي، وأ مّهما أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب(٤) .

وقال ابن شهرآشوب (ت ٥٨٨ ه-) في (مناقب ال أبي طالب): ومن أسماء بنت ‏عميس الخثعمية يحيى ومحمّد الأصغر، وقيل: بل ولدت له عوناً، ومحمّدُ الاصغر من أمّ ‏ولد(٥) .

وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: ذكر ابن الكلبي أنّ عوناً أمّه أسماء بنت عميس ولم ‏يقل ذلك أحد غيره(٦) .

وقال ابن الجوزي (ت ٥٩٧ ه-) في (المنتظم): ثم تزوّجت بعده بعلي بن أبي طالب، ‏فولدت له يحيى وعونا(٧) .

____________________

١- سبل الهدى والرشاد ١١: ٢٨٨.

٢- انفرد اليعقوبي بهذا القول، و يُخطّئُهُ اشتهار اسم عثمان لابن أم البنين الذي وضعه الإمام علي على ابنه بعد ‏مقتل عثمان، فلو ثبت لك يجب ان يكون ابن اسماء بنت عميس هو الاكبر لا الاصغر لزواجه بها قبل أم البنين.

٣- تاريخ اليعقوبي ٢: ٢١٣.

٤- مناقب أمير المؤمنين ٢: ٤٩.

٥- مناقب آل أبي طالب ٣: ٨٩، وعنه في بحار الأنوار ٤٢: ٩١ - ٩٢.

٦- شرح نهج البلاغة ١٦: ١٤٢ - ١٤٣.

٧- المنتظم ٥: ١٥٤.

٣٨٠